الأكل
المدخل
إنّ رعاية القواعد الصحيّة فِي الأكل والشرب هي من أهمّ عوامل السلامة والصحّة والنشاط وطول العمر، فلو علم الناس القواعد الصحّية فيما يأكلون، ومقدار ما يأكلون، وكيف يأكلون، وعملوا بما يعلمون، فإنّ كثيرا من الأمراض سوف تزول عنهم، وينعمون بلذّة الحياة وبهجتها.
إنّ القاعدة الاُولى في رعاية المعايير الصحّية هنا هي فهم الهدف من تناول الطعام في نظام الخليقة، وكون ذلك الهدف من أجل أن يحيا الإنسان، لا أن تكون الحياة وسيلة للأكل، كما ورد في الحكمة المنسوبة للإمام عليّ (ع): «لا تَطلُبِ الحَياةَ لِتَأكُلَ، بَلِ اطلُبِ الأَكلَ لِتَحيا» [١]
إنّ كثيرا من الناس ـ إن لم نقل أكثرهم ـ يضحُّون بسلامتهم وصحّتهم وحياتهم في سبيل بطونهم، من هنا تراهم لا يسألون أنفسهم أبدا: لماذا يأكلون ؟ وكيف يأكلون ؟ وكم يأكلون ؟ فتراهم يتناولون ما لذّة طعمه أكثر، وبمقدار ما تستوعبه شهيّتهم، وبكلّ شكل متيسّر ؛ ولذلك يُبتلون بأنواع الأمراض، كما يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): «مَن غَرَسَ في نَفسِهِ مَحَبَّةَ أنواعِ الطَّعامِ اجتَنى ثِمارَ فُنونِ الأَسقامِ»[٢]
إنّ تعاليم الإسلام في هذا المجال في غاية الأهمّية، وتعتبر من المعاجز العلميّة لأئمّة الدين، إذا أخذنا بنظر الاعتبار عصر صدورها. وهنا نؤكّد مسألتين:
- إنّ تعاليم الإسلام في الأكل لا تضمن سلامة الجسم فحسب، بل تضمن صحّة الجسم والروح معا.
- لمّا كان العلم قاصرا عن الإحاطة بكلّ أسرار الوجود، فقد تكون حكمة بعض تعاليم الإسلام مجهولة لدى العلم اليوم، ولكنّ هذا لا يعني أبدا أنّ تلك التعاليم ليس وراءها دليل، فحكمة بعض أحكام الإسلام كانت مجهولة من قبل واكتشف العلم أسرارها اليوم.[٣]
حلّية الطعام
إنّ أهمّ تعاليم الإسلام في المأكولات أن تكون من «الحلال». وبعبارة اُخرى:
- أن يكون المأكول قد حصل عليه الإنسان من طريق مشروع، فالطعام المستحصل من طريق غير مشروع ومن التعدّي على حقوق الآخرين، قد لا يضرّ بصحّة الجسم، لكنّه دون شكٍّ مضرّ بسلامة النفس والروح.
- يجب إعداد طعام الإنسان من «الطيّبات»، أي لا يجوز تناول الأطعمة الّتي ينفر منها طبع عامّة الناس، أو الّتي حظر الإسلام تناولها ـ كلحم الميتة أو لحم غير مأكول اللحم ـ وإن لم يكن فيها عدوان على حقوق الآخرين.
- ألّا يكون الطعام مضرّا للمتناول، فقد يكون الطعام محلّلاً لشخص، لكنّه محرّم على شخص آخر مريض إذا كان يضرّه.
