الإعجاز عند أهل السنة
التعريف
التعريف لغةً
ما يُعجزُ البشر عن أن يأتوا بمثله[١]. وكل مالم تبلغه طاقة البشر ولم يقع في دائرة قدرتهم فهو معجزة وقد تُطلق المعجزة على ما خرج عن طاقة العامة من الخلق دون الخاصة كبعض المسائل العلمية، واختراع بعض الآلات والأجهزة وغيرها مما لا يقوى عليه إلا خواص الناس، وكالغوص والسباحة، وحمل الأثقال، وهذا عجز نسبى يكون في مخلوق دون آخر.
التعریف اصطلاحاً
المعجزة هي الأمر الخارق للعادة الخارج عن مألوف البشر، الذي يظهره الله على يد مدعى النبوة تصديقا له في دعواه، وتأييداً له في رسالته، مقروناً بالتحدى لأمته، ومطالبتهم أن يأتوا بمثله، فإذا عجزوا عن ذلك كان آية من الله تعالى على اختياره إياه وإرساله إليهم بشريعته[٢].
وتكون المعجزة حِسّية، كعصا موسى، وكإحياء الموتى لعيسى، ونبع الماء من الأصابع لمحمد(ص)؛ وقد تكون عقلية، كالعلم بالمغيبات مؤقتة بزمانها ومكانها كالقرآن؛ والأولى للعوام، والثانية لأولى الألباب دائمة[٣].
شروط المعجزة
وللمعجزة سبعة شروط:
- أن تكون المعجزة فعلاً لله تعالى.
- أن يكون المعجز خارقاً للعادة إذ لا إعجاز بدونه.
- أن تتعذر معارضته، فإن ذلك حقيقة الإعجاز.
- أن تكون ظاهرة على يد مدعي النبوة، ليعلم أنه تصديق له.
- أن تكون موافقة للدعوى فلو قال: معجزتي أن أحيي ميتاً ففعل خارقاً آخر لم يدل على صدفه لعدم تنزله منزلة تصديق الله إياه.
- أن لا يكون المعجز مكذباً له ؛ فلو قال: معجزتي أن ينطق هذا الضب، فقال الضب: إنه كاذب لم يدل على صدقه بل ازداد اعتقاد كذبه؛ لأن المكذب هو نفس الخارق
- أن لا يكون المعجز متقدماً على الدعوى، بل مقارناً لها لأن التصديق قبل الدعوى لا يُعقل[٤].
وقد اختلف مفكرو الإسلام في كيفية حصول المعجزة؛ فمذهب الأشاعرة أنها فعل الفاعل المختار، وهو الله سبحانه يظهرها على يد من يريد تصديقه.
أما الفلاسفة، فهي تنقسم - عندهم- إلى ترك، وقول وفعل؛ أما الترك فمثل أن يمسك عن القوت المعتاد برهة من الزمان بخلاف العادة وسببه انجذاب النفس الزكية عن الكدورات البشرية، إما لصفاء جوهرها في أصل فطرتها، وإما لتصفيتها بضرب من المجاهدة وقطع العلائق متعلق بالانجذاب إلى عالم القدس واشتغالها بذلك عن تحليل مادة البدن، فلا يحتاج إلى البدن، كما يشاهد في المرض من أن النفس لاشتغالها بمقاومة المرض تمنع عن التحليل فتمسك عن القوت مدة.
وأما القول فكالإخبار بالغيب وسببه انجذاب النفس التقية عن الشواغل البدنية إلى الملائكة السماوية وانتقاشها بما فيها من الصور وانتقال الصورة إلى المتخيلة والحس المشترك.
وأما الفعل: فبأن يفعل فعلا لا يفى به قوة غيره من نتق جبل وشق بحر، وسببه أن نفسه لقوتها تتصرف في مادة العناصر كما تتصرف في أجزاء بدنه[٥].
فالفلاسفة يفسرون المعجزة تفسيراً طبيعياٌ على هذا النحو الذي رأيناه وذلك أمر لم يوفقوا فيه.
وإذا كان المفكرون قد اختلفوا في كيفية حصول المعجزة، فقد اختلفوا أيضاً في كيفية دلالة المعجزة على صدق مدعی النبوة .
فعند الأشاعرة إجراء الله تعالى عادته بخلق العلم بالصدق، فإن إظهار المعجزة على يد الكاذب وإن كان ممكناً عقلاً فمعلوم انتفاؤه عادة وشرعا كسائر العاديات.
وقالت المعتزلة خَلقُها على يد الكاذب مقدور لله تعالى، لكنه ممتنع وقوعه في حكمته، لأن فيه إيهام صدقه وهو إضلال قبيح لا يجوز على الله تعالى.
وقال بعض الأشاعرة إنه غير مقدور في نفسه؛ لأن المعجزة دلالة على الصدق قطعاً فلا يد لها من وجه دلالة، وإن لم تعلم الوجه بعينه، فإن دل المخلوق على يد الكاذب على الصدق كان الكاذب صادقاً وهو محال، وإلا انفك المعجز عما يلزمه.
وقال الباقلانی: اقتران ظهور المعجزة بالصدق ليس بلازم عقلاً، بل عادة، فإذا جوزنا انخراق العادة جاز إخلاء المعجزة عن اعتقاد الصدق وحينئذ يجوز إظهاره على يد الكاذب وأما بدون ذلك التجويز فلا، لأن العلم بصدق الكاذب محال[٦].
هذا، ويمكن القول من جهة أخرى إنه من الناس من أنكر المعجزة في نفسها، ومنهم من أنكر دلالتها على الصدق ومنهم من أنكر العلم بها، وتفصيل ذلك نجده في شرح المواقف وشرح الطوالع وغيرهما.
وخلاصة القول في المعجزة أنها لیست من عمل النبي وكسبه وإنما هي خلق محض من الله تعالى على خلاف سنته في الكائنات وإنها تظهر على يد مدعى النبوة لتكون آية على صدقه في رسالته التي بها هداية الناس من الضلالة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، والأخذ بأيديهم إلى ما ينفعهم في عقائدهم وأخلاقهم وأبدانهم وأموالهم، وأن سيرة من ظهرت على يده المعجزة حميدة، وعاقبته مأمونة، فهو صريح في القول والفعل صادق اللهجة حسن العشرة، سخى كريم عفيف عما في أيدى الناس يدعو إلى الحق، وينافح دونه بقوة وشجاعة، ويقود من أرسل اليهم إلى الوحدة والسعادة، ويهديهم طريق الخير وعلى يده يسود الأمن والسلام، وتفتح البلاد ويكون العمران.[٧]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط، ج ٢ ص ٦٠٦.
- ↑ الجرجاني: التعريفات ص ٢١٤ والتهانوى كشاف اصطلاحات الفنون ج ٢ ص ٩٧٥.
- ↑ أبو البقاء الكليات ص ١٤٩، ١٥٠.
- ↑ التهانوى كشاف اصطلاحات ج ٢ ص ٩٧٦.
- ↑ التهانوى كشاف اصطلاحات ج ٢ ص ٩٧٧.
- ↑ التهانوى كشاف اصطلاحات ج ٢ ص ٩٧٧.
- ↑ محفوظ عزام، مقالة «المعجزة»، موسوعة العقيدة الإسلامية، ص ١٠٣٩-١٠٤١.