الدليل

من إمامةبيديا

التعريف

لغةً‌: الدّليل هو: الكاشف والمرشد، والدليل ما يستدلّ به، والدالّ وصف للفاعل، ويقال دلّه على الطريق أي: أرشده إليه[١].

اصطلاحاً: عُرّف الدليل بأنّه: النظر الصحيح المفضي إلى العلم[٢]، أو هو: ما يلزم من العلم به العلم بشيءٍ آخر إثباتاً أو نفياً[٣]، أو هو: ما يتوصّل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري ولو ظنّاً، وقد يُخصّ بالقطعي[٤].

وهذه التعاريف فيما يظهر أنّها باصطلاح أهل المنطق؛ لأنّها تعرّف الدليل بصورة عامة، والمراد بالدليل في اصطلاح الفقهاء والاُصوليين هو: الحجّة التي توصل إلى الحكم الشرعي. سواءً كانت بمرتبة القطع أم بمرتبة الظنّ‌، بل أطلقوه على ما تحدّد الوظيفة العملية دون أي إحراز للواقع[٥].[٦]

أدلّة الفقه وأقسامها

ذهب فقهاء الإماميّة إلى: أنّ أدلّة الفقه أربعة هي: الكتاب، والسنّة، والإجماع والعقل، وقد بحثوا في الإجماع، والشهرة والخبر المتواتر، وخبر الآحاد، وسيرة المتشرعة؛ باعتبارها كواشف ومحرزات للسنّة الشريفة، ومرادهم بالسنّة هي: «قول المعصوم وفعله وتقريره»، وبما يشمل النبي صلى الله عليه وآله والإمام (ع) من بعده.

وقسّموا الأدلّة عموماً من حيث نوع الحكم الشرعي الذي يثبت به إلى قسمين:

  1. الدليل الاجتهادي (الامارات): وهو الذي يثبت به الحكم الشرعي الواقعي، أي الذي يكون فيه الحكم ثابتاً بما هو نفسه وفعل من الأفعال، ولم يؤخذ في موضوعه الشكّ‌، سواء كان الدليل فيه قطعياً أو ظنّياً، مثل: خبر الواحد، والسيرة والشهرة.
  2. الدليل الفقاهتي (الاُصول العملية): وهو الذي يكون حكمه ثابتاً للشيء بما أنّه مجهول حكمه الواقعي، ويسمّى بالحكم الظاهري، أو الوظيفة العملية، فإنّه لأجل عدم الدليل الاجتهادي بنوعيه القطعي والظنّي، يقع المكلّف في حيرة من أمره، ولرفع الحيرة تلك يلجأ إلى الدليل الفقاهتي، الذي هو عبارة عن الاُصول العملية الأربعة (الاحتياط، والبراءة، والاستصحاب، والتخيير)، ولكلّ واحد منها مجراه الخاصّ‌، كما هو مذكور في محلّه في علم الاُصول[٧].

قسّم الفقهاء الدليل إلى شرعي وعقلي، ومرادهم من الدليل الشرعي ما دلّ الشارع عليه مباشرة، سواء كان الدليل آية أو رواية أو أصلاً أو قاعدة ما.

أمّا الدليل العقلي، فقد التبست كلمات الفقهاء والاُصوليين في المراد منه، ويمكن أن يراد به ثلاث معان[٨]:

  1. الأصل المنتج للحكم الشرعي، مثل حكم العقل بالبراءة الأصلية وقبح العقاب بلا بيان.
  2. البحث في الملازمة بين حكم شرعي وحكم عقلي آخر، كالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته.
  3. إدراك العقل بنفسه ومباشرة لحكم الشارع.

وقسم الفقهاء الدليل الشرعي: إلى لفظي وغير لفظي، والدليل اللفظي: هو الدليل المستمد من كلام الشارع كتاباً وسنّة[٩]، أمّا غير اللفظي: وهو الدليل الدال على الحكم الشرعي بغير اللفظ وإن كان كاشفاً عنه مثل الإجماع والسيرة[١٠].

