الإمامة
«الإمام» بمعنى «المقتدى به» و«القائد»، وهو في الاصطلاح الديني خليفة رسول الله في تطبيق الدين. تُعدّ مسألة الإمامة ذات أهمية بالغة بين علماء الإسلام، وهي الوجه الأساسي الذي يميّز الشيعة عن سائر المذاهب الإسلامية. يعتبر أتباع مذهب أهل البيت (ع) الإمامة منصباً خاصّاً وإلهيّاً، ويرونها من أصول العقائد الإسلامية، في حين يرى أهل السنة الإمام مرادفاً للأمير والحاكم والمنظّم للمجتمع. ولإثبات وجوب الإمامة، بالإضافة إلى الأدلّة العقلية كبرهان اللطف، ذكرتها أيضاً الأدلّة النقلية بما فيها الآيات والروايات، مثل: آية أولي الأمر، آية الصادقين، حديث الثقلين، حديث من مات... إلخ. وقد ذُكرت أهداف مختلفة للإمامة، منها: تبيين المفاهيم القرآنية، الفصل في المنازعات، إرشاد الناس وهدايتهم، إتمام الحجة على العباد. كما ذُكرت بعض شروط الإمام، وهي: النصب الإلهي، العلم اللدني، العصمة، الأفضلية، والعدالة. وفيما يخصّ طريقة تعيين الإمام، يعتقد الشيعة أنّ الطريقة الوحيدة هي «النص» من قِبل الله ورسوله (ص)، أمّا الفِرق الإسلامية الأخرى فقد ذكرت خمس طرق لتعيين الإمام: الإجماع، الاستخلاف أو التعيين، الشورى، البيعة، القهر والغلبة.
تعريف الإمام والإمامة
المعنى اللغوي
كلمة «الإمام» في اللغة مشتقّة من الجذر «أمّ»، ولها معانٍ عديدة، منها المقتدى به والقائد. والإمامة في اللغة بمعنى القصد والتوجه نحو شيء مّا[١]. ويقول الطريحي: «الإمام بكسر الألف، على وزن فِعال، بمعنى من يُقتدى به»[٢]. وتُسمّى مجموعة معيّنة تشترك في أمر أو أمور معيّنة فكريّاً أو عقائديّاً أو سياسيّاً أو لغويّاً أو زمانيّاً أو مكانيّاً، وتتوحّد فيما بينها، بالأمة، ويُسمّى قائدها الإمام. لذا فإنّ المصطلحات الثلاثة: الإمام والإمامة والأمة، لازمة ومتلازمة، ولا معنى لها بدون بعضها[٣]. لكن ينبغي ملاحظة أنّ كلمة «پيشوا» في اللغة الفارسية هي ترجمة حرفية لكلمة «الإمام»، وليس لكلمة «إمام» أو «پيشوا» مفهوم مقدس في اللغة العربية. وقد ذُكرت في كتب اللغة مصاديق للإمام، وهي: القرآن الكريم، النبي الكريم (ص)، خليفة النبي (ص)، إمام الصلاة الجماعية، قائد الجيش، دليل المسافرين، حادي الإبل، العصا والحبل، الميزان في البناء، الطريق الواسع الواضح، العالم المقتدى به[٤].[٥]
المعنى الاصطلاحي
في التعريف الاصطلاحي لكلمة «الإمام» قالوا: الإمام هو خليفة رسول الله في تنفيذ الدين؛ بحيث يجب على جميع المسلمين اتّباعه[٦]. في مصطلح الشيعة، يشير الإمام إلى الشخص الذي هو قائد وقدوة للبشرية. منحه الله الحصانة والعصمة في جميع الأمور. للإمام ثلاث خصائص: الخاصية الأولى هي خلافة النبي الكريم للإسلام. الإمام هو الشخص الذي يجلس على منصب النبي بعد النبي محمد (ص). الولاية والإشراف على جميع المكلفين هي من الخصائص الأخرى للإمام. الخاصية الأخرى هي وجوب طاعة الإمام. الإمام هو خليفة النبي (ص) وولي الأمة؛ بحيث تكون طاعة أمره بقدر طاعة أمر النبي (ص) واجبة. الإمام ليس مجرد مرشد وهادٍ لا يتحمّل الأمة أيّ واجبات تجاهه، بل يجب على الأمة أن تطيعه في أمور الدين والدنيا.
العلاقات المفاهيمية للإمامة مع المصطلحات المتوافقة
العلاقة مع النبوة والرسالة
قالب:انظر أيضاً: النبوة والرسالة
في القرآن الكريم، تمّ استخدام أربع كلمات: خليفة، إمام، نبوة ورسالة أو مشتقّاتها. تمّ استخدام كلمة إمام في القرآن الكريم لمصاديق مختلفة مقسَّمة إلى فئتين:
- المصاديق غير البشرية، مثل اللوح المحفوظ: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ[٧] والكتاب السماوي: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً[٨].
