العقيدة

من إمامةبيديا

تمهيد

«العقيدة» هي الركيزة الأساسية التي تنبثق منها سائر أعمال الإنسان وتصرفاته، وتتشكل على ضوئها حياته الفردية والاجتماعية.

التعريف

كلمة «عقيدة» مشتقة من المصدر «عقْد» الذي يعني الإحكام والشد والربط. فالعقيدة هي ما يرتبط بذهن الإنسان وروحه وفكره من آراء وأفكار. عندما يتقبل ذهن الإنسان فكرة ما - سواء كانت حقاً أم باطلاً - فإن هذا التقبل يعني شدّ تلك الفكرة إلى الذهن وربطها به وإحكام صلتها فيه. هذه الصلة تسمى «عقداً» وتلك الفكرة تسمى «عقيدة».[١]

دور العقيدة في الحياة

عقائد الإنسان وتصديقاته هي الأساس لجميع توجهاته في الحياة، وعليه فالعقيدة صاحبة الدور الأكبر في الحياة الفردية والاجتماعية، كما قال تعالى: ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ[٢].

فعقائد الإنسان هي التي تحدد هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية، وهي التي تحفزه إلى العمل وتوجهه في الحياة. إذا كانت عقيدته صائبة مطابقة للواقع، كان طريق حياته صائباً، وإذا كانت عقيدته فاسدة باطلة، فإن طريقه لا يؤدي إلا إلى الضياع.

ليست هناك مدرسة تفوق مدرسة الإسلام في تقديرها للعقيدة، فالعقيدة في الإسلام هي المعيار لتقييم الأعمال. حتى الأعمال الصالحة تعتبر فاقدة لقيمتها ما لم تنبعث عن عقيدة صحيحة! يقول الإمام الباقر (ع): «لا يَنفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ»[٣]. هذا يعني أن صحة العمل وفائدته ودوره في تكامل الإنسان منوط بصحة عقيدة العامل.

من وجهة نظر الإسلام، أول ما يُطرح على الإنسان بعد مماته هو السؤال عن العقائد: بأي إله آمنت؟ وبأي دين اعتقدت؟ ومن أسوتك ورائدك الذي اتبعته؟

العقيدة هي التي تثير في الإنسان دافعاً للعمل، والدافع هو الذي يوجه العمل، والدافع والاتجاه كلاهما يحددان مفهوم العمل ومعناه وقيمته. لذلك، فإن المؤسسات العلمية الدينية والجامعات في الأقطار الإسلامية ينبغي أن تولي المحاضرات والبحوث العقائدية عظيم اهتمامها.[٤]

بناء العقيدة السليمة

تصحيح العقيدة

من أهم المسائل التي تجب دراستها قبل البحوث العقائدية هي تصحيح العقيدة. السؤال المطروح: هل هناك طريقة يمكن بها التوصل إلى معرفة العقائد الصحيحة وتصحيح العقائد الفاسدة؟

في النصوص الإسلامية توصيات دقيقة في هذا الشأن، تعتبر من أبرز ما يلزم لمن يحاول سبر أغوار البحوث العقائدية، بغض النظر عن عقيدته ومسلكه. التزام هذه التوصيات يوصل الباحث إلى ما يتوخاه ويوفر له الثقة في نتائجه.[٥]

موانع تصحيح العقيدة

موانع تصحيح العقيدة هي عوامل تؤدي بالفكر إلى الزلل والخطأ، فلا يستطيع الباحث معها أن يطمئن إلى مطابقة رأيه للواقع. وتاريخياً، كان أرسطو أول من فكّر في الوقاية من خطأ الفكر، حيث وضع قواعد المنطق لتجنب الخطأ في الاستدلال.

لكن منذ زمن بيكن وديكارت، حصل تحوّل فكري أدى إلى الاعتقاد بأن المنطق الأرسطي غير كافٍ للوقاية من الخطأ، إذ أن مقياس الخطأ في منطق أرسطو مرتبط بصورة الاستدلال وليس بمواده الأولية.[٦]

موانع تصحيح العقيدة في القرآن

سبق القرآن الكريم كل ما توصل إليه العلماء الأوروبيون في تقويم مقدمات الاستدلال، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ[٧].

