العقيدة

من إمامةبيديا

التعريف

كلمة «عقيدة» مشتقّة من المصدر «عقْد» الذي يعني الإحكام والشدَّ والربط، وربطُ الشيءِ بشيءٍ آخر أو شدُّه إليه يمكن أن يكون حقيقيًّا ومادّيًّا حينا كتطعيم شجرةٍ ببرعمٍ أو بغصنٍ من شجرةٍ اُخرى، ويمكن أن يكون اعتباريًّا ومعنويًّا حينا آخر كزواج رجلٍ بامرأةٍ يرتبط بها بواسطة عقد قرانه عليها.

فالعقيدة إذاً عبارة عن ذلك الشيء الذي يتّصل بذهن الإنسان وروحه وفكره. فعندما يتقبّل الذهن أنّ الأرض تدور حول الشمس أو أنّ الشمس تدور حول الأرض، وعندما يتقبّل أنّ الدمَ يدور في الجسم أو لا يدور، وعندما يتقبّل أنّ للكون خالقا أو ليس له، وعندما يتقبّل أنّ الإنسان بعد مماته يحيا أو لا، فتقبُّله لأيّ نظرية ـ حقًّا كانت أم باطلاً ـ يعني شدَّ تلك النظرية إلى الذهن وربطها به وإحكام صلتها فيه. هذهِ الصلة تسمّى «عقدا» وتلكَ النظريّة تسمّى «عقيدة».[١]

دور العقيدة في الحياة

إنّ عقائد الإنسان وتصديقاته هي الأساس لجميع توجّهاته في الحياة، وعليه، فالعقيدة صاحبة الدور الأكبر في الحياة الفردية والاجتماعية، وعلى حدّ قول الباري سبحانه: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ[٢].

فعقائد الإنسان وتصديقاته هي التي تحدّد هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وتشكّلهما، وهي التي تحفّزه إلى العمل وتحدّد اتّجاهه في الحياة، فاذا كانت عقيدته صائبة مطابقة للواقع كان طريق حياته صائبا كذلك، أمّا إذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فإنّ طريق حياته لا يؤدّي إلّا إلى الضياع، ومن ثَمّ كان اهتمام الإسلام بتصحيح العقيدة قبل أيّ شيء آخر.

من المؤكّد أنّه ليست هناك مدرسة تفوق مدرسة الإسلام في تقديرها للعقيدة، فالعقيدة في الإسلام هي المعيار لتقييم الأعمال، وحتّى الأعمال الصالحة فإنّها تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة صائبة! يقول الإمام الباقر (ع): «لا يَنفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ»[٣]

وهذا يعني أنّ صحّة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان منوطٌ بصحّة عقيدة العامل، فإن لم تتوفّر في الإنسان سلامة العقيدة وكان منكِراً لما هو حقّ أو اعتراه الشّك فيه فإنّ ما يتأتّى عن عقيدته من عمل لا يمكن أن يكون سالما أو يجدي نفعا، ذلك لأنّ العقيدة هي التي تثير في الإنسان دافعا للعمل، والدافع هو الذي يوجّه العمل، والدافع والاتّجاه كلاهما يحدّدان مفهوم العمل ومعناه ولياقته وعدم لياقته.

لذلك، فإنَّ ـ من وجهة نظر الإسلام ـ أوّلَ ما يُطرح على الإنسان بعد مماته لدى دخوله في عالم الآخرة من استجوابات مبدئيّة للتسجيل في ملفّ أعماله هو السؤال عن العقائد، فأوّل سؤال عن العقيدة، لاعن العمل: بأيّ إلهٍ آمنت؟ وبأيّ دين اعتقدت؟ ومن اُسوتك ورائدك الذي اتّبعتَه؟

ولا يمكن العثور على مدرسة بين مدارس العالم تعير العقيدة الإنسانيّة ما يعيرها الإسلام من الاهتمام والقيمة والاحترام البالغ، فالبحوث العقائديّة من منظار الإسلام تتصدّر البحوث الاُخرى على الإطلاق.

فعلى المؤسّسات العلميّة الدينيّة والجامعات في الأقطار الإسلاميّة أن تُولي المحاضرات والبحوث والقضايا العقائديّة عظيم اهتمامها قبل كُلّ شيء.

وسيأتي الحديث مفصّلاً في الأقسام القادمة من هذا الكتاب عن رؤية الإسلام للأهميّة التي تتَّسم بها مباحث علم المعرفة. و نشيرهنا إشارةً مقتضبة إلى قصّة تربويّة بالغة التعليم في هذا المجال.[٤]

تصحيح العقيدة

لا يخفى أنّ من أهمّ المسائل التي تجب دراستها قبل البحوث العقائدية مسألة تصحيح العقيدة، فهل هناك طريقة يمكن التوصّل بها إلى معرفة العقائد الصحيحة وإلى تصحيح العقائد الفاسدة؛ ما هي إذاً؟

والجواب: نعم. إنّ في النصوص الإسلامية في هذا الشأن توصيات دقيقة تسترعي الانتباه وإن كانت ـ كما يظهر ـ لم تُتناول بالبحث والتحليل حتّى الآن، وهذه التوصيات من أبرز مايلزم وأهمّ ما يقتضي لمن يحاول سبر أغوار البحوث العقائدية بعين باصرة لواقع الحال ورؤية غير قاصرة عن المآل، أيًّا كانت عقيدته ومسلكه ومذهبه، فالتزام هذه التوصيات يُوصل الباحث والمحقّق إلى ما يتوخّاه من تحقيقه ويوفّر له الثقة في نتائجه.[٥]

موانع تصحيح العقيدة

إن موانع تصحيح العقيدة تعتبر من الاُمور التي تؤدّي بالفكر إلى الزلل والخطأ، والباحث لا يستطيع ـ إذا ما برزت أمامه ـ أنّ يطمئنّ إلى مطابقة رأيه وعقيدته للواقع.

ومن ثَمّ اعتبر الإمام الصادق (ع) في الحديث الآنف الذكر أنّ أمثال هذا التفكير الجزمي نوعٌ من الأمراض العقائدية السائدة، وعليه، فما دام الإنسان مصابا بهذا المرض فلا أملَ له في تصحيح عقيدته واختياره الدين الصحيح.

فالتاريخ يشهد بأنّ مؤسّس علم المنطق أرسطو (٣٨٤ ـ ٤٤٧ ق.م) كان أوّل من فكّر في الوقاية من خطأ الفكر.

لقد كانت بحوث سقراط وافلاطون أساسا لجهود أرسطو في كشف طريقة تحصيل العلم، إلّا أنّ طبعه المدقّق لم يقتنع بالمباحث السقراطية، ولم يعترف ببيان افلاطون فيما يختصّ بمنشأ العلم وسلوك طريق المعرفة، أو يعتبرهما مطابقين للواقع، وإنما تمكّن في مقابل المغالطة ومناقشة السّفسطائيين من اكتشاف القواعد الصحيحة للاستدلال واستنتاج الحقيقة، وعلى هدى افلاطون وسقراط توصّل إلى وضع اُصول المنطق وقواعد القياس على أساس محكم، لم يُضف أحد إليها شيئا مّا إلى يومنا هذا.[٦]

وقيل في تعريف المنطق: إنه عِلْمٌ آليٌّ (آلةٌ قانونيةٌ) تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر. ومنذ زمن بيكن (١٥٦٠ ـ ١٦٢٥ م) وديكارت (١٥٩٦ ـ ١٦٥٠ م) حصل تحوّل فكري في اُوربا، أدّى إلى الاعتقاد بأنّ المنطق الارسطي غير كاف للوقاية من الخطأ في الفكر، فقد كان ديكارت يعتقد أنّ قواعد المنطق رغم صوابها وثبوتها لا تجعل المجهول معلوما، وأنّ فائدتها الحقيقية تكمن فقط في معرفة المصطلحات وتملّك القدرة على التفهيم والبيان، وذلك لأنّ البرهان هو استخراج النتيجة من المقدّمات، وإذا لم تكن المقدّمات معلومة فلن تتحقّق النتيجة، وقواعد المنطق وحدها لاتكفي للحصول على معلوم، فإذا ما توفّرت المقدّمات الصحيحة فالنتيجة حاصلة بذاتها، والعقل السليم في الإنسان يستخدم القواعد المنطقية بالفطرة دونما احتياج إلى كلّ هذا البحث وجَدَلِ المناطقة، أمّا إذا كانت المقدّمات المتوفّرة لدينا خطأً فالنتيجة بطبيعة الحال خطأ أيضا، والحاصل هو الضلال عن الحقيقة بدلاً من الاهتداء إليها، ومن ثَمَّ، ما أكثر ما أخطأ طلّاب العلم رغم وقوفهم التامّ على قواعد المنطق!!

لقد أعلن ديكارت في بيانه الواضح ما أعلن فرنسيس بيكن بتأسيسه للأرغنون الجديد[٧]، أنهما قد وضعا منطقا جديداً.

لقد اجتهد كلّ من العالم الإنجليزي بيكن، والفيلسوف الفرنسي ديكارت، للتأكيد على أنّ منطق ارسطاطاليس وسيلةٌ لكشف المجهولات، وأنّ المدرسين (سكولاستكس) لا يجوز لهم في طريق المعرفة أن يُضيعوا معظم أوقاتهم فيما يولونه من أهمّية.[٨]

وهكذا تنبّه كلّ من بيكن وديكارت إلى إمكان حدوث الخطأ في الاستدلال عن طريقين:

  1. المقدّمات التي يفترضها الذهن على أنها معلومة ثمّ يتّخذها أساسا لبناء الاستدلال عليها، على حين أنها لا تخرج عن كونها مواد ولوازم لبناء الاستدلال.
  2. الشكل والصورة والنظم والترتيب التي يكيّف فيها الذهن مواد الاستدلال ولوازمه.

إنّ مقياس الخطأ في منطق أرسطو مرتبط بصورة الاستدلال، ولذلك سمّي منطق أرسطو المنطق الصوري، أو منطق الصورة، فلم يأخذ هذا المنطق قياس الخطأ في المواد واللوازم، بعين الاعتبار، على حين أنّ المهمّ للوقاية من الخطأ في الفكر ولتصحيح العقيدة هو قياس الخطأ في المقدّمات والمواد الاُولى للقياس، ذلك لأنّ العقل السليم يصطنع القواعد المنطقية بالفطرة، رغما عن عدم احتوائه للمصطلحات المنطقية.

أمّا المنطق الجديد الذي يعرضه بيكن لقياس الخطأ في مواد الاستدلال ولوازمه فيتمثّل في اتّقاء موانع كشف الحقيقة، هذه الموانع التي يعبّر عنها بالأوثان الطائفية، والأوثان الشخصية، والأوثان السوقية، والأوثان المسرحية.

فالإنسان مواجهٌ أثناء تحصيل العلم مشاكل وعقبات لابُدّ من تجنّبها، أهمّها تلك الأخطاء التي يُبتلى الذهن بها، ونظراً لأنّ هذه الأخطاء مدعاة للإضلال فقد اعتبرها أوثانا أو أصناما وقسّمها إلى أربعة اقسام:

القسّم الأوّل: الأوثان الطائفية. أي: الأخطاء التي هي من خصائص الطبع البشري، فكما أنّ المرايا المعوجَّة غير المستوية تكسر الأشعة الضوئية وتجعلها عوجاء منحرفة وتعكس الصور قبيحة مشوّهة فذهن الإنسان أيضا شأنه شأن هذه المرايا في تحريف المحسوسات والمعقولات وضياعها... مثلاً، لو تصادف أنّ حُلْما من الأحلام قد تحوّل إلى حقيقة لصار مرجعا للذهن، أمّا إذا لم يتحوّل الحلم إلى حقيقة فالذهن لا يذكره ولورآه مئة مرّة ولا يبني عليه، وإنّما يتمسّك بما سبق أن اعتقد به ويتعصّب له، وغالبا ما يفقد الإنصاف فيحكم حسب عواطفه ونفسيّاته، ويتدخّل الغرور والنخوة والهلع والغضب والشهوة في آرائه بصورة تامّة، فحواسّ الإنسان هي الاُخرى وإن كانت قاصرة معرّضة للخطأ. ثمَّ لا يجد الإنسان في نفسه رغبةً في إصلاح خطئها بالتأمّل والتمحيص، بل يقتصر على رؤية ظاهر الأشياء ولا يسبر أغوارها.

القسم الثاني: ويشمل الأوثان الشخصية أي: الأخطاء التي يرتكبها الشخص استجابةً لما تقتضيه طبيعته، كأن يتعلّق الإنسان بشيء ويجعل ذلك الشيء أساسا أو ركيزةً يبني عليها عقائده، كما حدث مع أرسطو، فقد كان مولعا بالمنطق، فبنى عليه فلسفته، وهناك أذهان تجذبها التشابهات والجمع بين الاُمور، وهناك أذهان اُخرى يعنيها الاختلاف وفصل الاُمور عن بعضها، وهناك بطبيعة الحال مَن يصدر الحكم القطعي في كلّ باب، وهناك من يتردّد في إصدار الحكم ويتأمّل حتّى يصير شكّاكا...

القسم الثالث: ويشمل الأوثان السوقية، أي: الأخطاء التي تحدث نتيجةً لمجالسة الناس بعضهم بعضا، مع نقصٍ وقصورٍ في الألفاظ والعبارات، كالحظّ والصدفة والتنجيم.

القسم الرابع: ويشمل الأوثان المسرحية، أي: الأخطاء التي تنجم عن تعاليم الحكماء واستدلالاتهم المغلوطة. [٩]

ولتجنّب الأخطاء في الفكر وضمان صحّة المقدّمات أو المواد الاستدلالية وضع ديكارت مجموعة من الاُصول والقواعد، الأصل الأول منها هو: لا أعتبر شيئا حقيقة ما لم يكن بديهيا بالنسبة لي، وأتحاشى العجلة وسبق الذهن والرغبة بالنسبة للتصديقات، ولا أقبل شيئا حتّى يتضح ويتميّز بشكل لايدع مجالاً لأدنى ظنّ أو شكّ فيه. [١٠].[١١]

موانع تصحيح العقيدة في القرآن

سبق القرآن الكريم أن لخّص كلّ ما توصّل إليه العلماء الاُوربيون خلال عشرة قرون بخصوص التقويم لمقدّمات الاستدلال، وذلك في الآية التالية، وما نذكرها إلا كأُنموذج للمعجزات العلمية في القرآن، قال سبحانه: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ[١٢] أي: أنّ هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده: أحدهما اتّباع الظنّ، والآخر اتّباع الهوى النفسي.

