المعاد

من إمامةبيديا

التعريف

مصطلح (المعاد) هو الأشهر في كلمات علماء المسلمين، هذا المصطلح يشير إلى مجموعة المباحث المرتبطة بأحوال الإنسان بعد الموت والحياة الأخروية، كما أشرنا أن علماء المسلمين عدّوه من أصول الدين. كلمة (المعاد) مأخوذة من الأصل (عوْد) بمعنى الرجوع، وقد تكون مصدراً ميمياً أو اسم مكان (محل الرجوع) أو اسم زمان (زمن الرجوع). توجد آراء مختلفة في بيان المعنى الاصطلاحي للمعاد ووجه تسميته بذلك، أحد الآراء يُشير إلى أنّ المقصود من المعاد هو عودة روح الإنسان إلى بدنه يوم القيامة، كما يُمكن القول أنّ المعاد بمعنى الرجوع النهائي للإنسان إلى مبدئه الأوّل يعني الله سبحانه وتعالى. ويُشير هذا التعريف إلى معنى عميق لكلمة المعاد، فهو بالإضافة إلى أنه يبين الحياة بعد الموت واستمرارها بعد خروج الإنسان من عالم الطبيعة فإنه يُشير إلى حركة الإنسان الصعودية إلى مبدئه ويكشف عن حقيقة أن الإنسان في نهايته يرجع إلى مبدئه ولهذا المعنى مؤيدات في الروايات.

وبالالتفات إلى اختلاف آراء علماء المسلمين في بعض أحكام الحياة الأخروية وخصوصياتها فإنه من الصعب ذكر تعريف تفصيلي ودقيق لأصل المعاد بحيث يتّفق عليه كل علماء المسلمين. إلا أنه يُمكن الاعتماد على أصول هي مورد قبول نسبي عندهم، فنعرّف أصل المعاد بشكل إجمالي بالقول: أنّ وجود الإنسان لا ينتهي بالموت، بل يستمر في عالم آخر، هناك يحاسب الإنسان على أعماله، فيدخل المحسنين الجنة ويتنعمون بالسعادة الأبدية في حين يعذّب المسيؤون في نار جهنم.[١]

المعنى العام والخاص للمعاد

بالتأمل في موارد استعمال مصطلح المعاد في المباحث الإسلامية، يُمكن التمييز بين معنيين مختلفين له: قد ينحصر البحث في الأحوال الأخروية للإنسان، وإذا بُحث عن أحوال الموجودات الأخرى فذلك غالباً من جهة ارتباطها بالإنسان. في قبال هذا المعنى الخاص للمعاد، هناك معنى أعمّ يرتبط بنهاية كل الوجود، بناءً على هذا المعنى، كل الموجودات (أعمّ مما لها روح أو ليس لها روح) ترجع في النهاية إلى مبدأ الوجود (الله).[٢]

الضرورة والأهمية

أهمية أصل المعاد

قام علماء المسلمين - خاصّة المتكلّمون - بتحقيقات عميقة وكثيرة – بالاستلهام من القرآن والسنة - في مسألة المعاد. وتكمن أهميتها في أنهم عدّوا المعاد أصلاً من أصول الاعتقادات الإسلامية الأساسية (أصول الدين) وجعلوه في عرض التوحيد والنبوّة، وقلما نجد متكلماً لم يبحث أصل المعاد بشكل مستقل في متونه الكلامية، ويُمكن القول أنّ الأصل المعاد موقعية ممتازة سواء في المنابع الأصلية للفكر الإسلامي - يعني القرآن والسنة - أو عند علماء المسلمين.[٣]

أهمية مباحث المعاد

لا يخفى على أحد أهمية مسائل المعاد ومعرفة أحوال الإنسان بعد الموت والخروج من عالم الطبيعة إلا أنه من المناسب الإشارة إلى بعض أبعاد هذه المسألة.[٤]