هذه الآية تشير إلى عاملين رئيسيين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده:

  1. الظن: وهو من أخطر العوامل التي تزل بأفكار الغالبية نحو العقائد الباطلة. وأول ما يوصي به القرآن هو تجنب الاعتماد على الظن: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[٨].
  2. الميول النفسية: عندما يحب الإنسان شيئاً ويتعلق به، تعمى بصيرة عقله وتصم مسامع فكره. كلما تحرر الذهن من الميول والرغبات النفسية اقترب من الصواب، كما قال الإمام علي (ع): «أقرَبُ الآراءِ مِنَ النُّهى أبعَدُها مِنَ الهَوى»[٩].

وهناك موانع أخرى مثل:

  1. التعصب: وهو قمة التبعية للميول النفسية في نصرة الفرد أو الجماعة دون مراعاة الحق.
  2. التقليد: قبول رأي شخص أو أشخاص دون المطالبة بدليل، وهو غلٌّ يقيد فكر الإنسان.
  3. الاستبداد: وهو أثر الانصياع للميول النفسية نتيجة لداء اعتبار النفس عالماً.
  4. اللجاجة: وهي من مواطن الزلل الخطيرة التي تسل الفكر وتضله.[١٠]

شروط تصحيح العقيدة

هناك شروط لازمة لتصحيح العقيدة، هي:

  1. التأني: عدم التسرع في إبداء الرأي حتى يتبلور. قال الإمام علي (ع): «الرَّأيُ مَعَ الأَناةِ، وبِئسَ الظَّهيرُ الرَّأيُ الفَطيرُ»[١١].
  2. التجربة: تلعب دوراً مهماً في المعرفة. يقول الإمام علي (ع): «رَأيُ الرَّجُلِ عَلى قَدرِ تَجرِبتِهِ»[١٢].
  3. تمركز الفكر: يُحدد للباحث أبعاد المسألة ضمن إطار مشخص.
  4. حركة الفكر: ضرورة حيوية الفكر ومنع جموده. قال الإمام علي (ع): «أمخِضُوا الرأيَ مَخضَ السّقَاءِ يُنتِج سَديدَ الآراءِ»[١٣].
  5. تبادل وجهات النظر: مما يؤدي إلى بروز مواطن الضعف والقوة والخطأ والصواب في الآراء المختلفة.
  6. الامدادات الغيبية: وهي صاحبة السهم الأكبر في التوصل إلى المعتقدات العلمية ومعرفة الحقيقة.[١٤]

اختبار العقيدة

قبل الورود إلى البحوث العقائدية، يجب معرفة كيفية اختبار العقيدة. هل هناك معيار يمكن للإنسان أن يختبر به عقيدته ورأيه ويقف على صحتها؟

والجواب: نعم، فالعقائد العلمية وغير العلمية لها علامات وآثار يمكن للمحقق بواسطتها اختبار الآراء والعقائد.[١٥]

علامات العقائد العلمية

للإمام علي (ع) بيان جامع عن علامات العقائد العلمية وخصائص العلماء الحق: «إِنَّ العالِمَ مَن عَرَفَ أنَّ ما يَعلَمُ فيما لا يَعلَمُ قَليلٌ، فَعَدَّ نَفسَهُ بِذلِكَ جاهِلاً فَازدادَ بِما عَرَفَ مِن ذلِكَ في طَلَبِ العِلمِ اجتِهاداً، فَما يَزالُ لِلعِلمِ طالِبا، وفيهِ راغِبا، ولَهُ مُستَفيداً، ولِأَهلِهِ خاشِعا، ولِرَأيِهِ مُتَّهِما، ولِلصَّمتِ لازِما، ولِلخَطَاَ حاذِراً، ومِنهُ مُستَحيِيا، وإِن وَرَدَ عَلَيهِ ما لا يَعرِفُ لَم يُنكِر ذلِكَ لِما قَرَّرَ بِهِ نَفسَهُ مِنَ الجَهالَةِ»[١٦].