- المصاديق البشرية التي تنقسم إلى قسمين من حيث الحقّانية والبطلان:
أمّا الإمامة في الاصطلاح الديني فهي على شكلين: عام وخاص، حيث يشمل المعنى العام النبوة والرسالة كقدوة وأسوة، بينما لا يشملهما المعنى الخاص وفي بعض الحالات يكون بعد تحقّق مقام النبوة والرسالة: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[١٢]. أو هو مقام خاص يمنحه الله سبحانه لأوصياء الأنبياء (ع). أمّا كلمة «نبوة»، فقد استخدمت خمس مرّات[١٣] في القرآن، واختُلف في أصلها وجذرها. قال البعض: اشتقّت من «نبأ» بمعنى «خبر»[١٤] وكتب البعض الآخر: اشتقّت من «نبوة» (على وزن نغمة) بمعنى «رفعة ومنزلة عُليا»[١٥]؛ لذا مع الأخذ بالاعتبار الجذر، فإنّ ترجمة الآية الشريفة وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا[١٦] تكون على نحوين؛ أيّها النبي! اذكر في كتاب القرآن موسى الذي كان عبداً مخلَصاً ورسول الحق ومبلّغاً للخَلق. أمّا كلمة «رسالة» فاستخدمت مرّة واحدة فقط: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ[١٧] واستخدم جمعها «رسالات» ثمان مرّات في القرآن الكريم؛ ومعنى «الرسالة» هو أنّ تُوكل مهمّة إلى شخص مّا ويكون ملزماً بتبليغها وأدائها.
العلاقة مع الخلافة
في الثقافة الإسلامية، يعبّر «الإمامة» و«الخلافة» عن حقيقة واحدة بهذا الفارق أنّ «الخلافة» تدلّ على جانب الخلافة عن النبي (ص) و«الإمامة» تدلّ على جانب قيادة المجتمع الإسلامي. استخدم كلا التعبيرين في النصوص الدينية ويشير إلى مصداق واحد: في حديث يوم الإنذار، عرّف رسول الله (ص) أميرالمؤمنين علي (ع) على هذا النحو: «إِنَّ هَذَا أَخِي وَ وَصِيِّي وَ وَزِيرِي وَ خَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا»[١٨]. استخدم رسول الله (ص) كلمة «إمام» في تعريف أميرالمؤمنين (ع) وباقي خلفائه، وقال: «أَلَا إِنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنِّي وَ الْإِمَامُ بَعْدِي فَزَوْجُ ابْنَتِي وَ أَبُو سِبْطَيَّ... هُوَ الْإِمَامُ أَبُو الْأَئِمَّةِ الزُّهْرِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَمِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَكَ قَالَ اثْنَا عَشَرَ عَدَدَ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»[١٩].
الإمامة من منظور القرآن
في القرآن والأحاديث الإسلامية، استُخدمت كلمة «إمام» بمعناها اللغوي بشكل عام؛ أي كلّ شيء يُتَّبع سواء كان إنساناً أو غير إنسان، مثل: وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً[٢٠] أو حقّاً، مثل: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا[٢١] أو باطلاً مثل: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ[٢٢]؛ ولكن غالباً ما تُطلق هذه الكلمة على أئمة الحق والذين وصلوا إلى أعلى قمّة الإنسانية، واستخدامها بمعناها اللغوي قليل، وكذلك استخدامها في «أئمة النار»، من أجل إظهار نقطة الانحطاط النهائية للإنسان، مقابل ذروة تطوره[٢٣]. أشار الله سبحانه وتعالى في آيات متعددة إلى موضوع الإمامة وذكر صفاتاً للإمام. هذه الصفات لها تأثير كبير في تعريف الإمامة. فيما يلي بعض الأمثلة على أهمّ الآيات:
- وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٢٤].
- وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[٢٥].
- وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[٢٦].
بناءاً على الآيات المذكورة، يمكن استنتاج العديد من الخصائص للإمامة:
- الإمامة بجعل إلهي: إِنِّي جَاعِلُكَ، وَجَعَلْنَاهُمْ، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ.
- نطاق إمامة الإمام هو الناس: جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ.
- الإمامة عهد إلهي: لَا يَنَالُ عَهْدِي.
- لا تصل الإمامة إلى الظالمين: لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.
- الإمام لديه هداية تكوينية أو هداية بالأمر: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا.
حقيقة الإمامة
يؤثّر تعريف الإمامة ومعرفة حقيقتها في المسائل المختلفة للإمامة، أي إذا اعتبرنا الإمامة منصباً ومكانة إلهية مثل النبوة وفقاً للتعريف وتوضيح حقيقتها، وبعبارة أخرى إذا اعتبرنا الإمامة أمراً عرشيّاً، فإنّ نظرتنا للواجبات والخصائص وطرق المعرفة ستكون متناسبة مع هذا الفهم والتصور للإمامة. ولكن إذا لم نعتبر الإمامة مثل النبوة، فسيكون لدينا نظرة مختلفة في مسألة واجبات وخصائص وطرق تعيين ومعرفة الإمام. يعتبر أتباع مدرسة أهل البيت (ع) الإمامة منصباً خاصّاً ومكانة إلهية، بينما يعتبر أهل السنة الإمام مرادفاً للأمير والحاكم ومنظّم المجتمع. لذلك تختلف الإمامة عند الشيعة حقيقة عن الإمامة عند أهل السنة.
