العقل

من إمامةبيديا

التعريف

لغةً‌: والعقل: التثبّت في الاُمور، والعقل: المنع، وسمي العقل عقلاً؛ لأنّه يعقل صاحبه عن التورّط في المهالك، أي يحبسه، وقيل: العقل: هو التمييز الذي به يتميّز الإنسان من سائر الحيوان، ويقال: لفلان قلب عقول، وقلب عقول فهم؛ وعقل الشيء يعقله عقلاً: فهمه[١].

اصطلاحاً: أطلقه الفقهاء على القوّة الإدراكية التي يميّز بها الإنسان الأشياء بدرجة معيّنة، والتي تثبت التكليف في حقّ الواجد لها، ويقابله المجنون، فيقال: العقل من الشروط العامّة في التكليف[٢].

وأمّا في علم الاُصول فقد بحث الاُصوليّون في باب دليل العقل في المدركات العقلية وأثرها في استكشاف الحكم الشرعي، أو الملازمة بين حكمين، كوجوب شيء ووجوب مقدّمته.[٣]

الأحكام

يقع البحث في العقل في مقامين:

الأوّل: العقل فقهيّاً

  1. العقل وأهليّة التكليف: من الشروط العامّة في التكليف: العقل، فإنّ المجنون غير قابل لتوجّه التكليف إليه حال جنونه؛ لقبح تكليف من لا يعقل؛ لقول الإمام عليّ (ع) - في حديث -: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اَلْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنِ ثَلاَثَةٍ،عَنِ اَلصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ،وَ عَنِ اَلْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ،وَ عَنِ اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟»[٤]، والمراد من القلم هو قلم التكليف. وعبّر فقهاء الإمامية عن ذلك ب‍ - (شروط التكليف)، وذلك عند بحثهم في (الشروط العامّة للتكليف)، وأمّا سائر الفقهاء فيعبِّرون عنه بشروط: (أهلية الأداء) وهي صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتدّ به شرعاً[٥]. نعم، لو كان جنونه أدوارياً جاز تكليفه حال إفاقته[٦]. وعدّ الفقهاء الجنون - الذي هو ضدّ العقل - من عوارض الأهلية، والمقصود بها: الأحوال التي تطرأ على الإنسان بعد أن كملت أهليّته للأداء وتمّت صلاحيته؛ لأنْ يتوجّه إليه الخطاب الشرعي، فتوثّر وتزيل هذه الأهليّة أو نقضها[٧].
  2. أثر العقل في التكاليف غير الماليّة: ويراد بها التكاليف الخالية من الجهات المالية، مثل: الصلاة والصوم ونحوها. فذهب الإمامية[٨] وفقهاء المذاهب[٩] إلى أنّ هذه التكاليف تدور مدار عدّة اُمور، ومع فقدها أو فقد أحدها لا يتوّجه التكليف إلى الإنسان، ومنها: العقل، فالمدار في توجّه التكليف بهذه الاُمور هو العقل، ويُعدُّ من الشروط العامّة للتكليف، فمن توفّر فيه العقل مضافاً للاُمور الاُخرى توجّه إليه التكليف وإن فقده - كالمجنون - ارتفع عنه التكليف. ويدلّ على ذلك - مضافاً لما تقدّم - حديث امتحان العقل، ففي صحيحة محمد ابن مسلم عن الإمام الباقر (ع) أنّه قال: «لَمَّا خَلَقَ اَللَّهُ اَلْعَقْلَ اِسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَ لاَ أَكْمَلْتُكَ إِلاَّ فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ»[١٠]. وعن أبي الجارود عنه (ع) أيضاً قال: «إِنَّمَا يُدَاقُّ اَللَّهُ اَلْعِبَادَ فِي اَلْحِسَابِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ اَلْعُقُولِ فِي اَلدُّنْيَا »[١١].
  3. أثر العقل في التكاليف الماليّة: ويراد بها الإلزامات المتعلّقة بالأموال، مثل: الزكاة والخمس والنفقة الواجبة ونحوها. واختلف الفقهاء في اشتراط العقل في توجّه التكليف في مثل هذه الإلزامات، وهل تتعلّق بالمجنون أم لا؟
    1. الزكاة (زكاة المال): المشهور[١٢] بين الإمامية سقوطها عن المجنون. نعم، يستحبّ في النقدين إذا اتّجر به الوليّ‌، ويستحبّ في المواشي والغلّات، وقيل: يجب[١٣]. وذهب جماعة إلى أنّه لا زكاة في ماله إلّا في النقدين إذا اتّجر به الوليّ استحباباً[١٤]. واختلف فقهاء المذاهب على ثلاثة أقوال: فذهب الحنفية إلى أنّه لا زكاة في مال المجنون إلّا في زرعه[١٥]. وذهب المالكية والشافعية والحنابلة[١٦] إلى وجوب الزكاة في مال المجنون وزرعه، ويخرجهما الوليّ‌، فإن لم يخرجها فعلى المجنون إذا أفاق إخراج زكاته. وذهب محمد بن الحسن[١٧] - من الحنفية - إلى التفريق بين الجنون الأصلي والعارض، وإيجاب الزكاة إذا بلغ الصبي مجنوناً، وهو مالك للنصاب فزال جنونه بعد مضي ستّة أشهر، وقد تمّ الحول من وقت البلوغ وهو مفيق.
