الباطل
التعريف
لغةً: من معاني البطلان: الضياع والخسران، ومنه بطل دم فلان[١]. والباطل نقيض الحقّ أو ضدّه، وهو ما لا ثبات له عند الفحص. وسمّي الشيطان الباطل؛ لأنّه لا حقيقة لأفعاله[٢].
اصطلاحاً: ذهب بعض الفقهاء والاُصوليين من الإمامية إلى عدم الفرق بين البطلان والفساد[٣].
ثمّ إنّهم ذكروا في معنى الصحّة والفساد في العبادات: بأنّها موافقة المأتي به للفعل المأمور به ومخالفته له...، وأمّا في المعاملات فهما: ترتّب الأثر عليها وعدمه...»[٤].
ونستنتج من النصّ المذكور أنّ البطلان عند فقهاء الإمامية هو: «عدم مطابقة المأمور به في العبادات، وعدم مطابقة ما اعتبر من الأجزاء والشرائط، وعدم ترتّب الأثر في المعاملات»[٥]. وتفصيل الكلام في حقيقة الصحّة والفساد لدى فقهاء الإمامية موكول إلى محلّه.[٦]
ما يتعلّق بالبطلان من أحكام
وقع الكلام بين الفقهاء في عدّة مباحث ترتبط بالبطلان، وأهمّها ما يلي:
تجزّؤ البطلان
وهو أن يشتمل التصرّف على ما يجوز وما لا يجوز، فيكون في جزء منه صحيحاً، وفي الجزء الآخر باطلاً. ومن هذا القبيل، تبعّض الصفقة[٧] أو تفريق الصفقة[٨] وهي: الجمع بين ما يجوز وما لا يجوز في عقد واحد[٩]، أو أن يبتاع الإنسان شيئاً فخرج بعضه مستحقّاً، أو بطل البيع في بعضه[١٠]. ومثاله: أن يبتاع الإنسان داراً، أو ضيعة، أو متاعاً، أو مملوكاً، أو غيرها، وكان بعض جميع ذلك لغير البائع، ولم يجزه مالكه، أو يبتاع حرّاً وعبداً، أو خمراً وخلّاً، أو خنزيراً وغنماً في صفقة، فإذا تبعّضت الصفقة فعند فقهاء الإمامية ينحلّ العقد إلى عقود - على تفصيل موكول إلى محلّه - ففي عقد البيع مثلاً كان المبتاع بالخيار بين فسخ البيع فيما صحّ واسترداد جميع الثمن، وبين الرضى ببيع ما صحّ واسترداد الثمن بقدر ما خرج مستحقّاً، والمستحقّ للشفعة مخيّر بين الأخذ بالشفعة فيما يدخل فيه الشفعة وبين إسقاطه[١١]. وكذلك يتصوّر التجزّؤ المذكور في جميع العقود والايقاعات كالإجارة والنكاح والمزارعة والطلاق، فلو نكح بعقد واحد من تحلّ ومن لا تحلّ، صحّ النكاح بمن تحلّ وبطل في الأُخرى بلا خلاف[١٢].[١٣]
آثار البطلان
تختلف آثار البطلان باختلاف التصرّفات وهي قد تفرض في العبادات تارة، وأُخرى في المعاملات:
العبادات
تترتّب على بطلان العبادات آثار متعدّدة، منها:
- اشتغال الذمّة بالعبادة[١٤] واستمرار ذلك إلى أن تؤدّى أو تعاد في الوقت أو تقضى خارجه، وقد لا يكون للعبادة وقت محدّد كالزكاة فتودّى، وعبّر بعض الفقهاء فيها بالإعادة[١٥]، وقد يكون لها وقت إلّا أنّه لا يتّسع لمثلها كشهر رمضان فتقضى، وقد يكون لها وقت يتّسع لمثلها معها كالصلاة، وحينئذٍ تجب الإعادة في داخل الوقت والقضاء خارجه[١٦].
- ثبوت الكفّارة في بعض العبادات، كالكفّارة على من تعمّد إبطال الصوم في شهر رمضان[١٧]. وهناك أسباب لبطلان عبادتي العمرة والحجّ يرجع بعضها إلى ارتكاب بعض محرّمات الإحرام، وبعضها الآخر إلى ترك الإحرام أو بطلانه أو ترك الوقوف بعرفة والمشعر وغير ذلك، ويترتّب على البطلان آثار معيّنة كالإعادة أو الكفّارة[١٨]، نوكل الكلام فيها إلى مواضعه.[١٩]
المعاملات
من أبرز الآثار المترتّبة على بطلان المعاملات هو ما يسمّى بقاعدة الضمان، حيث اشتهر بين فقهاء الإمامية سيما المتأخّرين منهم: أنّ كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، حتى أسسوها قاعدة كلّية وأرسلوها إرسال المسلّمات، بل صرّح بعضهم بكلّيتها، طرداً وعكساً، وعكسها: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده[٢٠]. وهذه القاعدة ذكرها الفقهاء في موارد العقود الفاسدة، وما كان منها أقرب إلى كونه إيقاعاً من كونه عقداً، كالخلع والجعالة[٢١]. ومعناها: أنّه كما يضمن المشتري المبيع بصحيحه لو فات في يده بمعنى أنّه يذهب من ماله، ويلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع كذلك يضمن بفاسده، ويلزم عليه ردّ المبيع وإيصاله إلى البائع مع نمائه أو دفع بدله أو قيمته[٢٢]. وما ذكر هو في أصل الكلّية المذكورة.
