السؤال
التعريف
السؤال: مصدر سأل، وهو ما يسأله الإنسان من الغير[١]. يقال: سأل يسأل سؤالاً ومسألةً، ويُجمع على أسئلة، وتُجمع المسألة على مسائل. وورد السؤال في اللغة بمعنى الاستخبار عن الشيء والاستفهام عنه، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[٢]. وقد يأتي بمعنى الطلب والاستدعاء[٣]، قال تعالى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾[٤]. واستعمله الفقهاء في نفس معناه اللغوي.[٥]
الحكم الإجمالي
تتعلّق بالسؤال عدّة أحكام تختلف باختلاف المعنى المراد منه، نذكر منها إجمالاً ما يلي:
السؤال بمعنى الاستفهام
الاستفهام: طلب الفهم عمّا يجهله أو يشكّ فيه المستفهم[٦]، وقد ورد الحثّ في القرآن الكريم على السؤال وطلب المعرفة والاستفهام حول الاُمور العقائدية والأحكام الشرعية، وكلّ ما يتعلّق باُمور الدين، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[٧].
وروى عن النبي (ص) قال: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى»[٨]. وروى عن الإمام موسى بن جعفر (ع) - في حديث طويل - قال: «لَا نَجَاةَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ، وَلَا عِلْمَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ»[٩].
وقد ورد النهي عن السؤال إذا كان تكلّفاً وتعنّتاً، ولا غاية له إلّا محاولة تخطئة المسؤول، أو الخوض في اُمورٍ بعيدةٍ عن التكليف وعن طلب العلم، أو المبالغة في السؤال عمّا لم يرد فيه حكم شرعي، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[١٠]. وههنا موارد للبحث:
- السؤال عن الأحكام الشرعية: يجب على المكلّف السؤال من الفقهاء عمّا يبتلي به من الأحكام الفقهية والمسائل الدينية الضرورية[١١]. ذكره فقهاء الإمامية، كما أوجبه فقهاء المذاهب[١٢].
- حكم إجابة الفقيه عمّا يُسئل عنه: ذهب فقهاء الإمامية إلى أنّه يجب على العالم الفقيه إجابة السائل عن الأحكام الفقهية وما يتعلّق باُمور دينه؛ لوجوب تبليغ التكاليف عليه؛ لأنَّ العالم في الحقيقة مبلّغ عن الله، والثابت من الأدلّة هو وجوب الإفتاء، والتقليد في جميع ما يحكيه الفقيه عن الشارع وينسبه إليه من الاُمور الشرعية الفرعية، حيث هو هو، وأمّا غير ذلك فلا يجب على الفقيه فيه الإفتاء ولا على المقلّد القبول ما لم يكن حكماً في مقام التخاصم[١٣].[١٤]
السؤال بمعنى طلب الحاجة
التعرّض للصدقة بالسؤال
ذهب فقهاء الإمامية إلى كراهة السؤال، والحثّ على تعفّف الإنسان وترفّعه عن هذه المواقف المذلّة[١٥]، روي عن رسول الله (ص) قوله: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهٍ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خموش، أَوْ خدوش، أَوْ كُدُوحُ»[١٦]، قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: «خَمْسُونَ دِرْهَماً أَوْ قِيمَتِهَا مِنَ الذَّهَبِ»[١٧]، وقال (ص): «لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ»[١٨]. وروى محمد بن مسلم عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) أنّه قال: «قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اِتَّبِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِنَّهُ قَالَ: مَنْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ فَتَحَ اَللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ»[١٩].
سؤال الصدقة داخل المسجد
تقدّم فيما سبق أنَّ فقهاء الإمامية ذهبوا إلى كراهة السؤال بصورة عامة، فيشمل ما إذا كان خارج المسجد أو داخله، لكن وردت الأحاديث مستفيضةً في تصدّق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على السائل بخاتمه وهو راكع في الصلاة، فمدحه الله تعالى بقوله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[٢٠].
السؤال في الدعاء
الدعاء في اللغة: هو السؤال والتضرّع إلى الله والاستغاثة به، كما قال تعالى: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾[٢١].[٢٢]، وهو مرادف للسؤال بمعنى طلب الحاجة، ويفترق عنه أنّه متوجّه إلى الله تعالى، وقد ورد الحثّ على الدعاء والسؤال من الله في كثير من الآيات والروايات الشريفة عن النبي (ص) والأئمّة المعصومين (ع)[٢٣]، كما قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[٢٤].[٢٥]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ مجمع البحرين ٨٠٠: ٢، مادة (سأل).
- ↑ سورة النحل، الآية ٤٣.
- ↑ العين ٣٠١: ٧. الصحاح ١٧٢٣: ٥. لسان العرب ١٣٤: ٦-١٣٥. مجمع البحرين ٧٩٩: ٢-٨٠٠. المعجم الوسيط ٤١١: ١، مادة (سأل).
- ↑ سورة النساء، الآية ٣٢.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٠، ص ٢٧٠.
- ↑ معجم الفروق اللغوية: ٤٨.
- ↑ سورة النحل، الآية ٤٣.
- ↑ سنن الدارمي ١٣٩: ١.
- ↑ وسائل الشيعة ١٩: ٢٧، ب ٣ من صفات القاضي، ح ٧.
- ↑ سورة المائدة، الآية ١٠١. وانظر: دعائم الإسلام ٢٨٨: ١. مسند أحمد ١١٣: ١.
- ↑ الحدائق الناضرة ٤٦: ١، و ٤١٢: ٥. وانظر: رياض المسائل ٣٢٩: ٥. تقريرات المجدّد الشيرازي ١١٥: ٤.
- ↑ المستصفى ١٢٤: ٢، ط المكتبة التجارية، القاهرة، سنة ١٣٥٦ ه. المجموع ٥٤: ١. وانظر: الموافقات ٢٦١: ٤. الموسوعة الفقهية الكويتية ٤٦: ٣٢.
- ↑ تحرير الأحكام ٢٤٣: ٢. عوائد الأيّام: ٥٤٦-٥٤٩. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) ٧٧: ١. دراسات في المكاسب المحرّمة ٣٣: ٢.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٠، ص ٢٧٠-272.
- ↑ تذكرة الفقهاء ٤٠٤: ٥. مجمع الفائدة ٢٨٨: ٤. غنائم الأيّام ٣٩٨: ٤. الموطّأ ٩٩٧: ٢ وما بعدها. تنوير الحوالك: ٧٢٠-٧٢١. المبسوط (السرخسي) ١٤٥: ٢٧.
- ↑ الخموش: مثل الخدوش. انظر: النهاية (ابن الأثير) ٨٠: ٢.
- ↑ السنن الكبرى (البيهقي) ٢٤: ٧.
- ↑ وسائل الشيعة ١٥٨: ١٦، ب ١٣ من الأمر، ح ١، وفيه: عن داوود الرقي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع). سنن الترمذي ٣٥٦: ٣.
- ↑ وسائل الشيعة ٤٣٧: ٩، ب ٣١ من الصدقة، ح ٣.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٥٥.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٥٦.
- ↑ لسان العرب ٣٥٩: ٤-٣٦٠. المصباح المنير: ١٩٤-١٩٥. مجمع البحرين ٥٩٥: ١-٥٩٦، مادة (دعا).
- ↑ انظر: زبدة البيان: ١٢٣. الحدائق الناضرة ٤٩٥: ١٠. مصباح الفقاهة ٢٥٣: ١. نيل الأوطار ٢٥: ٤. الدعاء: ٣٣. الاستذكار ٤٧٥: ١.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٥٥.
- ↑ السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٠، ص ٢٧2-274.