    2. زكاة الفطرة: ذهب الإمامية إلى عدم وجوب زكاة الفطرة على المجنون ولاعلى وليّه[١٨]. وذهب جمهور فقهاء المذاهب إلى وجوبها في حقّه، خلافاً لمحمد بن الحسن وزفر - من الحنفية - فلم يوجباها عليه، ولو أدّاها الوليّ أو الوصيّ من ماله فعليه الضمان[١٩].
    3. الخمس: الظاهر عدم اشتراط التكليف - البلوغ والعقل - والحرّية في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام، والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، فيتعلّق بها الخمس، وهو ما صرّح به جماعة من الإمامية، وعن بعض آخر: الاتّفاق في المعدن، وعن ثالث: ظهور الاتّفاق في الكنز والغوص، وعن رابع: ظهور عدم الخلاف في المعدن والكنز والغوص والغنيمة، بل هو مقتضى إطلاق الفتاوى ومعاقد الإجماعات، وإطلاق الأدلّة. نعم، اقتصار البعض على بعض الموارد هو عدم الخمس في غيرها[٢٠]. وأمّا ما يخصّ باب الركاز فذهب جمهورهم (الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى أنّ الذي يجب عليه الخمس هو كلّ من وجد الركاز من مسلم أو ذمّي، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون، فإن كان صبيّاً أو مجنوناً فهو لهما، ويخرج عنهما وليّهما، وهذا قول أكثر أهل العلم[٢١]. وذهب الشافعية إلى عدم وجوب الخمس إلّا على مَنْ تجب عليه الزكاة، سواء كان رجلاً أو امرأة، رشيداً أو سفيهاً، صبياً أو مجنوناً[٢٢]. وأمّا ما يخصّ الكنز فقد اشترطوا أهلية الواجد، ويراد بها: صلاحية الواجد للاستحقاق من الغنيمة، وهذا هو تفسير الحنفية ومن وافقهم من المالكية والحنابلة[٢٣].
  4. اشتراط العقل في العقود والإيقاعات: ذهب الإمامية[٢٤] وفقهاء المذاهب[٢٥] إلى أنّ صحّة جميع العقود والإيقاعات - سواء كانت مالية أم لا - مشروطة بصدورها من عاقل، فلا تصحّ لو صدرت من مجنون، سواء كان إطباقياً أو أدوارياً حال جنونه؛ لأنّ المجنون عديم العقل والتمييز والأهلية، ولحديث رفع القلم. هذا في المجنون المطبق، وأمّا في المجنون الأدواري فإنّ عبارته مسلوبة في دوره الجنوني، ولها أثرها في دور إفاقته ووعيه[٢٦]، ويأتي تفصيل مورده في أبواب الفقه المختلفة.
  5. اشتراط العقل في ثبوت الحدّ: المعروف بين الإمامية[٢٧] وفقهاء المذاهب[٢٨] عدم ثبوت الحدّ على المجنون المرتكب لأحد موجباته حال جنونه، بل يؤدّب؛ لاشتراط العقل في ثبوت الحدّ على الجاني؛ لحديث رفع القلم المتقدّم ذكره. ولما روي عن الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر عن الإمام علي (ع) أنّه قال: «لاَ حَدَّ عَلَى مَجْنُونٍ حَتَّى يُفِيقَ وَ لاَ عَلَى صَبِيٍّ حَتَّى يُدْرِكَ وَ لاَ عَلَى اَلنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ »[٢٩]. نعم، وقع الكلام بين الفقهاء في حكم من أوجب على نفسه الحدّ، وهو صحيح لا علّة به ثمّ جُنّ‌، فهل يسقط عنه الحدّ أم يقام حال جنونه‌؟ أم ينتظر حتى يفيق‌؟ تقدّم الكلام فيه.
  6. اشتراط العقل في ثبوت القصاص: ذهب الإمامية[٣٠] إلى سقوط القصاص عن المجنون إجماعاً[٣١]؛ لرفع القلم عنه، ولخصوص الأخبار الدالّة على هذا الحكم، سواء كان المقتول عاقلاً أو مجنوناً، وسواء كان مطبقاً أو أدواراً إذا قتل حال أدواره، وتثبت الدية عندهم على عاقلته؛ لأنّ عمده خطأ، فإن لم تكن له عاقلة فعن بعضهم أنّ الدية على بيت المال، والمحكي عن بعضهم أنّها على الإمام دون بيت المال. وسقوط القصاص عن المجنون ممّا لا خلاف فيه عند فقهاء المذاهب[٣٢].
  7. عدم اشتراط العقل في الإتلافات: لو أتلف المجنون مال غيره ثبت في حقّه الضمان، ويضمن في ماله إن كان له مال، وإلّا اتبع به في ذمّته متى اكتسب؛ لأنّ الضمان غير مشروط بالعقل أو البلوغ[٣٣].[٣٤]