ضرورة الإمامة وأدلّتها
ضرورة الإمامة تعني وجوب نظام الإمامة للمجتمع ونصب الإمام من قبل الله، والإمامة في اصطلاح المتكلمين تعني الرئاسة العامة في الدين والدنيا، والتي يتّفق المسلمون على وجوبها، ولكن هناك آراء مختلفة بين المتكلمين المسلمين حول ما إذا كان وجوب الإمامة عقليّاً أم نقليّاً، وهل هو واجب على الله أم على الناس. يعتبر الإمامية ضرورة الإمامة ضرورة عقلية ويعتبرون وجوبها واجباً على الله وفقاً لمقتضى الحكمة الإلهية، وهناك أدلّة عقلية مثل: قاعدة اللطف، اليقين بفراغ الذمة، حاجة الشرع إلى مفسر... . إلى جانب الأدلّة العقلية، هناك أيضاً أدلّة نقلية من الآيات والروايات التي تبيّن وجوب وجود الإمام، مثل: آية أولي الأمر، آية الصادقين، حديث الثقلين، حديث «من مات و...». وجود الإمام (ع) في كلّ عصر وزمان وفي كلّ مجتمع ضروري لهداية الناس نحو الكمال وإقامة النظام في المجتمع[٢٧]: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[٢٨]. تؤكّد الروايات التفسيرية للآية أيضاً هذه الحقيقة بأنّ هناك إماماً حيّاً بين الناس حتّى يوم القيامة[٢٩]؛ وكذلك وفقاً للروايات حول سورة القدر، في ليلة القدر من كلّ عام حتّى يوم القيامة، تنزل الملائكة على الإمام (ع) في ذلك الزمان، وهذه السورة دليل واضح على وجود الإمام (ع) في جميع الأزمنة[٣٠].[٣١]
فلسفة الإمامة
- توضيح المفاهيم القرآنية: إنّ من وظائف النبي (ص) بيان معاني ومفاهيم القرآن الكريم: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ[٣٢]. وفي حديث الثقلين، جعل رسول الله (ص) عترته ملازمة ومقرونة بالقرآن وقال: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي»، أي أنّ فهم حقائق القرآن يجب أن يكون بهداية العترة.
- الفصل في المنازعات: كان من أهداف النبوة الفصل في الخلافات والمنازعات: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ[٣٣]. ومن الواضح أنّ الخلافات والنزاعات لا تقتصر على عصر النبي، ولكن بما أنّ حلّ هذه الخلافات يحتاج إلى وجود أفراد مختارين من قِبل الله، فإنّ هذه الضرورة تبقى موجودة بعد ختم النبوة، وبالتالي فإنّ وجود الإمام مثل النبي أمر ضروري.
- إرشاد وهداية البشر: الإرشاد والهداية للبشر في مجالات العقائد والأحكام الدينية والمسائل الأخلاقية والاجتماعية هو أحد أهداف رسالة الأنبياء الإلهيين: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ[٣٤]، وهذا الهدف ليس من خصائص النبوة ولا يقتصر على البشر الذين عاشوا في عصر النبي، ولذلك إذا كان التعليم والإرشاد وهداية البشر عملاً واجباً ولازماً، فهذا الوجوب واللزوم موجود أيضاً في الإمامة.
- إتمام الحجة على العباد: من أهداف رسالة الأنبياء إتمام الحجة من الله على العباد: رُّسُلًا مَّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[٣٥]، وهذا الأمر أيضاً لا يقتصر على زمن معيّن، ولذلك قال الإمام علي (ع): «لاَ تَخْلُو اَلْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اَللهِ وَبَيِّنَاتُهُ ... يَحْفَظُ اَللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ... أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اَللّهِ فِي أَرْضِهِ، اَلدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ»[٣٦].
مكانة الإمامة
لقضية الإمامة مكانة رفيعة في الفكر الإسلامي. اعتبر القرآن الكريم الإمامة أعلى درجة من النبوة، حيث ذكر عن إبراهيم الخليل أنّه بعد أن حاز مقام النبوة، تعرّض لاختبارات خاصّة ثمّ منح مقام الإمامة: وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[٣٧]. وقد ورد في أحاديث متعدّدة عن أئمة أهل البيت (ع) أنّ الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية هي أركان الإسلام، وأنّ الولاية تحتلّ مكانة متميّزة بينها؛ لأنّها مفتاح وهادي لها[٣٨]. إذا نظرنا للإمامة من منظور تاريخي أيضاً، يتّضح مكانتها الخاصّة عند المسلمين. فبعد النبي الكريم (ص) كانت الإمامة هي أهمّ وأحسّ القضايا التي تناولها المسلمون بالبحث والمناقشة. ولم يشهد أيّ تعليم ديني في أيّ زمان جدالاً ونزاعاً كما شهدته الإمامة[٣٩]. من وجهة نظر الشيعة، تعدّ الإمامة من أصول العقائد الإسلامية، بينما يعتبرها المعتزلة والأشاعرة وسائر المذاهب الإسلامية من فروع الدين. وعلى هذا الأساس، تعطي الشيعة للإمامة مكانة أكثر بروزاً مقارنة بأهل السنة، لكن كما أشرنا فإنّ الإمامة تعدّ قضية مهمّة وبارزة حتّى من منظور أهل السنة؛ لأنّ كونها من فروع الدين لا يتعارض مع أهميّتها[٤٠].
