العدل
تمهيد
العدل الذي هو من أسماء الله الحسنى ومن صفاته العليا، ويعتبر الإعتقاد به من أصول المذهب والدين، ومن دعائم شريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله الطاهرين.
وعدل الله تعالى وإن كان من جملة صفاته الكمالية، إلا أنه اُفرد بالذكر لكثرة مباحثه ومتعلقاته المذكورة في المفصلات.
والعدل في أصل اللغة نقيض الجور كما في كتاب العين[١].
قال في التوحيد: «العدل معناه الحكم بالعدل والحقّ، وسُمّي به توسعاً لأنّه مصدر، والمراد به العادل»[٢].
وقال في المصباح: «العدل أي ذوالعدل وهومصدر أقيم مقام الأصل، وصف به سبحانه للمبالغة لكثرة عدله، والعدل هوالذي لا يجور في الحكم»[٣].
وقال في المجمع: «العدل من أسمائه تعالى وهومصدر أقيم مقام الإسم، وحقيقة ذوالعدل هوالذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم... وعند المتكلمين هوالعلوم المتعلقة بتنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب»[٤] أي الإخلال بالوجوب العقلي، وهوالحُسن.
وأفاد السيد الشبر في حق اليقين: « إن العدل هواعتقاد أنّ الله عادلٌ في مخلوقاته، غير ظالم لهم، ولا يفعل قبيحاً، ولا يخل بواجب، ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وابتلائه، وله أن يثيب المطيعين ويعاقب العاصين، ولا يكلف الخلق ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادةً على ما يستحقون، ولا يقابل مستحق الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب، ولم يجبر عباده على الأفعال خصوصاً القبيحة ويعاقبهم عليها[٥].
وقد دلّ النقل والعقل، كتاباً وسنّةً على عدله تعالى وأنّه لا يظلم أبداً:
أما دليل الكتاب: ففي أكثر من ثلاثين آية أحصاها العلامة المجلسي في البحار[٦] منها ما يلي:
- قوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[٧].
- قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[٨].
- قوله تعالى: وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ[٩].
وأما دليل السنة: وهي المنهل العذب للحكمة والمعدن الصفوللعلم، وقد حكمت وجعلت العدل أساساً للدين كما في حديث التوحيد[١٠].
والمعارف الحقة مركزة على أساس العدل، فكانت عدالة الله من أصول المذهب والدين ومن صفات الله باليقين كما تلاحظها في الأحاديث الشريفة التالية:
- حديث "سَيّدنا عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ عَنِ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى(ع) قَالَ: خَرَجَ أَبُوحَنِيفَةَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ عِنْدِ الصَّادِقِ(ع) فَاسْتَقْبَلَهُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(ع) فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَامُ! مِمَّنِ الْمَعْصِيَةُ؟ فَقَالَ(ع): لَا تَخْلُومِنْ ثَلَاثَةٍ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ولَيْسَتْ مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْكَرِيمِ أَنْ يُعَذِّبَ عَبْدَهُ بِمَا لَمْ يَكْتَسِبْهُ- وإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ومِنَ الْعَبْدِ فَلَا يَنْبَغِي لِلشَّرِيكِ الْقَوِيِّ أَنْ يَظْلِمَ الشَّرِيكَ الضَّعِيفَ وإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَبْدِ وهِيَ مِنْهُ فَإِنْ عَاقَبَهُ اللَّهُ فَبِذَنْبِهِ وإِنْ عَفَا عَنْهُ فَبِكَرَمِهِ وجُودِهِ"[١١].
- "ما روي عن مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(ع) حِينَ قِيلَ لَهُ: أَ يَكُونُ الْعَبْدُ مُسْتَطِيعاً؟ قَالَ نَعَمْ بَعْدَ أَرْبَعِ خِصَالٍ أَنْ يَكُونَ مُخَلَّى السَّرْبِ صَحِيحَ الْجِسْمِ سَلِيمَ الْجَوَارِحِ لَهُ سَبَبٌ وَارِدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَإِذَا تَمَّتْ هَذِهِ فَهُومُسْتَطِيعٌ فَقِيلَ لَهُ مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ يَكُونُ الرَّجُلُ مُخَلَّى السَّرْبِ صَحِيحَ الْجِسْمِ سَلِيمَ الْجَوَارِحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَزْنِيَ إِلَّا أَنْ يَرَى امْرَأَةً فَإِذَا وَجَدَ الْمَرْأَةَ فَإِمَّا أَنْ يَعْصِمَ فَيَمْتَنِعَ كَمَا امْتَنَعَ يُوسُفُ وإِمَّا أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا فَيَزْنِيَ وهُوزَانٍ ولَمْ يُطِعِ اللَّهَ بِإِكْرَاهٍ ولَمْ يَعْصِ بِغَلَبَةٍ"[١٢].
