الأمانة
التعريف
«الأمانة» ضدّ الخيانة، مصدر من مادّة «أم ن» بمعنى طمأنينة القلب. وتُطلق صفة «الأمين» على الشخص الّذي يشعر القلب بالإطمئنان عند إيداعه شيئا، كما تُطلق «الأمانة» على الشيء المُودع أيضا. يقول ابن فارس في معنى الأمانة: الهَمزَةُ وَالميمُ وَالنّونُ أصلانِ مُتَقارِبانِ، أحَدُهُما: الأَمانَةُ الَّتي هِيَ ضِدُّ الخِيانَةِ، ومَعناها سُكونُ القَلبِ، وَالآخَرُ: التَّصديقٌ. [١]
وذكر الراغب الأصفهاني في تبيين معنى الأمانة: أصلُ الأَمنِ: طُمَأنينَةُ النّفسِ وزَوالُ الخَوفِ، وَالأَمنُ وَالأَمانَةُ وَالأَمانُ فِي الأَصلِ مَصادِرُ، ويُجعَلُ الأَمانُ تارَةً اسما لِلحالَةِ الَّتي يَكونُ عَلَيهَا الإِنسانُ فِي الأَمنِ، وتارَةً اسما لِما يُؤمَنُ عَلَيهِ الإِنسانُ[٢].[٣]
الأمانة في الكتاب والسنّة
استُعملت لفظة «الأمانة» في الكتاب والسنّة بنفس المعنى اللغوي، ولكنّنا نلاحظ نقاطا ملفتة للنظر وملاحظات لافتة للانتباه في بيان مجالات «الأمانة» وأقسام «الأُمناء» في النصوص الإسلامية.
وسوف نذكر في هذا القسم من إرشادات الإسلام حول قيمة حفظ الأمانة وآثاره، أسلوب نشر ثقافة حفظ الأمانة في المجتمع، أنواع الأمانات والأُمناء، وتعاليم إيداع الأمانة، ضمن ستّة فصول.
الحث الأكيد على كسب صفة الأمانة
التأمّل في فصول هذا القسم يكشف عن الأهمّية الفائقة لحفظ الأمانة في الإسلام، بحيث إنّ هذا الدين يسعى لأن يحثّ أتباعه على حفظ الأمانة من خلال الاعتماد على الأحاسيس الفطرية والدينية وتوظيف الأساليب الإعلامية المختلفة.
إنّ الإنسان المسلم مكلّف من وجهة نظر الإسلام أن يؤدّي الأمانات، جليلة كانت أم حقيرة، على كلّ حال وإلى جميع الأشخاص حتّى وإن كانوا من أسوأ الناس على وجه الأرض، فليس من حقّ المسلم أن يخون أحدا حتّى وإن كان خائنا له..[٤]
أُسلوب تثقيف المجتمع على أداء الأمانة
إنّ تحويل حفظ الأمانة إلى ثقافة في المجتمع، بحاجة إلى تخطيط دقيق شامل للإجراءات التالية:
- تقوية الإيمان والمعتقدات الدينية.
- توسيع الروابط بأئمّة الإسلام العظام، ونقل سيرتهم العملية في حفظ الأمانات إلى مستويات المجتمع بطبقاته المختلفة.
- تعزيز العقل العملي والضمير الأخلاقي للناس.
- التنمية الاقتصادية ومحاربة أرضيات الخيانة في المجتمع كالتضخم.
- المراقبة الشديدة من قبل الحكومة لموظّفيها بهدف تعزيز ظاهرة حفظ الأمانة والمحافظة على حقوق الناس.
- إحياء روح الدعاء والاستعانة بالله ـ جلّ وعلا ـ لرعاية الأمانات الكبيرة الخطيرة.
والنجاح في القيام بهذه الأُمور رهين بالمساعي المتواصلة المستمرّة لجميع المدراء على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي والقضايي في المجتمع.[٥]
دور الأمانة في الفَلاح المادّي والمعنوي
لقد طرحت النصوص الإسلامية فوائد مادّية ومعنوية كثيرة لحفظ الأمانة بهدف نشر هذه الثقافة في المجتمع ما أمكن ذلك. هذه هي خلاصة ما جاء في هذه النصوص في بيان دور الأمانة في حياة الإنسان:
- حبّ الله تعالى والرّسول الأعظم (ص) للشخص الأمين.
- سرّ المكانة الرفيعة للإمام عليّ (ع) لدى رسول الله (ص).
- العامل المهيّئ لأرضية الصدق.
- المشاركة في أموال الآخرين وزيادة الرزق والثروة.
- احتساب أجر المنفقين في سبيل الله للشخص الأمين.
- الخلاص من نار جهنّم والتنعّم بجنّات عدن، والحشر مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء.
