الأسوة
التعريف
«اُسوة» و«إسوة» اسم مصدر «الاِئتساء» من مادّة «أسو» ويَدلُّ على العلاج والإصلاح.
يقول ابن فارس: الهَمزَةُ وَالسّينُ وَالواوُ أصلٌ واحِدٌ يَدُلُّ عَلَى المُداواةِ وَالإِصلاحِ. يُقالُ: أسَوْتُ الجُرحَ إذا داوَيْتَهُ، ولِذلِكَ يُسَمَّى الطَّبيبُ: الآسِيَ.. ويُقالُ: أسَوْتُ بَينَ القَومِ إذا أصلَحتَ بَينَهُم، ومِن هذَا البابِ: لي في فُلانٍ اُسوةٌ؛ أي قُدوَةٌ، أي إنّي أقتَدي بِهِ. [١]
والمشترك في هذه المعاني، هو أنّ من يتّخذ شخصا أو شيئا قدوة، كأنَّه يريد أن يداوي ضعفه ويصلح نقصه ليصل إلى مبتغاه، غير أنّ هذا المبتغى قد يكون صالحا وقد يكون سيّئا، ومن هنا كانت الاُسوة: «اُسوة حسنة» و«اُسوة سيّئة».[٢]
الاُسوة في القرآن والحديث
إنّ «التأسِّي» من أهمّ المسائل التربويّة في الإسلام. فالإنسان يتأثّر بشكل طبيعيّ بما يحيطه من أفكار وآراء وعقائد، وسلوك الوالدين والأصدقاء، ورموز الثقافة والسياسة. ومن هنا كان التأسّي من المكوّنات الأساسيّة في شخصيّة الإنسان، ومن المؤثّرات الهامّة في سعادته أو شقائه، لذلك اهتمّ القرآن والحديث بهذا الجانب وبتقديم التوجيهات اللّازمة فيه.[٣]
الدِّقَّة في انتخاب الاُسوة
إنّ المسألة الهامّة في هذا الباب هي: من الذي ينبغي اتّخاذه اُسوة في الحياة؟ وكلَّما كان دور الاُسوة أكبر في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة كانت الدقّة في انتخابه أهمّ، فالقادة الدينيّون لهم الدور الأكبر في تقديم الاُسوة وفي تكوين شخصيّة الأفراد، وفي الحديث النبويّ: «وإنَّ أئِمَّتَكُم قادَتُكُم إلَى اللهِ عز وجل، فَانظُروا بِمَن تَقتَدونَ في دينِكُم وصَلاتِكُم».[٤]
وكذلك القادة السياسيّون، يكون لهم دور كبير في صياغة شخصيّة أبناء المجتمع، وهو ما أشار إليه الإمام عليٌّ (ع) بقوله: «النّاسُ بِاُمَرائِهِم أشبَهُ مِنهُم بِآبائِهِم».[٥]
لذلك كانت الدقَّة في انتخاب القادة الدينيّين والسياسيّين على درجة كبيرة من الأهميّة والحسّاسيّة.[٦]
تعريف الاُسوة الحسنة
إنّ إحدى السبل الهامّة المجرَّبة في تنمية الشخصيّة وازدهار المواهب الإنسانيّة، هي التعرّف على الرموز البشريّة. إذ إنّ التعرّف على العظماء الطليعيّين في الكمال الإنساني، يزيل التصوّر الذهني التجريدي حول تعاليم الإسلام الأخلاقيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، ويدفع طلّاب الكمال إلى السير على طريقهم، ولذلك اهتمّ الإسلام بتقديم الاُسوة الصالحة وحثّ على فهم السيرة العلميّة والعمليّة للعظماء.
