عالم البرزخ

من إمامةبيديا

تمهيد

البرزخ هو عالم وسط بين الحياة الدنيا والآخرة. فالجزاء والثواب والعقاب في مرحلة البرزخ إنما يكون بما يقتضي هذه المرحلة، حيث قال رسول الله(ص): "القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ".

خصوصيات عالم البرزخ

وللبرزخ خصوصيات تعرض لذكرها القرآن الكريم وبين حقيقتها. فمن تلك الآيات:

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢]، في هذه الآية إشارة إلى الرزق الذي يكون في عالم البرزخ.

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٣]، وهذه الآية جلية في إثبات البرزخ حيث أنه:

أولاً: النار يُعرضون عليها، إذ الغرض من هذا هو التخويف بالنار ويكون هذا من خواص البرزخ، والدخول في النار إنما يكون في مرحلة لاحقة حيث تقول الآية الكريمة: قالب:متن قرآن [٤]، إذاً هناك حالتان، قبل قيام الساعة وبعد قيامها.

ثانياً: في يوم القيامة لايوجد ليلٌ ولانهارٌ، ولايوجد صباح ولامساء، وإنما يكون ذلك في عالم البرزخ، فالنار يعرضون عليها غدواً وعشياً.

ثالثاً: إنَّ قيام الساعة إنما هو مشترك لكل الأمم ولكل أبناء البشر بينما كان هذا العذاب التي تعرضت له الآية لخصوص آل فرعون.[٥]

القرآن ومشاهد القيامة

إنَّ القرآن الكريم يصف لنا شيئاً من مشاهد يوم القيامة في آيات كثيرة منها:

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٦] العهن المنفوش: الصوف المحلوج.

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٧]

قل تعالى: قالب:متن قرآن [٨]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٠]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١١].[١٢]

النفخة في الصور

ومن الآيات التي تشير إلى نفخة الصور يوم القيامة.

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٣]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٤]، يعبر القرآن الكريم عن النفخة الأولى في آيات أخرى، بالصيحة، الزجرة، الصاخة، النقر. نجدها في سورة يس، النازعات، عبس، المدثر.[١٥]

البعث والنشور

ومن الآيات التي أشارت إلى البعث والنشور

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٦]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٧]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٨]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [١٩]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٠]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢١].[٢٢]

الحشر

ومن الآيات المباركة التي أشارت إلى الحشر.

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٣]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٤]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٥]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٦]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٢٧]

ومن الأحاديث الشريفة في ذلك حيث يروي "اَلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ جَالِساً قَرِيباً مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ فِي مَنْزِلِ أَبِي أَيُّوبَ اَلْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ مُعَاذٌ : يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَ رَأَيْتَ قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى: قالب:متن قرآن[٢٨] اَلْآيَاتِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ مِنَ اَلْأَمْرِ ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يُحْشَرُ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أُمَّتِي أَشْتَاتاً قَدْ مَيَّزَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ وَ بَدَّلَ صُوَرَهُمْ بَعْضَهُمْ عَلَى صُورَةِ اَلْقِرَدَةِ؛ وَ بَعْضَهُمْ عَلَى صُورَةِ اَلْخَنَازِيرِ، وَ بَعْضُهُمْ مُنَكَّسُونَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ فَوْقُ، وَ وُجُوهُهُمْ مِنْ تَحْتُ، ثُمَّ يُسْحَبُونَ عَلَيْهَا، وَ بَعْضُهُمْ عُمْيٌ يَتَرَدَّدُونَ، وَ بَعْضُهُمْ صُمٌّ وَ بُكْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ، وَ بَعْضُهُمْ يَمْضَغُونَ أَلْسِنَتَهُمْ تَسِيلُ اَلْقَيْحُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لِعَاباً يَتَقَذَّرُهُمْ أَهْلُ اَلْجَمْعِ، وَ بَعْضُهُمْ مُقَطَّعَةٌ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ، وَ بَعْضُهُمْ مُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ، وَ بَعْضُهُمْ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ اَلْجِيَفِ، وَ بَعْضُهُمْ يَلْبَسُونَ جِبَاباً سَابِغَةً مِنْ قَطِرَانٍ لاَزِقَةً بِجُلُودِهِمْ، فَأَمَّا اَلَّذِينَ بِصُورَةِ اَلْقِرَدَةِ فَالْقَتَّاتُ مِنَ اَلنَّاسِ وَ أَمَّا اَلَّذِينَ عَلَى صُورَةِ اَلْخَنَازِيرِ فَأَهْلُ اَلسُّحْتِ وَ أَمَّا اَلْمُنَكَّسُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَآكِلَةُ اَلرِّبَا وَ اَلْعُمْيُ اَلْجَائِرُونَ فِي اَلْحُكْمِ، وَ اَلصُّمُّ اَلْبُكْمُ اَلْمُعْجَبُونَ بِأَعْمَالِهِمْ وَ اَلَّذِينَ يَمْضَغُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ اَلْعُلَمَاءُ وَ اَلْقُضَاةُ اَلَّذِينَ خَالَفَ أَعْمَالُهُمْ أَقْوَالَهُمْ، وَ اَلْمُقَطَّعَةُ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلْجِيرَانَ، وَ اَلْمُصَلَّبُونَ عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَارٍ فَالسُّعَاةُ بِالنَّاسِ إِلَى اَلسُّلْطَانِ، وَ اَلَّذِينَ أَشَدُّ نَتْناً مِنَ اَلْجِيَفِ فَالَّذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالشَّهَوَاتِ وَ اَللَّذَّاتِ. وَ يَمْنَعُونَ حَقَّ اَللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْوَالِهِمْ، وَ اَلَّذِينَهُمْ يَلْبَسُونَ اَلْجِبَابَ فَأَهْلُ اَلْفَخْرِ وَ اَلْخُيَلاَءِ".