- الفلاح المادّي والمعنوي وخير الدنيا والآخرة.[٦]
سعة اُفق الأمانة
إنّ للأمانة اُفقا واسعا للغاية من منظار الإسلام، فكلّ نعمة أنعم الله تعالى بها على الإنسان، وكلّ عمل يُناط به، وكلّ مسؤولية تجعل على عاتقه؛ كلّ ذلك في الحقيقة أمانة أوكلت إليه. بناءً على ذلك فإنّ الآيات الّتي تحثّ الناس على رعاية الأمانة تشمل جميع مجالاتها.
- مجال السياسة: ففي النظام الإسلامي كل شخص يتمتّع بالسلطة السياسية هو حامل لأمانة الله تعالى ، والناس وكلّ من تمتّع بمكانة سياسية أعلى وسلطة أكبر، فإنّ عب ء أمانته سيكون أكثر ثقلاً وفداحةً، على هذا الأساس فإنّ عب ء أمانة القائد أكثر فداحةً من الجميع، لذلك فإنّ أئمّة الإسلام كانوا يستعينون بالله تعالى لأداء مسؤولياتهم الخطيرة.
- المجال الثقافي: فعب ء أمانة العلماء والقادة الثقافيّين للمجتمع هو الأخطر بعد المسؤولين السياسيّين، فالعلم والمعرفة هما أمانة إلهيّة يجب على المسؤولين الثقافيين أن يزاوجوا بين العمل بها وبين تهيئة الأرضية لعمل الآخرين بها. لكنّ بعض المعارف، أمانات تعدّ من الأسرار الإلهيّة، ويُعدّ نقلها إلى الّذين لا يتحملونها خيانةً خطيرة.
- المجال الاقتصادي: يعدّ المجال الاقتصادي أوضح مجال للأمانة لدى الناس، والملاحظة الملفتة للنظر في هذا المجال هي ان الرؤية الإسلامية للأمانة الاقتصادية ترى أنّ الإنسان المسلم ليس له حقّ في التعدّي على حقوق الآخرين فحسب، بل إنّ أمواله الشخصية أمانة لديه أيضا ولا يمكنه أن ينفقها في أيّ مجال يرغب فيه، لذلك فإنّ الإسراف في إنفاق الأموال يُعدّ خيانةً أيضا.
- المجال الأخلاقي: إنّ رقعة حفظ الأمانة واسعة للغاية في مجال الأخلاق، وفي الحقيقة فإنّ الاتّصاف بأنواع الصفات الحميدة واجتناب الصفات الذميمة، إنّما هما أداء لأمانة الضمير الأخلاقي الّذي أنعم الله تعالى به على الإنسان، لذلك فإنّ الروايات اعتبرت أُمورا مثل: الصدق والورع والعفاف والوفاء والتعاون لإقامة الحقّ وجزاء الإحسان بالإحسان، وحفظ أسرار الناس، من مصاديق أداء الأمانة.
- المجال العملي: كلّ عمل يُوكل إلى الإنسان يُعدّ أمانة من وجهة نظر الإسلام، لذلك فإنّ الأجير أمين، فكان رسول الله (ص) يقول: «إنَّ الله َ عز وجل يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يُتقِنَهُ»[٧]
- مجال التكاليف الإلهيّة: إنّ المنهج الّذي قدّمه الله تعالى لحياة الإنسان هو في الحقيقة أعظم نعمة وأمانة إلهيّة لتكامله المادّي والمعنوي والسعادة الدنيوية والاُخروية، وقد بُعث جميع الأنبياء بهدف نقل هذه الأمانة إلى المجتمع البشري، هكذا يُعدّ السير على هذا النهج حفظا للأمانة، ومخالفته خيانة.[٨]
أقسام الأُمناء
إنّ أقسام الأُمناء مختلفة سعة وضيقا حسب سعة المجالات المختلفة للأمانة أو ضيقها، سنشير إليها هنا استنادا إلى ما ورد في الفصل الخامس:
- إنّ أسمى مجالات الأمانة خاصّ بالله تعالى ، لذلك يُسمّى «الأمين» و«المؤمن» و«المهيمن»، فهو «الأمين» المطلق وجميع الأمانات منه وإليه، ولا يضيع حقّ أحد لديه، لذلك فقد كان أئمّة الإسلام يوكلون كلّ شيء إلى الله، وكان النبيّ الأعظم (ص) يقول في الدعاء: «اللهُمَّ إنِّي أستَودِعُكَ نَفسي وأهلي ومالي وديني ودُنيايَ وآخِرَتي وأمانَتي وخَواتيمَ عَمَلي» [٩]
- ملائكة الوحي، هم أمناء الله ـ سبحانه ـ في إبلاغ الوحي إلى الأنبياء والرّسل.
- الأنبياء والرّسل هم أُمناء الله في إبلاغ الوحي إلى الناس.
- أوصياء الأنبياء ومن جملتهم أهل بيت نبيّنا (ص) هم أُمناء الله تعالى وأنبيائه في بيان الوحي وقيادة الناس.