غاية الإمامة
وصفت الروايات الإمامة بأنّها فلسفة أو غاية الخلق، بحيث لو خلت الأرض من إمام للحظة لساخت بأهلها وابتلعتهم: «لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ»[٤١]. يُستفاد من هذه الرواية ونظائرها أنّ مصير حياة الإنسان وسائر الكائنات الحيّة على الأرض يرتبط بوجود الإمام، أي أنّه منذ وجدت الحياة على الأرض وجد الإمام أيضاً، وما دامت الحياة مستمرّة فسيبقى الإمام موجوداً. وبناءاً على ذلك، للإمام دور العلّيّة في نظام الخلق. علّيّة الإمام في النظام الطبيعي وعلى مستوى أعلى في نظام الخلق ممكنة بطريقتين: فاعلية وغائية، أي أنّ وجود الإمام يقع ضمن سلسلة العلل الفاعلية والغائية للكون، وإن كان الله تعالى هو علة العلل في كلتا السلسلتين. ولهذا السبب ورد في حق الإمام المهدي (عج): «الَّذِي بِبَقَائِهِ بَقِيَتِ الدُّنْيَا وَ بِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرَى وَ بِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الْأَرْضُ وَ السَّمَاءُ»[٤٢].[٤٣]
دائرة شمول الإمامة
الإمامة من وجهة نظر الشيعة أمر إلهي ولها نطاق ومجال محدّد. وقد حدّد الله سبحانه وتعالى في آيات عديدة نطاق ومجال إمامة الإمام:
- الإمامة على جميع البشر: يشمل نطاق ومجال إمامة الإمام من حيث عدد السكّان جميع الناس: وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٤٤].
- الإمامة على الأرض: جزء من نطاق ومجال إمامة الإمام من حيث المساحة الجغرافية هو الأرض. يُفهم هذا من استخدام كلمة «فِي الْأَرْضِ» في الآية: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[٤٥].
- الإمامة أعلى مرتبة من النبوة: يتجاوز مقام الإمامة في المنطق القرآني يفوق مقام النبوة، فقد قال الله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[٤٦]. فمن ناحية، بلغ إبراهيم (ع) مقام الإمامة بعد اختبارات متعددة مثل ذبح إسماعيل (ع) وفي سن الشيخوخة، ومن ناحية أخرى، كان نبيّاً ورسولاً قبل أن ينجب أولاداً. لذلك، تمّ منح إبراهيم (ع) مقام الإمامة في سن الشيخوخة وبعد مقام النبوة والرسالة.
- الإمامة مكانة اجتماعية: نطاق الإمامة من حيث الفرد والمجتمع هو مقام اجتماعي. استخدام كلمة «إمام» يشهد على هذا الاعتقاد. كلمة «إمام» مفهوم له إضافة وتُفهم بمفهوم «المأموم»: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا[٤٧].
أبعاد الإمامة
لمسألة الإمامة أبعاد مختلفة، أهمها:
- البُعد العقائدي: بما أنّ حفظ الدين وبقاءه يعتمد على الإمامة، فالإمامة مسألة عقائدية. وكما أنّ الإيمان بالنبوة إيمان ديني وواجب، فكذلك الإيمان بالإمامة.
- البُعد السياسي: السياسة هي تدبير شؤون المجتمع من خلال وضع القوانين اللازمة وتنفيذها، وغايتها العقلانية هي إصلاح الحياة المادية والمعنوية لأفراد المجتمع. يشكّل إصلاح الحياة المادية والروحية للبشر، من خلال تعليم المعرفة الإلهية وتنفيذ الأحكام الدينية، الفلسفة الأساسية للإمامة.
- البُعد التاريخي: مسألة الإمامة هي امتداد للنبوة والختام، ولذلك بدأت في مرحلة من تاريخ الإسلام واستمرت حتّى يومنا هذا، وستبقى من الآن فصاعداً حتّى آخر لحظة من الحياة الدنيوية للبشر. لذلك، فإنّ كيفية تعيين الإمام الأوّل، والأئمة من بعده، وردود فعل المسلمين في هذا الصدد، وأخيراً الأحداث التاريخية للإمامة، تعتبر من الموضوعات المهمة والحساسة في تاريخ الإسلام.
من الناحية الأساسية، للإمامة ثلاثة أبعاد: الحفاظ على وجود الإسلام، وتنفيذ مبادئ الإسلام ومقاصده، وتوجيه الأمة نحو النمو والتعالي[٤٨].
إثبات الإمامة
للإستدلال على إمامة الأئمة (ع) تمّ الاعتماد على نوعين من الأدلة: الأدلة العقلية والأدلة النقلية.
- الأدلة العقلية: مثل أنّ لطف الله يقتضي استمرار طريق النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) هم مواصلو طريقه لهداية الناس إلى الصراط المستقيم والكمال الإنساني[٤٩].
- الأدلة النقلية: تناول القرآن الكريم موضوع الإمامة في آيات مثل: آية إكمال الدين، آية التبليغ، آية الإنذار، آية التطهير، آية خير البرية، آية المودة، آية المباهلة وغيرها[٥٠]. كما أنّ هناك العديد من الروايات مخصّصة لموضوع الإمامة، مثل: حديث يوم الدار، حديث الثقلين، حديث السفينة، حديث المنزلة وغيرها[٥١].
