الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإمامة»

من إمامةبيديا
طلا ملخص تعديل
 
(مراجعتان متوسطتان بواسطة مستخدم واحد آخر غير معروضتين)
سطر ٤١: سطر ٤١:
أما المعتزلة فإنهم يقولون بأنها واجبة على الأمة، أي واجب على العقلاء وعلى الناس.
أما المعتزلة فإنهم يقولون بأنها واجبة على الأمة، أي واجب على العقلاء وعلى الناس.


فالمعتزلة يشاركون أهل السنة في الإمامة بأنها مسألة تخص الناس وليست منصباً إلهياً باعتبار الحديث المنسوب إلى رسول الله{{صل}}: {{متن حدیث|أنتم أعرفُ بأمورِ دُنياكم}}، وهذا الحديث لم يثبت عن النبي{{صل}}: وإنَّ سنده ينحصر فقط بعائشة وكانت حينذاك في السنة الثانية من عمرها، فلا يمكن أنْ تكون قد سمعت الحديث من النبي{{صل}}.
فالمعتزلة يشاركون أهل السنة في الإمامة بأنها مسألة تخص الناس وليست منصباً إلهياً باعتبار الحديث المنسوب إلى رسول الله{{صل}}: {{نص حديث|أنتم أعرفُ بأمورِ دُنياكم}}، وهذا الحديث لم يثبت عن النبي{{صل}}: وإنَّ سنده ينحصر فقط بعائشة وكانت حينذاك في السنة الثانية من عمرها، فلا يمكن أنْ تكون قد سمعت الحديث من النبي{{صل}}.


إذاً فمسألة الإمامة موجودة لدى جميع فِرق المسلمين، ولكن قسم منهم يعتبر وجوبها عقلياً وآخر يعتبر وجوبها سمعياً.
إذاً فمسألة الإمامة موجودة لدى جميع فِرق المسلمين، ولكن قسم منهم يعتبر وجوبها عقلياً وآخر يعتبر وجوبها سمعياً.


والفكرة العامة للشيعة عن الإمامة هي أنها منصبٌ إلهيٌ أشار إليها القرآن الكريم من خلال الآيات المباركة ومنها قوله تعالى: {{متن قرآن|وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَتٍ فَأَتَمهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ ومِن ذُرِّيَّتي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}} <ref>البقرة: ١٢٤.</ref>، إذاً منصب الإمامة إنما هو تعيين من الله تبارك وتعالى حيث يقول: {{متن قرآن|إِنِّي جَاعِلُكَ}} ثم {{متن قرآن|لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}} إشارة إلى أنَّ هذا العهد الإلهي هو أعلم فيمَنْ يضعه لأنه يشترط في الإمام الأمور التالية:
والفكرة العامة للشيعة عن الإمامة هي أنها منصبٌ إلهيٌ أشار إليها القرآن الكريم من خلال الآيات المباركة ومنها قوله تعالى: {{نص قرآني|وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَتٍ فَأَتَمهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ ومِن ذُرِّيَّتي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}} <ref>البقرة: ١٢٤.</ref>، إذاً منصب الإمامة إنما هو تعيين من الله تبارك وتعالى حيث يقول: {{نص قرآني|إِنِّي جَاعِلُكَ}} ثم {{نص قرآني|لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}} إشارة إلى أنَّ هذا العهد الإلهي هو أعلم فيمَنْ يضعه لأنه يشترط في الإمام الأمور التالية:
#أنْ يكون معصوماً.
#أنْ يكون معصوماً.
#أنْ يكون أعلم أهل زمانه
#أنْ يكون أعلم أهل زمانه
سطر ٦٢: سطر ٦٢:


==كلمة (إمام)==
==كلمة (إمام)==
كلمة (إمام) على وزن (كتاب)، في اللغة من أصل (أمّ) بمعنى القصد والتوجه، تستعمل كلمة الإمام في اللغة العربية في معاني مختلفة<ref>من المعاني الأخرى للإمام: المعلم، الجادة، بعض الأرض، حبل البنّاء: الجوهري، الصحاح، ج۵؛ الشرتوني، أقرب الموارد؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۱.</ref> منها المتقدِّم والقائد. كما جاءت كلمة إمام وجمعها أئمة ۱۲ مرة في القرآن الكريم بمعاني مختلفة، منها معنى القائد الإلهي الحق<ref>استعملت كلمة "إمام" في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ مرة واحدة (سورة يس:۱۲)، وبمعنی الطريق مرة واحدة (سورة الحجر: ۷۸)، و۱۰ مرات بمعنى القائد وأريد بها كتاب التورات في موردين من هذه الموارد العشرة (سورة هود: ۱۷، سورة الأحقاف: ۱۲)، ومطلق القيادة مرة واحدة (سورة الإسراء: ۷۱)، وخمس مرات القادة الإلهيين (سورة البقرة: ۱۲۴، سورة الأنبياء: ۷۳، سورة الفرقان: ۷۴، سورة القصص: ۵، سورة السجدة: ۲۴) واستعملت مرة واحدة في مورد قادة الكفر (سورة التوبة: ۱۲).</ref>: {{متن قرآن|قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}}<ref>سورة البقرة: ۱۲۴.</ref>، {{متن قرآن|فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}}<ref>سورة التوبة: ۱۲.</ref> كلمة (إمام) لها معانٍ كثيرة أوسع من المعنى المصطلح في علم الكلام حيث اختصت فيه هذه الكلمة ب (خليفة النبي{{صل}}).<ref>[[محمد سعيدي‌مهر|سعيدي‌مهر، محمد]]، [[دروس في علم الكلام الاسلامي (كتاب)|دروس في علم الكلام الاسلامي]]، ص ٤٧٦.</ref>
كلمة (إمام) على وزن (كتاب)، في اللغة من أصل (أمّ) بمعنى القصد والتوجه، تستعمل كلمة الإمام في اللغة العربية في معاني مختلفة<ref>من المعاني الأخرى للإمام: المعلم، الجادة، بعض الأرض، حبل البنّاء: الجوهري، الصحاح، ج۵؛ الشرتوني، أقرب الموارد؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۱.</ref> منها المتقدِّم والقائد. كما جاءت كلمة إمام وجمعها أئمة ۱۲ مرة في القرآن الكريم بمعاني مختلفة، منها معنى القائد الإلهي الحق<ref>استعملت كلمة "إمام" في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ مرة واحدة (سورة يس:۱۲)، وبمعنی الطريق مرة واحدة (سورة الحجر: ۷۸)، و۱۰ مرات بمعنى القائد وأريد بها كتاب التورات في موردين من هذه الموارد العشرة (سورة هود: ۱۷، سورة الأحقاف: ۱۲)، ومطلق القيادة مرة واحدة (سورة الإسراء: ۷۱)، وخمس مرات القادة الإلهيين (سورة البقرة: ۱۲۴، سورة الأنبياء: ۷۳، سورة الفرقان: ۷۴، سورة القصص: ۵، سورة السجدة: ۲۴) واستعملت مرة واحدة في مورد قادة الكفر (سورة التوبة: ۱۲).</ref>: {{نص قرآني|قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}}<ref>سورة البقرة: ۱۲۴.</ref>، {{نص قرآني|فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}}<ref>سورة التوبة: ۱۲.</ref> كلمة (إمام) لها معانٍ كثيرة أوسع من المعنى المصطلح في علم الكلام حيث اختصت فيه هذه الكلمة ب (خليفة النبي{{صل}}).<ref>[[محمد سعيدي‌مهر|سعيدي‌مهر، محمد]]، [[دروس في علم الكلام الاسلامي (كتاب)|دروس في علم الكلام الاسلامي]]، ص ٤٧٦.</ref>


==تعريف الإمام والإمامة==
==تعريف الإمام والإمامة==
سطر ٩١: سطر ٩١:
ذُكرت في الروايات الإسلامية تعاليم دقيقة تتعلّق بأصل الإمامة وأبعادها في الإسلام، هذه الروايات كثيرة وشاملة، بحيث إننا لو أردنا ذكر نموذج لكل بُعد من أبعاد الإمامة فإنّ البحث سوف يطول<ref>ذكرت بعض الروايات في: كتاب الحجة من أصول الكافي.</ref>، لذلك نكتفي بذكر بعض الموارد.
ذُكرت في الروايات الإسلامية تعاليم دقيقة تتعلّق بأصل الإمامة وأبعادها في الإسلام، هذه الروايات كثيرة وشاملة، بحيث إننا لو أردنا ذكر نموذج لكل بُعد من أبعاد الإمامة فإنّ البحث سوف يطول<ref>ذكرت بعض الروايات في: كتاب الحجة من أصول الكافي.</ref>، لذلك نكتفي بذكر بعض الموارد.


بعض الروايات تؤكّد أنّ العالم لا يُمكن أن يخلو من حجة الله أبداً، فقد روي عن الإمام الصادق{{ع}}: {{متن حدیث|مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۷۸، ح۳.</ref>. كما أكّدت روايات أخرى على ضرورة البحث والتعرف على الإمام الحق، في حديث عن الإمام الصادق{{ع}} ينقل عن الرسول{{صل}}: {{متن حدیث|مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۳۷۷، ح۳.</ref>، كما ذكرت أوصاف عالية للأئمة منها أنهم شهداء الله على الخلق والهداة إلى سبيله، خلفاء الله على الأرض وحفظة علمه. وللإمام الرضا{{ع}} حديث جامع يرسم لنا موقعية الإمامة في المجتمع الإسلامي سنذكر منه بعض المقاطع فبعد أن بيّن الإمام{{ع}} أنّ الرسول{{صل}} أكمل الرسالة بتعيين علي إماماً قبل وفاته، قال: {{متن حدیث|إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَ أَعْظَمُ شَأْناً وَ أَعْلَى مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ ... الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ ... الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ...}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۲۸۳ - ۲۹۰.</ref>.<ref>[[محمد سعيدي‌مهر|سعيدي‌مهر، محمد]]، [[دروس في علم الكلام الاسلامي (كتاب)|دروس في علم الكلام الاسلامي]]، ص ٤٨١-٤٨٢.</ref>
بعض الروايات تؤكّد أنّ العالم لا يُمكن أن يخلو من حجة الله أبداً، فقد روي عن الإمام الصادق{{ع}}: {{نص حديث|مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۷۸، ح۳.</ref>. كما أكّدت روايات أخرى على ضرورة البحث والتعرف على الإمام الحق، في حديث عن الإمام الصادق{{ع}} ينقل عن الرسول{{صل}}: {{نص حديث|مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۳۷۷، ح۳.</ref>، كما ذكرت أوصاف عالية للأئمة منها أنهم شهداء الله على الخلق والهداة إلى سبيله، خلفاء الله على الأرض وحفظة علمه. وللإمام الرضا{{ع}} حديث جامع يرسم لنا موقعية الإمامة في المجتمع الإسلامي سنذكر منه بعض المقاطع فبعد أن بيّن الإمام{{ع}} أنّ الرسول{{صل}} أكمل الرسالة بتعيين علي إماماً قبل وفاته، قال: {{نص حديث|إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَ أَعْظَمُ شَأْناً وَ أَعْلَى مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ ... الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ ... الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ...}}<ref>الكليني، الكافي، ج۱، ص۲۸۳ - ۲۹۰.</ref>.<ref>[[محمد سعيدي‌مهر|سعيدي‌مهر، محمد]]، [[دروس في علم الكلام الاسلامي (كتاب)|دروس في علم الكلام الاسلامي]]، ص ٤٨١-٤٨٢.</ref>


== المراجع ==
== المراجع ==
{{مراجع}}
{{مراجع}}
[[fa:امامت]]

المراجعة الحالية بتاريخ ١١:٥٢، ١٢ أبريل ٢٠٢٣

تمهيد

إنّ مسألة قيادة الأمة الإسلامية بعد النبي(ص)- التي تُسمى بالإمامة[١] - هي من المسائل المهمة في الفكر الإسلامي. لقد أسس نبي الإسلام(ص) بعد هجرته إلى المدينة أول حكومة إسلامية تولي قيادتها بنفسه، بالإضافة إلى مسؤوليات نبوته، مثل: تلقي الوحي وتبليغه، تبيين القرآن والأحكام الإلهية، تعليم الناس وتربيتهم. لقد تولى الوظائف المرتبطة بقيادة المجتمع الإسلامي، فكان يحكم بين المتخاصمين ويقيم حدود الله ويقود القوى القتالية ويدير الحرب والصلح ويدبّر الأمور الاقتصادية للمجتمع.

لقد تحمّل قيادة الأمة الإسلامية بكل شؤونها الدينية والدنيوية، إلا أنّ السنّة الإلهية اقتضت بأن لا يكون للنبي(ص) عمراً خالداً في الدنيا، بعد مضي ۱۰ سنوات من هجرته فارق رسول الله(ص) هذه الديار، وفي تلك الأثناء واجهت الأمة الإسلامية سؤالاً أساسياً: مَن مِن أصحاب النبي(ص) يُمكنه أن يتحمّل مسؤولية القيادة؟ وكان هذا السؤال يرتكز على أسئلة أخرى: ما الشروط اللازم توفرها في خليفة النبي(ص)؟ كيف يتم تعيين إمام المسلمين؟ لكن الجواب عن هذه الأسئلة لم يكن واحداً! ينقل التاريخ أنّ أول اختلاف مهم وقع بين المسلمين بعد وفاة النبي(ص) كان في مسألة الإمامة والخلافة الذي انتهى إلى انفصال الشيعة عن السنة.

لا ينبغي الغفلة عن أنّ الاختلاف بين الشيعة والسنة لم يقتصر على مجرد تعيين الشخص المناسب لخلافة النبي(ص)، بل اختلفوا في النظرية الكلية المتعلقة بباب الإمامة في المجتمع الإسلامي وشروط ووظائف الإمام، هذا الاختلاف المبنائي أدّى إلى عدم اتفاقهم في الرأي.[٢]

تعريف الإمامة

الإمامة (لغة): مصدر يشتق منه الفعل أمَّ يؤمٌ، إمامة. إذا أمَّ القوم: تقدمهم. وأَمَّهم إمامة، أصبح إماماً لهم. وجمعه: أئمة وأيمة.

الإمامة (اصطلاحا): الإمام القدوة.

وقد تحدث القرآن الكريم عن نوعين من الأئمة: أئمة إيمان وأئمة كفر، إذ الإمام هو مَنْ يُقتدى به في أفعاله وأقواله وتصرفاته. من دون فرق بين أنْ يكون قدوة في أمر حق أو في باطل.

فالإمامة عبارة عن نوع من الرئاسة والريادة، ونوع من التقدم للقيام بعمل وتصرف والآخرون يتبعونه على ذلك.[٣]

الإمامة عند الكلاميين

  1. المحقق نصير الدين الطوسي يقول: الإمامة رياسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدنيوية والدينية وزجرهم عما يضرهم بحسبها.
  2. العلامة الحلي في الباب الحادي عشر يقول: الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي(ص).
  3. العضد الأيجي يقول: الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين بحيث يجب إتباعه (الإمام) على كافة الأمة.

إذاً فالجانبان المطلوبان في الإمامة والتي يهتم بها الشيعة هما جانبا الرياسة الدينية والدنيوية. في حين أنَّ غير الشيعة يكفي أنْ تكون الإمامة رياسة وزعامة في الشؤون السياسية فقط، أي في إدارة الأمة، وأنها زعامة في أمور الدنيا والاهتمام عندهم إنما هو جانب السلطة والرياسة. أما في عقائد الشيعة فإنَّ السلطتين الدينية والمدنية، الروحية والسياسية بالنسبة للإمام مهمة جداً.

ويرى الشيعة أنَّ الإمام هو الحافظ للشريعة، والإمامة امتداد للنبوة وإلا انتفت فائدة البعثة بانتهاء النبوة ووفاة النبي(ص).

وإنَّ الإمامية يرون أيضاً أنَّ الإمامة من أصول الدين وليست من فروعه، فمن جملة مَنْ صرح بذلك العلامة الشيخ "محمد رضا المظفر" في كتابه (عقائد الإمامية) حيث يقول: (نعتقد أنَّ الإمامة من أصل الدين في حين يذهب كثيرون من علماء السنة إلى أنَّ الإمامة من الفروع)، حتى الآمدي يقول: (و اعلم إنَّ الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات)، والعضد الأيجي يقول: ((الإمامة عندنا من الفروع).[٤]

الإمامة واجبة أم لا؟

وهنا نسأل: هل الإمامة واجبة أم لا؟

ذهب بعض الخوارج إلى أنَّ الإمامة غير واجبة أصلاً.

ولكن أكثرية الفرق الإسلامية يذهبون إلى أنَّ الإمامة واجبة! لكن مع الفرق هل أنها تجب على الله أم على الناس؟ أي مَنِ الذي يجب عليه أنْ يقرر شأن الإمامة ومَنِ الذي يعين الإمام.

ذهب أهل السنة إلى أنَّ نصبَ الإمامِ واجبٌ سمعاً لا عقلاً.

بينما يذهب الشيعة والمعتزلة إلى أنَّ دليل وجوب الإمامة دليل عقلي، إذ يجب نصب الإمام عقلاً.

فالإمامية بما فيهم الإسماعيلية يذهبون إلى أنَّ الإمامة واجبة على الله تبارك وتعالى.

أما المعتزلة فإنهم يقولون بأنها واجبة على الأمة، أي واجب على العقلاء وعلى الناس.

فالمعتزلة يشاركون أهل السنة في الإمامة بأنها مسألة تخص الناس وليست منصباً إلهياً باعتبار الحديث المنسوب إلى رسول الله(ص): «أنتم أعرفُ بأمورِ دُنياكم»، وهذا الحديث لم يثبت عن النبي(ص): وإنَّ سنده ينحصر فقط بعائشة وكانت حينذاك في السنة الثانية من عمرها، فلا يمكن أنْ تكون قد سمعت الحديث من النبي(ص).

إذاً فمسألة الإمامة موجودة لدى جميع فِرق المسلمين، ولكن قسم منهم يعتبر وجوبها عقلياً وآخر يعتبر وجوبها سمعياً.

والفكرة العامة للشيعة عن الإمامة هي أنها منصبٌ إلهيٌ أشار إليها القرآن الكريم من خلال الآيات المباركة ومنها قوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَتٍ فَأَتَمهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ ومِن ذُرِّيَّتي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ [٥]، إذاً منصب الإمامة إنما هو تعيين من الله تبارك وتعالى حيث يقول: إِنِّي جَاعِلُكَ ثم لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ إشارة إلى أنَّ هذا العهد الإلهي هو أعلم فيمَنْ يضعه لأنه يشترط في الإمام الأمور التالية:

  1. أنْ يكون معصوماً.
  2. أنْ يكون أعلم أهل زمانه
  3. أنْ يكون مركزاً للهداية.

فالإمام الذي تطمئن إليه القلوب من كل جانب يجب أنْ يكون صافياً ومنزهاً من كل عيب، وهذا أمرٌ لا يطلع عليه إلا الله تبارك وتعالى، فكما أنه لابد للنبي أنْ يُعين من قبل الله تعالى كذلك لابد أنْ يُعين الإمام من قبل الله تبارك وتعالى.[٦]

