الفرق بين المراجعتين لصفحة: «نبي الإسلام»

من إمامةبيديا
سطر ٢٢: سطر ٢٢:
هو من أهم وجوه الإعجاز سواء من حيث الجمال وسلاسة ألفاظه أو من حيث علوّه وعمق معانيه، إنه أعلى من كلام البشر، بل أعلى من كلام عظماء الأدباء والشعراء حيث لم يتمكن أيّ متحدث من الإتيان بمثله أو ما يناظره بالرغم من مرور ۱۴ قرن.
هو من أهم وجوه الإعجاز سواء من حيث الجمال وسلاسة ألفاظه أو من حيث علوّه وعمق معانيه، إنه أعلى من كلام البشر، بل أعلى من كلام عظماء الأدباء والشعراء حيث لم يتمكن أيّ متحدث من الإتيان بمثله أو ما يناظره بالرغم من مرور ۱۴ قرن.


'''موقف كبار أدباء قريش من القرآن =''' من أفضل شواهد إعجاز البيان القرآني هو موقف النخبة من أدباء وشعراء زمن نزول القرآن. ينقل التاريخ أنّ بعض المشركين والكفّار النوابغ في الأدب لم يتمكنوا من تحدي القرآن وليس ذلك فحسب، بل اعترفوا بعظمته وجلاله وادّعوا أنه سَحَرَهم لذلك لم يجدوا بدّاً من تسميته بالسحر وإتهام النبي{{صل}} بأنه ساحر وتحذير الناس من الاستماع إليه.
'''موقف كبار أدباء قريش من القرآن''' من أفضل شواهد إعجاز البيان القرآني هو موقف النخبة من أدباء وشعراء زمن نزول القرآن. ينقل التاريخ أنّ بعض المشركين والكفّار النوابغ في الأدب لم يتمكنوا من تحدي القرآن وليس ذلك فحسب، بل اعترفوا بعظمته وجلاله وادّعوا أنه سَحَرَهم لذلك لم يجدوا بدّاً من تسميته بالسحر وإتهام النبي{{صل}} بأنه ساحر وتحذير الناس من الاستماع إليه.


'''اعتراف المشركين بإعجاز القرآن الأدبي =''' شهد تاريخ صدر الإسلام نماذج كثيرة من إقرار الخطباء والأدباء العرب بأن القرآن غير بشري وأنه معجزة، هذا الوليد بن المغيرة المعروف بمقامه الرفيع عند المشركين، بعد أن استمع إلى آيات من سورة غافر تأثّر بها حتى خرج من عند رسول الله{{صل}} إلى قومه وقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو كلام الإنس ولا من كلام الجنّ وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو وما يعلى عليه<ref>الطبرسي، مجمع البيان، ج۵، ص۳۸۷.</ref>. هذا الكلام لم يصدر من أنصار النبي الأكرم{{صل}} حتى يُتهم بالغلو، وليس هو صرف ادعاء من شخص لايعرف فنون الفصاحة والبلاغة! بل هو اعتراف العدو الذي أقسم أنه أحد أكبر أدباء العصر الجاهلي في زمن النبي{{صل}}، وذاك عتبة بن ربيعة بعد أن استمع إلى أوّل آيات سورة فصلت من النبي{{صل}} تغيّر لونه ورجع إلى كبار قريش قائلاً من ضمن ما قاله: أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قبل، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة...<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج۱، ص۲۹۳ و۲۹۴؛ (نقلناه عن: جعفر السبحاني، الإلهيات، ج۳، ص۲۴۸).</ref>.
'''اعتراف المشركين بإعجاز القرآن الأدبي''' شهد تاريخ صدر الإسلام نماذج كثيرة من إقرار الخطباء والأدباء العرب بأن القرآن غير بشري وأنه معجزة، هذا الوليد بن المغيرة المعروف بمقامه الرفيع عند المشركين، بعد أن استمع إلى آيات من سورة غافر تأثّر بها حتى خرج من عند رسول الله{{صل}} إلى قومه وقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو كلام الإنس ولا من كلام الجنّ وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو وما يعلى عليه<ref>الطبرسي، مجمع البيان، ج۵، ص۳۸۷.</ref>. هذا الكلام لم يصدر من أنصار النبي الأكرم{{صل}} حتى يُتهم بالغلو، وليس هو صرف ادعاء من شخص لايعرف فنون الفصاحة والبلاغة! بل هو اعتراف العدو الذي أقسم أنه أحد أكبر أدباء العصر الجاهلي في زمن النبي{{صل}}، وذاك عتبة بن ربيعة بعد أن استمع إلى أوّل آيات سورة فصلت من النبي{{صل}} تغيّر لونه ورجع إلى كبار قريش قائلاً من ضمن ما قاله: أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قبل، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة...<ref>ابن هشام، السيرة النبوية، ج۱، ص۲۹۳ و۲۹۴؛ (نقلناه عن: جعفر السبحاني، الإلهيات، ج۳، ص۲۴۸).</ref>.


'''مبارزة المشركين للقرآن =''' أشرنا إلى أنّ كبار المشركين عندما وجدوا أن طريق تحدي القرآن ومعارضته مُغلق، اجتهدوا في منع الناس من الاستماع إليه بطرق مختلفة حتى لا يلتحقوا بمحمد{{صل}}، لعلهم يتمكنوا بذلك من منع تزايد عدد المسلمين والتابعين للنبي{{صل}}. يقول القرآن في إفشاء مؤامرة المشركين التي أرادوا من خلالها منع انتشار آيات القرآن بين الناس: {{متن قرآن|وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}}<ref>سورة الفصلت: ۲۶.</ref>. من النماذج التاريخية لتلك المؤامرة، تاريخ طفيل بن عمر الدوسي الذي كان محترماً بين العرب ومن الخبراء في الشعر والأدب. طفيل عاصر أوائل دعوة النبي{{صل}} ودخل مكة، فخاف قريش من أن يتأثّر بالقرآن فحذّروه من الكلام مع محمد{{صل}} الذي اتّهموه بالسحر وأوصوه بوضع مانعاً في أذنيه لكي لا يسمع كلام النبي{{صل}} لكنه بعد دخول المسجد، أدّى به حب الاستطلاع إلى أن يتحدّث مع الرسول{{صل}} ويستمع لآيات القرآن، بعد أن استمع طفيل إلى آيات القرآن أسلم مباشرة وقال: فلا والله ما سمعتُ قولاً قطّ أحن منه ولا أمراً أعدل منه.
'''مبارزة المشركين للقرآن''' أشرنا إلى أنّ كبار المشركين عندما وجدوا أن طريق تحدي القرآن ومعارضته مُغلق، اجتهدوا في منع الناس من الاستماع إليه بطرق مختلفة حتى لا يلتحقوا بمحمد{{صل}}، لعلهم يتمكنوا بذلك من منع تزايد عدد المسلمين والتابعين للنبي{{صل}}. يقول القرآن في إفشاء مؤامرة المشركين التي أرادوا من خلالها منع انتشار آيات القرآن بين الناس: {{متن قرآن|وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}}<ref>سورة الفصلت: ۲۶.</ref>. من النماذج التاريخية لتلك المؤامرة، تاريخ طفيل بن عمر الدوسي الذي كان محترماً بين العرب ومن الخبراء في الشعر والأدب. طفيل عاصر أوائل دعوة النبي{{صل}} ودخل مكة، فخاف قريش من أن يتأثّر بالقرآن فحذّروه من الكلام مع محمد{{صل}} الذي اتّهموه بالسحر وأوصوه بوضع مانعاً في أذنيه لكي لا يسمع كلام النبي{{صل}} لكنه بعد دخول المسجد، أدّى به حب الاستطلاع إلى أن يتحدّث مع الرسول{{صل}} ويستمع لآيات القرآن، بعد أن استمع طفيل إلى آيات القرآن أسلم مباشرة وقال: فلا والله ما سمعتُ قولاً قطّ أحن منه ولا أمراً أعدل منه.


إنّ تبليغ المشركين بأنّ القرآن سحر والنبي ساحر أدّى إلى أن يخاف البعض من سماع القرآن من جهة وإلى نفي إلهية القرآن من جهة أخرى. اجتمع رؤساء قريش يوماً ما في دار الندوة لكي يتفقوا على موقف واحد تجاه النبي{{صل}} فوصلوا بإرشاد الوليد بن المغيرة إلى أن يتهموا النبي{{صل}} بالسحر. يرى كثير من المفسرين أنّ هذه الواقعة هي شأن نزول بعض آيات سورة المدثر: {{متن قرآن|إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}}<ref>سورة المدثر: ۱۸-۲۵.</ref>.
إنّ تبليغ المشركين بأنّ القرآن سحر والنبي ساحر أدّى إلى أن يخاف البعض من سماع القرآن من جهة وإلى نفي إلهية القرآن من جهة أخرى. اجتمع رؤساء قريش يوماً ما في دار الندوة لكي يتفقوا على موقف واحد تجاه النبي{{صل}} فوصلوا بإرشاد الوليد بن المغيرة إلى أن يتهموا النبي{{صل}} بالسحر. يرى كثير من المفسرين أنّ هذه الواقعة هي شأن نزول بعض آيات سورة المدثر: {{متن قرآن|إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}}<ref>سورة المدثر: ۱۸-۲۵.</ref>.


'''المقارنة بين الإعجاز الأدبي للقرآن مع سائر وجوه إعجازه =''' يعدّ الإعجاز الأدبي للقرآن أفضل من سائر وجوه الإعجاز - التي ستأتي – وذلك لعدّة جهات: أوّلها أنه في زمن نزول القرآن كان التأكيد الأكبر هو على هذه الوجه، لأنّ القرآن نزل في جماعة تتباهي بالفصاحة والبلاغة وكان الشعراء أرفع الشخصيات الاجتماعية لديهم، بل كانت طبيعة العربي الجاهلي قادرة على تشخيص أفصح الكلام وأبلغه بسهولة وكان ذوقه السليم هو أفضل القضاة في محكمة التحكيم بين أشعار الشعراء المختلفة.
'''المقارنة بين الإعجاز الأدبي للقرآن مع سائر وجوه إعجازه''' يعدّ الإعجاز الأدبي للقرآن أفضل من سائر وجوه الإعجاز - التي ستأتي – وذلك لعدّة جهات: أوّلها أنه في زمن نزول القرآن كان التأكيد الأكبر هو على هذه الوجه، لأنّ القرآن نزل في جماعة تتباهي بالفصاحة والبلاغة وكان الشعراء أرفع الشخصيات الاجتماعية لديهم، بل كانت طبيعة العربي الجاهلي قادرة على تشخيص أفصح الكلام وأبلغه بسهولة وكان ذوقه السليم هو أفضل القضاة في محكمة التحكيم بين أشعار الشعراء المختلفة.


