البغض عند أهل السنة

من إمامةبيديا

رؤية المذهب السلفي

التعريف

التعريف لغةً

البغض: ضد الحب، قال ابن فارس: «الباء والغين والضاد أصل واحد، وهو يدل على خلاف الحب، يقال: أبغضتُه وأُبْغِضُه»[١]، ويقال: بَغُضَ الرجل بغاضةً؛ أي: صار بغيضاً، ويقال: بَغَّضَه الله إلى الناس تبغيضاً، فأبغضوه؛ أي: مقتوه، فهو مُبْغَضٌ[٢].[٣]

التعريف شرعاً

البغض: صفة من صفات الله الفعلية، فهو سبحانه يبغض ويكره أهل الكفر والشرك والفسق والفجور وأعمالهم المنكرة كما يليق بجلاله وعظمته[٤].[٥]

الأسماء الأخرى

الكره، والسخط، والمقت.[٦]

الحكم

يجب الإيمان بهذه الصفة، ويجب إثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وكبريائه وعظمته سبحانه، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل؛ لدلالة الأحاديث النبوية عليها.[٧]

الحقيقة

حقيقة البغض هو المقت والكره الشديد، والله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم والجور والبدع والفسق والفجور وغيرها من المعاصي والذنوب والسيئات ويبغض أهلها ومرتكبيها ومروجيها، ولذلك لا يحبهم ولا يتولاهم ولا يفرح بهم [٨].[٩]

الأدلة

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص): «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه. قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه؛ فيحبه أهل السماء. قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه. قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه. قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض»[١٠].

وعن البراء بن عازب قال: قال النبي(ص): «الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق؛ فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله»[١١].[١٢]

أقوال أهل العلم

قال الإمام أحمد: «إن الله يحب ويكره، ويبغض ويرضى، ويغضب ويسخط، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي، ويمنع» [١٣].

وقال قوام السُّنَّة أبو القاسم التيمي: «عندنا يريد الله ما لا يحبه ولا يرضاه، بل يكرهه ويسخطه ويبغضه، والإرادة غير المحبة والرضا»[١٤].

وقال ابن تيمية: «إنّ الله لا يُحبّ الشرك، ولا تكذيب الرسل، ولا يرضى ذلك، بل هو يُبغض ذلك ويمقته ويكرهه؛ كما ذكر الله في سورة بني إسرائيل ما ذكره من المحرّمات، ثمّ قال:كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا[١٥].[١٦].

وقال أيضاً: «ومن المعلوم أنه قد دلَّ الكتاب والسُّنَّة واتفاق سلف الأمة على أن الله يحب ويرضى ما أمر بفعله من واجب ومستحب، وإن لم يكن ذلك موجوداً، وعلى أنه قد يريد وجود أمور يبغضها ويسخطها من الأعيان والأفعال كالفسق والكفر»[١٧].

وقال ابن القيم: «إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة، والرضا، والفرح، والغضب، والبغض، والسخط من أعظم صفات الكمال؛ إذ في العقول أنا إذا فرضنا ذاتين:

  1. لا تحب شيئًا، ولا تبغضه، ولا ترضاه، ولا تفرح به، ولا تبغض شيئًا، ولا تغضب منه، ولا تكرهه، ولا تمقته.
  2. تحب كل جميل من الأقوال والأفعال والأخلاق والشيم، وتفرح به، وترضى به، وتبغض كل قبيح يسمى، وتكرهه، وتمقته، وتمقت أهله، وتصبر على الأذى، ولا تجزع منه، ولا تتضرر به، كانت هذه الذات أكمل من تلك الموصوفة بصفات العدم والموات والجهل الفاقدة للحس؛ فإن هذه الصفات لا تسلب إلا عن الموات أو عمن فقد حسه أو بلغ في النهاية والضعف والعجز والجهل إلى الغاية التي لم تدع له حبّاً ولا بغضاً ولا غضباً»[١٨].[١٩]

المسائل المتعلقة

إن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وهذه الصفة وإن كانت ثابتة لله سبحانه وتعالى ولكن لا يصح اشتقاق الاسم منها، ولذلك المبغض ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى[٢٠].[٢١]

الفروق

الكره والبغض كلاهما يشتركان في أصل المعنى، وهو نفور النفس عن شيء وعدم رغبتها فيه وعدم حبها له وعدم رضاها به، ولكن البغض أقوى وأشد دلالة على المعنى، فإن البغض هو الكره الشديد، ولذلك يستعمل الكره فيما لا يستعمل فيه البغض، فيقال مثلاً: أكره هذا الطعام، ولكن لا يصح أن يقال: أبغض هذا الطعام[٢٢].[٢٣]

الآثار

  1. إن الله سبحانه وتعالى أهلك الكفرة والظلمة والطغاة والجبابرة، والقرآن الكريم مملوء بذكر أخبارهم وقصصهم، ولا شك أن هذا من آثار بغض الله إياهم وعدم رضاه بهم؛ فإن الله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم وأصحابه، ولذلك دمَّرهم.
  2. إن الله سبحانه وتعالى إذا أبغض عبداً فلا يوضع له القبول ولا يبقى له الذكر الحسن بل يبغضه أهل السماء والأرض.
  3. إن الله سبحانه وتعالى يبغض الكفر والشرك والظلم والجور والبدع والفسق والفجور وغيرها من المعاصي والذنوب والسيئات ويبغض أهلها ومرتكبيها ومروجيها، وعلم العبد بذلك ويقينه به يجعله يبتعد من تلك الأمور البغيضة والأعمال المكروهة.[٢٤]

