الأدلة على وجوب الإمامة

من إمامةبيديا

تمهيد

إنَّ الإمامة واجبة على الله تعالى بالنسبة لعباده وإنها أمر إلهي لا يتعلق تعيينها بأحدٍ من البشر كما يعتقد الإمامية بذلك ولهم أدلة عدة من العقل والنقل في إثبات وتحقيق ذلك، نحاول أنْ نبينها في هذه الصفحات بشيء من الإيجاز لنكون على بينة منها.[١]

الأدلة العقلية

الإمامة واجبة عقلاً على الله تبارك وتعالى أي محال بحكم العقل أنْ ينقض الله تبارك وتعالى غرضه. وإنَّ الله تبارك وتعالى بعث الرسول(ص) لهداية الناس ومعه رسالة وأراد لهذه الرسالة الاستمرار وأنْ تبقى حية لتنقذ البشرية جمعاء من المتاهات، فإذا لم يتكلف سبحانه ببيان استمرارية هذه الرسالة والتي تتم عن طريق الإمامة، فمعنى ذلك أنَّ الله تبارك وتعالى -و العياذ بالله- ناقض لغرضه! ويستحيل بحكم العقل أنْ ينقض غرضه.

وحسب قاعدة اللطف فالله تبارك وتعالى يريد من الناس أنْ يسيروا في طريق الهداية ويتجنبوا طريق الظلال، فيأمرهم بالطاعة ويبعدهم عن المعصية. وإنَّ امتثال الطاعة وترك المعصية إذا كان متوقفاً على وجود إمامٍ يسددهم ويرشدهم إلى الطريق الصحيح فالله تبارك وتعالى لحكمته ولطفه لابد أنْ يعين لهم الإمام ليكمل خطوات النبي، وهذا هو الفارق الأساس بين الإمامية وغيرهم من الطوائف الأخرى.

فالإمامية يقولون بأنَّ الإمامة قاعدة من قواعد اللطف، وأنها منصب إلهي لابد وأنْ يكون الله تبارك وتعالى المتعهد والمتكفل لأمر الإمامة كما تعهد وتكفل أمر الرسالة، فكما أنَّ الرسول لا يعينه الناس ولا يختاره إجماع الأمة فكذلك الإمامة، لأنَّ الله تبارك وتعالى خلق في الإنسان روح التكامل وأودع فيه قابليات للحركة التكاملية والإنسان مستمر في هذه الحركة التكاملية وهناك عوامل تصده، فلابد من وجود فرد متميز جامع لكل المزايا الروحية ومستوعب أعماق الحكم الإلهي ويكون إنساناً مسدداً ربانياً معصوماً اختاره الله ليكون داعية التوحيد ويكون بهذا ذو أهلية للقيادة، وهذا القائد والإنسان الكامل المعصوم هو رائد ركب الإنسانية وواسطة الفيض الرباني وحلقة الوصل بين عالم الغيب وأفراد البشر ليوصلهم إلى الهداية المنشودة للإنسانية فيستحيل بحكم العقل أنْ يحرم الله تبارك وتعالى الإنسان من الهداية التي تتكفل وصوله إلى الغاية. فالألطاف الإلهية اللامتناهية تقتضي أنْ يهدي العبد نحو الوصول إلى الحقائق السامية والكمالات العليا بأطروحة جامعة شاملة تضمن له سعادة الدنيا والآخرة وحينما يُعين له الإمام فإنه قد نَصَّب له الهادي والمرشد ويكون قد أكمل له طريق الهداية.