ولتوضيح ذلك نشير إلى حقائق ثلاث:

الحقيقة الأولى: إنَّ كل روح وكل نفس تتناسب مع جسد معين وصورة وهيكل خاص، فمثلاً الروح التي تحاول أنْ تكون معادية فهذه الصفة تتناسب مع هيكل الكلب الذي يحمل على غيره ويريد إيذاءه، وروح الميل للحرام والدياثة تتناسب مع الخنزير وهكذا ...، والصورة الحقيقية للفرس أو الحصان هو الوفاء، وصفة البلادة تتناسب مع الحمار، إذاً الصفات والخصوصيات التي تتكون منها الشخصية تتناسب مع الحالة التي نجدها ولذلك الصورة البرزخية تكون دلالاتها على الشخصية.

الحقيقة الثانية: إنَّ لكل إنسان تصويرين؛ تصوير ظاهري وتصوير باطني، والتصوير الظاهري يعرف بعلم الفراسة، وأما التصوير الباطني عادة لايظهر في الدنيا وإنما يظهر في الآخرة ويظهر الإنسان على حقيقته.

الحقيقة الثالثة: إنَّ العبرة دائماً بالواقع وليس بالظاهر.[٢٩]

المعاد وتهذيب النفس

إنَّ الاعتقاد بالمعاد له أثر كبير على الإنسان وتهذيب النفس الإنسانية من خلال العمل الصالح والإقبال على الطاعات التي تنجيه من عذاب يوم القيامة، لأنَّ كل عملٍ يقوم به يكون له أثر على النفس ظاهراً وباطناً، فعندما يحاول المرء أنْ يهذب سلوكه ويحسن من باطنه، ويكرر تلك الأعمال فإنه سيؤدي إلى أنْ يصبح ذلك الفعل ملكة.

و الملكة صفة راسخة في الشخصية لاتزول بسهولة، فهي صفة باطنية يرمز إليها في الجانب الظاهري برمز من الحيوان، فإنَّ الله تبارك وتعالى خلق أعضاء الحيوانات على حسب الدواعي والأغراض النفسانية لها.

والملكات عند الإنسان يعبر عنها بصورة برزخية وتترجم هذه الملكة بصورة حيوان من الحيوانات التي لها جسم كامل ورمز لتلك الملكة، لذلك فالإنسان الواعي المسؤول يحاول أنْ يتخلص من الرذائل تدريجياً ويهذب نفسه، لأنه يعرف بأنه سيحشر بصورة الملكات التي استقرت فيه، وإذا استطاع أنْ يخفيها في الدنيا ولكن في الآخرة لايمكنه ذلك، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٣٠]، قالب:متن قرآن [٣١]، فلايستطيع الإنسان يومئذ أنْ يخفي شيئاً من حقيقته.

فحينما نتحدث عن الحشر وصور الحيوانات نتحدث عن الظاهر والباطن فالإنسان له شخصية ظاهرية ولكن شخصيته الباطنية هي المهمة، وإنما يحشر الإنسان على الصورة الباطنية التي عليها لا على الصورة الظاهرة لأنَّ الصورة الظاهرة لا قيمة لها.

لذا نرى أنَّ صدر المتألهين الشيرازي يتحدث عن سر حشر الطوائف المختلفة أو أفراد مختلفين يوم القيامة مع الصور الحيوانية، فيقول: كل فرقة وكل طائفة تحشر على صورة الصفة أو الغاية الباطنية التي كان الجهد وكل السعي في الدنيا مبذولاً من أجل تحصيلها، ويستدل بقوله تعالى قالب:متن قرآن [٣٢]، فالشاكلة عبارة عن الطينة التي جُبِل الإنسان عليها ولكن الله تبارك وتعالى علم بمَنْ يسلك طريق الهداية ويتفاعل مع هذا اللون من التهذيب والجهد للتخلص من الصفات الرذيلة الموجودة فيه.

وقد روي عن النبي(ص): " يُحْشَرُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّهُ ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَحَبَّ أَحَدُكُمْ حَجَراً لحشر مَعَهُ "، فإذا كان حب المرء متمحضاً في ذات الله تبارك وتعالى وفي رسول الله(ص) وما دعا إليه من الفضل والخير والثواب، وفي أهل البيتقالب:عم حشر معهم، أما إذا كان حب المرء متمحضاً في أمور دنيوية من مال والسلطان والغرائز واللذائذ فيحشر المرء مع مَنْ أحب![٣٣]

حشر الحيوانات

لقد أشار القرآن الكريم إلى مسألة حشر الحيوانات في آيات متعددة منها:

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٣٤]

قال تعالى: قالب:متن قرآن [٣٥]

ومن الأحاديث التي تبين هذه الحقيقة قولهمقالب:عم في مانع الزكاة: " تَنْهَشُهُ كُلُّ ذَاتِ نَابٍ بِنَابِهَا وَ تَطَؤُهُ كُلُّ ذَاتِ ظِلْفٍ بِظِلْفِهَا ".

وروى الشيخ الصدوق عن السكوني بإسناده عن رسول الله(ص): " أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَبْصَرَ نَاقَةً مَعْقُولَةً وَ عَلَيْهَا جَهَازُهَا فَقَالَ أَيْنَ صَاحِبُهَا مُرُوهُ فَلْيَسْتَعِدَّ غَداً لِلْخُصُومَةِ"

وعن الصادق(ع): قالب:متن حدیث قَالَ: أَيُّ بَعِيرٍ حُجَّ عَلَيْهِ ثَلاَثَ سِنِينَ يُجْعَلُ مِنْ نَعَمِ اَلْجَنَّةِ وَ رُوِيَ سَبْعَ سِنِينَ

وعن النبي(ص): "اِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى اَلصِّرَاطِ"

ويذكر الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى: قالب:متن قرآن [٣٦] قال قتادة يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص! ويروي -الفخر الرازي- عن المعتزلة في تفسيره الكبير بأنَّ الله تعالى يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعوضها على ألمها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت أو القتل وغير ذلك، فإذا عوضت عن كُلِّ آلامها فإنْ شاء الله أنْ يبقي بعضها في الجنة إذا كان مستحسناً فعل، وإنْ شاء الله أنْ يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر.