كما أنّ هناك اُموراً اُخرى وردت في الروايات الإسلامية باعتبارها مواضع زلل للفكر، كالتعصّب والتقليد والاستبداد واللجاجة، إلّا أنّ هذه الاُمور تعود كلّها إلى الأهواء النفسية، أي أنّ كلّ ما جاء في الروايات الإسلامية بهذا الشأن هو في الحقيقة تفسير للآية الكريمة الآنفة الذكر وبيان لها. ونظراً إلى هذه المقدّمة نستعرض أهمّ موانع تصحيح العقيدة على ضوء القرآن الكريم والروايات الإسلامية، وهذه الموانع هي:

الظنّ

وهو من أخطر العوامل التي تزلّ بأفكار الغالبية في العالم إلى مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة. وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو تجنّب الاعتماد على هذا المنزلق، ويؤكّد على أتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم على دعائم الظنّ والشكّ والتسليم بشيء دونما تأكّد من صحّته وثبوته، فيقول عزَّوجلَّ في صريح كلامه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[١٣]

ففي نظر القرآن أنّه لايحقّ لمسلم أن يقتفي شيئا أو يجعله مداراً لعمله ما لم يثبت له بنحو قطعيّ. كما ينتقد القرآن الكريم ذوي الآراء والعقائد الباطلة في أنهم لماذا يقولون ما ليس لهم به علم، بقوله تعالى: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ[١٤]

وقد ردّ القرآن على منكري المعاد بأنهم معوزون إلى الدليل على إنكار الحياة بعد الموت، وأنّ اعتقادهم لا يقوم على أساس علمي وإنّما يقوم على الظنّ والحدْس، بقوله: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ[١٥]

وكذلك يصبّ انتقاده واعتراضه على الذين يحسبون أنّ الإيجاد بلا هدف وأنّ الخلق باطل وعبث فارغ، بأنّ اعتقادهم هذا لا ينشأُ عن علمٍ، ولو أنهم دقّقوا النظر قليلاً لأدركوا أنهم ليسوا على وعي فيما يعتقدون، وإنّما اعتقاداتهم قائمة على الظنّ، لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا[١٦]

فلو أمعنَّا النظر فيالعقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة وطرحناها على بساط البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء إلى أنّ أغلب هذه العقائد فاقدة للاُسس العلمية جذريًّا وأنها لا تستند إلّا على الظنّ أو على الشكّ، وأنّ أهل الدنيا كانوا وما زالوا يقتفون أثر الظنّ في المسائل العقائدية، وخاصّةً في اُصولها، ولهذا نرى القرآن يعلن صراحةً بأنّ من اتّبع الأكثرية فقد ضلّ، من ذلك قوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ[١٧]

أمَّا لو صمَّم أتباع المذاهب والمعتقدات المتناقضة جميعا على اقتفاء أثر العلم فقط وعدم الإيمان بشيءٍ إلّا بعد العلم به بصورة بديهية لانفضّت التناقضات والخلافات بين المذاهب كافّة. فالإمام الصادق (ع) يقول: {{نص حديث|إنَّ اللّهَ خَصَّ هذِهِ الاُمّةَ بِآيَتَينِ مِن كِتابِهِ، أن لا يَقولوا إلّا ما يَعلَمونَ، وأن لا يَرُدّوا ما لا يَعلَمونَ، ثُمّ قَرَأَ: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ[١٨] وقَرَأَ: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ[١٩].[٢٠].[٢١]

الميول النفسيّة

وهذا المانع في نظر القرآن ثاني أخطر مزالق الفكر، ولا يَقِلّ خطراً عن سابقه إن لم يكن أكبر منه خطراً.

فعندما يحبّ الإنسان شيئا ويتعلَّق به تعمَى بصيرة عقله وتُصَمُّ مسامع فكره، وبالتالي لا يقدر أن يتبيّنَ أو يدركَ مواضع الضعف في محبوبه المعشوق، وهكذا الحال بالنسبة لخصيصة المقْتِ، وعليه، لو أراد أن يميّز مواطن الضعف والقوّة في نظريةٍ مّا ويفكّر فيها تفكيراً صائبا فعليه أن يتحرّر من الميول والرغبات النفسية أولاً؛ لأنّ هذه الميول والرغبات تؤثّر في اعتقاده، شاء أم أبى.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنّه اشتهر عن العلّامة الحِلِّي[٢٢] عندما أراد أن يُفتي فيما إذا كان ماء البئر قد أصبح نجسا هل يمكن تطهيره أو لا؟ أمر بردم بئر منزله أولاً، ثمّ بدأ بمطالعة النصوص الفقهية في هذا الصدد، ثُمَّ أفتى بعد ذلك بأنه لو أصبح ماء البئر نجسا أمكن تطهيره طبقا لما جاء في الكتب الفقهية.

فالعلّامة الحلّي كان يعلم أنّه لو لم تردم بئر منزله لأثّر وجودها في رأيه وفتواه بصورة لا إرادية، وهذه حقيقة لا تُنكر، فالإنسان لا يمكنه أن يدرك الحقائق العقلية حقَّ الإدراك أو يبدي رأيا صائبا فيها إلّا إذا ردمت بئر ميوله ورغباته النفسية وتحرّر ذهنه من قيد هواها، وعليه، فكلّما تحرّر ذهن المحقّق أو الباحث من الميول والرغبات النفسية اقترب من الصواب، كما قال الإمام علي (ع): أقرَبُ الآراءِ مِنَ النُّهى أبعَدُها مِنَ الهَوى[٢٣] وقال أيضا: خَيرُ الآراءِ أَبعَدُها مِنَ الهَوى وأَقرَبُها مِنَ السَّدادِ[٢٤] ويروى أيضا: أنّ أحد أصحاب أمير المؤمنين عليّ (ع) وهو زيد بن صوحان العبدي سأل الإمام (ع) قال: أيُّ النَّاسِ أثبت رأيا؟ فأجابه (ع): «مَن لَم يَغُرَّهُ النّاسُ مِن نَفسِهِ، ولَم تَغُرَّهُ الدُّنيا بِتَشَوُّفِها»[٢٥].[٢٦]

التعصب

مانعٌ آخر في سلسلة الموانع التي تحول دون الوصول إلى الآراء الصائبة المطابقة للواقع هو التعصّب، ٣ وهو عبارة عن قمَّة التبعية للميول النفسية فيما يخصّ نصرة الفرد أو الجماعة أو شيئا آخر دون مراعاة الحقّ.

فمحاباة القريب والقوم والقبيلة، وموالاة الحزب والفئة والمنظّمة، والانتصار للثقافة والعادات والتقاليد، ونصرة الدين والمذهب، والتحيّز للعرق واللّغة... وما إلى ذلك، تغدوا تعصُّبا فيما لو بُنيت على أساس الميول والرغبات النفسية، دون مراعاة الحقّ والعدالة وعلى حسابهما..[٢٧]

التقليد

إنّ التقليد في العقائد يعني قبول رأي شخص أو أشخاص آخرين دون المطالبة بالدليل والبرهان، وهو من نتائج التعصّب والموانع التي تحول دون التحقيق والتوصّل إلى آراء ومعتقدات علميّة صحيحة مطابقة للواقع والحقيقة.

إنّ التقليد غلٌّ يقيّد فكر الإنسان، وما دام هذا الغلّ باقيا فتصحيح العقيدة أمرٌ محال. إنّ التقليد لايسمح للإنسان بالتفكير في آرائه وعقائده من حيث صحّتها وسقمها ومطابقتها للواقع والحقيقة وعدم مطابقتها، وما إذا كانت علما حقيقيا أم خيال علم، ومعرفةً أم توهّم معرفة واعتبار الإنسان نفسه عالما. إنّ التقليد يحول دون الفكر ونقد أفعال الآخرين وأفكارهم ومعتقداتهم وتحليلها بشكل حرّ. إنّ التقليد يحصر الإنسان في زنزانة أفكار المقلَّد ومعتقداته جبراً.

التقليد يرغم الفكر على النظر إلى «القائل» بدلاً من «القول».

أمّا توصية الإسلام لتصحيح العقيدة فتتمثّل في تحطيم غلِّ التقليد والعجيب أنّه لم ينج منه إلّا ما ندر من الناس، والأعجب منه اُولئك الباحثون الراتعون في أصفاد التقليد ويتصوّرون أنّ أفكارهم حرّة!![٢٨]

الاستبداد

إنّ المانع الخامس من موانع تصحيح العقيدة هو الاستبداد[٢٩] بالرأي؛ وما هو إلَا أثر الانصياع مع الميول والرغبات النفسية نتيجةً لحدّة داء اعتبار النفس عالما.

وداء الاستبداد بالرأي يضيّق فكر مُصابه حتّى يتجمّد ويتحجّر، فيصير حجر عثرة في طريق الحقيقة، وبالتالي يحمل المصاب على الاعتقاد بحقّانية أقواله وعقيدته ودينه ورأيه، وببطلان كلّ ما يقوله مناوئوه، فمتى ما ابتلي الإنسان بجمود الفكر تأبَّى البتَّ في آراء غيره فيما يعتبرُه حقًّا، وأعرض عن التفكير فيما يقولون، وبهذا لا يستطيع التوصّل إلى الحقيقة.

وقد نُعِتَ الاستبداد في الروايات الإسلامية بأنه من مواطن الزلل الخطيرة، إذا صمّم المتفكّر عليها دُحِضَ وهلك.

وقال الإمام علي (ع) عن جمود الفكر والاستبداد الفكري: «المُستَبِدُّ مُتَهَوِّرٌ فِي الخَطَاَ وَالغَلَطِ» [٣٠] وقال (ع): «الاِستِبدادُ بِرَأيِكَ يُزِلُّكَ ويُهَوِّرُكَ فِي المَهاوي»[٣١]

وقال الإمام الصادق (ع): «المُستَبِدُّ بِرَأيِهِ مَوقوفٌ عَلى مَداحِضِ الزَّلَلِ»[٣٢].[٣٣]

اللجاجة

وهي الاُخرى مانعٌ من موانع تصحيح العقيدة، وتعتبر بالنسبة للبحوث والمسائل النظرية موطنا من مواطن الزلل الخطيرة التي تُسلُّ الفكر وتُضِلُّ الرأي دون أن يشعر صاحبه بانحرافه.

وقد عبّر الإمام علي (ع) بعبارة لطيفة عن هذا الموطن الخفي من الزلل فقال: «اللَّجاجَةُ تُسِلُّ الرَّأيَ»[٣٤] أي: كما يتسلّل السارق إلى الدار خلسةً فيسرق ما يشاء دون أن يشعر صاحبها، يتسلّل التعصّب واللجاج معا إلى الذهن، ويستحوذان على الفكر، فيصرفاه عن الصواب دون أن يشعر صاحبه، ومن ثمّ يسلبانه الرأي السديد.

وهكذا فالحقيقة ـ كما ورد في كلام أميرالمؤمنين عليّ (ع) ـ هي أنّ اُولي التعصّب واللجاجة لايتأتّى لهم أن يكونوا من أصحاب الرأي. قال (ع): «اللَّجوجُ لا رَأيَ لَهُ» [٣٥]

ولو أبدى اللجوج رأيا في قضيّة ما أو قضايا معيّنة وكان صائبا، فإن تعصّبه ولجاجته في إبداء رأيه يُفقدانه شأنه و وثاقته، كما قال الإمام أميرالمؤمنين (ع): «اللَّجاجُ يُفسِدُ الرَّأيَ»[٣٦]

وأخيراً، فاللجاجة كما قال رسول اللّه (ص): «إيّاكَ وَاللَّجاجَةَ؛ فَإِنَّ أوَّلَها جَهلٌ وآخِرَها نَدامَةٌ.» [٣٧]

ومن الحريّ بالذكر إنّ ما جاء تحت عنوان «موانع تصحيح العقيدة» ـ كما اُشير ـ هي أهمّ الموانع، وسوف يأتي ذكر كلّ الموانع في القسم السابع تحت عنوان «موانع المعرفة».[٣٨]

شروط تصحيح العقيدة

هذه الشروط هي التي تُعْوزُ المحقّق حتّى يدرك الحقيقة، و بغيرها لايتسنّى له الاطمئنان إلى نتائج تحقيقاته. وهي عبارة عن:

التأنّي

وهو عدم التسرّع في إبداء الرأي، والانتظار حتّى يتبلور. فحينما يفكر الباحث في مسألةٍ مّا يتوصّل مبدئيا إلى فكرة ساذجة لا يصحّ أن يعتمد عليها، والتأنّي يتيح للباحث الفرصة بالتدريج عن طريق المطالعة الدقيقة وأخذ الأبعاد المختلفة للمسألة المعنيَّة في دائرة النظر ومراعاتها من جميع الجوانب، حتّى يعرض فكرته ناضجةً قابلةً للاعتماد عليها، وقد قال الإمام علي (ع): «الرَّأيُ مَعَ الأَناةِ، وبِئسَ الظَّهيرُ الرَّأيُ الفَطيرُ» [٣٩]

ونقيض التأنّي هو العجلة، ونظراً لأنها تحرم الباحث من فرصة الدراسة الضافية والتحقيق الكامل والاستقصاء المستوفى فهي تستدعي زلل الفكر والخطأ في التحليل، مصداقا لقول أميرالمؤمنين (ع): «العَجَلُ يوجِبُ العِثارَ»[٤٠]

وروي عن نبيّ الإسلام (ص) أنّه قال: «مَن تَأَنّى أصَابَ أو كادَ، ومَن عَجِلَ أخطَأَ أو كَادَ»[٤١].

فالتأنّي يقرّب الباحث من الرأي الصائب. فإذا ما توفّرت له الشروط اللازمة لتصحيح العقيدة أيضا أصاب الواقع، وإلَا فلا أقَلَّ أصبح قريبا منه. وبالعكس، فإنّ العجلة تُدني الباحث من الخطأ، وحتّى لو أنّ العجول قد أصاب في تحليلاته فذلك من قبيل المصادفة، ولهذا أوصى الإمام علي (ع) ابنه الحسن المجتبى (ع) قائلاً: «أَنهاكَ عَنِ التَّسَرُّعِ بِالقَولِ وَالفِعلِ»[٤٢].[٤٣]

التجربة

إنّ آراء اُولئك الذين لا يتمتّعون بالتجربة والخبرة اللازمة لإبداء الرأي وعقائدهم وتحليلاتهم عادةً مّا غير واقعية وغير صائبة.

ويصوّر الإمام عليّ (ع) دور التجربة وتأثيرها في المعرفة بقوله: «كُلُّ مَعرِفَةٍ تَحتاجُ إِلَى التَّجارِبِ» وفي حديث آخر يقسّم الإمام (ع) المعارف العقليّة إلى قسمين حيث يقول: «العَقلُ عَقلانِ: عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ وكِلاهُما يُؤَدِّي المَنفَعَةَ»[٤٤] وفي حديث آخر عنه (ع): «فِي التَّجارِبِ عِلمٌ مُستَأنَفٌ» [٤٥]

وما أوجز وأبلغ ما قاله الإمام علي (ع) في هذا الشأن: «رَأيُ الرَّجُلِ عَلى قَدرِ تَجرِبتِهِ»[٤٦] أي: كلّما ازدادت تجارب الإنسان فيما يبدي فيه الرأي من المسائل كان أقرب إلى الواقع. بعبارة اُخرى: من كان أكثر خبرةً وتجربةً كان رأيه أكثر سداداً، وفي رواية اُخرى عنه (ع): «أملَكُ النّاسِ لِسَدادِ الرَّأيِ كُلُّ مُجَرَّبٍ»[٤٧] وعليه، فإنّ الإمام (ع) يعتبر العلم الذي يحصل عن طريق التجربة أدقَّ من العلم الذي يُحصَّل في قاعة الدراسة، وفي رأيه (ع) أن الطبَّ التجربي أقرب إلى الحِكمة وعلم الطبِّ من الطبِّ النظري والدراسة النظرية. ولذلك قال (ع): «المُجَرَّبُ أحكَمُ مِنَ الطَّبيبِ»[٤٨]

ففي رأي الإمام بشكل عام أنّه لو توفّرت التجربة الكافية في أيّ عمل لكان ذلك العمل صحيحا وقد انجز على الوجه الذي ينبغي له، إذ يقول (ع): «مَن حَفِظَ التَّجارِبَ أصابَت أفعالُهُ»[٤٩].[٥٠]

تمركز الفكر

إنّ تمركز الفكر يحدّد للباحث أبعاد المسألة المطروحة لديه ويضعها في ضمن إطار مشخّص، ومن ثَمَّ يظهر للمحقّق رأيه بناءً على الإلمام بكلّ ما تلزم ملاحظته بالنسبة لها، وعليه، فكلّما بادر الإنسان إلى البحث والتحقيق بأفكار أكثر تركيزاً كان أقرب إلى الحقيقة، وكلّما قلَّ تركيزها كان أبعد عنها، ولذلك لو أراد الباحث أن يكون رأيه صائبا تعيّن عليه توفير العوامل التي تساعد على تمركز الفكر وتجنّب الموانع التي تحول دون ذلك.

