السنة

من إمامةبيديا

التعريف

لغة: السنّة في الأصل: سُنّة الطريق، وهو طريق سَنّه أوائل الناس فصار مسلكاً لمن بعدهم[١]. والسنّة أيضاً: السيرة والعادة، حسنة كانت أو قبيحة [٢].

اصطلاحاً: يختلف معنى السنّة في استعمال الفقهاء عن معناها في استعمال الاُصوليين، وبيان ذلك كما يلي: أمّا الفقهاء فقد استعملوا السنّة في معنيين:

  1. السنّة بالمعنى المقابل للبدعة[٣]، ويراد بها ما هو مشروع ومنصوص عليه شرعاً من الأفعال والتروك، ويقابلها البدعة التي قيل في معناها: هي الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين[٤].
  2. السنّة بمعنى المستحبّ المؤكّد: وذكروا في تعريفها بأنّها: فعل من النوافل داوم عليه الرسول (ص) وأكّد الأمر على غيره بالدوام عليه[٥]. أو هي: الفعل إذا واظب عليه النبي (ص)، ولم يدلّ دليل على وجوبه[٦]. وعرّفها بعضهم بأنّها: ما طلب فعله طلباً مؤكّداً غير جازم[٧]. وعرّفها آخر بأنّها: ما يستحقّ الثواب بفعله ولا يعاقب بتركه[٨]. وأمّا الاُصوليون فقد أرادوا بالسنّة أحد الأدلّة الشرعية على الأحكام.

وعرّفها الإمامية بأنّها: قول المعصوم أو فعله أو تقريره[٩]؛ انطلاقاً من عقيدتهم في أنّ المعصوم من آل البيت (ع) يجري قوله وفعله وتقريره مجرى قول النبي (ص) وفعله وتقريره في الحجّية ووجوب الاتِّباع على العباد[١٠].

وقسّمت السنّة في اُصول الفقه إلى: السنّة القولية والفعلية والتقريرية، وهي سكوته عن إنكار ما فعله[١١]. وتمام الكلام موكول إلى محلّه من علم الاُصول.[١٢]

الأحكام

حكم السنّة المقابلة للبدعة

يرى فقهاء الإمامية أنّ الله تعالى قد أكمل دينه وبيّن الأحكام الفرعية على لسان نبيّه (ص)، وأنّه (ص) قد ترك في الاُمّة ما يغنيها ويعصمها عن الضلال، وهما الثقلان: كتاب الله (عزوجل) وعترة نبيّه (ص)، شريطة التمسّك بهما معاً، كما نصّ الحديث الشريف، قال رسول الله (ص): «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا - كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَ إِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ اَلْحَوْضَ»[١٣]؛ لذا لم يبق للمتخلّف عنهما عذر في مخالفة السنّة والعمل بالبدعة، علماً بأنّ فقهاء الإمامية يقولون بحرمة البدعة، سواء كانت في العبادات أو في غيرها؛ لأنّ العبادات توقيفية يحظر فيها الزيادة و النقصان، مضافاً إلى أنّ المتبادر من البدعة هو الحرمة[١٤].

السنّة بمعنى المستحبّ‌

ترادف ألفاظ السنّة والمستحبّ والندب ونحوها

وقع الكلام بين الفقهاء في أنّ ألفاظ: السنّة، والمندوب، والمستحبّ‌، والتطوّع، والنفل، هل هي ألفاظ مترادفة أو لا؟ حيث اختلفوا في ذلك على أقوال:

  1. أنّ السنّة والندب والمستحبّ والنفل والفضل والإحسان ألفاظ مترادفة، إلّا أنّ السنّة قد تطلق على الواجب في بعض المواضع. صرّح بذلك بعض فقهاء الإمامية؛ باعتبار إطلاقها على ما ثبت وجوبه بقول النبي (ص) دون الكتاب[١٥]. وصرّح بعضهم بأنّ المتبادر من السنّة هو المستحبّ‌[١٦].

حكم ترك السنن

ظاهر جماعة من الإمامية المنع من ترك السنن إذا ظهر منه التهاون بها[١٧].

السنّة لدى الاُصوليين سعةً وضيقاً

تقدّم إجمالاً تعريف السنّة عند الاُصوليين، وهي إحدى أدلّة الحكم الشرعي بعد الكتاب العزيز، يستنبط منها الأحكام الفقهية، وهي مخصّصة لعمومات الكتاب ومقيّدة لإطلاقاته. ويقع الكلام هنا في بيان مدلولها سعة ًوضيقاً، فقد اتّفقت كلمة الاُصوليين على صدق السنّة على ما صدر من قول النبي (ص) وفعله وتقريره، ولكن اختلفوا في سعتها وشمولها، ويرى الشيعة أنّ ما صدر من الأئمّة من أهل البيت (ع)، هو أيضا من السنة[١٨]. والمسألة ذات تفاصيل، يرجع فيها إلى الكتب الاُصولية.