شرائط الإمامة
التنصيب الإلهي للإمام
«التنصيب الإلهي للإمام» هو مصطلح في الثقافة الكلامية الشيعية ويعني تعيين الأشخاص المعصومين من قِبل الله ليقوموا بأدوار ومهام النبي في المجتمع البشري خلفاً له. وبهذا الأساس الكلامي، تعتبر الشيعة «الإمامة» بعد «النبوة» جزءاً من أصول الدين، وتعتقد أنّ الإمام بصفته خليفة الله والنبي، هو أفضل الناس في الفضل والكمال، ويتمتّع بمقام العصمة ولديه العلم الإلهي، ويجمع جميع شئون النبي (ص) باستثناء تلقّي الوحي. بناءاً على هذه الأدلة العقلية، تعتقد الشيعة «بنصب الإمام» بأمر من الله وبواسطة النبي الكريم للإسلام، وهناك مئات الأدلة النقلية في الكتاب، مثل آيات: التطهير، التبليغ، الولاية، أولي الأمر، الابتلاء، إكمال الدين وغيرها تدلّ على ذلك، والتي يوضّحها ويفسّرها حديث الغدير والمنزلة ومئات الأدلة النقلية الأخرى من سيرة وسنة النبي (ص) الموجودة في مصادر الشيعة وأهل السنة[٥٢].
العلم الإلهي الخاص
الأئمة (ع) الذين يتحمّلون المسؤولية الخطيرة في هداية الناس إلى السعادة والكمال وإدارة المجتمعات الإنسانية، يجب أن يتمتّعوا بعلم واسع حتّى يتمكّنوا من تحقيق هذه المسؤولية. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن يكون علمهم محصناً من الخطأ والشك حتّى يثق الناس بهم ويقبلوا هدايتهم ويصلوا إلى أهدافهم المادية والمعنوية تحت حكمهم. لذلك اختار الله طالوت للحكم على بني إسرائيل لتفوّقه في العلم والقوّة الجسدية: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ[٥٣]. وكذلك جعل أولي الأمر مرجعاً علميّاً للمسلمين في تمييز الحق من الباطل والصدق من الكذب، وأمرهم بالرجوع إلى أولي الأمر كأصحاب المعرفة والقدرة على التمييز عند تلقّي الأخبار، حتّى يتمكّنوا من استنباط الحق والصدق وإعلامهم، ومصاديق ذلك بحسب الروايات هم الأئمة (ع)[٥٤].[٥٥]
العصمة
بناءاً على تعاليم القرآن، يتمتّع الإمام (ع) بخصائص أهمها العصمة. قال الله تعالى ردّاً على إبراهيم (ع) الذي طلب من الله أن يجعل الإمامة في ذريته: لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٥٦]. يعتمد المفسّرون على هذه الآية في اشتراط العصمة للإمام (ع) ويوضّحون ضرورة العصمة بأنّ الإمام (ع) هو القدوة والقائد الذي يجب اتّباعه، وإذا ارتكب الإمام (ع) معصية، فسيكون ارتكاب المعصية واجباً على الناس بسبب وجوب طاعة الإمام (ع)، وهذا أمر محال؛ لأنّ المعصية محرّمة والجمع بين الفعل والترك غير ممكن. لذلك فإنّ العصمة ضرورية في الأئمة (ع) حتّى لا يحدث هذا المحذور[٥٧]. يجدر الذكر أنّ الآية تدلّ على عصمة الإمام (ع) طوال حياته وعمره بالكامل، لذلك فإنّ من وقع في الفسق أو الشرك في جزء من عمره لا يكون أهلاً لمقام الإمامة[٥٨].[٥٩]
الأفضلية
مصطلح «أفضلية الإمام» يعني تفوّق الإمام على الآخرين في أمرين: أوّلاً في زيادة الثواب والقرب من الله، وثانياً في صفات الكمال الإنساني. السؤال «هل يجب أن يكون الإمام أفضل من غيره أم لا؟» كان محل نزاع بين الشيعة الإمامية وأهل السنة منذ زمن بعيد، وقد تمّ تناوله في باب شروط الإمامة. تعتبر الشيعة «الأفضلية» شرطاً ضروريّاً للإمامة، وفي المقابل، يجيز غالبية أهل السنة تقديم الشخص العادي (المفضول) على الأفضل. يشمل نطاق أفضلية الإمام من وجهة نظر الشيعة معنيين: «التفوّق في الثواب الأخروي والتفوّق في الكمالات الإنسانية». أقام علماء الشيعة خمسة أدلّة على الأفضلية بالمعنى الأوّل، وهي على شكل عناوين كالتالي: استلزام كثرة التكليف وأفضلية الإمام؛ استلزام التفوّق في الكمالات النفسية وأفضلية الإمام؛ استلزام العصمة وأفضلية الإمام؛ ضرورة التعظيم للإمام والأفضلية؛ كون الإمام حجة والأفضلية. أمّا الأفضلية بالمعنى الثاني (تفوّق الإمام على الآخرين في الكمالات الإنسانية وكلّ ما يخدم أهداف الإمامة ومسؤولية الإمام)، فتشمل صفات مثل العلم بمسائل الدين، الشجاعة، السخاء، الإدارة، التدبير السياسي... وغيرها. استند علماء الشيعة إلى الدليل العقلي (قبح تقديم المفضول على الأفضل) والنقلي (سورة يونس الآية ٣٥...) وأجابوا عن الإشكالات التي أثارها علماء أهل السنة[٦٠].