عوامل تمركز الفكر

لقد وردت أهمّ العوامل التي تؤدي إلى تمركز الفكر في روايةٍ عن الإمام الصادق (ع) هذا نصّها: «خَمسُ خِصالٍ مَن فَقَدَ واحِدَةً مِنهُنَّ لَم يَزَل ناقِصَ العَيشِ زائِلَ العَقلِ مَشغولَ القَلبِ: فَأوَّلُها صِحَّةُ البَدَنِ، وَالثّانِيَةُ الأَمنُ، وَالثّالِثَةُ السَّعَةُ فِي الرِّزقِ، وَالرّابِعَةُ الأَنيسُ المُوافِقُ... وَالخامِسَةُ ـ وهِيَ تَجمَعُ هذِهِ الخِصالَ ـ الدَّعَةُ» [٥١]

فنلاحظ أنّ الإمام (ع) يبدأ أولاً بالحديث عن خصالٍ لكلٍّ منها دور أساسي في كمال العيش وسلامة الفكر وفراغ البال والتفكير الصائب، فهذه الخصال هي التي يحقّق وجودها تركيز الفكر، على حين أنّ عدمها يسلب التركيز منه، ثمّ يوضّح الإمام بعد ذلك هذه الخصال الواحدة تلو الأُخرى.[٥٢]

حركة الفكر

إنّ حركة الفكر وحيويّته والحيلولة دون جموده شرط آخر من الشروط اللازمة للتوصّل إلى العقيدة الصحيحة والرأي السديد، وتوصية الإمام علي (ع) بهذا الخصوص هي: «أمخِضُوا الرأيَ مَخضَ السّقَاءِ يُنتِج سَديدَ الآراءِ» [٥٣]

فلو أنّ الفكر تصلّب على رأي لأصابه الجمود والتحجّر، وبالتالي يُشلُّ نشاطه ويتخلَّفُ عن الحركة والنموّ ويفقد القدرة على معرفة رأيه أو تمييزه من حيث الصحّة والبطلان أو الضعف والقوّة تمييزاً دقيقا ومعرفةً واقعية. ولهذا أكّد الإمام (ع) على الباحث ـ حتّى يصل إلى العقائد الصحيحة والآراء السديدة ـ وجوب التحرّر من جمود الفكر وتقليب الآراء العلمية على وجهات النظر المختلفة في ذهنه بشدّة مع حركة الفكر، والتدقيق والتحقيق في الأبعاد المختلفة للموضوع محلّ النظر [٥٤]

تبادل وجهات النظر

وهو من الشرائط الاُخرى اللازمة لتصحيح العقيدة، فمن توصيةٍ لأميرالمؤمنين (ع): «اِضرِبوا بَعضَ الرَّأيِ بِبَعضٍ يَتَوَلَّدُ مِنهُ الصَّوابُ» [٥٥]

نستنتج من هذا أنّ تبادل وجهات النظر بعيداً عن التعصّب يؤدّي بطبيعة الحال إلى بروز مواقع الضعف والقوّة والخطأ والصواب في الآراء المختلفة، وعلى هذا الأساس، فمن يجيز لنفسه الدراسة والبحث والتحقيق في آراء الآخرين يمكنه ـ لو كان من أهل التحقيق والبحث ـ أن يميّز النظر الصحيح من الخطأ، فقد قال الإمام علي (ع): «مَنِ استَقبَلَ وُجوهَ الآراءِ عَرَفَ مَواقِعَ الخَطَاَ» [٥٦]

وبالعكس، فإنّ من لايسمح لنفسه برؤية آراء الآخرين والاطّلاع عليها ويتعجَّل إبداء الرّأي في كلّ ما يرد عليه معتدّاً بدليل فكره معتمداً على رأيهِ العقلي لا يتأتّى له من آرائه الفجَّة المتهافتة ـ على حدّ قول الإمام (ع) ـ إلّا الابتلاء بالأخطاء المضنية: «مَن جَهِلَ وُجوهَ الآراءِ أعيَتهُ الحِيَلُ» [٥٧].[٥٨]

الامدادات الغيبية

وهي صاحبة السهم الأكبر في التوصّل إلى المعتقدات العلمية ومعرفة الحقيقة وتصحيح العقيدة، فمهما كان الإنسان حاذقا وعالما فبسبب محدودية معلوماته، لا يقدر على الإحاطة بقضيةٍ من القضايا بكلّ حيثياتها، وليس في إمكانه التوصّل إلى الحقيقة والواقع خاصّة في المسائل العلمية المعقّدة إلّا بالامدادات الغيبية، أو بعبارة اُخرى يحتاج إلى نوعٍ من الإلهام والإشراق، ومن هذه الحيثية يعتقد الكسس كارل بأنّ الاكتشافات العلمية ليست نتاجا لفكر الإنسان وحده، حيث يقول: «يقينا إنّ الاكتشافات العلمية ليست نتاجا وثمرةً لفكر الإنسان ليس إلّا. فالنوابغ علاوةً على قدراتهم على الدراسة ودرك القضايا يتمتّعون بخصائص إبداعية اُخرى كالإشراق والتصوّر، فهم يكشفون بالإشراق ما هو خافٍ على غيرهم، ويبصرون الروابط المجهولة بين القضايا التي تبدو وكأنها لا صلة لها في الظاهر، فيدركون بفراستهم كنوزاً لم تكن معروفة.

إنّ الرجال العظام يتمتّعون بموهبة هذا الإشراق فتراهم يعلمون ويعرفون ما يجب تعلّمه والتعرّف عليه دون الحاجة إلى الدليل والتحليل، فالعالم الكبير يَنساقُ تلقائيا إلى طريق ينتهي إلى كشف جديد، وهذه الحالة كانت تسمّى قبلَ هذا بالإلهام.

والعلماء فريقان: فريقٌ منطقي، وآخر إشراقي، وجميع العلوم والتقدّم العلمي رهين هذين الفريقين، حتّى العلوم الرياضية التي تستند على اُسس وقواعد منطقية تماما، قد أخذت قسطها من الإشراق أيضا... والحياة العادية هي الاُخرى شأنها القضايا العلمية، إنّ الإشراق عاملٌ قويٌّ في المعرفة لكنّه خطيرٌ في نفس الوقت، إذ يصعب التمييز في بعض الأحيان بينه وبين التوهّم...

وليس إلّا العظماء من الرجال والأطهار أصحاب القلوب الصافية الذين يبلغون به إلى الكمال وقمّة الحياة المعنوية، إنّ هذه الموهبة مدهشة حقًّا، ويبدو لنا أنّ إدراك الواقعية بدون دليل أو تعقّل أمرٌ لايقبل التفسير». [٥٩]

ويؤيّد هذا الرأي العالم الرياضي الفرنسي جاك هادا مارا، حيث يقول: «حينما نتأمّل ظروف الاكتشافات والمخترعات يستحيل علينا أن نتجاهل الإدراكات الباطنية المفاجئة، فكلّ عالم محقّق يشعر إلى حدٍّ ما بأنّ حياته ومسائله العلمية قد تكوّنت من خلال سلسلة من النشاطات المتناوبة، كان لإرادته وشعوره ضِلْعٌ في البعض منها؛ وأمّا البقية فقد كانت حصيلة لسلسلة إلهامات باطنية». [٦٠]

وعليه، يمكن القول بأنّه كلّما ازدادت الإمدادات الغيبية والإلهامات الباطنية لدى العالِم كانت آراؤه وعقائده أكثر صوابا، واستطاع كشف الكثير من الحقائق العلميّة، وإذا اكتملت الإمدادات الغيبيّة عند الإنسان غدت آراؤهُ وعقائدهُ مصونةً من الخطأ.

لكن ما مصدر الإشراق والإلهامات الباطنيّة؟

هذا سؤال يعجز الماديّون عن الإجابة عنه، أمّا الربّانيّون فيعرفون أنّ مصدرها هو اللّه عز و جل. فالله تعالى هو الذي يمنّ بهذه الموهبة على من يشاء كُلّ على قدر مايليق به، وكما تقضيه حكمة اللّه البالغة، كما أنّ الدعاء وسيلة من الوسائل لنيل هذه الكفاءة. ولهذا كان الإمام السجّاد (ع) يدعو اللّه تعالى ويعلّمنا أن ندعوه ليعيننا على سداد آرائنا: «وأَعوذُ بِكَ مِن دُعاءٍ مَحجوبٍ، ورَجاءٍ مَكذوبٍ، وحَياءٍ مَسلوبٍ، وَاحتِجاجٍ مَغلوبٍ، و رَأيٍ غَيرِ مُصيبٍ»[٦١]

اختبار العقيدة

نعرض في هذا الفصل مسألةً من أهمّ المسائل التي ينبغي أن نطرحها على بساط البحث قبل الورود إلى البحوث العقائدية، وتلك هي اختبار العقيدة.

فهل هناك مِعْيارٌ أو ميزانٌ يمكن للإنسان أن يختبر به عقيدته ورأيه ويقف على صحّتها؟ وكيف يتسنَّى للمحقّق أن يعلم أنّ ما يصفه هو أو يصفه غيره بأنه علمٌ وعقيدةٌ ونظريةٌ علميّة هو في الحقيقة علم وليس خيال علم واعتبار الإنسان نفسه عالما ؟ وهل في النصوص الإسلامية تعليمات ووصايا بخصوص اختبار العقائد أو لا ؟

والجواب على هذا السؤال هو: أنّ العقائد العلمية وكذلك العقائد غير العلمية ومرض اعتبار الإنسان نفسه عالما لها بكلّ تأكيد علائم وآثار يمكن للمحقّق بواسطتها اختبار آرائه واكتشاف صحّة عقائده وعقائد غيره وسقمها.

وللإمام علي (ع) بخصوص علائم العقائد العلمية وغير العلمية بيانٌ جامعٌ مبسوط إلى حدٍّ مّا، جديرٌ بدقّة النظر لما هو عليه من قيمة.[٦٢]

علائم العقائد العلمية

نستهلّ بذكر كلام الإمام عن آثار العقائد العلمية وعلائمها، وعن خصائص العلماء الحقّ، ثمّ نتناول ما ورد في كلامه (ع) من العلائم واحدةً واحدة بالدرس والبيان. قال أميرالمؤمنين (ع):

«إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً فَازدادَ بِما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طَلَبِ العِلمِ اجتِهاداً، فَما يَزالُ لِلعِلمِ طالِبا، وفيهِ راغِبا، ولَهُ مُستَفيداً، ولِأَهلِهِ خاشِعا، ولِرَأيِهِ مُتَّهِما، ولِلصَّمتِ لازِما، ولِلخَطَاَ حاذِراً، ومِنهُ مُستَحيِيا، وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِر ذلِكَ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ»[٦٣]

نستنتج من بيان الإمام سبع علائم للعلماء الحقيقيين والعقائد العلمية، هي:

الاهتمام بالمجهولات

إنّ العلماء الحقّ وأصحاب الآراء والعقائد العلمية على العكس من العلماء الخياليّين والمبتلين بداء اعتبار النفس عالما ممّن لا تشغل دائرة أنظارهم إلّا معلوماتهم فحسب وهم غافلون عمّا جهلوا، يرون ما يجعلون، ولا يعتبرون معلوماتهم شيئا أمام ما يشاهدونه من مجهولاتهم العظيمة غير المتناهية، وهذا القبيل من العلماء في نظر علي (ع) هم من يكلَّلون بلقب العالِم؛ وآراؤهم في المسائل العقلية معتبرة موثوقة: «إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً»فالعالِم الحقيقي كلّما تزداد معلوماته تزداد مجهولاته، وكلّما يزداد عِلمه يزداد وعيا بأن معلوماته المحدودة لايمكن أن تقاس بمجهولاته غير المحدودة. ومن هذه الحيثية كان كلّ من يسلك طريق معرفة الحقائق والعقائد العلمية، يصل إلى أنّ معلوماته من الضآلة بحيث لا تعدّ شيئاً بالنسبة لما يجهله، فلا يرى أنّه بهذا النزر اليسير من العلم لايستحقّ أن ينعت عالما فحسب، بل إنّه ـ بمحاسبة دقيقة علميّة على أساس الواقع ـ لايرى لنفسه مكانا في مصافّ العلماء.

وإنّه هنا يشعر الإنسان أنّه كلّما ازداد علما اتّسعت الهوة بين ما علم وما جهل، وبتعبير آخر: إنّ معدّل ارتفاع المستوى العلمي للإنسان متكافئ مع معدل الزيادة في مجهولاته.

فمن ليست لديه أيّ معرفة عن الإنسان ليس لديه أيّ مجهول في مجال علم الإنسان، فلو أنك سألت جاهلاً: ما الإنسان؟ لأجابك: هذا واضحٌ جدّاً، الإنسان هو الموجود الذي يمشي على رجليه هنا وهناك، والإنسان يعني الإنسان، وهذا السؤال أصلاً بلا معنى!! ولو أنك سألته: أتجهل شيئا مّا عن الإنسان؟ لأجابك: كلّا، وفي رأيي أنّ الإنسان قد عُرِفَ حتّى لم يعُد في حاجة إلى تفسير أو بيان!

أمَّا إذا بادر هذا الشخص بالتحقيق في علم الإنسان فإنّه كلّما اتّسع نطاق تحقيقه وتخصّصه في هذا العِلم ازدادت مجهولاته في مجال معرفة هذا الموجود العجيب المعقّد المعجون بالأسرار، وكلّما تعمّق في وجود الإنسان اعترضته علامات استفهام أكثر فأكثر!

أجل، الإنسان بالنسبة للجهلاء موجودٌ قد تمّت المعرفة به تماما. أمّا لدى عالم محقّق مثل البروفسور كارل الذي قضى عمراً يحقّق في فرع علم الإنسان فإنّ حاصل هذا العمر من التحقيق ونتيجته هو كتاب «الإنسان ذلك المجهول موجودٌ لم يُعرف».