بالإضافة إلى أنّ الإعجاز الأدبي والبياني للقرآن كان ظاهراً في كل آية من الآيات وفي بداية بعثة النبي{{صل}} لم تنزل إلا آيات قليلة لكن إعجازها الأدبي كان ظاهراً بوضوح فائق، هذه الميزة لا تصدق على بعض وجوه الإعجاز الأخرى، مثل: الإخبارات الغيبية في القرآن حيث إنها تختص ببعض آياته. لا ينبغي الغفلة عن أنّ تشخيص الإعجاز الأدبي للقرآن غير مُيَسّر للجميع بشكل مباشر، لأنه أوّلاً يجب أن يكون هناك معرفة كاملة باللغة العربية. ثانياً يجب التسلط على دقائق ورموز علوم الأدب العربي (الصرف، النحو، المعاني، البيان، البديع و...) فالإحراز المباشر لإعجاز القرآن أدبياً لا يقدر عليه إلا من توفرت فيه الشروط المذكورة ومن الواضح أنها غير متوفرة في كثير من الناس. لكن هذا لا يعني انسداد طريق الوصول إلى ذلك على أكثر الناس، بل يُمكنهم الرجوع إلى المتخصصين الذين تتوفّر فيهم الشروط المذكورة، الخبراء في فنون الأدب، المنصفون للاطلاع على الحقيقة وبالاستناد على رأيهم يُمكن التصديق بالإعجاز الأدبي للقرآن الكريم.
بالإضافة إلى أنّ الإعجاز الأدبي والبياني للقرآن كان ظاهراً في كل آية من الآيات وفي بداية بعثة النبي{{صل}} لم تنزل إلا آيات قليلة لكن إعجازها الأدبي كان ظاهراً بوضوح فائق، هذه الميزة لا تصدق على بعض وجوه الإعجاز الأخرى، مثل: الإخبارات الغيبية في القرآن حيث إنها تختص ببعض آياته. لا ينبغي الغفلة عن أنّ تشخيص الإعجاز الأدبي للقرآن غير مُيَسّر للجميع بشكل مباشر، لأنه أوّلاً يجب أن يكون هناك معرفة كاملة باللغة العربية. ثانياً يجب التسلط على دقائق ورموز علوم الأدب العربي (الصرف، النحو، المعاني، البيان، البديع و...) فالإحراز المباشر لإعجاز القرآن أدبياً لا يقدر عليه إلا من توفرت فيه الشروط المذكورة ومن الواضح أنها غير متوفرة في كثير من الناس. لكن هذا لا يعني انسداد طريق الوصول إلى ذلك على أكثر الناس، بل يُمكنهم الرجوع إلى المتخصصين الذين تتوفّر فيهم الشروط المذكورة، الخبراء في فنون الأدب، المنصفون للاطلاع على الحقيقة وبالاستناد على رأيهم يُمكن التصديق بالإعجاز الأدبي للقرآن الكريم.

مراجعة ٠٦:٤٦، ٦ فبراير ٢٠٢٣

تمهيد

ولد محمد بن عبدالله(ص) سنة ۵۷۰ م في أسرة بني هاشم المشهورة بالفضل والشرف والطهارة عند قبيلة قريش واستمر على طهارته حتى الأربعين سنة وكان مشهوراً بين الناس بالفضيلة، اعترف له العام والخاص واحترمه الجميع، في سنة ۶۱۰ م عندما بلغ الأربعين سنة بُعث بالنبوّة وبدأ بتبليغ الدعوة الإلهية ابتداءً من عشيرته المقربين، كما أمره الله، وبعد مضي بعض السنوات بدأت دعوته العامة للرسالة، فاتبعه جماعة من الناس، ثم تعرّضوا للتعذيب من المشركين وكانت ألوان العذاب تزداد يوماً بعد يوم إلا أنهم استقاموا على الإسلام حتى مضت عشر سنوات من بدء البعثة، ثم هاجر الرسول(ص) إلى يثرب وكانت لهجرته مع أتباعه بركات عظيمة فمنذ الهجرة بدأت تزداد شوكة المسلمين وقوتهم يوماً بعد يوم حتى لم تعد الدعوة الإسلامية مُقتصرة على مكة وماحولها، بل انتشرت في أرجاء الجزيرة العربية ورفع علم الإسلام بالتدريج في الدول المجاورة. انتقل نبي الإسلام(ص) إلى لقاء معبوده سنة ۶۳۳ م (۱۳ه) بعد أن جاهد غاية الجهاد ليخرج أمة الجزيرة العربية من حضيض التخلف الثقافي والأخلاقي إلى أن جعلها مركزاً من أكبر مراكز الحضارة. هذا أمير المؤمنين(ع) يصف المُحيط الذي بعث فيه نبي الله(ص): "أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَ اعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ وَ انْتِشَارٍ مِنَ الْأُمُورِ وَ تَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ وَ الدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَ إِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَ اغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا الْخَوْفُ وَ دِثَارُهَا السَّيْفُ"[١].[٢]

طُرق إثبات نبوّة محمد(ص)

أنّ لدينا ثلاثة طُرق أساسية لمعرفة النبي هي: الإعجاز، إخبار نبي آخر، جمع القرائن والشواهد القطعية. يعتقد المتكلمون المسلمون أنه يُمكن إثبات نبوة نبي الإسلام(ص) بالطرق الثلاثة المذكورة كالتالي:

الطريق الأول: معجزات نبي الإسلام(ص)

تُعتبر تعدّد المعجزات التي جاء بها نبي الإسلام(ص) بإذن الله من فضائله الشاهدة على نبوته ويُمكن تقسيمها إلى قسمين: معجزة النبي الخالدة وهي القرآن؛ المعجزات غير الخالدة وهي التي وقعت في مقاطع زمنية خاصّة من حياته بعد البعثة. أما الأمور الخارقة للعادة التي تقع قبل البعثة، فتُسمّى الإرهاصات عند المتكلمين، منها تهدم إيوان كسرى وانطفاء نار الفرس وجفاف بحيرة ساوة وواقعة أصحاب الفيل التي وقعت في سنة ولادة النبي الأكرم(ص)، ومنها تحرك الغيم على رأسه لتقيه حر الشمس وتسليم الحجر عليه.[٣]

القرآن الكريم: معجزة النبي الخالدة

إن القرآن هو أعظم وآخر كتاب سماوي، نزل على النبي(ص) طوال ٢٣ سنة وقيّمه كثير من أفراد البشر طوال التاريخ، هذا الكتاب يتحدى معارضيه للأبد ولم يجب أحد هذا التحدي حتى بعد مضي ۱۴ قرن!. لإثبات إعجاز القرآن ينبغي ذكر الشرائط اللازم توفرها فيه ليُعدّ معجزة، وهي:

أن يكون خارقاً للعادة: سيأتي إثباته في بحث وجوه الإعجاز.

ادعاء النبوّة: من مسلّمات التاريخ أنّ محمد(ص) ادّعى النبوة ولا يشك في هذه الحقيقة أحد حتى غير المسلمين. كما يؤكّدها القرآن بأوضح بيان قالب:متن قرآن[٤].

التحدي: ذكر في آيات عديدة قالب:متن قرآن[٥]، وسيأتي البحث فيه بالتفصيل.

عدم قدرة المخالفين على المعارضة: لايزال القرآن بعد مضي ۱۴ قرن يتحدى ولا مجيب!، بالرغم من رغبة المخالفين القوية في التحدي كما سيأتي. المطابقة بين المدّعى والقصد: من الواضح انتفاء هذا الشرط في القرآن حيث لا موضوعية له إلا في سائر معجزات النبي غير القرآن.

من هنا يتضح انطباق سائر شرائط المعجزة على القرآن، وسنبدأ في بحث مفصّل في وجوه الإعجاز وعجز المخالفين عن التحدي.[٦]

وجوه إعجاز القرآن

الإعجاز الأدبي

هو من أهم وجوه الإعجاز سواء من حيث الجمال وسلاسة ألفاظه أو من حيث علوّه وعمق معانيه، إنه أعلى من كلام البشر، بل أعلى من كلام عظماء الأدباء والشعراء حيث لم يتمكن أيّ متحدث من الإتيان بمثله أو ما يناظره بالرغم من مرور ۱۴ قرن.

موقف كبار أدباء قريش من القرآن من أفضل شواهد إعجاز البيان القرآني هو موقف النخبة من أدباء وشعراء زمن نزول القرآن. ينقل التاريخ أنّ بعض المشركين والكفّار النوابغ في الأدب لم يتمكنوا من تحدي القرآن وليس ذلك فحسب، بل اعترفوا بعظمته وجلاله وادّعوا أنه سَحَرَهم لذلك لم يجدوا بدّاً من تسميته بالسحر وإتهام النبي(ص) بأنه ساحر وتحذير الناس من الاستماع إليه.

اعتراف المشركين بإعجاز القرآن الأدبي شهد تاريخ صدر الإسلام نماذج كثيرة من إقرار الخطباء والأدباء العرب بأن القرآن غير بشري وأنه معجزة، هذا الوليد بن المغيرة المعروف بمقامه الرفيع عند المشركين، بعد أن استمع إلى آيات من سورة غافر تأثّر بها حتى خرج من عند رسول الله(ص) إلى قومه وقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو كلام الإنس ولا من كلام الجنّ وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنه ليعلو وما يعلى عليه[٧]. هذا الكلام لم يصدر من أنصار النبي الأكرم(ص) حتى يُتهم بالغلو، وليس هو صرف ادعاء من شخص لايعرف فنون الفصاحة والبلاغة! بل هو اعتراف العدو الذي أقسم أنه أحد أكبر أدباء العصر الجاهلي في زمن النبي(ص)، وذاك عتبة بن ربيعة بعد أن استمع إلى أوّل آيات سورة فصلت من النبي(ص) تغيّر لونه ورجع إلى كبار قريش قائلاً من ضمن ما قاله: أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قبل، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة...[٨].

مبارزة المشركين للقرآن أشرنا إلى أنّ كبار المشركين عندما وجدوا أن طريق تحدي القرآن ومعارضته مُغلق، اجتهدوا في منع الناس من الاستماع إليه بطرق مختلفة حتى لا يلتحقوا بمحمد(ص)، لعلهم يتمكنوا بذلك من منع تزايد عدد المسلمين والتابعين للنبي(ص). يقول القرآن في إفشاء مؤامرة المشركين التي أرادوا من خلالها منع انتشار آيات القرآن بين الناس: قالب:متن قرآن[٩]. من النماذج التاريخية لتلك المؤامرة، تاريخ طفيل بن عمر الدوسي الذي كان محترماً بين العرب ومن الخبراء في الشعر والأدب. طفيل عاصر أوائل دعوة النبي(ص) ودخل مكة، فخاف قريش من أن يتأثّر بالقرآن فحذّروه من الكلام مع محمد(ص) الذي اتّهموه بالسحر وأوصوه بوضع مانعاً في أذنيه لكي لا يسمع كلام النبي(ص) لكنه بعد دخول المسجد، أدّى به حب الاستطلاع إلى أن يتحدّث مع الرسول(ص) ويستمع لآيات القرآن، بعد أن استمع طفيل إلى آيات القرآن أسلم مباشرة وقال: فلا والله ما سمعتُ قولاً قطّ أحن منه ولا أمراً أعدل منه.