العدالة
لا تتّفق المذاهب الكلامية حول هذه الصفة. من وجهة نظر الشيعة الإمامية، العدالة والتقوى من الشروط الضرورية للإمامة؛ لأنّه إذا لم يكن الإمام (ع) عادلاً، فإمّا أن يخضع للظلم وهو من الرذائل الأخلاقية وينافي العصمة، أو سيظلم الآخرين وهو من الكبائر ويتعارض مع العصمة[٦١]. اعتبرت الشيعة الإسماعيلية والزيدية أيضاً العدالة والتقوى من الصفات الضرورية للإمام (ع)[٦٢]. وكذلك اعتبر المعتزلة العدالة والعفاف من صفات الإمام (ع)[٦٣]. ومن وجهة نظر الإباضية أيضاً، تعتبر العدالة من الشروط الضرورية للإمامة[٦٤].[٦٥]
تعيين الإمام
طرق تعيين الإمام
تعدّ طريقة تعيين الإمام من أهمّ مباحث الإمامة بين المتكلمين في الفريقين. يعتقد الشيعة بجميع فرقهم أنّ الطريقة الوحيدة لتعيين الإمام هي «النص» من الله ورسوله (ص)، بينما ذكر سائر الفرق الإسلامية خمس طرق لتعيين الإمام وهي: الإجماع، الاستخلاف أو التعيين، الشورى، البيعة، القهر والغلبة. تستند وجهة نظر الشيعة في مجال الإمامة العامة والخاصة إلى آيات وروايات صحيحة، بينما لا تستند أدلّة أهل السنة إلّا إلى الأمور والأساليب التي تمّت في صدر الإسلام من قبل الخلفاء والمسلمين أو الخلفاء الجائرين[٦٦].
وجهة نظر الشيعة
النصب أو الجعل الإلهي للإمام
«نصب الإمام إلهيّاً» هو مصطلح في الثقافة الكلامية الشيعية ويعني تعيين الأفراد المعصومين من قِبل الله ليقوموا بدور ومهامّ النبي في المجتمع الإنساني كخليفة له. بناءاً على هذا الأساس الكلامي، يعتبر الشيعة «الإمامة» بعد «النبوة» من أصول الدين، ويعتقدون أنّ الإمام بصفته خليفة الله والنبي هو أفضل الناس فضلاً وكمالاً، ويتمتّع بمقام العصمة ويتحلّى بالعلم الإلهي ويجمع كلّ شؤون النبي (ص) باستثناء تلقّي الوحي. وفقاً لهذه الأدلّة العقلية، يعتقد الشيعة بـ«نصب الإمام» بأمر من الله وبواسطة النبي الكريم، وهناك مئات الأدلّة النقلية في الكتاب، مثل آيات: التطهير، التبليغ، الولاية، أولي الأمر، الابتلاء، إكمال الدين... تدلّ على ذلك، وحديث الغدير وحديث المنزلة ومئات الأدلة النقلية الأخرى من سيرة وسنة النبي (ص) الموجودة في مصادر الشيعة وأهل السنة تبيّن وتفسّر ذلك.
وجهة نظر أهل السنة
يرى جميع فرق أهل السنة باستثناء القليل منهم أنّ وجود الإمام في المجتمع أمر ضروري. وعلى هذا الأساس يعتقدون أنّ طاعة الإمام المنتخب واجبة[٦٧]. طرح أهل السنة خمس طرق لانعقاد واستقرار الخلافة، واعتبروها مستندة إلى ممارسات الصحابة في صدر الإسلام. وهذه الطرق هي: الإجماع (إجماع المسلمين، إجماع أهل الحل والعقد)، الشورى (شورى الصحابة، شورى أهل الحل والعقد)، البيعة (بيعة المسلمين، بيعة أهل الحل والعقد)، القهر والغلبة (ممارسات بعض الصحابة والتابعين)[٦٨].
شؤون الإمام
للإمام بصفته القائد الحقيقي للمجتمع واجبات وشؤون تتعلّق بحفظ الدين وحماية دماء المسلمين واستقرار النظام الاجتماعي للمسلمين، ومن بينها:
- الزعامة: أحد شؤون الإمامة هو الرئاسة العامة، أي بعد النبي يبقى أحد الأعمال المهمة دون حل وهو زعامة المجتمع؛ لأنّ المجتمع يحتاج إلى زعيم وقائد وهذا المبدأ مقبول لدى الشيعة والسنة معاً، لكن الشيعة يقولون: عيّن النبي (ص) في حياته القائد بعده وأخرج الناس من حيرتهم وقال بأمر من الله عن طريق الوحي: «زمام أمور المسلمين بعدي مع علي»، أمّا أهل السنة فيقولون: لم يعيّن النبي أحداً وكان على المسلمين أنفسهم تعيين قائدهم بعد النبي.
- المرجعية الدينية: من شؤون النبي تبليغ الوحي، وكان الناس يسألون النبي عن نص الإسلام، وما لم يكن في القرآن كانوا يسألون النبي عنه، لكن السؤال هو: هل كلّ الأحكام والتعاليم والمعارف الإسلامية هي ما جاء في القرآن وقاله النبي للناس؟ أم أنّ ما قاله النبي كان جزءاً من أحكام الإسلام ولم يسمح الوقت بإيصال جميع الأحكام إلى عموم الناس؟ بالطبع كان الأمر كذلك، ولذا علّم النبي (ص) كلّ ما لم يسمح الوقت بقوله لعلي (ع) وصيّه، وعرّفه للناس كعالم ممتاز وسيد جميع الصحابة الذي لا يخطئ حتّى في قوله وعمله. في الحقيقة كان الإمام بعد النبي خبيراً وعارفاً كاملاً بالإسلام من قبل الله، لكن لا يوحى إليه.