وليس الإنسان وحده هو الموجود الذي لم يُعرف بعدُ لدى العلماء الحقّ الواقعيّين، بل إنّ الموجودات في العالم على الإطلاق كائنا كائنا وذرَّةً ذرَّةً موجوداتٌ معقّدةٌ مشبّعةٌ بالأسرار ولم تُعرف أيضا، وقيل: إنّ عالما فرنسيا يُدْعَى فيلسْتي دِي لامِنِهْ قال: «لو أنّ أحداً استطاع أن يعرِّف حَبَّةَ الرمل وضعت اللّه في اختياره».

اللّهمَّ لا حبّة الرمل الواحدة بل الذرَّة من ذرّاتها أيضا لا تزال تُعجِز الإنسان عن وضع تعريف دقيق لها، أليس هذا، ما نراه من أنّ العلم يكتشف كلّ يوم أسراراً جديدة داخل قلعة الذرّة وأسرارها المكنونة؟! أليس هذا إشارة إلى عجز العِلم حتّى الآن عن معرفة ذرَّة من ذرّات الوجود معرفةً كاملة؟!

ومن ثَمّ فإنّ الوجود قاطبةً ـ في نظر العالم الواقعي على خلافه في نظر العالم الخيالي ـ مليءٌ بالأسرار معقّد غير معروف، وما ازداد العالم عِلما على علم إلّا ازداد معرفةً بأسرار الوجود وتعقيده، ممّا يؤدّي إلى ظهور مزيد من العلامات المحتاجة للتحقيق، كما يتّضح له مزيد من المجهول.

وبناءً عليه، فكلّما ازدادت معلومات الإنسان ازدادت مجهولاته، حتّى يرى العدد قاصراً عن بيان المسافة بين معلوماته ومجهولاته، وذلك لأنّ معلوماته محدودة ومجهولاته لا تنتاهى، والعدد عاجز عن إحصاء ما لا يتناهى، وثمّة كان قول الإمام علي (ع): «إِنَّ العالِمَ مَن عَرَف أَنّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً»

وهذا بعينه معنى القول المنسوب إلى سقراط: بَلَغتُ مِنَ العِلمِ حَتّى عَلِمتُ أَنّي جاهِلٌ [٦٤]

وروي عن ابن سينا أيضا: والقلب وإن بذل غاية جهده في هذا الوادي لم يعرف قيد شعرة رغم أنّه شق شعرة.

فاعتبار العالم الواقعي نفسه جاهلاً نسبيا لا يقتصر على سقراط وأبي عليوأمثالهما، وإنّما ـ كما قال الإمام علي (ع) ـ هو من المميّزات الخاصّة بالعلماءالحقيقيين على الإطلاق بدون استثناء، وما العالم إلّا هذا.

فلنرى ماذا يقول الإمام علي (ع) عن علمه، وكيف يقارن بين ما يعلم وما يجهل: إنّ هذا الإمام الفذّ الّذي يقول: «سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني»[٦٥]

إنّ هذا الإمام العبقريّ الّذي يقول: «عِندي عِلمُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ»[٦٦]

إنّ هذا العالم الّذي تنقصفُ الأقلام وتكِلّ الألسن عن وصفه ولن تبلغ غايتها يقول: «اِندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشيةِ فِي الطَّوِيِّ البَعيدَةِ»[٦٧].

إنّ هذا العالم العظيم، مع علمه الغزير هذا الّذييستهلك الأسماع دون وفاء الاستماع، يعتبر ما يعلمه بالنّسبة لِما يجهل، لا يُعدّ شيئا، وعندما يتضرّع بالدّعاء إلى ربّه، يقارن علمه بالعلم الّذي لا حصر له، علمِ اللّه سبحانه، فيُقرّ أمامه ويعترف بجهله.

ففي دعاء «يستشير» الذي ذكر (ع) بأنّ النبيّ (ص) علَّمه اِيّاهُ وأوصاه أن يعلّمه للخليفة من بعده وأن يردّد في العشيّ والإبكار، نشاهده يخاطب اللّه عز و جل متضرعا: «أنتَ العالِمُ وأَنَا الجاهِلُ» [٦٨]

وأنها لحقيقة واقعية علميّة دقيقة!! إنّ الإمام (ع) لم يكن ليجامل أو ليبالغ أوليحيد عن إطار الحقيقة قيد شعرة، وكلّ ما يصدر عنه عين الحقيقة لا ذرّة من زيادة أو ذرّة من نقصان. «العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ» [٦٩]

هذه عبارة اُخرى للإمام علي (ع) أيضا في صدد علائم العالم الحقيقي والتمييز بينه وبين أشباه العلماء وإن كانت على الظاهر شبيهة بسالفتها في المعنى، وأمّا كامل قوله (ع) فهو: «العالِمُ مَن عَرَفَ قَدرَهُ، وكَفى بِالمَرءِ جَهلاً أن لا يَعرِفَ قَدرَهُ»[٧٠]

ولا يَخفى أنّ المراد من «قَدرَهُ» هو مقدار علمه، أي: أنّ العالم الحقّ هو من عرَف مقدار علمه وسلم من الغرور العلمي وداء رؤية النفس عالما، ومن لم يبلغ هذه المعرفه ولم يعرف قدْر ما يعلم بالنسبة لما يجهل ليس جديراً بأن يسمّى عالما، وكائنا مّا كان مقدار ما لديه من العلوم المختلفة فإنّ جهله هذا كافٍ للتضليل وسقوط الاعتبار عن آرائه وعقائده.[٧١]

التّعطُّش المتنامي لاكتساب العِلم

بعد أن يزن العالم معلوماته بالنسبة لمجهولاته بميزان الدقّة ويفهم أن مايعلم بالنسبة لما لايعلم، شيء لا يحتسب، يشتدُّ ظمأ الاطّلاع والوعي في روحه، ويزيد العشقُ والولعُ بالعلم قدْرتَه وسعيَه لمعرفة حقائق الوجود كما قال الإمام (ع): «العالِمُ مَن لا يَشبَعُ مِنَ العِلمِ وَلا يَتَشَبَّعُ بِهِ»[٧٢] وكما قال (ع) أيضا: «العالِمُ الَّذي لا يَمِلُّ مِن تَعَلُّمِ العِلمِ»[٧٣]. وعلى النقيض تماما أشباه العلماء مَن يصدّهم داء اعتبار النفس عالما عن مداومة الدّراسة، ولا يُتيح هذا الداء الفرصة للمصاب حتّى يحقّق فيما لايعلم، بل يوهمه بأنه عليم بكلّ شيء، ولم يعُد ينقصه ما يحصله أو يكتسبه من العلم.[٧٤]

التواضع لأهل العلم

العلامة الثالثة التي أشار إليها الإمام (ع) ضمن ما أشار به إلى العالم الحقّ هي الخضوع والتواضع لأهل العلم.

فمهما بلغ الإنسان من العلم إذا قارن ما علم بما جهلِ، لم يتملّكه الغرور، فيحبس نظره فيما علم ليس إلّا، بل إنّه ليأخذ تحقيقات الآخرين وعلومهم بعين الاعتبار ويقدرها، فلا يسعه أمام العلماء نظراً لعلمهم إلّا أن يخضع لهم ويتواضع. وعلى خلاف ذلك العلماء الخياليون الذين يعتبرون أنفسهم أعلم العلماء، فإنّهم لا يفتأون يرفعون من قدرهم على حساب الآخرين وتحقيرهم.

هؤلاء المرضى يتصوّرون أنّهم لو تواضعوا للعالم لكان ذلك منقصةً من قدرهم العلمي، ويتوهّمون أنّ الناس سيعزون احترامهم للعلماء الآخرين إلى قلّة علمهم، ولهذا يتظاهرون بأنّه لا يوجد من هو أعلم منهم، ويتعاملون باستنقاص مع آراء جميع العلماء ويعرِّضون بها، دون مطالعة متأنية وتدقيق.[٧٥]

اتّهام الرأي الذاتي

رابعة علامات العالم الحقّ فيما أورده الإمام (ع) من خصائص هي اتّهام الشخص رأيه ونظره.

فالعالم الواقعي الواعي ـ لأن مجهولاته لا تتناهى ـ لا يبرّئ رأيه أو نظره من الخطأ مطلقا، بل إنّه لينظر إليه بعين الاتّهام، ولا يعتبر أيَّ فرضيةٍ نظريةً علميةً منطقيةً منطبقةً على الواقع ما لم تثبت لديه بصورة قطعية.

فما أكثر الآراء والعقائد التي ظلّت القرون المتمادية على العالم باعتبارها نظريات علميّة قطعية، لا يتبادر الشكّ في صحّتها لأيّ إنسان، أو يسمح إنسان لنفسه بالارتياب في صحّتها، حتّى أثبت التطوّر العلمي بطلانها؟! ودونك فرضية بطليموس في علم الهيئة وأمثالها في المسائل النظرية ليست قليلة.[٧٦]

اختيار الصمت

خامسة ميزات العالم الحقّ في كلام الإمام (ع) هي ملازمة الصمت.

إنّ العالم الواقعي المدرك ـ بأنّ معلوماته نزر يسير أمام مجهولاته التي لا تعدّ ولا تحدّ ـ لا يسمح له عقله إبداء رايهِ في كلّ مسألة.

روى الشهيد الثاني رحمه اللّه عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر ـ أحد فقهاء المدينة المتّفق على علمه وفقهه بين المسلمين ـ أنّه سئل عن شيءٍ فقال: لا اُحسنه، فقال السائل: إنّي جئت إليك لا أعرف غيرك فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، واللّه ما اُحسنه. فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يابن أخي الزمها؛ فقال: واللّه ما رأيتك في مجلس أنبل منك مثل اليوم، فقال القاسم: «وَاللّهِ لَأَن يُقطَعَ لِساني أَحَبُّ إِلَيَّ أَن أَتَكَلَّمَ بِما لا عِلمَ لي بِهِ»[٧٧]

وهكذا، كلّ معاف من الغرور العلمي سالم من داء اعتبار النفس عالما، ليس على استعداد مطلقا وبأيّ قيمة أن يُبديَ رأيا فيما لايعرف، ومن ثَمَّ يلتزم السكوت والصمت ويمسك عن جواب الكثير من المسائل، وهذا ما يتضمّنه البيان الرائع من الإمام علي (ع) حينما يقول: «قَوْلُ لاَ أَعْلَمُ نِصْفُ اَلْعِلْمِ» [٧٨]

إنّ هذا على خلاف المبتلين بالغرور العلمي واعتبار النفس عالما، الذين لا يتريّثون بل يتعجّلون الإجابة عمّا يُسأَلون دون تأمّل، اُولئك الذين لا يقتصر على وصفهم بأنّهم ليسوا علماء، وإنّما هم مرضى، أو كما نعتَهم الإمام الصادق (ع) بأنهم مجانين: «إِنَّ مَنْ أَجَابَ فِي كُلِّ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ لَمَجْنُونٌ» [٧٩].[٨٠]

التحفّظ من الخطأ

وهو الميزة السادسة فيما أورد الإمام (ع) من علامات العالم الحقّ. فمن برئ من الغرور العلمي وعرف مقدار ما يجهله، إذا أراد أن يبدي رأيا في مسألةٍ مّا استجمع فكره وسيطر على حواسّه حذر الوقوع في الخطأ، ثمّ يُظهر رأيه بكلّ دقّة آخذا كلّ أبعاد المسألة المعنية وجوانبها المختلفة بعين الاعتبار.

فلسان العاقل وراءَ عقله دائماً، فلا ينطق مطلقا بكلام غير موزون، تحاشيا لارتكاب الخطأ فيما يقول، على خلاف المبتلى بالغرور المؤوف باعتبار النفس عالما الذي يبدي رأيه ارتجالاً دون تأمّل في كلّ مايُعرض عليه.[٨١]

عدم إنكار المجهول

وآخر العلامات التي حدّد بها الإمام (ع) شخصية العالم الحقّ ـ والذي يستحقّ من وجهة نظر الإمام (ع) أن يقال عنه عالم ـ هي عدم إنكاره ما جهل وما يعلم: «وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِرهُ؛ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ»[٨٢]

هذا المعافى السالم من الغرور العلمي العارف ضآلة معلوماته وعدم تناهي مجهولاته لا يجيز له عقله على أيّ حال أن ينكر ما لا يعرفه وما هو مجهول بالنسبة له.

وبهذا المعنى نقل عن ابن سينا أنّه قال: كلّ ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الإمكان ما لم يَذُدك عنه قائم البرهان.[٨٣]

وإنّها لحقيقة عقلية علميّة: أنّ «عدم المعرفة لا يدلّ على عدم الوجود» فما أكثر الأشياء التي لا علم للإنسان بها، ولكنّها موجودة.

وهل كان البشر قبل ألف سنة على علم بحركة الدم وحركة الذرّة ومئات الحقائق العلمية الاُخرى التي تكشّفت وثبتت اليوم؟ فهل كان عدم العلم بهذه الاُمور فيما سبق يمكن أن يكون دليلاً على عدم وجودها كحقيقة واقعية ؟ فلو أنّ الإنسان كان من أهل العلم بالمعنى الواقعي لعلم أنّ أكثر حقائق الوجود اُمور مجهولة بالنسبة للبشر.

وأميرالمؤمنين (ع) ضِمن كلام آخر له في بيان خصائص العالم الواقعي وأشباه العلماء يقول: «لاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ اَلْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ»[٨٤]

ولكنّ المسألة التي بلغت من الوضوح والبيان إلى هذا الحدّ وفهم كل ذي شعور أنّه لا حقّ له في إنكار ما لا يعرف وما هو مجهول لديه قدعمي عنها من علقوا بشباك الغرور العلمي فريسة لاعتبار النفس عالما، ولا يرون إلّا خلافها.

وهناك مزيدٌ من الإيضاح في هذا الصدد عندما نتحدّث عن اُولي علائم العقائد غير العلمية.[٨٥]

حرّية العقيدة

إنّ حرية العقيدة إحدى المسائل المهمّة للغاية التي تحظى بالعناية في عالم اليوم، وخاصّةً بعد صدور البيان الدولي بإعلان حقوق الإنسان.

لقد نصَّت المادة الثامنة عشرة من ميثاق الاُمم المتّحدة بخصوص الحقوق المدنية والسياسية على ما يأتي:

  1. يحقّ لكلّ إنسان أن يتمتّع بحرّية الفكر والوجدان والمذاهب، ومنها حقّه في اعتناق المذهب والعقيدة التي يرغبها، كما أنّ له الحقّ في التظاهر بمذهبه أو عقيدته انفراديا أو جماعيا، سرّا أو علنا عن طريق العبادات وممارسته الفرائض والطقوس الدينيّة.
  2. لا يجوز أن يتعرّض أحد لمكروه يخلّ بحرّيته في التمتّع بدينه أو معتقده، أو في اعتناق ما يودّه من مذهب أو عقيدة.
  3. لا يجوز أن تخضع حرّية التظاهر بالمذهب أو العقيدة لأيّ نوع من التحديد، إلّا فيما ينحصر فيما يستوجب قانونا تفرضه الضرورة لحماية الأمن والنُّظم وسلامة الأوضاع أو الحفاظ على العفّة العامّة أو حفظ حقوق الآخرين وحرّياتهم الأساسية.
  4. تتعهّد الدول المتبنّية لهذا الميثاق باحترام حرّية الوالدين أو أولياء الاُمور القانونيين حسب ما هو كائن في تأمين التعليم المذهبي والأخلاقي لأطفالهم وفقا لمعتقداتهم الخاصّة.

