الإمام الحسن العسكري عليه السلام

من إمامةبيديا

اسمه ونسبه

هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

وامّه: امّ ولد يقال لها: «حديث»[١]، وقيل: «سوسن»[٢].

كنيته ولقبه

كنيته: «أبو محمّد»[٣]، وكان - كأبيه وجدّه - يعرف في زمانه بـ ابن الرضا [٤].

وأهمّ ألقابه: «العسكري»[٥]، نسبة إلى عسكر، وهو إمّا اسم لسامرّاء، أو لمحلّة منها.

مولده

ولد في مدينة الرسول (ص) في الثامن من شهر ربيع الثاني سنة مئتين واثنتين وثلاثين [٦]، وقيل: في إحدى وثلاثين[٧].

وفاته

توفّي الإمام (ع) في ثامن ربيع الأوّل سنة مئتين وستّين، ودفن في داره عند قبر أبيه (ع) في سامرّاء [٨].

عمره الشريف

بلغ عمره الشريف ثماني وعشرين سنة [٩]، أو تسعاً وعشرين؛ على الخلاف في مولده[١٠].

عاش بعد أبيه (ع) ستّ سنين، وقيل: خمس سنين وأشهراً[١١].

مدّة إمامته

هي المدّة التي عاشها بعد أبيه (ع) [١٢].

حكّام عصره

عاصره من حكّام بني العباس: المعتز عدّة أشهر، و المهتدي ما يقارب السنّة، ثمّ ملك المعتمد بن المتوكل ما يقارب إحدى وعشرين سنة، وفي السنة الخامسة من ملكه توفّي الإمام (ع) [١٣].

وقد نال من جميعهم الأذى والسجن والتهديد بالقتل، فقد ذكرت المصادر أنّه سجن مع أخيه جعفر وجماعة من الطالبيّين فيهم أبو هاشم الجعفري [١٤].

وذكر ابن الأثير سجن الطالبيّين - بما فيهم الجعفري - هؤلاء سنة مئتين واثنتين وخمسين أيام المعتزّ، ولم يذكر سجن الإمام وأخيه معهم [١٥].

وإذا كان الإمام (ع) قد سجن في هذه السنة، فيكون ذلك في حياة أبيه، لكنّه بعيد جدّاً، وظاهر رواياتنا أنّه كان أيام إمامته (ع) بعد وفاة أبيه[١٦].

وذكرت المصادر أيضاً أنّه سجن عند صالح بن وصيف، وكان من كبار قوّاد المهتدي.

وقالت: إنّه دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف يطالبونه بالتضييق عليه، فقال لهم صالح: ما أصنع به؟ وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم.

ثمّ أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟

فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا ودخلنا ما لا نملكه من أنفسنا.

فلمّا سمع ذلك العبّاسيون انصرفوا خاسئين [١٧].

وكان قد هدّد من قبل المهتدي أيضاً، فقد روى الكليني بإسناده عن أحمد بن محمد، قال: «كتبت إلى أبي محمّد (ع) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي [١٨]: يا سيّدي، الحمد للّه الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول: والله لاجلينّهم عن جدد الأرض. فوقّع أبو محمّد (ع) بخطّه: " ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به " فكان كما قال (ع)» [١٩].

وسجن أيام المعتمد فسلّم إلى نحرير [٢٠]، وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتّق الله، فإنّك لا تدري من في منزلك؟ وذكرت له صلاحه وعبادته، وقالت: إنّي أخاف عليك منه.

فقال: والله لأرمينّه بين السباع، ثمّ استأذن في ذلك فاذن له، فرمى به إليها، ولم يشكّوا في أكلها له، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه (ع) قائما يصلّي وهي حوله، فأمر بإخراجه إلى داره» [٢١].

وبعد أن رأوا منه الآيات البيّنات دخل المعتمد على العسكري (ع) وتضرّع إليه وسأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فقال (ع): " مدّ الله في عمرك "، فأجيب دعاؤه وتوفّي بعد عشرين سنة [٢٢].

وذكروا محاولات أخرى لحبسه واغتياله، وقد دفع الله عنه ذلك [٢٣]، إلى أن بلغ الكتاب أجله واختار الله لقاءه وهو في الثامنة والعشرين من عمره الشريف.

أحمد بن عبيد الله بن خاقان[٢٤] يصف الإمام (ع)