- "حديث العقائد أنه قَالَ أَبُوجَعْفَرٍ(ع) : فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبٌ مَسْطُورٌ: يَا مُوسَى إِنِّي خَلَقْتُكَ واصْطَفَيْتُكَ وقَوَّيْتُكَ وأَمَرْتُكَ بِطَاعَتِي ونَهَيْتُكَ عَنْ مَعْصِيَتِي فَإِنْ أَطَعْتَنِي أَعَنْتُكَ عَلَى طَاعَتِي وإِنْ عَصَيْتَنِي لَمْ أُعِنْكَ عَلَى مَعْصِيَتِي ولِيَ الْمِنَّةُ عَلَيْكَ فِي طَاعَتِكَ ولِيَ الْحُجَّةُ عَلَيْكَ فِي مَعْصِيَتِكَ"[١٣].
- حديث "حَرِيزٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: النَّاسُ فِي الْقَدَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أَجْبَرَ النَّاسَ عَلَى الْمَعَاصِي فَهَذَا قَدْ ظَلَّمَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فِي حُكْمِهِ وهُوكَافِرٌ ورَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهِمْ فَهَذَا وَهَّنَ اللَّهَ فِي سُلْطَانِهِ فَهُوكَافِرٌ ورَجُلٍ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ كَلَّفَ الْعِبَادَ مَا يُطِيقُونَ ولَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَإِذَا أَحْسَنَ حَمِدَ اللَّهَ وإِذَا أَسَاءَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ فَهَذَا مُسْلِمٌ بَالِغٌ"[١٤].
- حديث "إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا(ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ[١٥] فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى لَا يُوصَفُ بِالتَّرْكِ كَمَا يُوصَفُ خَلْقُهُ ولَكِنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنِ الْكُفْرِ والضَّلَالِ مَنَعَهُمُ الْمُعَاوَنَةَ واللُّطْفَ وخَلَّى بَيْنَهُمْ وبَيْنَ اخْتِيَارِهِمْ. قَالَ: وسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ[١٦] قَالَ: الْخَتْمُ هُوالطَّبْعُ عَلَى قُلُوبِ الْكُفَّارِ عُقُوبَةً عَلَى كُفْرِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا[١٧] قَالَ: وسَأَلْتُهُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ هَلْ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلَى الْمَعَاصِي؟ فَقَالَ: بَلْ يُخَيِّرُهُمْ ويُمْهِلُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا. قُلْتُ: فَهَلْ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ؟ فَقَالَ كَيْفَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وهُويَقُولُ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ[١٨] ثُمَّ قَالَ(ع): حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(ع) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يُجْبِرُ عِبَادَهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَويُكَلِّفُهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَلَا تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ ولَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ ولَا تُصَلُّوا وَرَاءَهُ ولَا تُعْطُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ شَيْئاً"[١٩].
- حديث "يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الشَّامِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا(ع) بِمَرْوفَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رُوِيَ لَنَا عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ(ع) أَنَّهُ قَالَ: لَا جَبْرَ ولَا تَفْوِيضَ بَلْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَمَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ أَفْعَالَنَا ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ بِالْجَبْرِ ومَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَوَّضَ أَمْرَ الْخَلْقِ والرِّزْقِ إِلَى حُجَجِهِ(ع) فَقَدْ قَالَ بِالتَّفْوِيضِ فَالْقَائِلُ بِالْجَبْرِ كَافِرٌ والْقَائِلُ بِالتَّفْوِيضِ مُشْرِكٌ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؟ فَقَالَ: وُجُودُ السَّبِيلِ إِلَى إِتْيَانِ مَا أُمِرُوا بِهِ وتَرْكِ مَا نُهُوا عَنْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: فَهَلْ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ مَشِيَّةٌ وإِرَادَةٌ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَمَّا الطَّاعَاتُ فَإِرَادَةُ اللَّهِ ومَشِيَّتُهُ فِيهَا الْأَمْرُ بِهَا والرِّضَا لَهَا والْمُعَاوَنَةُ عَلَيْهَا وإِرَادَتُهُ ومَشِيَّتُهُ فِي الْمَعَاصِي النَّهْيُ عَنْهَا والسَّخَطُ لَهَا والْخِذْلَانُ عَلَيْهَا. قُلْتُ: فَلِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ فِيهَا الْقَضَاءُ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا مِنْ فِعْلٍ يَفْعَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ إِلَّا ولِلَّهِ فِيهِ قَضَاءٌ. قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى هَذَا الْقَضَاءِ؟ قَالَ: الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مِنَ الثَّوَابِ والْعِقَابِ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ"[٢٠].
