التاريخ

من إمامةبيديا

التعريف

المعنى اللغوي

إنّ التّاريخ في اللغة يعني تحديد زمان الحدث، وقد اختلف اللّغويّون في مادّة الكلمة واشتقاقها، فذهب أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعيّ إلى أنَّها عربيّة وقال: إن القيسيّين ـ إحدى القبائل العربيّة الكبرى ـ يشتقّونها من أَرَخَ، وتميم ـ من القبائل العربيّة الكبرى أيضا ـ تشتقّها من وَرَخَ، لكنّ أرَخَ هو اللفظ الشائع عند العرب [١].

أمّا الجواليقيّ فيرى أنّ مادّة الكلمة ليست عربيّة، والمسلمون اتّخذوها عن أهل الكتاب[٢].

وقد أورد روزنتال عدّة اشتقاقات لهذه الكلمة: «أرْخُو» في الأكديّة، و«يَرْحْ»[٣] في العبريّة، و«يَرَحْ»[٤] في الآراميّة، و«وَرْخ» في الأثيوبيّة، و«وَرْخ»[٥] في العربيّة الجنوبيّة (اليمنيّة). واحتمل أن تكون كلمة تاريخ من كلمة توريخ دون غيرها، التي تعني القمر في الساميَّة، واشتُقَّ منها «مُوَرَّخ» أو «مُؤرِّخ».[٦]

وذهبَ بعضٌ إلى أنَّ أصلها فارسيّ قد اُخذت من «ماه ـ روز» أي: «القمر ـ اليوم»، وعُرِّبت إلى مؤرِّخ[٧].

أمّا اللُّغويون، فقد رجّحوا بقوّة أنّ لفظة «تاريخ» من مادّة «أَرَخ» أو «وَرَخ الساميّة» في لهجة اليمن[٨]، لأنَّ «وَرَخ» (جمعها: أَوْرَخْم) وُجدت في نقوش حجريّة جنوب الجزيرة العربيّة، وتعني: الشَّهر القمريّ[٩].

إنّ مادّة «أ.ر.خ» قد وردت في المعاجم العربيّة القديمة، لكنّها ليست بمعنى التعرّف على تحديد الزّمان؛ إذ إنّ الخليل بن أحمد الفراهيديّ يقول: الأُرْخُ والأُرْخِيُّ، لُغَتانِ: الفَتِيُّ مِنَ البَقَرِ.[١٠]

أمّا أحمد بن فارس فيذكر أنّ: أرِخ: الهَمزَةُ وَالرّاءُ وَالخاءُ كَلِمَةٌ واحِدَةٌ عَرَبِيَّةٌ،وهِيَ الإِراخُ لِبَقَرِ الوَحشِ... وأَمّا تَأريخُ الكِتابِ فَقَد سُمِعَ، ولَيسَ عَرَبِيّا ولا سُمِعَ مِن فَصيحٍ. [١١]

وقال الجوهريّ: التّاريخُ: تَعريفُ الوَقتِ، وَالتَّوريخُ مِثلُهُ....

وَالإِراخُ: بَقَرُ الوَحشِ، الواحِدَةُ: إرْخٌ.[١٢]

وقال ابن منظور: قيلَ: إنَّ التّاريخَ الَّذي يُؤَرِّخُهُ النّاسُ لَيسَ بِعَرَبِيٍّ مَحضٍ، وإنَّ المُسلِمينَ أخَذوهُ عَن أهلِ الكِتابِ....

الإِرخُ: وَلَدُ البَقَرِ الوَحشِيَّةُ إذا كانَ اُنثى... وقيلَ: إنَّ التّاريخَ مأخوذٌ مِنهُ، كَأَنَّهُ شَيءٌ حَدَثَ كَما يَحدُثُ الوَلَدُ، وقيلَ: التّاريخُ مَأخوذٌ مِنهُ؛ لِأَنَّهُ حَديثٌ.[١٣].[١٤]

التّاريخ اصطلاحا

إنّ التّاريخ في الاصطلاح المعاصر: علم يتّخذ ـ بنزعاته المتنوّعة ـ وقائع المجتمعات البشريّة خلال الأعصار المنصرمة محورا للدّراسة والبحث، ويحاول أن يستكشف تشريع القوانين والعلاقات الّتي كانت سائدة في وقتها، ونشوء بعض الأحداث الاجتماعيّة، أو العوامل الّتي أدّت إلى تطوّر المجتمعات الإنسانيّة أو انحطاطها، حتّى يتمّ عبر ذلك تدوين «فلسفة التّاريخ»، لتصبح وسيلة لتقويم ظروف المجتمعات البشريّة حاضرا ومستقبلاً.

بالتأمّل فيما سبق، يتبيَّنُ أنَّ كلمة التّاريخ لها أصل عربيّ، لكنّ أصلها ليس بمعنى تحديد الزَّمان، وعلى الأقلّ هناك شكّ ينبغي أن يُؤخذ بنظر الاعتبار، إلّا أنّه ـ على كلِّ حال ـ لا ريب في أنَّ هذه الكلمة قد استعملت في اللغة العربيّة بمعنى تحديد الزَّمان.

ويمكن تقسيم علوم التّاريخ في المرحلة الاُولى على النحو التالي:

  1. «علم المسائل النظريّة في التّاريخ» أو «التّاريخ النظريّ»: وهذا العلم بدوره ينقسم إلى فرعين مستقلَّين؛ إذ إنّ المسائل النظريّة في التّاريخ، إمّا أن تبحث عن علل الحوادث الاجتماعيّة، وعن القوانين والسُّنن العامّة التي تتحكّم فيها، ونسمِّيها في هذه الحالة «فلسفة التّاريخ»، وإمّا أن تدرس أساليب البحث التّاريخيّ، مثل اُسلوب تقويم الوثائق التّاريخيّة، وتصنيف المصادر والأسناد التّاريخيّة، وآداب نقد التّاريخ، واُصول كتابة التّاريخ وتدوينه، وأمثالها. ومجموع هذا الفرع يسمَّى: «منهج البحث التّاريخيّ» أو: «فلسفة علم التّاريخ».
  2. «علم الوقائع التّاريخيّة»: وهو لا يتناول الجانب النظريّ من التّاريخ، بل يهتمّ بتدوين التقارير، وكتابة الوقائع التّاريخيّة كما حدثت، على أنّ هذا العمل يتطلَّب أيضا الاطّلاع على المسائل النظريّة العامّة للتّاريخ، وبدونه يمسي الجهد عقيما.

وهذا القسم من علم التّاريخ (التدوين التّاريخيّ)، له فروع كثيرة مثل: التّاريخ السِّياسي، وتاريخ الأنبياء والأديان، وتاريخ الثقافة، وتاريخ الفلسفة، وتاريخ الطبّ، وتاريخ التعليم، وتاريخ الاقتصاد، وتاريخ العلم، وتاريخ البلدان، والتّاريخ العامّ و...، وكلّ بلد يستطيع ـ بحسب ظروفه الخاصّة، وحاجاته الثقافيّة والعلميّة والسياسيّة ـ أن يصنّف فروع هذا البحث التّاريخيّ، ويختار الأولويّات التي تهمّه للبحث والتّعليم.[١٥]

التّاريخ في القرآن والحديث

لم ترد كلمة التّاريخ ولا مشتقّاتها في القرآن الكريم[١٦]، لكنَّ معناها ـ وهو معرفة الزمان ـ قد ورد في أربع آيات، غير أنَّ المصادر الروائيّة والتّاريخيّة تكرّر فيها لفظ التّاريخ ومشتقّاته فيما يرتبط بمبدأ التّاريخ الهجريّ.

إنّ المُلاحظ في القرآن والحديث، الاهتمام البالغ بالمفهوم الاصطلاحيّ للتّاريخ؛ أي الاهتمام بالوقائع التّاريخيّة وفلسفة التّاريخ، بل يمكن القول: إنّ مفهوم التّاريخ ـ بعد مفهوم التوحيد ـ من أكثر المفاهيم التي اهتمّ بها القرآن الكريم.