وإنَّ الأدلة العقلية على وجوب الإمامة عدة نحاول بيان ثلاثة منها:[٢]

أولاً: قاعدة اللطف

الإنسان بناء على فطرته السليمة في حركة لا تتوقف باتجاه الكمال، فهو يقطع الطريق من حيث يشعر أو لا يشعر وبشوقٍ شديدٍ حتى المحطة الأخيرة في حركته، ومن خلال إحساسه بالحاجة الملحة يحاول أنْ يقطع مراحل أكثر في هذا الطريق لكي يتقرب من المدارج العالية، وهذا الطريق التكويني له مراتب مختلفة يربط بينها رباطٌ وثيقٌ عميقٌ، وبما أنَّ الإنسان قد أودعت فيه نوازع الخير وتجليات الجمال فهذه يجب أنْ تظهر من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل لحظة بعد أخرى. وغريزة حب الجمال والتوجه نحو الكمال والتكامل موجودة عند الإنسان بشكل فطري، لكنه قد يُخطئ في التطبيق إضافة إلى وجود عوائق ومثبطات وعوامل كالميول والرغبات والأهواء الغير متزنة تقضي على هذا المعنى، ففي حركته التكاملية يجب أنْ يُقوي ويُنمي من طاقته ومواهبه الروحية والنفسية للتكامل، وفي جانب آخر يحاول أنْ يمنع من الآثار السيئة للغرائز والعوامل السلبية في الشخصية الإنسانية، فهذه الطاقات المخربة دائماً تصده من الوصول إلى الكمال لذلك فهو في كفاحٍ مستمر مع الشيطان ومع الغرائز التي تغويه وترديه، وإلى جانب ذلك نجد إنساناً كاملاً بلغ الرتبة النهائية في الكمال ويأتي ليأخذ بأيدي المجموعة البشرية وليكون حجة الله الظاهرية، بعد أنْ أودع الله تبارك وتعالى في الباطن حجة باطنية تتعاون الحجتان الظاهرية والباطنية لتدعم الحركة التكاملية للإنسان.

إذاً فالإمامةُ لطفُ، واللطفُ عبارةٌ عن كل ما يُقرب العبد من الطاعة ويُبعده عن المعصية، والذي يقود الناس إلى مسيرة التكامل ويمنعهم من الخطأ هو الإمام.

ولتقريب هذا المعنى نورد مناقشة لطيفة تروى عن هشام بن الحكم أحد تلامذة الإمام الكاظم(ع) تبين هذا المعنى، حيث ذهب هشام إلى البصرة ودخل إلى مجلس درس عمرو بن عبيد المعتزلي إمام المعتزلة بالبصرة فيجده يتحدث عن الإمامة وأنَّ الإمامة إنما هي ليست واجبة على الله تبارك وتعالى وإنكار وجوبها العقلي.

- فيقول له هشام: هل لي أنَّ أسألك سؤالاً؟

- فيبدأ هشام يسأله: هل لك عين؟

- قال: ألا تراني أبصر؟

- قال هشام: نعم ولكن أجب على سؤالي.

- قال: نعم.

- قال هشام: هل لك يد؟ وظل يعد له مجموعة من الأعضاء والجوارح ويسأله ماذا يفعل بتلك الجوارح.

- قال هشام: إذا أخطأت هذه الحواس في إدراكها للأشياء فهل هناك عضو ليرفع الخطأ عن هذه الأعضاء؟

- قال: نعم.

- فقال هشام وما هو؟

- قال: القلب.

- قال: إذاً تقول إنَّ الله تبارك وتعالى بلطفه خلقَ عضواً في داخل الإنسان مركزاً للدقة والموازنة يسيطر على الأعضاء والجوارح ترجع إليه الأعضاء إذا أخطأت.

- قال: نعم.

- قال هشام: إذاً كيف خلق الله تعالى في الإنسان عضواً ترجع إليه الأعضاء كلها عندما تخطئ ولم يخلق للأمة شخصاً ترجع إليه أفراد الأمة عندما يخطؤون وهو مصون من الخطأ؟

فكما أنَّ الله تبارك وتعالى في عالم التكوين يخلق عضواً في داخل الجهاز الإنساني وهذا العضو يرشد الأعضاء كلها ويُقَوِّم خطأها، كذلك لابد حسب قاعدة اللطف أنْ يخلق الله للأمة كلها مركزاً واعياً لإدراك الحقيقة حينما يخطئ أفراد البشر يرجعون إليه.

