المكر والكيد في علم الأخلاق

من إمامةبيديا

التمهيد

ومن اضداد التّفكّر هو المكر والخدعة والكيد، بل انّه نوع فكرٍ ينشأ من غلبة الهوى على المتفكّر، اي: إذا كانت السّلطة للنّفس الامارة.

ومعنى المكر والخدعة والكيد صرف غيره عمّا هو بصدده خفيّة اي من غير التفاته إلى ذلك الامر.

وذلك الصّرف ان كان عن الأمور الشّرّ فهو المكر المحمود والخدعة الخير والكيد الحسن، وان كان عن الأمور الخير فهو المكر السّيئ والخدعة الشّريرة والكيد السّوء.

قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[١]

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[٢]

وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا[٣]

وهو من المهلكات العظيمة، ومعصيته اشدّ من معصية إصابة المكروه إلى غيره علانية.

ولقد أجاد المحقّق النّراقي في جامع السّعادات بقوله: «ثمّ المكر من المهلكات العظيمة، لانّه اظهر صفات الشّيطان، والمتّصف به أعظم جنوده، ومعصيته اشدّ من معصية إصابة المكروه إلى الغير في العلانيّة إذ المطّلع بإرادة الغير ايذائه يحتاط ويحافظ نفسه عنه، فربّما دفع اذّيته. وامّا الغافل فليس في مقام الاحتياط، لظنّه انّ هذا المكّار المحيل محبّ وناصح له، فيصل إليه ضرّه وكيده في لباس الصّداقة والمحبّة» [٤]

قال تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[٥]

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ[٦]

وقال تعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا[٧]

وانّه نوع نفاق، فإذا ذنبه أعظم واشدّ من الفعل الواقع علانية. فلو قتل شخصاً بالسّمّ مكراً فذلك اشدّ وأعظم معصية من القتل علانية، لانّه قتله على سبيل الاحسان اليه، كما فعل ذلك خلفاء بني العبّاس لعنهم اللَّه تعالى بالائمّة (ع) وبعض الأولياء. فهو القاتل المنافق، والمنافق في الدرك الأسفل من النّار.

ولو زنى والعياذ باللَّه بامرأة أخيه أو صديقه سيّما في بيته فهو الزّاني المنافق الخائن صديقه، ولو تصاحب وسرق مال أخيه المؤمن مكراً فهو السّارق المنافق.

فلو قيل: انّ المكر والخدعة والكيد أخبث الرّذائل وصاحبه معدودٌ في المنافقين لكان قولا سديداً. والذكر الحكيم قد أقرّ عليه في مفتتح سورة البقرة.

قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[٨]

وفي سورة المنافقين أمر بالتّحذير عنهم فقال: ﴿فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ[٩]

والحقّ والحقّ أقول: قاتلهم اللَّه انّى يؤفكون.

والقرآن ذمّ الرّاجع يالطّلاق مكراً واضراراً بالمرأة حتّى جعله كالمستهزء بآيات اللَّه.

قال تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا[١٠]

وأصحاب السبت لمّا حرم الله عليهم صيد الحيطان يوم السبت فمكروا باتّخاذ الحياض ليصيدونها يوم الأحد لمسخهم الله بمكرهم وكيدهم هذا.

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ[١١]

ولو لم ترد في مذمّته غير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا[١٢] لكان كافياً لكونه من أخبث الرّذائل.[١٣]

المراجع والمصادر

  1. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج ١


الهوامش

  1. سورة آل عمران، الآية ٥٤.
  2. سورة النساء، الآية ١٤٢.
  3. سورة الطارق، الآية ١٥-١٦.
  4. جامع السّعادات، ج ١، ص ٣٢٨، سطر ١٠.
  5. سورة البقرة، الآية ٩-١٠.
  6. سورة فاطر، الآية ١٠.
  7. سورة فاطر، الآية ٤٣.
  8. سورة البقرة، الآية ٨-٩.
  9. سورة المنافقون، الآية ٤.
  10. سورة البقرة، الآية ٢٣١.
  11. سورة الأعراف، الآية ١٦٦.
  12. سورة البقرة، الآية ٢٣١.
  13. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٣٥٥.