نهضة الإمام الحسين

من إمامةبيديا

خلفيات النهضة الحسينية

من جملة العوامل والخلفیات التي أدت إلى نهضة الإمام الحسين العظيمة وخلقت المأساة المؤلمة التي حدثت في كربلاء ما يلي:

  1. انعدام شرعية الحاكم: لم تتفق المذاهب الإسلامية بأسرها على معايير شرعية الحكم في الإسلام؛ هل هي إلهية بحتة؛ ليست بيد الناس كما تقول الإمامية؟ أم فوّض الله أمرها إلى الناس، فتأتي مثلاً من خلال الشورى ومبايعة أهل الحل والعقد من المسلمين للحاكم على أساس الاختيار والرضا كما تقول مذاهب أهل السنة. ولم تتفق كلمة المسلمين أيضاً على الصفات اللازمة والمؤهلات الضرورية في الحاكم؛ كالعدالة (ومنها: الالتزام بأحكام الشريعة)، والكفاءة، والقدرة على إدارة شؤون المسلمين، ومراعاة مصلحة المسلمين وعدم إضراره بهم، وغير ذلك. ومع هذا، فإنّ أدنى درجات هذه المعايير لم تكن تنطبق على زعيم المجتمع الإسلامي في ذلك العصر؛ ألا وهو يزيد بن معاوية، فهو لم يكن فقط لا يمتلك الشروط اللازمة لتولي منصب الحكم بل كان يزاول الفسق والفجور في وضح النهار. وهذا ما أفقده الشرعية عند السواد الأعظم من المسلمين إلا أولئك الذين اختلقوا نظرية الطاعة العمياء لمن يستولي على سدة الحكم بأي وجه كان.
  2. تراجع المثل والقيم: ابتليت أمة الإسلام في العهود التي تلت عصر الرسالة بآفات وتحديات كبرى؛ لا سيما بعد استيلاء بني أمية على الحكم في عهد عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، ووصولاً إلى يزيد. من بين تلك الآفات والتحديات: عدم التزام الحكام والأمراء والقادة بالضوابط الدينية والقيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام؛ فقد صلى أمير الكوفة على عهد عثمان (الوليد بن عقبة) بالناس وهو سكران، ولم يخف يزيد إدمانه الخمر ومجالس اللهو، وانحرف كثير من أمراء بني أمية وولاتهم عن السلوك القويم، وتفشى الظلم والفساد المالي في صفوف كبار رجال الدولة كما ينقله التاريخ عن ممارسات المغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه وابنه عبيدالله، وقد طغت المصالح الشخصية والفئوية على مصلحة المجتمع؛ حيث رجّح الأمويون بني قرابتهم على الكفاءات من غيرهم، وغابت القدوات والنماذج الحسنة التي يحتذي بها الناس، وتناسى المجتمع تدريجياً القيم الروحية والمعنوية.
  3. تفشي الفساد الإداري: ابتنى النظام الحكومي الأموي سواء على عهد عثمان، أو معاوية ويزيد على الاستئثار بالسلطة وانعدام الحكم القائم على احترام القانون المتمثل بالشريعة المتخذة من الكتاب والسنة، فغابت القواعد والضوابط التي تؤطر سياسات الأمراء، ولم تكن هناك قوانين أو معايير تُطبَّق على الولاة والمسؤولين. وبناء على ذلك: انعدمت الرقابة على أداء رجال الدولة، ولم يكونوا يخشون المساءلة عن ممارساتهم وسوء استخدامهم للسلطة، وتفشت المحسوبيات والعصبيات القبلية وإيثار الأقارب والأخلاء في التعيينات الإدارية، وانتشرت ظاهرة شراء الذمم بالمال لقاء تقديم خدمات لرجال الدولة، ولم يتوانوا عن استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية ومآرب حزبية وفئوية ضيقة، فأدى كل ذلك إلى انتشار الظلم والفساد الإداري في جميع مفاصل الدولة الأموية.
  4. انتشار البدع في الدين: انتشرت البدع والإضافات في الدين، وأصبح المذهب وسيلة لتخدير الناس وتحقيق رغبات الحكام والفاسدين.
  5. طغيان حب الدنيا: حب الدنيا والمادية طرد الآخرة والقيم الدينية من الأذهان.
  6. تغلل روح الخوف والانهزامية: الخوف وحب الدنيا أضعف المتدينين وجعلهم يستسلمون للأحداث، ولم يعد هناك مجال للشجاعة والفروسية سوى في الأساطير.

وكنتيجة لما تقدم: كانت مبادئ المجتمع الذي أسسه النبي محمد(ص) على شفا الزوال، ونُسيت التقاليد والقيم الدينية. وبلغ الانحطاط الديني والأخلاقي والثقافي للمجتمع ذروته، خاصة في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. فمنذ عهد الخليفة الثالث، انتشر الإقطاع والهبات اللامحدودة من بيت المال للأقارب والمقربين، وفُرض سيطرة المنفيين في عهد النبوة على شؤون المجتمع الإسلامي، وفي النهاية مُنح الحزب الأموي السلطة مما حوّل الخلافة الإسلامية إلى ملك كسرى وقيصر.