وثمَّة ألفاظ محوريّة في القرآن الكريم ضمن إطار عرض التّاريخ وتفسيره مثل: «القصص»، و«الأنباء»، و«سنَّة الله»، و«أيَّام الله»، وما يرتبط بها مثل: «العِبْرَة»، و«القُرى»، و«البركات»، و«الجوع» و«الدِّماء»، و«المستكبرين»، و«المكذِّبين»، و«الملأ»، و«المُترَفين»، و«المُسرِفين»، و«المُستَضعفين».

وفي هذا القسم نذكر أبرز الموضوعات التي ترتبط بالتاريخ في القرآن والحديث، ونلحقها بتحقيقين حول مبدأ التّاريخ الهجري والميلادي، وبشأن مستقبل التّاريخ.[١٧]

دور التّاريخ في حياة الإنسان

إنّ التّاريخ ـ بمعنى معرفة الزمان ـ له دور ـ إلى حدٍّ ما ـ في تنظيم حياة الإنسان، والقرآن الكريم يذكر هذا الدور في سياق ما يذكره من الأدلّة على توحيد الباري وآياته: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ[١٨]

وهذا يعني أنَّ التأمّل في دور التّاريخ على ساحة حياة الإنسان، يجعل الكائن البشريّ منفتحا على معرفة خالق العالم وحكمته.[١٩]

قيمة علم التّاريخ والمؤرِّخ

إنّ علم التّاريخ، وخاصّة ما يرتبط بفلسفة التّاريخ، وأسباب رُقيّ الاُمم وانحطاطها، من أنجع العلوم لبلوغ الأهداف الحضاريّة، وللحيلولة دون سقوط المجتمعات البشريّة وانحطاطها.

إنّ المؤرِّخ الخبير، بمثابة مَن عاصر أحقاب التّاريخ واكتسب تجاربه، يقول الإمام علي (ع): «إنّي وإن لَم أكُن عُمِّرتُ عُمُرَ مَن كانَ قَبلي، فَقَد نَظَرتُ في أعمالِهِم، وَفَكَّرتُ في أخبارِهِم، وسِرتُ في آثارِهِم، حَتّى عُدتُ كَأَحَدِهِم، بَل كَأَنـّي بِمَا انتَهى إلَيَّ مِن أمرِهِم قَد عُمِّرتُ مَعَ أوَّلِهِم إِلى آخِرِهِم» [٢٠]

إنّ المجتمع الذي يعرف سُنن التّاريخ، يجعل توجُّهاته الثَّقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة منسجمة مع مقتضيات الزمان، وبذلك يبقى مصونا من هجوم الشُّبهات.

إنّ عالِم التّاريخ لا يساوره يأس في أقسى الظروف السياسيّة والاجتماعيّة، ولا ينشدّ إلى آمال واهية في أكثر الظروف رخاء، لأنّه على علم بسنن تحوّل التّاريخ.

وإنّ عالِم التّاريخ لا يفقد صوابه في الأحداث التاريخيّة الجسيمة؛ لأنّه على معرفة بأسبابها وعواملها، ويتوقّع حدوثها عند توفُّر ظروفها.

وإنّ عالِم التّاريخ يعرف أنّ المواجهة والمكابرة أمام التّاريخ أمرٌ مُتعب لا فائدة فيه، وأنّ السبيل الوحيد لمواجهة الأحداث المرّة، والحيلولة دونها، هو اتّخاذ موقف علميّ ومنطقيّ منها.

وعلى هذا الأساس، ينهض المؤرِّخ الخبير بدور أساسيٍّ في تكامل المجتمع مادّيّا ومعنويّا، ويساهم في صنع الحضارات الكبرى. من هنا جاء التأكيد الشّديد من القرآن الكريم، والحديث الشريف، على التعرّف على علم التّاريخ، وخاصّةً التّاريخ المعاصر.

لذلك كان أئمّة أهل البيت (ع) مزوّدين بعلم التّاريخ في أعلى مستوياته، إلى جانب سائر العلوم؛ لما تتطلّبه مسؤوليّتهم في هداية البشريّة وقيادتها. يقول الإمام الباقر (ع): «إنَّ مِن عِلمِ ما اُوتينا تَفسيرَ القُرآنِ وأحكامَهُ، وعِلمَ تَغييرِ الزَّمانِ وحَدَثانِهِ»[٢١].[٢٢]

شهادة التّاريخ

من المفيد أن نعلم أنّ الاستناد إلى «شهادة التّاريخ» له جذور في التعاليم الإسلاميّة.

