البيعة

من إمامةبيديا

التعريف

اشتقّت مفردة «البيعة» من مادّة «ب ي ع»، وهي إلى جانب كلمة «البيع» مصدر من المادّة؛ تعني المعاهدة والتعاقد، العهد والميثاق، قبول الرئاسة والطاعة والوفاء. يقول ابن منظور في هذا المجال: البَيعَةُ: الصَّفقَةُ عَلى إيجابِ البَيعِ وعَلَى المُبايَعَةِ وَالطّاعَةِ.[١]

وقد كان العرب يتصافقون بأيمانهم عند البيع والشراء؛ تعبيراً عن اكتساب المعاملة للقطعية، وكانوا يسمّون ذلك «صفقة» أو «بيعة»، كما كانوا يمدّون أيديهم للحاكم والأمير معبّرين عن قبولهم لرئاسته. وهذا السلوك كان يعتبر نوعاً من الصفقة والتعامل أيضا، بمعنى أن المبايِع ـ بالكسر ـ قد قبل الطاعة، والمبايَع ـ بالفتح ـ يتعهّد ببعض الاُمور، ولذلك كان يُسمّى هذا العمل بـ البيعة أيضاً.[٢].[٣]

البيعة قبل الإسلام

كانت البيعة من التقاليد المهمّة للعرب في العصر الجاهلي عند اختيار حاكم أو زعيم للقبيلة أو قائد عسكري، أو التعبير عن الوفاء لهؤلاء، حيث كانت تتمّ بأشكالٍ مختلفة.

ومن أهمّ البيعات التي يمكن الإشارة إليها قبل الإسلام، بيعة قريش وبني كنانة مع قصيّ بن كلاب لإخراج خزاعة وبني بكير من مكّة.[٤].[٥]

البيعة في الكتاب والسنّة

ورد مفهوم البيعة في القرآن خمس مرّات وفي ثلاث آيات صريحة، وقد وردت جميعا بصيغة المفاعلة[٦]. كما جاء موردٌ آخر من هذا الباب في القرآن الكريم، وهو كنظائره الاُخرى مستعمل بمعنى بيع الجنّة في مقابل بذل الروح والمال من قبل المؤمنين: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[٧]

وفي الحقيقة فإنّ مبايعة النبيّ وخلفائه هي مبايعة مع الله [٨]، والشخص الذي يعقد معهم عهد الطاعة فإنّه يكون في الحقيقة قد وقع على أكثر الصفقات ربحاً.[٩]

وقد جاءت في القرآن تعابير اُخرى، مثل «العهد» «العقد» و«الميثاق» التي هي بمعنى مطلق المعاهدة، استُخدمت للتعبير عن البيعة أحياناً، أو فُسّرت بها، أو تمّ تطبيقها على إحدى البيعات التي تمّت في عهد النبي (ص).[١٠]

كما ربطت بعض الآيات بموضوع البيعة، دون أن تستخدم فيها لفظة خاصّة تدلّ على البيعة، وذلك عن طريق شأن النزول[١١] أو بعض الروايات. [١٢].[١٣]

البيعة في سيرة النبيّ (ص)

نُسخت السنن الخاطئة التي كانت سائدة في الجاهلية على أساس تعاليم الوحي تزامناً مع بعثة خاتم الأنبياء (ص) ونزول القرآن، وأمّا السنن الحسنة فقد تمّ تأييدها[١٤]. وكانت سنّة البيعة من بين تلك السنن الحسنة التي كان بإمكان المجتمع استغلالها بعد إجراء بعض التعديلات عليها بهدف تأمين حقوق الناس، ولذلك فقد حظيت بتأييد النبيّ الأعظم (ص) وانعكست في القرآن والسيرة النبويّة.

وأمّا البيعات التي تمّت في عهد النبي (ص) فهي[١٥]:

بيعة الإسلام

أوّل بيعة تمّت مع رسول الله (ص) وبها بدأ انتشار الدين الإسلامي، هي بيعة الإمام علي (ع) وخديجة عليهاالسلام، وقد جاء في رواية أنّ النبيّ (ص) قال لهما: «إنَّ جَبرَئيلَ عِندي يِدعوكُما إلى بَيعَةِ الإِسلامِ فَأَسلِما تَسلَما، وأَطيعا تُهدَيا ! فَقالا: فَعَلنا وأَطَعنا يا رَسولَ اللهِ» [١٦]

وكما جاء في هذه الرواية، فإنّ البيعة الاُولى التي تحقّقت في السيرة النبويّة سُمّيت «بيعة الإسلام» من قبل جبرئيل، إلّا أنّ هذا الاصطلاح استُخدم فيما بعد لكلّ من بايع النبي (ص) ممّن أسلم حديثا [١٧].[١٨]

بيعة العشيرة

تعدّ بيعة العشيرة أوّل بيعة علنيّة ورسميّة في تاريخ الإسلام، حيث حدثت في السنة الثالثة من البعثة بعد نزول الآية ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ[١٩] في اليوم الذي يُسمّى «يوم الدار» [٢٠]، ففي هذا اليوم طالب النبي الأعظم (ص) بأمر الله بني هاشم باعتناق الإسلام ومبايعته، وتفيد روايات الفريقين (الشيعة وأهل السنّة) أنّ الإمام عليّاً (ع) الذي كان أصغر الحاضرين سنّاً، كان الوحيد الذي بايع النبي (ص).[٢١]

البيعة الاُولى في «العقبة» [٢٢]

بعد الإعلان الرسمي عن الرسالة، بدأ رسول الله (ص) نشاطاته المكثّفة للدعوة إلى الإسلام، وقد بلغ هذا النشاط ذروته في أيّام الحجّ، حيث كان الناس يتوافدون إلى مكّة من المدن المختلفة، وفي السنة الحادية عشرة من البعثة، التقى النبيّ (ص) ستّة أشخاص من قبيلة الخزرج التي تقطن المدينة ودعاهم إلى الإسلام، فأجابوه لذلك، فلما عادوا إلى المدينة عملوا على الدعوة إلى الدين الإسلامي. وقد أدّت دعوتهم المستمرّة والمتواصلة إلى أن تعتنق مجموعة من أهل المدينة الإسلام، وفي السنة الثانية عشرة من البعثة قدم اثنا عشر شخصاً من أهل المدينة إلى مكّة والتقوا مع النبي (ص) في «العقبة» فبايعوه، وبذلك بدأ أوّل تحرّك سياسيّ لتشكيل المُعَلِّمُ لا يُعَلِّمُ بِالأَجرِ، وَيَقبَلُ الهَدِيَّةَ إذا اُهدِيَ إلَيهِ. [٢٣]

وروى حمزة بن حمران أيضاً، قال: سمعت الإمام الصادق (ع) يقول: «مَنِ استَأكَلَ بِعِلمِهِ افتَقَرَ. فَقُلتُ لَهُ: جُعِلتُ فِداكَ ! إنَّ في شيعَتِكَ ومَواليكَ قَوماً يَتَحَمَّلونَ عُلومَكُم ويَبُثّونَها في شيعَتِكُم، فَلا يَعدَمونَ عَلى ذلِكَ مِنهُمُ البِرَّ والصِّلَةَ وَالإِكرامَ. فقال: لَيسَ اُولئِكَ بِمُستَأكِلينَ» [٢٤]

الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا المجال هي أنّ أخذ الأجر على التبليغ من غير طلبه وإن لم يكن فيه بأس، ولايتعارض مع بعض مراتب الإخلاص، بيد أنّ تركه أولى؛ إذ أنّ الأنبياء والأولياء الكمّل كانوا يتجنّبون استلام أيّ نوع من الأجر، ولم يكونوا يقبلون أخذ أيّ أجر، ليس في مقابل التبليغ فحسب، بل في مقابل أيّ عمل اُخروي آخر كانوا يؤدّونه للّه، حتّى في أشدّ الظروف المعيشيّة قسوةً. وقد رويت في هذا المجال قصّة شائقة جدّاً عن النبيّ موسى (ع)، نوردها في ما يأتي.[٢٥]

قصّة تعكس إخلاص موسى (ع)