إنّ تبليغ المشركين بأنّ القرآن سحر والنبي ساحر أدّى إلى أن يخاف البعض من سماع القرآن من جهة وإلى نفي إلهية القرآن من جهة أخرى. اجتمع رؤساء قريش يوماً ما في دار الندوة لكي يتفقوا على موقف واحد تجاه النبي(ص) فوصلوا بإرشاد الوليد بن المغيرة إلى أن يتهموا النبي(ص) بالسحر. يرى كثير من المفسرين أنّ هذه الواقعة هي شأن نزول بعض آيات سورة المدثر: قالب:متن قرآن[١٠].

المقارنة بين الإعجاز الأدبي للقرآن مع سائر وجوه إعجازه يعدّ الإعجاز الأدبي للقرآن أفضل من سائر وجوه الإعجاز - التي ستأتي – وذلك لعدّة جهات: أوّلها أنه في زمن نزول القرآن كان التأكيد الأكبر هو على هذه الوجه، لأنّ القرآن نزل في جماعة تتباهي بالفصاحة والبلاغة وكان الشعراء أرفع الشخصيات الاجتماعية لديهم، بل كانت طبيعة العربي الجاهلي قادرة على تشخيص أفصح الكلام وأبلغه بسهولة وكان ذوقه السليم هو أفضل القضاة في محكمة التحكيم بين أشعار الشعراء المختلفة.

بالإضافة إلى أنّ الإعجاز الأدبي والبياني للقرآن كان ظاهراً في كل آية من الآيات وفي بداية بعثة النبي(ص) لم تنزل إلا آيات قليلة لكن إعجازها الأدبي كان ظاهراً بوضوح فائق، هذه الميزة لا تصدق على بعض وجوه الإعجاز الأخرى، مثل: الإخبارات الغيبية في القرآن حيث إنها تختص ببعض آياته. لا ينبغي الغفلة عن أنّ تشخيص الإعجاز الأدبي للقرآن غير مُيَسّر للجميع بشكل مباشر، لأنه أوّلاً يجب أن يكون هناك معرفة كاملة باللغة العربية. ثانياً يجب التسلط على دقائق ورموز علوم الأدب العربي (الصرف، النحو، المعاني، البيان، البديع و...) فالإحراز المباشر لإعجاز القرآن أدبياً لا يقدر عليه إلا من توفرت فيه الشروط المذكورة ومن الواضح أنها غير متوفرة في كثير من الناس. لكن هذا لا يعني انسداد طريق الوصول إلى ذلك على أكثر الناس، بل يُمكنهم الرجوع إلى المتخصصين الذين تتوفّر فيهم الشروط المذكورة، الخبراء في فنون الأدب، المنصفون للاطلاع على الحقيقة وبالاستناد على رأيهم يُمكن التصديق بالإعجاز الأدبي للقرآن الكريم.

أركان الإعجاز الأدبي للقرآن

إنّ التحليل العميق للإعجاز الأدبي للقرآن والبحث في نماذجه خارج عن البحث الحاضر[١١]، خاصة وأنه بحاجة إلى طرح مباحث تخصّصية في العلوم الأدبية للغة العربية إلا أننا سنحاول أن نذكر توضيحاً لأركان الإعجاز الأدبي باختصار: يُمكن بيان أكثر أبحاث الإعجاز الأدبي للقرآن في ثلاثة أبعاد:

  1. فصاحة الألفاظ وجمال العبارات.
  2. بلاغة المعاني وعمقها وغناها.
  3. انتظام العبارات وانسجام المضامين[١٢].

إنّ القرآن الكريم في كل هذه الأبعاد الثلاثة هو كلام معجز وخارق للعادة بحيث لا يُمكن لأيّ أحد من أفراد البشر تحدّيه.[١٣]

إعجاز القرآن من حيث الفصاحة

ذكر علماء علوم المعاني والبيان تعريفاً مُعقداً نسبياً للفصاحة[١٤]، ما يُمكن ذكره هنا هو أنّ كلمة "فصيح" كلمة واضحة ومستعملة في التعبير عن الحسن والجمال و"الكلام الفصيح" هو الكلمات التي بالإضافة إلى فصاحتها فإنها في غاية الانسجام مع بعضها البعض وبعيدة عن كل تعقيد، هكذا كلام مؤثّر في القلب ومطبوع يُسهل أداءه، فصاحب الذوق السليم يجد أنّ آيات القرآن تقع في أوج الفصاحة وهي خالية عن أيّ تنافر بين الحروف والكلمات ومنزّهة عن التعقيد اللفظي والمعنوي.

العجيب أنّ القرآن الكريم قد يأتي بعدّة ألفاظ لكل منها ثقلها فيركبها معاً لينتج عبارة ذات إيقاع مؤثّر على القلب؛ مثلاً جاء في سورة يوسف: قالب:متن قرآن[١٥]. الألفاظ الثقيلة في الآية قالب:متن قرآن وقالب:متن قرآن إلا أنّ القرآن يركبها معاً في عبارة مؤثرة وجميلة. في بعض الآيات، ينظم مجموعة حروف ثقيلة معاً إلا أنّ التركيب النهائي لألفاظ الآية في غاية الملاحة والجمال ولا نشعر بأيّ ثقل أو عدم توازن كما في قوله تعالى: قالب:متن قرآن[١٦]. يلاحظ أنّ حرف القاف تكرر ۱۱ مرة في الآية وهو من الحروف الثقيلة مع ذلك فإنّ التأليف المناسب بينه وبين حروف خفيفة مثل الباء واللام منع من بروز ذلك الثقل.[١٧]

إعجاز القرآن في البلاغة

المراد من الكلام البليغ هو ذلك الذي بالإضافة إلى فصاحته نجد أنه يتوافق تماماً مع مقتضى الحال، حيث تقتضي خصوصيات المخاطب والظروف المُحيطة أن يراعي المتكلم أموراً خاصّة، مثل الإطناب في الكلام أو الإيجاز، الإتيان به على نحو الإخبار أو الإنشاء، على نحو التأكيد أو عدمه و...، فالكلام البليغ هو الكلام الذي - بالإضافة إلى الفصاحة - تتلائم فيه كل الخصوصيات (من حيث الإيجاز والإطناب والوصل والفصل والتقديم والتأخير والتأكيد...) مع مقتضی حال المخاطب. ومن الشروط الأخرى لبلاغة الكلام بالمعنى الذي يُمكن أن يُعدّ من أبعاد الإعجاز هو تضمنه معاني راقية عميقة، فالكلام المشتمل علی معاني مبتذَلَة وغير مناسبة حتى وإن راعى مقتضى الحال إلا أنه لا يُمكن أن يُعدّ مبنيً للإعجاز. ذكر المفسّرون وعلماء الأدب أبحاثاً واسعة في بيان وجوه بلاغة آيات القرآن - ذكرها خارج عن نطاق البحث[١٨] - إلا أننا نكتفي بذكر نموذج واحد، جاء في سورتي الأنعام والإسراء مضموناً واحداً بتعبيرين مختلفين: قالب:متن قرآن[١٩]، قالب:متن قرآن[٢٠]، يلاحظ أنّ مضمون الخطاب في هاتين الآيتين هو أنّ البعض يقتلون أطفالهم خوفاً من الفقر!، وفي كِلا الآيتين بعد أن ينهى الله عن هذا العمل يذكر بأنه هو الرزاق لهم ولأطفالهم. مع ذلك فالآية الأولى ذكرت رزق الآباء أولاً، ثمّ الأبناء على عكس الآية الثانية.

قد يُقال في الوهلة الأولى أنّ هذا تفنن في العبارة ليس إلا، لكن بالتأمّل في الآيتين يظهر لنا أن هناك مسألة عميقة في هذا الاختلاف، يتضح من العبارتين قالب:متن قرآن وقالب:متن قرآن أنّ المخاطب في الآية الأولى هم المبتلون فعلاً بالفقر، لذلك مقتضى حالهم هو أن يتكلم الله عن رزقهم أولاً، ثمّ يذكر مسألة رزق الأبناء، أما المخاطب في الآية الثانية هم من يخافون الوقوع في الفقر في المستقبل بسبب تحمل تكاليف الأبناء، لذلك فإنّ حال هؤلاء يقتضي أن يتكلم الله عن رزق أبناءهم أولاً تنبيها لهم على أن رزقهم واستمرار حياتهم لا يتكفلون هم به - أي الآباء – .

هناك أبحاث كثيرة في البعد الثاني لبلاغة القرآن يعني رقي معانيه وعمقها. كل من يتدبّر في بعض آيات القرآن يجد الجمال والكمال والحسن الظاهري على أتم صورة ممكنة، مع ما له من معاني عميقة ومعارف عميقة حول معرفة الله وصفاته الجمالية والجلالية، حقائق راقية حول المعاد وحقائق تاريخية، أحكام وقوانين فردية واجتماعية، تعاليم أخلاقية وتربوية و...، ظهرت للبشر بعض معارف القرآن ولا تزال تظهر معانيه العميقه مع مرور الزمن، أشرنا في أبحاث هذا الكتاب إلى بعض التعاليم القرآنية وهذا المقدار القليل يكفي للوقوف على عظمة معاني القرآن واتساعها. إن القرآن - من جهة - يذكر براهين وأدلة مُتقَنة في المباحث الاعتقادية وبالرغم من أنها في غاية الإتقان إلا أنها واضحة، تخلو من تعقيدات المباحث الفنية والتخصصية بحيث يستفيد منها الخاص والعام[٢١].