العقل اُصوليّاً

دليل العقل وحجّيته

تحديد العقل

اختلف الاُصوليّون والعلماء في تحديد المراد من العقل باعتباره من القواعد التي يستند إليها المجتهدون في مجالات استنباط الأحكام. وقد خلط بعضهم بين العقل كمصدر للحجيّة في كثير من الاُصول المنتجة للحكم الشرعي الفرعي الكلّي أو الوظيفة، وبين كونه أصلاً بنفسه يصلح أن يقع كبرى لقياس استنباط الأحكام الفرعية الكلّية - كالكتاب والسنّة - على حدّ سواء. وقد عقدت في كتب بعض الإمامية وبعض علماء المذاهب أبواب لما أسموه بدليل العقل، وعند فحص هذه الأبواب نجد المعروف فيها التماس العقل كدليل على ما ينتج الوظائف أو الأحكام الظاهرية، أي إنّنا نجده دليلاً على الأصل المنتج، لا أنّه بنفسه أصل منتج لها.

قال الغزالي في مبحث دليل العقل - وهو الأصل الرابع لديه -: «دلّ العقل على براءة الذمّة عن الواجبات وسقوط الحرج عن الخلق في الحركات والسكنات قبل بعثة الرسل (ع) وتأييدهم بالمعجزات، وانتفاء الأحكام معلوم بدليل العقل قبل ورود السمع، ونحن على استصحاب ذلك إلى أن يرد السمع»[٣٥]. فالعقل عنده هنا من الأدلّة على البراءة، وهي أصل منتج للوظيفة، فهو دليل على الأصل لا دليل على الوظيفة مباشرة.

