السنة عند أهل السنة

من إمامةبيديا

التعريف

السنة النبوية: هي أقوال الرسول (ص) وأفعاله وتقريراته. والمراد بحجيتها: قبولها، واعتقاد أنها وحي من الله تعالى، وأنها جزء من الرسالة التي أمر الرسول (ص) بتبليغها.

والناس أمام حجية السنة وعدم حجيتها أنواع:

الأول: مسلمون مذعنون لرسول الله (ص) ملتزمون بقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[١]. وبقوله تعالى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[٢]. وبقوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[٣]. وبقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ[٤]. والطاعة عند هؤلاء واجبة فيما أمر به وجوباً، وواجبة الابتعاد فيما نهي عنه تحريما، ومستحبة فيما أمر به استحباباً، ومكروهة فيما نهي عنه تنزيها، ومباحة الفعل والترك فيما أذن بطرفيه، الفعل والترك.

الثاني: هناك من الناس من يقف أمام حجية السنة على طرف النقيض من النوع الأول، يردون السنة كلها، وينكرونها جملة وتفصيلاً، وينكرون أنها وحي من عند الله، وأنها من جملة الرسالة، وقريب من هؤلاء من يعترف بأنها وحي لكنه يتشكك في ثبوتها كلها، وصدورها عن محمد (ص) لعدم قدرته على الفصل بين صحيحها وضعيفها، فيردها ككل، ويدعى إمكان الاكتفاء بالقرآن الكريم.

وهذان النوعان في حاجة إلى دراسة ووعي علمي وديني، أو الرجوع إلى أهل الذكر والاختصاص، وشأنهم في ذلك شأن المريض الذي لا يميز بين الأدوية، ما ينفع منها، وما يضر، فيظن أن الحكمة في ترك الدواء، كل الدواء.

ومشكلة العصر في تشكيك بعض المسلمين في السنة، بل بعض علماء المسلمين من بني جلدتنا، ويتكلمون لغتنا، بل ويحملون مؤهلاتنا وشهاداتنا، لكنهم بهدف أو بآخر يتنصلون من بعضها، وفي الرد عليهم رد على غيرهم من الطاعنين أو المغرضين أو الشاكين، وهم يقسمون السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، فيقول أحدهم: ما ورد عن النبى (ص) ودون في كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام:

  1. ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب، والنوم، والمساواة في البيع والشراء.
  2. ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية والاجتماعية، كالذي ورد في شئون الزراعة، والطب، وطول اللباس وقصره.
  3. ما سبيله التدبير الإنساني أخذا من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعاً، يتعلق طلب الفعل والترك، وانما هو من الشئون البشرية التي ليس مسلك الرسول فيها تشريعاً ولا مصدر تشريع[٥].

ثم يقول: ومن هنا نجد أن كثيراً مما نقل عنه صور بأنه شرع أو دين أو سنة أو مندوب، وهو لم يكن في الحقيقة صادراً على وجه التشريع أصلاً[٦].

فهذا القول ينفي التشريع بأحكامه الأريعة (الوجوب، والندب، والحرمة، والكراهة) عن جميع أقواله وأفعاله وتقريراته (ص) الواردة في هذه الأمور الثلأثة، ولو تتبعنا ما ورد في الأكل والشرب كمثال لوجدنا منه ما هو واجبه، وما هو محرم، وما هو مندوب، وما هو مكروه فأحاديث: صيد الكلب، وحل السمك، والجراد الميت، وتحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، تحرم أشياء، وتبيح أشياء فكيف لا يكون الرسول (ص) فيها مشرعاً؟

والله تعالى يقول عنه: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ[٧].

ويقول الآخر: فما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات، أفلا يجوز لمن يأتى بعده أن يدلي في الموضوع باجتهاده أيضاً؟ هادفا إلى تحقيق المصلحة، ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول باجتهاده[٨].

وهذه الشبهات من أخطر ما يوجه إلى السنة من تحطيم، فشبهتهم أن الرسول (ص) بشر من الناس، وهذا حق، لكن بشريته لم تلغ رسالته في وقت من الأوقات فهو بشر رسول في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، إن جعله رسولا في قول دون قول، وفي فعل دون فعل؟

يلغى الأمر بالاقتداء به، وينفي مراقبة الله له في وقت من الأوقات، وفي قول من الأقوأل، وفي فعل من الأفعال.