- حديث "الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا(ع) قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ الْجَبْرُ والتَّفْوِيضُ فَقَالَ: أَ لَا أُعْطِيكُمْ فِي هَذَا أَصْلًا لَا تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولَا يُخَاصِمُكُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا كَسَرْتُمُوهُ؟ قُلْنَا: إِنْ رَأَيْتَ ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ لَمْ يُطَعْ بِإِكْرَاهٍ ولَمْ يُعْصَ بِغَلَبَةٍ ولَمْ يُهْمِلِ الْعِبَادَ فِي مُلْكِهِ هُوالْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَهُمْ والْقَادِرُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ فَإِنِ ائْتَمَرَ الْعِبَادُ بِطَاعَتِهِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَنْهَا صَادّاً ولَا مِنْهَا مَانِعاً وإِنِ ائْتَمَرُوا بِمَعْصِيَتِهِ فَشَاءَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ ذَلِكَ فَعَلَ وإِنْ لَمْ يَحُلْ وفَعَلُوهُ فَلَيْسَ هُوالَّذِي أَدْخَلَهُمْ فِيهِ ثُمَّ قَالَ(ع) مَنْ يَضْبِطْ حُدُودَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَدْ خَصَمَ مَنْ خَالَفَهُ"[٢١].
- حديث "هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَأَلَ الزِّنْدِيقُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ كَيْفَ لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مُطِيعِينَ مُوَحِّدِينَ وكَانَ عَلَى ذَلِكَ قَادِراً؟ قَالَ(ع): لَوخَلَقَهُمْ مُطِيعِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوَابٌ لِأَنَّ الطَّاعَةَ إِذَا مَا كَانَتْ فِعْلَهُمْ لَمْ تَكُنْ جَنَّةٌ ولَا نَارٌ ولَكِنْ خَلَقَ خَلْقَهُ فَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ ونَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ واحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِرُسُلِهِ وقَطَعَ عُذْرَهُمْ بِكُتُبِهِ لِيَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يُطِيعُونَ ويَعْصُونَ ويَسْتَوْجِبُونَ بِطَاعَتِهِمْ لَهُ الثَّوَابَ وبِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ الْعِقَابَ. قَالَ: فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ الْعَبْدِ هُوفِعْلُهُ والْعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ الْعَبْدِ هُوفِعْلُهُ؟ قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْعَبْدُ يَفْعَلُهُ واللَّهُ بِهِ أَمَرَهُ والْعَمَلُ الشَّرُّ الْعَبْدُ يَفْعَلُهُ واللَّهُ عَنْهُ نَهَاهُ. قَالَ: أَ لَيْسَ فَعَلَهُ بِالْآلَةِ الَّتِي رَكِبَهَا فِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ولَكِنْ بِالْآلَةِ الَّتِي عَمِلَ بِهَا الْخَيْرَ قَدَرَ بِهَا عَلَى الشَّرِّ الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ. قَالَ: فَإِلَى الْعَبْدِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ قَالَ: مَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُطِيقُ تَرْكَهُ ولَا أَمَرَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا وقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْجَوْرُ والْعَبَثُ والظُّلْمُ وتَكْلِيفُ الْعِبَادِ مَا لَا يُطِيقُونَ. قَالَ: فَمَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ كَافِراً يَسْتَطِيعُ الْإِيمَانَ ولَهُ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الْإِيمَانَ حُجَّةٌ؟ قَالَ(ع): إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ جَمِيعاً مُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ ونَهَاهُمْ والْكُفْرُ اسْمٌ يَلْحَقُ الْفِعْلَ حِينَ يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ ولَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ الْعَبْدَ حِينَ خَلَقَهُ كَافِراً إِنَّهُ إِنَّمَا كَفَرَ مِنْ بَعْدِ أَنْ بَلَغَ وَقْتاً لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ مِنَ اللَّهِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْحَقَّ فَجَحَدَهُ فَبِإِنْكَارِهِ الْحَقَّ صَارَ كَافِراً . قَالَ: فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ عَلَى الْعَبْدِ الشَّرَّ ويَأْمُرَهُ بِالْخَيْرِ وهُولَا يَسْتَطِيعُ الْخَيْرَ أَنْ يَعْمَلَهُ ويُعَذِّبَهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِعَدْلِ اللَّهِ ورَأْفَتِهِ أَنْ يُقَدِّرَ عَلَى الْعَبْدِ الشَّرَّ ويُرِيدَهُ مِنْهُ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ والْإِنْزَاعِ عَمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ يُعَذِّبَهُ عَلَى تَرْكِهِ أَمْرَهُ الَّذِي عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَخْذَهُ الْخَبَرَ"[٢٢].
- حديث "دَاوُدَ بْنِ قَبِيصَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا(ع) يَقُولُ: سُئِلَ أَبِي(ع): هَلْ مَنَعَ اللَّهُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ؟ وهَلْ نَهَى عَمَّا أَرَادَ؟ وهَلْ أَعَانَ عَلَى مَا لَمْ يُرِدْ؟ فَقَالَ(ع): أَمَّا مَا سَأَلْتَ هَلْ مَنَعَ اللَّهُ عَمَّا أَمَرَ بِهِ؟ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ولَوجَازَ ذَلِكَ لَكَانَ قَدْ مَنَعَ إِبْلِيسَ عَنِ السُّجُودِ لآِدَمَ ولَومَنَعَ إِبْلِيسَ لَعَذَرَهُ ولَمْ يَلْعَنْهُ. وأَمَّا مَا سَأَلْتَ هَلْ نَهَى عَمَّا أَرَادَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ولَوجَازَ ذَلِكَ لَكَانَ حَيْثُ نَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ أَرَادَ مِنْهُ أَكْلَهَا ولَوأَرَادَ مِنْهُ أَكْلَهَا مَا نَادَى عَلَيْهِ صِبْيَانُ الْكَتَاتِيبِ عَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[٢٣] واللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ ويُرِيدَ غَيْرَهُ. وأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِكَ هَلْ أَعَانَ عَلَى مَا لَمْ يُرِدْ؟ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُعِينَ عَلَى قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وتَكْذِيبِهِمْ وقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ والْفُضَلَاءِ مِنْ وُلْدِهِ وكَيْفَ يُعِينُ عَلَى مَا لَمْ يُرِدْ وقَدْ أَعَدَّ جَهَنَّمَ لِمُخَالِفِيهِ ولَعَنَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ لِطَاعَتِهِ وارْتِكَابِهِم لِمُخَالَفَتِهِ ولَوجَازَ أَنْ يُعِينَ عَلَى مَا لَمْ يُرِدْ لَكَانَ أَعَانَ فِرْعَوْنَ عَلَى كُفْرِهِ وادِّعَائِهِ أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَ فَتَرَى أَرَادَ اللَّهُ مِنْ فِرْعَوْنَ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ يُسْتَتَابُ قَائِلُ هَذَا فَإِنْ تَابَ مِنْ كَذِبِهِ عَلَى اللَّهِ وإِلَّا ضُرِبَ عُنُقُهُ"[٢٤].