إذاً فالعصمة إنما هي للإمام الذي هو قلب الأمة، وليست الأمة من دون الإمام بمعزل عن الخطأ في القضاء والحكم على سائر الأمور.[٣]

ثانياً: نقض الغرض

إذا كان النبي(ص) يأتي برسالته ويرشد الناس ويعظهم ويوجههم نحو الخير لمدة ثلاث وعشرين سنة ثم يتوفى ويترك الأمة بلا راعٍ ولا مصير معين، فإنَّ هذا نقضٌ للغرضِ الذي بُعث له، ويستحيل على الحكيم أنْ ينقضَ غرضه، لأنَّ هذا العلاج علاج مؤقت، فمَنْ يضمن المسيرة الصحيحة للأمة بعد وفاة الرسول(ص) إذا لم يعين خليفة وإماماً يتصدى لذلك فلا يمكن أنْ يترك كل شيء للناس فيختارون ما يشاؤون وهو يعلم أنَّ هذه الأمور تؤدي إلى التفرقة والخلافات ولا تعود على الأمة الإسلامية بخير، فكيف إذاً وهو يعلم أنَّ هذه الأخطار ستواجههم؟

فإذا فعل ذلك فهو قد نقضُ الغرض، والحكيم لا ينقض غرضه.

فالطريقة التي اتخذها رسول الله(ص) من أول لحظة كانت تشير إلى مراعاة هذا الأمر العظيم وحديث يوم الدار أكبر دليل على أنَّ النبي(ص) قرر مقام الوصي والخليفة والإمام الذي يكون من بعده.

الإمامة منصب الهي:

إنَّ الإمام لابد أنْ يكون مستجمعاٌ لصفات الفضيلة والعلم، وأنْ يكون أعلم أهل زمانه لأنه المرشد والقدوة، وإنَّ الله تبارك وتعالى هو مَنْ له القدرة على معرفة الكمال والعصمة والهداية والمزايا الموجودة في باطن الإنسان ليكون أهلا لتقبل المسؤولية في الإمامة والقيادة حيث هو الخالق الذي جَبَلَ النفوس وعرف دخائلها، وهو الوحيد الذي يحيط بضمائر الناس ويعرف من يصلح لهذا المنصب من غيره.[٤]

ثالثاً: طريقة العقلاء

إنَّ طريقة كل العقلاء في الخلافة هو تعيين وصي وخليفة ونائب حينما يغيبون عن كل شيء هو في مسؤوليتهم وهذا في أدنى الأمور فكيف بأعظمها، والرسول(ص) الذي يتبعه كل العقلاء لم يسافر مرة إلا وعين مَنْ ينوبه ويتولى الشؤون في غيابه، وكذلك غيره(ص) حيث نلاحظ أنَّ أبا بكر لما توفى أوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب ليكون خليفته على الأمة ويتولى شؤونها. فهل هذا يعني أنَّ أبا بكر كان أكثر حرصاً على مستقبل الأمة الإسلامية من الرسول(ص)!!

فهل يمكن القول أنَّ أبا بكر يعرف هذه الحقيقة وأنه لا يمكن أنْ تُترك الأمة سُدىً فيعيِّن وينص على الخليفة الذي بعده، ولكن رسول الله(ص) يجهل أهمية هذه المسألة وخطورتها بالنسبة لمستقبل المسلمين، حاشا رسول الله(ص) من الجهل والإغفال والعياذ بالله.

إذاً فالإمامة واجبة عقلاً على الله تبارك وتعالى.[٥]

الأدلة النقلية

وأما الأدلة النقلية على وجوب الإمامة فهي متعددة كذلك من خلال الآيات المباركة في القرآن الكريم وكذا السنة الشريفة التي أكدت على ذلك في مواطن متعددة.

أولاً: القرآن الكريم

والآيات المباركة التي يمكن الاستدلال بها على وجوب الإمامة وأنَّ الله تعالى قد أكد على ذلك وبينه فهي كثيرة، منها:

آية إكمال الدين

آية الولاية

آية التطهير

آية الأذن الواعية

آية الإطعام

آية طاعة أولي الأمر

الآيات التي نزلت في علي(ع)

سورة براءة

ثانياً: السنة الشريفة

وأما السنة الشريفة فقد تضمنت عدداً من الروايات المباركة التي تدل على الإمامة نذكر منها:

حديث الثقلين

حديث المنزلة