ومن الإمامية قال المحدّث البحراني: «المقام الثالث: في دليل العقل، وفسّره بعض بالبراءة الأصلية والاستصحاب، وآخرون قصروه على الثاني، وثالث فسّره بلحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب، ورابع - بعد البراءة الأصلية والاستصحاب - بالتلازم بين الحكمين المندرج فيه مقدّمة الواجب، واستلزام الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاص، والدلالة الالتزامية»[٣٦].

وحاصل كلمات العلماء في دليل العقل ثلاثة معان:

  1. أنّه إدراك الحكم الشرعي مباشرة، ويقع كبرى لقياس استنباط الأحكام الفرعية الكلّية، كالكتاب والسنّة على حدّ سواء[٣٧]. ولذا قيل في تعريفه: هو حكم عقلي يتوصّل به إلى الحكم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي[٣٨].
  2. أنّه مصدر للحجيّة لجملة من الاُصول العملية المنتجة للحكم الشرعي الكلّي أو الوظيفة، كاستصحاب حال العقل والبراءة العقلية[٣٩].
  3. الملازمة بين حكم شرعي وآخر، كالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته، والملازمة بين حرمة شيء والنهي عن ضدّه، والإجزاء، واجتماع الأمر والنهي[٤٠].[٤١]

حجّية العقل

وينبغى الكلام في حجّية دليل العقل بحسب معانيه الثلاث المتقدّمة في التعريف: أمّا حجّية العقل بالمعنى الأوّل فقد صرّح الإمامية بحجّيته على نحو الموجبة الجزئية، لا على نحو الموجبة الكلّية، وفصّلوا الكلام على النحو التالي[٤٢]:

  1. حجّيته في اُصول الدين وبعض الفروع التي لا يمكن للشارع أن يصدر حكمه فيها، كأوامر الإطاعة والانقسامات اللاحقة للتكليف، من قبيل العلم والجهل بها، أو اعتبار التقرّب بها إذا اُريد اعتبارها بجعل واحد شروطاً للتكاليف[٤٣].
  2. حجّيته على نحو الموجبة الجزئية بتوسّط نظرية التقبيح والتحسين العقليين، فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية، فإذا أدرك العقل المصلحة في شيء أو المفسدة في آخر ولم يكن إدراكه مستنداً إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العامّتين اللتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء، فإنّه - أي العقل - لا سبيل له إلى الحكم بأن هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل؛ إذ يحتمل أنّ هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل، أو أنّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل وإن كان ما أدركه مقتضياً لحكم الشارع؛ ولأجل هذا يقال: إنّه ليس كلّ ما حكم به الشرع يجب أن يحكم به العقل، وإلى هذا يومئ قول الإمام السجّاد (ع): «إِنَّ دِينَ اَللَّهِ لاَ يُصَابُ بِالْعُقُولِ اَلنَّاقِصَةِ ...»[٤٤]. ولأجل هذا أيضاً لم يعتبروا القياس والاستحسان من الأدلّة الشرعية على الأحكام[٤٥].
  3. عدم حجّيته على نحو الموجبة الكلّية؛ لعدم ابتناء ملاكاتها على ما كان ذاتياً من معاني الحسن والقبح. وذهب الأخباريّون من الإمامية إلى عدم حجّية العقل؛ لعدم إمكان الوثوق بالعقل في تحصيل مقدّمات الدليل الشرعي؛ لعدم بلوغه مصالح الأحكام ومفاسدها الواقعية، وعليه فلا يجوز الركون إلى العلم الحاصل من غير الكتاب والسنّة، وذكروا أنّ الثواب والعقاب والمدح والذمّ اُمور منوطة بأمر الشارع، ولا يكفي العلم بكون الفعل مرضياً عنده تعالى[٤٦].

واستدلّوا لذلك بجملة من الأحاديث المصرّحة بأنّ أحكام الشارع لا تدركها العقول، والنهي عن الأخذ بالرأي في الأحكام وغير ذلك[٤٧]. وكذلك منع بعض اُصولي الإمامية الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، فقال: لا ملازمة عقلاً بين حسن الفعل وقبحه وبين وقوع التكليف على حسبه ومقتضاه، وإنّما الملازمة بين حسن التكليف بالفعل أو الترك وبين وقوعه. نعم، جهات الفعل من جملة جهات التكليف، فقد يقتضي حسن الفعل أو قبحه حسن التكليف به أو بتركه، وقد لا يقتضي المعارضة جهة اُخرى في نفس التكليف، هذا إذا اُريد بالملازمة الواقعية منها، ولو اريد بها الملازمة ولو بحسب الظاهر فالظاهر ثبوتها[٤٨].