إنّ النصوص الإسلاميّة قدّمت الأنبياء، وخاصّة سيّدنا إبراهيم (ع) وأتباعه، وخاتم الأنبياء (ص)، وأهل بيته الكرام وخاصّة أمير المؤمنين عليّا (ع)، والملائكة، والعلماء، وأهل الإيمان، وأهل الخير؛ باعتبارهم الاُسوة الحسنة للناس. وهذا محور تربويّ هامّ يجب أن يأخذه المهتمّون بأمر تربية المجتمع بنظر الاعتبار.[٧]
اُسلوب الدعوة إلى التأسّي بالصالحين
نذكر في هذا المجال بعض الأساليب:
- التأكيد على التأسِّي برسول الله (ص) باعتباره إمام الصالحين. يقول الله سبحانه: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْاخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً[٨]. ويقول الإمام عليّ (ع): «ولَقَد كانَ في رَسولِ اللهِ (ص) كافٍ لَكَ فِي الاُسوَةِ» [٩]
- التأسّي بمطلق الصالحين، كما ورد في كلام أمير المؤمنين (ع): {{نص حديث|اِتَّقُوا اللهَ تَقِيَّةَ مَن سَمِعَ فَخَشَعَ، وَاقتَرَفَ فَاعتَرَفَ، ووَجِلَ فَعَمِلَ، وحاذَرَ فَبادَرَ، وأيقَنَ فَأَحسَنَ، وعُبِّرَ فَاعتَبَرَ، وحُذِّرَ فَحَذِرَ، وزُجِرَ فَازدَجَرَ، وأجابَ فَأَنابَ، وراجَعَ فَتابَ، وَاقتَدى فَاحتَذى، واُرِيَ فَرَأى، فَأَسرَعَ طالِبا ونَجا هارِبا، فَأَفادَ ذَخيرَةً وأطابَ سَريرَةً، وعَمَّرَ مَعادا، وَاستَظهَرَ زادا لِيَومِ رَحيلِهِ ووَجهِ سَبيلِهِ وحالِ حاجَتِهِ ومَوطِنِ فاقَتِهِ، وقَدَّمَ أمامَهُ لِدارِ مُقامِهِ}}[١٠]
- ذم الّذين لا يحتذون بسيرة الأنبياء وأوصيائهم، من الّذين يركبون رؤوسهم ويضيّعون كفاءاتهم وقدراتهم. يقول أمير المؤمنين (ع) في هذا الصدد:«فيا عَجَبا ـ وما لي لا أعجَبُ ـ مِن خَطَأِ هذِهِ الفِرَقِ عَلَى اختِلافِ حُجَجِها في دينِها، لا يَقتَصّون أثَرَ نَبِيٍّ، ولا يَقتَدونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ، ولا يُؤمِنونَ بِغَيبٍ، ولا يَعفونَ عَن عَيبٍ، المَعروفُ فيهِم ما عَرَفوا، وَالمُنكَرُ عِندَهُم ما أنكَروا، وكُلُّ امرِىً?مِنهُم إمامُ نَفسِهِ، آخِذٌ مِنها فيما يَرى بِعُرىً وَثيقاتٍ، وأسبابٍ مُحكَماتٍ»[١١]
- ذمّ الّذين يدّعون الاقتداء بالاُسوة الحسنة، لكنّهم لا يلتزمون بذلك في العمل، يقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (ع): « ألا وإنَّ أبغَضَ النّاسِ إلَى اللهِ مَن يَقتَدي بِسُنَّةِ إمامٍ ولا يَقتَدي بِأَعمالِهِ»[١٢]
- ذمّ الانتقائيّين الّذين يتأسّون ببعض المظاهر السلبيّة في سلوك أهل الإيمان، لكنّهم لا يتأسّون بالجانب الإيجابيّ الصالح من سلوكهم، كما جاء في الحديث النبويّ: «إنَّ أبغَضَ النّاسِ إلَى اللهِ تَعالى مَن يَقتَدي بِسَيِّئَةِ المُؤمِنِ ولا يَقتَدي بِحَسَنَتِهِ»[١٣].[١٤]
تعريف الاُسوة السيّئة
إلى جانب تقديم الاُسوة الحسنة، يهتمّ الإسلام بتعريف الشيطان، والبهائم، والجاهلين، والضالّين، والمستكبرين، والمفسدين، والمجرمين باعتبارهم اُسوة سيّئة، ويحذّر من الاقتداء بهم.
