الصراط
تمهيد
بعد طي المراحل السابقة يتمايز صف أهل الجنة عن صف أهل النار، في هذه المرحلة تُشير بعض الآيات وتصرّح بعض الروايات بأنّ جميع أهل المحشر سوف يمرون عبر صراط يقع على النار - أو داخلها، وأنّ أهل الجنة يعبرونه بسلام لكن أهل النار يتساقطون من عليه في النار، ومن جملة الآيات التي أشارت إلى مسألة الصراط: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾[١]، تُبيّن الآيات المذكورة أنّ كل الناس تدخل النار إلا أنّ الله ينجي المتقين ويترك الظالمين - الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم - فيها. ويعتقد كثير من المفسّرين أنّ هذه الآيات ترتبط بالصراط، لأنّ أهل الجنة أيضاً ينبغي عليهم أن يمرّوا من الصراط وعندما يمرّون عليه فإنهم سوف يردون النار[٢]. وقد جاء في حديث عن النبي الأكرم(ص): الورود الممرّ على الصراط. ووردت روايات أخرى في بيان الآية ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾[٣] تُفسِر المرصاد بأنه الجسر الواقع على الصراط، وقد ورد عن الإمام الصادق(ع): قالب:متن حديث[٤]، كما توجد روايات أخرى تُبيّن أنّ هناك علاقة بين الصراط الأخروي والصراط المستقيم في الدنيا، منها ما ورد في حديث مفضل بن عمر، يقول: قالب:متن حديث[٥]. وتُشير روايات أخرى إلى أنّ الناس يختلفون في كيفية مرورهم على الصراط حيث إنّ سرعة عبورهم ترتبط بمقامهم ومنزلتهم، فكلما كان للإنسان مقام معنوي أعلى كلما كان عبوره أسرع وبالتالي تصبح جلوات النار أقل بالنسبة له، فعن الرسول الأكرم(ص): قالب:متن حديث، يتضح من مضمون هذه الروايات أنّ العلاقة بين الإنسان والصراط المستقيم في الدنيا، تظهر في الآخرة على صورة عبوره من الصراط، والناس تختلف في عبور صراط القيامة على حسب اختلافهم في سلوك الصراط المستقيم في الدنيا، فذلك الإنسان الذي قضى عمره في الصراط المستقيم يعبر على الصراط بسرعة البرق الخاطف، وذلك الذي اختار طريق الانحراف في حياته الدنيا لن يتمكن من عبور الصراط وسيسقط في نار جهنم، وبهذا البيان يتضح معنى الروايات التي تُشير إلى أنّ الصراط أدق من الشعرة وأشد حدة من حد السيف»[٦]، أي: أنه كما أنّ الالتزام بتثبيت الأقدام على الصراط المستقيم في الدنيا هو من الأمور الصعبة والشاقة على الإنسان خصوصاً مع الأخذ بعين الإعتبار محاولات الشيطان في إغواء الإنسان وتسويلات النفس الأمارة بالسوء، فإنّ التجلّي الأخروي للصراط بالنسبة إلى من لا إيمان ولا عمل صالح له هو أمرٌ شاق وصعب أيضاً، بل هو أمر غير ممكن، ويُستفاد من روايات متعدّدة أنّ العبور من الصراط غير ممكن إلا إذا كان الإنسان من أهل ولاية النبي الأكرم وأهل بيته(ع).[٧]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة مريم: ۷۱-۷۲.
- ↑ اختلف العلماء في معنى (الورود) المذكور في الآية البعض يعتقد أنّ الورود لا يعني الدخول، بل يعني الإشراف والاقتراب، وقد استعمل هذا المعنى في الآية ۲۳ من سورة القصص: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ...﴾، بناء على ذلك تصبح الآيات مورد البحث تتضمن إشارة لطيفة إلى الصراط، لكن البعض الآخر يعتقد أنّ (الورود) بمعنى الدخول كما في الآية ۹۸ و۹۹ من سورة الأنبياء، ويؤيّد هذا المعنى الآية ۱۳ من سورة السجدة أيضاً: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾. راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، ج۱۴، ص۸۹ – ۹۴.
- ↑ سورة الفجر: ۱۴.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۸، ص۶۴.
- ↑ الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص۳۲، ح۱.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۸، ص۶۴، ح۱.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٦٣٢-٦٣٥.