وكذلك قسّموا الدليل الشرعي من جهة اُخرى إلى: دليل قطعي تام الانكشاف عن مدلوله، كالآية القرآنية التي هي نصّ في مدلولها، والأخبار المتواترة الصريحة في مدلولها، وإلى: دليل ظنّي اعتمده الشارع طريقاً إلى أحكامه الشرعية، مثل: خبر الواحد، وغيره، وحجيّة الظهور، ونسبة الأدلّة الظنّية أكبر بكثير من الآدلة القطعية؛ لأنّ القرآن الكريم وإن كان قطعيّ الصدور إلّا أنّه - في الغالب - ظنّيّ الدلالة، والأخبار المتواترة قليلة جداً، فمعظم أدلة الفقه لا تفيد إلّا الظنّ‌، لكنها من الظنون المعتبرة التي تمّم الشارع كاشفيتها؛ ولذا قيل: «إنّ ظنّية الطريق لا تنافي قطعية الحكم»[١١].[١٢]

الدليل أو العنصر المشترك والدليل أو العنصر المختصّ‌

الدليل أو العنصر المشترك: هو ما يُبحث عنه - في علم الاُصول - بشكل عام ومن دون النظر إلى مصاديقه، كالبحث في حجّية الكتاب، والبحث في حجّية السنّة، والبحث في حجّية القياس، ونحو ذلك، أمّا الدليل أو العنصر المختصّ فهو: ما يبحث عنه في علم الفقه كالبحث في دلالة آية: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا[١٣] على وجوب الحجّ على كلّ مكلّف مستطيع استطاعةً مالية أو بدنية، وغير ذلك من آلاف المسائل الشرعية التي يستدلّ لها بأدلتها الخاصّة[١٤].

وبذلك تتّضح أهمية أدلّة علم اُصول الفقه في عملية الاستنباط، إذ اتّضح أنّه يزوّدها بعناصرها المشتركة، وبدونها يواجه الفقيه ركاماً متناثراً من الأدلّة والنصوص، لتتفاعل الأدلّة الخاصّة مع تلك الأدلّة والعناصر المشتركة وينجم عن ذلك التفاعل اتساع البحث في علم الاُصول، وعلم الفقه معاً؛ لأنّ الأوّل يمثل النظرية، والثاني يمثل التطبيق[١٥].[١٦]

المراجع والمصادر

  1. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن

الهوامش

  1. الصحاح ١٦٩٨: ٤. لسان العرب ٣٩٤: ٤، مادة (دلل).
  2. رسائل المرتضى ٢٧٠: ٢.
  3. رسائل الكركي ١٧٣: ٣.
  4. المقاصد العلّية: ٤٥. الأحكام (الآمدي) ٩: ١، المكتب الإسلامي ١٤٠٤ه‍ -.
  5. نهاية الأفكار ٣١٠: ٣. اُصول المظفر ١٣: ٣-١٥، ١٨-١٩. الاُصول العامّة للفقه المقارن: ٢٨.
  6. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٨، ص ٥١٥.
  7. فرائد الاُصول ١٠: ٢. اُصول الفقه (المظفر) ٥٠: ١. النور الساطع في الفقه النافع ٧٦: ١-٧٧.
  8. انظر: اُصول الفقه (المظفر) ١٢٨: ٢. مصباح الاُصول ٥٥: ٢.
  9. المعالم الجديدة للاُصول: ١١٠.
  10. دروس في علم الاُصول ٦٢: ١.
  11. أنيس المجتهدين ٣٢: ١-٣٣. مستند الشيعة ٢١: ١٧. قوانين الاُصول ٦: ١-٩. الفصول الغروية: ٧.
  12. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٨، ص ٥١٦-٥١٨.
  13. سورة آل عمران، الآية ٩٧.
  14. المعالم الجديدة للاُصول: ١٤-١٥. دروس في علم الاُصول ٣٩: ١-٤٢. جمع الجوامع بحاشية العطار ٤٥: ١. الشرقاوي على التحرير ٢٦: ١.
  15. دروس في علم الاُصول ٤٠: ١-٤٣.
  16. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (كتاب)|موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج٨، ص ٥١٨.