العلم

من إمامةبيديا

التعريف

لغة: العلم: اليقين؛ يقال: عَلِم يَعلَم، إذا تيقّن، وجاء بمعنى المعرفة أيضاً، علمت الشيء أعلمه علماً: عرفته[١].

اصطلاحاً: عرّف العلم في المنطق بأنّه حضور صورة الشيء عند العقل، أو انطباعها في العقل[٢]. ويرادف العلم عند الاُصوليين القطع، ويريدون به عدّة معانٍ‌:

  1. الكاشف التامّ عن الواقع، كالآية القرآنية النصّ في الدلالة، والخبر المتواتر الصريح في الدلالة. ومرادهم من قولهم: (إنّ حجّية العلم ذاتية) هو هذا المعنى؛ لأنّه عين الانكشاف.
  2. الجزم الذي لا يحتمل الخلاف، فهو بهذا المعنى حالة نفسية تحصل لدى العالم والقاطع بالشيء ولو لم يكن كاشفاً تامّاً عن الواقع بنظر الغير، ويندرج في هذا المعنى قطع القطّاع والجهل المركّب. ومعنى قولهم: (إنّ قطع القطّاع ليس بحجّة) هو هذا المعنى.
  3. مطلق الحجّة على الحكم الشرعي، سواء كانت ظنيّة أو قطعية[٣]، كما هو مفاد استخدامهم للعلم في تعريفهم للفقه ولغيره من المواطن[٤]. وعليه جرى استعمال الفقهاء.[٥]

فضيلة العلم وشرفه

يعدّ العلم من أشرف الكيفيات النفسانية وأعظمها، وبه يتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات، ويشارك الله تعالى في أكمل صفاته، وإنّ فضله معلوم بالضرورة، وقد عظّم الإسلام والكتاب الكريم العلم والعلماء، وقد نعت العصر السابق على الإسلام بالعصر الجاهلي، وقد نصّت الآيات القرآنية وكذلك الروايات على جلالة العلم ورفيع منزلته[٦]:

فمن القرآن الكريم قوله سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[٧]، وقوله سبحانه: ِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ[٨]. ولأهميّة العلم أمر الله نبيّه (ص) أن يدعو بالازدياد من العلم، فقال تعالى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[٩]. كما أنّ أوّل آية نزلت على النبي (ص) أمرته بالقراءة التي هي أبرز طرق تحصيل العلم، فقال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[١٠]، وأقسم الله تعالى بالقلم الذي هو الوسيلة الاُخرى لطلب العلم فقال تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[١١]، إلى غير ذلك من الآيات التي تشير إلى عظمة العلم.

ومن السنّة قول النبي (ص) للإمام علي (ع): «مَنْ يُرِدِ اَللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي اَلدِّينِ»[١٢]. وكذلك حثّ الإسلام على طلب العلم وتعليمه؛ لما فيه من الفضائل[١٣]

حجّيّة العلم

  1. العلم سيّد الحجج والأدلّة: لا خلاف بين الفقهاء والاُصوليين في حجّية العلم، وأنّه سيّد الحجج والأدلّة؛ لأنّه كاشف تامّ‌، فهو ليس إلّا انكشاف الواقع والوقوف على حقيقة الشيء، وهو نور لذاته نور لغيره، فذاته نفس الانكشاف لا أنّه شيء له الانكشاف[١٤]. ويقابل العلم الأمارة أو الظنّ المعتبر؛ لأنّه ليس بكاشف تامّ عن الواقع، بل ناقص، ويمكن تتميم كاشفيته بجعل من الشارع واعتباره[١٥].
  2. حجّيّة العلم ذاتية: معنى أنّ حجّية العلم ذاتية: أنّ العلم عين انكشاف الواقع، والوقوف على حقيقة الشيء، وليس وراء انكشاف الواقع شيء نطالب به؛ لأنّ مثل هذا الانكشاف يورثنا اليقين، وليس وراء اليقين شيء آخر، ومثل هذه الحجّية نابعة من ذات العلم وليست قابلة للجعل؛ لأنّ الجعل إنّما يكون لما هو ليس بحجّة بذاته كالظن[١٦].