روى الكليني عن الحسين بن محمد الأشعري و محمد بن يحيى، وغيرهما، أنّهم قالوا: «كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى اَلضِّيَاعِ وَ اَلْخَرَاجِ بِقُمَّ فَجَرَى فِي مَجْلِسِهِ يَوْماً ذِكْرُ اَلْعَلَوِيَّةِ وَ مَذَاهِبِهِمْ وَ كَانَ شَدِيدَ اَلنَّصْبِ[٢٥] وَ اَلاِنْحِرَافِ عَنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ وَ لاَ عَرَفْتُ بِسُرَّمَنْرَأَى مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَ سُكُونِهِ وَ عَفَافِهِ وَ نُبْلِهِ وَ كِبْرَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ بَنِي هَاشِمٍ كَافَّةً وَ تَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَوِي اَلسِّنِّ مِنْهُمْ وَ اَلْخَطَرِ وَ كَذَلِكَ كَانَتْ حَالُهُ عِنْدَ اَلْقُوَّادِ وَ اَلْوُزَرَاءِ وَ عَامَّةِ اَلنَّاسِ. فَأَذْكُرُ أَنَّنِي كُنْتُ يَوْماً قَائِماً عَلَى رَأْسِ أَبِي وَ هُوَ يَوْمُ مَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ إِذْ دَخَلَ حُجَّابُهُ فَقَالُوا أَبُو مُحَمَّدِ اِبْنُ اَلرِّضَا بِالْبَابِ فَقَالَ بِصَوْتٍ عَالٍ اِئْذَنُوا لَهُ فَتَعَجَّبْتُ مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُمْ وَ مِنْ جَسَارَتِهِمْ أَنْ يُكَنُّوا رَجُلاً بِحَضْرَةِ أَبِي وَ لَمْ يَكُنْ يُكَنَّى عِنْدَهُ إِلاَّ خَلِيفَةٌ أَوْ وَلِيُّ عَهْدٍ أَوْ مَنْ أَمَرَ اَلسُّلْطَانُ أَنْ يُكَنَّى فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ حَسَنُ اَلْقَامَةِ جَمِيلُ اَلْوَجْهِ جَيِّدُ اَلْبَدَنِ حَدِيثُ اَلسِّنِّ لَهُ جَلاَلَةٌ وَ هَيْئَةٌ حَسَنَةٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي قَامَ فَمَشَى إِلَيْهِ خُطًى وَ لاَ أَعْلَمُهُ فَعَلَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ اَلْقُوَّادِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ وَ قَبَّلَ وَجْهَهُ وَ صَدْرَهُ وَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَ أَجْلَسَهُ عَلَى مُصَلاَّهُ اَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَ جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ مُقْبِلاً عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَ جَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَ يُفَدِّيهِ بِنَفْسِهِ وَ أَنَا مُتَعَجِّبٌ مِمَّا أَرَى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ اَلْحَاجِبُ فَقَالَ اَلْمُوَفَّقُ[٢٦] قَدْ جَاءَ وَ كَانَ اَلْمُوَفَّقُ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَبِي يُقَدِّمَهُ حُجَّابُهُ وَ خَاصَّةُ قُوَّادِهِ فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَ بَيْنَ بَابِ اَلدَّارِ سِمَاطَيْنِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَ يَخْرُجَ فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلاً عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ يُحَدِّثُهُ حَتَّى نَظَرَ إِلَى غِلْمَانِ اَلْخَاصَّةِ فَقَالَ حِينَئِذٍ لَهُ إِذَا شِئْتَ جَعَلَنِيَ اَللَّهُ فِدَاكَ ثُمَّ قَالَ لِحُجَّابِهِ خُذُوا بِهِ خَلْفَ اَلسِّمَاطَيْنِ لاَ يَرَاهُ هَذَا يَعْنِي اَلْمُوَفَّقَ فَقَامَ وَ قَامَ أَبِي فَعَانَقَهُ وَ مَضَى. فَقُلْتُ لِحُجَّابِ أَبِي وَ غِلْمَانِهِ وَيْلَكُمْ مَنْ هَذَا اَلَّذِي كَنَّيْتُمُوهُ بِحَضْرَةِ أَبِي وَ فَعَلَ بِهِ أَبِي هَذَا اَلْفِعْلَ فَقَالُوا هَذَا عَلَوِيٌّ يُقَالُ لَهُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُعْرَفُ بِابْنِ اَلرِّضَا فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً وَ لَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذَلِكَ قَلِقاً مُفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَ أَمْرِ أَبِي وَ مَا رَأَيْتُهُ مِنْهُ حَتَّى كَانَ اَللَّيْلُ وَ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ اَلْعَتَمَةَ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ اَلْمُؤَامَرَاتِ وَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَى اَلسُّلْطَانِ فَلَمَّا صَلَّى وَ جَلَسَ جِئْتُ وَ جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ فَقَالَ لِي يَا أَحْمَدُ أَ لَكَ حَاجَةٌ فَقُلْتُ نَعَمْ يَا أَبَهْ فَإِنْ أَذِنْتَ سَأَلْتُكَ عَنْهَا فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ قُلْتُ يَا أَبَهْ مَنِ اَلرَّجُلُ اَلَّذِي رَأَيْتُكَ بِالْغَدَاةِ فَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ اَلْإِجْلاَلِ وَ اَلْكَرَامَةِ وَ اَلتَّبْجِيلِ وَ فَدَّيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَ أَبَوَيْكَ فَقَالَ يَا بُنَيَّ ذَاكَ إِمَامُ اَلرَّافِضَةِ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ اَلْمَعْرُوفُ بِابْنِ اَلرِّضَا ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً وَ أَنَا سَاكِتٌ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ لَوْ زَالَتِ اَلْإِمَامَةُ عَنْ خُلَفَائِنَا بَنِي اَلْعَبَّاسِ مَا اِسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُهُ لِفَضْلِهِ وَ عَفَافِهِ وَ هَدْيِهِ وَ صِيَانَتِهِ وَ زُهْدِهِ وَ عِبَادَتِهِ وَ جَمِيلِ أَخْلاَقِهِ وَ صَلاَحِهِ وَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ رَأَيْتَ رَجُلاً جَزْلاً نَبِيلاً فَاضِلاً فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَ تَفَكُّراً وَ غَيْظاً عَلَى أَبِي وَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ فِيهِ وَ رَأَيْتُ مِنْ فِعْلِهِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِي هِمَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ اَلسُّؤَالَ عَنْ خَبَرِهِ وَ اَلْبَحْثَ عَنْ أَمْرِهِ. فَمَا سَأَلْتُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ اَلْقُوَّادِ وَ اَلْكُتَّابِ وَ اَلْقُضَاةِ وَ اَلْفُقَهَاءِ وَ سَائِرِ اَلنَّاسِ إِلاَّ وَجَدْتُهُ عِنْدَهُ فِي غَايَةِ اَلْإِجْلاَلِ وَ اَلْإِعْظَامِ وَ اَلْمَحَلِّ اَلرَّفِيعِ وَ اَلْقَوْلِ اَلْجَمِيلِ وَ اَلتَّقْدِيمِ لَهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَشَايِخِهِ فَعَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدِي إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيّاً وَ لاَ عَدُوّاً إِلاَّ وَ هُوَ يُحْسِنُ اَلْقَوْلَ فِيهِ وَ اَلثَّنَاءَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِنَ اَلْأَشْعَرِيِّينَ فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ [٢٧] وَ كَيْفَ كَانَ مِنْهُ فِي اَلْمَحَلِّ. فَقَالَ وَ مَنْ جَعْفَرٌ فَيُسْأَلَ عَنْ خَبَرِهِ أَ وَ يُقْرَنُ بِالْحَسَنِ جَعْفَرٌ مُعْلِنُ اَلْفُسُوقِ فَاجِرٌ شِرِّيبٌ لِلْخُمُورِ أَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ اَلرِّجَالِ وَ أَهْتَكُهُمْ لِنَفْسِهِ خَفِيفٌ قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى اَلسُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اِعْتَلَّ[٢٨] بُعِثَ إِلَى أَبِي أَنَّ اِبْنَ اَلرِّضَا قَدِ اِعْتَلَّ فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى دَارِ اَلْخِلاَفَةِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَ مَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ خَاصَّتِهِ فِيهِمْ نِحْرِيرٌ وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ اَلْحَسَنِ وَ تَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ وَ بَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ فَأَمَرَهُمْ بِالاِخْتِلاَفِ إِلَيْهِ وَ تَعَهُّدِهِ صَبَاحَ مَسَاءٍ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أُخْبِرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ فَأَمَرَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ بِلُزُومِ دَارِهِ وَ بَعَثَ إِلَى قَاضِي اَلْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَ وَرَعِهِ وَ أَمَانَتِهِ فَأَحْضَرَهُمْ فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ اَلْحَسَنِ وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلاً وَ نَهَاراً فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمَّا ذَاعَ خَبَرُ وَفَاتِهِ صَارَتْ سُرَّمَنْرَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً وَ عُطِّلَتِ اَلْأَسْوَاقُ وَ رَكِبَ بَنُو هَاشِمٍ وَ اَلْقُوَّادُ وَ سَائِرُ اَلنَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ فَكَانَتْ سُرَّمَنْرَأَى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالْقِيَامَةِ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتِهِ بَعَثَ اَلسُّلْطَانُ إِلَى أَبِي عِيسَى بْنِ اَلْمُتَوَكِّلِ يَأْمُرُهُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَلَمَّا وُضِعَتِ اَلْجَنَازَةُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْهُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ وَ اَلْعَبَّاسِيَّةِ وَ اَلْقُوَّادِ وَ اَلْكُتَّابِ وَ اَلْقُضَاةِ وَ اَلْمُعَدَّلِينَ وَ قَالَ هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ وَ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ ثِقَاتِهِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ مِنَ اَلْقُضَاةِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ مِنَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ وَ صَلَّى عَلَيْهِ وَ أَمَرَ بِحَمْلِهِ. وَ لَمَّا دُفِنَ جَاءَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُوهُ إِلَى أَبِي فَقَالَ اِجْعَلْ لِي مَرْتَبَةَ أَخِي وَ أَنَا أُوصِلُ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَزَبَرَهُ أَبِي وَ أَسْمَعَهُ مَا كَرِهَ وَ قَالَ لَهُ يَا أَحْمَقُ اَلسُّلْطَانُ أَطَالَ اَللَّهُ بَقَاءَهُ جَرَّدَ سَيْفَهُ فِي اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ وَ أَخَاكَ أَئِمَّةٌ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَ أَخِيكَ إِمَاماً فَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَى اَلسُّلْطَانِ لِيُرَتِّبَكَ مَرَاتِبَهُمْ وَ لاَ غَيْرِ اَلسُّلْطَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ اَلْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا فَاسْتَقَلَّهُ أَبِي عِنْدَ ذَلِكَ وَ اِسْتَضْعَفَهُ وَ أَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَبِي وَ خَرَجْنَا وَ هُوَ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ وَ اَلسُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَراً لِوُلْدِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى اَلْيَوْمِ وَ هُوَ لاَ يَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً وَ شِيعَتُهُ مُقِيمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَ خَلَّفَ وَلَداً يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اَلْإِمَامَةِ »[٢٩]

نقلنا هذا النصّ بطوله لما يتضمّن من فوائد جمّة، نشير إليها فيما يلي:

  1. بيان منزلة الإمام (ع) حتّى عند غير شيعته ومحبّيه، وأنّ هذه المنزلة والحبّ في قلوب الناس إنّما هو أمر إلهي.
  2. أنّ منصب الإمامة منصب إلهي ليس قابلا للوضع والرفع من قبل الناس مهما كانت منزلتهم، وإلى هذا يشير قول عبيد الله بن خاقان لجعفر - حينما سأله أن يجعل له مرتبة أخيه الإمام الحسن العسكري (ع) -: «يا أحمق، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا...».
  3. يصوّر لنا النصّ كيفيّة معاملة السلطان للإمام (ع) في مرضه الذي توفّي فيه، والاستشهاد على كون وفاته كانت طبيعيّة. وهو ممّا يذكّر بمعاملة هارون الرشيد للإمام موسى بن جعفر(ع)، ويوجب الاطمئنان بكون الإمام (ع) توفّي مسموماً، ويؤيّده: محاولات السجن والاغتيال التي أشير إليها فيما تقدّم، وكونه توفّي شابا، ورواية أنّه مرض أوّل الشهر وتوفّي في ثامنه [٣٠] .
  4. خوف السلطة الشديد من وجود ولد للإمام (ع)، وقد عكسته بتفتيش البيوت والمنازل والدور والختم على ما فيها، والرقابة الشديدة على جواريه، وحبس من يحتمل كونها حاملاً، كلّ ذلك ينبئ عن شدّة خوف السلطان من أن يكون للإمام (ع)، ولد، كخوف فرعون من ولادة موسى بن عمران (ع)، وهذا أمر لم يعهد أن يعامل به واحد من الأئمّة من قبل حكّام عصرهم.

ومن الواضح أنّ السبب الذي دعاهم إلى ذلك هو ما وصلهم من الأخبار بشأن الإمام المهدي (ع) وأنّه يولد منه (ع)، وإلّا فلا داعي إلى هذا التشديد؛ إذ على فرض ولادته يكون تحت الرقابة والإقامة الجبرية كسائر الأئمّة (ع).

أصحاب الإمام أبي محمّد (ع)

منعت بعض العوامل من كثرة عدد أصحاب الإمام العسكري (ع)، منها: قصر مدّة إمامته وعمره الشريف، وشدّة الرقابة عليه، ولعلّها كانت أكثر من سائر الأئمّة (ع).

ومع ذلك فقد عدّ الشيخ الطوسي مئة وثلاثة أشخاص ممّن رووا عنه أو كاتبوه وراسلوه، وفيهم من كان من أصحاب أبيه وجدّه (ع). وفيما يلي نذكر ثلاثة منهم:

١. محمد بن الحسن الصفار:

قال عنه النجاشي: «محمد بن الحسن بن فروخ الصفار... كان وجهاً في أصحابنا القمّيّين، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية...». ثمّ ذكر كتبه ومنها: بصائر الدرجات، وهو مطبوع.

ثمّ قال: «توفّي محمّد بن الحسن الصفّار بقم سنة تسعين ومئتين رحمه الله» [٣١].

وذكره الشيخ في الفهرست ثمّ قال بعد ذكر كتبه: «وله مسائل كتبها إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري(ع)» [٣٢].

وذكره في كتاب رجاله في أصحاب أبي محمّد (ع) وقال: «له إليه (ع) مسائل» [٣٣].

ونقل صاحب القاموس [٣٤] عن الصدوق في الفقيه: أنّه صرّح بأنّ توقيعات العسكري (ع) بخطّه في جواب مسائل الصفّار موجودة عنده، وأشار إلى واحدة منها، وهي كالآتي:

قال الصدوق: «كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلصَّفَّارُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى اِمْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا بِمَحْرَمٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ اَلسِّتْرِ وَ يَسْمَعَ كَلاَمَهَا إِذَا شَهِدَ عَدْلاَنِ أَنَّهَا فُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ اَلَّتِي تُشْهِدُكَ وَ هَذَا كَلاَمُهَا أَوْ لاَ تَجُوزُ اَلشَّهَادَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْرُزَ وَ تُثْبِتَهَا بِعَيْنِهَا فَوَقَّعَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «تَتَنَقَّبُ وَ تَظْهَرُ لِلشُّهُودِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ». وهذا التوقيع عندي بخطّه (ع)» [٣٥].

٢. عبد الله بن جعفر الحميري:

قال عنه النجاشي: «أبو العبّاس عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري القمي، شيخ القميّين ووجههم، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومئتين، وسمع أهلها منه، فأكثروا، وصنّف كتبا كثيرة...».

ثمّ عدّ من جملة مصنّفاته: «مسائل لأبي محمّد الحسن (ع) على يد محمد بن عثمان العمري... مسائل أبي محمّد وتوقيعات...»[٣٦].

وعدّ من جملة كتبه كتاب قرب الإسناد، وهو مطبوع [٣٧].

وقال عنه الشيخ في الفهرست: «عبد الله بن جعفر الحميري القمّي، يكنّى أبا العبّاس، ثقة». ثمّ عدّ كتبه وعدّ منها: «كتاب المسائل والتوقيعات... ومسائل عن محمّد بن عثمان العمري...» [٣٨]

ولم ينسبهما إلى الإمام أبي محمد (ع)، ولكنّ التوقيعات لم تصدر إلّا من الإمام (ع)، كما أنّ العمري كان واسطة في السؤال. ولم يكن هو المسؤول بالذات.