- "رُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ أَبُوحَنِيفَةَ الْمَدِينَةَ ومَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا حَنِيفَةَ إِنَّ هَاهُنَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ مِنْ عُلَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ(ع) فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ نَقْتَبِسْ مِنْهُ عِلْماً فَلَمَّا أَتَيَا إِذَا هُمَا بِجَمَاعَةٍ مِنْ شِيعَتِهِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ أَودُخُولَهُمْ عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَ غُلَامٌ حَدَثٌ- فَقَامَ النَّاسُ هَيْبَةً لَهُ فَالْتَفَتَ أَبُوحَنِيفَةَ فَقَالَ يَا ابْنَ مُسْلِمٍ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى ابْنُهُ قَالَ واللَّهِ لَأَجْبَهَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ شِيعَتِهِ قَالَ مَهْ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ واللَّهِ لَأَفْعَلَنَّهُ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مُوسَى(ع) فَقَالَ: «يَا غُلَامُ أَيْنَ يَضَعُ الْغَرِيبُ حَاجَتَهُ فِي بَلْدَتِكُمْ هَذِهِ؟ قَالَ: يَتَوَارَى خَلْفَ الْجِدَارِ ويَتَوَقَّى أَعْيُنَ الْجَارِ وشُطُوطَ الْأَنْهَارِ ومَسْقَطَ الثِّمَارِ ولَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ ولَا يَسْتَدْبِرُهَا فَحِينَئِذٍ يَضَعُ حَيْثُ شَاءَ- ثُمَّ قَالَ يَا غُلَامُ مِمَّنِ الْمَعْصِيَةُ؟ قَالَ: يَا شَيْخُ! لَا تَخْلُومِنْ ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ اللَّهِ ولَيْسَ مِنَ الْعَبْدِ شَيْءٌ فَلَيْسَ لِلْحَكِيمِ أَنْ يَأْخُذَ عَبْدَهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ وإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَبْدِ ومِنَ اللَّهِ واللَّهُ أَقْوَى الشَّرِيكَيْنِ فَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْأَكْبَرِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّرِيكَ الْأَصْغَرَ بِذَنْبِهِ وإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَبْدِ ولَيْسَ مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وإِنْ شَاءَ عَاقَبَ. قَالَ: فَأَصَابَتْ أَبَا حَنِيفَةَ سَكْتَةٌ كَأَنَّمَا أُلْقِمَ فُوهُ الْحَجَرَ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَتَعَرَّضْ لِأَوْلَادِ رَسُولِ اللَّهِ(ص)"[٢٥].
- حديث "مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: مَا أُمِرَ الْعِبَادُ إِلَّا بِدُونِ سَعَتِهِمْ فَكُلُّ شَيْءٍ أُمِرَ النَّاسُ بِأَخْذِهِ فَهُمْ مُتَّسِعُونَ لَهُ ومَا لَا يَتَّسِعُونَ لَهُ فَهُومَوْضُوعٌ عَنْهُمْ ولَكِنَّ النَّاسَ لَا خَيْرَ فِيهِمْ"[٢٦].
- حديث "الْهَرَوِيِّ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ الرِّضَا(ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا[٢٧]. فَقَالَ: إِنَّ غِطَاءَ الْعَيْنِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الذِّكْرِ والذِّكْرُ لَا يُرَى بِالْعُيُونِ ولَكِنَّ اللَّهَ شَبَّهَ الْكَافِرِينَ بِوَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(ع) بِالْعُمْيَانِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ قَوْلَ النَّبِيِّ(ص) فِيهِ وكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً. فَقَالَ الْمَأْمُونُ فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ"[٢٨].
- حديث "هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(ع) قَالَ: مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ وإِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وكَلَّفَهُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وكَلَّفَهُمْ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ وكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً وهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وإِنَّمَا كَلَّفَهُمْ دُونَ مَا يُطِيقُونَ ونَحْوهَذَا"[٢٩].
- حديث "مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَكِّيِّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ(ص) فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ(ص) أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتَ قَالَ رَأَيْتُ قَوْماً يَنْكِحُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وبَنَاتِهِمْ وأَخَوَاتِهِمْ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالُوا قَضَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وقَدَرُهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ(ص): سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَقُولُونَ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ أُولَئِكَ مَجُوسُ أُمَّتِي"[٣٠].
- "رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ(ع) عَنِ الْقَضَاءِ والْقَدَرِ؟ فَقَالَ: مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلُومَ الْعَبْدَ عَلَيْهِ فَهُومِنْهُ ومَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَلُومَ الْعَبْدَ عَلَيْهِ فَهُومِنْ فِعْلِ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَبْدِ لِمَ عَصَيْتَ لِمَ فَسَقْتَ لِمَ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لِمَ زَنَيْتَ فَهَذَا فِعْلُ الْعَبْدِ ولَا يَقُولُ لَهُ لِمَ مَرِضْتَ لِمَ قَصُرْتَ لِمَ ابْيَضَضْتَ لِمَ اسْوَدَدْتَ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى"[٣١].
