التوحيد

من إمامةبيديا

تمهيد

الإسلام هو دين يدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده. وللتوحيد مكانة عظيمة في تعاليم الإسلام. وقد ورد في آيات القرآن الكريم الكثير من البيانات حول مسائل التوحيد وجوانبه المختلفة. وأهمّية التوحيد تكمن في أنّه أوّل شرط للدخول في الإسلام وضمان السعادة والنجاح. فالإيمان بوحدانيّة الله وعبادته وحده هو أساس النظام الأخلاقي في الإسلام[١]، ومنه تنبع العديد من الأحكام والآداب الدينية.

إنّ التوحيد يغيّر حياة الإنسان سواء في مجال الفكر والعقيدة، أو في مجال العمل، ويجعلها ذات لون وطعم مميّزين. وهناك فرق كبير لا يمكن تجاهله أو نسيانه بين الموحد والمشرك. ويمكننا القول باختصار إنّ التوحيد هو أصل شجرة الإسلام، وبقيّة التعاليم العقائدية والأخلاقية والعملية هي بمثابة فروعها وأوراقها وثمارها[٢].

التوحيد في الأديان الإلهية الأخرى

تشير الآيات القرآنية والمصادر التاريخية إلى أنّ التوحيد ليس خاصّاً بالإسلام فقط، بل إنّ جميع الأنبياء العظماء دعوا الناس إلى التوحيد. ويؤكّد القرآن على هذه الحقيقة في الآية الكريمة: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[٣]. بل إنّ الصراع الرئيسي الذي كان يحدث بين الأنبياء وأقوامهم كان حول التوحيد، ولذلك كان معظم المعارضين لهم من المشركين وعبدة الأوثان. فمثلاً، يذكر أنّ سبب عداء نمرود وقومه للنبي إبراهيم (ع) هو دعوته إلى التوحيد[٤].

عمق التوحيد في الإسلام

لكنّ الفرق الأساسي بين التوحيد في الإسلام وفي بقيّة الأديان هو أنّ التوحيد في الإسلام أعمق بكثير منه في الأديان الإلهية الأخرى. وقد تبلور هذا الأصل المهم من خلال الآيات القرآنية وأقوال المعصومين (ع)، حيث فتح طريق فهم التوحيد لعامّة الناس، كما تمّ شقّ طرق عميقة لإشباع الباحثين والراغبين في المعرفة من المتكلمين والفلاسفة وأصحاب القلوب المشتاقة لمعرفة الله سبحانه. فتعاليم الإسلام عميقة جدّاً، وحتّى اليوم لم يتمّ الكشف إلّا عن مستوى بسيط من جوانب هذا الدين الحنيف. ومن الطبيعي أن يكون الإسلام أعمق الأديان، فهذه نتيجة منطقية تتناسب مع كونه خاتم الأديان وآخرها، فينبغي أن يلبّي جميع احتياجات البشرية إلى الأبد[٥].

المعنى اللغوي

قبل متابعة البحث، من المفيد أن نقدّم توضيحاً موجزاً عن المعنى اللغوي لكلمة «التوحيد». ففي اللغة العربية، «التوحيد» مصدر على وزن «تفعيل» من الجذر «وَحَدَ». وأحد معاني وزن التفعيل هو «وصف الشخص أو الشيء بصفة معيّنة». فمثلاً: «التعظيم» يعني اعتبار «شخص أو شيء» عظيماً، و«التكفير» يعني اعتباره كافراً. لذا فإنّ التوحيد يعني اعتبار «الله» واحداً. ومن الجدير بالذكر أنّه على الرغم من أنّ القرآن يحتوي على الكثير من المعاني التوحيدية، إلّا أنّه لم يستخدم مصدر «التوحيد» ومشتقّاته لبيان أصل التوحيد، بل استخدم تعبيرات أخرى بدلاً منها، بينما وردت كلمة «التوحيد» وبعض مشتقّاتها في عدّة روايات[٦].

التوحيد النظري والتوحيد العملي

أشرنا إلى أنّ نطاق التوحيد واسع جدّاً، حيث نجد هذا الأصل يشقّ طريقه في مجالي العلم والعمل. ومن هنا يمكن تقسيم أصل التوحيد إلى فرعين رئيسيين:

  1. التوحيد النظري.
  2. التوحيد العملي.

ونقصد بالتوحيد النظري تأمّل الإنسان في وحدانية الله، أي أنّ التوحيد النظري هو الاعتقاد الجازم بوحدانيّة الله في ذاته وصفاته وأفعاله. ومن البديهي أنّه إذا كان لهذا الاعتقاد أصل وجذر في قلب الإنسان، فإنّه سيضفي على أعماله وسلوكه طابعاً خاصّاً، أي أنّه يصبح موحّداً في سلوكه أيضاً. وفي هذه المرحلة ندخل في نطاق التوحيد العملي.

فالمقصود بالتوحيد العملي هو سلوك الموحّدين، أي أنّ الإنسان في تعامله مع الله تعالى يقوم بأعمال تتوافق مع عقيدته ومعرفته التوحيدية. فمثلاً، التوحيد في العبادة هو أحد أقسام التوحيد العملي، ومعناه أن يقوم الإنسان بأعمال عبادية خاصّة تتناسب مع عقيدته، فيعبد الله الواحد، ويعتمد عليه، ويمتنع عن عبادة غيره[٧].