ونصّت المادّة التاسعة عشرة من نفس الميثاق على ما يأتي:

  1. يحقّ لكلّ أحد أن تكون له عقائد مصونا من تدخل الآخرين.
  2. لكلّ إنسان حقّه في حرّية التعبير عن رأيه، بما يشمل حرّية البحث عن المعلومات والأفكار وتحصيلها ونشرها أيًّا كان نوعها، بغضّ النظر عن الحدود، وذلك سواء بصورة شفهية أو مكتوبة أو مطبوعة أو على شكل فنّ أو بأيّ وسيلة اُخرى يرغبها.
  3. تنفيذ الحقوق المذكورة في الفقرة الثانية من هذه المادّة يستوجب حقوقا ومسؤوليات خاصّة، ولذا كان من الممكن أن تخضع لتحديدات معيّنة يقرّرها القانون ضرورة لما يلي:
    1. احترام حقوق الآخرين وحيثياتهم.
    2. حفظ الأمن الوطني أو النظام العامّ أو سلامة المجتمع أو عفافه[٨٦].[٨٧]

منشأ العقيدة

من أين تنشأ عقائد الإنسان وتصديقاته؟ هذه العقائد التي تشكّل الأساس في تصرّفاته ومواقفه في الحياة كيف يؤمن الإنسان بشيء ويعتقده ويقتنع به؟!

وإنّه لسؤال مهمّ للغاية، يقتضي الإجابة عليه قبل البحث في مسألة حرّية العقيدة، فالجواب عليه يساعد على إبداء الرأي في مسألة حرّية العقيدة بسهولة.

فلو أننا أمْعَنَّا النظر قليلاً لتشخّص أنّ عقائد الإنسان وتصديقاته راجعة إلى أحد هذين المصدرين أو المنشأين: التحقيق و التقليد.

التحقيق

فالإنسان عندما يفكّر بمئِ حرّيته ويطالع ويحقّق في مسألةٍ مّا قد يتوصّل في هذا الصدد إلى عقيدةٍ مّا، مثلا، لو أنّه حقّق فيما إذا كانت الأرض تدور حول الشمس أم أنّ الشمس تدور حول الأرض أو فيما إذا كان هناك شيء آخر وراء المادّة أم لا... وما شاكل لكان حينئذٍ قد اتّخذ التحقيق أساسا ومنشأً تصدر عنه عقيدته، سيّان أكان رأيه واعتقاده سديداً مطابقا للواقع أم لا.

التقليد

وقد لا تكون عقيدة الإنسان حصيلة دراسةٍ وفحصٍ يبنيان على تفكير حرّ، إمّا أنّه قد قبل العقيدة بلا دراسةٍ وأمّا قبلها بعد الدراسة ولكنّه بتأثيرٍ من التفكير المكبَّل بالتقليد، وفي كلتا الحالتين يقوم اعتقاده على أساس التقليد.

بناءً على ما تقدّم فالمنشأ الأساسي للعقيدة ومصدرها إمّا التحقيق وإمّا التقليد، إلا أنّ هناك بطبيعة الحال منشأً ثالثا وهو الإلهام والإشراق، ونظراً لكونه ليس مصدراً عامًّا بل هو خاصّ بمن يستثنون من الأفراد بما يخرجه عن نطاق بحثنا الآن فلنستمهله إلى حينه.

أمّا ما يسترعي الانتباه هنا فهو أنّه بمجرّد دراسة معمّقة يتّضح لنا أنّ أغلب عقائد الناس وتصديقاتهم فاقدة للأساس الفكري ولا أصل لها من البحث والاستدلال، وإنّما هي ثمرة التقليد!!

فالأب والامّ، والقوم والقبيلة والبيئة، والحزب والمنظّمة والجمعية، والشخصيات المحترمة، كلٌّ يلقّن الإنسان رأيا ووجهة نظرٍ، يتقبّله تلقائيا فيقلّده دون أن يطالب بدليل أو برهان عليه، فيألفه ثّم يتعوّد عليه رويداً رويداً حتّى ينعقد في ذهنه وروحه ويصير عقيدةً له.

ولهذا كانت العائلة والبيئة عاملَين أساسين لهما دور كبير في بلورة عقائد الغالبية الساحقة من الناس، وعلى وجه العموم فإنّ الآراء والمعتقدات تنتقل إلى الفرد عن طريق عائلته أو عن طريق من يعيش في بيئتهم، وقليلٌ جدّاً اُولاء الذين يختارون عقائدهم على أساس البحث والتثبّت فقط، ومن ثَمّ حذّر القرآن الكريم الإنسان من تقليد أكثر الناس، قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ[٨٨].[٨٩]

حرّية العقيدة

ولا بدّ لنا قبل البحث في حرّية العقيدة توضيح معنى هذه الحرّية، فما لم يتضّح معناها لا يتسنّى لنا الحكم بصحّتها أو عدم صحّتها.

ويمكن أن نتناول حرّية العقيدة بالتفسير من جوانب ثلاثة:

  1. الحرّية في انتخاب العقيدة، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الاعتقاد بما يريد.
  2. الحرّية في التظاهر بالعقيدة، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في الإفصاح عمّا اعتقده.
  3. الحرّية في نشر العقيدة، وتعني أنّ الإنسان حرٌّ في نشر عقيدته والترويج لها.

وعليه، فقد يتوجّه الحديث عن حرّية العقيدة إلى أحد هذه المعاني الثلاثة، أو أنّه يتوجّه إليها جميعا.[٩٠]

حرّية العقيدة في رؤية العقل

إنّ للعقل رؤيةً ورأيا لكلّ واحدة من هذه المعاني فلا يسعه أن يحكم على كلّها حكما واحدا بصورة مطلقة لذا ينبغي أن يُدرس كلّ من هذه المعاني على حدة.

حرّية انتخاب العقيدة

أول معاني حرّية العقيدة هو أن يكون الإنسان حرّاً في انتخاب ما يشاء من العقائد فيؤمن بما يميل إليه قلبه ويعتقد ما يرغب فيه فؤاده.

فلو أمعنّا النظر قليلاً لتبيّن لنا أنّ هذا النوع من حرّية العقيدة غير ممكن عقلاً، فلا عقائد الإنسان وتصديقاته خاضعة لاختياره، ولا هي خاضعة لاختيار غيره، ولا في وسع الإنسان أن يعتقد بما يشاء على الإطلاق، ولا في وسع أحد أن يرغمه على عقيدةٍ مّا، وذلك لأنّ العقيدة ليست كالأزياء يختار الإنسان ويرفض منها ما يشاء، كما وأنّه ليس هناك من يجبره على ارتداء هذا أو ذاك.

الاعتقاد لدى الإنسان شيء كالحُبّ. والعشق والتعلّق والمحبّة اُمور خارجة عن إرادة العاشق، فلا هو يستطيع أن يعشق هذا أو لا يعشق ذاك، ولا هو في اختيار أحد ليحمله على عشق دون عشق، وإذا كان الوقت نهاراً فكيف يتأتّى له أن يؤمن بأنه ليل، وهل في إمكان أحد أن يجبره على تغيير عقيدته، نعم، قد يضطرّ أحد إلى قول بخلاف عقيدته، أمّا أن يغيّر اعتقاده وما آمن به فهذا محال.

في عام ١٦٣٢ ميلادي وضع جاليلو كتابا عن عقائد بطليموس وكوبرنيك. وبعد عام من ذلك دعاه البابا إلى روما وأبلغه أنّ اعتقاده بدوران الأرض حول الشمس شِرْكٌ، وأجبره على الجلوس على ركبتيه وطلب المغفرة، وقيل: إنّ جاليلو نفّذ ما طلب منه البابا، ولكنّه عندما خرج من عنده شوهد وهو يكتب على الأرض بإصبعه: «رغم كلّ هذا... الأرض تدور حول الشمس».[٩١]

وإنّها لحالة واحدة يمكن فيها للعقيدة أن تقبل التغيير، وهي عندما يتغيّر منشؤها والمحيط الذي نشأت فيه، فلو أنّ منشأها كان التحقيق فقد يواجه المحقّق على مدى تحقيقه دلائل تثبت بطلان عقيدته السابقة، ولو أنّ منشأها كان التقليد فإنّ صِفادَ [٩٢] التقليد عرضة للتّحطّم.

حرّية الإفصاح عن الاعتقاد

والمعنى الثاني من معاني حرية العقيدة هو حرّية الإنسان في الإعلان عن عقيدته والتظاهر بها، وهي في نظر العقل من اُوليات حقوق الإنسان المسلّم بها؛ وأنّ لكلّ إنسان حقّ في أن يقول هذه عقيدتي، وليس لأحدٍ مّا حقّ في مضايقته، كما أنّ لكلّ إنسان أن يتصرّف في حياته الشخصية حسبما يريد، طالما كان تصرّفه لا يتعارض مع حقوق غيره.

وحرّية التظاهر بالعقيدة ـ علاوةً على كونها حقًّا طبيعيًّا لكلّ إنسان ـ تستوجب التقاء الآراء ونضج المعتقدات العلمية وتصحيح العقائد أيضا، وليس لدى العقل أدنى شكّ في صحّة هذه الحرّية وضرورتها، إلّا أن هناك مسألتين ينبغي بحثهما في هذا الصدد:

المسألة الاُولى: أيحقُّ للإنسان أن يبدي رأيا خلافا لما يعلم وعلى خلاف عقيدته وإيمانه الواقعي؟

والمسألة الاُخرى: أيحقّ للإنسان عقلاً أن يرى من واجبه تصحيح العقائد الموهومة أو الفاسدة والتصديقات الشعواء أم لا ؟

وما ينبغي أن يُجاب به على السؤال الأول هو: أنّنا إذا احتكمنا إلى العقل فإنّه وإن كان يستهجن إظهار الرأي خلافا للاعتقاد الواقعي ويندّد به إلّا أنّه لا يرى مجوّزاً لسلب حرّية البيان ما دام لايمسّ الآخرين بالضرر.

أمّا جواب السؤال الآخر فهو: أنّ العقل في الوقت الذي يعلن حرّية التظاهر بالعقيدة فإنّه يرى وجوب الإقدام على تصحيح العقائد ويستلزم ذلك أيضا، بدليلين، أوّلهما: أنّ العقيدة أساس العمل وركيزته، والمعتقدات الموهومة الفاسدة مفسدة مضيعة للمجتمع، والآخر: أنّ مكافحة المعتقدات الموهومة جهدٌ يهدف إلى تحرير الفكر، ولا يمكن للعقل إلّا أنّ يقتضي موجبات تحرّره.

وبيان ذلك: أنّ حرّية العقيدة تتناقض أصلا مع حرّية الفكر، فلا تتحقق حرّية العقيدة حيثما كانت حرّية الفكر، فكما سبق أن وضّحنا أنّ العقيدة شيء يرتبط بالذهن وينعقد فيه ويندمج بروح الإنسان، فاذا لم تكن عقائد الإنسان قائمة على أساس فكري محقّق فهي أصفاد تشلُّ حركة الفكر وتحبس الروح في حصار الأوهام، ولا تدع الإنسان حتّى يفكّر بحرّية أو يصل إلى المعتقدات العلمية المطابقة للواقع. وعليه، فلا مندوحة أمامه إلّا أن يختار حرّية الفكر أو حرّية العقائد الموهومة، فإذا ما اختار حرّية الفكر أصبح تحطيم أغلال العقائد الموهومة أمرا جدّيًّا مهمًّا، وكذلك عندما يكون مكبّلاً بالأغلال لا يستطيع أن يحطّمها بنفسه، ولابدّ له من شخص طليق ليحرّره، ولا يستطيع الفكر المكبَّل بسلاسل المعتقدات الموهومة المرتهنة للعقائد الفاسدة أن يتحرّر منها وينجو بنفسه ما لم يتدراكه شخص طليق يقدم على تحطيم أغلاله وينقذه.

وعليه، فإنّ العقل يرى أن الإقدام على تصحيح عقائد الآخرين أمر ضروري واجب، ونظراً لأنّ تصحيح العقائد ليس بالقوّة والإجبار كان الطريق إلى ذلك هو تنوير الأفكار وهدايتها إلى نضج العقائد الصحيحة وكمالها، وتعريف الحقائق إلى الناس بالدليل والبرهان، واستبدال التقليد بالتحقيق.

ولو أنّ فرداً أو أفراداً أصبحوا حَجر عثرة في سبيل حرّية الفكر وتصحيح العقائد لما بقي هناك مجال للدليل والبرهان، حيث يحكم العقل بضرورة إزالة هذا العائق بالقوّة حتّى يتهيّأ المجال لازدهار العقائد الصحيحة وزوال العقائد الفاسدة.

حرّية نشر العقيدة

والمعنى الثالث لحرّية العقيدة هو حرّية نشرها والترويج لها وتبليغها للآخرين، سواء كانت مبنية على التحقيق أو التقليد، وسواء كانت مطابقة للواقع أو لم تكن، وسواء كانت مفيدة للمجتمع أو مضرّة له.

وعندما يحكم العقل ـ بناءً على ما ذكر من الأدلّة ـ بوجوب كفاح العقائد الموهومة فقد انتفى الشكّ في عدم الجواز للتبليغ بصورة مطلقة، وإلّا فكيف يسيغ العقل أو يسمح بالترويج لعقائد وهمية عارية عن كلّ تحقيق، تكبّل الفكر وتشلّ نبوغ المجتمع وتتخلّف به عن سيرة التقدّم وتصيبه بالضرر؟! إنّ العقائد الباطلة الضارّة نوع من الأمراض النفسية، والأمراض العقائدية أشدّ خَطراً وتفاقما من الأمراض الجسمية، فاذا كان العقل لا يسمح لمريض أن يتنقّل بمرضه الجسماني بين المجتمع حذر تفشّي العدوى فيكف يسمح بحرّية تنقّل الأمراض النفسية؟![٩٣]

الإسلام وحرّية العقيدة

كنا نتحدّث حتّى الآن عن حرّية العقيدة في نظر العقل، وقد وصلنا بالإجمال إلى أنَّ حرّية العقيدة بمعنى حرّية الإنسان في اختيار العقيدة لا يتّفق مع العقل، وأنها بمعنى حرّيته في التظاهر بعقيدته ونشرها، فذلك حقّ طبيعي، وأمّا بمعنى حرّية الإنسان في الترويج للمعتقدات الوهمية الضارّة وتبليغها للمجتمع فهذا ما يؤكّد العقل منعه بتاتا.