وأما دليل العقل على عدله تعالى: فهو حكم العقل بالضرورة والبداهة بعدله وعدالته بالتقريب التالي: إن الظلم، والجور، وفعل القبيح، وترك الحسن، يكون ناشئاً إمّا من العجز، أو النقص، أو الحقد، أو البخل، أو الحسد، أو الجهل، أو السفاهة، أو الاحتياج... وكلها محال على الله تعالى لأنّه الغني بالذات، الرؤوف في الصفات، والعالم القدير والحكيم القويّ.
فهو مستغن عن الظلم، منزه عن القبيح، وجليل عن النقص.
وقد ثبت في المنقول، ودلّت العقول على عدالة الله تعالى في جميع أفعاله وأقواله وحكمه وصنعه ومخلوقاته كما ذهبت إليه الإمامية الحقّة.
فهو الغني عن ظلمهم والمتفضل باللطف إليهم.
كما أنّ جميع أفعاله معلّلة بالحكمة والمصلحة وليست لعباً وعبثاً حتى تخرج عن مسلك العدل، لأنّه هو الحكيم العليم.
على أنّ المصالح والمنافع في أفعاله راجعة إلى عباده، وعائدة إلى خلقه فلا تقارن الظلم، وهو المحسن الجواد والرحيم بالعباد، والعادل في قضيّته وبريّته.
واعلم أنّه في قبال عدالة الله تعالى، الثابتة بالبراهين الجليّة والمعلومة بالادلّة العقلية، خالفت الأشاعرة وتجاوزت هذه الحقيقة الهامّة ونسبت إليه إمكان فعل القبيح والظلم الصريح... أو التكليف بما لا يطاق، وإتيان العبث والجبر في الأفعال، وعدم العدل في المآل.. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وجميع مفترياتهم هذه تعود إلى أنّه لا يقبح الظلم حتى يتنزه عنه الله تعالى، ولا يحسن العدل حتى يفعله الله عز اسمه...
وهذا منهم على أساس إنكار الحسن والقبح العقلي ذاتاً، يعني إنكار أنّ للأشياء في حدّ ذاتها حسناً أو قبحاً في نظر العقل... فلا حسن إلّا بعد أمر الشارع به، ولا قبيح إلا بعد نهي الشارع عنه، لذلك لوأمر الشارع بالظلم صار حسناً ولونهى عن العدل صار قبيحاً، ولوفعل منكراً صار معروفاً.
وعلى هذا الإدعاء الفاسد بنوا نسيج عنكبوتهم وتوغلوا في أباطيلهم، وقد مزجوها باحتجاجات واهية تلاحظها مع الجواب عنها من العلامة أعلى الله مقامه في النهج[٣٢].
وأجاب السيد الشبر أيضاً عن دعواهم ودليلهم بأجوبة شافية في حق اليقين[٣٣].
حاصلها ما يلي:
- إنّ هذا إنكار للبديهة الواضحة، فإن كل من له أدنى عقل وشعور يعلم حسن الصدق النافع، وقبح الكذب الضّار بحكم العقل.
- إنّ الشخص العاقل الذي لم يسمع الشرائع ولم يعلم الأحكام، بل نشا في البادية، لوخيّر بين أن يصدق في كلامه ويُعطي ديناراً، أويكذب ويعطى ذلك الدينار، مع عدم ضرر عليه في الصدق أوالكذب لاختار الصدق دون الكذب، ولولا حكم العقل بحسن الصدق لما فرّق العاقل بين الصدق والكذب، ولما اختار الصدق دائماً.
- إنّه لوكان الحسن والقبح شرعيين غير عقليين، لما حكم بهما من ينكر جميع الشرائع والأديان، كالبراهمة والملاحدة مع أنّهم يحكمون بالحسن والقبح بضرورة العقل.
- إنّ من الحسّيات التي تقضي بها الضرورة ويدركها الوجدان قباحة الفعل اللغووالعمل العبث بحكم العقل، كما إذا استأجر أحدٌ أجيراً ليفرغ ماء دجلة في الفرات أوالفرات في دجلة، وكذا من البديهيات قباحة تكليف ما لا يطاق، كتكليف الزَمِن المُقعد بالطيران إلى السماء، أوتكليف الأعمى بتنقيط المصحف، وهذا يقضي بتحقق قبح القبيح في حكومة العقل.