فمن عليه أن يقوم بالإصلاح؟ شخص ثوري وإصلاحي! ولكن من يعترض على مفاسد المجتمع ويدّعي الإصلاح، يجب أن يكون صالحًا قبل أن يصبح مصلحًا. لأن المثالية والإصلاحية لا تقتصر على الكلام والشعارات، بل تتطلب مواجهة المشكلات والآفات.

لذلك، يجب أن يكون المصلح واعيًا ومجتهدًا وحكيمًا قادرًا على الإدارة والتدبير، لأن الإصلاح الإسلامي حركة ثورية. إنها ثورة في الأفكار والثقافة والأخلاق وعقلية البشر، وفي الوقت نفسه تغيير للأنظمة الاجتماعية الفاسدة السائدة. لذلك، الإصلاح الإسلامي هو تغيير يهدف لنمو الإنسان وكماله، يتطلب محاربة العادات السيئة، وفي الوقت نفسه إلزام الأنظمة الاجتماعية باحترام الحقوق والعدالة.

لهذا أوجب النبي الأكرم(ص) على المسلمين الملتزمين جهادَين: الجهاد الأكبر أو الكفاح ضد تجاوزات النفس وغطرستها، والجهاد الأصغر أو الكفاح ضد أعداء المجتمع الإسلامي الداخليين والخارجيين. وعندما كان المجتمع البشري غارقًا في الفساد، كان الأئمة يدعون أتباعهم إلى الجهادين من أجل الإصلاح. فالإمام الحسين(ع) بقيامه ضد الظلم والفساد، أعدّ الأرضية للثورة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه دعا أنصاره إلى تزكية النفس والتقوى.

وهذا مهم ليس فقط من أجل الهدف الذي يسعى إليه الإسلام وهو تربية البشر الطاهرين الإلهيين، ولكن أيضًا من الناحية العقلانية؛ لأنه إذا لم يكن المصلحون أنفسهم أصلحين، فلن يفهموا معنى الإصلاح بشكل صحيح ولن يتمكنوا من القضاء على الفساد. ففي مسار النضال قد يستسلمون للفساد قبل أن يصلحوا الآخرين، كما حدث لكثير من المناضلين والمصلحين الذين استسلموا للعدو بسبب قلة التزكية والتقوى، أو بعد النصر أسسوا أنظمة فاسدة بسبب الرذائل الأخلاقية، وفي بعض الأحيان أصبحوا أسوأ من الأنظمة السابقة. فانتصار العباسيين على الأمويين وما تبعه من فساد في أجهزتهم، شاهد واضح على ذلك.

ومن ناحية أخرى، فإن الإصلاح الفردي بمعزل عن الإصلاح الاجتماعي لا يؤدي إلى شيء. لأن نمو الإنسان وتطوره مرهون بهذه النضالات الاجتماعية.

لذلك، يؤكد الإسلام على إصلاح القيادة السياسية للمجتمع، ويحرّض أتباعه على الحكام الفاسدين لتهديد الأنظمة الظالمة وإعادة القيادة إلى الصالحين المتقين. كما بيّن الإمام الحسين(ع) دافع قيامه قائلاً: «أَیُّهَا النّاسُ؛ إِنَّ رَسُولَ اللّهِ(صل) قالَ: «مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرُمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِاللهِ بِالاِثْمِ وَ الْعُدْوانِ فَلَمْ یُغَیِّرْ عَلَیْهِ بِفِعْل، وَ لاَ قَوْل، کانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ یُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ».

فالإسلام يؤكد الإصلاح السياسي من خلال تغيير الحكام الفاسدين، وهو ما قام به الإمام الحسين(ع).

قال الامام الحسين: «أَیُّهَا النّاسُ؛ ألا وَ إِنَّ هؤُلاءِ (بنو أمية) قَدْ لَزِمُوا طاعَةَ الشَّیْطانِ، وَ تَرَکُوا طاعَةَ الرَّحْمنِ، وَ اَظْهَرُوا الْفَسادَ، وَ عَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَیءِ، وَ أَحَلُّوا حَرامَ اللّهِ، وَ حَرَّمُوا حَلالَ اللّهِ، وَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ غَیَّرَ»[١].[٢]

فلسفة قيام الإمام الحسين

أهداف قيام الإمام الحسين

دوافع قيام الإمام الحسين

منهجية قيام الإمام الحسين

عناصر قيام الإمام الحسين

الاهتمام بالدين

تشكيل حكومة دينية

نبذ الفردية والقيام الإلهي

وحدة قراءة الدين كأساس للإصلاح الحسيني

الإصلاح الشامل

آثار قيام الإمام الحسين

أسس التجديد في حركة الإمام الحسين

إحياء الدين والإصلاح الاجتماعي

الإصلاح السياسي ومحاربة سلطة بني أمية

الإصلاح الاجتماعي ومحاربة البدع والخرافات وإحياء سنة النبي

الإصلاح الثقافي ومواجهة الانحرافات

أسباب عدم قيام الإمام الحسين في عهد معاوية

المراجع

  1. محمد بن جریر طبری، تاریخ الطبری، ج٥، ص ٤٠٢.
  2. مقالة «نهضة الإمام الحسين»، موسوعة الإمامة والولاية (الصفحة الفارسية).