والآن، فما رأي الإسلام في حرّية العقيدة؟

فأمّا الجواب بالإجمال فهو: أنّ نظر الإسلام إلى حرّية العقيدة هو نظر العقل إليها عينه، وأمّا تفصيل هذا الإجمال فيقتضي دراسة رأي الإسلام بالنسبة لكلّ معنىً من معاني حرّية العقيدة على حدة.[٩٤]

حرّية اختيار العقيدة في رأي الإسلام

سبق أن قلنا لدى بيان رأي العقل في حرّية اختيار العقيدة: إنَّ معتقدات الإنسان ليست خاضعةً لإرادته حتّى يعتقد بشيء أو لايعتقد به، وقلنا أيضا: إنَّ العقيدة ليست كاللباس للإنسان خياره في انتقائه، ومتى ماشاء بدّله، أو يُضطَرّ على غير هوى منه إلى تبديله، وإنّما العقيدة كالحبّ، لا تتغيّر إلّا إذا تغيّر منشأها.

فالعقيدة اذاً ليست أمراً اختياريا حتى يتمّ البحث عن حرّية الاختيار في الإسلام، ومن ثَمَّ حينما جاءت طائفة من الأعراب من بني أسد إلى النبيّ (ص) في موسم الجفاف وأعلنت إسلامها غير مؤمنين بالعقيدة الإسلامية بل لدوافع مادّية ألجأتها إلى هذا الاختيار[٩٥] نزلت الآية الكريمة وهي قوله تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[٩٦]

والإسلام هو الإفصاح عن الإيمان بالمعتقدات الإسلامية، والإيمان هو اعتقاد القلب بتلك العقائد وأمّا الإفصاح عن الرأي فيخضع لإرادة الإنسان، ولكن اعتقاد القلب ليس كذلك. وعليه، يمكن للإنسان أن يتظاهر بعقيدةٍ مّا لدوافع مختلفة، أمّا الاعتقاد المؤمِن فهو من شأن القلب، وهناك فقط عندما تَخْتَمِرُ الروح بالعقائد الإسلامية يمكن للإنسان أن يدّعي الإيمان.[٩٧]

حرّية التظاهر بالعقيدة في رأي الإسلام

إنّ التروّي في القرآن والأحاديث الإسلامية والتاريخ الإسلامي كذلك يدلّ بأنّ الإسلام يعترف بحرّية التعبير عن العقيدة والتظاهر بها اعترافا رسميا، ولا دين يولي هذه الحرّية ما يوليها الإسلام من الاحترام.

فإنّ الإسلام لا يكتفي بالاعتراف بالحرّية في إظهار العقيدة فحسب، وإنّما يرشد القرآن الكريم الناس إلى ضرورة استماع الأقوال المختلفة والآراء والعقائد المتباينة، ونقدها ودراستها بفكر حرّ، حتّى إذا ما استقرَّ التحقيق بهم على أفضل الكلام وأحكمه اختاروه واتّخذوه مقياسا للعمل، وبعبارة اُخرى: إنَّ من تعاليم القرآن هو أن يتخذ الإنسان في حرية الرأي طريقا لتكامل العقائد الصحيحة واختيار أفضلها، قال عزّ من قائل: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[٩٨]

إنّ الحرّية في الإسلام لا تقتصر على إظهار العقيدة، فالإنسان حرٌّ في إبداء الرأي حتّى وإن كان مخالفا لما يعتقده ويؤمن به، وعلى الرغم من أنّ الإسلام يستهجن هذا العمل ويستوجب له العقوبة الاُخروية، إلّا أنّه لا يجبره بالقوّة مطلقا على الاعتراف بالحقّ الذي يعرفه.

وفي القرآن آيات عديدة تنصُّ صراحةً على أنّه لا إكراه في الإيمان، وأنّ النبيّ (ص) ليس مكلّفا بإرغام الناس على الإيمان عنوةً.[٩٩]

مكافحة العقائد الموهومة في الإسلام

ربّما يستنتج ممّا سلف عن حرّية العقيدة وحرّية التعبير عنها أنّ الإسلام لايسمح باتّخاذ أيّ إجراء من أجل مكافحة العقائد الواهية وتصحيح المعتقدات المجانِفة للصواب، وما دامت عقائد الإنسان تابعة لمبادئه الخاصة وخارجة عن اختياره وأنّ الكلّ أحرار في الإفصاح عن معتقداتهم وأنّه لا يجوز فرض الإيمان حتّى على اولئك الذين أيقنوا صوابَه فلا معنى اذاً لمكافحة العقائد الموهومة.

لكن لو تأمّلنا قليلاً اتّضح أنّ هذا الاستنتاج ما هو إلّا وهمٌ وتصوّر، لأن عدم الخيار في العقيدة لايتنافى وتصحيح العقائد الخاطئة، كما أنّ حرّية الإعلان والتظاهر بالعقيدة لا تنفي مكافحة الأوهام والخرافات العقائدية مكافحة أساسية، بل إنّها لتهيِّئُ المجال لهذه المكافحة.

فبينما نرى الإسلام يؤيّد حرّية التظاهر بالعقيدة من حيث كونها مجالاً لتكامل الإنسان نراه يؤكّد ضرورة مكافحة العقائد الموهومة، من حيث كونها باعثا على تحرير الفكر من قيود المعتقدات الخرافية الباطلة، ويتنبَّأُ بالنصر النهائي في هذا الكفاح، ويؤمن بيومٍ يأتي مع مستقبل التاريخ، فيه يتحرّر المجتمع البشري قاطبةً من قيود المعتقدات الباطلة، وذلك يوم يهيمن الإسلام على العالم أجمع.[١٠٠]

وأمّا دليل الإسلام على ضرورة مكافحة المعتقدات الباطلة فهو نفس الدليل الذي يقيمه العقل لنفس الضرورة، والطريق الذي يعيّنه الإسلام لتصحيح العقائد الفاسدة هو عين الطريق الذي يحدّده العقل.

فالإسلام لايسمح مطلقا للعقائد الباطلة غير الواقعية بأن تؤثّر على شاكلة الإنسان وهيئته الباطنية الواقعية وهي مصدر أعماله ومنشأ تصرّفاته، فتبتني على اُسس مغلوطة غير علمية، أو أنها تبقى على ما هي عليه من غلط إن كان ذلك.

والإسلام لا يسمح مطلقا للعقائد المناقضة للعقل التي من شأنها أن تكبّل فكر الإنسان بأن تطعّم روحه ببراعمها، فإن كانت قد طُعِّمت فلا يسمح لها أن تبقى أسيرة في أغلال العقائد الموهومة.[١٠١]

طريقة الإسلام في مكافحة العقائد الباطلة

إنّ الطريق الذي عيّنه الإسلام لمكافحة المعتقدات الباطلة ـ كما سبق أن أشرنا إليه ـ هو نفس الطريق الذي حدّده العقل لذلك، ولبيان ذلك يمكننا أن نقسم طريقة هذا الكفاح إلى قسمين:

القسم الأول: طريقة الإسلام في إزالة العقائد الباطلة وتبرئة أذهان عامّة الناس منها. القسم الآخر: طريقته في مواجهة العراقيل التي تقف حَجر عثرة في طريق حرّية التعبير عن العقيدة وازدهار المعتقدات الصحيحة بين المجتمع.

فأمّا الطريقة الأولى فتتمّ بالكفاح الإعلامي والتبليغ، وأمّا الطريقة الاُخرى، فتتمّ بالكفاح المسلّح.

الكفاح الإعلامي ضدّ المعتقدات الباطلة

طريقة الإسلام ومنهاجه في مكافحة العقائد الباطلة والقضاء على المعتقدات الفاسدة في أذهان الناس ودعوتهم كافّةً لاعتناق العقائد الصحيحة المطابقة للحقيقة هي الاعتماد أولاً وقبل كلّ شيء على الدليل والبرهان والنصيحة والموعظة والمناظرة والنقاش الحرّ، وبتعبير آخر: الكفاح الإعلامي أو التبليغ.

والآية الآتية توضّح هذه الطريقة أو الاُسلوب بصورة واضحة، حيث يوجّه اللّه سبحانه وتعالى تعليماته في هذا الصدد إلى النبيّ (ص) بقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[١٠٢]

فالقرآن الكريم ينصّ في هذه الآية على الأساليب المنطقية لتطهير أذهان الناس من العقائد الباطلة، ويأمر النبيّ (ص) أن يوظّف هذه الأساليب في دعوة الناس إلى الإسلام وعقائده، وهذه الأساليب هي:

  1. الحكمة: إنّ أول الأساليب العملية لمكافحة المعتقدات الباطلة في الاسلام هو إقامة الدليل والبرهان والاستدلالات العقلية أو كما عبَّر القرآن «الحكمة». ومعنى «الحكمة» كما جاء في مفردات الراغب ـ هو إصابة الحقِّ بالعِلْمِ والعقل، وبعبارة اُخرى: الحكمة عبارة عن كشف الحقائق بواسطة الاستدلال العلمي والعقلي، والإسلام يقدّم دائما الدليل والبرهان لإثبات دعاويه، ويطالب المخالفين ببرهانهم. [١٠٣]
  2. الموعظة: وهي الأُسلوب العمليّ الثاني الّذي يتوسّل به الإسلام في مكافحة العقائد الباطلة إلى جوار الدليل والبرهان. وهي عبارة عن أقوال تعليمية تثير الاعتبار وتحرّك عواطف السامع وتحفزها على قبول الحقّ، وعليه، فالحكمة عن طريق العقل، والموعظة عن طريق العاطفة والمشاعر الباطنية تدعوان الإنسان إلى تحطيم قيود المعتقدات الباطلة. وممّا يلفت النظر في الآية الكريمة أنّ «الموعظة» قد قيّدت بوصفها «الحسنة»، وهذا إشارة إلى أنّ الموعظة أو النصيحة لها أثرها في تحريك العواطف والمشاعر الباطنية لقبول الحقّ إذا كانت خالية من أيّ نوع من الكراهة ـ كالفظاظه والتعالي والإهانة ـ وكانت موائمة لليسر والجمال، فالجمال كيسر الحديث وحسن اللقاء وجمال الدافع وحتّى ملاحة القائل وما إلى ذلك جميعا لها أثرها الفعّال في نفاذ الموعظة إلى مكامن النفس، على أنّ الأهمّ من هذا كلّه أن يكون الواعظ متّعظا بما يقول عاملاً به فأقبح العظات عظة الواعظ غير المتّعظ. وعليه، فكلّما ازدادت الموعظة حُسنا ازداد أثرها في نفس السامع، وما أكثر ما كانت العظات الحسنة أبلغ أثراً ـ في نفوس عامّة الناس وجذبهم إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة ـ من الدليل والبرهان.أمّا المواعظ القبيحة فإنها لا تقتصر على كونها عديمة التأثير بل لها ردّ فعلٍ عكسي يؤدّي بالإنسان إلى إنكار ما آمن به بالدليل والبرهان.
  3. المناظرة والبحث: وهي ثالثة الأساليب العملية في منهاج الإسلام لمكافحة العقائد غير العلمية جنبا إلى جنب مع ما سبق، وهي ما عبّر عنها القرآن بألفاظٍ كالجدال والمراء. والجدال والمراء أو المناظرة عبارة عن البحث والحوار حول الفكرة على سبيل المنازعة والمغالبة، أو بعبارة اُخرى: مصارعة الأفكار على مسرح البحث والحوار.

وللقرآن في مخض الفكر بالمناظرة ـ الأمر الذي يستوجب بيان الحقائق وتجلّي المعتقدات الصحيحة ـ تعبيران: الأول: ما ورد فيالآية المعنيّة: الجدال بالتي هي أحسن. والآخر: المراء الظاهر. [١٠٤].

فـ «الجدال بالتي هي أحسن» يعني ممارسة أسلم الطرق وأليق الأساليب في المناظرة، حتّى يتجلى الحقّ، و«المراء الظاهر» هو الإفادة من الأدلّة التي ثبت حجّيتها وظهرت قاطعيتها وأيقن بها الجميع، والتي من شأنها أن تُفحم الطرف المقابل وتلقمه حجراً.

والإسلام ـ وهو رسالة أنبياء اللّه جميعا ـ هو الواضع الأول لمنهاج النقاش الحرّ والمناظرة، والنبيّ (ص) ـ وهو أعظم رسول إلهي ـ هو الذي أعلن لأول مرّة منهاج النقاش الحرّ والمناظرة وتلاقي الأفكار السليمة في مجتمع عصر كانت الغلبة فيه للقوّة والمال، وعلى هذا الغرار كان هو وعلماء أهل بيته هم الطليعة البارزة في هذا المجال، ومن ثَمّ اختصّ قسم ملحوظ من كتب الحديث بمناظرات النبيّ (ص) والأئمه من أهل بيته (ع).[١٠٥]

والجدير بالملاحظة هنا هو أنّ اُسلوب الإسلام للقضاء على المعتقدات غير العلميّة اُسلوبٌ علميٌّ منطقيٌّ تماما، فلم يلجأ ولا يلجأ إلى السيف لهذا الفرض بتاتا، فكان اُسلوب الرسول (ص) في الدعوة ـ بناءً على تعليمات القرآن ـ مبتنيا على إقامة الأدلّة والبراهين وبذل المواعظ والنصائح والمناظرة بالتي هي أحسن، وكان (ص) يُعلن صراحةً بأنّ اُسلوبه واُسلوب من اتّبعه لدعوة الناس إلى الإيمان باللّه واعتناق الإسلام يستند إلى العلم والبصيرة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[١٠٦]

وعليه، فإنّه غاية من عدم الإنصاف أن يقال: إنّ الإسلام قد فُرِضَ على الناس بالقوّة، ولا سيَما إذا كان هذا الافتراء قد صدر من جانب اُناسٍ قد سوّدت جرائمهم وجه التاريخ في محاكم التفتيش. أجل، إنّ الإسلام لايلجأ إلى قوّة السلاح لفرض عقائده وإنّما يلجأ إلى تحطيم الموانع والعقبات التي تحول دون انتشار العقائد الصحيحة وازدهارها.[١٠٧]

الكفاح من أجل حرّية الفكر

نعم، عندما لا يجدي الدليل والبرهان والمناظرة والموعظة فتيلاً لايرى الإسلام مندوحةً إلّا مقابلة الموانع والسدود الّتي أمام طريق حرّية الفكر، بالكفاح المسلّح والحرب.

وهذه الموانع تتمثّل في النُظُم الفاسدة والتقاليد الخرافية التي تسلب الناس قدرتهم على التفكير والتشخيص، وبالتالي على انتخاب العقائد الصحيحة.

إنّ النُظُم الفاسدة المتهرّئة والقدرات الطاغية الجائرة التي تتغذّى وتنمو على جهل الناس وترى في وعيهم صورة واقعية لسقوطهم من أريكة الاقتدار لايمكنها أن تسمح بإعلان الحقائق للناس كما هي، ومن هنا كانت هذه النُظُم في حقيقتها سدّا في طريق المعتقدات الصحيحة، أو كما وصفها القرآن بأنها تصدّ عن سبيل اللّه.

فالإسلام بعد أن يُتمّ الحجّة على هذه النُظُم يواجهها بالقوّة، حتّى يزيل العقبات المانعة لحرّية الفكر، ويفسح الطريق للوعي ونماء العقائد الصحيحة.