كيف تفلت بعض أفعال محمد (ص) من مراقبة الله، وكل مؤمن وغير مؤمن مراقب محاسب على ما يفعل، وهو يزيد عن البشر بالوحي والرؤية في المنام وفي الإلهام، وبجبريل - (ع) - ومأمور بالاقتداء به في أفعاله والعمل بأقواله.

لقد حوسب وعوتب على أنه امتنع عن طعام يحبه، إرضاء لأزواجه، فنزل فيه قرآن يتلى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ[٩].

ولقد حوسب وعوتب على عوارض انفعالاته، وتجهم وجهه في ملاقاة أعمى لا يراه، ولا يتأثر بعبوسه، فنزل فيه قرآن يتلى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى[١٠].

بل لقد عوتب وحوسب على خلجات قلبه، ودواخل نفسه، فنزل فيه قرآن يتلى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ[١١].

أليست كل هذه الأفعال قد صدرت بصفته البشرية؟ لكنها خضعت لرقابة الوحي، وتوجيه الوحي، ولكل فعل من أفعال المكلفين حكم عند الله، لأنه إما أن يكون مرضيا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير مرضى عنه، ويستحيل أن يفعل محمد (ص) فعلا لا يرضى عنه الله، وينزل جبريل المرة بعد المرة فلا يعدله، ولا يوجهه، فنزول جبريل بعد صدور حكم له (ص) أو فعل، وعدم اعتراضه عليه، إقرار وتقرير من الله تعالى، وهو شرع لا يسند إلى محمد (ص) ولكنه يسند إلى الله تعالى.

وكان الصحابة يؤمنون بذلك، ويقتدون بأفعاله على أنها شرع الله حتى فيما هو من الأمور البشرية، لبس نعله في الصلاة، فلبسوا نعالهم، فلما خلع نعله لسبب لا يعلمونه، خلعوا نعالهم، فلما قضى صلاته، قال لهم: (ما حملكم على إلقاء نعالكم، قالوا رأيناك ألقيت نعلك، فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيها قذرا أوأذى) [١٢] ونزل ضيفاً على أبى أيوب الأنصارى، فتكلفوا له طعاما، فيها ثوم، فكره أكله فتوقف الصحابة عن أكله، فقال لهم: «كُلُوا فإني لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنكم ، إني أخافُ أنْ أُوذِيَ صاحِبَيَّ »[١٣]. وقدم إليه الضب في طعامه فكره أكله، فقيل له: أحرام هو؟ قال: (لا ولكن نفسى تعافه، فأكلوه بعد أن توقفوا)[١٤].

إن الذين ينفون التشريع عن فعل النبى (ص) في الأكل والشرب يسوون بين أكله وشربه (ص) وبين أكل وشرب أبى جهل وأبى لهب، فالكل عندهم صادر عن الجبلة والعادة والطبيعة والبشرية وما هكذا يفهم الإسلام والله المستعان.[١٥]

المراجع والمصادر

  1. موسى شاهين لاشين، مقالة «السنة»، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة

الهوامش

  1. سورة النساء، الآية ٦٥.
  2. سورة الأحزاب، الآية ٢١.
  3. سورة الحشر، الآية ٧.
  4. سورة النساء، الآية ٨٠.
  5. الإسلام عقيدة وشريعة، للشيخ محمود شلتوت، ص٥٠٨ وما بعدها.
  6. الإسلام عقيدة وشريعة، للشيخ محمود شلتوت، ص٥٠٨ وما بعدها.
  7. سورة الأعراف، الآية ١٥٧.
  8. السنة والتشريع للدكتور/عبد المنعم النمر، ص٤٧.
  9. سورة التحريم، الآية ١.
  10. سورة عبس، الآية ١ - ٢.
  11. سورة الأحزاب، الآية ٣٧.
  12. أخرجه أبو داوود كتاب الصلاة باب الصلاة في النعال.
  13. اللفظ لابن خزيمة وابن حبان والأصل في البخارى.
  14. أخرجه البخارى في كتاب الصيد والذبائح باب الضب
  15. موسى شاهين لاشين، موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة