الصفحة الرئيسية
«الحِلم»: وهو ضبط النّفس عند طغيانها وهيجانها، فالحليم هو من يملك نفسه ويسيطر عليها ويردعها عن طغيانها.
وهو زينة الإنسان وضروريّة، سيما العالم المطاع في قومه.
والذكر الحكيم اهتمّ به اهتماماً بليغا حتّى أطلق الله تعالى فيه الحلم وما يشتقّ منه على العقل، وذلك في مواضع عدّة، تنبيهاً على ربطهما الوثيق، بل على أن لا عقل الا مع الحلم، ولا أقل من أنّ كماله به.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
والقرآن اهتمّ بشأن الخليل (ع) في آيات كثيرة وبيّن في تلك الآيات جملةً من فضائله (ع)، ومنها الّتي ورد ذكرها في أكثر من آيةٍ هي فضيلة الحلم. قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾.
ومن صفات الباري تعالى الّتي كرّر جلّ وعلا ذكرها في الذكر الشريف، تنويهاً إلى غاية عظمته وجلاله وجماله جلّ وعلا هي صفة الحلم وقد ورد ذكرها فيه فيما يزيد على عشرة موارد، منها: قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.
ولهذه الفضيلة آثار هامّة تفيد صاحبها ولتلك الآثار آثار أيضاً فهي شجرة طيّبة تؤتى اكلها كلّ حين باذن ربّها، ومن تلك الآثار الشرف والعزّة عند النّاس وكونه محبوباً في قلوبهم، والمرء في غالب الأحيان يفوز بمقصده ومرماه بعزّه عندهم.
ومن لطائف توفيق الأنبياء والأوصياء والعلماء فيما يرمونه، هي فضيلة الحلم الّتي يتزيّنون بها، لانّهم بفضائلهم الخُلقيّة سيّما فضيلة الحلم يحكمون على القلوب، ثمّ إذا ثبت لهم هذا الحكم، يؤثّر كلامهم في أنفس المؤمنين، وهذا ممّا دلّت عليه التّجربة طوال الأعصار.
فهذه الفضيلة مما يحتاج النّاس كلّهم إليها سيّما علماء الشريعة ومبلّغيها ومربّييى الناس والأمراء ومن حاذاهم في تدبير أمور المجتمع بشؤونها المختلفة.
انّ المتّصف بهذه الفضيلة يكون نشيطاً ذا طمأنينةٍ وسكينة، فلا يهجم عليه الأمراض النفسيّة المؤدّية إلى الأمراض الجسمانيّة امّا من لم يتزيّن بها، فيهجم عليه الكسل والبطالة، فيغلب عليه السكون والحزن والهم، فلا نهاية لأمره إلّاالأمراض الروحيّة والجسميّة كضعف الحواس وما يشبهه، فالحياة له حينئذٍ موت تدريجي ويترتب على تلك الحياة لا محالة خسران الآخرة، لأنّ من لاحياة طيّبة له في الدّنيا لاحياة طيّبة له في الآخرة، فهو خسر الدّنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين. انّ الإنسان مدنى بالطّبع ولا يتيسّر له أن يعيش وحيداً منقطعاً عن الناس. ثمّ صلاح المدنيّة وتمام أمرها لايتمّ إلّابالحلم، لأنّ الحليم له أنّ يألف كما له أنّ يُؤلف، امّا الغضبان فلا، فلا يُجلب إليه المنافع كما لا يُدفع عنه المضارّ. فالحلم هو الّذي يتوقّف عليه أمر المعاش الجماعي.
هذا ممّا يرتبط بدنياه. أمّا السعادة في الآخرة، فهي أيضاً مرهونة به، لأنّ الغضبان غير الحليم يسوقه غضبه إلى ارتكاب الذنوب المتتالية، فلا سعادة له في العقبى ايضاً. وسيأتي زيادة توضيح لذلك في بيان رذيلة الغضب.
فتلخّص ممّا قلنا أنّ سعادة الدارين رهنيةٌ بهذه الفضيلة.