٣. أحمد بن إسحاق الأشعري: قال عنه النجاشي: «أبو علي أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمي، وكان وافد القمّيّين، وروى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن(ع)، وكان خاصّة أبي محمّد (ع)» [٣٩]. ثمّ عدّ كتبه.

وقال عنه الشيخ: «... كان كبير القدر، وكان من خواصّ أبي محمّد (ع)، ورأى صاحب الزمان (ع)، وهو شيخ القمّيّين ووافدهم» [٤٠]. ثمّ عدّ كتبه.

مناظرات الإمام أبي محمد(ع)

تقدّم أنّ ظروف الإمامين العسكريّين(ع) في سامراء كانت صعبة جدّا؛ لضغط الحكّام عليهم من جميع الجهات، فلم يسمح لهما بالممارسات العلمية، بل لم تكن الأجواء آنذاك علميّة، ولم يشجّع فيها العلم والعلماء؛ ولذلك لم تقع مناظرة مع الإمام أبي محمّد (ع) إلّا نادراً، وربّما كان ذلك بالواسطة، وفيما يأتي نذكر نموذجين منها:

مناظرة الإمام (ع) مع الفيلسوف الكندي

نقل ابن شهرآشوب عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل: «أَنَّ إِسْحَاقَ اَلْكِنْدِيَّ[٤١] كَانَ فَيْلَسُوفَ اَلْعِرَاقِ فِي زَمَانِهِ أَخَذَ فِي تَأْلِيفِ تَنَاقُضِ اَلْقُرْآنِ وَ شَغَلَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَ تَفَرَّدَ بِهِ فِي مَنْزِلِهِ وَ أَنَّ بَعْضَ تَلاَمِذَتِهِ دَخَلَ يَوْماً عَلَى اَلْإِمَامِ اَلْحَسَنِ اَلْعَسْكَرِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَرْدَعُ أُسْتَاذَكُمْ اَلْكِنْدِيَّ عَمَّا أَخَذَ فِيهِ مِنْ تَشَاغُلِهِ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ اَلتَّلْمِيذُ نَحْنُ مِنْ تَلاَمِذَتِهِ كَيْفَ يَجُوزُ مِنَّا اَلاِعْتِرَاضُ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَوْ فِي غَيْرِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَ تُؤَدِّي إِلَيْهِ مَا أُلْقِيهِ إِلَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَصِرْ إِلَيْهِ وَ تَلَطَّفْ فِي مُؤَانَسَتِهِ وَ مَعُونَتِهِ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ فَإِذَا وَقَعَتِ اَلْأُنْسَةُ فِي ذَلِكَ فَقُلْ قَدْ حَضَرَتْنِي مَسْأَلَةٌ أَسْأَلُكَ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ مِنْكَ [٤٢] فَقُلْ لَهُ إِنْ أَتَاكَ هَذَا اَلْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا اَلْقُرْآنِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِمَا تَكَلَّمَ مِنْهُ غَيْرَ اَلْمَعَانِي اَلَّتِي قَدْ ظَنَنْتَهَا أَنَّكَ ذَهَبْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكَ إِنَّهُ مِنَ اَلْجَائِزِ لِأَنَّهُ رَجُلٌ يَفْهَمُ إِذَا سَمِعَ فَإِذَا أَوْجَبَ ذَلِكَ فَقُلْ لَهُ فَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ قَدْ أَرَادَ غَيْرَ اَلَّذِي ذَهَبْتَ أَنْتَ إِلَيْهِ فَيَكُونُ وَاضِعاً لِغَيْرِ مَعَانِيهِ فَصَارَ اَلرَّجُلُ إِلَى اَلْكِنْدِيِّ وَ تَلَطَّفَ إِلَى أَنْ أَلْقَى عَلَيْهِ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَهُ أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَتَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ وَ رَأَى ذَلِكَ مُحْتَمَلاً فِي اَللُّغَةِ وَ سَائِغاً فِي اَلنَّظَرِ فَقَالَ أَقْسَمْتُ إِلَيْكَ إِلاَّ أَخْبَرْتَنِي مِنْ أَيْنَ لَكَ فَقَالَ إِنَّهُ شَيْءٌ عَرَضَ بِقَلْبِي فَأَوْرَدْتُهُ عَلَيْكَ فَقَالَ كَلاَّ مَا مِثْلُكَ مَنِ اِهْتَدَى إِلَى هَذَا وَ لاَ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةَ فَعَرِّفْنِي مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا فَقَالَ أَمَرَنِي بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ اَلْآنَ جِئْتَ بِهِ وَ مَا كَانَ لِيَخْرُجَ مِثْلُ هَذَا إِلاَّ مِنْ ذَلِكَ اَلْبَيْتِ ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا بِالنَّارِ وَ أَحْرَقَ جَمِيعَ مَا كَانَ أَلَّفَهُ»[٤٣].

السؤال عن علّة تنصيف إرث المرأة

روى الكليني بإسناده عن إسحاق بن محمد النخعي أنّه قال: «سَأَلَ اَلْفَهْفَكِيُّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : مَا بَالُ اَلْمَرْأَةِ اَلْمِسْكِينَةِ اَلضَّعِيفَةِ تَأْخُذُ سَهْماً وَاحِداً وَ يَأْخُذُ اَلرَّجُلُ سَهْمَيْنِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِنَّ اَلْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِهَادٌ وَ لاَ نَفَقَةٌ وَ لاَ عَلَيْهَا مَعْقُلَةٌ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى اَلرِّجَالِ فَقُلْتُ[٤٤] فِي نَفْسِي قَدْ كَانَ قِيلَ لِي إِنَّ اِبْنَ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ [٤٥] سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةِ فَأَجَابَهُ بِهَذَا اَلْجَوَابِ فَأَقْبَلَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيَّ [أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَلَيَّ خ ل] فَقَالَ نَعَمْ هَذِهِ اَلْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ اِبْنِ أَبِي اَلْعَوْجَاءِ وَ اَلْجَوَابُ مِنَّا وَاحِدٌ إِذَا كَانَ مَعْنَى اَلْمَسْأَلَةِ وَاحِداً جَرَى لآِخِرِنَا مَا جَرَى لِأَوَّلِنَا وَ أَوَّلُنَا وَ آخِرُنَا فِي اَلْعِلْمِ سَوَاءٌ وَ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَضْلُهُمَا »[٤٦].

مكاتبات أبي محمّد (ع)

كانت أكثر الأسئلة والأجوبة في زمن العسكريين(ع) وخاصّة أبا محمّد (ع) بأسلوب المكاتبات. ولأبي محمّد (ع) مكاتبات مع الشيعة بصورة عامّة أيضاً، ننقل أحد نماذجها:

ذكر ابن شهرآشوب: أنّه (ع) كتب إلى أهل قم وآبة [٤٧]: «أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى بِجُودِهِ وَ رَأْفَتِهِ قَدْ مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ وَفَّقَكُمُ لِقَبُولِ دِينِهِ وَ أَكْرَمَكُمْ بِهِدَايَتِهِ وَ غَرَسَ فِي قُلُوبِ أَسْلاَفِكُمْ اَلْمَاضِينَ رَحْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ أَصْلاَبِكُمُ اَلْبَاقِينَ تَوَلَّى كِفَايَتَهُمْ وَ عَمَّرَهُمْ طَوِيلاً فِي طَاعَتِهِ حُبَّ اَلْعِتْرَةِ اَلْهَادِيَةِ فَمَضَى مَنْ مَضَى عَلَى وَتِيرَةِ اَلصَّوَابِ وَ مِنْهَاجِ اَلصِّدْقِ وَ سَبِيلِ اَلرَّشَادِ فَوَرَدُوا مَوَارِدَ اَلْفَائِزِينَ وَ اِجْتَنَوْا ثَمَرَاتِ مَا قَدَّمُوا وَ وَجَدُوا غِبَّ مَا أَسْلَفُوا وَ مِنْهَا فَلَمْ تَزَلْ نِيَّتُنَا مُسْتَحْكَمَةً وَ نُفُوسُنَا إِلَى طِيبِ آرَائِكُمْ سَاكِنَةً اَلْقَرَابَةُ اَلرَّاسِخَةُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ قَوِيَّةٌ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا أَسْلاَفُنَا وَ أَسْلاَفُكُمْ وَ عَهْدٌ عُهِدَ إِلَى شُبَّانِنَا وَ مَشَايِخِكُمْ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى حَمَلَةٍ كَامِلَةٍ مِنَ اَلاِعْتِقَادِ لِمَا جَمَعَنَا اَللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ اَلْحَالِ اَلْقَرِيبَةِ وَ اَلرَّحِمِ اَلْمَاسَّةِ يَقُولُ اَلْعَالِمُ س إِذْ يَقُولُ اَلْمُؤْمِنُ أَخُو اَلْمُؤْمِنِ لِأُمَّهِ وَ أَبِيهِ» [٤٨].

موقف الإمام (ع) من الغلوّ والغلاة

كثير من رؤساء الغلاة كانت لهم منزلة ووجاهة لكنّهم ادّعوا الوكالة للإمام أو لولده الحجّة عليهما السّلام ودعوا ضعفاء العقول إلى موالاتهم، ثمّ تفاقم أمرهم إلى ادّعاءات أخرى مشتملة على الغلوّ والكفر وربّما النصب والإلحاد [٤٩]؛ ولذلك كان موقف الإمام أبي محمّد (ع) ووكلاء الحجّة (ع) من هؤلاء موقفا شديدا لا هوادة فيه.


وقد ذكر الشيخ الطوسي [٥٠] جملة من هؤلاء وما ورد فيهم من الطعن، من قبيل: أبو محمد الشريعي أو السريعي، و محمد بن نصير النميري، و أحمد بن هلال العبرتائي (الكرخي)، و أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، و الحسين بن منصور الحلاج، و محمد بن علي الشلمغاني المعروف بـ ابن أبي العزاقر.

وقضايا هؤلاء مشهورة ومذكورة في الكتب المعنيّة بهذه الأمور [٥١].

ومن المناسب أن نذكر في الختام ما نقله ابن شهرآشوب عن إدريس بن زياد الكفرتوثائي[٥٢]، قال: «كُنْتُ أَقُولُ فِيهِمْ قَوْلاً عَظِيماً فَخَرَجْتُ إِلَى اَلْعَسْكَرِ لِلِقَاءِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَدِمْتُ وَ عَلَى أَثَرِ اَلسَّفَرِ وَ وَعْثَائِهِ فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي عَلَى دُكَّانِ حَمَّامٍ فَذَهَبَ بِيَ اَلنَّوْمُ فَمَا اِنْتَبَهْتُ إِلاَّ بِمِقْرَعَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ قَدْ قَرَعَنِي بِهَا حَتَّى اِسْتَيْقَظْتُ فَعَرَفْتُهُ فَقُمْتُ قَائِماً أُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَ فَخِذَهُ وَ هُوَ رَاكِبٌ وَ اَلْغِلْمَانُ مِنْ حَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلَ مَا تَلَقَّانِي بِهِ أَنْ قَالَ يَا إِدْرِيسُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ[٥٣] فَقُلْتُ حَسْبِي يَا مَوْلاَيَ وَ إِنَّمَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا قَالَ فَتَرَكَنِي وَ مَضَى»[٥٤].[٥٥]