قبل أن يُبعث موسى (ع) نبيّاً، فرَّ من الفراعنة، وبعد مصاعب جمّة وصل إلى «مدين»، وهي مدينة النبيّ شعيب (ع). وكان على مقربة من تلك المدينة بئر اجتمع عنده الرعاة ليسقوا أغنامهم من الماء. وكان بجانب هؤلاء الرعاة بنتان جاءتا تستسقيان الماء لأغنامهما، إلّا أنّ شدّة الزحام حال دون تقرّبهما من البئر والاستسقاء منه. وعندما شاهد موسى (ع) ذلك شعر أنّ البنتين بحاجة إلى العون، منهم أن يبايعوه على هذه الشروط التي ذكرها (ص) في قوله: «تُبايِعوني عَلَى السَّمعِ وَالطّاعَةِ فِي النَّشاطِ وَالكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي العُسرِ وَاليُسرِ، وعَلَى الأَمرِ بِالمَعروفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وأن تَقولوا فِي اللهِ لا تَخافونَ فِي اللهِ لَومَةَ لائِمٍ، وعَلى أن تَنصُروني فَتَمنَعوني إذا قَدِمتُ عَلَيكُم، مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ أنفُسَكُم وأَزواجَكُم وأَبناءَكُم؛ ولَكُمُ الجَنَّةُ. قالَ: فَقُمنا إلَيهِ فَبايَعناهُ» [٢٦]

وقد هيّأت هذه البيعة الأرضيّة لهجرة النبيّ (ص) إلى المدينة. واستناداً إلى ما ذكرَ عدد من المفسّرين فإنّ الآية السابعة من سورة المائدة والخامسة عشرة من سورة الأحزاب تشيران إلى هذه البيعة. .[٢٧]

بيعة الرضا

بعد هجرة النبي (ص) إلى المدينة، وفي السنة الثانية من الهجرة وقبل معركة بدر التي كانت تمثّل أوّل صدامٍ بين المسلمين وكفّار قريش، أخذ النبيُ (ص) عند انطلاقه إلى الأعداءِ البيعةَ من المسلمين، وقد سُمّيت هذه البيعةُ في رواية عن الإمام الصادق (ع) بـ «بيعة الرضا»، وهذا هو نصّها: «لَمّا هاجَرَ النَّبِيُّ (ص) إلَى المَدينَةِ... وحَضَرَ خُروجُهُ إلى بَدرٍ، دَعَا النّاسَ إلَى البَيعَةِ، فَبايَعَ كُلَّهُم عَلَى السَّمعِ وَالطّاعَةِ» [٢٨].[٢٩]

بيعة الرضوان

تمّت هذه البيعة في السنة السادسة من الهجرة في الحديبية[٣٠]، خلال خروج النبي (ص) مع عِدّة من المسلمين لأداء مناسك العمرة. وعلى إثر منع المشركين للمسلمين من دخول مكّة دعا النبيّ (ص) أصحابه إلى البيعة. وقد روي أنّ عدد المسلمين الذين رافقوا النبيّ (ص) في هذا السفر هو ١٢٠٠ حتّى ١٥٢٥ شخصاً على اختلاف الروايات.

وتفيد بعض الروايات بأنّ موضوع هذه البيعة كان المقاومة حتّى الموت، وفي روايات اُخرى أنّه عدم الهروب من القتال، ويبدو أن ليس هناك تعارض بينها وأنّ المراد استنفار كلّ الإمكانيات في محاربة العدوّ.

جدير ذكره أنّ لهذه البيعة اسمين: «بيعة الرضوان»؛ لأنّ الله تعالى عبّر عن رضاه عن الذين بايعوا النبيّ (ص) فيها، و«بيعة الشجرة»؛ لأنّها تمّت تحت شجرة.

وتفيد روايات المصادر الشيعيّة أنّ الإمام عليّاً (ع) كان أوّل من بايع النبيّ (ص) فيها، إلّا أنّ بعض مصادر أهل السنّة اعتبرت أبا سنان الأسدي أوّل المبايعين[٣١].[٣٢]

بيعة الفتح

بايع النبيُ (ص) بعد فتح مكّة في السنة الثامنة من الهجرة، النساءَ فضلاً عن الرجال، إلّا أنّ مضمون مبايعة الرجال وكيفيّتها كانتا تختلفان عن النساء. وقد جاء في بعض الروايات أن مضمونَ مبايعةِ الرجال كانت على «طاعة الله والنبيّ (ص) قدر المستطاع»، وجاء في البعض الآخر «الإسلام والإيمان والجهاد»، وفي اُخرى «الإسلام والشهادة». وبناءً على ذلك، يمكن القول إنّ الشروط التي أخذها النبيّ (ص) على الرجال كانت مختلفة. وأمّا شروط مبايعة النساء فقد وردت الإشارة إليها في الآية ١٢ من سورة الممتحنة، أي: اجتناب الشرك، تجنّب السرقة والفحشاء، عدم مخالفة النبيّ (ص) في معروف.[٣٣]

بيعة الجنّ

رويت في عدد من المصادر الروائية[٣٤] بيعة الجنّ مع النبيّ (ص) في مسجد الأحزاب[٣٥]، ولكنّنا لا نمتلك معلومات عن خصوصياتها.[٣٦]

بيعة الغدير

كانت البيعة الأخيرة في سيرة النبي (ص) مبايعة المسلمين للإمام عليّ (ع) في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة في السنة العاشرة من الهجرة، في موضعٍ يُدعى «غدير خم»[٣٧]، ففي هذا اليوم قدّم النبيُ (ص) الإمامَ عليّاً (ع) للمسلمين باعتباره الخليفة من بعده، وطلب منهم أن يبايعوه. مضافا لذلك، فقد أمر أن يسلّموا عليه باعتباره الخليفة اللّاحق للمسلمين. [٣٨].[٣٩]

البيعة في السيرة العلويّة

بعد وفاة النبيّ (ص)، طُويت بيعة الغدير بمطاوي النسيان حتّى الثامن عشر من ذي الحجّة سنة ٣٥ للهجرة بعد ثورة المسلمين ضدّ الخليفة الثالث وإصرار عامّة المسلمين على بيعته قبل بيعتهم، وتولّى زمام اُمور المسلمين حتّى يوم شهادته في ٢١ رمضان من سنة ٤٠ للهجرة لمدّة أربع سنوات وتسعة شهور وثلاثة أيّام.[٤٠]

الحقوق المتبادلة بين المبايِع والمبايَع

يمكن القول من خلال التأمّل في الآيات والروايات التي جاءت حول البيعة، إنّ البيعة مع القائد من وجهة نظر الإسلام هي في الحقيقة إنشاء نوعٍ من الصفقة والتعاقد، حيث يتعهّد المبايِعُ أن يطيع أوامر القائد حتّى الموت، في مقابل أن يعمل القائد على تلبية حاجاته المادّية والمعنوية، وقد أكّدت الروايات الإسلامية بصراحة على هذه الحقوق[٤١]، وقد جاء في رواية عن الإمام علي (ع) حول الحقوق المتبادلة بين الإمام والاُمّة: «أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ لي عَلَيكُم حَقّا ولَكُم عَلَيَّ حَقٌّ: فَأَمّا حَقُّكُم عَلَيَّ فَالنَّصيحَةُ لَكُم، وتَوفيرُ فَيئِكُم عَلَيكُم، وتَعليمُكُم كَيلا تَجهَلوا، وتَأديبُكُم كَيما تَعلَموا. وأمَّا حَقّي عَلَيكُم فَالوَفاءُ بِالبَيَعةِ، وَالنَّصيحَةُ فِي المَشهَدِ وَالمَغيبِ، وَالإِجابَةُ حينَ أدعوكُم، وَالطّاعَةُ حينَ آمُرُكُم»[٤٢].[٤٣]

دور البيعة في عهد النبي (ص) أو الأئمّة المعصومين (ع)

استناداً إلى الاُسس العقائدية لأتباع أهل البيت (ع)، فإنّ الولاية السياسيّة للنبيّ (ص) والأئمّة المعصومين (ع) ليست بحاجة إلى البيعة في مقام الثبوت، إلّا أنّها بحاجة إلى البيعة وأصوات الناس في مقام الإثبات وإنشاء السلطة التنفيذيّة.