من هذا البيان يمكن استنتاج سبع علامات للعقائد العلمية:

  1. الاهتمام بالمجهولات: العالم الحقيقي يرى معلوماته ضئيلة أمام ما يجهله.
  2. التعطش المتنامي لاكتساب العلم: فهو لا يشبع من العلم ولا يمل من تعلمه.
  3. التواضع لأهل العلم: إدراك قيمة علوم الآخرين والاستفادة منها.
  4. اتهام الرأي الذاتي: عدم القطع بصحة آرائه دون أدلة كافية.
  5. اختيار الصمت: الالتزام بالصمت في المسائل التي لا يعرفها.
  6. التحفظ من الخطأ: الحذر من الوقوع في الأخطاء عند إبداء الرأي.
  7. عدم إنكار المجهول: عدم إنكار ما لا يعرفه، مدركاً أن «عدم المعرفة لا يدل على عدم الوجود».[١٧]

منشأ العقيدة

قبل البحث في حرية العقيدة، يجب علينا أن نفهم من أين تنشأ عقائد الإنسان وتصديقاته. هذه العقائد التي تشكل الأساس في تصرفاته ومواقفه في الحياة، كيف يؤمن الإنسان بها ويعتقدها ويقتنع بها؟

بالتأمل نجد أن عقائد الإنسان ترجع إلى مصدرين أساسيين:

  1. التحقيق: عندما يفكر الإنسان بحرية ويطالع ويحقق في مسألة ما، قد يتوصل إلى عقيدة معينة. فإذا حقق فيما إذا كانت الأرض تدور حول الشمس أم العكس، يكون قد اتخذ التحقيق أساساً ومنشأً لعقيدته، سواء أكان رأيه مطابقاً للواقع أم لا.
  2. التقليد: وهو أن تكون عقيدة الإنسان غير مبنية على دراسة وفحص قائمين على تفكير حر، وإنما قبِلها إما بلا دراسة، أو قبِلها بعد دراسة لكن بتأثير من التفكير المكبَّل بالتقليد.

هناك منشأ ثالث هو الإلهام والإشراق، لكنه خاص بمن يستثنون من الأفراد، وليس مصدراً عاماً.

والملاحظ أن أغلب عقائد الناس وتصديقاتهم فاقدة للأساس الفكري، وهي في الحقيقة ثمرة التقليد! فالإنسان يتلقى آراءه من الأب والأم، والقوم والقبيلة والبيئة، والحزب والمنظمة، والشخصيات المحترمة، ويقلدها دون أن يطالب بدليل أو برهان عليها.

ولهذا حذّر القرآن الكريم من تقليد أكثر الناس: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ[١٨].[١٩]

حرية العقيدة

قبل البحث في حرية العقيدة، يجب توضيح معناها. يمكن تفسير حرية العقيدة من ثلاثة جوانب:

  1. الحرية في انتخاب العقيدة: وتعني أن الإنسان حر في الاعتقاد بما يريد.
  2. الحرية في التظاهر بالعقيدة: وتعني أن الإنسان حر في الإفصاح عما اعتقده.
  3. الحرية في نشر العقيدة: وتعني أن الإنسان حر في نشر عقيدته والترويج لها.

وقد يتوجه الحديث عن حرية العقيدة إلى أحد هذه المعاني الثلاثة، أو إليها جميعاً.[٢٠]

حرية العقيدة في رؤية العقل

للعقل رأي في كل واحد من هذه المعاني:

حرية انتخاب العقيدة

لو أمعنّا النظر قليلاً لتبيّن أن هذا النوع من حرية العقيدة غير ممكن عقلاً، فعقائد الإنسان وتصديقاته ليست خاضعة لاختياره، ولا لاختيار غيره. العقيدة ليست كالأزياء التي يختار منها ما يشاء، بل هي كالحب والعشق - خارجة عن إرادة صاحبها.

إذا كان الوقت نهاراً، فكيف يتأتى للإنسان أن يؤمن بأنه ليل؟ وهل في إمكان أحد أن يجبره على تغيير عقيدته؟ نعم، قد يُضطر إلى القول بخلاف عقيدته، أما أن يغير اعتقاده فهذا محال.