من جهة أخرى يُبيّن القرآن حقائق عميقة في قالب (مَثَل) وبهذا الأسلوب طرح تلك الحقائق لكي توقع في قلب المخاطَب وروحه غاية التأثير، على سبيل المثال لاحظوا كيف مثّل القرآن علاقة الحق بالباطل ونسبتهما إلى الناس: قالب:متن قرآن[٢٢]، تُبين الآية علاقة الحق بالباطل وموقعيتهما في النظامين التكويني والتشريعي من خلال مثال مؤثر: الحق كماء المطر الزلال الذي يجري في الأنهار بعد نزوله من السماء، والباطل كالزبد الجاري على سطح الماء، أو الذي يظهر على شكل مواد معدنية تحترق من أجل استخراج فلزات ثمينة، في هذا المثال حقائق لطيفة منها:

  1. الحق أمر ثابت أما الباطل فهو زائل كما أنّ الزبد يزول بعد سكون الماء أو برودة المواد المذابة.
  2. الباطل يغطي وجه الحق دائماً ويشوبه، كما يمثل الزبد حجاباً مانعاً عن رؤية الماء الزلال.
  3. الباطل يجد فرصة للجولان في البيئة غير الهادئة كما أنّ الزبد لا يظهر إلا على الماء المتلاطم أو المواد المائعة عند غليانها، لكن عند زوال هذا التلاطم وحلول السكون والطمأنينة لا نجد أثراً للباطل كما أنّه بعد سكون الماء لا نجد أثراً للزبد.
  4. الحق، فيض إلهي ينزل على العالم وهو في ابتداء نزوله عام خالٍ من كل قيد وحدّ، ثمّ يستفيد منه كل موجود بمقدار ظرفيته الوجودية واستعداداته وقابلياته، كما أن كل نهر يجري فيه المطر بمقدار ظرفيته[٢٣].[٢٤]
انتظام الألفاظ وانسجام المعاني

من أبعاد الإعجاز الأدبي للقرآن الكريم، انتظامه وانسجامه الخارق للعادة[٢٥] بحيث لا نجد نظيراً له في أيّ كلام آخر. فبالتأمل في آيات القرآن الكريم نجد هناك رعاية خاصّة لانسجام كلمات كل آية من الآيات على أفضل وجه ممكن، بحيث أنّ أيّ تغيير في ذلك النظم يؤثّر على وحدة الآية. ولهذا الانسجام بُعد لفظي وآخر معنوي، فقد تم ترتيب ألفاظ القرآن بطريقة تجعل لقراءتها إيقاعاً رائعاً[٢٦]، كما أنّ للمعاني انسجام وتناغم يحيي الروح في تلك الألفاظ ويرسم تصويراً مؤثراً في القلب البصير، وربما من أجل ذلك قال تعالى: قالب:متن قرآن[٢٧].

كما أنّ النظم المذكور غير محدود بالنظم الداخلي للألفاظ والانسجام الداخلي للمعاني؛ بل يوجد انسجام عجيب بين الألفاظ والمعاني أيضاً، فالآيات التي تُبيّن العذاب الإلهي نجد لها لحناً ثقيلاً في مقابل آيات الرحمة حيث تتميّز باللحن الليّن، مثلاً: يُمكن ذكر المجموعتين التاليتين من الآيات، الأولى في مورد العذاب والثانية في مورد الرحمة الإلهية:

قالب:متن قرآن[٢٨]، قالب:متن قرآن[٢٩]، كل من يتأمّل في آيات القرآن وسوره سيجدها كالقصور الرفيعة العظيمة التي تم بناء كل أجزائها بأدق صورة ممكنة ليظهر لنا بناء واحد منسجم.[٣٠]

نظرية الصَرفة

في مقابل القول بإعجاز القرآن الأدبي هناك رأي آخر معروف بنظرية الصرفة[٣١]، طُرحت هذه النظرية لأوّل مرة في كلام النظام المتكلم المعتزلي المعروف، ثمّ قِبل بها بعض المتكلمين الإمامية وأهل السنة[٣٢]. ويرى القائلون بإعجاز القرآن الأدبي أنّ القرآن أعلى من قدرة البشر بلحاظ الفصاحة والبلاغة وغيرها من امتيازاته الأدبية بحيث لا يُمكن أن يأتي بمثله أيّ إنسان سواء قبل البعثة أو بعدها. لكن بناءً على نظرية الصرفة يُقال: إنّ القرآن وإن كان رفيعاً جداً من حيث الفصاحة والبلاغة إلا أنه لم يصل إلى حد الإعجاز، فالإتيان بكلام كالقرآن غير خارج عن دائرة قدرة البشر، ومن الممكن أن يعارضه بعض الناس إلا أنّ الله منع ذلك بقدرته فلا يقدر أحد على الانتصار في التحدي لأنّ الله يمنع ذلك. ثم للقائلين بنظرية الصرفة آراء مختلفة في بيان كيفية هذا المنع الإلهي، تعتمد تلك الآراء على ثلاثة مباني متفاوتة:

  1. إنّ الله يسلب رغبة الناس في معارضة القرآن، فلا يرغبون بالإتيان بمثل القرآن.
  2. إنّ الله سلب الناس بعد البعثة تلك العلوم اللازمة لمعارضة القرآن، في حين أنّ العرب لو كانوا يتنعّمون بتلك العلوم بعد البعثة، كما كانوا عليه قبلها، الاستطاعوا الإتيان بكلام مثل القرآن[٣٣].
  3. إن الله منع كل من لديه العلم والهمة على المعارضة عن المعارضة، كالقادر على الخروج من السجن والراغب في ذلك، لكن باب السجن مقفل فلا يتمكن من الخروج!.

من هنا يتبيّن الفرق الأساسي بين الرأيين، يرى أصحاب نظرية إعجاز القرآن الأدبي أنّ القرآن ذاتاً معجزة من حيث الفصاحة والبلاغة وغيرها من الخصوصيات الأدبية، أما في نظرية الصرفة فإعجاز القرآن أمر خارج عن ذاته، يعني المنع الإلهي هو سبب - خارق العادة - عن الإتيان بكلام مثل القرآن.[٣٤]

نقد نظرية الصرفة

ذُكرت عدّة اعتراضات على نظرية الصرفة، نُشير إلى بعضها:

  1. نظرية الصرفة لا تنسجم مع آيات التحدي التي تظهر في أنّ القرآن ذاتاً معجزة، ولا يقدر غير الله - من الإنس والجن - على الإتيان بمثله.
  2. مقتضی نظرية الصرفة أن يجد من يأتي للمعارضة حالة في باطنه تمنعه من الإقدام على المعارضة، ومن الطبيعي أن يتعجب من هذه الحالة الطارئة وسيتكلم عنها في حين لم ينقل لنا التاريخ حتی مورداً واحداً من هذا القبيل[٣٥].
  3. مقتضی نظرية الصرفة أن يوجد في كلام أدباء العرب في الجاهلية - قبل الإسلام - كلاماً مماثلاً للقرآن من حيث الفصاحة والبلاغة، حيث إنّ المنع الإلهي تم بعد البعثة وبالتالي فإنه لا يشمل أدباء قبل الإسلام، إلا أننا لا نجد أيّ من آثارهم المتبقية ما يُكافئ القرآن ولو وُجد لاشتهر وحفظه لنا التاريخ لجماله[٣٦].[٣٧]
الإخبار الغيبي

من وجوه إعجاز القرآن إخباره بالمغيّبات، الغيب هنا يقابل الشهادة والمُراد منه هو تلك الحقائق - عن العالم الخارجة عن حدود إدراك البشر، لقد أخبر القرآن عن كثير من الحقائق الغيبية منها:

  1. إخباره عن الله وصفاته الجمالية والجلالية، الملائكة، الجنة والنار وأوصافهما، عالم البرزخ والآخرة.
  2. الحوادث التي وقعت في الماضي ولم يبقَ لها أثر في ذاكرة التاريخ.
  3. حوادث ستقع في المستقبل ولا يوجد أيّ طريق عند الناس أو علامات تساعدهم على توقع وقوعها.

هنا سيتم التركيز على القسم الثالث، عندما ننظر في آيات القرآن الكريم نری عدة آيات تُشير إلى وقوع حوادث في المستقبل القريب أو البعيد. هذه الحوادث لم تكن قد وقعت زمن نزول تلك الآيات لكن يثبت مع مرور الزمن صحة ما جاء به القرآن الكريم[٣٨]. إنّ ثبوت كل ما جاء في القرآن دليلٌ على إلهيته ويتضح بذلك وجه آخر من وجوه الإعجاز؛ إنّ إخبارات القرآن الغيبية بلحاظ تعدّدها وتنوعها بحيث أولاً: من غير المعقول أن تكون جميعها صحيحة من باب الصدفة. ثانياً: توقع هكذا أمور خارج عن قدرة البشر، الآيات القرآنية كثيرة في هذا المجال إلا أننا سنكتفي بنماذج منها:

  1. خبر انتصار الروم على الفرس: بعد حروب متمادية بين دولتي الروم والفرس، انهزم الروم سنة ۶۱۴ م هزيمة ساحقة، لقد كان الروم من أهل الكتاب في حين كانت حكومة الفرس مشركة لذلك حزن المسلمون لهزيمة الروم[٣٩]، فنزلت الآيات الأولى من سورة الروم لتخبر عن النصر القريب للروم على الفرس: قالب:متن قرآن[٤٠]. يراد بالبضع في قوله تعالى: قالب:متن قرآن ما بين ۳ إلى ۹ سنوات، أخبر القرآن عن انتصار الروم على الفرس في أقل من عشر سنوات، في حين أنّ الشواهد الموجودة بناء على المحاسبات العادية البشرية تُشير إلى خلاف ذلك، وقد تحقّق ما جاء به القرآن فعلاً.
  2. خبر انتصار المسلمين في معركة بدر: بالرغم من عظمة جيش المشركين وقلة المسلمين، نجد أنّ القرآن - قبل وقوع معركة بدر - قد أخبر بالانتصار القطعي للمسلمين على الكفار: قالب:متن قرآن[٤١] وقد تحقّق ذلك بالرغم من أنّ عدد المسلمين كان يمثّل ثلث عدد المشركين.
  3. بر رجوع النبي(ص) إلى مكة منتصراً: أخبر القرآن أنّ النبي(ص) بعد أن هاجر إلى المدينة سيعود إلى مكة: قالب:متن قرآن[٤٢] يرى أغلب المفسرين أنّ المقصود من المعاد في الآية المباركة هي مكة التي رجع إليها الرسول(ص) منتصراً[٤٣].