- إنّه لوكان الحسن والقبح سمعيّين لا عقليّين، لما قَبُح من الله إظهار المعجزات على يد الكذّابين مع أنّه قبيح ولا يفعله الحكيم قطعاً، وتجويز ذلك يسد باب معرفة النبوة التي أذعن بها حتى الأشاعرة.
- إنّه لوكانا شرعيّين فقط لحَسُن من الله أن يأمر بالكفر وتكذيب الأنبياء، وعبادة الأصنام والمواظبة على الزنا والسرقة لفرض عدم قبحها حينئذ... وهذا نقض الغرض الذي يبطله الوجدان.
- إنّه لوكانا شرعيّين لم تجب ولم تحسن معرفة الله تعالى، لتوقف معرفة هذا الإيجاب والحسن على معرفة الموجب، المتوقفة هي على معرفة الإيجاب فيدور، ويلزم من عدم عقليّتهما الدور الباطل.
- إنّ الضرورة - بل الفطرة في الإنسان بل في الحيوان - قاضيةً قطعاً وحاكمةٌ حقاً بالفرق دائماً بين من أحسن إليها وبين من أساء إليها، وحسن الأول وقبح الثاني بلا شك ولا ريب، وإنّ الله تعالى لا يأمر إلّا بما هوحسن ولا ينهى إلا عما هوقبيح. إنّه عز اسمه لا يفعل ظلماً أبداً لغناه، ولا يصنع قبيحاً أصلاً لجلالته...
وهذه الوجوه تثبت وجود الحسن الذاتي عقلاً وحسن العدالة ذاتاً.
وأضاف السيد الورع الخوانساري (قدس سره) الاستدلال بأن الواجب تعالى لا يصدر منه الفعل القبيح، لأن ترجيح القبيح إما أن يكون من جهة عدم العلم بالمفسدة، أومن جهة الحاجة... والواجب تعالى منزه عن الأمرين، فالحكيم العالم بالمصالح والمفاسد غير المحتاج كيف يرجح المرجوح على الراجح...
وهذا أصلٌ يبتنى عليه أيضاً حسن بعث الأنبياء وبقاء أوصيائهم في كل عصر[٣٤].[٣٥]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ العين للخليل، ج۲، ص۳۹.
- ↑ توحيد الصدوق، ص۲۰۸.
- ↑ المصباح للكفعمي، ص۳۲۲.
- ↑ مجمع البحرين، ص۴۸۴.
- ↑ حق اليقين، ج۱، ص۵۵.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۲، الباب الأول من أبواب العدل.
- ↑ سورة آل عمران: ۱۸۲.
- ↑ سورة النساء: ۴۰.
- ↑ سورة المؤمنون: ۶۲.
- ↑ التوحيد، ص۹۶، الباب ۵، ح۱.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۴، الباب ۱، ح۲.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۸، الباب ۱، ح۱۰.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۹، الباب ۱، ح۱۲.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۹، الباب ۱، ح۱۴.
- ↑ سورة البقرة: ۱۷.
- ↑ سورة البقرة: ۷.
- ↑ سورة النساء: ۱۵۵.
- ↑ سورة فصلت: ۴۶.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۱۱، الباب ۱، ح۱۷.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۱۱، الباب ۱، ح۱۸.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۱۶، الباب ۱، ح۲۲.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۱۸، الباب ۱، ح۲۹.
- ↑ سورة طه: ۱۲۱.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۲۵، الباب ۱، ح۳۳.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۲۷، الباب ۱، ح۳۳.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۳۶، الباب ۱، ح۵۱.
- ↑ سورة الكهف: ۱۰۱.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۴۰، الباب ۱، ح۶۲.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۴۱، الباب ۱، ح۶۶.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۴۷، الباب ۱، ح۷۴.
- ↑ بحار الأنوار، ج۵، ص۵۹، الباب ۱، ح۱۰۹.
- ↑ نهج المسترشدين، ص۵۱.
- ↑ حق اليقين، ج۱، ص۵۶.
- ↑ العقائد الحقة، ص۱۰.
- ↑ السيد علي الحسيني الصدر، العقائد الحقة، ص: 187-202.