والملاحظ في النصوص الإسلاميّة، أنّها تبيّن بالاسم والعنوان دلائل خطورة التأسّي بالاُسوة السيّئة، كما تبيّن أيضا بالعناوين دلائل الاقتداء بالاُسوة الحسنة.[١٥]
مسؤوليّات الاُسوة الحسنة
وأخيرا، إنّ أهمّ مسؤوليّات قادة التربية والتعليم، ومن ينظر النّاس إليهم باعتبارهم قُدوة في الأخلاق والثقافة، هي بناء أنفسهم قبل التصدّي لبناء الآخرين.
إنّ تأثير «الكلام» في التربية والتعليم قليل جدّا بالنسبة لتأثير «العمل»، فقد يكون في الكلام تأثير سحريّ كما روي عن النبيّ (ص): «إنَّ مِنَ البَيان لَسِحرا»[١٦]
لكنّ دور العمل في التربية والتعليم إعجازيّ، وله الدّور الأكبر في نشر القيم الإسلاميّة، ومن هنا يؤكّد قادة الدّين الدعوة بالعمل قبل الدعوة بالكلام. يقول الإمام عليّ (ع): «مَن نَصَبَ نَفسَهُ لِلنّاسِ إماما فَليَبدَأ بِتَعليمِ نَفسِهِ قَبلَ تَعليمِ غَيرِهِ، وَليَكُن تَأديبُهُ بِسيرَتِهِ قَبلَ تَأديبِهِ بِلِسانِهِ، ومُعَلِّمُ نَفسِهِ ومُؤَدِّبُها أحَقُّ بِالإِجلالِ مِن مُعَلِّمِ النّاسِ ومُؤَدِّبِهِم»[١٧].[١٨]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ معجم مقاييس اللغة: ج ١ ص ١٠٥ «أسو» وانظر أيضا: لسان العرب، مادّة «أسو»، ومفردات ألفاظ القرآن: ص ٧٦ «أسا».
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١١.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١٢.
- ↑ كمال الدين: ص ٢٢١ ح ٧ عن أبي الحسن الليثي عن الإمام الصادق عن آبائه (ع)، بحار الأنوار: ج ٨٨ ص ٩٩ ح ٧٠.
- ↑ تحف العقول: ص ٢٠٨.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١٣.
- ↑ سورة الأحزاب، الآية ٢١.
- ↑ نهج البلاغة: الخطبة ١٦٠، بحار الأنوار: ج ١٦ ص ٢٨٤ ح ١٣٦.
- ↑ نهج البلاغة: الخطبة ٨٣، تحف العقول: ص ٢١٠ نحوه، بحار الأنوار: ج ٧٨ ص ٤٨ ح ٦٧.
- ↑ الكافي: ج ٨ ص ٦٤ ح ٢٢، الإرشاد: ج ١ ص ٢٩٢ كلاهما عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق (ع)، نهج البلاغة: الخطبة ٨٨ كلاهما نحوه، بحار الأنوار: ج ٥١ ص ١٢٢ ح ٢٤.
- ↑ الكافي: ج ٨ ص ٢٣٤ ح ٣١٢، الخصال: ص ١٨ ح ٦٢ كلاهما عن أبي حمزة الثمالي، تحف العقول: ص ٢٨٠، بحار الأنوار: ج ١ ص ٢٠٧ ح ٤.
- ↑ الجعفريّات: ص ١٩٧، النوادر للراوندي: ص ١٠٠ ح ٥٩ كلاهما عن الإمام الكاظم عن آبائه (ع)، بحار الأنوار: ج ٧٢ ص ٢٠٨ ح ١٠.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١٣-١٤.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص١٥.
- ↑ كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ٤ ص ٣٧٩ ح ٥٨٠٥، تحف العقول: ص ٥٧، بحار الأنوار: ج ١ ص ٢١٨ ح٣٩؛ صحيح البخاري: ج ٥ ص ٢١٧٦ ح ٥٤٣٤، سنن أبي داود: ج ٤ ص ٣٠٣ ح ٥٠١١ عن ابن عبّاس، كنز العمّال: ج ٣ ص ٥٧٩ ح ٧٩٨٦.
- ↑ نهج البلاغة: الحكمة ٧٣، أعلام الدين: ص ٩٢، بحار الأنوار: ج ٢ ص ٥٦ ح ٣٣.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ١٥-١٦.