الأذى
التعريف والمفهوم
المعنى اللغوي
يأتي الأذى في اللغة بمعنى كل ما يتأذى به الإنسان ويكرهه، فيقال: أذيَ الرجل أذىً، أي وصل إليه المكروه. كما يطلق على الشيء تكرهه ولا تقره وعلى الأثر الذي تركه ذلك الشيء إذا كان أثراً يسيراً. وقد جاء في تاج العروس عن الخطابي أن الأذى هو المكروه اليسير [١].
المعنى الاصطلاحي
يعرف الأذى اصطلاحاً بأنه ما يصل إلى الحيوان من الضرر في نفسه أو جسمه أو تبعاته، دنيوياً كان أو أخروياً. وقد يكنى به عن الحد والتعزير، كما في قوله تعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا﴾[٢]. كما يستخدم للدلالة على القذارة والنجاسة والمرض [٣].
أنواع الأذى وأشكاله
يتنوع الأذى إلى أشكال مختلفة، فهو يشمل التنبيه والتحقير وعيب الآخرين وانتهاك حرمتهم وتجاهل شأنهم ومكانتهم، كما يشمل السلوك السلبي مثل عدم الاهتمام بحقوقهم أو منعهم منها. ويدخل في معناه أيضاً المن والأذى في الصدقات، والإيذاء بالقول والفعل [٤].
الأحكام الشرعية
حكم الإيذاء في الإسلام
يحرم في الإسلام إيذاء المؤمن والكافر المحترم كالذمي، وكذلك إيذاء الوالدين ولو بكلمة «أف». كما يحرم كل ما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات [٥].
الأذى المحرم
من صور الأذى المحرم ما يكون في الصدقات، حيث نهى الله تعالى عن إبطال الصدقات بالمن والأذى. كما يحرم إيذاء الجار والوالدين وعامة المسلمين، وقد ورد في الحديث: «من آذى جاره فقد آذاني» [٦].
الأذى المباح
قد يباح الأذى في بعض الحالات للضرورة أو المصلحة الشرعية، كما في حالة إقامة الحدود والتعزيرات، وفي حالة الدفاع عن النفس أو المال أو العرض، مع الالتزام بالضوابط الشرعية وعدم تجاوز الحد المشروع [٧].
صور الإيذاء وتطبيقاته
إيذاء الجار
يعد إيذاء الجار من أشد المنهيات في الإسلام، وقد ورد عن الرسول (ص) قوله: «من ضيع حق جاره فليس منا». ويشمل إيذاء الجار ليس فقط إلحاق الضرر المباشر، بل أيضاً التقصير في حقوقه وعدم مراعاة شؤونه. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: «ملعون ملعون من آذى جاره»، كما ورد عنه: «أما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره» [٨].
إيذاء الوالدين
يحرم إيذاء الوالدين في الإسلام بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان بكلمة «أف». ويشمل الإيذاء المحرم أيضاً ما قد يسبب لهما الحزن أو الضيق، كالصوم المستحب أو السفر إذا كان يسبب أذى لهما [٩].
الإيذاء في المعاملات
يتجلى الإيذاء في المعاملات من خلال المن والأذى في الصدقات، وإيذاء طرفي المعاملة بعضهم لبعض. وقد نهى القرآن الكريم عن إبطال الصدقات بالمن والأذى، مبيناً أن القول المعروف والمغفرة خير من صدقة يتبعها أذى [١٠].
آثار الإيذاء وأضراره
الآثار النفسية
يسبب الإيذاء آثاراً نفسية عميقة على المتضرر، إذ يعد الأذى عارضة غير ملائمة للطبع الإنساني. وقد عرف الفلاسفة الأذى بأنه حس مؤلم يحصل عندما ينقل المؤثر المتأثر من حاله الطبيعية [١١].
الآثار الاجتماعية
تمتد آثار الإيذاء إلى النسيج الاجتماعي، حيث يؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وإضعاف الروابط بين أفراد المجتمع. وقد حذر الإسلام من خطورة إيذاء الجار على وجه الخصوص لما له من آثار اجتماعية سلبية [١٢].
الآثار الأخلاقية
يؤدي الإيذاء إلى انحطاط في القيم الأخلاقية وتدهور في السلوك الإنساني. وقد ورد في النصوص الشرعية أن إيذاء الآخرين يخرج المرء من دائرة الإيمان، كما في الحديث: «ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه» [١٣].
موقف الشريعة من الإيذاء
النصوص القرآنية
وردت آيات عديدة في القرآن الكريم تحذر من الإيذاء وتنهى عنه. فقد نهى الله تعالى عن إبطال الصدقات بالمن والأذى في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾[١٤]. كما بين أن القول المعروف والمغفرة خير من صدقة يتبعها أذى. وحذر من إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، معتبراً ذلك بهتاناً وإثماً مبيناً [١٥].
النصوص النبوية
ورد عن النبي (ص) أحاديث كثيرة في ذم الإيذاء، منها قوله: «من شرار الناس من لا يأمن جاره بوائقه». كما حذر من إيذاء الجار بقوله: «من آذى جاره فقد آذاني». وفي رواية أخرى: «من ضيّع حق جاره فليس منا» [١٦].
أقوال أهل البيت
ورد عن أئمة أهل البيت (ع) تحذيرات شديدة من الإيذاء، فقد قال الإمام الصادق (ع): «ملعون ملعون من آذى جاره». وورد عن أمير المؤمنين (ع): «سوء الجوار والإساءة إلى الأبرار من أعظم اللؤم».[١٧].
سبل الوقاية والعلاج
الوقاية من الإيذاء
يجب على المسلم أن يتجنب كل ما يؤدي إلى إيذاء الآخرين، سواء في القول أو الفعل. ومن ذلك تجنب رائحة الفم الكريهة عند الذهاب للمسجد، وكذلك دفن الميت بطريقة لا تؤذي الآخرين برائحته [١٨].
معالجة آثار الإيذاء
تعالج آثار الإيذاء من خلال تأمين الأمن النفسي للأفراد في المجتمع، وهو حق من حقوقهم الأساسية. ويتحقق ذلك بالاجتناب عن كل ما يسبب الأذى والضرر للآخرين [١٩].
التربية الأخلاقية
تؤكد التعاليم الإسلامية على أهمية التربية الأخلاقية في منع الإيذاء، وذلك من خلال غرس القيم الإسلامية السامية كاحترام حقوق الآخرين ومراعاة شعورهم. حتى في ذبح الحيوان، يستحب للمسلم أن يتخذ الإجراءات التي تقلل من أذى الحيوان، مثل حد السكين [٢٠].
المراجع والمصادر
إبراهیم إسماعیل الشهرکاني، معجم المصطلحات الفقهية
مؤسسه دائرةالمعارف الفقه الإسلامی، موسوعة الفقه الإسلامي طبقا لمذهب أهل البیت علیهمالسلام
الهوامش
- ↑ معجم المصطلحات الفقهية، ص١٢٣
- ↑ سورة النساء، الآية 16.
- ↑ موسوعة الفقه الإسلامي، ج١٩، ص٢٨٣
- ↑ موسوعة الفقه الإسلامي، ج١٩، ص٢٨٣
- ↑ معجم المصطلحات الفقهية، ص٧٧
- ↑ موسوعة الفقه الإسلامي، ج١٩، ص٢٨٣
- ↑ موسوعة الفقه الإسلامي، ج١٩، ص٢٨٣
- ↑ مجتبى الطهراني، الأخلاق الإلهية، ج١٤، ص٤٩٧
- ↑ سيد محمود الهاشمي الشاهرودي، معجم الفقه وفقاً لمذهب أهل البيت، ج١، ص١٣٦-١٣٧
- ↑ سيد حسين شرف الدين، القيم الاجتماعية في القرآن الكريم، ص٢٩٥
- ↑ شرح المصطلحات الفلسفية، ص١٣
- ↑ مجتبى الطهراني، الأخلاق الإلهية، ج١٤، ص٤٩٧
- ↑ مجتبى الطهراني، الأخلاق الإلهية، ج١٤، ص٤٩٧
- ↑ سورة البقرة، الآية 264.
- ↑ سيد حسين شرف الدين، القيم الاجتماعية في القرآن الكريم، ص٢٩٥
- ↑ مجتبى الطهراني، الأخلاق الإلهية، ج١٤، ص٤٩٧
- ↑ مجتبى الطهراني، الأخلاق الإلهية، ج١٤، ص٤٩٧
- ↑ سيد محمود الهاشمي الشاهرودي، معجم الفقه وفقاً لمذهب أهل البيت، ج١، ص١٣٦-١٣٧
- ↑ سيد حسين شرف الدين، القيم الاجتماعية في القرآن الكريم، ص٢٩٥
- ↑ سيد محمود الهاشمي الشاهرودي، معجم الفقه وفقاً لمذهب أهل البيت، ج١، ص١٣٦-١٣٧