وأمّا فقهاء المذاهب فمقتضى مذهبهم العقائدي - وهو مذهب الأشاعرة - هو إنكار الحسن والقبح العقليين، وأنّ الحسن ما حسّنه الشارع، والقبيح ما قبّحه الشارع، فلا يصل الكلام إلى الاعتراف بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع، لكن مقتضى كلامهم في القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها هو حجّية دليل العقل عندهم؛ لأنّ كلّ هذه الاُمور ترجع إلى إعمال للعقل في استكشاف وتأسيس أحكام شرعية جديدة طبقاً لما يدركه من مصالح وملاكات الأحكام، فبعد إدراك تلك المصالح يقوم العقل بتطبيقها على مصاديق اُخرى[٤٩].

أمّا حجّيته على المعنى الثاني لدليل العقل، فلا خلاف في حجّيته بين الإماميّة اُصولييهم وأخبارييهم، قال المحقّق الكركي: «أمّا أدلّة العقل فأقول: أمّا أدلّة المنطوق، ثمّ تتبعها دلالة مفهوم الموافقة، وبعدها مفهوم المخالفة على القول بالعمل بدليل الخطاب. ومنها: البراءة الأصلية، يعتمد عليها ما لم يجد ما ينقل عنها من الأدلّة السمعية. ومنها: الاستصحاب - على القول بحجّيته - والتمسّك بالبراءة، فإنّه يستصحب الحال الأوّل ما لم يجد من الأدلّة ما تحيل عنه. ومنها: اتّحاد طريق المسألتين... ومنها: تعدية الحكم من المنطوق إلى المسكوت الذي هو القياس...»[٥٠].

وكذلك ذكر المحدّث البحراني في دليل العقل حجّية البراءة الأصلية في الشبهات الوجوبية واستصحاب حال العقل أيضاً[٥١]. كذلك استند فقهاء المذاهب إلى العقل في حجّية جملة من الاُصول، كالإجماع وخبر الواحد[٥٢]. أمّا حجّيته على المعنى الثالث، فلا إشكال في إدراكه هذه الملازمة، وترجع حجّية العقل إلى أنّ النتائج التي ينتهي إليها العقل في كشوفاته المذكورة بديهية أو ترجع إليها، وهذا يعني أنّها يقينية أو قطعية، وليس وراء القطع حجّة؛ لأنّ حجّيته نابعة من ذاته[٥٣]، وقد بحث الاُصوليون ذلك في ملازمات عدّة، بعنوان غير المستقلّات العقلية، باعتبار أنّ إحدى مقدّمتيه شرعية، وهذه الملازمات هي:

  1. مبحث الإجزاء.
  2. الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته.
  3. الملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه.
  4. اجتماع الأمر والنهي.
  5. دلالة النهي على الفساد[٥٤].[٥٥]