إنّ لمسألة المعاد والحياة الأخروية أبعاد متعدّدة ومتشعّبة، فقد بحث المتكلمون والفلاسفة والعرفاء المسلمون المعاد من جهات متعدّدة. وبالنظر في المصادر الكلامية القديمة والجديدة يتضح أنّ المتكلّمين لم يكن لهم نظر واحد في المسألة، فلكل مذهب كلامي إسلامي رأيه الخاص المتناسب مع مبانيه، إنّ تبيين المعاد عند بعض المتكلّمين المتقدّمين يبتني على أصول هي: إمكان (أو امتناع) إعادة المعدوم، إمكان فناء العالم الحالي وخلق عالم آخر، إمكان خرق الأفلاك، عدم تناهي القوى الجسمانية. يعتقد هؤلاء أنّ إثبات المعاد - كما جاء في دين الإسلام - لا يُمكن إلا بهذه المباني. مثلاً، يرون أنّ الإنسان يفنى بالموت وإحياؤه من جديد في القيامة - هذا ما أخبرت به الآيات والروايات القطعية - هو من سنخ إعادة المعدوم يعني إيجاد مجدّد للشيء الذي قد عُدم. بالتالي إنّ أحد مباني القبول بالمعاد هو القبول بإمكان إعادة الله للمعدوم. أيضاً ما لم نؤمن بأنّ الطبيعة غير أزلية وأنها ممكنة الفناء (المصاحب لتصدع الأفلاك) وتبدلها إلى عالم آخر فإنه لا يُمكن تصور المعاد تصوراً معقولاً[٥]. لكن يظهر أن بعض الأصول المذكورة مثل (إمكان إعادة المعدوم)[٦] (ليست مقدّمة ضرورية للقول بالمعاد، وسيأتي أنّ هناك تصورات أخرى للمعاد لا تبتني على الأصل المذكور.

بعض الأصول مثل: إمكان فناء العالم الحالي واضحة، لا تحتاج إلى بحث أو استدلال وبعضها الآخر مثل: إمكانية خرق الأفلاك الذي يُعدّ من نتاجات الطبيعيات القديمة، أثبتت العلوم الطبيعية الحديثة بطلانها، لذلك فإننا لن نبحث في هذه الأصول وسننتقل إلى آراء المتكلمين المسلمين في كيفية المعاد.[٧]

يُذكر القرآن الكريم بالإضافة إلى تلك الآيات التي تؤكّد على إمكان المعاد، بل وقوعه الحتمي، توصيفات كثيرة تتعلق بأحوال الإنسان في عالم الآخرة ونظام ذلك العالم. إنّ ذكر كل تلك الآيات يتطلب بحثاً واسعاً كما يتطلب ذكر الكثير من الأبحاث التفسيرية المفصلة، وهذا ما لا يتناسب مع الهدف من كتاب الذي بين يديك، من هنا سنختار بعض المطالب الأساسية ونذكر في ذيلها مجموعة من الآيات والروايات التي تبينها.[٨]

الاهتمام التاريخي في مصير البشر

إنّ تاريخ البشر هو أفضل شاهد على أهمية دور المسائل المرتبطة بالحياة الأخروية في حياة الإنسان، حيث تدلّ الشواهد التاريخية المتعددة على أنّ الإنسان منذ بدء التاريخ اهتم بهذه المسألة سواء على مستوى الأديان الإلهية أو المذاهب البشرية. ويشهد القرآن أنّ تعاليم الحياة بعد الموت ترجع إلى زمن آدم(ع) وقد دعا كل الأنبياء - من بعده - الناس إلى الإيمان بالمعاد والحياة بعد الموت[٩]، مثلاً قوله تعالى: قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ[١٠] هناك آثار تاريخية وبعض الاكتشافات الأثرية التي تُشير إلى انتشار اعتقادات خاصّة بين الأقوام الماضين حول حياة الأموات، تلك المعلومات تدلّ على اعتقادهم بالحياة بعد الموت، ففي الأقوام والحضارات القديمة – مثل حضارة مصر، بابل، سومر، اليونان، الروم، إيران، الصين - نجد أفكار متعدّدة، مثل: تحنيط أجساد الموتى، وضع الصور والمجسّمات ومواد الغذاء ومواد التزيين في القبور، دفن أهل وأصدقاء الشخص الميت معه في القبر وغيرها، هذه الأمور كانت من ضمن الآداب التي تكشف عن اعتقادات السابقين، حيث مُزجت هذه الاعتقادات بالخرافات[١١].[١٢]

أهمية بحث المعاد والإيمان بالحياة الأخروية

اهتم الإسلام ببحث المعاد اهتماماً بالغاً فتناولته العديد من الآيات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فبعض الآيات ذكرت الإيمان بالمعاد واليوم الآخر إلى جانب الإيمان بالله بشكل مستقل وأكدت عليه[١٣]. وبيّن القرآن الكريم من جهة إمكان وضرورة وقوع الحياة الأخروية بطرق مختلفة وأجاب عن شبهات منكريّ المعاد، ومن جهة أخرى بيّن في عدة آيات كيفية النعيم والعذاب الأخرويين وعلاقتهما بالأعمال الحسنة والقبيحة. لهذا فإنه بالإضافة إلى إطلاع القرآن الإنسان على أحواله الأخروية نجده يدعوه إلى العمل الحسن وترك القبيح، كما نجد معارف عميقة عن المعاد وحياة الإنسان الأبدية في روايات واحاديث النبي(ص) وأهل البيت(ع).[١٤]

الإيمان بالمعاد

أشراط الساعة

انهدام نظام العالَم عند اقتراب القيامة

يتحول كل عالم الطبيعة ويزول النظام الحاكم على حياة الكائنات وتظهر أحكام نظام جديد، يقع زلزال عظيم ومخيف تنقطع من هيبته كل العلاقات العاطفية حتى القريبة جداً، ويصبح الناس كأنهم سكارى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ[١٥]، حتى الجبال العظيمة الثابتة، تتزلزل[١٦] وتتحرّك عن مكانها[١٧] وتدك بعضها بعضاً[١٨] وتتحوّل إلى غبار[١٩] لا يبقى منها إلا السراب!: وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا[٢٠] تصبح الأرض مستوية فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا[٢١].