ثم ينهي كلامه بقوله: وأما أصحابنا (الأشاعرة) فعندهم أنه لايجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ولكن الله تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها موتي فتموت.

أما من الناحية العقلية، يقول صدر المتألهين الشيرازي: لكل شيء غاية يسعى إليها، والحركة باتجاه تلك الغاية هو الكمال المطلوب والأمر الغريزي والجبلي لكل مخلوق، وبهذا لايكون تعطيلاً في الخلق، والحيوانات حينما تموت تكون قد وصلت إلى كمالها اللائق بها، أما الروح الحيوانية فقد وصلت إلى الغايات وهو المقصود من حشر الحيوانات.[٣٧]

أدلة المنكرين لحشر الحيوانات

ولمنكري الحشر للحيوانات مناقشات حول ذلك نستعرض بعضاً منها:

المناقشة الأولى: يقولون: قالب:متن قرآن الحشر بمعنى الجمع يعني اليوم الذي تجمع فيه الوحوش من على وجه الأرض، إذاً فهذه أشارة فقط إلى أشراط الساعة، أو إنَّ قالب:متن قرآن، المقصود منه هو إذا الناس حشروا بما أنَّ صفاتهم الباطنية هي صفات وحوش، فإنَّ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً، وهؤلاء يأتون بصورة الطباع والخصال التي في الحيوانات.

المناقشة الثانية: يقولون بالنسبة للروايات إنَّ هذه الروايات آحاد ولاتثبت بها عقيدة. فالعقائد إما أنْ تثبت بأدلة قطعية أو روايات متواترة أو دليل عقلي لامجال للمناقشة فيه.

المناقشة الثالثة: فيما يتعلق بالدليل العقلي يقولون: إنَّ الدليل العقلي على الحشر بالنسبة للحيوانات مقبول فيما لو كانت الحيوانات ذات عقل وإرادة واختيار، والقصاص إنما هو عقوبة على فعلٍ اختياري، وهذا لايكون من هذا القبيل.[٣٨]

كيفية حشر الحيوانات

ولمعرفة كيفية الحشر للحيوانات يوم القيامة والفائدة من ذلك يقول: (صدر المتألهين الشيرازي) في كتابه «الشواهد الربوبية» حيث يقسم الحيوانات إلى نوعين:

  1. ذوات النفوس المتخيلة.
  2. ذوات النفوس الحاسة.

إنَّ مراحل المعرفة تبدأ أولاً بمرحلة الحس، ثم مرحلة التخيل، ثم مرحلة التجرد أو الكشف. فأبسط مراحل المعرفة وهو الحس يكون مشتركاً بين الإنسان وكثير من الحيوانات التي عندها حس فقط. وأما صدر المتألهين الشيرازي فيقول: بأنَّ بعض الحيوانات يشترك معها الإنسان في التخيل أيضاً ويمثل لذوات النفوس المتخيلة بالفيل والبقر والفرس والقرد و... وباعتبار أنها تملك حالة من التروي والشعور ونوعاً من الإدراك والإرادة والاختيار فلها حشر وثواب وعقاب..، والمجموعة الثانية مثل الديدان وسائر الحشرات باعتبار أنها لاتملك ذلك كله ولاتملك روحاً مجرداً ولاحشراً استقلالياً فلاعقاب ولاجزاء.

وأما العلامة الطباطبائي في الجزء السابع من تفسير الميزان يتناول تفسير سورة الأنعام يخص بحثاً يسميه كلام في المجتمعات الحيوانية. يقول: الإمعان في التفكر وفي تطور الحيوانات العجم التي تزامل الإنسان في كثير من شؤون الحياة وأحوال نوع منها في مسير حياتها وتعايشها، يدلنا هذا على أنَّ لها كالإنسان عقائد فردية واجتماعية تبني عليها حركاتها وسكناتها في ابتغاء البقاء، نظير ما يبني الإنسان تقلباته في أطوار الحياة الدنيا على سلسلة من العقائد والآراء. ثم يقول: بأنَّ العلماء الباحثين عن الحيوان ذكروا دقائق من الصنعة ولطائف من السنن والسياسات، لاتوجد نظائرها إلا في الأمم ذات الحضارات والمدنية من الإنسان...

- ومن الأسئلة التي تسأل: هل للحيوان حشر؟!

يقول العلامة الطباطبائي في الجواب على هذا السؤال: إنَّ دلالة الآيتين واضحة على أنَّ الوحوش تحشر، وهناك آيات كثيرة على أنه ليست الوحوش فقط التي تحشر، وإنما حتى الجمادات تعاد والسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجن والحجارة والأصنام وسائر الشركاء المعبودين من دون الله تبارك وتعالى يحشرون يوم القيامة ليكونوا أدوات للشهادة.

- هل يماثل حشر الحيوان حشر الإنسان؟

يقول العلامة الطباطبائي: إنَّ ذلك لازم الحشر بمعنى جمع الأفراد وسوقهم إلى أمر بالإزعاج، وأما مثل السماء والأرض وما يشابههما من شمس وقمر وحجارة فلم يطلق في موردها لفظ الحشر، بل يقول تعالى: قالب:متن قرآن [٣٩]

إذن هناك عناية إنَّ الحشر يكون للإنسان والحيوان ومرجع الجميع أنَّ إنعام المحسن والانتقام من الظالم بظلمه، ولا يلزم من شمول الأخذ والانتقام يوم القيامة لسائر الحيوان أنْ يساوى الإنسان في الشعور والإرادة، ويرقي الحيوان إلى درجة الإنسان في نفسانيته وروحياته، لأنه يعلم أنَّ ذلك باطل بالضرورة. ومجرد الاشتراك في الأخذ والانتقام والحساب والأجر بين الإنسان وغيره لايقضي بالمعادلة والمساواة.