وبعبارة اُخرى، فإن قَبِل الناسُ ولايةَ النبيّ (ص) أو الأئمّة المعصومين (ع) وقيادتَهم، فإنّ الله تعالى سيضمن لهم تأمين حقوقهم المادّية والمعنوية في ظلّ النظام السياسي الحاكم، فلا تحتاج ولايتهم لأخذ البيعة من الناس، وبناءً على ذلك فإنّ دور البيعة في عصر حضور المعصوم يقتصر على أداء واجب شرعي من جانب الناس باتّجاه خلق السلطة التنفيذية للقادة الإلهيّين، وليس له دور في ثبوت ولايتهم الحقيقية.[٤٤]

دور البيعة في عصر الغيبة

دور البيعة في عصر غيبة الإمام المعصوم، هو كدورها في عصر الحضور، بل وقبله، في تأسيس أو بقاء الحكومة الدينيّة وتحكيم القيم الإلهيّة، وذلك أنّه وفقا للمباني الفقهيّة لولاية الفقيه في عصر الغيبة، فإنّ حقّ حكومة المعصوم وولايته ينتقل إلى الفقهاء الواجدين للشرائط، النقطة المتبقيّة هي أنّ عددا من الفقهاء يرى أنّ الواجدين للشرائط هم المنصوبون من قبل المعصوم (ع)، ويرى آخرون أنّ انتخاب واختيار الناس له دور في مشروعيّة ولاية الفقيه.

وبعبارة اُخرى: أحد المباني في ولاية الفقيه هي أنّ ولاية الفقيه الواجد للشرائط ثابتة في مرحلة الثبوت، وهي بحاجة لبيعة الناس في مرحلة الإثبات. وهناك مبنى آخر في هذا المجال يرى أنّ ولاية الفقيه بحاجة لبيعة الناس في مرحلتي الثبوت والإثبات.

بناء على ذلك فإنّ فعليّة ولاية الفقيه وفقا لكلا المبنيين بحاجة إلى بيعة الناس وآرائهم، وبدون رأي الناس وقبول عامّتهم لاتتحقق للفقيه ولاية. وعلى هذا فإنّ تأسيس وبقاء الحكومة الدينيّة في عصر الغيبة من دون بيعة أمر غير ممكن كما هو الحال في عصر الحضور.

على هذا لأساس فإنّ الفقيه الواجد لشرائط القيادة ليس له ولاية على الناس قبل بيعتهم أو بيعة ممثليهم له، فلا تنفذ أحكامه عليهم. وأمّا بعد بيعتهم له فسيكون واليا عليهم وتكون أحكامه نافذة على الجميع ـ حتّى الفقهاء الواجدين لشرائط القيادة ـ ويحرم التمرّد على أحكامه الولائيّة.[٤٥]

أركان البيعة

إنّ البيعة هي في حقيقتها نوع من المعاهدة والعقد بين المبايِع من جهة، والمبايَع من جهة اُخرى، وعلى هذا الأساس، فإنّ البيعة تشتمل على ثلاثة أركان أساسية:

الركن الأوّل: المبايِع.

الركن الثاني: المبايَع.

الركن الثالث: ميثاق الطاعة.

وبناءً على ذلك، فإنّ مضمون البيعة قد يختلف حسب الشروط المذكورة في المعاهدة.[٤٦]

شروط البيعة

من القضايا المهمّة في مبايعة القادة السياسيّين، هي أن تكون شروط البيعة متناسبة مع متطلّبات الزمان والحاجات المادّية والمعنوية للمجتمعات المختلفة، ولذلك فإنّ القيادة الموفّقة والناجحة في كسب أصوات الناس، هي التي تحيط بزمانها، والمجتمع والقضايا النفسية.

إنّ دراسة الشروط التي كان النبي (ص) يطرحها على أتباعه خلال المراحل المختلفة من قيادته، تظهر بوضوح أنّه (ص) تبعا لما يمليه عليه الوحي، وبصيرته الإلهيّة، وعلى ضوء متطلّبات زمان البيعة، وقلّة الأنصار أو كثرتهم، والخصائص الجسمية والروحية والاُسريّة للشخص المبايِع، كان يقترح شروطاً مختلفة لهذه المعاهدة، وبذلك فقد كان يقود الناس المعاصرين له على أفضل وجه ممكن، ولذلك فإنّ سيرته السياسية في هذا الصدد تعدّ درساً كبيراً لقادة المجتمعات الإسلامية السياسيّين.[٤٧]

الوفاء بالبيعة

مع الأخذ بنظر الاعتبار ما سبقت الإشارة إليه في بيان حقيقة البيعة، فإنّ البيعة نوع من العقود ومشمولة بالقانون العامّ المتمثّل في ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[٤٨]، وعلى هذا الأساس فإنّ الوفاء ببيعة الإمام العادل واجب، ونقضها محرّم، بل هو من الكبائر. إلّا إذا أجاز المبايَع فسخها، أو أن يشرط المبايِع جواز فسخ البيعة خلال عقدها، كما حدث ذلك في واقعة عاشوراء، حيث اكتسب كلا القسمين مصداقيته.[٤٩]