مقالات ذات صلة

المراجع والمصادر

  1. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن

الهوامش

  1. لسان العرب ٣٢٦:٩. وانظر: المصباح المنير: ٤٢٣. تاج العروس ٢٦:٨ «عقل».
  2. نظرية العقد في الفقه الجعفري: ٦٤. وانظر: عوائد الأيّام: ١٥٣ وما بعدها. جواهر الكلام ٣١٨:٣٠. حواشي الشرواني ٤١٤:٣.
  3. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣١٢.
  4. وسائل الشيعة ٤٥:١، ب ٤ من مقدّمة العبادات، ح ١١. وانظر: سنن أبي داوود ٥٥٨:٤. المستدرك (الحاكم) ٥٩:٢.
  5. انظر: الفتاوى الواضحة: ١٢٥. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٧٢:٥. التلويح على التوضيح ١٦١:٢. التقرير والتحبير ١٦٤:٣. كشف الأسرار عن اُصول البزودي ٢٣٧:٤. فواتح الرحموت ١٥٦:١.
  6. الفتاوى الواضحة: ١٢٥. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٧٢:٥. كشف الأسرار ٢٣٧:٤. فواتح الرحموت ١٥٦:١. موسوعة الفقه الإسلامي ٧٩:٣٢-٨٣.
  7. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٨٧:٣. التقرير والتحبير ١٧٢:٢. كشف الأسرار ٢٦٢:٤. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١٦١:٧.
  8. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٢٠:٦-٥٢٥. الموسوعة الفقهية الميسّرة ٥٠٣:١١-٥٠٥.
  9. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١٠٢:١٦-١٠٤.
  10. وسائل الشيعة ٣٩:١، ب ٣ من مقدّمة العبادات، ح ١.
  11. وسائل الشيعة ٤٠:١، ب ٣ من مقدّمة العبادات، ح ٣.
  12. مفتاح الكرامة ٣٣:١١.
  13. المعتبر ٤٨٦:٢-٤٨٧. الدروس الشرعية ٢٢٩:١. جواهر الكلام ٢٨:١٥.
  14. مسالك الأفهام ٣٥٨:١٢. مدارك الأحكام ٢٢:٥-٢٣. مفتاح الكرامة ٣٣:١١-٣٤. جواهر الكلام ٢٨:١٥.
  15. حاشية ابن عابدين ٤:٢، ٤٩، ٧٢، ٧٣. الاختيار ٩٩:١، ١٢٤.
  16. حاشية الدسوقي ٤٤٥:١. جواهر الإكليل ١٢٦:١-١٢٧. الشرح الصغير ٥٨٩:١. روضة الطالبين ١٤٩:٢. المغني ٦٢٢:٢-٦٢٣.
  17. حاشية ابن عابدين ٤:٢. الاختيار ٩٩:١. كشف الأسرار ٢٦٨:٤-٢٦٩.
  18. جواهر الكلام ٤٨٤:١٥-٤٨٥.
  19. حاشية ابن عابدين ٧٢:٢، ٧٣. الاختيار ١٢٤:١. الشرح الصغير ٦٢١:١. روضة الطالبين ٢٩٣:٢. المغني ٦٢٢:٢-٦٢٣.
  20. انظر: مدارك الأحكام ٣٨٩:٥-٣٩٠. جواهر الكلام ٧٧:١٦-٧٨. الخمس (تراث الشيخ الأعظم): ٢٧٤. مستمسك العروة ٥٦٥:٩-٥٦٧. مستند العروة (الخمس): ٣٠٣-٣٠٥.
  21. حاشية ابن عابدين ٣٧:٢، ٤٤. حاشية الخرشي ٢١٠:٢. المغني ٢٣:٣. شرح منتهى الإرادات ٤٠٠:١.
  22. مغني المحتاج ٣٩٥:١.
  23. المغني ٦١٦:٢. حاشية الخرشي ٢١٠:٢.
  24. شرائع الإسلام ١٤:٢. جامع المقاصد ٦١:٤. مسالك الأفهام ١٥٤:٣، ١٥٥. مفتاح الكرامة ٥٥١:١٢. رياض المسائل ١١٤:٨. العناوين: ٦٨٤. جواهر الكلام ٢٦٥:٢٢، و ١٤٣:٢٩-١٤٤، و ٨:٣٢. المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) ٢٧٥:٣. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٢٥:٦-٥٢٦.