المعنى الاصطلاحي

التوحيد هو الإيمان الراسخ بأنّ الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، والعمل بناءاً على هذا الإيمان. هذا تعريف عامّ للتوحيد، ولكن لفهم معناه الدقيق يجب شرح أقسامه المختلفة[٨].

للتوحيد معنيان

  1. المعنى العام: يشمل كلّ ما يتعلّق بمعرفة الله، مثل أدلة وجوده وصفاته.
  2. المعنى الخاص: وهو الإيمان بوحدانيّة الله ونفي الشريك عنه.

يُسمّى المعنى العامّ للتوحيد بهذا الاسم؛ لأنّه يشمل أشرف وأفضل الأجزاء وهو الإيمان بوحدانيّة الله. لكن عندما نتحدّث عن التوحيد كأحد أصول الدين، فالمقصود به المعنى الخاص[٩].

مكانة التوحيد في علم الكلام

يبحث التوحيد في بعض صفات الله وخاصّة وحدانيّته. لذلك يمكن اعتباره جزءاً من الأبحاث المتعلّقة بصفات الله. لكن بعض علماء الكلام يفصلون بحث التوحيد عن بقيّة الصفات لأهمّيته وعلوّ شأنه. وهذا ما يختاره أغلب الكُتّاب المعاصرين[١٠].

التوحيد في القرآن والسنة

التوحيد أساس الإسلام ويحتلّ مكانة عظيمة في القرآن والسنة النبوية وكلمات الأئمة المعصومين (ع). الآيات والروايات التي تتحدّث عن التوحيد كثيرة جدّاً ولا يمكن حصرها هنا. على طالب العلم الراغب أن يتتبّع تفاسير القرآن والمصادر الروائية المختلفة ليتعمّق في هذا الموضوع[١١].

أهمّية التوحيد في الإسلام والأديان السماوية الأخرى

التوحيد هو الإيمان بأنّ الله واحد أحد وليس خاصّاً بالإسلام فقط، بل إنّ جميع الأنبياء دَعَوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[١٢]. هذه الآية تبيّن أنّ التوحيد هو أوّل وأهمّ تعليم إلهي لجميع الأنبياء. وهناك آية أخرى تؤكّد هذا المعنى وهي: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[١٣].

ويشرح الإمام علي بن أبي طالب (ع) سبب بعثة الأنبياء فيقول: «لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ»[١٤]. يقول الإمام علي أنّه في بداية التاريخ البشري، أغلب الناس نسوا وعدهم مع الله وعبدوا آلهة أخرى معه، فأرسل الله الرسل ليذكِّروا الناس بالعهد الفطري على عبادة الله وحده وينقذوهم من الشرك.

والقرآن الكريم وهو آخر الكتب السماوية يؤكّد كثيراً على التوحيد من خلال عبارات مختلفة مثل: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، ﴿مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، ﴿مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ، ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ و...[١٥]. وقد ذُكرت هذه العبارات عشرات المرّات في القرآن.

ويعلن النبي محمد (ص) أنّ أساس رسالته هو الدعوة إلى عبادة الله وحده، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ[١٦]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[١٧]. وحتّى الأنبياء السابقون حملوا نفس الرسالة، فيذكر القرآن رسالة نوح (ع): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ[١٨].

وقد تناول القرآن الكريم التوحيد وأنواعه وآثاره، والشرك وأسبابه ونتائجه في آيات كثيرة. كما تضمّنت أحاديث أئمة أهل البيت (ع) حقائق عميقة حول التوحيد. ونجد في بعض خطب نهج البلاغة للإمام علي (ع) معاني رفيعة حول التوحيد لا يزال البشر عاجزين عن فهمها فهماً عميقاً على الرغم من مرور القرون وتطوّر العلوم[١٩].

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. انظر: السيد محمد حسين الطباطبايي، الميزان في تفسير القرآن ۱: ۳۵۸ - ۳۶۰.
  2. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٦٧.
  3. سورة الانبياء، الآية ۲۵.
  4. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٦٧ و ٦٨.
  5. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٦٨.
  6. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٦٨ و ٦٩.
  7. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٦٩ و ٧٠.
  8. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٧٠.
  9. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٧٠ و ٧١.
  10. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٧١ و ٧٢.
  11. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٧٢ و ٧٣.
  12. سورة الانبياء، الآية ۲۵.
  13. سورة النحل، الآية ۳۶.
  14. محمد باقر بن محمد تقي، المجلسي، ‏بحار الأنوار ۱۱: ۶۰؛ محمد محمدي الري شهري، ميزان الحكمة ۷: ۲۸۲؛ نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
  15. سورة الأعراف، الآية ۵۹ و ۶۵ و ۷۳ و ۸۵، سورة هود، الآية ۵۰ و ۶۱ و ۸۴.
  16. سورة الرعد، الآية ۳۶.
  17. سورة الانبياء، الآية ۱۰۸.
  18. سورة هود، الآية ۲۵ و ۲۶.
  19. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٧٣ و ٧٤.