العرفان
العرفان الشامخ المطروح في الإسلام والقرآن
نشير فيما يلي باختصار إلى العرفان المطروح في القرآن وفي الإسلام ـ والذي يستحيل وصول شخص غير متربٍّ بتربية القرآن اليه ـ ونكتفي في ذلك بالتلميح إلى نقاط ثلاث:
- حبّ الله.
- رضوان الله.
- لقاء الله.
أمّا حبّ الله فقد عدّه القرآن من فضل الله الذي يؤتيه من يشاء، وعدّه علامة على أنّ صاحبه يكون معتصماً من الارتداد عن مبدئه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّة عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِم ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم[١]، فمن لم يتربّ في مدرسة القرآن قد يصعب عليه تصوّر الالتذاذ بحبّ الله فوق الالتذاذ باللذات المادّية فضلاً عن التصديق به أو الوصول اليه، أمّا تلميذ القرآن فيقول: «إِلهي مَنْ ذَا الَّذي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاًَ؟ وَمَنْ ذَا الَّذي آنَسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاًَ»[٢] ؟
وأمّا رضوان الله فقد جعله القرآن أكبر من جنّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنّات عدن، قال الله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم[٣].
ولا أحد يستطيع أن يتصوّر ذلك عدا من يكون متربّياً بأخلاقيّة القرآن كالمرحوم آية الله السيّد صدر الدين أحد أجداد اُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سرهما) والذي كان يقول:
رضاك رضاك لا جنّات عدن وهل عدنٌ تطيب بلا رضاكا[٤] ولعلّه أخذه من الآية المباركة التي أشرنا إليها.
وأمّا لقاء الله ـ وليس المقصود اللقاء المادّي تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ فقد عبّر القرآن عن ذلك ـ على ما يبدو ـ بالنظر إلى الله ـ والمقصود النظر بعين البصيرة وليس بالباصرة ـ في قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة﴾[٥]، ويحتمل أن يكون اللقاء المعنوي أيضاً هو المقصود في آخر سورة القمر، حيث قال: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَنَهَر * فِي مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر﴾[٦].
وقد عبّر عن نقيض ذلك بالحجاب في قوله تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذ لَّمَحْجُوبُون[٧].
ومَن الذي يستطيع أن يصل إلى مغزى لذّة لقاء الله، وحقيقة ألم فراقه غير تلميذ القرآن الذي يقول: «فَهَبْني يا إِلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ وَرَبِّي صَبَرْتُ عَلَى عَذابِكَ فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِراقِك»[٨]؟[٩]