- يُعدّ الإنسان أكبر حاملي الأمانة الإلهيّة بين جميع الكائنات، فهو يضطلع بأمانة عجزت السماوات والأرض والجبال عن حملها: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾[١٠]. إنّ الشاعر حافظ الشيرازي يبيّن مضمون هذه الآية في بيت من الشعر ترجمته: «لم تطق السماء حمل عب ء الأمانة، وانتهى الأمر إلى اختياري». إنّ عب ء الأمانة الفادح الّذي حمله الإنسان ولم تتحمله الموجودات الأُخرى، يمثّل الاستعداد للتكامل الإرادي وبلوغ مرتبة الخلافة الإلهيّة، وما مُنح الإنسان من طاقات وإمكانيات مادّية ومعنوية، هو كلّه أجزاء هذه الأمانة الإلهيّة. وإذا ما تفتّح استعداد الإنسان وأوصل هذه الأمانة إلى الهدف، فإنّه سيتحوّل بنفسه إلى أمانة قيّمة أُخرى للمجتمع البشري، وسيدفع الله به أنواع البلاء عن الناس. بناءً على ذلك، فإنّ تفسير الأمانة ـ المعروضة على السموات والأرض فأبت أن تحملها وأشفقت منها وحملها الإنسان ـ بالولاية أو الصّلاة أو سائر ما جعله الله تعالى تحت اختيار الإنسان لتكامله، هو في الحقيقة إشارة إلى قسم من أرضية التكامل الاختياري للإنسان، وهذه التفسيرات لا تتنافى مع بعضها البعض.
- العلماء وأهل المعرفة، هم اُمناء الله تعالى في نقل علمهم ومعرفتهم إلى الناس حسب استيعابهم واستعداداتهم.
- المسؤولون السياسيّون، هم حملة أمانة الله ـ عزّوجلّ ـ وأمانة الناس في الإدارة الصحيحة للشؤون السياسية في المجتمع.
- المؤذّنون هم أمناء الناس في الأُمور التي يعلنونها لهم، مثل: وقت الصّلاة والصيام.
- المسلمون الأثرياء، هم أمناء القادة على تأمين احتياجات المعوزين.
- المستشار، أمين مَن استشاره.
- الشخص الّذي تُوكل إليه وديعة أو عملٌ ما، هو أمين صاحب الوديعة وصاحب العمل.
- المؤمن أمين سلامته في الحالات الّتي اُوكل فيها تحديد القدرة على أداء الفرائض الإلهيّة إليه، مثل: حدّ المرض الّذي يستوجب الإفطار في الصوم.
- الملاحظة الّتي تستحقّ التأمّل في بيان أقسام الأُمناء، هي أنّ الروايات الإسلامية اعتبرت الحجر الأسود الكائن في أحد أركان الكعبة، في عداد أُمناء الله ـ سبحانه ـ وأُمناء الناس.[١١]
آداب إيداع الأمانة
لقد خُصص الفصل السادس، لبيان آداب إيداع الأمانة، وقد ذكرنا في هذا الفصل الأشخاص الّذين يمتلكون صلاحية إيداع الأمانة، والأشخاص الفاقدين لهذه الصلاحية.
من منظار الروايات الإسلامية، فإنّ أهم ملاحظة في إحراز صلاحية حمل الأمانة هي الخوف من العقوبة الإلهيّة، وأهمّ آفات الأمانة هو عدم الاعتقاد بالله وبالأرجاس الأخلاقية، وخاصّة الإدمان على شرب المشروبات الكحولية.[١٢]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ معجم مقاييس اللغة: ج ١ ص ١٣٣.
- ↑ مفردات ألفاظ القرآن: ص ٩٠.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١١.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٣.
- ↑ المعجم الأوسط: ج ١ ص ٢٧٥ ح ٨٩٧، مسند أبي يعلى: ج ٤ ص ٢٥٣ ح ٤٣٦٩ كلاهما عن عائشة، الطبقات الكبرى: ج ٨ ص ٢١٦، تاريخ دمشق: ج ٣٤ ص ٢٩٠ ح ٧٠٠٨ كلاهما عن سيرين اُمّ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، كنز العمّال: ج ٣ ص ٩٠٧ ح ٩١٢٨.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٤.
- ↑ الكافي : ج ۳ ص ۴۸۰ ح ۱ ، تهذيب الأحكام : ج ۳ ص ۳۱۰ ح ۹۵۹ كلاهما عن اسماعيل بن أبي زياد السّكوني عن الإمام الصادق عليه السلام ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۲۷۱ ح ۲۴۱۳ ، بحار الأنوار : ج ۷۶ ص ۲۴۴ ح ۲۷ .
- ↑ سورة الأحزاب، الآية ٧٢.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٥.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٥، ص ١٦.