العقيدة يمكن أن تتغير فقط إذا تغير منشؤها. فإذا كان منشؤها التحقيق، فقد يواجه المحقق أدلة تثبت بطلان عقيدته السابقة. وإذا كان منشؤها التقليد، فقد تتحطم أغلال هذا التقليد.[٢١]

حرية الإفصاح عن الاعتقاد

هذه الحرية في نظر العقل من أوليات حقوق الإنسان المسلم بها. لكل إنسان الحق في أن يقول «هذه عقيدتي»، وليس لأحد مضايقته مادام لا يضر بحقوق الآخرين.

وهذه الحرية تستوجب التقاء الآراء ونضج المعتقدات العلمية وتصحيح العقائد. لكن هذا يثير سؤالين:

  • هل يحق للإنسان إبداء رأي مخالف لما يعتقده؟
  • هل الواجب تصحيح العقائد الموهومة أو الفاسدة؟

والجواب: أن العقل وإن كان يستهجن إظهار الرأي خلافاً للاعتقاد الواقعي، إلا أنه لا يرى مبرراً لسلب حرية البيان ما دام لا يضر بالآخرين. كما أن العقل يرى وجوب تصحيح العقائد الفاسدة لأنها أساس العمل، والمعتقدات الموهومة مفسدة للمجتمع.[٢٢]

حرية نشر العقيدة

هذا المعنى يتعلق بحرية نشر وترويج العقيدة للآخرين، سواء كانت مبنية على التحقيق أو التقليد، وسواء كانت مفيدة للمجتمع أو مضرة.

العقل لا يسمح بالترويج للعقائد الوهمية المضرة، فالعقائد الباطلة نوع من الأمراض النفسية، وهي أشد خطراً من الأمراض الجسمية. فإذا كان العقل لا يسمح لمريض بتنقل مرضه الجسماني خشية العدوى، فكيف يسمح بتنقل الأمراض النفسية والعقائدية؟[٢٣]

حرية اختيار العقيدة في رأي الإسلام

إن نظر الإسلام إلى حرية العقيدة هو نفس نظر العقل. فالإسلام يدرك أن عقائد الإنسان ليست خاضعة لإرادته، فلا معنى للبحث عن حرية الاختيار هنا.

حين جاءت طائفة من الأعراب إلى النبي (ص) معلنة إسلامها لدوافع مادية، نزلت الآية: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ[٢٤].

فالإسلام هو الإفصاح عن الإيمان بالمعتقدات الإسلامية، والإيمان هو اعتقاد القلب بتلك العقائد. يمكن للإنسان أن يتظاهر بعقيدة ما لدوافع مختلفة، أما الاعتقاد المؤمِن فهو من شأن القلب.[٢٥]

موقف الإسلام من العقيدة

إن أكثر ما يتهم به الإسلام من قبل خصومه هو تقييده لحرية العقيدة. والحقيقة أن موقف الإسلام يتضح جيداً عند فهم المعاني المختلفة لحرية العقيدة:

حرية التظاهر بالعقيدة في رأي الإسلام

يقرر الإسلام حرية الإنسان في إفصاحه عن رأيه واعتقاده، فلا يلزمه بالستر والكتمان.

مع ذلك، هناك بعض الحالات الاستثنائية التي قد يشرع فيها الكتمان، كما في حالة التقية عند الخوف على النفس، قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ[٢٦]. كما يوجد حالات نادرة جداً يحرم فيها التظاهر بالكفر حتى عند الإكراه، وهي حالات تتوقف عليها مصلحة الإسلام العليا.

كذلك يرفض الإسلام رفضاً باتاً النفاق، وهو إظهار خلاف الاعتقاد. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ[٢٧].[٢٨]

حرية تبليغ العقيدة في الإسلام

يرى الإسلام أن تبليغ العقيدة الصحيحة واجب أخلاقي وديني، لكنه يشترط:

  1. أن تكون العقيدة صحيحة ومبنية على أساس علمي.
  2. أن يكون التبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن.

قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[٢٩].