- الولاية المعنوية: في كلّ فترة يوجد إنسان كامل يحمل المعنوية العامة للإنسانية، والإمام هو الإنسان الكامل وبتعبير آخر هو حجة الزمان: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت»[٦٩] لم يكن ولن يكون أبداً أن تخلو الأرض من حجة الله والإنسان الكامل.
وبالتالي فإنّ للإمامة ثلاث درجات ومراتب: القيادة السياسية والاجتماعية للمجتمع، المرجعية الدينية، والولاية المعنوية. كان الأئمة المعصومون (ع) يتمتّعون بهذه الشؤون الثلاثة، وكان للنبي أيضاً بالإضافة إلى النبوة والرسالة هذه المراتب الثلاث بالكامل.
وظائف الإمام
بناءاً على مجموعة من الآيات، يُفهم أنّ الأساس للواجبات المترتّبة على الإمامة والولاية يقوم على ركنين: الهداية والنصرة، وتنقسم الهداية إلى: هداية عامة وهداية خاصة. الهداية العامة تسمّى أيضاً هداية إرائة الطريق أو الهداية التعليمية أو التبيين، ومن أبرز مصاديقها تفسير القرآن ورفع الاختلافات. أمّا الهداية الخاصة أو هداية إيصال المطلوب أو الهداية الإرشادية، فتشمل الأمور التالية: تشكيل الحكومة، إقامة العدل، تربية الأمة الصالحة. الوظيفة الكبرى الثانية للإمام هي النصرة التي تشمل الدفاع عن الدين، منع وقوع التحريف (منع الانحراف في الدين)، الرد على الشبهات، الدفاع عن المؤمنين. من وجهة نظر الإمامية، الإمام (ع) هو مواصل طريق النبي، ومن واجباته تنفيذ الحدود الإسلامية، حفظ الشريعة الإسلامية من التحريف والتغيير وغير ذلك[٧٠].
حقوق الإمام (واجبات الأمة تجاه الإمام)
للأمة تكاليف وواجبات تجاه الإمام، منها:
- معرفة الإمام: أوّل وأهمّ واجب للأمة تجاه الإمام هو معرفته؛ لأنّ الاستفادة من وجود الإمام وهداياته تتفرّع عن معرفته، ومن لم يعرف إمامه سيكون في ضلال وجهل.
- الواجبات القلبية والعاطفية: تشمل هذه الوظيفة بعض الأمور مثل: الإيمان بالإمام والكفر بأعدائه، تولّي الإمام (قبول ولايته) والتبرّؤ من عدوّه، محبّة الإمام والبغض لأعدائه، مودّة الإمام والعداوة مع أعدائه، الإخلاص للإمام ... إلخ.
- الواجبات السلوكية والعملية: لهذا النوع من الواجبات أيضاً فروع مختلفة، بعضها: التمسّك بالإمام وفقاً لحديث الثقلين[٧١]، اتّباع الإمام، الوفاء ببيعة الإمام، دفع الحقوق المالية للإمام، التوسل ... إلخ.
الإمامة العامة
المقصود بالإمامة العامة هو أصل حاجة المجتمع بعد النبي (ص) إلى إمام منصوب من قِبل الله لقيادة وهداية المجتمع.
الإمامة الخاصة
تشير الإمامة الخاصة بشكل عام إلى الحق الخاص لأهل بيت النبي (ص) في إمامة الأمة، وبنظرة خاصة تركّز أيضاً على أهلية الإمام علي بن أبي طالب (ع) للوقوف في مقام أوّل إمام بعد النبي (ص). وتمّ التأكيد على كلا الموضوعين في عبارات نهج البلاغة[٧٢].
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ الخليل الفراهيدي، العين ١: ١٠٥. ابن منظور، لسان العرب: ٢١٤.
- ↑ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين ٦: ١٠.
- ↑ انظر: لطف الله الصافي الگلپايگاني، نظام الأمة والقيادة: ١١ -١٢.
- ↑ ابن فارس، معجم المقاييس في اللغة: ٤٨. الفيومي، المصباح المنير ١: ٣١ – ٣٢. ابن منظور، لسان العرب ١: ١٥٧. الراغب الأّصفهاني، المفردات في غريب القرآن: ٢٤. سعيد شرتوني، أقرب الموارد ١: ١٩. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ١: ٢٧. حسن عميد، فرهنگ عميد: ١٨.
- ↑ علي الرباني الگلپايگاني، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٤٠٥. مقالۀ آن مشخص شود
- ↑ وعند المتكلمين هو خليفة الرسول (ص) في إقامة الدين بحيث يجب اتّباعه على كافّة الأمة، انظر: محمدعلي التهانوي، موسوعة کشاف اصطلاحات الفنون و العلوم ١: ٢٥٩.
- ↑ سورة يس، الآية ١٢.
- ↑ سورة هود، الآية ١٧. سورة أحقاف، الآية ١٢.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٧٣.
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٢.
- ↑ سورة القصص، آية ٤١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ٧٩. سورة الأنعام، الآية ٨٩. سورة العنكبوت، الآية ٢٧. سورة الجاثية، الآية ١٦. سورة الحديد، الآية ٢٦.
- ↑ محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن ٧: ١٣٣. محمد بن محمدرضا القمي المشهدي، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب ٨: ٢٣٢. السيد محمد حسين الطباطبايي، الميزان في تفسير القرآن ٢: ١٣٩.
