الغفلة في علم الأخلاق
التمهيد
من اضداد التّفكّر هي الغفلة الّتي تعدّ من أرذل الرذائل . ويظهر من القرآن انّها تخرج الإنسان عن إنسانيّته، ولا اقلّ من انّها توجب الطّبع على القلب وعماء البصيرة، فتسوقه إلى الجحيم .
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[١]
وقال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[٢]
وتترتّب على هذه الرّذيلة مفاسد عظيمة توجب خسران الدّارين وخذلانهما .
مفاسد الغفلة
- الغفلة عن الرّقباء الّذين يراقبونه في الخلوة والجلوة وقد مرّ ذكرهم في البحث عن قانون المراقبة. ولولا مفسدة إلّاالغفلة عن اللَّه تعالى ومراقبته العبد لكفى بها رذيلة، ولقد أعيد في الذكر الحكيم مرّات عديدة قوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[٣]
- الغفلة عن سخط اللَّه تعالى . قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[٤]. وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾[٥]
- الغفلة عن نفسه ومقدّراته وكمالاته الممكنة الحصول له، ويحرم عن تلك الكمالات بغفلته عن نفسه، وتضاع تلك الاستعدادات . قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[٦] وقال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[٧]
- ذهول العمر الّذي يكون ذخراً وشرفاً له، وهو ممّا لا قيمة له، إذ به يكتسب خير الدّنيا والآخرة . قال تعالى: «﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾[٨]. وقال تعالى: «﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا﴾[٩]
- الغفلة عن القبر والقيامة وعن الجنّة والنّار، قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[١٠] وقال تعالى: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ﴾[١١]. وقال تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾[١٢]
- الغفلة عن الدّنيا الدّنيّة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾[١٣]. وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾[١٤]. وقال تعالى: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾[١٥]
- الغفلة عن الشّيطان العدوّ المبين الّذي حذّر الله تعالى عنه في التنزيل العزيز مرّاة عدّة، منها قوله تعالى: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[١٦] وقال تعالى: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[١٧]
- الغفلة عن النّعم الإلهيّة ظاهرة وباطنة . قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾[١٨]
- الغفلة عن الشّكر، إذ بغفلته عن النّعماء الإلهيّة يغفل عن شكرها، وهو الكفران، قال اللَّه تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[١٩] وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[٢٠]
- الغفلة عن اللَّه تعالى وعبوديّته، وعن الرّسول وطاعته، وعن العترة ومتابعتهم، وعن القرآن والعمل به والتّدبّر فيه . وهذه المفسدة أعظم المفاسد . وكفاك فيها قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾[٢١]
هذا ملخّص القول في ذلك وتفصيله يحتاج إلى افراد كتاب نرجو من اللَّه تعالى ان يوفّقنا لافراد كتابٍ له مستفيداً من الآيات والرّوايات وكلمات كبار العلماء.[٢٢]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٧٩.
- ↑ سورة النحل، الآية ١٠٨.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٧٤.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٩٧-٩٩.
- ↑ سورة إبراهيم، الآية ٤٢-٤٣.
- ↑ سورة الحشر، الآية ١٨-٢٠.
- ↑ سورة الفجر، الآية ٢٧-٣٠.
- ↑ سورة فاطر، الآية ٣٧.
- ↑ سورة المؤمنون، الآية ٩٩-١٠٠.
- ↑ سورة التكاثر، الآية ١-٢.
- ↑ سورة المعارج، الآية ١١-١٥.
- ↑ سورة فاطر، الآية ٣٣-٣٦.
- ↑ سورة لقمان، الآية ٣٣.
- ↑ سورة الأحقاف، الآية ٢٠.
- ↑ سورة العنكبوت، الآية ٦٤.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٦-١٧.
- ↑ سورة ص، الآية ٨٢ - ٨٣.
- ↑ سورة لقمان، الآية ٢٠.
- ↑ سورة إبراهيم، الآية ٧.
- ↑ سورة النحل، الآية ١١٢.
- ↑ سورة طه، الآية ١٢٤-١٢٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٣٤٧.