أما العقائد الباطلة والمضرة، فالإسلام لا يسمح بتبليغها ونشرها في المجتمع الإسلامي، لأنها كالأمراض المعدية التي تفتك بصحة المجتمع.[٣٠]

مكافحة العقائد الموهومة في الإسلام

وقف الإسلام موقفاً صارماً ضد العقائد الموهومة والتصديقات الباطلة التي كانت سائدة في عصر الجاهلية، ومنها:

  1. الشرك بالله: وهو من أبرز العقائد الباطلة التي حاربها الإسلام، سواء كان شركاً في الذات أو الصفات أو العبادة.
  2. الاعتقاد بالخرافات: كالتطير والتشاؤم من بعض الأحداث أو الأصوات، مثل ما كان يعتقده العرب من التشاؤم بصوت الغراب. قال النبي (ص): «لاَ عَدْوَىَ، وَلاَ طِيَرَةَ»[٣١].
  3. تزيين الشيطان للأعمال والعقائد الباطلة: قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ[٣٢].
  4. التعصب الأعمى: هاجم الإسلام الذين يتمسكون بعقائد آبائهم من غير دليل، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا[٣٣].
  5. تقليد الأكثرية: حذر الإسلام من تقليد أكثر الناس، لأنهم ليسوا على هدى، قال تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ[٣٤].[٣٥]

طريقة الإسلام في مكافحة العقائد الباطلة

انتهج الإسلام طريقة فريدة في مكافحة العقائد الموهومة، متميزة عن كل المذاهب والمسالك الفكرية الأخرى، وتتلخص في:

أولاً: النهي عن تقليد الآباء والأسلاف

قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ[٣٦].

ثانياً: الدعوة إلى التعقل والتفكر

دعا الإسلام إلى النظر والتفكير والتدبر في آيات الله، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[٣٧].

ثالثاً: الحجة والبرهان

اعتمد القرآن الكريم المنطق والعقل في إثبات العقائد الحقة وإبطال العقائد الباطلة. قال تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[٣٨].

رابعاً: إحياء الفطرة الإنسانية

استند الإسلام إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ[٣٩].

خامساً: استخدام الجدل الأحسن

علّم الإسلام طريقة الجدال الأحسن مع أصحاب العقائد الأخرى، قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[٤٠].

سادساً: التذكير بأضرار العقائد الباطلة

بيّن الإسلام الأضرار المترتبة على العقائد الباطلة، في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[٤١].[٤٢]

هذه المنهجية المتكاملة التي اعتمدها الإسلام في مكافحة العقائد الباطلة تنطلق من احترام عقل الإنسان وكرامته، وتحفزه على التفكير الحر والبحث عن الحق. وهي تختلف جذرياً عن طرق الإكراه والترهيب التي استخدمتها بعض المذاهب الفكرية عبر التاريخ.

تعليم العقائد الصحيحة

إمكانية تعليم العقائد

ثمة تساؤل مهم يطرح نفسه في إطار البحوث العقائدية: هل يمكن تعليم العقائد الصحيحة للناس؟ وإذا كان ذلك ممكناً، فما هي الطرق المثلى لتعليمها؟

والجواب: نعم، يمكن تعليم العقائد الصحيحة للناس، بل هو من الواجبات المهمة. غاية القول إن العقائد بما هي تصديق ذهني واعتقاد قلبي ليست مما يمكن فرضه وتلقينه، بل هي أمر يتعلق بقناعة الإنسان نفسه. لكن هذا لا ينفي إمكانية توفير المقدمات والأسباب التي توصل إلى الاعتقاد الصحيح.