- ↑ فضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان ٦: ٨٠٠. رشيد الدين الميبدي، كشف الأسرار ٦: ٥٤.
- ↑ سورة مريم، الآية ٥١.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٧٩.
- ↑ محمد بن الحسن الطوسي، الأمالي: ٥٨٣.
- ↑ علي بن محمد الخزّاز الرازي، كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر: ٨٨.
- ↑ سورة هود، الآية ١٧.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٧٣.
- ↑ سورة القصص، الآية ٤١.
- ↑ محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنّة ١٠: ٢١٣ – ٢١٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ سورة الأنبياء، الآية ٧٢ – ٧٣.
- ↑ سورة السجدة، الآية ٢٣ – ٢٤.
- ↑ السيد محمد حسين الطباطبايي، الميزان في تفسير القرآن ١٣: ١٦٥ – ١٦٦.
- ↑ سورة الرعد، الآية ٧.
- ↑ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ١: ١٩١ – ١٩٢.
- ↑ عبدعلي بن جمعة العروسي الحويزي، تفسير نور الثقلين ٥: ٦١٩ – ٦٤٢.
- ↑ محمدرضا مصطفى پور، دائرة معارف القرآن الكريم ٤: ٢١٩ – ٢٣٢.
- ↑ سورة النحل، الآية ٤٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢١٣.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٦٤.
- ↑ سورة النساء، الآية ١٦٥.
- ↑ نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة: ١٣٩.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ٢: ١٦، ح ٥ و ٨.
- ↑ عبدالكريم الشهرستاني، الملل والنحل ١: ٢٢.
- ↑ علي الرباني الگلپايگاني، مقالة «الإمامة»، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٤١٠ – ٤١١.
- ↑ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي ١: ١٣٧.
- ↑ دعاء العديلة.
- ↑ علي الرباني الگلپايگاني، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٤١٠ – ٤١١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ سورة القصص، الآية ٥.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ عباس علي عميد الزنجاني، موسوعة الفقه السياسي ١: ٢٨٨.
- ↑ حسن بن يوسف الحلّي، كشف المراد: ٣٨٨. السيد عبدالحسين آل طيّب، الكلم الطيّب: ٣٢٩. جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل ١: ٥٢٩.
- ↑ السيد عبدالحسين آل طيّب، الكلم الطيّب: ٤٧١.
- ↑ حسن بن علي الطبري، أسرار الإمامة: ٢٥٠.
- ↑ محمد حسن قدردان قراملكي، الإمامة: ٥٢. به كتاب عربي آن مراجعه شود و صفحه مشخص شود.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٤٧.
- ↑ ابو الفتوح الرازي، روض الجنان ٦: ٣٥، انظر أيضاً: ٤: ٣٨٧ – ٣٩١، ٥: ٢٣ – ٢٤.
- ↑ محمدرضا مصطفى پور، دائرة معارف القرآن الكريم ٤: ٢٢٩ – ٢٣٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٢٤.
- ↑ فخر الدين الرازي، تفسير مفاتيح الغيب ٤: ٣٦ – ٣٧، انظر أيضاً: ١٠: ١٤٤.
- ↑ السيد محمد حسين الطباطبايي، الميزان في تفسير القرآن ١: ٢٧٤.
- ↑ محمدرضا مصطفى پور، دائرة معارف القرآن الكريم ٤: ٢٢٩.
- ↑ علي الرباني الگلپايگاني، مقالة «أفضليّة الإمام»، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٣٤٠ – ٣٤٦.
- ↑ ميثم بن علي البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: ١٧٩ – ١٨٠.
- ↑ شريف الجرجاني، شرح المواقف ٨: ٣٥١. أحمد محمود صبحي،الزيدية: ٣٣٨ – ٣٣٩.
- ↑ عبد الجبّار المعتزلي، المغني في أبواب التوحيد والعدل ١: ٢٠١ – ٢٠٢.
- ↑ علي يحيى معمّر، الإباضية مذهب إسلامي معتدل: ٢٥.
- ↑ علي، الرباني الگلپايگاني، مقالة «الإمامة»، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٤٠٤ – ٤١٨.
- ↑ علي الرباني الگلپايگاني، مقالة «الإمامة»، موسوعة الكلام الإسلامي ١: ٧٩ – ٨٣، ومقالة «آية الولاية»، موسوعة الكلام الإسلامي ١. القواعد الكلامية: ١٠٩..
- ↑ فقال جمهور أصحابنا من المتکلمین و الفقهاء، مع الشیعة و الخوارج و أکثر المعتزلة، بوجوب الإمامة و إنها فرض واجب إتباع المنصوب له... و خالفهم شرذمة من القدریة کأبی بکر الأصم و هشام الفوطی، تفتازانی، أصول الإیمان: ٢١٦.
- ↑ سيد علي، الحسيني الميلاني، جواهر الكلام في معرفة الإمامة والإمام ٢: ٢٢٢ – ٢٢٣.
- ↑ محمد بن يعقوب، الكليني، الكافي ١: ١٧٩. النعماني، كتاب الغيبة: ١٣٨، باب الثامن، ح ٨.
- ↑ علي، الرباني الگلپايگاني، كلام التطبيقي ٢: ٢١٣.
- ↑ «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَ إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»، محمد بن الحسن، الحرّ العاملي ٢٧: ٣٣.
- ↑ سيد حسين، دين پرور، موسوعة نهج البلاغة ١: ١١٧.