الحِلم

من إمامةبيديا

التمهيد

«الحِلم»: وهو ضبط النّفس عند طغيانها وهيجانها، فالحليم هو من يملك نفسه ويسيطر عليها ويردعها عن طغيانها.

قال في المفردات: الحلم ضبط النّفس والطّبع عن هيجان الغضب.

وفي جامع السّعادات: الحلم هو طمأنينة النّفس بحيث لايحرّكها الغضب بسهولة ولايزعجها المكروه بسرعة [١]

وهو زينة الإنسان وضروريّة، سيما العالم المطاع في قومه.

والذكر الحكيم اهتمّ به اهتماماً بليغا حتّى أطلق الله تعالى فيه الحلم وما يشتقّ منه على العقل، وذلك في مواضع عدّة، تنبيهاً على ربطهما الوثيق، بل على أن لا عقل الا مع الحلم، ولا أقل من أنّ كماله به.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[٢]

وقال تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ[٣]

وهذا الاطلاق من باب ذكر المسبب وإرادة السّبب اهتماماً بالسبب وتنبيهاً على أنّ المسبب يكاد أن يكون هو السبب بعينه.

والقرآن اهتمّ بشأن الخليل (ع) في آيات كثيرة وبيّن في تلك الآيات جملةً من فضائله (ع)، ومنها الّتي ورد ذكرها في أكثر من آيةٍ هي فضيلة الحلم.

قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ[٤]

ومن صفات الباري تعالى الّتي كرّر جلّ وعلا ذكرها في الذكر الشريف، تنويهاً إلى غاية عظمته وجلاله وجماله جلّ وعلا هي صفة الحلم وقد ورد ذكرها فيه فيما يزيد على عشرة موارد، منها: قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[٥].[٦]

آثار هذه الفضيلة

ولهذه الفضيلة آثار هامّة تفيد صاحبها ولتلك الآثار آثار أيضاً فهي شجرة طيّبة تؤتى اكلها كلّ حين باذن ربّها، ومن تلك الآثار الشرف والعزّة عند النّاس وكونه محبوباً في قلوبهم، والمرء في غالب الأحيان يفوز بمقصده ومرماه بعزّه عندهم.

ومن لطائف توفيق الأنبياء والأوصياء والعلماء فيما يرمونه، هي فضيلة الحلم الّتي يتزيّنون بها، لانّهم بفضائلهم الخُلقيّة سيّما فضيلة الحلم يحكمون على القلوب، ثمّ إذا ثبت لهم هذا الحكم، يؤثّر كلامهم في أنفس المؤمنين، وهذا ممّا دلّت عليه التّجربة طوال الأعصار.

فهذه الفضيلة مما يحتاج النّاس كلّهم إليها سيّما علماء الشريعة ومبلّغيها ومربّييى الناس والأمراء ومن حاذاهم في تدبير أمور المجتمع بشؤونها المختلفة.

وبعبارةٍ أخرى احتياج من بيده زمام أمر من الأمور إلى هذه الفضيلة كاحتياج الكاتب إلى القلم حيث لا يصلح للكاتب أن يستفيد الناس منه إلّابالقلم وان شئت قلت احتياجهم إليها كاحتياج الماء الجاري إلى النّهر فكما أنّ الماء الجاري بلا نهر لايتمّ له الصلاح بل يضّر فكذلك من بيده زمام أمر من الأمور سيّما العلم والحكم لا يصلح له أمره إلّابتزيّنه بهذه الفضيلة، فهما بلا حلم لا ينفعان بل يضرّان.

ومن آثار هذه الفضيلة وثمراتها صحّة الجسم والرّوح.

توضيح ذلك: انّ المتّصف بهذه الفضيلة يكون نشيطاً ذا طمأنينةٍ وسكينة، فلا يهجم عليه الأمراض النفسيّة المؤدّية إلى الأمراض الجسمانيّة امّا من لم يتزيّن بها، فيهجم عليه الكسل والبطالة، فيغلب عليه السكون والحزن والهم، فلا نهاية لأمره إلّاالأمراض الروحيّة والجسميّة كضعف الحواس وما يشبهه، فالحياة له حينئذٍ موت تدريجي ويترتب على تلك الحياة لا محالة خسران الآخرة، لأنّ من لاحياة طيّبة له في الدّنيا لاحياة طيّبة له في الآخرة، فهو خسر الدّنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

وممّا قلنا ظهر أنّ تدبير المنزل بحاجة ماسّةٍ إلى فضيلة الحلم، ليكون البيت مسكناً للروح كما هو منزلٌ للجسم، فاذاً يصير مهبطاً لملائكة الرحمة ومهجراً للشياطين، أمّا ان كان الأمر فيه بالعكس، فيكون الغاية المتوخّاة منه بالعكس، فيكون البيت كحبسٍ منفردٍ لايطيب فيه العيش.