وعند العقل لها منزلة عظيمة كما انّ لصاحبهاعند النّاس مقاماً جليلًا.
ومن يتنعّم بهذه النّعم الّتي خير الدّارين فيها، فليشكر شكراً كثيراً وليحمدالله عليها حتّى يزيدها ولا يسلبها عنه.
قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. ومعلوم انّ هذه النّعم الثّلاث كالحلم ذات مراتب، فالضّعيفة منها وإن كانت مطلوبة إلّا انّ الإنسان لا بدّ له من أن يترقّى آناً فاناً وان يكون بصدد تحصيل المراتب العُليا.
ومن آثارها الهامّة هو العفو والصّفح، والفرق بينهما مع اشتراكهما في كونهما خلاف الانتقام وهو اسقاط حقّه على من ظلمه والاعراض عنه، انّ الصّفح أبلغ من العفو لا شراب غمض العين في معناه دون العفو، فالعفوّ يسقط حقّه مع رؤية ما ظُلم به عليه وجعله نصب عينيه، ولكنّ الصّفوح يغمض عمّا ورد عليه من الأذى والمظلمة فكانّه لم يرد عليه شيء فيحسن إلى الظّالم كما أحسن إليه قبل ذلك، فالعفو فعل الرّحيم والصّفح عمل الكريم.
فالعفوّ يعفو بعد أنّ ظُلِم ولكنّ الصّفوح يصفح من دون تعرّض فالعفوّ يمكن أن يظهر المظلمة ثمّ يسقط حقّه بالنسبة إليها ولكن الصّفوح يخفيها ويعرض عنها.
إنّ الحلم يتوقّف على كظم الغيظ تحلّماً، أي تحمّل الحلم لانّه بالتّحلّم يحصل الحلم، فكما انّ العلم يحصل بالتّعلّم فكذلك الحلم يحصل بالتّحلّم، أمّا أن يكون الحلم سجيّةً لأحدٍ من الناس فلا يكون إلّاللأوحدىّ منهم، وعليه أيضاً أن يتحلّم، لانّه بمنزلة الغذاء له، فبقاؤه ونموّه واستكماله يحتاج اليه.
فان شئت قلت إنّ كظم الغيظ هو العلّة الموجدة للحلم في عامّة الناس وهو العلّة المبقية لها فيهم وفي المتّصفين به بالطّبع، فالحلم يُحتاج إليه طوال عمر الحليم احتياج المعلول إلى علّته وهذا سرّ ندْب الذكر الحكيم إليه وجعْله من علائم المتّقين.

هذا الكتاب هو المجلد الثاني من مجموعة أعلام الهداية المكونة من أربعة عشر مجلداً، من تأليفات السيد منذر الحكيم بالتعاون مع عدي غريباوي، وسام البغدادي، السيد شهاب الدين الحسيني، السيد عبد الرحيم الموسوي، عبد الرزاق الصالحي و عرفان محمود ويبحث في سيرة وحياة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، وقد تولت مؤسسة مجمع أهل البيت الثقافية العالمية نشرها.
يختص هذا الكتاب بدراسة حياة الإمام علي بن أبي طالب(ع) أول أئمة أهل البيت (ع) بعد رسول الله(ص) وهو المعصوم الثاني من أعلام الهداية والذي جسد الإسلام في كل مجالات حياته الشريفة، فكان نبراساً ومتراساً ومثلاً أعلى للبشرية بعد رسول الله محمد بن عبد الله(ص).
- عثمان بن زياد الهمداني الكوفي
- عثمان بن زياد الضبي الكوفي
- عثمان بن زياد الرؤاسي الكوفي
- عثمان بن أبي زياد الأسدي الكوفي
- عثمان بن زياد الأحمسي الكوفي
- عثمان بن زرارة
- عثمان بن ربيعة التيمي القرشي المدني
- عثمان ختن أبي أيوب الخزاز
- عثمان بن بهرام الكوفي
- عثمان الأصبهاني
- الطمع في علم الأخلاق
- الطمع
- الاستغناء عن الناس في الحديث
- الاستغناء عن الناس في علم الأخلاق
- الاستغناء عن الناس