وسوف نشاهد بعد ـ في مبحث «النبوّة الخاصّة» فيما يختصّ بمعرفة النبيّ (ص) واُسلوبه في مقابلة المخالفين ـ أنّ النبيّ (ص) في مواجهته للقُدرات المناوئة كان يتوسّل بالدليل والبرهان كخطوة اُولى في مناظرته، ثمّ المباهلة كخطوة ثانية وهي تحكيم اللّه والاحتكام إليه، فإذا لم تفلح المناظرة أو المباهلة فالحرب والقتال في ميادين الوغى هي الخطوة الأخيرة لإزالة السدود عن طريق الوعي وحرّية الفكر. وما المناظرة والمباهلة إلّا إتمام الحجّة على المعاندين.

مضافا إلى النُظُم المتعفّنة قد تقوم السُنن والتقاليد المهيمنة على مجتمع من المجتمعات أحيانا بمثابة السدّ في طريق حرّية الفكر، مثل: عبادة الأوثان وعبادة البقر وعبادة النار، والعشرات بل المئات من العقائد الاُخرى المنافية للعقل، التي لو تأمّلها الإنسان بفكر حرّ لم يلبث حتّى يُدرك أنها عقائد وهمية دونما أدنى شكّ، إلّا أنّ السُنن والعادات الموروثة العمياء التي تطوّق أرواح المعتقدين وكأنها الأغلال استبدّت بالفكر، لا تتيح للإنسان فرصة التفكّر والتعقّل، وعلى حدّ قول الاُستاذ الشهيد العلّامة المطهّري: في البداية يظهر أصحاب المصالح الاستغلاليون، ويحاولون تأسيس نظام، وهذا النظام يحتاج بدون شكّ إلى مرتكز عقائدي، فالمؤسّس يعلم ذاتيا ما هو صانع، يعلم أنّه يخون ويعرف خيانته، فهو يروّج بين الناس لفكرة أو صنم أو بقرة أو ثعبان، فينخدع به جمعٌ منهم دون أن تتعلّق قلوبهم به، وتمضي عدّة أعوام، فيولد لهذه الجماعة أطفال يتربّون في أحضانهم يشاهدون أعمالهم ثمّ يبدؤون بالسير على خُطى الآباء. ومثلها كمثل الجِصّ الليّن يمكن تشكيله في أيّ شكل من الأشكال حتّى يستقر على شكل وقالب معيّن، فيجف تدريجيا ويتصلّب أكثر فأكثر كلّما ازداد جفافا حتّى يصل من الصلابة إلى حدّ يعجز المعوَل عن هدمه، والسؤال: أيجب أن يكافح هؤلاء أم لا ؟ أتشمل حرّية الفكر التي ندعو إليها هذه الفكرة والعقيدة؟ هذه المغالطة تعمُّ العالم اليوم، حيث يقولون من جهة بضرورة حرّية عقل الإنسان وفكره، ومن جهة اخرى يدعون إلى ضرورة حرّية العقيدة أيضا. فهل يجوز أن يكون عبَدة الأصنام والبقر والثعابين و... أحراراً في عقائدهم، في حين أنّ هذه العقائد مضادّة لحرّية الفكر مقيّدة لها؟ [١٠٨]

هذه المعتقدات الخرافية الباطلة التي ترسّبت في الأذهان طوال القرون المتمادية لايمكن إزالتها بالأساليب المبدئية، ولذا فإنّ الإسلام يوصي باستخدام القوّة لإبادة كلّ ما من شأنه عرقلة حرّية الفكر ويحول دون تحرّر المجتمع من العادات والتقاليد البائدة ورواسب الثقافات المتردّية. بيدَ أنّه ـ وكما ذكرنا سابقا ـ لايمكن استخدام القوّة العسكرية في مواجهة تلك المعتقدات مباشرةً، فلهذا يوصي الإسلام بادئ ذي بَدء بضرب المعالم والآثار الاجتماعية لتلك المعتقدات والتقاليد المذمومة. فلأجل مكافحة عبادة الأصنام مثلاً لابدّ من هدم معابد الوثنيّين مثلما فعل النبيّ إبراهيم (ع)، ولمكافحة عبادة البقر يجب رمي العِجْل في النار كما فعل النبيّ موسى (ع). لقد كان النبيّ ابراهيم (ع) أول من كشف سرّ الخلق في زمانه وأصاب الرؤية الكونية الحقيقية بفكر طليق،[١٠٩] وكان يتصدّى لقومٍ يعيشون في الأوهام، قد قيّدت المعتقدات الباطلة أذهانهم، فهم محرومون من أيسر تفكير وتعقّل؛ وقد حاول إنقاذهم عن طريق الاستدلال والنصح فلم يفلح، الأمر الذي حداه إلى البرهنة العملية على أنّ الآلهة الأصنام التي كانوا يعبدونها ليست الإله الحقيقي، بل هي من صنع أيديهم.

ففي أحد الأيام خرج الناس من المدينة لأداء مراسم عيد خاصّ بهم، فاستغلّ إبراهيم (ع) الفرصة ودخل معبد الأوثان وحمل عليها بالفأس وهشّمها إلّا واحداً، هو كبيرها، فعلّق الفأس في رقبته وخرج من المعبد. وقد كان (ع) يهدف من وراء ذلك إلقاء التهمة على عاتق هذا الوثن الأكبر بأنه هو الذي هشّم الأوثان الاُخرى، وبذلك يخلّص أذهان الناس من المعتقدات الخرافية ويحرّر أفكارهم. لمّا عاد الناس بعد احتفال العيد إلى المدينة علموا بأنّ المعبد قد خُرّب، وكأنّ الأصنام قد اقتتلت وقتلت بعضها بعضا، فدخلوا المعبد وشاهدوا الأصنام جميعا جذاذاً، ولم يبق إلّا الصنم الكبير والفأس على رقبته. إنّ هذا المشهد لا يدلّ إلّا على أنّ الصنم الكبير هو المتّهم لاغيره، إلّا أنهم كانوا يدركون بشعورهم الفطري أنّه لا يمكن لمجموعة من الكائنات غير الحية العديمة الشعور أن تدخل في نزاع معا، فسارعوا في البحث عن المتّهم في الحادث، أي النبيّ إبراهيم (ع)، فلطالما انتقد عبادة الأوثان وسبق أن هدّد بتحطيمها، فألقوا القبض عليه بتهمة قتل آلهتهم! وشرعوا في محاكمته على مرأىً من الملأ.

وقد كان أول سؤال وجّه اليه، هو: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ[١١٠]

أجاب (ع) بما يستهدف إحياء الضمائر الميّتة فيهم قائلاً بأنّ الدلائل تشير إلى أنّ الوثن الأكبر هو الفاعل، فإذا كانت الأوثان لتنطق فاسألوهم ليخبروكم عن الفاعل. بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ[١١١]

إنّ ما يلفت النظر هنا هو أنّ الإسلام بعدما يحطّم الموانع ويحلّ عُقَد الأفكار المخطئة ويحرّر الذهن يقول للإنسان: الآن فكّر، لترى ماذا يقول العقل، فإن قال: إنّ الإسلام صائب، فاقبله واعتنقه، وإن قال: إنّ المدرسة الفلانية صحيحة، فاقبلها واتبعها، بعبارة اُخرى: إنّ الإسلام لايفكُّ غُلًا بالقوّة ليستبد له بآخر يحلّ محلّه، أو يفرض على الإنسان عقيدة اُخرى حتّى وإن كانت على أساس من العقل والفكر، بل إنّه يدعو إلى اختيار العقيدة على أساس التفكير والتحقيق حتّى ولو كانت تلك العقيدة عقيدةً إسلامية. بعد أن فُتحت مكّة وانصرف الناس عن عبادة الأصنام واُعلن العفو العامّ دخل أهل الحجاز في دين اللّه أفواجا، إلّا زعماء المشركين الذين كانوا يخلقون المشاكل للمسلمين، فقد باتوا يشعرون بالخطر، ممّا حداهم إلى الهرب من مكّة المكرّمة. وكان صفوان بن اُميّه أحد الهاربين إلى جدّة.

فإنّه فضلاً عن جرائمه الفادحة ـ كان قد قتل مسلما انتقاما لأبيه اُمية بن خلف الذي قُتِل على أيدي المسلمين في بدر، وذلك عندما صلَبَهُ أمامَ حشد كبير من أهل مكّة في وضح النهار، ولهذا أهدر رسول اللّه (ص) دمَه، فعزم على أن يخرج من الحجاز عن طريق البحر فراراً من القتل، وبخاصّة عندما علم بأنه من جملة العشرة الذين أمر رسول اللّه (ص) بقتلهم وإهدار دمِهم.

فطَلبَ عُمير بن وهب من رسول اللّه (ص) أن يعفو عنه، فقبِلَ رسول اللّه (ص) شفاعته، وأعطاه عمامته ليدخلَ بها مكّة كعلامة أمان من رسول اللّه (ص)، ويصطحب معه إلى مكّة صفوان بن اُمية، فذهب عُمير إلى جدّة وأخبر صفوان بذلك، وقدِمَ به مكّة على رسول اللّه (ص)، فلمّا وقعت عينا رسول اللّه على كبير المجرمين بل أكبرهم يومئذ قال له ردّاً عليه لما سأله قائلاً «إنّ عُمير يزعم أنك أمتّني»: صدقت، إنزل أبا وهب.

ثمّ دعاه رسول اللّه (ص) إلى الإسلام، فقال: اجعلني بالخيار شهرين، فقال رسول اللّه (ص): أنت بالخيار في أربعة أشهر، وبهذا أمهله رسول اللّه (ص) أربعة أشهر كفرصة يفكّر فيها في الإسلام ودعوة النبيّ.[١١٢]

ولعل الألطف من هذه القصّة قصة دخول سهيل بن عمر الإسلام، قال: لمّا دخلَ رسول اللّه (ص) مكّة وظَهَرَ، انقحمتُ بيتي وأغلقتُ عليَّ بابي، وأرسلتُ إلى ابني عبداللّه بن سهيل أن اُطلب لي جواراً من محمّد، وإنّي لا آمن أن اُقتَل، وجعلت أتذكّر أثري عند محمّد وأصحابه؛ فليس أحدٌ أسوأ أثرا منّي.... فذهب عبداللّه بن سهيل إلى رسول اللّه (ص)، فقال: يا رسول اللّه، تُؤَمِّنُهُ؟ فقال: نعم، هو آمن بأمان اللّه، فليَظْهر، ثمّ قال رسول اللّه (ص) لمن حوله: من لقيَ سُهيلَ بنَ عمروٍ فلا يشدُّ النظر إليه، فليخرج؛ فلعمري إنَّ سهيلاً له عقل وشرف، وما مثلُ سهيل جهِلَ الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنّه لم يكن له بنافع ! فخرج عبداللّه إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول اللّه (ص)؛ فقال سهيل: كان واللّه بَرّاً؛ صغيراً وكبيراً. فكان سهيل يُقبل ويُدبر، وخرج إلى حنين مع النبيّ (ص) وهو على شركه، حتّى أسْلَمَ بالجِعِرّانة. [١١٣]

هاتان القصّتان نموذجان واضحان للسيرة العمليّة لنبيّ الإسلام (ص) في معاملة المناوئين للعقيدة الإسلامية، وهما تبرهنان عكس المزاعم التي يبثّها بعض المستشرقين للنيل من الإسلام والنبيّ الأكرم (ص)، وعليه، فإنّ المعارك والغزوات الإسلامية بناءً على تعاليم القرآن لم تكن إلّا إقداما على تحطيم الموانع دون حرّية الفكر ونماء المعتقدات الصحيحة.[١١٤].[١١٥]

حرّية تبليغ العقيدة في الإسلام

علمنا حتّى الآن بأنّ الإسلام لا يؤيّد حرّية الإعلان عن العقيدة فحسب، بل ويدافع عنها أيضا، وعليه؛ أيسمحُ الإسلام لكلّ صاحب عقيدة أيًّا كانت أن يبلّغها لغيرهِ؟ هذا ما يجب أن نعرفه، وقد سبق أن أجبنا عن هذا السؤال لدى بياننا عن رأي العقل في هذا الموضوع، وقلنا: إنّ العقل لايسمح لتبليغ العقيدة بحرّية مطلقةٍ، وإنّ رأي الإسلام في هذا الصدد مطابق لرأي العقل، ولمزيد من الايضاح نقول: إنّ تبليغ العقيدة يتمّ عن طريق الاستدلال والبرهنة، والمبلِّغ يعتمد على العقل والمنطق إمّا بشكل حقيقي، وإمّا بالتهريج والتحايل والتضليل.

والإعلان عن العقائد ذات الأساس العقلي في حدّ ذاته يعتبر ترويجا وتبليغا لها بمقدار ما تتمتّع به من العقل والمنطق والاستدلال، ومن ثَمَّ فالتبليغ بهذا المعنى منطوٍ تحت حرّية التظاهر والإعلان، وقد بَيَّنَّا رأي الإسلام في هذا الخصوص بشكل وافٍ.

وأمّا التبليغ عن طريق التهريج أو خلق الأجواء وتكييفها والتحايل لنشر المعتقدات التي لا أساس لها من الفكر أو المنطق فإنه يترك آثاراً سيئة على المجتمع، فلا العقل يسمح به ـ كما سبق وأسلفنا ـ ولا الإسلام، يؤيّد ما لا يجيزه العقل.

وعليه، نقطع بغاية من الإيجاز فنقول: إنّ الإعلان عن الرأي والعقيدة مسموح به في الإسلام، أمّا التهريج والشعوذة والتضليل لتفشّي المعتقدات الباطلة فهذا ما يحرّمه الإسلام.[١١٦]

إمكانيّة تعليم العقائد الصحيحة

إنّ أوّل سؤال يثار هو أنّنا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ عقائد الإنسان خارجة عن اختياره، فكيف يتسنّى تعليم الناس العقائد الصحيحة المطابقة للواقع؟

والجواب هو أنّ عقائد الإنسان ليست كثيابه فيغيّرها أنّى شاء، بيد أنّ العقائد غير العلميّة قابلة للتغيير بعد اجتثاث جذور العقائد الوهميّة السقيمة.

وتعليم العقائد على أساس الرؤية الإسلاميّة يعمد إلى تحقيق هذا الهدف وهو انّه بعد تحرير الفكر من قُيود التقليد، واستبدال البحث الوافي بالبحث الناقص، تترك العقائد الوهميّة مكانها للعقائد العلميّة الصحيحة. ومن البديهيّ أنّ هذا الأمر يتيسّر ولايتعذّر.[١١٧]

ضرورة تعليم العقائد الصحيحة

عقائد الإنسان هي آصرة روحه ونفسه؛ أي: إنّ العقائد الخاطئة تشوّه شكل الإنسان وباطنه الحقيقيّ وتُمرضه، فتُخرج بذلك حياته الفرديّة والاجتماعيّة عن مسارها الطبيعيّ.