ويستحيل جعل الطريقية والحجّية للقطع جعلاً تأليفياً بأيّ نحو من أنحاء الجعل، سواء كان جعلاً تكوينياً أو تشريعياً؛ فإنّ ذلك مساوق لجعل القطع لنفس القطع، وجعل الطريق لذات الطريق، وإذا استحال جعل الطريقية للقطع استحال نفيها عنه أيضاً؛ لأنّه كما يستحيل جعل الذات ولوازمها يستحيل نفي الذات ولوازمها عنها وسلبها بالسلب التأليفي[١٧].[١٨]

مصادر العلم بالأحكام

مصادر العلم بالحكم الشرعي كالتالي:

  1. الكتاب العزيز النصّ في دلالته: هناك جملة من الأحكام الشرعية ثبتت بالآيات الكريمة الواردة في الكتاب العزيز الذي هو قطعيّ الصدور، والآيات الكريمة قطعية الدلالة، أي بأن كانت نصّاً في الحكم، فإذا كانت ظنيّة الدلالة - أي بأن كانت ظاهرة - فهي غير قطعية ولا توجب العلم التامّ‌، بل توجب العلمي[١٩].
  2. السنّة المتواترة: تعتبر السنّة الشريفة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع، فإذا كانت متواترة الصدور ونصّاً في الدلالة فإنّها توجب العلم التام بالحكم، أمّا إذا لم تكن نصّاً بل ظاهرة في الدلالة فلا توجب علماً، بل توجب ظهوراً وهو حجّة، لكنّ حجّيته أقلّ من حجّية النصّ‌[٢٠].
  3. الخبر المحفوف بالقرائن التي تفيد القطع[٢١].
  4. الإجماع القطعي[٢٢].
  5. الدليل العقلي القطعي: وهو حكمه في القضايا الأوّلية كحكمه بتقديم الأهمّ في مورد التزاحم بين الحكمين، وحكمه بوجوب مطابقة حكم الله لما حكم به العقلاء في الآراء المحمودة، فإنّ هذه الملازمات اُمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو الكسب[٢٣].

أمّا غير ذلك من المصادر التي لم تبلغ تلك الدرجة فهي توجب الظنّ‌، وينبغي الرجوع في حجّيتها إلى الشارع نفسه؛ لأنّها جعليّة بيد الشارع جعلها، كما هو مفصّل في علم اُصول الفقه.

وقد حدّد الشارع مصادر للعلم بالحكم الشرعي، بحسب التفكير العام، ولم يرتضِ مصادر اُخرى لا تناسب التفكير العام، كالرؤيا في المنام أو الإلهام وغير ذلك من المناشئ التي تحصل عند القطّاع وغير ذلك من المناشئ غير المتعارفة.

فذهب الاُصوليّون إلى عدم حجّية قطع القطّاع، وهو الذي يحصل له القطع من مناشئ غير متعارفة، لكن اختلفوا في توجيه ذلك صناعياً، فإنّ القاطع بالشيء لا يمكن ردعه عنه؛ للزوم التناقض كما هو مفصّل في علم الاُصول[٢٤].

وذهب الأخباريّون من الإماميّة إلى عدم الاعتماد على القطع الحاصل من مقدّمات عقلية غير ضرورية؛ لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها، فلا يمكن الركون إلى شيء منها[٢٥].[٢٦]

انسداد باب العلم بالأحكام وعدمه

بحث الاُصوليون من الإمامية ما ادّعاه جماعة من انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية، ومقتضى ذلك اللجوء إلى الطرق الاُخرى ولو كانت ظنيّة ولو لم يقم عليها بخصوصها دليل معتبر؛ لأنّ المفروض انسداد باب العلم بالأحكام، ومع بقاء التكليف في ذمّة المكلّفين لا نخرج من عهدة ذلك إلّا بالعمل بمطلق الظنّ‌[٢٧].

وناقش جماعة منهم في ذلك، كما هو مفصّل في كتب علم اُصول الفقه بحيث لم يبقَ بين الفقهاء اليوم من يذهب إلى انسداد باب العلم والعلمي عليه[٢٨].[٢٩]

اشتراط العلم في جملة ممّا يتعلّق بالعبادات والمعاملات

اشترط الشارع العلم في جملة من الموضوعات العبادية، كالعلم بالقبلة، والعلم بالطهارة والنجاسة، والعلم بالأحكام العامة للعبادات من الأجزاء والشرائط والأحكام، وغير ذلك.