- هل يتلقى الحيوان تكليفاً في الدنيا برسول يبعث إليه؟ وهل هذا الرسول المبعوث نوع من الحيوانات أم لا؟

يقول العلامة الطباطبائي: في جواب السؤالين معاً: عالم الحيوان إلى هذا الحين مجهول لنا مضروب دونه حجاب، إذاً لا ضرورة لأنْ نشتغل بهذه الأبحاث. لا القرآن الكريم ولا النصوص التي بأيدينا تعرضت لبيان تفاصيل ذلك، وإنَّ الحيوان لم يؤت تفاصيل المعارف الإنسانية ولا كلف بدقائق التكاليف الإلهية التي كلف بها الإنسان[٤٠]

مع أي بدن يحشر الناس

هناك شبهة يرددها دائما الذين ينكرون المعاد وتعرف ب(شبهة الآكل والمأكول) أو (شبهة الاتحاد بين المؤمن والكافر). وتتلخص هذه الشبهة في أنَّ بدن المؤمن قد يصبح جزءً من بدن الكافر، وبدن الكافر قد يصبح جزءً من بدن المؤمن فمن يعذب؟

يقول منكر والمعاد إذا آمنا بأنَّ روح الإنسان ونفسه تبقيان ثابتتين من دون تغيير، وإذا انفصلت الروح عن الجسد بالموت وضع الجسد في التراب ويندثر ويصبح جزءً من الأرض إلى مزرعةٍ تزرع فيها الفاكهة وتأخذ الفاكهة إلى السوق ويشتريها إنسان آخر فيؤكلها، فالآكل في الحقيقة قد أكل ما هو متغذٍّ من أجزاءِ جسدٍ مندثر سابقاً في التراب، فإنْ كان جسد كافر فما الذي يحدث إنَّ أكل الفاكهة شخصٌ مؤمنٌ؟

فالشبهة تكمن في أنَّ الآكل المؤمن قد دخل في جوفه جزء من بدن الكافر فمعنى ذلك إنَّ الكافر الذي أصبح جزءٌ من المؤمن دخل الجنة، وكذلك إنْ جزء من المؤمن في بدن الكافر، فمعنى ذلك إنَّ المؤمن دخل النار، ونحن نعلم إنَّ الأرض قد تتحول من فترة إلى أخرى فيتحول جسد مؤمنٍ إلى آخر كافرٍ، وجسد كافر إلى مؤمن وهكذا، ولذا قد يكون جزء الكافر جزءٌ من بدن المؤمن، وقد يصبح المؤمن جزء من الكافر، فأيهما سيكون الملاك الأكل والمأكول؟

فالمعاد إذاً غير ممكن كما يعتقد هؤلاء الذين ينكرون المعاد.

يقول علماء الكلام في الجواب على ذلك: إنَّ البدن يتكوَّن من أجزاءٍ أصليةٍ وأجزاءٍ فضيلةٍ، فالأجزاء الأصلية هي التي تبقى، والأجزاء الفضيلة هي التي تزول ولا قيمة لها، فيحصل التركيب والتغيير و...، أما الأجزاء الأصلية فإنها لا تؤكل ولا تنقل إلى جسد آخر وهي التي يتميز بها، وبناءً على ذلك لا داعي لأنْ نقول بأنَّ جزءً من المؤمن يصبح للكافر أو العكس. ويؤكد ذلك رواية الكليني في الكافي، عن عمار السابطي عن الإمام الصادق(ع) أنه سئل عن الميت هل يبلى جسده؟ قال: نعم حتى لايبقى له عظم ولا لحم إلا الطينة التي خلق منها فإنها لاتبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة..

في الحقيقة هذا اللون من الأحاديث لاتعطي دلالة قوية من حيث الواقع الخارجي، فمثلاً لو احترق الجسد كله أو أكلته السباع أو... فأين منه الأجزاء الأصلية؟ والمختار هو ضرورة وجود جسد مع الروح في مسألة المعاد.

فالروح -طبعاً- لم تتغير لأنها من عالم المجردات، ويوم القيامة تحتاج الروح إلى جسد مادي تتلبس فيه، لابد أنَّ الروح من صورة جسدية وهذه الصورة قد تكون أي صورة، ليس بالضرورة أنْ تكون الأولى أو الوسطى أو الأخيرة. فإذن في مسألة الآكل والمأكول قد يكون الجسد الذي أكل لايُحشر وإنما الجسد الذي لم يؤكل، فلايوجد دليل على أنَّ كل الخلايا الجسدية إنما أكلت من قبل الكافرين إذا كان الإنسان تتبدل كل خلايا جسمه في كل سبع سنوات. إذاً شخصية المؤمن محفوظة وشخصية الكافر كذلك.[٤١]

الشهود في محكمة العدل الإلهي

يُعَبِّر القرآن الكريم عن يوم القيامة بأسماء متعددة ومختلفة فيعبر عنه ب(الحاقة) اليوم الذي تظهر فيه كل الحقائق. كما يعبر عنه ب(يوم تبلى السرائر) السرائر والنوايا والضمائر كلها تظهر وتتضح وغيرها من الأسماء الأخرى ... والشهود في محكمة العدل الإلهي يوم القيامة على الإنسان عدة يذكرهم القرآن الكريم، منهم:

أولاً: الله جل جلاله. قال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٢]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٣]

ثانياً: الأنبياء. فكل نبي يكون شاهداً على أعمال أمته، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٤]

ثالثاً: الملائكة. قال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٥]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٦]

رابعاً: الأعضاء والجوارح. قال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٧]

خامساً: صحيفة الأعمال. قال تعالى: قالب:متن قرآن [٤٨]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن[٤٩]

سادساً: الأراضي والبقاع. يذكر العلامة المجلسي (رض) حديثاً مفصلاً في الجزء السابع من بحار الأنوار عن رسول الله(ص): "فمن عمل صالحاً شهدت له جوارحه وبقاعه وشهوره وأعوامه وساعاته وأيامه وليالي الجمع وساعاتها وأيامها فيسعد بذلك ... فإنَّ مَنْ عرف حرمة شهر رجب وشعبان ووصلهما بشهر رمضان شهدت له هذه الشهور يوم القيامة".[٥٠]

صحيفة الأعمال

إنَّ صحيفة الأعمال بالنسبة للإنسان يوم القيامة قد تعرَّض لذكرها القرآن الكريم صراحة ليكون الإنسانُ على تفكُّرٍ دائماً بذلك اليوم العظيم، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٥١]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن[٥٢]، قالب:متن قرآن [٥٣].[٥٤]

الحساب

أما الحساب في يوم القيامة فإنَّ الذين يردون الحشر والقيامة ينقسمون إلى مجموعتين:

  1. الذين يحاسبون حساباً يسيراً...
  2. الذين يحاسبون حساباً عسيراً..