وما يمكن أن يقي الإنسانَ هذا الخطرَ هو علم المعرفة وتعليم العقائد العلميّة، من هنا يُعدُّ هذا العلم أهمّ العلوم وأثمنها وأكثرها ضرورةً، لأنّه يحولُ دون تطعيم الذهن بالعقائد الغالطة غير العلميّة، ويضمن سلامة الروح، لذا قال الإمام الباقر (ع) في سياق إرشاداته لجابر بن يزيد الجعفيّ: «اِعْلَمْ أَنَّهُ لاَ عِلْمَ كَطَلَبِ اَلسَّلاَمَةِ وَ لاَ سَلاَمَةَ كَسَلاَمَةِ اَلْقَلْبِ». [١١٨]

أجل، لاعلم كالعلم الذي يتوخّى ضمان سلامة قلب الإنسان وروحه، لأنّ معيار القيمة في كلّ علم يتمثّل في الخدمة التي يقدّمها للإنسان والمجتمع، ولمّا كان علم العقيدة وتنقيحها يؤدّي أهمّ دور في ضمان سلامة الفكر والروح، فإنّه من أثمن العلوم وأكثرها قيمةً وضرورة للإنسان.[١١٩]

أسلوب نيل العقائد الصحيحة

تلاحظ ثلاثة أساليب للحصول على المعرفة الحقيقيّة والعقائد العلميّة الصحيحة، وهي كما يأتي:

  1. اُسلوب الفلاسفة.
  2. اُسلوب المتكلّمين.
  3. اُسلوب الأنبياء.

لقد تحدّث كلّ من الفلاسفة والمتكلّمين والأنبياء عن اُصول العقائد، وكان لكلّ منهم اُسلوبه ومنهاجه الخاصّ في بيان المسائل العقائدية. [١٢٠]

ميزات اُسلوب الأنبياء

يتمتّع اُسلوب الأنبياء (ع) في تعليم اُصول العقائد بميزتين مهمّتين أساسيّتين، يفتقر إليهما اُسلوب كلّ من الفلاسفة والمتكلّمين، وهاتان الميزتان هما:

العمومية

فالاُولى تعني أنّ الأنبياء (ع) كانوا يخاطبون الناس عامّة ويعلّمونهم كافّة، أي أنهم على العكس من الفلاسفة والمتكلّمين، فهم يعلّمون فئة خاصّة تفهم لغتهم واُسلوبهم، بعبارة اُخرى: إنّ الفلاسفة حينما يتكلّمون عن المسائل العقائدية أو يؤلّفون كتبا فيها لا يخاطبون الناس كافّةً، بل يخاطبون اُولئك الذين يتمتّعون بأذواق ومعلومات فلسفية أو كلامية، أو مَن درسوا الفلسفة أو الكلام، أو يبغون دراستها، وعليه، فلا يستفيد عامّة الناس من أقوالهم ومؤلّفاتهم.

أمّا الأنبياء فهم معلّمون ومربُّون للناس جميعا، يرشدونهم إلى الاستناد إلى العقل والأدلّة والبراهين في المسائل العقائدية.

فالذين يخاطبهم الأنبياء لا يقتصرون على المشتغلين بالفلسفة أو مريديها، أو على ذوي الأذواق والمؤهّلات في علم الكلام، أو على العلماء وطلّاب العلم، أو على شريحة اجتماعية خاصّة، بل هم الناس قاطبة بمختلف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية، ولهذا كان لابدّ للأنبياء أن يقولوا في المسائل العقائدية ما يسهل فهمه للجميع، وأن يستدلّوا فيها بما يمكن للجميع أن يستوعبوه، سواء في ذلك الجاهل الاُمّي والعالم النِحرير.

الشموليّة

والميزة الاُخرى لاُسلوب الأنبياء الإلهيّين في تعليم المسائل العقائدية هي الجامعية أو الشمولية.

فالعقيدة في منهاج الفلاسفة والكلاميّين تبحث بمعزل عن التطبيق العلمي. فالبحوث العقائدية على الطريقة الفلسفية والكلامية عبارة عن سلسلة من البحوث العلمية الجافّة الخارجة عن نطاق النشاطات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، في حين أنّ البحوث العقائدية على طريقة الأنبياء (ع) بحوث شاملة جامعة بين العقيدة والعمل في نفس الوقت.

إنّ تعليم العقيدة بهذا المنهاج الجامع يعرّف الإنسان حقائق المبدأ والمعاد من خلال الدلائل العلميّة والفلسفيّة الدقيقة تزامنا مع تعليمه أسمى القضايا العرفانيّة وأدقّ الموضوعات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة.[١٢١]

المراجع والمصادر

  1. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية

الهوامش

  1. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٢٣.
  2. سورة الإسراء، الآية ٨٤.
  3. الكافي: ج ٢ ص ٤٠٠ ح ٧، الفقه المنسوب للإمام الرضا (ع): ص٣٨٨ وفيه «أروي...»، بحار الأنوار: ج ٧٢ ص١٢٤ ح ١.
  4. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٢٣-٢٥.
  5. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٦٥.
  6. سير حكمت در اروپا (بالفارسية) لمحمّد علي فروغي: ج ١ ص ٣١.
  7. الأرغَنونُ الجديد اسم كتاب لم يتم لبيكن.
  8. سير حكمت در اروپا (بالفارسية): ج ١ ص ١٣٦.
  9. سير حكمت در اروپا (بالفارسية): ج ١ ص ١١٤ ـ ١١٦.
  10. سير حكمت در اروپا (بالفارسية): ج ١ ص ١٣٩. ولمزيد من الاطّلاع على قواعد منطق ديكارت اقرأ ص١٤١ ـ ١٤٣ من نفس الكتاب.
  11. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٠-٧٤.
  12. سورة النجم، الآية ٢٣.
  13. سورة الإسراء، الآية ٣٦.
  14. سورة النور، الآية ١٥.
  15. سورة الجاثية، الآية ٢٤.
  16. سورة ص، الآية ٢٧.
  17. سورة الأنعام، الآية ١١٦.
  18. سورة الأعراف، الآية ١٦٩.
  19. سورة يونس، الآية ٣٩.
  20. مجمع البيان: ج ٥ ص ١٦٨، الأمالي للصدوق: ص ٥٠٦ ح ٧٠٢، بصائر الدرجات: ص ٥٣٧ ح ٢ كلاهما نحوه، منية المريد: ص ٢١٦، بحار الأنوار: ج ٢ ص ١١٣ ح ٣.
  21. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٠-٧٧.
  22. هو أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهَّر الحلّي (المتوفّى عام ٧٢٦ ه).
  23. غرر الحكم: ح ٣٠٢٢، عيون الحكم والمواعظ: ص١١٩ ح ٢٦٨٢.
  24. غرر الحكم: ح ٥٠١١، عيون الحكم والمواعظ: ص ٢٣٨ ح ٤٥٣٠.
  25. الأمالي للصدوق: ص ٤٧٩ ح ٦٤٤، بحار الأنوار: ج ٧٧ ص ٣٧٨.
  26. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٨-٧٩.
  27. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٩.
  28. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٢.
  29. استبدّ بالأمر يستبدّ به استبدادا: إذا تفرّد به دون غيره (النهاية: ج ١ ص ١٠٥).
  30. غرر الحكم، ج١، ص٦٤.
  31. غرر الحكم، ج١، ص٨١.
  32. بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٠٥
  33. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٣.
  34. بحار الأنوار، ج٧٢، ص١٠٥
  35. غرر الحكم، ج١، ص٥٠.
  36. غرر الحكم، ج١، ص٥٨.
  37. بحار الأنوار، ج٧٤، ص٦٦
  38. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٤.
  39. كشف الغمّة: ج ٣ ص ١٣٩، بحار الأنوار: ج ٧٨ ص ٨١ ح ٧٦.
  40. غرر الحكم: ح ٤٣٢، عيون الحكم والمواعظ: ص ٣٩ ح ٨٤٨.
  41. المعجم الكبير: ج ١٧ ص ٣١٠ ح ٨٥٨، المعجم الأوسط: ج ٣ ص ٢٥٩ ح ٣٠٨٢، مسند الشهاب: ج ١ ص٢٣٢ ح ٣٦٣، كنز العمّال: ج ٣ ص ٩٩ ح ٥٦٧٨.
  42. الأمالي للمفيد: ص ٢٢١ ح ١، الأمالي للطوسي: ج ٧ ص ٨، بحار الأنوار: ج ٧١ ص ٣٣٩ ح ٥ و ج ٧٨ ص ٩٨.
  43. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٥-٨٦.
  44. بحار الأنوار، ج ٧٥، ص ٦.
  45. الكافي: ٨ / ٢٢ / ٤ عن جابر بن يزيد عن الإمام الباقر (ع)، الفقيه: ٤ / ٣٨٨ / ٥٨٣٤، تحف العقول: ٩٦.
  46. غرر الحكم: ح ٥٤٢٦، عيون الحكم والمواعظ: ص٢٦٩ ح ٤٩٤٣.
  47. غرر الحكم: ح ٣٠٤٨، عيون الحكم والمواعظ: ص ١١٩ ح ٢٧٠٤.
  48. غرر الحكم: ح ١٢٠٣، عيون الحكم والمواعظ: ج ٤٥ ص ١١٢٨.
  49. غرر الحكم: ح ٩١٨٠.
  50. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٦-٨٧.
  51. الخصال: ص ٢٨٤ ح ٣٤، مكارم الأخلاق: ج ١ ص ٤٣٧ ح ١٤٩٤، بحار الأنوار: ج ٧٤ ص ١٨٦ ح ٥.
  52. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٨.
  53. غرر الحكم: ح ٢٥٦٩، عيون الحكم والمواعظ: ص ٩١ ح ٢١٥٠.
  54. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٨-٨٩.
  55. غرر الحكم: ح ٢٥٦٧، عيون الحكم والمواعظ: ص ٩١ ح ٢١٥٤.
  56. الكافي: ج ٨ ص ٢٢ ح ٤، كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ٤ ص ٣٨٨، نهج البلاغة: الحكمة ١٧٣، تحف العقول: ص ٩٠.
  57. غرر الحكم: ح ٧٨٦٥، عيون الحكم والمواعظ: ص ٤٥٣ ح ٨١٢٨.
  58. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٩.
  59. إنسان موجود ناشناخته (بالفارسية): ص ١٣٩ ـ ١٤٠.
  60. امدادهاى غيبى در زندگى بشر (بالفارسية): ص ٨٠.
  61. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٠-٩٢.
  62. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٣.
  63. تحف العقول، ج ١، ص ٦٨
  64. هذه ترجمة لما نسب إلى سقراط شعرا، وفيمايلي نصّه (بالفارسية): تا به آنجا رسيد دانش من كه بدانم همى كه نادانم
  65. راجع: موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): ج ١٠ (القسم الحادي عشر / الفصل الرابع / القبس الثالث / الباب العاشر: سلوني قبل أن تفقدوني).
  66. موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): ج ١٠ (القسم الحادي عشر / الفصل الثالث: علم الشرائع: ح ٤٩٩٣).
  67. موسوعه الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): ج ١٠(القسم الحادي عشر/الفصل الثاني: لم يجد حملة لعلمه: ح٤٩٣٦).
  68. بحار الأنوار، ج٩٤، ص٢١٨.
  69. بحار الأنوار، ج ٢، ص ٥٨.
  70. بحار الأنوار، ج ٢، ص ٥٨.
  71. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٤- ٩٨.
  72. غرر الحكم، ج ١، ص ٩٢.
  73. غرر الحكم، ج١، ص ٧٠
  74. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٤.
  75. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٩.
  76. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٠٠.
  77. بحار الأنوار، ج٢، ص١٢٣.
  78. غرر الحكم و درر الكلم، ج١، ص ٤٩٩.
  79. بحار الأنوار، ج ٢، ص ١١٧.
  80. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٠٠-١٠١.
  81. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٠١-١٠٢.
  82. تحف العقول، ج ١، ص ٦٨
  83. اشتهرت هذه العبارة ونقلها الكثيرون عن الشيخ الرئيس، والذي عثرنا عليه بهذا المضمون في الإشارات والتنبيهات: ج ٣ ص ٤١٨ في ذكر الحوادث الغريبة حيث قال: «فالصواب أن تسرح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان».
  84. بحار الأنوار، ج ٣٤، ص ٢٠٩.
  85. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٠٢.
  86. راهنماى سازمان ملل (بالفارسية): ص ١٠٢٦ ـ ١٠٢٧.
  87. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١١٥-١١٦.
  88. سورة الأنعام، الآية ١١٦.
  89. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١١٧-١١٩.
  90. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١١٩.
  91. فرهنگ فارسى (بالفارسية) للدكتور محمّد معين: ج ٦ «گاليله».
  92. الصِفاد: ما يوثَق به الأسير من قِدٍّ و قيدٍ و غلٍّ (الصحاح: ج ٢ ص ٤٩٨).
  93. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٠-١٢٣.
  94. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٥-١٢٦.
  95. راجع: مجمع البيان: ج ٩ ص ٢٠٧.
  96. سورة الحجرات، الآية ١٤.
  97. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٦.
  98. سورة الزمر، الآية ١٧-١٨.
  99. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٧.
  100. قال عزّ من قائل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (سورة التوبة، الآية ٣٣)
  101. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٣٣-١٣٤.
  102. سورة النحل، الآية ١٢٥.
  103. قال تعالى: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ (سورة البقرة، الآية ١١١)، الأنبياء: ٢٤، النمل: ٦٤، القصص: ٧٥.
  104. كما في قوله سبحانه: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورة النحل، الآية ١٢٥.) وقوله تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (سورة العنكبوت، الآية ٤٦).
  105. راجع: الحوار بين الحضارات في الكتاب والسنة.
  106. سورة يوسف، الآية ١٠٨.
  107. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٣٥-١٣٩.
  108. نقلاً عن كلمة ألقاها الشهيد المطهّري في حسينية الإرشاد في خريف عام ١٣٤٨ ه ش تحت عنوان «حرّية العقيدة». راجع ص ٩٨ ـ ٩٩ من سلسلة مقالات پيرامون جمهورى اسلامى (بالفارسية).
  109. قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(سورة الأنعام، الآية ٧٥).
  110. سورة الأنبياء، الآية ٦٢.
  111. سورة الأنبياء، الآية ٦٣.
  112. سيّد المرسلين: ج ٢ ص ٥٠٥، وراجع كنز العمّال: ج ١٠ ص ٥٠٤ ح ٣٠١٧٠.
  113. المغازي للواقدي: ج ٢ ص ٨٤٦، المستدرك على الصحيحين: ج ٣ ص ٣١٧ ح ٥٢٢٥، شرح نهج البلاغة: ج١٧ ص ٢٨٤، كنز العمّال: ج ١٠ ص ٥٠٣ ح ٣٠١٦٨.
  114. لمزيد من المعلومات بهذا الخصوص راجع مقالة «ملفّ الإسلام» من كتاب محمّد خاتم پيامبران (بالفارسية): ج ٢ ص ٥٩ ـ ٧١.
  115. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٣٩-١٤٤.
  116. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٤٤-١٤٥.
  117. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٤٩.
  118. بحار الأنوار، ج ٧٥، ص١٦٢.
  119. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٥٠.
  120. للتعرّف على اُسلوب الفلاسفة والمتكلّمين، راجع مجموعة «آشنايى با علوم اسلامى» (بالفارسية) الشهيد الاُستاذ المطهّري: الدرس الرابع في الفلسفة، موضوع «الأساليب الفكرية الإسلامية» وكذلك الدرس الأول في «علم الكلام».
  121. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٥٠-١٥٣.