ليس المقصود بتعليم العقائد تلقين الناس وإملاء الأفكار عليهم، بل إبلاغ الحقائق إليهم وهدايتهم إلى سبيل الرشاد.[٤٣]

ضرورة تعليم العقائد

تعليم العقائد الصحيحة ضرورة فردية واجتماعية، وذلك للأسباب التالية:

  1. الإنسان كائن ذو عقيدة: الإنسان بطبعه لا يخلو من العقائد، وإذا لم يتلق العقائد الصحيحة، فإنه سيتبنى أي عقيدة يتلقاها، صحيحة كانت أم باطلة.
  2. العقيدة أساس العمل: لما كانت الأعمال تنبع من العقائد، فإن فساد العقيدة يؤدي حتماً إلى فساد العمل. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا[٤٤].
  3. العقيدة الفاسدة جذر كل انحراف: كثير من الانحرافات السلوكية تعود إلى انحراف في العقيدة، فالذي يعتقد أن لا إله ولا دين ولا آخرة، لا مانع يمنعه من ارتكاب أي جريمة.
  4. العقيدة الصحيحة مفتاح السعادة: العقائد الصحيحة تؤدي إلى طمأنينة القلب وسكينة النفس وصلاح المجتمع. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[٤٥].[٤٦]

القرآن الكريم وتعليم العقائد

اهتم القرآن الكريم اهتماماً بالغاً بموضوع العقائد، وقد خصص قسماً كبيراً من آياته للعقائد الأساسية والأصول الاعتقادية كالتوحيد والمعاد والنبوة. ويظهر ذلك من خلال:

  1. التكرار والتأكيد: كرر القرآن العقائد الأساسية بأساليب مختلفة وعبارات متنوعة، ليعمق إدراك هذه الحقائق عند المسلمين. فالتوحيد مثلاً مبثوث في القرآن كله.
  2. الاستدلال العقلي: استخدم القرآن البراهين العقلية لإثبات العقائد. قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا[٤٧].
  3. استخدام الأمثال والقصص: عرض القرآن القصص والأمثال التي تقرب الحقائق العقائدية للأذهان.
  4. ربط العقائد بالعواطف: جعل القرآن العقائد مرتبطة بالعواطف الإنسانية، فلم يتعامل معها كقضايا ذهنية جافة.[٤٨]

أساليب تعليم العقائد الصحيحة

هناك عدة أساليب لتعليم العقائد الصحيحة، منها:

أولاً: الطريقة المعرفية

تعتمد على تقديم الأدلة والبراهين المنطقية والعقلية، وتتضمن:

  1. التعليم المباشر: شرح العقائد والأدلة عليها.
  2. التعليم غير المباشر: استخدام القصص والأمثال.

ثانياً: الطريقة العاطفية

تخاطب هذه الطريقة مشاعر الإنسان وعواطفه، وتنقسم إلى:

  1. تحريك العواطف الإيجابية: كالرغبة والحب والشوق.
  2. تحريك العواطف السلبية: كالخوف والندم والرهبة.

ثالثاً: الطريقة العملية

تعتمد على الممارسة والتجربة، وتتضمن:

  1. القدوة الحسنة: تجسيد العقائد في سلوك المعلم.
  2. ممارسة العبادات: العبادات سبيل لترسيخ العقائد.

قال الإمام الصادق (ع): «أَدِّبُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكُونُوا دُعاةً إلى أنفُسِكُم بِغَيرِ ألسِنَتِكُم»[٤٩].

رابعاً: التربية على حرية الفكر

يجب تربية الناس على حرية الفكر والتفكير المستقل، فالعقائد الحقة لا تخشى النقد والفحص. قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ • الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[٥٠].[٥١]

دور المؤسسات التربوية في تعليم العقائد

تتحمل المؤسسات التربوية مسؤولية كبرى في تعليم العقائد الصحيحة، ومنها:

  1. الأسرة: تلعب الأسرة الدور الأساسي في تكوين العقائد في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث يتعلم الطفل من والديه كثيراً من المفاهيم العقائدية الأولية. قال رسول الله (ص): «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»[٥٢].
  2. المدرسة: تكمل المدرسة دور الأسرة وتعمق المفاهيم العقائدية عبر المناهج الدراسية والأنشطة التربوية.
  3. المساجد ودور العبادة: تسهم المساجد في تعليم العقائد من خلال الدروس والخطب والمحاضرات وحلقات الذكر.
  4. وسائل الإعلام: أصبحت وسائل الإعلام المختلفة ذات تأثير عميق في تكوين العقائد، خاصة لدى الشباب. لذا يجب استثمارها في نشر العقائد الصحيحة ومواجهة الشبهات.[٥٣]

يتضح مما سبق أن تعليم العقائد الصحيحة ليس مجرد عملية تلقين، بل هو عملية تربوية شاملة تهدف إلى توجيه الإنسان نحو الحقيقة والخير. وهي عملية تحتاج إلى تضافر جهود جميع المؤسسات التربوية في المجتمع، مع ضرورة مراعاة الفروق الفردية والظروف الاجتماعية.