فالزَّمان ـ في النصوص الإسلاميّة ـ مثل المكان، شاهد على أعمال الإنسان، وسوف يؤدّي شهادةً لصالح الإنسان أو في غير صالحه. روي عن النبيّ (ص): أنّ كلَّ يومٍ جَديدٍ يُخاطِبُ الإنسانَ ويقولُ لَهُ: «أنَا خَلقٌ جَديدٌ، وأنَا فيما تَعمَلُ غَدا عَلَيكَ شَهيدٌ» [٢٣]

إنّ كيفيّة شهادة التّاريخ في هذه الدنيا واضحة، لكنَّ شهادتَه بعد الموت قد تعني تجسّم أعمال حياته، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف: «ساعاتِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ»[٢٤]

إنّ المشاهد التي تُعرض يوم الحشر عن حوادث حياة الإنسان، هي في الواقع شهود تشهد له أو تشهد عليه.[٢٥]

سنن التّاريخ

إنّ التّاريخ ـ في منظار القرآن والأحاديث الإسلاميّة ـ تحكمه قوانين وسنن، أي إنّ حركة التّاريخ وحوادثه تسير وفق اُصول وضوابط معيّنة.

إنّ القرآن الكريم يعبّر عن قوانين حركة التّاريخ ب «سنّة الله». وسنن الله هذه لا تقبل التغيير والتبديل: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[٢٦]. واستلهاما من هذه السنن أكّد أمير المؤمنين عليّ (ع) قائلاً: «إنَّ الدَّهرَ يَجري بِالباقينَ كَجَريِهِ بِالماضينَ» [٢٧]

والآيات التي تتحدّث عن عاقبة أعمال الجماعات البشريّة كقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ[٢٨]، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[٢٩]، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ[٣٠]، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ[٣١]، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ[٣٢]، ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ[٣٣]... كلُّها تتحدَّثُ عن وجود قوانين لحركة التّاريخ، وعن ثبات هذه القوانين على مَدى التّاريخ.

وكما أنَّ الكائن البشريَّ في نظام الخلقة له أمدٌ حياتيّ معيَّن، كذلك كلُّ دولة لها عمر [٣٤]، وكلُّ اُمة لها أجل [٣٥].[٣٦]

عوامِلُ التحوُّلِ في التّاريخ

إنّ الإنسان في التصوّر الإسلامي، حُرّ مُخَيّر؛ ومن هنا فإنّ إرادة الإنسان هي العامل الأساسيّ في تحوُّلات التّاريخ، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[٣٧].

إنّ إرادة الإنسان محرّك التّاريخ، لذلك ليست هذه الحركة جبريّة قهريّة، وما يبذله البشر من جهود ثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة، لها دور فاعل في تحوُّلات التّاريخ.

والرؤية المستخلَصة من القرآن الكريم والحديث الشريف، تكشف عن دور هامّ للحالة الروحيّة الدينيّة ـ وخاصّة حالة التوبة والدُّعاء ـ في تحديد مصير المجتمعات الإنسانيّة.[٣٨]

عوامل تطوّر المجتمع وانحطاطه

إنّ النُّصوص الإسلاميّة تذهب إلى أنّ اتّخاذ معيار الجدارة في إدارة الاُمور، وتولّي الصَّالحين شؤونَ المجتمع، ووعي المسؤولين، ووحدة الكلمة، والعدالة الاجتماعيّة، ورعاية الحقوق المتبادلة بين الحكومة والشعب، من أهمّ عوامل تطوّر المجتمع، وأنّ هذه الاُمور تشكّل في الواقع جزءا من القوانين التكوينيّة، والسُّنن الإلهيَّة في نظام الخلِيقة للوصول إلى الحضارة الأفضل.