تصوير كلي للإمامة عند الشيعة والسنة

الإمامة عند السنة ليست منصباً إلهياً، لذلك فإنّ الإمام يُمكن أن يُنتخب إما من خلال الناس أو من ينوب عنهم، بل من الممكن أن يصل إلى القدرة والخلافة بالقتال والظلم. أما الشيعة فإنهم يعتقدون بأنّ الإمامة منصب إلهي وهو استمرار لرسالة النبي(ص) لذلك يتميّز شخص الإمام بفضائل وصلاحيات خاصّة تؤهله ليكون خليفة الرسول(ص). بعبارة أخرى: يرى الشيعة أنّ الإمام يجب أن تتوفر فيه كل خصوصيات النبي(ص) ما عدا النبوة التي تتجلى في تلقي الوحي وإبلاغه. فالإمام هو الشخص الذي يتميّز بالعصمة والعلوم الإلهية بحيث يُمكنه أن يُفسّر كتاب الله وتعاليم النبي(ص) دون أن يخطئ، وأن يتولى قيادة الأمة في كل شؤونها الدينية والدنيوية.[٧]

ضرورة طرح مسألة الإمامة

قد يُعترض على طرح مسألة الإمامة بالقول أنّ مسألة خلافة النبي(ص) تعتبر من المسائل التاريخية، جوهر البحث يدور حول أنّ خليفة النبي(ص) حقاً هل هو الخليفة الأول أو الرابع؟ وليس لهذه المسألة أثر في حياة المسلمين اليوم، خاصة أن طرحها للبحث يزيد من اختلافات المسلمين وتفرقتهم.

في الجواب عن الاعتراض يُقال: أوّلاً بحث الإمامة ليس بحثاً تاريخياً صرفاً، بل له أبعاد كلامية اعتقادية، فكما يلزم على كل مسلم أن يحقّق في مسألة التوحيد أو المعاد كذلك من الضروري التحقيق في مسألة الإمامة، ليصل الشخص إلى نتائج واضحة في بعض منظومته العقائدية، فمسألة الإمامة هي مسألة مؤثّرة على كل مسلم وهي مسألة حيّة في كل زمان ومكان، ثانياً مسألة الإمامة وخلافة النبي(ص) كان لها دور مهم في تديّن المسلمين، بالتأمل في سعة أصل الإمامة عند الشيعة، فإنّ قبول الإمام علي وأبنائه، أي: أنهم هم الذين يمثلون - بعد النبي(ص) - أهم مأخذ لكسب الحقائق الدينية والتعاليم الإسلامية، كما أنّ تفسيرهم للقرآن وبيانهم للسنة النبوية غير قابل للخطأ وواجب الاتباع والطاعة. من جهة أخرى من لا يعتقد بإمامة علي وأبنائه – كما يعتقد بها الشيعة - فإنه يسعى في تعلّم التعاليم الدينية من منابع أخرى ويطلب تفسير القرآن والسنة من طريق غير طريقهم، من هنا تنشأ كثير من الاختلافات الاعتقادية والعملية بين الشيعة والسنة، فالشيعة يعتبرون كل الأحاديث المنقولة بطرق معتبرة عن أئمتهم مثل أحاديث النبي(ص)، يأخذون بمضامينها الاعتقادية ويتبعون تعاليمها العملية على خلاف أهل السنة[٨].

الخلاصة أنّ مسألة الإمامة بالإضافة إلى أنها مسألة مهمة في حد ذاتها فإنّ لها أيضاً تأثيراً كبيراً على الأفكار والسلوك الديني عند المسلمين، ثالثاً لا شك أنّ الابتعاد عن التفرقة ومحاولة نشر الوحدة الإسلامية من مسؤوليات المسلمين الأساسية لكن الطرح العلمي لنظرية الإمامة عند الشيعة بعيداً عن التعصب، ليس فقط لن يوقع خللاً في أخوّة المسلمين ووحدتهم، بل لعله يكون مقدّمة لإيجاد مستوى أرفع من الوحدة، فالتاريخ يشهد أنّ كثيراً من العداوات والحقد المتفشي بين الفِرق ضد بعضها البعض، والحروب المذهبية كانت تنشأ من جهل المذاهب الأخرى بالمذهب الشيعي كما هو عليه حقيقةً.[٩]

كلمة (إمام)

كلمة (إمام) على وزن (كتاب)، في اللغة من أصل (أمّ) بمعنى القصد والتوجه، تستعمل كلمة الإمام في اللغة العربية في معاني مختلفة[١٠] منها المتقدِّم والقائد. كما جاءت كلمة إمام وجمعها أئمة ۱۲ مرة في القرآن الكريم بمعاني مختلفة، منها معنى القائد الإلهي الحق[١١]: قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[١٢]، فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ[١٣] كلمة (إمام) لها معانٍ كثيرة أوسع من المعنى المصطلح في علم الكلام حيث اختصت فيه هذه الكلمة ب (خليفة النبي(ص)).[١٤]

تعريف الإمام والإمامة

استفاد المتكلّمون في تعريف الإمام من تعابير مختلفة إلا أنه مع اختلافها الظاهري فإن مضمونها واحد تقريباً، من التعريفات التي ذكروها: أنّ الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا[١٥]، أو أن الإمامة: رئاسة على جميع المكلفين في أمور الدين والدنيا على سبيل استخلاف النبي[١٦]. وإذا أردنا أن نذكر تعريفاً أشمل للإمامة حسب رأي الشيعة يُمكن القول: إنّ الإمامة منصب إلهي لاستخلاف النبي في القيادة الدينية والدنيوية على الأمة الإسلامية، والإمام هو الشخص المعصوم العالم بعلم موهبتي اصطفاه الله وتم تعيينه للناس حتى يتولى بعد النبي مسؤولية استمرار وظائفه ما عدا مسئولية تلقّي الوحي وإبلاغه، وسيأتي توضيح هذا التعريف.[١٧]

الإمامة أصل اعتقادي أم مسألة فقهية؟

هذا مورد من موارد الاختلاف بين علماء الشيعة والسنة في مسألة الإمامة[١٨]، أغلب علماء السنة - بناء على تصورهم لعلاقة الإمامة بالأمّة - يرون أنّ الإمامة من فروع الدين ويعدّونها من المسائل الفقهية والأحكام العملية، وذلك لأنّ الإمامة تعتمد على وجوب اختيار المكلّفين قائداً للأمة الإسلامية، ومن البديهي أنّ بحث الوجوب الشرعي للأعمال يُطرح في الفقه. مثال على ذلك ما ذكره التفتازاني في شرح المقاصد: "لا خلاف في أن أبحاث الإمامة تلائم على الفروع (علم الفقه) لأنّ اختيار إمام يتّصف بصفات خاصّة من الواجبات الكفائية... ولا شكّ أنّ ذلك من الأحكام العملية وليس الاعتقادية[١٩]. لذلك نجد أنّ علماء الكلام من أهل السنة الذين بحثوا مسألة الإمامة في متونهم الكلامية أكّدوا على أنّ عملهم هذا من باب اتّباع الأسلوب الشائع لا غير، وليس من باب عدّها من جملة الأبحاث الكلامية [٢٠].

في المقابل نجد علماء الشيعة يؤمنون بأنّ الإمامة من أصول الاعتقادات الإسلامية حيث أنها منصب إلهي ولا دور للإنسان في اختيار الإمام، هذا لا يعني أن طائفة الشيعة تكفّر من لا يعتقد بذلك من الفّرق الإسلامية الأخرى، حيث يعتقد علماء الشيعة أنّ مجرد عدم قبول إمامة علي وأبنائه لا يؤدّي إلى خروج الإنسان من الإسلام.[٢١]

ضرورة الإمامة وقاعدة اللطف

يعتقد متكلّموا الشيعة أنّ نصب الإمام من الضروريات ويُمكن إثبات ضرورته بالأدلة العقلية[٢٢]، أهم استدلال استند عليه في المتون الكلامية القديمة هو قاعدة اللطف[٢٣]، ملخص الاستدلال: أنّ نصب الإمام من الله لطف، لاشكّ أنّ حضور الإمام المنصوب من الله في المجتمع الإسلامي سيؤثّر في طاعة الناس لله عقلاً وبضم المقدّمتين نستنتج أنّ نصب الإمام واجب على الله سبحانه وتعالى[٢٤].[٢٥]

حاجة الأمة إلى الإمام

إذا تجاوزنا قاعدة اللطف، يُمكننا إثبات ضرورة تنصيب الله للإمام بطريق آخر، يعتمد هذا الطريق على توضيح حاجة الأمة الإسلامية في بعض أمرها بعد وفاة النبي(ص)، وهذه الحاجة لا يتم رفعها إلا بوجود إمام منتخب من الله تعالى. بعبارة أخرى: إنّ بقاء واستمرار دين الإسلام يعتمد على نصب خليفة مؤهل للنبي(ص)، من هنا فإنّ عدم تنصيب الله للإمام يناقض الحكمة الإلهية. وهناك تقارير عديدة لهذا الاستدلال نُشير إلى واحد منها[٢٦]:

للنبي(ص) مسؤوليات خطيرة – إلى جانب تلقي وإبلاغ الوحي منها:

  1. تفسير آيات القرآن وبيان رموزه وأسراره.
  2. بيان الوظائف الدينية للمسلمين في دائرة الأحكام الفردية والاجتماعية.
  3. الجواب عن شبهات أعداء الإسلام وردّ اعتراضاتهم على حقّانية الإسلام.
  4. الدفاع عن التعاليم الدينية ومنع وقوع التحريف فيها. والوقائع التاريخية تدلّ على أنّ حاجة المجتمع الإسلامي إلى هذه الأمور مستمرة حتى بعد وفاة النبي(ص)، والدليل على ذلك ما حصل من الاختلاف الشديد بين المفسرين في تفسير بعض الآيات القرآنية، وكذلك اختلافهم الشديد في الأحكام العملية حتى شملت بيان سنة النبي(ص)[٢٧]، هجوم الشبهات العقائدية الهدامة من غير المسلمين وشيوع عشرات الآلاف من الأحاديث المجعولة بعد وفاة النبي(ص)، كل هذه شواهد على أنّ الأمة الإسلامية تحتاج إلى العمل بالوظائف المذكورة من جهة، وأنّ هذه الحاجة مستمرة حتى بعد وفاة النبي(ص) ولا يُمكن للأمة أنّ تسدّ حاجتها بدون إمداد إلهي من جهة أخرى، فيكون لدينا احتمالان:

الاحتمال الأول: أنّ الله أو كل الأمر للأمة مع علمه بعدم قدرتها على سدّ احتياجاتها، وهذا الاحتمال واضح البطلان للزوم نقض الغرض من إرسال الأنبياء والتشريعات ويمتنع على الحكيم أن ينقض غرضه،

الاحتمال الثاني: أنّ يُعيّن الله خليفة للرسول(ص) ويعرّفه للناس ليلتفّوا حوله بعد وفاة الرسول(ص) لسدّ احتياجاتهم الدينية، مثل: تفسير القرآن وبيان الأحكام العملية والجواب عن الشبهات ومنع وقوع التحريف في تعاليم الإسلام، وبعد بطلان الاحتمال الأول يتعيّن الاحتمال الثاني، فالحكمة الإلهية تقتضي أن يعرّف الله عزوجل ورسوله(ص) شخصاً للناس مؤهلاً لتحمّل المسؤوليات المذكورة وحافظ للشريعة.[٢٨]

موقعية أصل الإمامة في الروايات

ذُكرت في الروايات الإسلامية تعاليم دقيقة تتعلّق بأصل الإمامة وأبعادها في الإسلام، هذه الروايات كثيرة وشاملة، بحيث إننا لو أردنا ذكر نموذج لكل بُعد من أبعاد الإمامة فإنّ البحث سوف يطول[٢٩]، لذلك نكتفي بذكر بعض الموارد.

بعض الروايات تؤكّد أنّ العالم لا يُمكن أن يخلو من حجة الله أبداً، فقد روي عن الإمام الصادق(ع): «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَ لِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَ الْحَرَامَ وَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ»[٣٠]. كما أكّدت روايات أخرى على ضرورة البحث والتعرف على الإمام الحق، في حديث عن الإمام الصادق(ع) ينقل عن الرسول(ص): «مَنْ مَاتَ لَا يَعْرِفُ إِمَامَهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[٣١]، كما ذكرت أوصاف عالية للأئمة منها أنهم شهداء الله على الخلق والهداة إلى سبيله، خلفاء الله على الأرض وحفظة علمه. وللإمام الرضا(ع) حديث جامع يرسم لنا موقعية الإمامة في المجتمع الإسلامي سنذكر منه بعض المقاطع فبعد أن بيّن الإمام(ع) أنّ الرسول(ص) أكمل الرسالة بتعيين علي إماماً قبل وفاته، قال: «إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَ أَعْظَمُ شَأْناً وَ أَعْلَى مَكَاناً وَ أَمْنَعُ جَانِباً وَ أَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ إِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ ... إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ وَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَ عِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الْجِهَادِ وَ تَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَ الصَّدَقَاتِ وَ إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَ الْأَحْكَامِ وَ مَنْعُ الثُّغُورِ وَ الْأَطْرَافِ الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَ يُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ وَ يُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ وَ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَ يَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ الْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَ هِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَ الْأَبْصَارُ ... الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَ الْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَ مَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ خَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ وَ الدَّاعِي إِلَى اللَّهِ وَ الذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ الْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ ... الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَ لَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ وَ لَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِيرٌ...»[٣٢].[٣٣]

المراجع

  1. من المناسب التنبيه على أن "الإمامة" تستعمل أحياناً بمعنى أوسع، فتشمل حتى الأنبياء، أي: أنّ بعض الأنبياء الإلهيين الذين اتصفوا بسمة المرجعية الدينية والقيادة الاجتماعية فإنهم تميزوا بمنصب الإمامة، ففي سورة البقرة آية ۱۲۴ ذُكرت إمامة النبي إبراهيم(ع)، إلا أننا هنا نقصد بها معنی خاصاً وهو منصب استخلاف النبي الأكرم(ص) حيث يستخلفه شخصٌ ليس نبياً.
  2. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٣-٤٧٤.
  3. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٢٣٧.
  4. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٢٣٧-٢٣٨.
  5. البقرة: ١٢٤.
  6. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٢٣٨-٢٤٠.
  7. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٤.
  8. يكفي القيام بإطلالة سريعة على منابع الأحاديث عند الفريقين ومقارنتها ببعضها، حتى يتبيّن لنا الاختلاف الكبير في الروايات المقبولة عند كل من الفريقين.
  9. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٤-٤٧٦.
  10. من المعاني الأخرى للإمام: المعلم، الجادة، بعض الأرض، حبل البنّاء: الجوهري، الصحاح، ج۵؛ الشرتوني، أقرب الموارد؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۱.
  11. استعملت كلمة "إمام" في القرآن الكريم بمعنى اللوح المحفوظ مرة واحدة (سورة يس:۱۲)، وبمعنی الطريق مرة واحدة (سورة الحجر: ۷۸)، و۱۰ مرات بمعنى القائد وأريد بها كتاب التورات في موردين من هذه الموارد العشرة (سورة هود: ۱۷، سورة الأحقاف: ۱۲)، ومطلق القيادة مرة واحدة (سورة الإسراء: ۷۱)، وخمس مرات القادة الإلهيين (سورة البقرة: ۱۲۴، سورة الأنبياء: ۷۳، سورة الفرقان: ۷۴، سورة القصص: ۵، سورة السجدة: ۲۴) واستعملت مرة واحدة في مورد قادة الكفر (سورة التوبة: ۱۲).
  12. سورة البقرة: ۱۲۴.
  13. سورة التوبة: ۱۲.
  14. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٦.
  15. الجرجاني، شرح المواقف، ج۸، ص۳۴۵.
  16. اللاهيجي، سرمايه ايمان، ص۱۰۷؛ وراجع تعاريف مشابهة في: التفتازاني، شرح المقاصد، ج۵، ص۲۳۲ - ۲۳۴؛ الماوردي، الأحكام السلطانية، ص۵.
  17. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٧.
  18. قيل: إنّ هناك من بين أهل السنة من يرى أنّ الإمامة أصل اعتقادي ويجب أن يُدرس في مسائل علم الكلام، أمثال القاضي البيضاوي وجماعة من أتباعه: محمد حسين المظفر، دلائل الصدق، ج۲، ص۱۴.
  19. التفتازاني، شرح المقاصد، ج۵، ص۲۳۲ و۲۳۳.
  20. يقول القاضي عضد الدين الايجي: "الأمامة عندنا من الفروع، إلا أننا نبحثها في علم الكلام اتباعاً لمنهج الماضين": شرح المواقف، ج۸، ص۳۴۴؛ راجع أيضاً: الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص۱۴۷.
  21. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٧-٤٧٨.
  22. يواجه المتكلمون المسلمون في باب نصب الإمام ثلاثة أسئلة أساسية: ۱/ هل نصب الإمام عمل مهم وضروري أم لا؟، ۲/ في حال ثبوت ضرورته: فهل ضرورته عقلية أم شرعية؟ يعني هل أنّ لزوم الإمام ثبت بالأدلة العقلية أم أنّ هناك أدلة شرعية توجبه؟، ۳/ إذا ثبت ضرورة نصب الإمام، هل هذا العمل لازم على الله أم على الناس؟ اختار كل مذهب من المذاهب الإسلامية إجابة ميّزته عن بقية المذاهب الأخرى، في الجواب عن السؤال الأول لا يرى كل من أبوبكر الأصم وإبراهيم الغوطي - من متكلمي المعتولة – وجماعة من الخوارج ضرورة نصب الإمام في حين اتفقت بقية الفِرق الإسلامية على ضرورته. في الجواب عن السؤال الثاني يرى كل من أصحاب الحديث والأشاعرة وأيضاً أبو علي الجبائي وأبوهاشم الجبائي بأنّ الوجوب شرعي، في حين يرى علماء الإمامية (الشيعة) ومعتزلة بغداد، والجاحظ وأبو الحسين البصري بأنّ الوجوب عقلي. في الجواب عن السؤال الثالث: عدّ كل من الشيعة والإسماعيلية أنّ نصب الإمام واجب على الله وعدّه غيرهم أنه واجب على الناس، راجع: العلامة الحلي، كشف المراد، ص۳۸۸؛ فاضل مقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۲۷.
  23. تم تبيين قاعدة اللطف في بحث ضرورة النبوة.
  24. إذا أردت نموذجاً للاستدلال المبتني على قاعدة اللطف، راجع: سيد مرتضى، الذخيرة في علم الكلام، ص۴۱۰؛ العلامة الحلي، كشف المراد، ص۳۸۸؛ فاضل مقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۲۸. ذكر المتكلمون الشيعة الاعتراضات التي من الممكن أن ترد على هذا الاستدلال وأجابوا عليها، راجع: العلامة الحلي، المصدر السابق، ص۳۸۹ و۳۹۰؛ فاضل مقداد، المصدر السابق، ص۳۲۹ –۳۳۲.
  25. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٨-٤٧٩.
  26. إذا جعلنا فوائد الإمامة في محورين كليين هما المرجعية الدينية والقيادة الاجتماعية فإنّ الاستدلال الاستدلال المذكور يعتمد أوّلا وبالذات على الفائدة الأولى، أي: المرجعية الدينية للإمام.
  27. بلغت شدّة هذا الاختلاف حتى شملت الاختلاف في كيفية وضوء النبي الأكرم(ص) الذي كان يتوضأ أمامهم لسنوات طويلة!.
  28. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٧٩-٤٨١.
  29. ذكرت بعض الروايات في: كتاب الحجة من أصول الكافي.
  30. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۷۸، ح۳.
  31. الكليني، الكافي، ج۱، ص۳۷۷، ح۳.
  32. الكليني، الكافي، ج۱، ص۲۸۳ - ۲۹۰.
  33. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٨١-٤٨٢.