بالإضافة إلى ما نجده في القرآن من وعود تتعلّق بالقرآن نفسه من حيث تضمّنه على إخبارات غيبية صحيحة ستحدث في المستقبل، مثل آيات التحدي[٤٤] التي تتضمّن غلبة القرآن على كل معارض ووعد الله يحفظ القرآن وصيانته من التحريف[٤٥].[٤٦]

التناغم الكامل بين المنهج والمضمون

عالم الطبيعة والمادة محكومٌ بقانون التحول والتكامل، إنّ موجودات عالم الطبيعة مقترنة بالتغير وهي تتكامل بالتدريج. كذلك الإنسان الذي يمثّل أحد أعضاء هذا العالم هو في حالة تغير مُستمر حتى في أفكاره، إنّ أفكاره تتغير وتتكامل في بعض حيثياتها، كما أنّ مطالعة آثار العلماء توحي لنا بأنّ أفكارهم غير ثابتة، بل هي في معرض الإصلاح والتغيير على مرّ الزمن، بل قد يرفضون بعض آراءهم التي كانوا قد التزموا بها سابقاً. كما يشهد التاريخ أنّ القرآن نزل بالتدريج خلال ۲۳ سنة، كان يجري على لسان النبي الأكرم(ص) في مكة تارة وفي المدينة أخرى، اقترن بعضه بأحداث مريرة وبعضه الآخر اقترن بأحوال آمنة، مع ذلك لا نجد فيه أيّ اختلاف سواء في الأسلوب أو المحتوى والمضمون، في حين أنه يذكر مجموعة هائلة من المعارف الاعتقادية، الأخلاقية، التاريخية، الاجتماعية، والأحكام...، إنّ أسلوب البيان منسجم في كل القرآن، بل هناك انسجام كبير حتى بين الآيات والسور المدنية والآيات والسور المكية. كما لا نجد فيه آيتين متناقضتين في المحتوى، هذه الحقيقة تكشف لنا بُعداً آخر من أبعاد إعجاز القرآن، فالبشر لا يُمكنهم أن يأتوا بمجموعة تحوي أعمق وأوسع المعارف طوال ۲۳ سنة وفي شروط مختلفة إلا أنّ مبدأها ومنتهاها متساوٍ من حيث الكمال ولم يطرأ أيّ تحول في أسلوبه، ولم يقع أيّ إصلاح أو تغيير في محتواه. يصف أميرالمؤمنين(ع) الانسجام الداخلي للقرآن بقوله: "يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَ يَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ"[٤٧].[٤٨]

إعجاز القرآن بلحاظ من جاء به

بالتأمّل في شخصية نبي الإسلام(ص) الذي جاء بالقرآن يُمكن أن نكتشف وجهاً آخر من وجوه الإعجاز، فالنبي(ص) رجل أمّي لم يتعلم بين يديّ أستاذ طوال عمره، ولم يكتب أو يمسك قلماً[٤٩]. عاش أربعين سنة مع قوم غير متحضرين وفي هذه المرحلة العمرية الطويلة (ما يقارب ثلثي عمره الشريف) لم يُرَ منه علماً أو شعراً أو خطبة. إنه لم يسافر خارج الحجاز في تلك المرحلة إلا مرتين مع قافلة تجارية. هكذا شخصية مع سوابقها التاريخية، تأتي فجأة في سن الأربعين بما لم يأت به كبار أدباء العرب وشعراءها ليكون هذا الكتاب ملهماً ومعلماً عظيماً لقرون طويلة[٥٠].[٥١]

القرآن والعلم

يطرح القرآن مجموعة من المسائل العلمية التي لم تكن الحضارات الموجودة آنذاك قد اطلعت عليها؛ بل ربما قد تكون وصلت إلى أصول تخالفها. نعلم أنّ القرآن جاء لهداية الناس إلى السعادة، فهدفه الأصلي هو هداية الناس وليس ذكر المطالب العلمية، مع ذلك قد تُذكر معارف وحيانية - خاصّة المعارف المتعلّقة بالتوحيد - مع الإشارة في طياتها إلى بعض أسرار الوجود والأصول والقوانين الحاكمة على الطبيعة. في هذه الموارد أشار القرآن إلى مسائل لم يصدّق بها العلماء إلا في ظل تطور العلوم التجريبية بعد مضي قرون من الزمن، وسنُشير هنا إلى بعض النماذج:

  1. قانون الجاذبية العام: اكتشفه نيوتن في القرن ۱۷م في حين أشار له القرآن في قوله: قالب:متن قرآن[٥٢]، يظهر من الآية أن قالب:متن قرآن صفة لـقالب:متن قرآن فالمعنى هو أنه يوجد في السماوات وبين الأجرام السماوية أعمدة غير مرئية تحفظها، ولعل المقصود من هذه الأعمدة غير المرئية هي قوة الجاذبية التي توجب تحديد مواقع الأجرام السماوية في مسافات معينة بالنسبة إلى بعضها البعض. وقد بيّن القرآن هذه الحقيقة ببيان كنائي وذلك أولاً: ليدركها حتى غير المتخصصين، وثانياً: حتى لا يُتهم بالخطأ في عصر النزول لجهل الناس وعدم تطور العلم. فقد روي عن الإمام الرضا(ع) ما يفسّر الآية حيث قال: "ثَمَّ عَمَدٌ وَ لَكِنْ لاَ تُرَى"[٥٣].
  2. كروية الأرض: أشار القرآن في بعض الآيات إلى أنّ الأرض كروية، في حين غفل العرب عن ذلك تماماً، مثلاً: نقرأ في سورة الأعراف: قالب:متن قرآن[٥٤]، تُشير الآية أنّ للأرض مشارق ومغارب فلو كانت الأرض مسطحة لكان لها مشرق واحد ومغرب واحد فقط، إنّ جمع المشرق والمغرب يدلّ على كروية الأرض ففي هذه الحالة فقط، تصبح كل نقطة من الأرض مشرقاً بالنسبة للنقاط الواقعة غربها ومغرباً بالنسبة للنقاط الواقعة شرقها.
  3. حركة النجوم والكواكب في مساراتها: كان الشائع في عصر النزول أنّ الأرض ثابتة وتوجد حركة لأفلاك من جنس الجسم غير قابلة للخلل، ترافق الأجرام السماوية التي تقع في مداراتها وتدور فيه، لقد أشار القرآن إلى بطلان هذه النظرية بقوله تعالى: قالب:متن قرآن[٥٥]، حيث تُشير الآيات إلى أنّ لكل من الشمس والقمر مساراً خاصاً يسير فيه[٥٦]، وتعبير قالب:متن قرآن استعاريٌ يُستفاد منه تشبيه حركة الشمس والقمر بالسباحة في الماء. وعبارة قالب:متن قرآن تزيل الحجاب عن حقيقة أنّ الأجرام السماوية تسير في فلكها وليست ترافقه، فالآية تُشير إلى مدارات النجوم والكواكب الذي تم إثباتها في العلم الحديث[٥٧].
  4. كما خالف القرآن الرأي الحاكم في عصر النزول وذكر أنّ الأرض متحركة ففي سورة طه شبّه الأرض بالمهاد في إشارة لطيفة إلى حركتها: قالب:متن قرآن[٥٨].

ما ذكرناه حتى الآن هو شيء قليل من أهم أبعاد إعجاز القرآن، لكن التأمّل فيها يسوقنا إلى أن القرآن خارق العادة، وأنه خارج عن دائرة التأليف والتدوين البشري، وسنكتفي بهذا المقدار اليسير ونتقل إلى البحث في تحدي القرآن.[٥٩]

تحدي القرآن

أشرنا عدّة مرات إلى أن الركن الثاني من إعجاز القرآن هو دعوة الآخرين إلى التحدي ومطالبتهم الإتيان بمثله، وقد تحدى القرآن المخالفين في عدة آيات، منها ما جاء في سورة الإسراء: قالب:متن قرآن[٦٠]، تصرّح الآية أنه حتى لو اتفق كل الإنس والجن واتّحدوا ليأتوا بكتاب مثل القرآن لن يقدروا على ذلك، كما دعا القرآن المخالفين بالإتيان بسور مثل القرآن الكريم![٦١] وفي بعض الآيات دعاهم إلى الإتيان بسورة واحدة على الأقل، إن كانوا يرونه من افتراءات محمد!!: قالب:متن قرآن[٦٢]، يُستفاد من الآية الكريمة أنّ الله عزوجلّ لم يطالبهم بسورة معيّنة مثل سورة البقرة التي هي أطول سورة في القرآن، بل طالبهم بسورة، جاءت نكرة ليخبرنا أنّ المخالفين عاجزون عن الإتيان بمثله حتى لو كانت سورة قصيرة مثل سورة الكوثر. فمن يعتقد أنّ الإعجاز القرآني مقتصر على الإعجاز الأدبي يقول بأنّ تحدي القرآن محصور بهذه الخصوصية فقط إلا أنّ هذا التصور لا أساس له، فهناك آيات تدلّ على أنّ التحدي غير مختص بالبُعد الأدبي للقرآن، كما في الآية ۸۸ من سورة الإسراء التي مرَّ ذكرها، أيضاً لو كان كذلك لما شمل الخطاب الإنس والجن؛ بل كان يكفي توجيه الخطاب إلى العرب فقط! كما توجد آيات قرآنية تُشير إلى إعجاز القرآن من حيث شخصية النبي الأكرم(ص) قالب:متن قرآن[٦٣]، على فرض أنّ الضمير هاء الغيبة في عبارة قالب:متن قرآن يرجع إلى قالب:متن قرآن في عبارة قالب:متن قرآن[٦٤]، أي: النبي(ص)، يصح مفاد الآية أنه إن شككتم في إلهية القرآن فأتوا بسورة مثله من شخص كالنبي(ص) - الأمي – وفي الآية الثانية تصريح بأنهم لن يتمكنوا من ذلك أبداً، وأنّ العذاب الإلهي بانتظارهم. الآية التالية تتحدى من جاء بالقرآن، أي: بالنبي الأكرم(ص) قالب:متن قرآن[٦٥]، بالإضافة إلى ذلك أشارت بعض الآيات إلى إعجاز القرآن من حيث عدم الاختلاف فيه قالب:متن قرآن[٦٦]، فالقرآن يدعو مخالفيه إلى التحدي في كل أبعاد الإعجاز.[٦٧]

عجز المخالفين عن معارضة القرآن

رأينا كيف أن القرآن يدعو مخالفيه الذي يشكّكون في إلهيته إلى الإتيان بما يعارضه. هذا التحدي غير محصور بجماعة خاصّة كالعرب مثلاً ولا بزمان خاص كعصر النزول، بل هو شامل لكل الإنس والجن في كل زمن. فبالالتفات إلى الرغبة القوية عند المخالفين للإسلام في التغلب على دين الله، من الطبيعي أن يستفيدوا من كل إمكانياتهم ليجيبوا تحدي القرآن ويأتوا بسورة مثله على الأقل حتى لو كانت قصيرة بحيث تماثله في كل الأبعاد: الفصاحة والبلاغة وعمق المعاني والوضوح وأسلوب البيان و...، إلا أننا عند مراجعة التاريخ يَتبيّن لنا تحقّق وعد الله المبتني على عجز الجميع عن معارضة القرآن قالب:متن قرآن. بالرغم من قوّة المخالفين من حيث الاستعدادات ورغبتهم الشديدة في ذلك إلا أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من الردّ على تحدي القرآن، نعم! لقد شهد التاريخ بعض المحاولات إلا أنها ليست فقط لم تصل للنتيجة المطلوبة، بل أدت إلى إظهار إعجاز القرآن أكثر، أشار المؤرّخون إلى أسماء بعض من نهض إلى معارضة القرآن ونقلوا كلامهم الذي يزعمون أنه كفؤ القرآن، يكفينا النظر فيه إلى تقوية الإيمان بإعجاز القرآن الكريم![٦٨]. لعل أقصر دليل على عدم تمكن المخالفين من معارضته طوال التاريخ هو أنه لو تم ذلك – وإن تمّ من قِبل فرد واحد – لنقله الأعداء ونشروه بشكل واسع جداً ولانعَكَس ذلك على كل العالم ونُشرت مئات الكتب والرسائل المتعلقة به ولاستفادوا من هذه المسألة بعنوانها أفضل حربة توجّه للإسلام، في حين لم يحدث أيّ شيء من ذلك. نستنتج من البحث ما يلي:

  1. أنّ للقرآن أبعاد مختلفة خارقة للعادة يعجز عنها البشر.
  2. القرآن تحدى المخالفين بأبعاد مختلفة.
  3. لم يرد أيّ ردّ مناسب حتى الآن من المخالفين على تحدي القرآن؛ بل انهزمت كل المواجهات ضدّه.[٦٩]
معجزات النبي الأخرى

القرآن هو معجزة الإسلام الخالدة وهو الشاهد الدائم الحي على نبوّة محمد(ص) إلا أنّ للنبي الأكرم(ص) معاجز أخرى أيضاً أظهرها للناس طوال مدة رسالته:

معجزات النبي(ص) في القرآن

لقد أشار القرآن إلى بعض معاجزه نذكر منها موردين:

  1. انشقاق القمر: في الآيات الأولى من سورة القمر قالب:متن قرآن[٧٠]. ذكر كثير من المفسرين في شأن نزول الآيات أن يوماً ما قال المشركون للنبي(ص): إن كنت صادقا فلتشق القمر إلى نصفين قال النبي(ص): لو فعلت ذلك أتؤمنون؟ قالوا بلی، فطلب النبي(ص) ذلك من الله، واستُجيب له فانشق القمر نصفين[٧١]. المقصود من قالب:متن قرآن في الآية هو معجزة النبي(ص). قد يُقال: المراد هنا هو انشقاق القمر يوم القيامة لكن توجد قرائن تؤيّد ما ذكر في شأن النزول، فقوله تعالى: قالب:متن قرآن يحكي عن أنّ المقصود من الآية ليست هي الآيات القرآنية، بل يقصد بها المعجزة لأنه لو أريدَ بالآية آيات القرآن، كان من المناسب أن يستفاد من أفعال مثل (السماع) أو (النزول)، فيقال (و إن سمعوا) أو (و إن نزلت آية)، بدلاً من الفعل (يروا)، فالمقصود من الآية التي تقع مورد المشاهدة هي إعجاز النبي(ص) بانشقاق القمر. كما أنّ عبارة قالب:متن قرآن هي قرينة أخرى على أنّ الكلام هنا يرجع إلى معجزة النبي(ص) وليس إلى انشقاق القمر يوم القيامة، لأنّ يوم القيامة ستظهر الحقائق ولن يتمكن أحد من الكلام بالباطل في حين أن إطلاق السحر على آيات الله من الكلام الباطل. بالتوجه إلى القرائن المذكورة من جهة وشأن نزول الآيات من جهة أخرى يثبت أن الآيات الأولى من سورة القمر تُشير إلى معجزة النبي(ص) (انشقاق القمر).
  2. الإسراء والمعراج: من معاجز النبي(ص) المذكورة في القرآن، سيره ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعروجه إلى السماء قالب:متن قرآن[٧٢].[٧٣]
معجزات النبي(ص) في التاريخ

ذُكرت العديد من معجزات النبي(ص) في كتب التاريخ والحديث، كثرتها يجعلنا غير قادرين على ذكرها بالكامل لذلك سنكتفي بتقسيم معجزات النبي(ص) إلى عدّة أقسام[٧٤]:

  1. إخبار النبي(ص) عن الغيب ومطابقة جميع إخباراته للواقع، كإخباره عن نزول المطر وكيفية استشهاد عمار بن ياسر ومقاتلة علي(ع) للناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره الزهراء(س) أنها أوّل من يلحق به من أهل بيته.
  2. تحقّق أحداث سماوية خارقة للعادة كانشقاق القمر وردّ الشمس على خلاف حركتها المعتادة، ونزول الغذاء السماوي.
  3. اتّباع الجمادات والحيوانات له(ص)، وكلامه معها كتسليم الحجر والشجر عليه(ص) وحديثه مع الجبل وسجود الشجر، وشهادة الحصى له بالرسالة وكلام الحيوانات معه مثل الجمل والذئب و... .
  4. مواجهة الأعداء بطرق خارقة للعادة.
  5. استجابة دعاءه(ص) في شفاء المرضى وإحياء الموتى و... .

و بالتوجه إلى كثرة معجزاته تثبت نبوته بالطريق الأوّل (الإعجاز).[٧٥]

الطريق الثاني: بشارة الأنبياء السابقين بنبوة محمد(ص)

نعتقد أنّ أنبياء مثل موسى وعيسىقالب:عم قد بشّروا قوم زمانهم بظهور نبي الإسلام(ص) ولإثبات هذا المدّعى نذكر طريقين:

الطريق الأول: عند مراجعة المتون المقدسة لليهود والمسيحيين نجد بشائر تبشّر بالنبي الخاتم(ص) وإن كنا نعتقد أنّ المضامين الوحيانية للتوراة والإنجيل قد تعرضت للتحريف طوال التاريخ إلا أنّ قسماً من العهدين العتيق والجديد يمكن أن نلمس فيه آثاراً للحقائق الوحيانية. العجيب أنّ هذا القسم القليل من تلك المتون الذي حافظ على أصالته يتضمن تعابير تبشّر بنبوة نبي الإسلام(ص) ومن البشائر الصريحة هي البشارة بظهور فارقليط التي تعني الشخص المحمود أو الأحمد وبالتوجه إلى القرائن المحيطة بهذا اللفظ يُمكن أن يُقال: إن المراد به نبي الإسلام(ص). جاءت آيات في الباب ۱۴ من الإنجيل يوحنا، الآية ۱۵ و۱۶: « إذا كنتم تحبونا فاحفظوا أحكامنا وسوف أسأل الأب وسوف يرسل لكم يسليكم ليبقى معكم دائماً»[٧٦] المسيحيون يعتقدون أنّ هذا المسلي هو روح القدس إلا أنّ التدقيق في الجذور اللغوية للكلمة بالمعنى العبري الذي يتحدث بها نبي الله عيسى والقرائن الموجودة في العبارات المذكورة تؤيّد المعنى الأول[٧٧].

الطريق الثاني: التأمل في الحدث التاريخي التالي، احتجاج النبي(ص) على اليهود والمسيحيين لاثبات رسالته بمتونهم المقدسة التي بشرت بنبوته وسكوت علماء اليهود والنصارى أمام هذا الاحتجاج، لو لم يكن له أساس لما سكتوا ولكذبوه وأظهروا ما يثبت خلو كتبهم من ذلك الادعاء، يقول القرآن: قالب:متن قرآن[٧٨]، كما تُصرّح آية أخرى بأنّ النبي قد ذُكِر في متن التوراة والإنجيل قالب:متن قرآن[٧٩]. إنّ ادعاء القرآن والنبي الأكرم(ص) وجود بشائر تُشير إلى ظهور النبي(ص) في التوراة والإنجيل وعدم إنكار علماء أهل الكتاب الذين كانوا معاصرين للنبي(ص) هو شاهد تاريخي على صدق المدعي.[٨٠]

الطريق الثالث: جمع القرائن والشواهد

أشرنا في مباحث النبوة العامة إلى أنّ الطريق الثالث لإثبات نبوّة مُدّعي النبوّة هو وجود مجموعة من الشواهد التي تؤيده بضمها إلى بعضها البعض. إن نبوة نبي الإسلام(ص) تثبت بهذا الطريق أيضاً. فالقرائن مورد البحث – تاريخية ويحتاج التحقيق فيها إلى بحث تاريخ حياة النبي(ص) بحثاً جامعاً وواسعاً لا يسعه بحثنا هذا، لذلك سنكتفي بإشارات مختصرة إلى أهم تلك القرائن التاريخية الدالة على نبوته:

شخصية النبي(ص) الأخلاقية

تنقل المدارك التاريخية المعتبرة أن الرسول(ص) كان يتحلى بالسجايا الأخلاقية العالية سواء قبل البعثة أو بعدها، فهو ينحدر من أسرة أصيلة، أسرة بني هاشم وتربّى على يد شخصيات متميزة أمثال عبدالمطلب وأبي طالبقالب:عم. ولم يتلوث طوال (۴۰) عاماً قبل البعثة بأيّ من القبائح المعروفة آنذاك بين العرب، مثل: الشرك وشرب الخمر وغيرها، ظهرت فضائله الأخلاقية للناس حتى عُرف ب (محمد الأمين). فلو كانت هناك نقطة ضعف في حياة النبي(ص) قبل البعثة الاستفاد منها مشركوا قريش لمواجهته ومنع انتشار رسالته، في حين لم ينقل لنا التاريخ أنهم فعلوا ذلك. وبعد البعثة أيضاً لم يحصل أيّ تغيير في سلوك النبي(ص) كما نقلت المنابع التاريخية بعض أخلاقياته طوال مرحلة البعثة، باختصار إنّ البُعد الأخلاقي للنبي(ص) كان بمستوى عالٍ جداً يمتنع معه أن يكون قد ادّعى النبوّة لأهداف غير أخلاقية كالشهرة وطلب المقام و... كما أنّ صدقه وأمانته وطهارته قرينة على صدق دعواه.

محيط ظهور الإسلام

ظهر محمد(ص) في مجتمع غير متحضر، يغلب عليه الفساد والضلال وأقبح الأعمال، كالقتل والغارّة ووأد البنات و...، والجهل، فلم يوجد أيّ أثر للثقافة والعلم سوى ثقافة الأدب والشعر. في هذا المجتمع المتخلّف بدأ النبي(ص) رسالته فجاء بأعلى معارف اعتقادية، أخلاقية، حقوقية و... . بدون أن يستفيد في بيانه لتلك المعارف من محيطه الاجتماعي.

أتباع محمد(ص)

يشهد التاريخ أنّ من آمن به(ص) بعد تبليغه الإسلام هم من أعظم شخصيات التاريخ، مثل: علي بن أبي طالب، سلمان الفارسي، أبو ذر الغفاري. الذين جعلوا أنفسهم وقفاً للإسلام مع ما كانوا يتمتعون به من مدارج العلم والعمل، إنهم من نوادر التاريخ إلا أنهم اتبعوا رسالة النبي(ص) وأهدافه بدون أيّ هدف مادي، بل بذلوا أرواحهم في سبيله وبما أنّ أحد الطرق المتعارفة للتعرف على الشخصيات الاجتماعية هو التدقيق في أحوال الأتباع، خاصّة الخواص منهم فإن التأمل في شخصيات أصحاب النبي(ص) المقربين هو قرينة أخرى على إلهية دعوته.