وفي مقابل ذلك فإنّ تولّي غير الصالحين وغير المؤهّلين شؤونَ الاُمّة، وغفلة المسؤولين، والاختلاف، والظلم، والفساد، والتّرف، والإسراف، والاستئثار، وإهمال حقوق النّاس والضعفاء منهم خاصّة، والمحاباة في تنفيذ القوانين، والغشّ في البيع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإملاء، والاستدراج، من أبرز عوامل انحطاط المجتمعات، وسقوط الحضارات.[٣٩]

الاعتبار من التّاريخ

إنّ قيمة علم التّاريخ وأهميّته، والإيمان بوجود قوانين تحكمه، والاعتقاد بشهادة التّاريخ، والتعرُّف على اُصول تحوّلات التّاريخ، وفهم علل تطوّر المجتمعات وانحطاطها... كلُّها مقدِّمات للاعتبار بالتّاريخ واستثمارهِ في اتّجاه حياة أفضل وتقدّم حضاري أسرع.

ومن هنا، فإنّ الاعتبار هو الهدف الأساس من علم التّاريخ في الرؤية الإسلاميّة، والقرآن الكريم يؤكِّد هذا الاعتبار بقصص الغابرين: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[٤٠].[٤١]

السِّياحة الهادفة

إنّ السياحة الهادفة واحدة من أفضل سبل الاعتبار بالتّاريخ، وإنّ دراسة آثار الأقدمين ـ خاصّة المجتمعات التي اُبيدت بسبب الظلم والفساد ـ تميط حجاب الغفلة، وتزيل موانع المعرفة، وتقدّم أنفع الدروس لحياة أفضل. من هنا تدعو نصوص القرآن والسنّة إلى السِّياحة الهادفة.

إنّ القرآن الكريم يذمّ مَن حرّم على نفسه فهم الحقائق العقليّة: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا[٤٢].

والسياحة اليوم يغلب عليها ـ مع الأسف ـ طابع التّلهّي والتنزّه، لذلك فإنّها تخلو من الاعتبار، بل أكثر من ذلك فهي تدعو إلى الغفلة؛ فلا تزيل الحُجب عن الرُّؤية العقليّة، بل تزيد عليها حجبا وسُدولاً.

إنّ أئمّة الإسلام نبّهوا النّاس على اُمور لدى سياحتهم؛ كي لا تبتلى السياحة في المجتمعات الإسلاميّة بما ابتُليت به اليوم في العالَم، فدعوا إلى التأمّل في المصير الذي آل إليه الطواغيت والمتفرعنون، لدى مشاهدة قصورهم؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ[٤٣]

فالحذر الحذر من أن يصيب الخلف ـ وفق السُّنن الإلهيّة ـ ما أصاب السَّلف.

وبعبارة موجزة: إنّ أهمّ معطيات تفقّد الآثار التاريخيّة يتمثَّل في التفكير في أسباب سقوط الحضارات، والاعتبار بها في حياة الإنسان المعاصر والحضارة المعاصرة.[٤٤]

مستقبل التّاريخ في الرُّؤية القرآنية

إنّ الرؤية القرآنية متفائلة بالنسبة إلى مستقبل التّاريخ، إذ إنّ التّاريخ يتّجه حتما نحو اندحار جبهة الباطل وانتصار الحق. إنّ القرآن يمثّل حركة التّاريخ وما تؤول إليه من انتصار الحقّ على الباطل بحركة ماءٍ متدفّق يطفو عليه الزبد، أو بفلزّات منصهرة طفا عليها ما اختلط بها من شوائب، وستؤول إلى بقاء الماء والخالص من الفلزّات لما فيها من فوائد، أمَّا ما عداه من الزَّبد فسيذهب جفاء.