السنّة والحديث والأثر والخبر

قال الشهيد الثاني (من فقهاء الإمامية): الخبر والحديث مترادفان، وهواصطلاحاً كلام يكون لنسبته خارج في أحد الأزمنة الثلاثة، تطابقه أو لا تطابقه، وهو أعم من أن يكون قول الرسول والإمام والصحابي والتابعي وغيرهم، وفي معناه فعلهم وتقريرهم، وخصّ بعضهم الحديث بما جاء عن المعصوم، والخبر بما جاء عن غيره، أو يجعل الحديث أعم مطلقاً، والأثر أعم منهما مطلقاً[١٩].

وقال الشيخ البهائي: «الحديث: كلام يحكي قول المعصوم (ع) أو فعله أو تقريره، وإطلاقه عندنا على ما ورد عن غير المعصوم (ع) تجوّز، وكذلك الأثر. والخبر يطلق تارة على ما ورد عن غير المعصوم (ع) من الصحابي والتابعي ونحوهما، واُخرى على ما يرادف الحديث، وهو الأكثر... ولو قيل: الحديث: قول المعصوم (ع) أو حكاية قوله أو فعله أو تقريره، لم يكن بعيداً، وأمّا نفس الفعل والتقرير فيطلق عليهما اسم السنّة لا الحديث...»[٢٠]. وبهذا يتّضح أنّ الحديث وأخويه هما الحاكي، والسنّة هي المحكي[٢١]. [٢٢]

المراجع والمصادر

  1. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن

الهوامش

  1. لسان العرب ٣٩٩: ٦ «سنن».
  2. لسان العرب ٣٩٩: ٦. المصباح المنير: ٢٩٢ «سنن».
  3. انظر: الاُصول العامة للفقه المقارن: ١٢١.
  4. الحدود والحقائق (رسائل الشريف المرتضى) ٢٦٤: ٢.
  5. الحدود والحقائق (رسائل الشريف المرتضى) ٢٧٣: ٢.
  6. حاشية ابن عابدين ٧٠: ١، ٤٥٤. جواهر الإكليل ٧٣: ١. مسلم الثبوت ٩٢: ٢. جمع الجوامع ٨٩: ١، ٩٠.
  7. جواهر الإكليل ١١: ١.
  8. الفتاوى الهندية ٦٧: ١. مطالب اُولي النهى ٩٢: ١.
  9. القوانين المحكمة ٣٣٨: ٢. اُصول الفقه (المظفر) ٥٧: ٢.
  10. اُصول الفقه (المظفر) ٥٧: ٢.
  11. انظر: الاُصول العامة للفقه المقارن: ١٢٢-١٢٣.
  12. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١١، ص ١٤٥-١٤٦.
  13. وسائل الشيعة ٣٣: ٢٧-٣٤، ب ٥ من صفات القاضي، ح ٩. سنن الترمذي ٦٦٣: ٥. مسند أحمد ١٤: ٣، ١٧. المستدرك على الصحيحين ١٤٨: ٣. وانظر: السنة في الشريعة الإسلامية (محمد تقي الحكيم): ٢٩ وما بعدها.
  14. انظر: القوانين المحكمة ٣٠٥: ١. هداية المسترشدين ٦٧٤: ٢. جامع المقاصد ٤٥٧: ١. روض الجنان ٦٥٦: ٢، ٦٨٦.
  15. الأقطاب الفقهية: ٣٧. ذخيرة المعاد: ٦. وانظر: الحدائق الناضرة ٢١٩: ٤، و ٢٩٥: ٨.
  16. مدارك الأحكام ٨٢: ٨.
  17. انظر: الدروس الشرعية ١٢٥: ٢. الدرّ المنضود (ابن طي): ٢٨٨. الروضة البهية ١٣٠: ٣. مشارق الأحكام (النراقي): ١٩٤.
  18. الاُصول العامة للفقه المقارن: ١٢٢-١٢٣، ١٣٣، ١٤٥.
  19. رسائل في دراية الحديث (البداية في علم الدراية) ١٢١: ١. الرعاية في علم الدراية: ٤٩-٥٠.
  20. الوجيزة في الدراية: ٢-٣.
  21. انظر: مقباس الهداية ٥٧: ١.
  22. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١١، ص ١٤٦-١٥٠.