طرق الإجراء ومنهج الدعوة

إنّ مطالعة الطرق الإجرائية للنبي(ص) التي انتهجها في الوصول إلى أهدافه ومقاصده هو شاهد آخر على إلهية رسالته، فإنه بخلاف الأسلوب السائد بين الساسة الدنيويين، لم يضع قدميه خارج مسير الحق مطلقاً ولم ينتهج مناهج وأساليب غير مشروعة للوصول إلى أهدافه. فكان أسلوبه - حتى مع أعدائه - مُقترن بالعدالة والإنصاف، بعيداً كل البُعد عن الخداع والمكر. ومن أبرز الشواهد على هذا المدّعي القضية التي وقعت بعد موت إبراهيم ابن الرسول(ص) حيث اقترن موته بحدوث كسوف فظن الناس أنها معجزة تحكي عن تأثير موت إبراهيم على السماوات إلا أنّ النبي(ص) أعلن مخالفته لهم وأنّ الشمس والقمر من آيات الله ومطيعة له سبحانه ولا علاقة للكسوف بموت ابنه في حين كان بإمكانه أن يستفيد من هذا الحدث في سبيل تعزيز موقعيته الاجتماعية بين الناس[٨١]، الخلاصة أن مطالعة الأساليب العملية للنبي(ص) في نهضته سواء في الحرب أو الصلح يظهر منها أنه كان يُريد أداء وظيفته الإلهية وإجراء الحق بدون أن يفكر في تأمين منافعه الشخصية.

ثبات القدم والاستقامة

من علامات رجال الله أنهم لا يتوانون عن التضحية والإيثار في سبيل تحقيق أهدافهم، بل يبذلون في سبيل ذلك أرواحهم وأموالهم وأبناءهم وكل غالٍ ونفيس لديهم، وهذا دليل على إيمانهم برسالتهم وعدم بحثهم عن مقام مادي أو معنوي، تكفي نظرة قصيرة في تاريخ حياة النبي(ص) لإبراز أرفع درجات الثبات والتضحية، ثباته في مكة أوّل سنوات البعثة، ومقاومته لكل محاولات التطميع والتوهين والتهديد والتعذيب، ثباته في الحروب[٨٢]، واستقامته في شعب أبي طالب، صبره الذي لا يُوصف على فقده لأنصاره وأقربائه... إنها أوراق ذهبية من عمر مقاومة نبي الإسلام(ص) في سبيل الله.

التعاليم

جاء النبي الأكرم(ص) في مدة قصيرة بعد البعثة (۲۳ سنة) بتعاليم عميقة وشاملة للشؤون الاعتقادية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية و...، كان كثير منها يُعارض الأصول المعروفة في الجاهلية والثقافة العامة. إنّ عقلانية وانسجام التعاليم الإسلامية المتعلقة بكل من: التوحيد، معرفة الإنسان والعالم، الدعوة إلى الفضائل والقيَم الأخلاقية وترك الرذائل، محورية العدالة وجامعية القوانين الاجتماعية والاقتصادية في الإسلام، كلها تُخبر عن إلهية رسالة النبي(ص). كما يُمكن الحصول على قرائن أخرى من خلال مطالعة تاريخ الإسلام وسيرة النبي(ص) إلا أننا نعتقد أنّ ما ذُكر من قرائن كافٍ لليقين بنبوّته.[٨٣]

عالمية الإسلام وخلوده

من الأصول المسلمة في الاعتقادات الإسلامية، التي يتفق عليها جميع المسلمين هو أصل عالمية الإسلام وخلوده، يُراد من عالمية الإسلام عدم اختصاصه بقوم أو أمة أو عرق أو إقليم خاص، بل هو شامل لكل البشر والأمم مهما كان انتماءهم، والمقصود من خلود الإسلام عدم اختصاصه بزمان ما، بل هو مستمر إلى نهاية التاريخ فلن ينسخه دين آخر أبداً. توجد عدّة أدلة تؤيّد هذين الأصلين سبنحثها في ثلاث نقاط متتالية:

عالميّة الإسلام وخلوده في القرآن

توجد الكثير من الآيات الدالة على ذلك ويُمكن تصنيفها كالتالي:

  1. آيات تُشير إلى أنّ رسالة النبي(ص) عامة لكل الناس، مثلاً في سورة الفرقان: قالب:متن قرآن[٨٤]، كما جاء في آية أخرى: قالب:متن قرآن[٨٥] فإن عبارة قالب:متن قرآن تدلّ بوضوح على عموم رسالة نبي الإسلام(ص)، لأنها تعني أنّ كل شخص - في أيّ زمان ومكان كان ومن أيّ دولة وعرق- إذا وصلته رسالة الإسلام فإنه مأمور بالإطاعة والاتباع[٨٦].
  2. هناك كثير من الآيات تخاطب (الناس) (بني آدم) قالب:متن قرآن دون أن تقيدها بزمن أو مكان أو قوم خاص، معنى ذلك أنّ كل شخص يؤمن بالنبي الأكرم(ص) هو مخاطب بهذه الآيات سواء كان عربياً أو غير عربي، سواء كان معاصراً للنبي(ص) أو جاء بعد زمن النبي(ص). هذه الخطابات العامّة تؤيّد عالمية القرآن وخلوده[٨٧].
  3. جاء في بعض الآيات أنّ القرآن كتاب هداية ل قالب:متن قرآن أو ل قالب:متن قرآن مما يدلّ على شمولية الدعوة القرآنية لكل زمان ومكان قالب:متن قرآن[٨٨].
  4. تُشير بعض الآيات إلى أنّ التكليف عام لكل الناس، الجميع مكلّف بالالتزام بالأحكام العملية والقوانين الدينية، منها ما جاء في مورد فريضة الحج: قالب:متن قرآن[٨٩].
  5. يذكر القرآن انتصار الإسلام على سائر الأديان منها الأديان الإلهية السابقة: قالب:متن قرآن[٩٠]، يظهر من هذا التعبير أولاً أنّ كل أتباع الديانات السابقة موظفون باتّباع الإسلام، وثانياً لن يتمكن أيّ دين آخر من غلبة الإسلام حتى في المستقبل وهذا بيان آخر لخلود الإسلام.

عند التدقيق في الآيات المذكورة، فإنه لا يبقى مجالٌ للشك في عالمية الدين الإسلامي وخلوده.

الأدلة الروائية

هناك روايات كثيرة تشهد على خلود دين الإسلام نكتفي هنا بذكر حديث واحد وهو: "حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ حَرَامُهُ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[٩١].

خاتمية نبي الإسلام(ص)

من الأصول القطعية التي يقبل بها جميع المسلمين هو أصل الخاتمية، أي: أنّ محمد(ص) هو آخر نبي إلهي ولن يُبعث بعده نبي آخر إلى قيام الساعة.

إنّ بعثة نبي جديد تُتصور في حالتين:

  1. أن يكون للنبي الجديد شريعة تنسخ دين الإسلام.
  2. لا يأتي النبي الجديد بدين جديد، بل هو مبلّغ للإسلام.

لقد تم إثبات خلود الإسلام في ما سبق مما يُبطل الاحتمال الأوّل، يبقى الاحتمال الثاني ولإبطاله نحتاج إلى إثبات خاتمية سلسلة الأنبياء بنبي الإسلام(ص). تدلّ بعض الآيات والروايات على أصل الخاتمية منها:

خاتمية محمد(ص) في القرآن

من الآيات الصريحة الدالة على الخاتمية هي الآية ۴۰ من سورة الأحزاب: قالب:متن قرآنخطأ استشهاد: إغلاق </ref> مفقود لوسم <ref>

خاتمية نبي الإسلام في الروايات

بالإضافة إلى القرآن الكريم، تشهد روايات كثيرة على خاتمية النبي الأكرم(ص) نُشير هنا إلى بعضها:

  1. في حديث مشهور ومعروف بحديث المنزلة وهو قول النبي(ص) بعد أن امتنع عن اصطحاب علي(ع) معه إلى معركة تبوك وشاهد تألم الإمام(ع) فقال: "أَ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي"[٩٢]، إن عبارة النبي في نهاية الرواية "إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" تدلّ بوضوح على أنه لن يُبعث نبياً بعده أبداً[٩٣].
  2. نقلت تعابیر كثيرة عن علي(ع) في وصف النبي(ص) تُشير إلى خاتميته منها: "أَمِينُ وَحْيِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ"[٩٤] "إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً(ص) رَسُولَ اللَّهِ(ص) لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ"[٩٥].[٩٦]

شواهد تاريخية

بالإضافة إلى الأدلة القرآنية والروائية، هناك شواهد تاريخية تؤيّد عالمية الإسلام مثل إرسال النبي(ص) رسائل إلى رؤساء دول إيران والروم والحبشة واليمن، دعاهم فيها إلى الإسلام وأخبرهم أنهم إن أسلموا فإنّ أرواحهم وأموالهم في أمان، وإلا فستقع الحرب بينهم، ومن الواضح أنه لو كان الإسلام ديناً قومياً لما دعى رسول الله(ص) رؤساء الأمم الأخرى للإسلام.[٩٧]