- من الممكن أن يكون الطعام محلّلاً وغير ضارّ للجسم، لكنّ طريقة تناوله تتضمّن مفسدة للروح أو للمجتمع، مثل تناول الطعام بآنية الذهب والفضّة، أو الأكل من مائدة فيها الخمور. تناول الطعام بهذه الصور محرّم في الشريعة الإسلاميّة.[٤]
تناول وجبتين في اليوم
توصي الروايات الإسلاميّة بتناول وجبتين في اليوم صباحا ومساءً؛ لحفظ سلامة الفرد وصحّته. وأهل الجنّة الخالدون في دار السلام يأكلون وجبتين: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا[٥]..[٦]
التوصية بقلَّة الطعام
إنّ أئمّة الدين إذ يؤكّدون على قلّة تناول الطعام، يذكرون لذلك فوائد جمّة مثل: استمرار سلامة الجسم، صفاء الفكر، ضياء القلب، التخلّص من حبائل الشيطان، التمتّع بملكوت الوجود، القرب من الله سبحانه، والاستفادة الفضلى من عبادته.[٧]
خطر البِطْنة
إنّ الإكثار من الطعام مذموم بشدّة في الأحاديث ؛ فهو يُضعف الصحَّة، ويقوّي الشهوة، ويُنتن البدن، ويجعل الجسم والروح عرضة لأنواع الأمراض. فالبِطْنة تضرّ بجوهر النفس، وبقوّة الورع والتقوى، وتشكّل حجابا أمام الذكاء، وتجعل القلب قاسيا مظلما. كما أنّ المِبطان يرى أضغاث الأحلام، ويشعر بالكسل لدى العبادة، ولذلك تقلّ عبادته ويبتعد عن القرب الإلهي، وبالتالي فالشبع في الدنيا يؤدِّي إلى الجوع في الآخرة.[٨]
معيار الطعام المفيد
لتوقّي الأضرار الناجمة عن الإكثار من الطعام والاستفادة من تقليله، ورد في النصوص ما يشكِّل معيارا لذلك، إذ وردت التوصية بتناول الطعام حين الاشتهاء، والكفّ عنه قبل الشبع الكامل: «كُل وأنتَ تَشتَهي، وأمسِك وأنتَ تَشتَهي» [٩].[١٠]
أفضل الطعام وأفضل الموائد
إنّ الروايات الإسلاميّة تذهب إلى أنّ أفضل الطعام ما كان له عدّة خصائص:
- أن يكون الطعام من كدّ يدِ الآكل.
- أن يَكون مستساغا لدى أفراد عائلته.
- ألّا يُؤدّي إلى أذية الآخرين.
وأفضل الموائد أكثرها طُهرا وحلالاً وبساطة، فلا ينبغي أن تضمّ المائدة ألوان الأطعمة المتنوّعة المكلفة الّتي استعاذ أهل البيت (ع) بالله من تناولها.[١١]
آداب تناول الطعام
تنقسم آداب تناول الطعام إلى عدّة أقسام:
- ما ينبغي مراعاته قبل الأكل: إنّ ممّا ورد على لسان أئمّة الدين بهذا الشأن: احتواء المائدة على الخُضرة، وغسل اليدين وعدم تنشيفهما بالمنشفة، وخلع الحذاء، والتواضع في الجلوس على المائدة، وإشراك الناظرين من إنسان أو حيوان، والتصدّق من ذلك الطعام أو ما يماثله.
- ما يجب مراعاته عند تناول الطعام:
- التدبّر في تكوّن الأطعمة الّتي يحتاج إليها جسم الإنسان في نظام الخليقة، وفِي العوامل الّتي تظافرت لإعداد ما على المائدة من أطعمة تتناسب مع شهيّة الآكل.
- بدء أكل الطعام باسم الله تعالى وذكره، فهو الّذي وفّر في نظام الخليقة أنواع الأغذية المفيدة لتلبية احتياجات الإنسان، وتكرار اسمه تعالى عند تناول كلّ نوع من الطعام، وكذلك تكراره بعد كلّ كلام بين الطعام، وحمد الله سبحانه كثيرا بعد الطعام.
- البدء بتناول الملح قبل الطعام[١٢]، طبعا إذا لم يكن في الملح ضرر على الآكل.
- البدء بأخفّ الأطعمة.
- عدم تناول الأطعمة الحارّة، وتناول الأطعمة الدافئة قبل أن تبرد.
- الأكل باليد اليُمنى.
- تصغير اللُّقمة.
- مضغ الطعام جيّدا.
- إطالة الجلوس على المائدة.
- إكرام الخبز وعدم وضعه تحت آنية الطعام.
- تَتَبّع ما يسقط من فتات الخبز عند الأكل في البيت، وتركه إذا كان في الصحراء ؛ لتنتفع به الحيوانات.
- الإمساك عن الطعام قبل الشبع الكامل مع شهيته إليه.
- ما ينبغي تركه عند تناول الطعام:
- المذموم من حالات تناول الطعام: إنّ تناول الطعام المضرّ بالصحّة أو بشكل يتنافى مع الأخلاق ـ كالأكل على طريقة المتكبّرين ـ أو باُسلوب يتنافى وعرف المجتمع، مذموم في الإسلام. وما ورد في هذا القسم من روايات تنهى عن الأكل في حالة الاتّكاء، أو الانبطاح، أو الاستلقاء، أو القيام، أو المشي، أو في حالة الجنابة، إنّما هو في حالة انطباقه على أحد العناوين المذكورة.
- التوصية بتناول الطعام مع الآخرين: إنّ تناول الطعام على انفراد قد جاء ذمّه في الروايات الإسلاميّة، حيث أوصى الإسلام بأن يشرك الإنسان الآخرين في طعامه ما استطاع، وأكّد على تناول الطعام مع الاُسرة والخدم والأيتام.
- الآداب الّتي ينبغي مراعاتها عند تناول الطعام مع الآخرين:
- تناول الطعام ممّا هو أمام الآكل.
- الأكل من أطراف آنية الطعام المعدّة للجميع، وعدم التناول من وسط الإناء.
- عدم النظر إلى لقمة الآخرين.
- رعاية حقوق الآخرين في تناول ما على المائدة.
- بدء صاحب المائدة بالطعام، أو مَن هو مقدّم على الآخرين.
- الاستمرار في تناول الطعام حتّى يشبع كلُّ مَن على المائدة.
- ترك المائدة بُرهةً قبل جمع ما عليها.[١٣]
آداب الانتهاء من الطعام وجمع المائدة
إنّ الانتهاء من الطعام ـ مثل البدء به ـ له آدابه الخاصّة المفيدة لسلامة الجسم والروح، ويمكن تقسيمها إلى آداب اخلاقيّة واجتماعيّة وصحّية:
- الأدب الأخلاقي، وهو عبارة عن شكر المنعم الحقيقي وهو الله سبحانه، والدعاء بالبركة والرزق.
- الأدب الاجتماعي، ويتمثّل بتذكّر الجياع ومسؤوليّة مَنْ شبع تجاههم، والعزم على العمل قدر المستطاع من أجل إزالة الجوع والفقر من المجتمع.
- الأدب الصحّي، وذلك كغسل اليدين، والتخلّل، والسواك، وتنظيف ما تناثر تحت المائدة، والاستراحة قليلاً بالاستلقاء على الظهر، وعدم النوم مباشرةً بعد الطعام.[١٤]
آداب تناول اللحوم والفواكه
- آداب تناول اللحوم
- اختيار لحم مقاديم البدن، وخاصّة الذِّراع.
- غسل اللحم قبل الطبخ.
- قطع اللحم بالأسنان عند تناوله، وعدم قطعه بالسكّين.
- عدم تناول لحم «القديد» [١٥]
- عدم تناول اللّحم النيء.
- أكل اللحم كلّ ثلاثة أيّام مرّة واحدة، أو مرّة في الاُسبوع، وعدم ترك أكله أكثر من أربعين يوما، واجتناب تناوله كلّ يوم.
- الاجتناب عن المبالغة في تجريد اللحم عن العظام، وأكل نخاع العظام.
- آداب تناول الفواكه
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج ٢٠ ص ٣٣٣ ح ٨٢٤.
- ↑ غرر الحكم: ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٩٢١٩، عيون الحكم والمواعظ: ص ٤٢٦ ح ٧٢١٩.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٨٩-٩٠.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٠.
- ↑ سورة مريم، الآية ٦٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩١.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩١.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩١.
- ↑ طبّ النبيّ: ص ٢، طبّ الإمام الرضا (ع): ص ١٦ نحوه وليس فيه صدره، بحار الأنوار: ج ٦٢ ص ٢٩٠.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٢.
- ↑ قد تكون التوصية بالملح فِي بدء تناول الطعام وفي الانتهاء منه، تتوجّه لسَكَنة المناطق الّتي يكثر فيها تعرّق الجسم وبذلك يقلّ الملح فيه، أو لتعقيم الفم، وظاهر الروايات المستفيضة يدلّ على أنّ تناولَ قليلٍ من الملح قبل الطعام وبعده مفيد للمرضى.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٢-٩٥.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٥-٩٦.
- ↑ القَديد: اللحم المَملوح المجفّف في الشمس (النهاية: ج٤ ص٢٢ «قدد»).
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٣، ص ٩٦.