وأما حقيقة هذا الحساب فتوجد هناك نظريتان عن حقيقة الحساب:

  1. إنَّ الحساب عبارة عن المقارنة والموازنة بين الأعمال الصالحة والطالحة، فإذا كانت الأعمال صالحة حسب الوعد القرآني فإنها تضاعف كما قال تعالى: قالب:متن قرآن [٥٥]، بناء على هذا التصور فإنَّ المقصود من الحساب هو جمع الحسنات والسيئات مع مراعاة أنَّ الحسنات يذهبن السيئات، وملاحظة الأجر والزيادة ... يشير الشيخ المفيد (رض) في كتابه (أوائل المقلات) فيقول بأنَّ الحسابَ عبارةٌ عن المقابلة بين الأعمال والجزاء الذي عليها وأنَّ العبد يطلع على نتائج أعماله
  2. يعبِّر عن الحساب بأنه ظهور الملكات والنوايا والأفكار إلى العيان، والتأكيد على الجانب القيمي لسلوك الإنسان ولتصرفاته ولأعماله، يعني أنَّ كل عقيدة وكل سلوك في الإنسان وفي كل عمل يصدر منه يؤثر تأثيراً خاصاً في روحه وفي نفسه بحيث انشغاله بالحياة الدنيوية وبمتطلباتها يمنع من ظهور تلك الملكات والخصوصيات والعقائد جلية إلى العيان، وفي يوم القيامة كل هذه الأفكار والتصورات والنوايا والصفات تتجلى وتعطي صورتها الحقيقية لأنه لاتوجد حياة دنيوية ولا انشغال بطبيعة الحياة، ولذلك القرآن الكريم يصف يوم القيامة: قالب:متن قرآن، ولهذا كل ما كانت عقائد الإنسان ونواياه وصفاته وسجاياه الخلقية أفضل وأحسن كان حسابه أيسر، وحينما تكون الظلمات والصفات السيئة مسيطرة على النفس الإنسانية فسيكون الحساب أشد وأطول ..

فالأمر واضح إنَّ الحساب هنا ليس على أساس وحدات العمل وإنما على نوعية العمل والملكات التي ظهرت، ولذلك يستشهد من يرجح المعنى الثاني بحديث الإمام الصادق(ع) حول الحساب، حيث يقول: لو لم يكن للحساب مهولة إلا حياء العرض على الله عزوجل وفضيحة هتك الستر على الخفيات لحق للمرء ألا يهبط من رؤوس الجبال ولا يأوي إلى عمران ولايأكل ولايشرب ولاينام إلا عن اضطرار متصل بالتلف.

وعن الإمام أمير المؤمنين(ع) يقول: "أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا اَلدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَ اَلْآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ وَ لاَ تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ وَ أَخْرِجُوا مِنَ اَلدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ فَفِيهَا اُخْتُبِرْتُمْ وَ لِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ".[٥٦]

الميزان

هناك تصوران في الميزان:

الأول: المقصود من الميزان هو ميزان العدل والقسط، ولذلك نجد أنَّ محاكم العالم ترمز للعدل والقسط بوضع ميزان.

الثاني: إنَّ للعمل وزناً خاصاً والموازين والميزان أمور ترتبط بوزن ذلك العمل، فاستفاد قسم من العلماء والمفسرين من كلمة ميزان أنَّ يوم القيامة سيكون هناك ميزان له كفتان وينصب هذا الميزان ثم توضع عليه الأعمال الصالحة والفاسدة في جانب آخر.

وقد ورد استعمال الميزان في الشريعة المقدسة لمعانٍ عدة، فمنها العدل قال تعالى: قالب:متن قرآن [٥٧]، وجاء في الحديث الشريف: "بِالْعَدْلِ قامَتِ السَّماوَاتُ وَالأرضُ" فيؤكد هذا المعنى على أنَّ الحياة والخلق قائمان على أساس العدل.

والشيخ الطبرسي في تفسيره (مجمع البيان) حين يشير إلى قوله تعالى: قالب:متن قرآن [٥٨]، يقول بأنَّ للوزن معانٍ عديدة ولكن أفضلها هو العدل وعدم الظلم. وكذلك قد عبر عن الميزان بالصلاة ففي الحديث الشريف: " مِيزَانَ قِسْطٍ لاَ يَحِيفُ". وكذلك عبر عنه بالشريعة أيضاً قال تعالى: قالب:متن قرآن [٥٩] وكذلك أطلق الميزان على الإمام حيث نجد في إحدى الزيارات: " اَلسَّلاَمُ عَلَى يَعْسُوبِ اَلْإِيمَانِ وَ مِيزَانِ اَلْأَعْمَالِ"[٦٠]

تجسم الأعمال

حاول صدر المتألهين الملا صدرا وتلميذه الفيض الكاشاني أنْ يثبتا أنَّ للعمل وزناً يوزن به، قالا: إنَّ كل عمل سواء كان خيراً أو شراً، حسناً أو سيئاً له وزن معين ما دام الإنسان في هذه الحياة، فهذه الأعمال تصدر منه كجهدٍ ينتسب إلى الفاعل ولكن الوزن غير واضح، لأنَّ الوزن إنما باقي بالأمور المادية، ولكن حينما يتجسد العمل ويتبدل إلى جسمٍ مشهودٍ من قبيل تبدل الطاقة إلى مادة، فإذا تجسدت الطاقة حينئذ توزن، فالعملُ وزنٌ باعتبار أنَّ الطاقة وهي الأعمال الصادرة من الإنسان في الدنيا تتبدل يوم القيامة إلى مادة فيكون للأعمال وزنٌ وبُعْدٌ.