المراجع

  1. نهج البلاغة، خ ۸۹.
  2. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣١.
  3. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣٢.
  4. سورة الأعراف: ۱۵۸.
  5. سورة البقرة: ۲۳.
  6. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣٣.
  7. الطبرسي، مجمع البيان، ج۵، ص۳۸۷.
  8. ابن هشام، السيرة النبوية، ج۱، ص۲۹۳ و۲۹۴؛ (نقلناه عن: جعفر السبحاني، الإلهيات، ج۳، ص۲۴۸).
  9. سورة الفصلت: ۲۶.
  10. سورة المدثر: ۱۸-۲۵.
  11. إن أهمية وسعة بحث إعجاز القرآن أدّى بكثير من علماء المسلمين أن يؤلّفوا كتب مستقلة تتعلّق بهذا الموضوع، وقد بدأ التأليف منذ القرن الأول ولا زال مستمراً حتى اليوم. من الآثار الأولى في باب إعجاز القرآن: كتاب نظم القرآن للجاحظ (م: ۲۵۵ ه.ق) وكتاب دلائل الإعجاز، للشيخ عبدالقاهر الجرجاني، ومن بين الآثار المعاصرة: كتاب المعجزة الخالدة، تأليف الشيخ هبة الدين الشهرستاني ونفحات الإعجاز تأليف آية الله السيد الخوئي.
  12. تعددت بيانات العلماء في ما يتعلّق بالإعجاز الأدبي للقرآن الكريم، ما ذُكر في المتن هو مقتبسٌ من كتاب الإلهيات للأستاذ جعفر السبحاني (ج ۴، ص۲۵۹ - ۳۲۴)؛ بعض المحقّقين قسّم الإعجاز البياني للقرآن الكريم إلى ستة أقسام: ۱/ الألفاظ والحروف، ۲/ أسلوب ومنهج الكلام، ۳/ تعريف وتنوع اللفظ والمعنى، ۴/ نظم الكلمات وفواصلها، ۵/ الاختصارات الكثيرة والحكم والأمثال، ۶/ الجدل والاستدلال؛ راجع: محمد أبو زهرة، المعجزة الكبرى القرآن، ص۱۲۲.
  13. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣٧-٤٣٨.
  14. قيل في تعريف الفصاحة: "الفصاحة في المفرد عبارة عن خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس اللغوي، وفي الكلام عبارة عن خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحة المفردات.
  15. سورة يوسف: ۸۵.
  16. سورة المائدة: ۲۷.
  17. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣٨-٤٣٩.
  18. يعتبر جار الله الزمخشري من المفسرين الذين اهتموا ببحث الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم اهتاماً خاصاً وذلك في كتابه المعروف "تفسير الكشاف"، فراجع.
  19. سورة الانعام: ۱۵۱.
  20. سورة الاسراء: ۳۱.
  21. أشرنا إلى بعض استدلالات القرآن في مباحث التوحيد والنبوة العامة وسنُشير إلى بعض الاستدلالات الأخرى في بحث المعاد.
  22. سورة الرعد: ۱۷.
  23. للاطلاع راجع: السبحاني، الإلهيات ج۳، ص۲۹۹ - ۳۰۳، والعلامة الطباطبائي، الميزان، ج۱۱، ص۳۳۷ – ۳۳۹، وإذا رغبت في مطالعة أكثر تفصيلاً حول إعجاز القرآن وأبعاده المختلفة؛ راجع: السبحاني، الإلهيات، ج۳، ص۲۷۶ - ۳۰۶.
  24. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٣٩-٤٤٢.
  25. تظهر قوّة هذا البُعد من أبعاد الإعجاز الأدبي والبياني للقرآن الكريم بحيث اكتفى به بعض كبار علماء علم المعاني والبيان أمثال عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز عندما ذكر وجه الإعجاز الأدبي.
  26. أدت هذه الخصوصية - خصوصاً عند النظر إلى التناغم اللفظي بين أواخر الآيات القرآنية - إلى القدرة على ترتيل القرآن وقراءته بنغمات جميلة ورنانة.
  27. سورة الزمر: ۲۳.
  28. سورة الحاقة: ۱-۱۰.
  29. سورة الضحى: ۱-۱۱.
  30. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٤٣-٤٤٤.
  31. "صرفه" من "صَرَفَ" بمعنى أرجع أو منع، ومن هنا سُميت النظرية مورد البحث بهذا الاسم، ويراد بها أنّ الله سبحانه وتعالى صرف الناس عن الإتيان بمثل القرآن الكريم.
  32. ممن قبل برأي النظّام من متكلمي أهل السنة: أبو إسحاق النصيبي، عباد بن سليمان الصيمري، وهشام بن عمرو الغوطي، في حين خالفه تلميذه، أي: الجاحظ وألّف كتاباً في إثبات الإعجاز الأدبي للقرآن الكريم أسماه "نظم القرآن"، أما من بين متكلمي الشيعة نجد أنّ ممن دافع عن نظرية الصرفة: السيد المرتضی بتأليفه رسالة "الموضح عن إعجاز القرآن" وقبل بها الشيخ المفيد في كتابه "أوائل المقالات" وإن نُقل عنه اقوالاً مخالفاً لما في كتابه ذاك. اجتنب الشيخ الطوسي مناقشة السيد المرتضى في رأيه عندما شرح كتاب "الجمل" للسيد مرتضى لكنه في كتابه "الاقتصاد" صرّح بردّ هذه النظرية، للاطلاع على البحث؛ راجع: السبحاني، الإلهيات، ج۴، ص۳۴۰ – ۳۴۴.
  33. ينقل الرافعي في إعجاز القرآن عن السيد المرتضى: "معنى الصرفة أن الله سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن": إعجاز القرآن، ص۱۴۴.
  34. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٤٤-٤٤٦.
  35. يلاحظ على هذا الاعتراض أنه يردّ على التفسير الثالث من التفاسير التي ذُكرت لنظرية الصرفة، إلا أنه بناء على التفسير الأول قد يُقال: إنّ زوال رغبة الشخص للإتيان بما يُعارض القرآن يحصل بشكل غير واع، بحيث حتى الشخص لا يلتفت إلى حصوله أو أنّ الله سبحانه وتعالى يقوم بعمل يجعله منذ البداية لا يرغب في معارضة القرآن، لا أنه كان يرغب ثمّ زالت هذه الرغبة.
  36. للاطلاع على أدلة المخالفين لنظرية الصرفة بشكل تفصيلي؛ راجع: محمد هادي معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج۴، ص۱۷۲- ۱۹۰؛ وجعفر السبحاني، الإلهيات، ج۴، ص۳۴۴ - ۳۵۰.
  37. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٤٦.
  38. هناك بعض إخبارات القرآن التي لم تقع حتى الآن والتي سيتبيّن صحتها في المستقبل.
  39. كان مشركوا العرب يعتبرون الفرس على دينهم ولذلك تفاءلوا بانتصارهم واعتبروا ذلك الانتصار علامة على انتصارهم على المسلمين.
  40. سورة الروم: ۱-۴.
  41. سورة القمر: ۴۴-۴۵.
  42. سورة القصص: ۸۵.
  43. إن وعد القرآن بدخول المسلمين إلى مكة للحج هو نموذج آخر لاخبارات القرآن الغيبية: قالب:متن قرآن سورة الفتح: ۲۷.
  44. سورة البقرة: ۲۳ و۲۴، سورة يونس: ۳۸، سورة هود: ۱۳، سورة الإسراء: ۸۸.
  45. سورة الحجر: ۹.
  46. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٤٧-٤٤٩.
  47. نهج البلاغه، خطبة ۱۳۳.
  48. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٤٩-٤٥٠.
  49. قالب:متن قرآن سورة الجمعة: ۲.
  50. أشار القرآن إلى هذه الحقيقة في سورة يونس آية ۱۶ قالب:متن قرآن.
  51. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٠-٤٥١.
  52. سورة الرعد: ۲.
  53. تفسير البرهان، ج۲۲، ص۲۷۸ (نقلاً عن: السبحاني، الإلهيات، ج۲، ص۴٢١).
  54. سورة الأعراف: ۱۳۷.
  55. سورة يس: ۴۰.
  56. ثبت ذلك في علم الفلك الجديد، الشمس ثابتة بالقياس إلى كواكب المنظومة الشمسية لكنها متحركة مع مليارات المجرات الأخرى.
  57. انظر أيضاً: سورة الرعد: ۲.
  58. سورة طه: ۵۳.
  59. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥١-٤٥٣.
  60. سورة الاسراء: ۸۸.
  61. قالب:متن قرآن سورة هود: ۱۳.
  62. سورة يونس: ۳۸.
  63. سورة البقرة: ۲۳-۲۴.
  64. ذكروا احتمالين في تعيين مرجع الضمير (ه) في قالب:متن قرآن: ۱/ يرجع إلى قالب:متن قرآن في قالب:متن قرآن؛ ٢/ يرجع إلى (ما) في قالب:متن قرآن في هذه الحالة يراد منه القرآن وتكون (من) بيانية، التفسير الذي تم ذكره في المتن يبتني على الاحتمال الأول، إلا أن الروايات التي وردت في تفسير هذه الآية قد ذكرت كلا الاحتمالين.
  65. سورة يونس: ۱۶.
  66. سورة النساء: ۸۲.
  67. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٣-٤٥٥.
  68. يُمكن مراجعة الكلام المنسوب إلى مسيلمة الكذاب، طليحة بن خويلد الأسدي، سجاح بن الحارث بن سويد، الأسود بن العنسي وغيرهم ممن حاول الإتيان بمثل القرآن.
  69. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٥-٤٥٦.
  70. سورة القمر: ۱-۲.
  71. الطبرسي، مجمع البيان، ج۹ - ۱۰، ص۲۳۷.
  72. سورة الاسراء: ۱.
  73. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٦-٤٥٨.
  74. ذكرت الروايات المرتبطة بمعجزات النبي بشكل مفصل في المنابع التالية: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۷، ص۲۲۵-۴۲۱؛ وج۱۸، ص۱ - ۱۴۸؛ البيهقي، دلائل النبوة، ج۶؛ الحر العاملي، إثبات الهداة، ج۱ و۲.
  75. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٨-٤٥٩.
  76. الكتاب المقدس، ترجمة لندن، ۱۹۱۴. أيضاً: انجيل يوحنا، باب ۱۴، جملة ٢۶؛ وباب ۱۶، جملة ۷و ۸.
  77. راجع: السبحاني، الإلهيات، ج۳، ص۴۴۸ – ۴۵۱.
  78. سورة البقرة: ۱۴۶.
  79. سورة الأعراف: ۱۵۷.
  80. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٥٩-٤٦٠.
  81. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۲۲، ص۱۵۶.
  82. لم ينقل التاريخ أي موقف يدل على تراجع النبي(ص) في ميدان القتال حتى في معركة أحد التي فرّ فيها جماعة من المسلمين، بقي النبي يقاتل مع جماعة قليلة، بل العجيب أنّ الإمام علي(ع) الذي عُرف في التاريخ بطولاته يقول: "كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ(ص) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ"؛ نهج البلاغة، فصل شيء من غريب كلامه، ح۹.
  83. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٦٠-٤٦٤.
  84. سورة الفرقان: ۱.
  85. سورة الانعام: ۱۹.
  86. راجع أيضاً: سورة النساء: ۷۹، سورة الأعراف: ۱۰۸، سورة سبأ: ۲۸، سورة الأنبياء: ۱۰۷.
  87. هذه الآيات كثيرة جداً في القرآن الكريم، راجع: سورة البقرة: ۲۱ و۱۶۸؛ سورة النساء: ۱، ۱۷۰، ۱۷۴؛ سورة يونس: ۲۳، ۵۷، ۱۰۴، ۱۰۸. من الملفت أن القرآن يعبر عن دعوة سائر الأنبياء إلى أممهم ب(قوم) في إشارة إلى أنّ دعوتهم تختص بقوم خاص، إلا أن هذا التعبير لم يرد في النبي الأكرم(ص).
  88. سورة البقرة: ۱۸۵.
  89. سورة آل عمران: ۹۷.
  90. سورة التوبة: ۳۳.
  91. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۱۱، ص۵۶، ح۵۵.
  92. نُقل هذا الحديث عند الفريقين في عدة منابع.
  93. سنستدلّ بهذا الحديث في بحث إثبات إمامة الإمام علي(ع) لأنه دليل واضح على إمامته.
  94. نهج البلاغة، خ ۱۷۳.
  95. نهج البلاغة، خ ۱.
  96. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٦٩.
  97. سعيدي‌مهر، محمد، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٦٩-٤٧٠.