إن المنهج الإسلامي في تعليم العقائد منهج متكامل يخاطب العقل والوجدان معاً، ويحترم حرية الإنسان وكرامته، ويهدف إلى بناء شخصية متوازنة تؤمن بالله والقيم السامية، وتسهم في بناء مجتمع صالح وأمة متحضرة.

المراجع والمصادر

  1. محمد الريشهري ، موسوعة العقائد الإسلامية

الهوامش

  1. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٢٣
  2. سورة الإسراء، الآية ٨٤
  3. الكافي: ج ٢ ص ٤٠٠ ح ٧، الفقه المنسوب للإمام الرضا (ع): ص٣٨٨ وفيه «أروي...»، بحار الأنوار: ج ٧٢ ص١٢٤ ح ١
  4. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٢٣-٢٥
  5. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٦٥
  6. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٠-٧٤
  7. سورة النجم، الآية ٢٣
  8. سورة الإسراء، الآية ٣٦
  9. غرر الحكم: ح ٣٠٢٢، عيون الحكم والمواعظ: ص١١٩ ح ٢٦٨٢
  10. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٧٧-٨٤
  11. كشف الغمّة: ج ٣ ص ١٣٩، بحار الأنوار: ج ٧٨ ص ٨١ ح ٧٦
  12. غرر الحكم: ح ٥٤٢٦، عيون الحكم والمواعظ: ص٢٦٩ ح ٤٩٤٣
  13. غرر الحكم: ح ٢٥٦٧، عيون الحكم والمواعظ: ص ٩١ ح ٢١٥٤
  14. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٨٥-٩٢
  15. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٣
  16. تحف العقول، ج ١، ص ٦٨
  17. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ٩٤-١٠٢
  18. سورة الأنعام، الآية ١١٦
  19. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١١٧-١١٩
  20. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية (كتاب)|موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١١٩
  21. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٠-١٢١
  22. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢١-١٢٢
  23. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٣
  24. سورة الحجرات، الآية ١٤
  25. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٦
  26. سورة النحل، الآية ١٠٦
  27. سورة النساء، الآية ١٤٥
  28. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٢٧-١٢٨
  29. سورة النحل، الآية ١٢٥
  30. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٣٥-١٣٧
  31. صحيح البخاري، ج ٧، ص ١٣٥، عمدة القاري، ج ٢١، ص ٢٢٥
  32. سورة الأنفال، الآية ٤٨
  33. سورة البقرة، الآية ١٧٠
  34. سورة يوسف، الآية ١٠٣
  35. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٤٠-١٥٠
  36. سورة المائدة، الآية ١٠٤
  37. سورة يوسف، الآية ١٠٨
  38. سورة البقرة، الآية ١١١
  39. سورة الروم، الآية ٣٠
  40. سورة العنكبوت، الآية ٤٦
  41. سورة طه، الآية ١٢٤
  42. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٥٣-١٦٢
  43. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٦٣-١٦٥
  44. سورة طه، الآية ١١٢
  45. سورة الرعد، الآية ٢٨
  46. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٦٥-١٦٧
  47. سورة الأنبياء، الآية ٢٢
  48. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٦٨-١٧٠
  49. تحف العقول: ص ٣٠١، بحار الأنوار: ج ٧٨ ص ٣٢٨ ح ٩
  50. سورة الزمر، الآيات ١٧-١٨
  51. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٧٣-١٨٠
  52. صحيح البخاري، ج ٢، ص ١٠٠
  53. انظر: محمد الريشهري، موسوعة العقائد الإسلامية، ج١، ص ١٨١-١٨٥