العلم اللدني

من إمامةبيديا
(بالتحويل من العلم اللّدنّي)

العلم اللدني عند الأنبياء

الخصوصية التي تُميّز الأنبياء عن غيرهم هي علومهم الخاصّة بهم. علم الأنبياء يختلف عن العلوم البشرية المتعارفة من حيث المنابع والشمولية. بالإضافة إلى أنّ علم الأنبياء يتميّز بمطابقته للواقع في حين أنّ العلوم البشرية قد تخطئ وتتكامل بالتدريج. يسمى علم الأنبياء باعتبار منابعه بالعلم اللدنّي أو الموهبتي، أي: العلم الذي يُعطيه الله مباشرة إلى أنبيائه بدون الحاجة إلى مقدّمات اكتسابية كالتجربة والتفكّر، كما يُسمى بعلم الغيب باعتبار تعلّقه بأمور تخفى عن عامة الناس.[١]

منابع علوم الأنبياء

تُشير الشواهد القرآنية والروائية إلى أن لعلوم الأنبياء منابع خاصّة لا تتوفر عند سائر الناس، وهي عبارة عن:

  1. الوحي: وهو من أهم منابع علومهم وقد مرَّ بيانه.
  2. الارتباط بما وراء الطبيعة: بهذا الارتباط تُزال الحجب وتتضح لهم الحقائق، يقول الله عن إبراهيم(ع): ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ[٢].
  3. روح القدس: الذي يرافقهم ويلقي عليهم المعارف والحقائق ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ[٣].
  4. التوارث: يرث الأنبياء علومهم من أنبياء سابقين ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ[٤]، يعتقد بعض المفسّرين أنّ الآية تشمل وراثة العلم، جاء في رواية عن الإمام الباقر(ع): «أما أنّ محمداً ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين»[٥]

العلم بالغيب

الغيب مقابل الشهادة والمراد منه تلك الأمور الخفيّة عنا فلا يُمكننا إدراكها بالحواس أو طرق العلم المتعارفة. هناك مجموعة من الآيات والروايات تشهد على أنّ للأنبياء مرتبة من العلم بالغيب بإذن الله، وتُشير آيات أخرى لاختصاص علم الغيب بالله: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[٦] إلا أنه يُستفاد من آيات أخرى أنّ الأنبياء يطلعون على الغيب بتعليم من الله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا[٧]؛ فالاطلاع على الأمور الغيبية بشكل مستقل يختص بالله أما الأنبياء فإنهم مطلعون على بعض الغيب لكن لا على نحو الاستقلال، أي: أنّ علم الغيب ذاتي في الله وتبعي في الأنبياء ومحدود لديهم أيضاً؛ فبعض الأمور اختص الله بعلمها، يعني أنها لا تنتقل إلى الأنبياء حتى بالتعليم[٨].[٩]

العلم اللدني عند الأئمة

الإمام عند الشيعة يتميّز بعلم واسع وخاصّ مصدره الله تعالى، ويسمّى هذا العلم باللّدنّي، فهو لا يُكتسب كالعلوم البشرية العادية. وقد وُضّح أنّ الإمام بحاجة إلى هذا النوع من العلم ليتمكّن من أداء مهامّه في هداية الأمّة وحلّ مشاكلها.

فالإمام عليه أن يكون عالماً بكلّ أسرار القرآن ورموزه وبجميع تفاصيل الشريعة والأحكام حتّى يستطيع الإجابة عن كلّ الأسئلة والشبهات التي تطرح عليه. ولو اقتصر علم الإمام على مصادر العلم العادية لما استطاع القيام بواجباته كما يجب ولأدّى ذلك إلى فشل الهدف الربّاني من وراء تشريع الدين[١٠].

مصادر علم الإمام

تتنوّع المصادر التي يستقي منها الإمام علومه، وهي:

  1. القرآن الكريم: فالإمام بفضل الله يفهم كلّ حيثيّات القرآن من محكم، ومتشابه، وعامّ، وخاصّ، ومطلق، ومقيّد، وناسخ، ومنسوخ، وأسباب النزول، وغيرها. ومن خلال هذا الفهم الخاص للقرآن يقدّم الإمام للناس تفسيراً للآيات ويوضّح لهم أسرار هذا الكتاب المقدس.
  2. علوم النبي محمد (ص): فالإمام يرث علوماً خاصّة من النبي لا يعرف الناس حقيقتها. جاء في حديث أنّ النبي علّم الإمام علي (ع) باباً من العلم ينفتح من كلّ باب ألف باب آخر[١١]، وفي حديث مشهور عند الفريقين أنّ النبي (ص) قال: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا»[١٢].
  3. الارتباط بالملائكة وروح القدس: يتلقّى الإمام إلهامات إلهية عن طريق الملائكة أو روح القدس، وهي تختلف عن الوحي الذي يأتي للأنبياء.أشارت بعض الروايات إلى ذلك بعبارة أنّ الإمام محدَّث، وقد شرح الإمام الصادق (ع) المقصود من ذلك في الرواية: «إِنَّهُ يَسْمَعُ الصَّوْتَ وَ لَا يَرَى الشَّخْصَ»[١٣] فالإمام يسمع صوت الملك لكنّه لا يراه. والقرآن يؤكّد إمكانية كلام الله أو ملائكته مع غير الأنبياء في آيات عديدة[١٤].[١٥]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٢٨.
  2. سورة الانعام: ۷۵.
  3. سورة البقرة: ۸۷.
  4. سورة النمل: ۱۶.
  5. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۲۷، ص۷.
  6. سورة النمل: ۶۵؛ راجع أيضاً: سورة النحل: ۷۷؛ سورة الأنعام: ۵۹؛ سورة يونس: ۲۰.
  7. سورة الجن: ۲۶؛ راجع أيضاً: سورة آل عمران: ۴۹ و۱۷۹.
  8. كالعلم بزمن وقوع القيامة ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ سورة الاعراف: ۱۸۷.
  9. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٤٢٧-٤٢٩.
  10. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٤٨٩ و ٤٩٠.
  11. «عَلَّمَنِي أَلْفَ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ، يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ»، أبو القاسم علي بن الحسن، ابن عساكر، تاريخ دمشق ۲: ۴۸۴، ح۱۰۱۲.
  12. علاء الدين الهندي، كنزل العمّال، ح۳۲۸۹۰؛ محمد بن يعقوب، الكليني، الكافي ۱: ۲۲۳ - ۲۲۶.
  13. محمد بن يعقوب، الكليني، الكافي ۱: ۲۷۱.
  14. كإلهام الله إلى أمّ موسی (ع)، قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافي‏ وَلا تَحْزَني‏ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلينَ، سورة القصص، الآية ۷؛ وإلى حواريي عيسى(ع)، قال جلّ وعلا: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بي‏ وَبِرَسُولي، سورة‏ المائدة، الآية ۱۱۱.
  15. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٤٩٠ و ٤٩١.