ومنها توقّف جلب المنافع ودفع المضارّ عليه.

توضيح ذلك: انّ الإنسان مدنى بالطّبع ولا يتيسّر له أن يعيش وحيداً منقطعاً عن الناس. ثمّ صلاح المدنيّة وتمام أمرها لايتمّ إلّابالحلم، لأنّ الحليم له أنّ يألف كما له أنّ يُؤلف، امّا الغضبان فلا، فلا يُجلب إليه المنافع كما لا يُدفع عنه المضارّ. فالحلم هو الّذي يتوقّف عليه أمر المعاش الجماعي.

هذا ممّا يرتبط بدنياه. أمّا السعادة في الآخرة، فهي أيضاً مرهونة به، لأنّ الغضبان غير الحليم يسوقه غضبه إلى ارتكاب الذنوب المتتالية، فلا سعادة له في العقبى ايضاً. وسيأتي زيادة توضيح لذلك في بيان رذيلة الغضب.

فتلخّص ممّا قلنا أنّ سعادة الدارين رهنيةٌ بهذه الفضيلة.

ومن آثارها الهامّة هي المروة والرّفق والمداراة، وهذه الثّلاثة وان كانت قريبة المعنى لأنها حسن المصاحبة مع الناس واللّين لهم في الأقوال والأفعال إلّاانّه تفترق المروة عن غيرها باشراب الوفاء في معناها، والمداراة عن غيرها باشراب تحمل الأذى في معناها.

والكلّ من العبادات العظيمة ويترتّب عليها ثواب جزيل، والقرآن عدّها من علائم الإيمان.

قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[٧]. ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا[٨]

وعند العقل لها منزلة عظيمة كما انّ لصاحبهاعند النّاس مقاماً جليلًا.

ومن يتنعّم بهذه النّعم الّتي خير الدّارين فيها، فليشكر شكراً كثيراً وليحمدالله عليها حتّى يزيدها ولا يسلبها عنه.

قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[٩]

ومعلوم انّ هذه النّعم الثّلاث كالحلم ذات مراتب، فالضّعيفة منها وإن كانت مطلوبة إلّا انّ الإنسان لا بدّ له من أن يترقّى آناً فاناً وان يكون بصدد تحصيل المراتب العُليا.

فاوّل مراتبها هو الوفاء والصّداقة واللّينة وحسن المعاشرة والاجتناب عن الغدر والخدعة والعنف وسوء المعاشرة وحزن الوجه، وآخر مراتبها ان يحبّ لغيره ما يحب لنفسه ويكره لغيره ما يكره لنفسه لا في القول فقط، بل في مقام العمل أيضاً. فطوبى لمن كان كذلك ورزقنا الله وايّاكم هذه بحقّ الّذين تخلّقوا بأعلى مراتبها.

ومن آثارها الهامّة هو العفو والصّفح، والفرق بينهما مع اشتراكهما في كونهما خلاف الانتقام وهو اسقاط حقّه على من ظلمه والاعراض عنه، انّ الصّفح أبلغ من العفو لا شراب غمض العين في معناه دون العفو، فالعفوّ يسقط حقّه مع رؤية ما ظُلم به عليه وجعله نصب عينيه، ولكنّ الصّفوح يغمض عمّا ورد عليه من الأذى والمظلمة فكانّه لم يرد عليه شيء فيحسن إلى الظّالم كما أحسن إليه قبل ذلك، فالعفو فعل الرّحيم والصّفح عمل الكريم.

فالعفوّ يعفو بعد أنّ ظُلِم ولكنّ الصّفوح يصفح من دون تعرّض فالعفوّ يمكن أن يظهر المظلمة ثمّ يسقط حقّه بالنسبة إليها ولكن الصّفوح يخفيها ويعرض عنها.

وهي من صفات الله تعالى ولذلك قد أمر في كتابه الكريم مراراً بالعفو والصّفح، بل يظهر من بعض الآيات أنّ غفرانه تعالى يوم القيامة يتوقّف على ذلك.

قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ[١٠]. كما جعل تعالى العفو من علائم التّقوى.

قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[١١]. وجعله من علائم الإيمان.

قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[١٢]

وجعله آلة الفوز في الرّئاسة والرّسالة أي هو ممّا يتوقّف عليه الفوز بالغاية وبالمآل آلة الوصول إلى الهدف.

قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[١٣]

وفي الختام نتعرّض لنكتةٍ وهي أنّ العفو والصّفح مضافاً إلى كونهما من صفات اللَّه تعالى، انّه تعالى يحبّ أن يظهرهما ويعمل بهما، وآيات التّوبة تدل على ذلك وسيأتي في باب التّوبة زيادة توضيح ان شاءاللَّه تعالى لذلك، ومن تلك الآيات: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[١٤]

تنبيهٌ: قد مرّ الكلام في أنّ الفضائل والرّذائل من الفطريات، وأنّ الإنسان بفطرته يدرك حسن الفضائل وقبح الرّذائل، ويدرك موارد اعمال الفضائل وينهى عن استعمال شيء منها في غير موضعه.