كما يشترط العلم في جملة من الاُمور المرتبطة بالمعاملات، كالعلم بمقدار العوضين ووصفهما وجنسهما في عقود المعاوضات[٣٠]، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي تبحث في محالّها.[٣١]

المراجع والمصادر

  1. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن

الهوامش

  1. الصحاح ٩٩٠: ٥. المصباح المنير: ٤٢٧ «علم».
  2. المنطق (المظفر) ١٤: ١.
  3. انظر: دروس في اُصول فقه الإمامية ٢٥٠: ١-٢٥٥.
  4. رسائل الشريف المرتضى ٢٧٩: ٢. تحرير الأحكام ٣١: ١ المقدّمة. منتهى المطلب ٧: ١ (مقدّمة المؤلّف). روضة الطالبين ٩: ١. البحر الرائق ١١: ١. الفقه الإسلامي وأدلّته ١٤: ١.
  5. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٥٩
  6. تحرير الأحكام ٣٢: ١-٣٣، ٣٨ (المقدّمة). منية المريد: ٩١-١١٣. القرآن في الإسلام: ١٣٩-١٤٠. إحياء علوم الدين ١٦: ١ وما بعدها. تحفة الأحوذي ٣٣٩: ٧. المجموع ١٩: ١. الآداب الشرعية ٣٩: ٢. الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) ٢٩٣: ٨. الموسوعة الفقهية الكويتيّة ٨: ١٣-٩.
  7. سورة فاطر، الآية ٢٨.
  8. سورة الزمر، الآية ٩.
  9. سورة طه، الآية ١١٤.
  10. سورة العلق، الآية ١.
  11. سورة القلم، الآية ١.
  12. فتح الباري ١٦٧: ١. صحيح مسلم ٧١٨: ٢. وانظر: الكافي (الكليني) ٣٢: ١، ح ٣.
  13. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٦٠-٣٦١
  14. اُصول الفقه (المظفّر) ١٩: ٢-٢٠، ٢٢ وما بعدها. دروس في اُصول فقه الإمامية ٢٥٢: ١، ٢٥٥.
  15. دروس في اُصول فقه الإمامية ٢٥٤: ١. الفقه الإسلامي وأدلّ‍ - ته ١٤: ١، ١٥.
  16. فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) ٢٩: ١-٣٠. اُصول الفقه (المظفّر) ١٩: ٢-٢٢. دروس في اُصول فقه الإمامية ٢٥٤: ١-٢٥٥.
  17. اُصول الفقه (المظفّر) ٢٢: ٢، ٢٣.
  18. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٦١-٣٦٢
  19. انظر: أنيس المجتهدين ٨٤٧: ٢. عوائد الأيّام: ٣٦٠. إرشاد الفحول: ٤٦ وما بعدها. اُصول الفقه (الخضري): ٢٤٤-٢٥٠.
  20. انظر: أنيس المجتهدين ٢١٦: ١. عوائد الأيّام: ٣٦٠. الإحكام (الآمدي) ١٤: ٢. اُصول الفقه (الخضري): ٢٧٨.
  21. عوائد الأيّام: ٣٦٠. اُصول الفقه (الخضري): ٢٧٩-٢٨٠.
  22. عوائد الأيّام: ٣٦٠. إرشاد الفحول: ١٣٤ وما بعدها. اُصول الفقه (الخضري): ٣٣٠-٣٣٢.
  23. اُصول الفقه (المظفّر) ١١٤: ٢. وانظر: أنيس المجتهدين ١٠٣: ١.
  24. انظر: فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) ٦٥: ١.
  25. انظر: دروس في فقه الإمامية ٢٥٥: ١.
  26. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٦٢-٣٦٣
  27. القوانين المحكمة ٣-٢٣٨: ٤.
  28. فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) ٣٨٤: ١ وما بعدها. اُصول الفقه (المظفّر) ٢٧: ٢-٢٩.
  29. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٦٣-٣٦٤
  30. جواهر الكلام ٤٠٥: ٢٢-٤٠٦. مجلّة الأحكام العدلية: م ٢٣٩. حاشية الصاوي على الشرح الصغير ٧٧: ٢. نهاية المحتاج ٣٨: ٤. المغني ٢٦٦: ٤.
  31. السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، موسوعة الفقه الإسلامي المقارن (كتاب)|موسوعة الفقه الإسلامي المقارن، ج١٤، ص ٣٦٤