كيفية البيعة

من خلال التأمّل في الأحاديث التي بيّنت كيفيّة بيعة المسلمين لرسول الله (ص)[٥٠]، يمكن القول إنّ كيفية أخذ البيعة في النظام الإسلامي تتوقّف على أعراف المجتمع وثقافته في عقد هذه المعاهدة، بشرط أن لا تتعارض هذه الأعرافُ مع أحكام الإسلام القطعيّة، ولذلك فقد أخذ رسولُ الله (ص) بيعة الرجال على ضوء الأعراف المتداولة في ذلك العصر، وأمّا النساء فقد بايعنه (ص) من خلال المصافحة من فوق الثياب، أو غمس الأيدي في الماء الذي غمس فيه النبي (ص) يده، أو من خلال التكلّم معهنّ.

بناء على ذلك ففي العصر الحاضر والذي اندرست فيه السنن السابقة للبيعة مع القائد، يمكن أن تتمّ هذه البيعة من خلال إجراء المسيرات أو الاقتراع، أو من خلال مبايعة المندوبين له، وتترتّب آثار البيعة عليها.[٥١]

الاختلاف بين البيعة والتصويت

البيعة هي نوع من المعاهدات والعقود، وعليه فإنّ التصويت (الاقتراع) في الانتخاب هو أكثر عمومية وشمولية من البيعة، ذلك لأنّ التصويت يمكن أن يكون بمعنى البيعة والمعاهدة، كما هو الحال بالنسبة إلى انتخاب القائد في الجمهورية الإسلامية، ويمكن أن يكون بمعنى الوكالة، مثل التصويت في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، وبناءً على ذلك فإنّ ما تصوّره البعضُ من أنّ التصويت هو نوعٌ من التوكيل[٥٢] بشكلٍ مطلق، لا يبدو صحيحاً. جدير بالذكر أنّ التوكيل لأعضاء مجلس الشورى الإسلامي هو نوع من الولاية أيضا، وليس المراد به هو التوكيل بمعناه الفقهي.[٥٣]

المراجع والمصادر

  1. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة ج١٠

الهوامش

  1. لسان العرب: ج ٨ ص ٢٦ «بيع».
  2. راجع: دائرة المعارف قرآن كريم (بالفارسية): ج ٦ ص ٤٠٧ و٤٠٨، مقدّمة ابن خلدون: ص ٢٠٩، دائرة المعارف جهان إسلام (بالفارسية): ج ٥ «بيعت»، دائرة المعارف بزرگ اسلامي (بالفارسية): ج ١٣ «بيعت».
  3. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٥٩.
  4. راجع: دانش نامه جهان إسلام (بالفارسية).
  5. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦١.
  6. راجع: الفتح: ١٠ و١٨، الممتحنة: ١٢.
  7. سورة التوبة، الآية ١١١.
  8. راجع: الفتح: ١٠.
  9. راجع: الفتح: ١٠ و١٨، التوبة: ١١١.
  10. راجع: النحل: ٩٥، المائدة: ٧ و١٤.
  11. راجع: المائدة: ٦٧.
  12. راجع: دائرة المعارف قرآن كريم (بالفارسية ): ج ٦ ص ٣٠٩.
  13. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦١.
  14. راجع: موسوعة العقائد الإسلامية (المعرفة): ج ٢ (الفصل الخامس: الجاهلية الاُولى ).
  15. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٢.
  16. طرف من الأنباء والمناقب: ص ١١٥ عن عيسى بن المستفاد، بحار الأنوار: ج ١٨ ص ٢٣٢ ح ٧٥ وج ٦٨ ص ٣٩٢ ح ٤١.
  17. السنن الكبرى: ج ٦ ص ٢٣٩ ح ١١٧٩١، المعجم الكبير: ج ٤ ص ٢٩ الرقم ٣٥٥٥، التاريخ الكبير: ج ٣ ص ٢ الرقم ٥، الإصابة: ج ٢ ص ٧٩ الرقم ١٧٤٨، اُسد الغابة: ج ٢ ص ٣٧ الرقم ١١٩٢ وكلّها نحوه.
  18. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٢.
  19. سورة الشعراء، الآية ٢١٤.
  20. بما أنّ هذه البيعة تمت في دار أبي طالب سُمّيت بيوم الدار
  21. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٢.
  22. العقبة بالقرب من منى في مكّة إلى جانب جمرة العقبة، وهي اليوم عبارة عن مسجد مهجور.
  23. تهذيب الأحكام: ج ٦ ص ٣٦٥ ح ١٠٤٧، الاستبصار: ج ٣ ص ٦٦ ح ٢١٨ كلاهما عن جرّاح المدائنى، وسائل الشيعة: ج ١٢ ص ١١٣ ح ٢٢٢٢٨.
  24. راجع: هذه الموسوعة: ج ٩ ص ٣٢٧ ح ١٠٦٤٥.
  25. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٢.
  26. مسند ابن حنبل: ج ٥ ص ٦٧ ح ١٤٤٦٣، السنن الكبرى: ج ٨ ص ٢٥١ ح ١٦٥٥٦، المستدرك على الصحيحين: ج ٢ ص ٦٨١ ح ٤٢٥١ نحوه.
  27. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٣.
  28. طرف من الأنباء والمناقب: ص ١٢١ عن عيسى بن المستفاد عن الإمام الكاظم (ع)، بحار الأنوار: ج ٢٢ ص ٢٧٨ ح ٣٢ وج ٦٨ ص ٣٩٥.
  29. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٤.
  30. اسم موضع على مسافة فرسخين من مكّة، وقيل إنّه على بعد تسعة أميال من مكّة، وهو اسم بئر، أو شجرة محدودبة كانت هناك، وقد حدثت غزوة الحديبية فيه (لغت نامه دهخدا «بالفارسية»: مدخل «حديبية»).
  31. راجع: الطبقات الكبرى: ج ٢ ص ١٠٠، المصنّف لابن أبي شيبة: ج ٨ ص ٥٨٩.
  32. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٤.
  33. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٥.
  34. المناقب لابن شهر آشوب: ج ٢ ص ٢١، بحار الأنوار: ج ٣٨ ص ٢١٧ ح ٢٣.
  35. مسجد الأحزاب: هو مسجد بُني في عهد النبيّ (ص)، واسمه الآخر: مسجد الفتح، ويقع على أعلى جبل سلع، وهو الموضع الذي دعا فيه النبيّ (ص) الله َ تعالى في معركة الخندق (راجع: معجم البلدان: ج ١ ص ١١١، البداية والنهاية: ج ٤ ص ١٢٧، مجمع الزوائد: ج ٤ ص ١٢، المصنف لابن أبي شيبة: ج ٧ ص ١٤٦، الطبقات الكبرى: ج ٢ ص ٧٣، إمتاع الأسماع: ج ٩ ص ٢٧٥ و... ).
  36. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٦.
  37. راجع: موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): ج ١ ص ٥١١ (القسم الثالث / الفصل العاشر / حديث الغدير ).
  38. راجع: موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): ج ١ ص ٥٤٨ (القسم الثالث / الفصل العاشر: حديث الغدير / التحية القيادية ).
  39. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٦.
  40. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٧.
  41. راجع: هذه الموسوعة: ج ٤ ص ٢٩١ (الفصل العاشر: حقوق الإمام (ع) والاُمّة ).
  42. نهج البلاغة: الخطبة ٣٤، بحار الأنوار: ج ٢٧ ص ٢٥١ ح ١٢.
  43. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٧.
  44. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٧-٣٦٨.
  45. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٩.
  46. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٦٩.
  47. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٧٠.
  48. سورة المائدة، الآية ١.
  49. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٧٠.
  50. تاريخ الطبري: ج ٥ ص ٤١٨، الكامل في التاريخ: ج ٢ ص ٥٥٩؛ الإرشاد: ج ٢ ص ٩١، الأمالي للصدوق: ص ٢٢٠ ح ٢٣٩ عن عبد الله بن منصور عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه (ع) وكلّها نحوه، بحار الأنوار: ج ٤٤ ص ٣١٥ ح ١.
  51. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٧٠.
  52. راجع: تفسير نمونه (بالفارسية): ج ٢٢ ص ٧١ و٧٢.
  53. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج١٠، ص ٣٧١.