الأدب في نهج البلاغة
التعريف
الأدب
الظَّرْفُ، والكياسة، والتهذيب، وحُسْنُ التناول، وما يحترز به من الخلل في كلام العرب لفظاً وكتابةً، يشمل عند المتقدّمين - أي ما بعد صدر الإسلام بمدّة طويلة، وخاصّة في العصر الأموي والعبّاسي لغاية العصر الحديث -: اللغة، والصرف، والنحو، والاشتقاق، والبلاغة، والعروض، والخط، والإنشاء، والمحاضرة.
وعند المحدثين: يطلق على الأدب بالمعنى المذكور، وعلى التأريخ، والجغرافيا، وعلوم اللسان، والفلسفة، والبحث، والمناظرة، وعلى الجميل من نتاج الكتّاب والمفكّرين.
وقيل: الأَدَبُ بمعنى الجمع، ومنه سُمّي حُسْنُ الخُلق أدباً؛ لأنّه يُجْمع الناس على استحسانه، ويدفعهم إلى تثقيف نفوسهم والوصول بها إلى المثل العليا. وفي الحديث: «أذكِ بالأدَبِ قَلْبَكَ؛ فنِعْمَ العَوْنُ الأدَبُ»[١]، وفيه أيضاً: «إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب» قال مَسْعَدة: يعني بالأدب العلم[٢].
والأدَبُ مشتقّ من الأديب، لا من أدُبَ[٣]، كما اشتقّوا «الفلسفة» من «فليسوف»، والأديب معرّب، لذا قيل: إنّ لفظتي «الأدب» و«الأديب» ليستا من كلام العرب، بل هما من الدخيل فيه، وإنّ لهما معانيَ قديمةً غيرَ المعاني التي صارت إليها مع تتابع القرون؛ فمعنى الأديب في عصر الجاهلية وأوائل صدر الإسلام: الطيّب الحديث، الحسن الصوت، المؤنس الذي يؤنس السامعين بسحر مقاله، أو الرقيق، فقد أنشد أسود بن أبي خُزَيمة أبياتاً لأعرابي قال: وإنّي على ما كان من عُنْجُهِيَّتي ولوثةِ أعرابيَّتي لأديبُ
وقال كعب بن سعد الغنويّ: حبيبٌ إلى الزوّار غشيانُ بيتِهِ جميلٌ المُحَيّا شَبَّ وهوَ أديبُ أو هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم، قال الغنويّ أيضاً: لا يمنعُ الناسَ منّي ما أردتُ ولا اُعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدباً من حكمه(ع) البليغة: «لَاغِنَى كَالْعَقْلِ، وَلَا فَقْرَ كَالْجَهْلِ، وَلَا مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ، وَلَا ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ»[٤].
أي لا ميراث كالعلم أو حسن السيرة أو التحلي بمكارم الأخلاق.
ومن وصيته للإمام الحسن(ع): «فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ»[٥].
أي أسرعت بك إلى اللطف والتأنّي وحُسْن الخلق.
ومن وصيّته أيضاً لابنه الحسن(ع): «وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ»[٦]. أي عزمت على تعليمك الآداب.
ومن حكمه(ع) البليغة: «وَكَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ»[٧].
أي يكفي أن يكون الأدب شاهداً على ذلك ان أردت التأدب[٨]؛ فإنّ العاقل هو الذي إذا كره أمراً من غيره أدّب نفسه على اجتنابه والابتعاد عنه[٩].
ومن حديثه(ع) في شأن الحَكَمَيْنِ: «جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ، وَتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ، مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ»[١٠].
نفى(ع) عنهم صفة التفقّه في الدين، كما نفى عنهم الأدب الإسلامي المفروض على عامّة الناس، ومن كان فاقداً لهما فهو ناقص ينبغي أن يكمّل نفسه بهما[١١]. وبين «أَوْبٍ» و«شَوْبٍ» جناس ناقص، إضافة إلى سجع الجمل المزدوجة؛ إذ جمع لها إيقاعاً متكاملاً لإثبات الفكرة المتوخّاة بموجب علاقة بنائية تضيف لحلاوة الوقع والجرس قوة في الدلالة وجمال الاختيار.
ومن بيانه(ع) لحقِّ الولد على الوالد: «وَحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ، وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ، وَيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ»[١٢]. أي يؤدّبه بآداب الإسلام.
ومن وصفه(ع) لمهدي آل محمّد(ع): «قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا، وَأَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا»[١٣]. أي كلّ آدابها.
ومن حكمه(ع): «فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَابِ، وَالْبَهَائِمَ (وَالْجَاهِلَ) لَاتَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ»[١٤]. أي بالخلق الحسن والتربية السليمة وسلوك الطريق القويم.
ومن حكمه(ع) أيضاً: «اَلْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ، وَ الْآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ، وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ»[١٥].
أي الآداب الشرعية ومكارم الأخلاق فإذا تحلّى الإنسان بها كان كمن يكتسي كل يوم حلّة جديدة[١٦].[١٧]
المؤدّب
اسم فاعل من أدَّبَ تأديباً فهو مُؤَدَّب، أي المقوِّم للاخلاق والسلوك، والمليّن العريكة، والمروّض على محاسن الأخلاق، أو مُعلِّم الأدب، أو مُهذِّب السلوك.
من تأكيده(ع) على تربية الإنسان لنفسه: «وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَ مُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ»[١٨]. أي الذي يقوّم أخلاقه وسلوكه.
ومن حديثه(ع) في ذمّ أهل الشام وقادتهم: «وَأَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ بِاللهِ؛ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ، وَ مُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ»[١٩].
أي إن كان مؤدّب أهل الشام ابن النابغة - وهو عمرو بن العاص - فليس هناك أشدّ منهم قرباً من الجهل بالله والبعد عن ساحته[٢٠].[٢١]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ من لا يحضره الفقيه، ج٤، ص٢٧٦؛ مجمع البحرين، ج١، ص٢٩.
- ↑ ينظر الكافي، ج٨، ص١٣٢/١٥٠؛ مجمع البحرين، ج١، ص٢٩.
- ↑ كما هو في اللسان، مادّة: (أدب).
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٥٤.
- ↑ نهج البلاغة، الكتاب ٣١.
- ↑ نهج البلاغة، الكتاب ٣١.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٣٦٥.
- ↑ توضيح نهج البلاغة، ج٤، ص٤٣٤.
- ↑ شرح نهج البلاغة، الموسوي، ج٥، ص٤٧٠.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٢٣٨.
- ↑ شرح النهج، الموسوي، ج٤، ص١٠٣.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٣٩٩.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٨٢.
- ↑ نهج البلاغة، الكتاب ٣١.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٥.
- ↑ سجع الحمام، ص٣٣.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ١٣٨-١٤١.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٧٣.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ١٨٠.
- ↑ شرح النهج، الموسوي، ج٣، ص١٦٩.
- ↑ السيد جعفر السيد باقر الحسيني، شرح مفردات نهج البلاغة ، ج۱، ص ١٤٢.