  25. الاختيار ٩٤:٢-٩٥، و ١٢٤:٣، و ٦٤:٥. القوانين الفقهية: ٢٣٢، ٢٥٠، ٣٦٩، ٣٧٢، ٣٧٤. حاشية القليوبي ١٥٧:٣، ٣٣١. نيل المآرب ١١:٢، ١٤٨، ٢٢٨، ٣٣٣، ٤٧٥. المغني ١١٣:٧، ١١٤. رحمة الاُمّة: ١٢٨. حاشية ابن عابدين ٥١٢:١، و ٣٥٩:٣. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ١٠٦:١٦-١٠٧.
  26. موسوعة الفقه الإسلامي المقارن ٥٢٦:٦.
  27. السرائر ٤٤٤:٣. قواعد الأحكام ٥٥٤:٣. كشف اللثام ٤١٣:١٠. جواهر الكلام ٢٧٤:٤١-٢٧٥، ٣٧٩،٣٢٢، ٤١٤، ٤٥٠، ٤٨١، ٦٠٩، و ١٧٧:٤٢.
  28. مغني المحتاج ١٣٧:٤. المغني ١٤٨:٨. فتح العلي المالك ١٦١:٢. حاشية ابن عابدين ٢٨٥:٣.
  29. وسائل الشيعة ٢٢:٢٨-٢٣، ب ٨ من مقدّمات الحدود، ح ١.
  30. المقنعة: ٧٤٨. النهاية (الطوسي): ٧٦٠. كشف اللثام ١٠١:١١. جواهر الكلام ١٧٧:٤٢-١٧٨.
  31. كشف اللثام ١٠١:١١. جواهر الكلام ١٧٧:٤٢.
  32. حاشية ابن عابدين ٣٤٣:٥. مغني المحتاج ١٣٧:٤. المغني ٦٦٥:٧. شرح منتهى الإرادات ٢٧٩:٣.
  33. المبسوط (الطوسي) ١٤٥:٤-١٤٦. الفقه على المذاهب الخمسة (مغنية) ٤١١:٢. بدائع الصنائع ١٦٧:٧، ١٦٨. القوانين الفقهية: ٢١٦-٢١٨. كشّاف القناع ١١٦:٤. الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٢٦:٢٨-٢٢٧.
  34. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣١٢ - ٣١٧.
  35. المستصفى ١٢٧:١.
  36. الحدائق الناضرة ٤٠:١.
  37. الاُصول العامة للفقه المقارن: ٢٧٩.
  38. القوانين المحكمة ٣-٧:٤.
  39. الاُصول العامة للفقه المقارن ٣١٥:١.
  40. مطارح الأنظار: ١٩٨-٢٠٠.
  41. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣١٧.
  42. اُصول الفقه (المظفر) ٢٩٦:١-٢٩٧. الاُصول العامة للفقه المقارن ٣٣٦:١-٣٣٨.
  43. الاُصول العامّة للفقه المقارن: ٢٩٩.
  44. مستدرك الوسائل ٢٦٢:١٧، ب ٦ من صفات القاضي، ح ٢٥.
  45. اُصول الفقه (المظفر) ٢١٩:١-٢٢٠. وانظر: دروس في اُصول فقه الإمامية ٢٤٢:١-٢٤٥. الاُصول العامة للفقه المقارن: ٣٠٠.
  46. الأنوار النعمانية ١٢٩:٣-١٣٢. الدرر النجفية ٢٥١:٢-٢٥٢. وانظر: أوثق الوسائل: ٧. بدائع الأفكار: ٣٤٩.
  47. الدرر النجفية ٢٥٢:٢-٢٥٣.
  48. الفصول الغروية: ٣٣٧.
  49. المستصفى: ٤٥، ٢٨٠ وما بعدها. الأحكام (الآمدي) ٥:٤ وما بعدها. البحر المحيط ١١٥:١.
  50. رسائل المحقق الكركي ٤٩:٣.
  51. الحدائق الناضرة ٤٠:١-٥١،٤٣.
  52. المحصول (الرازي) ٣٨٨:٤،١٠٠. المستصفى: ١٥٩.
  53. دروس في اُصول فقه الإماميّة ٢٤١:١.
  54. انظر: اُصول الفقه (المظفر) ٢٢٣:١-٢٢٥، ٢٣٥-٢٦٣، ٢٦٣-٢٧٨، ٢٧٩-٣٠٦، ٣٠٦-٣١٥.
  55. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣١٩.