وأمّا عكسها، وهو: أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، فمعناه: أنّ كلّ عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضماناً، كما في عقد الرهن والوكالة والمضاربة والعارية الغير المضمونة، بل المضمونة - بناء على أنّ المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه، لا بأمر خارج عنه، كالشرط الواقع في متنه - وغير ذلك من العقود اللازمة والجائزة. ثمّ إنّ مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسداً؛ لأنّ صحيح الإجارة غير مفيد لضمانها، كما صرّح به بعضهم، إلّا أنّ صريح البعض الآخر الحكم بالضمان[٢٣].[٢٤]
أثر البطلان في النكاح
ذكرنا أنّ الفقهاء والاُصوليين من الإمامية ذهبوا إلى عدم الفرق بين البطلان والفساد. والنكاح الباطل أو الفاسد واجب الفسخ عند جميع فقهاء المذاهب بالنسبة للمتّفق على فساده.
ومن أهمّ أحكامه وآثاره:
- ثبوت المهر: صرّح بعض فقهاء الإمامية بأنّ النكاح الفاسد لا يجب المهر فيه إلّا بالدخول[٢٥]، وقال بعضهم: «لا خلاف أنّ الخلوة إذا كانت في نكاح فاسد لا يستقرّ به المهر، ولا خلاف أيضاً أنّه لا يتعلّق بالخلوة شيء من أحكام الدخول مثل الحدّ والغسل والمهر في النكاح الفاسد...»[٢٦].
- ثبوت العدّة والنسب: صرّح بعض فقهاء الإمامية[٢٧] بوجوب العدّة في النكاح الفاسد، وصرّح آخر بلحوق الولد بالواطىء[٢٨]</ref>.[٢٩]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ الصحاح ١٦٣٥: ٤. لسان العرب ٤٣٢: ١. المصباح المنير: ٥١-٥٢. مجمع البحرين ١٦١: ١-١٦٢.
- ↑ معجم مقاييس اللغة ٢٥٨: ١.
- ↑ تمهيد القواعد: ٣٩.
- ↑ فرائد الأُصول ١٢٩: ٣. وانظر: كفاية الأُصول: ١٨٢-١٨٤. أُصول الفقه (المظفر) ٣٠٨: ١-٣٠٩.
- ↑ المعالم المأثورة ٣٨٠: ٤. أجود التقريرات ١٤٥: ٢.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٤، ص ٩٩-١٠١.
- ↑ انظر: الوسيلة: ٢٤٧. المجموع ١٢٥: ١٠. فتح العزيز ٤٣٦: ١١.
- ↑ انظر: المجموع ١٢٥: ١٠. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١١٢: ٨.
- ↑ انظر: الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١١٢: ٨.
- ↑ الوسيلة: ٢٤٧.
- ↑ الوسيلة: ٢٤٧. وانظر: مصباح الفقاهة ٧٨: ٥. القضاء (الكلبايكاني) ٢٠٨: ٢.
- ↑ العناوين الفقهية ٧٠: ١. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١١٣: ٨.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٤، ص ١٠١ - ١٠٣.
- ↑ انظر: رياض المسائل ٣٦٩: ١، و ٣٣٣: ٢، و ٧٤: ٤. دستور العلماء ٢٥١: ١. جمع الجوامع ١٠٥: ١. كشف الأسرار ٢٥٨: ١.
- ↑ انظر: الزكاة (تراث الشيخ الأعظم) ٢٢١: ١. كلمة التقوى ٢١١: ٢. فواتح الرحموت ٨٦: ١. المستصفى ٩٤: ١، ٩٥. بدائع الصنائع ٤٠: ٢-٤٣. الهداية ١١٤: ١.
- ↑ انظر: التلويح ١٦١: ١ وما بعدها. جمع الجوامع ١٠٩: ١-١١٨. البدخشي ٦٤: ١.
- ↑ انظر: مدارك الأحكام ٩٩: ٦. البدائع ٩٨: ٢، ١٠٣. الفواكه الدواني ٣٦٣: ١، ٣٦٥. المهذّب ١٩٠: ١. منتهى الإرادات ٤٥١: ١.
- ↑ رياض المسائل ٣٨٩: ٧. مستند الشيعة ٢٦٢: ١٣. بدائع الصنائع ١٠٢: ٢، ١٠٣، ٢١٨. جواهر الإكليل ١٩٤: ١. المجموع ٦٩: ٣. منتهى الإرادات ٣١: ٢. وانظر: موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٤٩١: ١-٤٩٣، ٥٢٢.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٤، ص ١٠٣ - ١٠٤.
- ↑ انظر: جواهر الكلام ٢٥٨: ٢٢. بلغة الفقيه ٦٥: ١.
- ↑ انظر: بلغة الفقيه ٦٥: ١.
- ↑ رياض المسائل ١٤٧: ٨-١٤٨.
- ↑ انظر: المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) ١٩٢: ٣.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٤، ص ١٠٤ - ١٠٦.
- ↑ تذكرة الفقهاء ٤١١: ١٧. مختلف الشيعة ٢١٧: ٧.
- ↑ المبسوط ٣١٨: ٤.
- ↑ قواعد الأحكام ١٤١: ٣. وانظر: كشف اللثام ١١٥: ٨.
- ↑ المبسوط ٢٧٥: ٥.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٤، ص ١٠٦-١٠٨.