وقد دلّ على ذلك مضافاً إلى حكم العقل به، قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا[١٥] فبناءً عليه انّ العقل وان يدرك حسن العفو والرّفق والمداراة بل يستحسن الإحسان إلى المسيىء كما أمر بذلك القرآن الشّريف،

قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ[١٦]

وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[١٧]

وقال تعالى: ﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ[١٨]

ولكن مع ذلك يستحسن تنبيه المسيئ وحفظ العفّة العامّة وحفظ النّظام عن الهرج والمرج، ورفع الموانع عن بسط الحقّ ودفع ظلم الظّالم ونحو ذلك، وقد امضا القرآن الحكيم حكمه هذا في غير وأحد من الآيات:

قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ[١٩].

وقال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[٢٠]

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[٢١]

وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ[٢٢]

وقال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[٢٣]

واصطياد قاعدة كلّية عن هذه الشريفة ليُعمل بها في جميع الموارد ليس بمشكلٍ، ذلك لاحتواء هذه الآية على جميع ما يحتوى عليه غيرها من الآيات. فالعقل والنعقل يحكمان باستعمال الفضائل ومنها الحلم والعفو في موارد يليق بها خاصّةً، لا فيما يوجب تجرّى الفاسق على فسقه والظالم على ظلمه، وذلك لبداهة قبح اعانتهما على فعلهما، ولا ريب في أنّ العفو عنهما والحلم قِبلهما يؤدّى ولا أقلّ في بعض الموارد إلى تشييدهما عليه، فيكون الحليم العفوّ مصداقاً لقوله (ع): «اَلرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ» [٢٤]

تتمّة:

إنّ الحلم يتوقّف على كظم الغيظ تحلّماً، أي تحمّل الحلم لانّه بالتّحلّم يحصل الحلم، فكما انّ العلم يحصل بالتّعلّم فكذلك الحلم يحصل بالتّحلّم، أمّا أن يكون الحلم سجيّةً لأحدٍ من الناس فلا يكون إلّاللأوحدىّ منهم، وعليه أيضاً أن يتحلّم، لانّه بمنزلة الغذاء له، فبقاؤه ونموّه واستكماله يحتاج اليه.

فان شئت قلت إنّ كظم الغيظ هو العلّة الموجدة للحلم في عامّة الناس وهو العلّة المبقية لها فيهم وفي المتّصفين به بالطّبع، فالحلم يُحتاج إليه طوال عمر الحليم احتياج المعلول إلى علّته وهذا سرّ ندْب الذكر الحكيم إليه وجعْله من علائم المتّقين.

قال تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[٢٥]

ويظهر من الآية الشريفة انّ العفو والاحسان يحتاجان إلى كظم الغيظ ويترتّبان عليه ترتّب المعلول على علّته.

وهذا أيضاً سرُّ ما يُتراءى من كثيرٍ من الاخبار من ترتّب ثوابٍ عظيمٍ عليه، وسنأتي بطائفةٍ من تلك الروايات الحاثّة عليه، بعونه ومنّه.[٢٦]

المراجع والمصادر

  1. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج۲

الهوامش

  1. جامع السّعادات، ج ١، ص ٣٣١.
  2. سورة النور، الآية ٥٨-٥٩.
  3. سورة الطور، الآية ٣٢.
  4. سورة هود، الآية ٧٥.
  5. سورة البقرة، الآية ٢٣٥.
  6. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج٢، ص ٩.
  7. سورة الفرقان، الآية ٦٣.
  8. سورة الفرقان، الآية ٧٢.
  9. سورة إبراهيم، الآية ٧.
  10. سورة النور، الآية ٢٢.
  11. سورة البقرة، الآية ٢٣٧.
  12. سورة آل عمران، الآية ١٣٤.
  13. سورة الأعراف، الآية ١٩٩.
  14. سورة الزمر، الآية ٥٣.
  15. سورة الشمس، الآية ٧-٨.
  16. سورة المؤمنون، الآية ٩٦.
  17. سورة فصلت، الآية ٣٤-٣٥.
  18. سورة الرعد، الآية ٢٢.
  19. سورة المائدة، الآية ٣٨.
  20. سورة النور، الآية ٢.
  21. سورة المائدة، الآية ٣٣-٣٤.
  22. سورة الأنفال، الآية ٣٩.
  23. سورة الممتحنة، الآية ٨-٩.
  24. نهج البلاغة، صبحي الصالح، قصار الحكم ١٥٤.
  25. سورة آل عمران، الآية ١٣٤.
  26. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج٢، ص ١٠.