حتى البحار تتفجر وتتبدل إلى كرات نارية عظيمة: وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ[٢٢]، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ[٢٣] ومن ضمن تلك التحولات، ما يطرأ على الأرض من تمدد وإلقاء لما في باطنها: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ[٢٤] حيث تتبدّل الأرض: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ[٢٥].[٢٦]

التحولات السماوية

السماء والأجرام السماوية تتبدّل أيضاً، الشمس أعظم مصدر للنور والحرارة تتكوّر وتنطفئ والنجوم تنكدر: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ[٢٧] ويصبح القمر مظلماً ويجتمع الشمس والقمر: وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ[٢٨]، وتتشقّق السماوات ويختل نظامها، وترمي الكثير من الفلزات لشدّة الحرارة وتنطوي السماوات: يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ[٢٩] وقد ذكرت الروايات أيضاً الكثير من الحوادث بعضها طبيعية وبعضها الآخر يتعلّق بالأوضاع الاجتماعية والثقافية للناس في ذلك الزمان، كما عدّت بعض الروايات قيام الإمام المهدي(ع) من علامات قيام الساعة.[٣٠]

النفخ في الصور

التوجه إلى المحكمة الإلهية

يجتمع الناس بعد النفخة الثانية بين يدي الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا[٣١]، من هنا أطلق القرآن الكريم على يوم القيامة اسم (يوم الجمع): يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ[٣٢] ويُستفاد من الآيات والروايات أنّ الهدف من هذا الحشر هو تشكيل محكمة العدل الإلهي، ومحاسبة الناس على أعمالهم.[٣٣]

الكتاب (صحيفة الأعمال)

الشهادة الأخروية

الميزان

الحساب والسؤال

الصراط

الأعراف

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤٦-٥٤٧.
  2. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤٨.
  3. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤٤-٥٤٥.
  4. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤١.
  5. للاطلاع على مباني ومقدّمات المعاد عند المتكلمين، راجع: السيد شريف الجرجاني، شرح المواقف، ج۸، ص٢۸۹ – ٢٩۴ وسعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد، ج۵، ص۸۲ – ۸۸؛ والفخر الرازي، الأربعين في أصول الدين، ج۲، ص۳۹ - ۵۳؛ وفاضل مقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۹۳ – ۴۰۶.
  6. راجع: فاضل المقداد، إرشاد الطالبين، ص۳۹۳ - ۳۹۶.
  7. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٨٣-٥٨٤.
  8. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٦١١.
  9. راجع أيضاً: سورة نوح: ۱۷- ۱۸، سورة إبراهيم: ۴۱، سورة الشعراء: ۸۵ – ۸۷، سورة العنكبوت: ۱۷، سورة الغافر: ۳۲، سورة آل عمران: ۵۵.
  10. سورة الأعراف: ۲۴-۲۵.
  11. للتوضيح أكثر، راجع: ويل دورانت، قصة الحضارة، ج۱و ج۲.
  12. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤١-٥٤٢.
  13. سورة البقرة: ۶۲ و۱۷۷ و۲۲۸ و۲۳۲، سورة آل عمران: ۱۱۴، سورة النساء: ۳۹ و۵۹ و۱۶۲، سورة المائدة: ۶۹ و... .
  14. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤٤.
  15. سورة الحج: ۱-۲.
  16. سورة المزمل: ۱۴.
  17. سورة الطور: ۱۰.
  18. سورة الحاقة: ۱۴.
  19. سورة المزمل: ۱۴.
  20. سورة النبأ: ۲۰.
  21. سورة طه: ۱۰۶.
  22. سورة الانفطار: ۳.
  23. سورة التكوير: ۶.
  24. سورة الانشقاق: ۳-۴.
  25. سورة ابراهيم: ۴۸.
  26. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٦١١-٦١٢.
  27. سورة التكوير: ۱-۲.
  28. سورة القيامة: ۸-۹.
  29. سورة الانبياء: ۱۰۴.
  30. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٦١٣.
  31. سورة الكهف: ۹۹.
  32. سورة التغابن: ۹.
  33. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٦١٦.