المراجع والمصادر

  1. محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة

الهوامش

  1. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، باب مولد أبي محمّد (ع)، والإرشاد ٢: ٣١٥. وفي البحار: «حديثة» نقلا عن الإرشاد.
  2. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، والبحار ٥٠: ٢٣٦ - ٢٣٧، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب ولادته، الحديث ٧، نقلا عن كشف الغمّة.
  3. انظر مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢١، وهو مشهور بها.
  4. انظر: إعلام الورى ٢: ١٣١، ومناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢١.
  5. انظر: إعلام الورى ٢: ١٣١، ومناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢١.
  6. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، والإرشاد ٢: ٣١٥.
  7. انظر البحار ٥٠: ٢٣٦، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب ولادته، الحديث ٧، نقلا عن كشف الغمّة.
  8. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، والإرشاد ٢: ٣١٣، وغيرهما. وقيل: مرض في أوّل شهر ربيع الأوّل، وتوفّي - - في الثامن منه. انظر مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٢.
  9. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، والإرشاد ٢: ٣١٣.
  10. انظر البحار ٥٠: ٢٣٦، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب ولادته، الحديث ٧، نقلا عن كشف الغمّة.
  11. انظر البحار ٥٠: ٢٣٦، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب ولادته، الحديث ٧، نقلا عن كشف الغمّة.
  12. انظر إعلام الورى ٢: ١٣١.
  13. انظر إعلام الورى ٢: ١٣١.
  14. انظر كتاب الغيبة (للشيخ الطوسي): ١٢٣ و١٣٤ و١٣٦.
  15. انظر الكامل في التاريخ ٧: ١٧٥.
  16. قال الطبرسي في إعلام الورى ٢: ١٤٠: «وكان أبو هاشم حبس مع أبي محمّد (ع)، كان المعتزّ حبسهما مع عدّة من الطالبيّين في سنة ثمان وخمسين ومئتين». قال المجلسي بعد نقل ذلك ما مضمونه: الظاهر وقوع التصحيف في التاريخ أو في أسماء الخلفاء. انظر البحار ٥٠: ٣١٢.
  17. انظر: أصول الكافي ١: ٥١٢، كتاب الحجّة، باب - - مولد أبي محمّد (ع)، الحديث ٢٣، والإرشاد ٢: ٣٣٤.
  18. المراد من الموالي هم الأتراك الذين كانوا يديرون الخلافة حيثما شاءوا. انظر تاريخ اليعقوبي ٣: ٢٣٧.
  19. أصول الكافي ١: ٥١٠، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، الحديث ١٦، وانظر الإرشاد ٢: ٣٣٣.
  20. النحرير: الحاذق، الماهر، المجرّب، الفطن. القاموس المحيط: «نحر»، واختلفوا في المراد منه هنا، والظاهر أنّه كان من كبار خدم البلاط العبّاسي، كما يظهر ممّا ورد في خبر أحمد بن عبيد الله بن خاقان الآتي. انظر الصفحة ٦١٦.
  21. الإرشاد ٢: ٣٣٤، وانظر أصول الكافي ١: ٥١٣، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، الحديث ٢٦.
  22. انظر مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٣٠. ولا ننسى أنّ مدّة الحكم قبل عهد المعتمد تراوحت بين السنة والسنتين والثلاث ونحوها، وكانت هذه المدّة - أي عشرون سنة - من الحكم استثناء منها.
  23. راجع البحار ٥٠: ٣٠٦ - ٣٢٤، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب أحواله، الحديث ٤ و١١ وغيرهما.
  24. كان عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيرا للمتوكّل وولده المعتمد. انظر مروج الذهب ٤: ٦ و١١١، وسقطت كلمة «يحيى» من الرواية، ولعلّه لتداول ذلك في الأنساب.
  25. قال الفيروزآبادي: «أهل النصب: المتديّنون ببغضة عليّ ؛ لأنّهم نصبوا له، أي عادوه». القاموس المحيط: «نصب».
  26. وهو أخو المعتمد وقائد جيشه. انظر مروج الذهب ٤: ١١١.
  27. من محن بعض الأئمّة (ع) ابتلاؤهم بأولاد أو إخوة ليسوا على الطريق السويّ، كابتلاء نوح بذلك، فمن جملة هؤلاء الإمام أبو محمّد الحسن العسكري حيث ابتلي بأخيه جعفر وإن قيل فيه: إنّ مثله كمثل إخوة يوسف تابوا فتاب الله عليهم، ولكن كانت تصرّفاته موجبة لإيذاء الإمام (ع)؛ ولذلك عرّف بجعفر الكذّاب ليتميّز عن جدّه الإمام جعفر الصادق (ع)، ومن هنا يعلم السرّ في تلقيبه بالصادق مع أنّ الأئمّة كلّهم (ع) كانوا صادقين.
  28. أي لمّا مرض الإمام الحسن العسكري (ع).
  29. أصول الكافي ١: ٥٠٣ - ٥٠٦، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، ونقله عنه المفيد في الإرشاد ٢: ٣٢١ - ٣٢٥، وجاءت العبارة في آخره، هكذا: «والسلطان يطلب أثرا لولد الحسن بن عليّ إلى اليوم، وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا، وشيعته مقيمون على أنّه مات وخلّف ولدا يقوم مقامه في الإمامة».
  30. انظر: أصول الكافي ١: ٥٠٣، كتاب الحجّة، باب مولد أبي محمّد (ع)، والإرشاد ٢: ٣١٣، وغيرهما. وقيل: مرض في أوّل شهر ربيع الأوّل، وتوفّي - - في الثامن منه. انظر مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٢.
  31. رجال النجاشي: ٣٥٤، الترجمة ٩٤٨.
  32. الفهرست (للشيخ الطوسي): ٢٨٨، الترجمة ٦٢١.
  33. رجال الشيخ الطوسي: ٤٣٦.
  34. قاموس الرجال ٩: ٢٠٣، الترجمة ٦٥٨٨.
  35. من لا يحضره الفقيه ٣: ٦٧، باب الشهادة على المرأة، الحديث ٣٣٤٧.
  36. رجال النجاشي: ٢١٩ - ٢٢٠، الترجمة ٥٧٣.
  37. طبعته مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، وفي الكتاب كلام وتفصيل، تراجع مقدّمة التحقيق في هذه الطبعة.
  38. الفهرست (للشيخ الطوسي): ١٨٩، الترجمة ٤٠٧.
  39. رجال النجاشي: ٩١، الترجمة ٢٢٥.
  40. الفهرست (للشيخ الطوسي): ٢٢، الترجمة ٣٩.
  41. إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادي، الطبيب المشهور، كان يترجم كتب الحكمة من اليونانية إلى العربية. توفّي سنة ٢٩٨ أو ٢٩٩ ه. انظر وفيات الأعيان ١: ٢٠٥، الترجمة ٨٨.
  42. تأمّل في هذا الأسلوب الجميل جدّا، فإنّه حقيق بالوقوف عنده والعمل طبقا له.
  43. مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٤. وانظر: البحار ٥٠: ٣١١، كتاب تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب مكارم أخلاقه، ذيل الحديث ٩، و١٠: ٣٩٢، كتاب الاحتجاج، باب احتجاج أبي محمّد (ع)، الحديث الأوّل.
  44. الظاهر أنّ القائل هو الراوي، وهو إسحاق، لا السائل، وهو الفهفكي.
  45. كان من زنادقة عصره.
  46. الكافي ٧: ٨٥، كتاب المواريث، باب علّة كيف صار للذكر سهمان و..، الحديث ٢، وانظر البحار ٥٠: ٢٥٥، كتاب تاريخ أبي محمّد (ع)، باب معجزاته، الحديث ١١.
  47. قال الحموي: «آبة، بليدة تقابل ساوة، تعرف بين العامّة بآوة». معجم البلدان ١: ٥٠، «آبة»، وانظر سفينة البحار ١: ٢٠٤، «أوى». أقول: إنّها واقعة بين قم وساوة، وكانت مهدا للعلم والأدب، خرج منها علماء منهم الفاضل الآبي صاحب كشف الرموز، كما خرج منها أدباء ووزراء، وقد عرفت بتشيّعها مثل قم، وأمّا اليوم فلم تحرز تقدّما كما أحرزته المدن المجاورة لها، كمدينة قم وغيرها.
  48. مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٥، وانظر البحار ٥٠: ٣١٧، تاريخ الإمام أبي محمّد (ع)، باب مكارم أخلاقه، الحديث ١٤.
  49. انظر الغيبة (للشيخ الطوسي): ٢٤٤.
  50. انظر الغيبة (للشيخ الطوسي): ٢٤٤ - ٢٥٦.
  51. انظر معجم رجال الحديث: للشريعي ٥: ١٦٤، وللنميري ١٧: ٢٩٩ - ٣٠١، وللعبرتائي ٢: ٣٥٤ - ٣٥٩، ولابن بلال ١٦: ٣٠٩ - ٣١١، وللحلّاج ٦: ٩٦، لكنّه لم يذكر عنه شيئا وأحال على كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وللشلمغاني ١٧: ٤٧ - ٥٠.
  52. انظر تحقيق حال الرجل ولقبه في قاموس الرجال ١: ٦٩٦ - ٦٩٨، وقد ذكروا توثيقه.
  53. سورة الأنبياء، الآية ٢٧.
  54. مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٢٨، ونقل له الشهيد في الذكرى ١: ١٢٠ قضيّة مشابهة مع أبي الحسن الهادي (ع)، لكنّ السؤال كان عن نجاسة عرق الجنب، والظاهر أنّه كان واقفيا ثمّ اهتدى، وإنّما جاء - في سفره إلى أبي الحسن (ع) - ليمتحنه بوصيّة من بعض رفاقه. انظر قاموس الرجال ١: ٦٩٦ - ٦٩٧، الترجمة ٦٣٩.
  55. محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة ٥: ٦١١ - ٦٢٢.