وهناك حديث نبوي شريف يسلط الضوء على هذه الحقيقة، حيث يروى أنَّ النبي(ص) كان جالساً مع أصحابه ذات يوم فقال(ص): " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مَلَائِكَةً فِي الْجَنَّةِ يَبْنُونَ بُيُوتاً مِنْ ذَهَبٍ وَ لَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُونَ عَنِ الْعَمَلَ، فَقُلْتُ لجبرائيل: سَلْهُمْ لَمْ توقفوا عَنِ الْعَمَلَ؟ قالُوا: حَتَّى تَأْتِيَنَا نَفَقَتُنَا، فَقُلْتُ: مَا هِيَ نَفَقَتُهُمْ؟ قالُوا نَفَقَتُنَا قَوْلُ الْعَبْدِ: سُبْحانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ ولا إِلهَ إِلا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ!"

فنلاحظ من خلال ذلك كيف أنَّ الذكر الذي يكون طاقة يعد عملاً ويُترجم عملياً إلى مادة. ولذا نجد قول النبي(ص): " إِيَّاكُمْ وَ اَلْحَسَدَ فَإِنَّ اَلْحَسَدَ يَأْكُلُ اَلْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ اَلْحَطَبَ"، فتبدلُ الطاقةِ إلى مادةٍ هو عبارة عن تجسم العمل وحينئذ يكون العمل خفيفاً أو ثقيلاً، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٦١].[٦٢]

الصراط والشفاعة

ذكر الشيخ الصدوق (رض) في الاعتقادات إنَّ الصراط حق وهو جسر على جهنم يمر عليه جميع الناس يوم القيامة، كما قال تعالى: قالب:متن قرآن [٦٣]، والصراط من جهة أخرى اسم لحجج الله تبارك وتعالى، فمن عرف حجة الله في هذه الحياة وأطاع الحجج فيسمح لهم يوم القيامة بالعبور من ذلك الصراط الذي ينصب على جهنم، ولهذا فإنَّ رسول الله(ص) قال لعليٍّ(ع): " يَا عَلِيُّ عندما تَقُومُ الْقِيَامَةُ نَجْلِسُ أَنَا وَ أَنْتَ وَ جَبْرَائِيلُ عَلَى الصِّرَاطِ فَلَا يَجُوزَ الصِّرَاطَ أَحَدُ إِلَّا مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ بَرَاءَةً مِنْكَ ". إذاً الصراط في هذا المعنى عبارة عن المقياس التام لمن قبل ولاية علي(ع).[٦٤]

الصراط المستقيم

يذهب بعض المفسرين إلى أنَّ الحياة قد رسمت على أساس الحق والعدالة وبعيداً عن كل إفراط وتفريط، وهذا السلوك المعتدل في الحياة هو الصراط المستقيم، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٦٥]، يقول صدر المتألهين في تفسير فاتحة الكتاب: هذا الصراط المستقيم إنما نصب على جهنم طبيعة الإنسان.

وأما مواصفات الصراط فقد ورد فيه عدة صور كما في الروايات ويمكن إجمالها بما يلي:

  1. أدق من الشعرة.
  2. أحد من السيف.
  3. أحر من النار.
  4. أحلك من الليل.

فحينما يستطيع الإنسان أنْ يتجاوز هذه الأمور ويعبر الصراط والعقبات فإنه يصل إلى الجنة وإلا فإنه يسقط في النار حتماً، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٦٦].[٦٧]

المرور على الصراط

لقد وصفت الروايات المباركة طبيعة المرور على الصراط يوم القيامة ففي حديث عن الإمام الصادق(ع) وهو يصف حالات الناس في مرورهم على الصراط، وكل ذلك يرتبط بمدى سلوك الإنسان في الحياة، يقول الإمام الصادق(ع): " النَّاسُ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ طَبَقَاتٍ، وَ الصِّرَاطُ أَدَقُّ مِنِ الشَّعْرَةُ وَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ حَبْواً، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ مَشْياً، وَ مِنْهُمْ يَمُرُّ مُتَعَلِّقاً وَقَدْ تَأْخُذُ النَّارِ مِنْهُ شَيْئاً وَ تَتْرُكُ شَيْئاً"، وهذا الحديث أيضاً يذكره ويشيره إليه العلامة السيد عبد الله شبر (رض) في كتابه حق اليقين.

وبناء على هذا التصوير يرى صدر المتألهين وقسم من الذين اتبعوه يقولون بأنَّ الصراط يستمر من الدنيا إلى الآخرة، فإذا سلك الفرد وعبر هذا الصراط بتوفيقٍ ونجاحٍ فإنه يصل إلى الجنة وإلا فيسقط في النار وفي ظلمة الصراط حيث أنه أحلك من الليل، فنجد المؤمن يصفه الله تعالى بقوله: قالب:متن قرآن [٦٨]، وفي مقابل ذلك المنافقون والمنافقات قال تعالى: قالب:متن قرآن[٦٩]، وفي حديث عن المفضل بن عمر الجعفي قال سألت أبا عبد الله(ع) عن الصراط؟ فقال(ع): " هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ عزوجل ، وَهْماً صراطان ؛ صِراطِ فِي الدُّنْيَا وَ صِراطٍ فِي الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا صِراطِ الدُّنْيَا هُوَ الْإِمَامِ الْمَفْرُوضِ الطَّاعَةِ مَنْ عَرِّفْهُ فِي الدُّنْيَا وَ اقْتَدَى بِهُدَاهُ ، مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي هُوَ جِسْرِ جَهَنَّمُ فِي الْآخِرَةِ ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي الدُّنْيَا زِلْتُ قَدَمُهُ عَنِ الصِّرَاطُ فِي الْآخِرَةِ فَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ".