وجبهة الحقّ في التقرير القرآنيّ هي جبهة المستضعفين، وجبهة الصالحين، وجبهة المتَّقين، وجبهة أنصار الإسلام الأصيل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ[٤٥]

فبانتصار الحقِّ ستقوم في العالم دولة أهل البيت (ع) بقيادة مهديِّ آل محمّد (ع)، وينحسر عن السَّاحة الظلم والاستكبار والاستضعاف، وتمتلئ الأرض بالقسط والعدل.[٤٦]

المراجع والمصادر

  1. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة

الهوامش

  1. دانشنامه جهان إسلام (بالفارسيّة): ج ٦ ص ٩٥.
  2. دانشنامه جهان إسلام (بالفارسيّة): ج ٦ ص ٩٥نقلاً عن المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم.
  3. YARH.
  4. YARAH.
  5. WARKH
  6. دانشنامه جهان إسلام (بالفارسيّة): ج ٦ ص ٩٦ نقلاً عن روزنتال في كتابه: A history of muslim historiography.
  7. دانشنامه جهان إسلام (بالفارسيّة): ج ٦ ص ٩٦ نقلاً عن تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء عليهم الصلاة والسّلام، الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ: ص ٦.
  8. راجع: دانشنامه جهان إسلام (بالفارسيّة): ج ٦ ص ٩٦ نقلاً عن التاريخ العربي والمؤرِّخون.
  9. المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ج ٨ ص ٥٠٩ ـ ٥١٦.
  10. العين: ص٤١ «أرخ».
  11. معجم مقاييس اللغة: ج ١ ص ٩٤ «أرخ».
  12. الصحاح: ج ١ ص ٤١٨ «أرخ».
  13. لسان العرب: ج ٣، ص٤ «أرخ».
  14. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١٠٧-١٠٩.
  15. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١٠٩-١١٠.
  16. وهذا يؤيّد ما ذهب إليه ابن فارس إذ قال: أمّا تاريخ الكتاب فقد سُمع، وليس عربيّا، ولا سُمع من فصيح (معجم مقاييس اللغة: ج ١ ص ٩٤ «أرخ»).
  17. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٠-١١١.
  18. سورة الإسراء، الآية ١٢.
  19. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١١-١١٢.
  20. معاني الأخبار: ص ٤١ ح ٢، فلاح السائل: ص ٢٦٧ ح ١٥٩، بحار الأنوار: ج ٨٤ ص ١٤٢ ح ٣٧.
  21. الكافي: ج ١ ص ٢٢٩ ح ٣.
  22. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٢-١١٣.
  23. تفسير القرطبي: ج ١٥ ص ٣٥٣ و ج ١٩ ص ٢٨٤، كنز العمّال: ج ١٥ ص ٧٩٦ ح ٤٣١٦١ نقلاً عن الرافعي والسهمي في كتاب آداب الدين وكلّها عن معقل بن يسار وراجع: فلاح السائل: ص ٣٧٦ ح ٢٥٢.
  24. الصحيفة السجّاديّة: ص ٤٠ الدعاء ٦، مصباح المتهجّد: ص ٢٤٦ ح ٣٦١، العُدد القويّة: ص ٣٦٢ من دون إسنادٍ إلى أحد من أهل البيت (ع)، بحار الأنوار: ج ٩٧ ص ٣٠٧.
  25. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٣-١١٤.
  26. سورة الأحزاب، الآية ٦٢.
  27. نهج البلاغة: الخطبة ١٥٧، عيون الحكم والمواعظ: ص ١٤٨ ح ٣٢٥٦.
  28. سورة الأنبياء، الآية ٨٨.
  29. سورة الأنعام، الآية ٨٤.
  30. سورة الأعراف، الآية ٤٠.
  31. سورة الأعراف، الآية ٤١.
  32. سورة الأعراف، الآية ١٥٢.
  33. سورة فاطر، الآية ٣٦.
  34. غرر الحكم: ج ٥ ص ١٤ ح ٧٢٨٥، عيون الحكم والمواعظ: ص ٤٠١ ح ٦٧٥٨.
  35. راجع: الأعراف: ٣٤ و يونس: ٤٩ والحِجر: ٥.
  36. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٤.
  37. سورة الرعد، الآية ١١.
  38. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٥.
  39. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٥-١١٦.
  40. سورة يوسف، الآية ١١١.
  41. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٥.
  42. سورة الحج، الآية ٤٦.
  43. سورة الدخان، الآية ٢٥.
  44. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة (كتاب)|موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٦-١١٧.
  45. سورة التوبة، الآية ٣٣.
  46. محمد الريشهري، موسوعة معارف الكتاب والسنة، ج٢، ص ١١٧-١١٨.