مذهب المخالفين

البغض صفة من صفات الله الفعلية، وقد اتفق أهل السُّنَّة والجماعة على إثباتها لله سبحانه وتعالى، وخالف في ذلك غلاة المعطلة الذين ينكرون جميع الأسماء والصفات وهم الفلاسفة والجهمية وغلاة الصوفية، ووافقهم على ذلك المعتزلة الذين ينفون عن الله سبحانه وتعالى قيام الصفات بذاته سبحانه، والكلابية يثبتون هذه الصفة ونحوها من الصفات الفعلية ولكنهم جعلوها صفة ذاتية واحدة أزلية، وبذلك خالفوا مذهب السلف، وكذلك الأشاعرة والماتريدية لا يثبتون هذه الصفة، ويؤولونها بالإرادة أو يفوضونها، ولكن يلزمهم في تأويلهم لها بالإرادة مثل ما فروا منه في إثبات صفة البغض، فإن المخلوق أيضاً عنده إرادة، فالمعنى الذي صرفوا إليه ألفاظ النصوص مثل المعنى الذي صرفوا عنه، فإن جاز هذا جاز ذلك، وإن امتنع هذا امتنع ذاك، ونصوص الكتاب والسُّنَّة ترد على من أول هذه الصفة بغيرها أو نفاها عن الله سبحانه وتعالى، وأقوال السلف في ذلك كثيرة. وأما تفويض معاني هذه النصوص فهذا أيضاً باطل؛ لأنه يلزم من ذلك أن الله خاطب بما لا يفهم ولا يعقل، وأن النبي (ص) لم يفهم مراد الله أو فهم ولكن لم يبلغ الصحابة، وأن الصحابة لم يفهموا معاني هذه النصوص، فدعوى التفويض فيها تجهيل للسلف وطعن على الله ورسوله (ص)[٢٥][٢٦].[٢٧]

المراجع والمصادر

  1. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة

الهوامش

  1. مقاييس اللغة (١/١٤٣) [دار الكتب العلمية، ط١].
  2. انظر: الصحاح (٣/١٠٦٦ ـ ١٠٦٧) [دار العلم للملايين، ط٤، ١٩٩٠م).
  3. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  4. انظر: كتاب النبوات لابن تيمية (١/٢٨٨) [أضواء السلف، ط١]، والصواعق المرسلة لابن القيم (٤/١٤٥١) [دار العاصمة، ط٣]، وصفات الله سبحانه وتعالى الواردة في الكتاب والسُّنَّة للسقاف (٦٩ ـ ٧٠) [دار الهجرة، الرياض، ط١].
  5. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  6. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  7. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  8. انظر: الحجة في بيان المحجة (١/٤٦٣) [دار الراية، الرياض، ط٢]، ومجموع فتاوى ابن تيمية (١٠/٧٥) [مجمع الملك فهد لطباعة المصحف، ١٤١٦هـ].
  9. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  10. أخرجه البخاري (كتاب التوحيد، رقم ٧٤٨٥)، ومسلم (كتاب البر والصلة والآداب، رقم ٢٦٣٧) واللفظ له.
  11. أخرجه البخاري (كتاب مناقب الأنصار رقم ٣٧٨٣)، ومسلم (كتاب الإيمان، رقم ٧٥).
  12. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٣.
  13. ذكره عنه قوام السُّنَّة في الحجة (١/٤٦٣).
  14. الحجة في بيان المحجة (١/٤٦٤).
  15. سورة الإسراء، الآية 38.
  16. كتاب النبوات (١/٢٨٨).
  17. مجموع الفتاوى (١٠/٧٥).
  18. الصواعق المرسلة (٤/١٤٥١).
  19. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٤.
  20. انظر: بدائع الفوائد (١/٢٨٤ ـ ٢٨٥) [دار عالم الفوائد]، ومدارج السالكين (٣/٤١٥) [دار الكتاب العربي]، ومعتقد أهل السُّنَّة والجماعة في أسماء الله الحسنى لمحمد التميمي (٢٤١ ـ ٢٤٢) [أضواء السلف، ط١].
  21. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٤.
  22. انظر: الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (١٢٩) [دار العلم والثقافة، القاهرة، ١٤١٨هـ].
  23. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (كتاب)|موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٤.
  24. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٥.
  25. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (٢/٤٦٩ ـ ٤٧٠)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (٦٨ ـ ٦٨٩). ومن كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (١٨٢ ـ ١٨٣) [مكتبة وهبة، ط٢، ١٤٠٨هـ].
  26. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (٢/٤٦٩ ـ ٤٧٠)، وشرح الطحاوية لابن أبي العز (٦٨ ـ ٦٨٩). ومن كتب المعتزلة: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (١٨٢ ـ ١٨٣) [مكتبة وهبة، ط٢، ١٤٠٨هـ].
  27. موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ج١، ص ٥٣٥.