وفي حديث آخر عن الإمام الحسن العسكري(ع) يقول: " إِنَّ الصِّرَاطِ صراطان صِراطٍ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، فَأَمَّا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مَا قَصَرَ مِنِ الْغُلُوِّ وَ ارْتَفَعَ عَنِ التَّقْصِيرُ وَ اسْتَقَامَ فَلَمْ يَعْدِلَ إِلَى شَيْ‏ءٍ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَ أَمَّا الصِّرَاطُ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ طَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِيمٍ لَا يَعْدِلُونَ عَنِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ وَ لَا إِلَى غَيْرِ النَّارِ سِوَى الْجَنَّةِ ".

ومما يحبس الإنسان على الصراط فأعمال عدة وقد أشارت إليها الروايات المباركة، ففي حديث عنهمقالب:عم عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: قالب:متن قرآن [٧٠]، يقول(ع): " عَلَى جَهَنَّمَ سَبْعَ محابس ، يُسْأَلُ الْعَبْدِ عِنْدَ أَوَّلُهَا عَنْ شَهَادَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنْ جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الثَّانِي فَيُسْأَلُ عَنِ الصَّلَاةُ فَإِنْ جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الثَّالِثِ فَيُسْأَلُ عَنِ الزَّكَاةُ فَإِنْ جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى الرَّابِعُ فَيَسْأَلُ عَنِ الصَّوْمَ فَإِذَا جَاءَ بِهِ تَامّاً جَازَ إِلَى الْخَامِسُ فَيُسْأَلُ عَنِ الْحَجِّ فَإِذَا أَتَى بِهِ تَامّاً جَازَ إِلَى السَّادِسُ فَيُسْأَلُ عَنِ الْعُمْرَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا تَامَّةً جَازَ إِلَى السَّابِعِ فَيُسْأَلُ عَنِ الْمَظَالِمِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا . . وَ إِلَّا يُقَالُ فَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعُ أَكْمَلَ بِهِ أَعْمَالِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ انْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ! ".[٧١]

الشفاعة

الشفاعة هي إحدى مواقف القيامة. في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة نجد أنَّ من مواقف القيامة المقام المحمود، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٧٢]، فالمقام المحمود هو مقام الشفاعة الذي يكون الرسول الله(ص) وفي هذا المقام الملائكة، الأنبياء، الأولياء، الشهداء، الصديقون، الصالحون، العلماء، وحتى المؤمنون الذين ارتكبوا بعض المعاصي ولكنهم وفقوا للتوبة فإنهم يشفعون. و قد ورد في الشفاعة عن النبي(ص): " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي ".

والشفاعة ربطها القرآن الكريم بضوابط معينة، وأشار إليها في قوله تعالى: قالب:متن قرآن [٧٣]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن [٧٤]، فهذه الآيات المباركة توضح أنَّ الشفاعة ثابتة بنص القرآن.

وأما الشفاعة في السنة فقد ورد فيها روايات عدة منها:

عن النبي(ص) قال: " إِذَا قُمْتَ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ تَشَفَّعْتُ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي، فيشفِّعني اللَّهُ فِيهِمْ، وَ اللَّهِ لَا تَشَفَّعْتُ فِيمَنْ آذَى ذُرِّيَّتِي".

عن الإمام الصادق(ع): " مَنْ أَنْكَرَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا ، الْمِعْرَاجُ وَ الْمُسَائَلَةِ فِي الْقَبْرِ وَ الشَّفَاعَةَ".

عن الإمام الرضا(ع) عن أمير المؤمنين(ع) عن النبي(ص): " مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بحوضي فَلَا أَوْرَدَهُ اللَّهِ حَوْضِي وَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِشَفَاعَتِي فَلَا أَ نَالَهُ اللَّهُ شَفَاعَتِي " ثم قال(ص): " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي فَأَمَّا الْمُحْسِنُونَ فَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ "

قال الحسين بن خالد فقلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل: قالب:متن قرآن [٧٥] ؟ قال(ع): " لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى اللَّهُ دِينِهِ".

النتيجة: إنَّ الاعتقاد بالشفاعة من ضروريات الدين، وقد صرح بذلك (القوشجي) في شرح التجريد: إنَّ الشفاعة تخص أهل الإيمان والتوحيد الذين ارتكبوا المعاصي الكبيرة ولم يُوَفَّقوا للتوبة، وأهل الشرك والكفر والمنكرون لأصول العقائد محرومون من الشفاعة.[٧٦]

أوجه الفرق بين الدنيا والآخرة

والفرق بين الدنيا والآخرة واضح للإنسان بأدنى تأمل ولكن نحاول أنْ نستعرض ذلك من خلال الآيات المباركة.

أولاً: الحياة الدنيا متاع والآخرة قرار. قال تعالى: قالب:متن قرآن [٧٧]، إنَّ الحياة الدنيا فيها تحوُّلٌ وتبدُّلٌ، فالإنسان دائماً في حركة تكاملية مستمرة وفي الآخرة يكون الاستقرار والثبات، ويحصل الإنسان على النتيجة النهائية والكمال القطعي والخلود. والثبات السمة المميزة للآخرة، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٧٨]

ثانياً: الحياة الدنيا مليئة بالعناء، أما الآخرة لا نصب فيها ولا لغوب يكون فيها العيش الرغيد والمسرة والسرور. أما الدنيا فإنها دار اختبار وامتحان وفتن، ولكن السمة البارزة للآخرة هي النعمة ولهذا لا يرضى أهل الجنة بالانتقال من ذلك المكان مطلقاً لأنهم استقروا، ولأنهم سعدوا فلا يحتاجون للانتقال إلى بيت آخر، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٧٩]

ثالثاً: إنَّ الدنيا مقرُّ عملٍ ولا حساب، بينما الآخرة حساب ولا عمل، يقول الإمام علي(ع) في إحدى خطبه: " عِبَادَ اللَّهِ الْآنَ فَاعْمَلُوا وَالْأَلْسُنُ مُطْلَقَةُ، وَالْأَبْدَانُ صَحِيحَةُ، وَالْمُنْقَلَبُ فَسِيحُ ..." وأما إنْ كان الإنسان بدون هذا العمل فالحال هو كما قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٠]

رابعاً: إنَّ الآخرة مليئة بالوعي والشعور وهي الحياة الحقيقية دون الحياة الدنيا، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨١]، فكل تلك الموجودات تملك شعوراً وحياة حتى جهنم، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٢]

خامساً: السعة في الأفق، قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٣]، فما دام الإنسان في هذه الحياة فهو مرتبط بالعلل والمعاليل ومتأثر بما حوله من القوانين الطبيعية التي تتحكم فيه، وأما في الآخرة فلا توجد قوانين فيزيائية ولايوجد بُعد أو فاصل ولايوجد مكان ولازمان وإنما يعيش الإنسان في عالم أوسع وأفضل بكثير من هذه الدنيا الضيقة المحدودة.[٨٤]

مواصفات الجنة

وقد وصفت الجنة في القرآن الكريم بأوصاف متعددة ومختلفة نذكر منها:

  1. الأنهار الجارية: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٥]
  2. النعيم والفاكهة الكثيرة: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٦]
  3. الزينة والثياب: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٧]
  4. النعم الروحية: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٨]، وقال تعالى: قالب:متن قرآن [٨٩].[٩٠]

مواصفات النار

و قد وصفت النار في القرآن الكريم بأوصاف متعددة ومختلفة نذكر منها:

  1. ألسنة النار: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩١]
  2. ثياب النار: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩٢]
  3. شراب أهل النار: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩٣]
  4. التعذيب النفسي والجسدي الذي لا ينقطع: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩٤]
  5. الأغلال والسلاسل: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩٥]
  6. أبواب النار: قال تعالى: قالب:متن قرآن [٩٦].[٩٧]

المراجع

  1. المؤمنون: ۹۹-۱۰۰
  2. آل‌عمران: ۱٦۹
  3. غافر: ٤٥-٤٦
  4. غافر: ٤٦.
  5. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠١-٣٠٢.
  6. القارعة: ٤-٥
  7. الأنبياء: ١٠۴.
  8. إبراهيم: ٤٨.
  9. التكوير: ١-٣.
  10. طه: ۱۰۸.
  11. الحج: ۱-۲.
  12. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٢-٣٠٣.
  13. يس: ٥١.
  14. الزمر: ٦٨.
  15. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٣.
  16. عبس: ٣٣-٤١
  17. القيامة: ۱۰-۱٥
  18. الزلزلة: ۷-۸
  19. المؤمنون: ۱۰۱-۱۰۳
  20. الأنبياء: ٤٧.
  21. الطارق: ۹.
  22. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٣-٣٠٤.
  23. مريم: ٨٥.
  24. الإسراء: ۹۷.
  25. الحديد: ١٢–١٣
  26. الفرقان: ۲۷-۲۹
  27. النبأ: ۱۷-۱۸.
  28. النبأ: ۱۸
  29. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٤-٣٠٦.
  30. الإسراء: ٨٤
  31. الطارق: ٩
  32. الإسراء: ٨٤.
  33. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٦-٣٠٧.
  34. الأنعام: ٣٨.
  35. التكوير: ٥.
  36. التكوير: ٥.
  37. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٨-٣٠٩.
  38. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٠٩-٣١٠.
  39. إبراهيم: ٤٨.
  40. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٠-٣١٢.
  41. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٢-٣١٤.
  42. آل‌عمران: ۹۸.
  43. يونس: ۶١.
  44. النحل: ٨٤.
  45. الانفطار: ۱۰-۱۲
  46. ق: ١٦-٢١
  47. فصلت: ۲۰-۲۱.
  48. الكهف: ٤۹
  49. الزلزلة: ٢-٥.
  50. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٤-٣١٥.
  51. الإسراء: ۱۳
  52. الحاقة: ١٩
  53. الحاقة: ٢٥.
  54. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٥-٣١٦.
  55. الأنعام: ١٦
  56. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٦-٣١٧.
  57. الرحمن: ٧.
  58. الأعراف: ۸-۹
  59. الحديد: ٢٥.
  60. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٧-٣١٨.
  61. الأنبياء: ٤٧.
  62. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣١٨-٣١٩.
  63. مريم: ۷۱
  64. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٠.
  65. الأنعام: ١٥٣
  66. مريم ۷۱-۷۲
  67. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٠-٣٢١.
  68. الحديد: ۱۲.
  69. الحديد: ۱۳
  70. الفجر: ١٤
  71. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢١-٣٢٢.
  72. الإسراء: ۷۹.
  73. طه: ۱۰۹
  74. مريم: ۸۷
  75. الأنبياء: ۲۸
  76. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٣-٣٢٤.
  77. غافر: ٣٩
  78. فاطر: ٣٤-٣٥.
  79. الكهف: ۱۰۷-۱۰۸.
  80. المؤمنون: ۹۹-۱۰۰
  81. العنكبوت: ٦٤.
  82. ق: ٣٠.
  83. ق:۲۲ .
  84. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٤-٣٢٥.
  85. محمد: ١٥.
  86. الزخرف: ۷۰-۷۳
  87. الكهف: ٣٠-٣١
  88. التوبة: ۷۲
  89. الحجر: ٤٦.
  90. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٦.
  91. الملك: ۷-۸.
  92. الحج: ١٩.
  93. النبأ: ٢٤-٢٥
  94. النساء: ٥٦
  95. الحاقة ٣٠-٣٢.
  96. الحجر: ٤٣-٤٤
  97. ميلاني، سيد فاضل، العقائد الإسلامية، ص ٣٢٧.