الموت
تمهيد
أدرك الإنسان من خلال تجربته التاريخية أنه ليس مخلداً في هذا العالم، بل سيخطفه الموت قَرُب الوقت أو بَعُد، سيودِّع هذه الحياة الدنيا. الإسلام يرى أنّ الموت هو آخر منازل الدنيا وأوّل منازل الآخرة.[١]
السؤال الأصلي: إلى أين؟
الإنسان عندما يتكامل بعض التكامل العقلي ويجرّب موارد من الموت في من حوله، يدرك أنه غير أبدي في عالم الطبيعة وسوف يترك عالم الدنيا قرُب الزمن أو بعُد، عندها يواجه الإنسان عدّة أسئلة: هل الموت يمثّل نهاية وجود الإنسان أم أنه انتقال من عالم إلى عالم آخر؟ إذا لم يكن الموت بمعنى عدم فناء الإنسان فما هي خصوصيات الحياة الأخروية؟ وما العلاقة بين هاتين المرحلتين من مراحل حياة الإنسان؟ هل يُمكننا العودة بعد الموت إلى عالم الطبيعة مرة أخرى لنستمر في حياتنا ببدن آخر؟... هذه الأسئلة وعشرات الأسئلة الأخرى تبرز في ذهن الإنسان وقلما يوجد إنسان لم يبحث عن إجابة عنها طوال عمره.[٢]
الموت قانون حتمي لا مفر منه
يذكر الموت في الفكر الإسلامي بعنوانه قانون عام وقطعي، لا يشمل الإنسان فقط، بل يشمل كل موجودات عالم الطبيعة، كشف القرآن عن هذه الحقيقة بتعابير مختلفة وذكر حتميتها أيضاً ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾[٣]، ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾[٤]، كما أشار إلى موت كل الموجودات الأرضية: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[٥]، بعض الآيات ذكرت أنّ الموت قانون شامل لكل النفوس ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾[٦]. ففي الفكر الإسلامي لا يوجد أي إنسان مخلّد في الدنيا، بل يعدّ من غير المعقول طلب الخلود في هذه الدنيا. حاول بعض المتكلمين المسلمين إثبات ضرورة الموت بالأدلة العقلية[٧]..[٨]
ماهية الموت
ثبت حتى الآن أنّ الموت هو المصير المحتوم لكل إنسان، هنا يجب التعرف على ماهيّة الموت والتحولات التي تحدث في وجود الإنسان عند وقوعه. يرتبط تفسيرنا لماهيّة الموت ارتباطاً وثيقاً بتفسيرنا إلى حقيقة النفس الإنسانية بمعنى أنّ تعريفنا لماهيّة الموت ينبغي أن ينسجم مع تعريفنا للإنسان. من هنا يرى الماديون اللذين ينكرون عالم ماوراء الطبيعة ويعتقدون بمادية الإنسان، أنّ الموت هو نهاية الإنسان ليس إلا. بما أنّ المتكلمين المسلمين اختلفوا في بيان حقيقة الإنسان؛ بناء عليه فقد اختلفوا في بيان الموت أيضاً:
- من يعتقد أنّ النفس الإنسانية هي الأجزاء الأصلية لبدنه: يرى أنّ الموت ليس إلا انفصال هذه الأجزاء عن بعضها البعض. يقول هؤلاء أنه طالما هناك اتصال وتركيب خاص بين الأجزاء فإنّ الإنسان يتنعّم بالحياة، إنه يموت عند انفصال هذا الاتصال. أنّ هؤلاء يعتقدون أنّ يوم القيامة سترجع هذه الأجزاء إليه مرة أخرى ويصلها ببعضها ليحيى الناس من جديد.
- من يعتقد أنّ النفس جسم لطيف سار في البدن: يرى أنّ الموت يقع عندما يخرج هذا الجسم اللطيف من البدن، فحياة الإنسان الدنيوية ترتبط بسريان النفس الإنسانية في البدن، عندما تخرج النفس من البدن تنتهي حياته الدنيوية.
- من يعتقد بتجرد النفس: يرى أنّ حقيقة الموت عبارة عن قطع العلاقة القائمة بين النفس المجردة والبدن المادي المرتبط بها، فلا تتصرف النفس في البدن ولا تدبّره فيتلاشى البدن بالتدريج. بناء على النظريتين الأخيرتين يُمكن القول أنّ حقيقة الموت هو الانفصال الكامل للروح عن البدن وانتقالها إلى عالم آخر، ثمّ يتصل البدن بمجموعة أجزاء لا حياة فيها فتجري عليه القوانين الحاكمة عليها. سيأتي أنّ هذا التفسير للموت هو الذي يؤيّده القرآن والروايات الإسلامية..[٩]
أقسام الموت
يذكر بعض العلماء صورتين لانفصال الروح عن البدن:
الصورة الأولى أنّ البدن يفقد قدرته على مرافقة الروح إما بسبب الخلل الطبيعي الذي يحدث في نظامه أو بسبب الإعياء الشديد فلا تتمكن الروح من الاستفادة من البدن عند القيام بأفعالها فتنفصل عنه وبذلك يقع الموت، ويسمى هذا النوع من الموت بالموت الاخترامي. الصورة الثانية للموت هي أنّ الروح بعد أن تتصل بالبدن مدة من الزمن، تصل إلى كمالاتها الملائمة لها حتى تصل إلى مرحلة لا تحتاج فيها إلى خدمات البدن الطبيعي، تصبح الروح في هذه الحالة كالثمرة التي نضجت وحان قطفها، بعد النضج تترك غصن الشجرة لأنّ اتصالها به لا فائدة منه. ويسمى هذا النوع للموت في مقابل النوع الأول بالموت الطبيعي..[١٠]
ماهية الموت في القرآن
بالتأمّل في آيات القرآن التي تناولت مسألة الموت يتضح أنّ الموت هو انتقال روح الإنسان من عالم الطبيعة إلى عوالم أخرى ورجوعه إلى مبدأ الوجود، أي: الله سبحانه وتعالى، القرآن يخالف بصراحة فكرة أنّ الموت نهاية الإنسان، من الآيات التي تُصرّح بأنّ الموت هو رجوع الإنسان إلى الله: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾[١١]، وعند الموت يأتي الخطاب إلى أصحاب النفس المطمئنة أن ترجع لله: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً﴾[١٢]، كما عبّرت عدّة آيات عن الموت بتوفي النفس[١٣]، والتوفي في اللغة بمعنى قبض الشيء بالكامل، فالآيات المذكورة تُبيّن أنّ نفس الإنسان لا تنعدم عند الموت، بل تقبض بتمامها لتنتقل إلى عالم آخر: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾[١٤]..[١٥]
التشابه بين النوم والموت
من الحقائق القيّمة التي يكشف عنها القرآن هو التشابه بين النوم والموت: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾[١٦]، تُصرّح الآية المباركة أنّ الموت والنوم من سنخ واحد، وفي كِلا الحالتين الله يقبض الروح بتمامها، فالحقيقة الماورائية لهما متشابهة، إلا أنّ الروح ترجع إلى البدن بعد النوم أما بعد الموت فإنها تنتقل إلى نشأة أخرى. في رواية عن الإمام الباقر(ع) يجيب عن سؤال حول ماهيّة الموت، قال: «هُوَ النَّوْمُ الَّذِي يَأْتِيكُمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ طَوِيلٌ مُدَّتُهُ»[١٧]..[١٨]
سمات الموت في القرآن والروايات
ذُكرت حقائق كثيرة عن الموت في القرآن والروايات الإسلامية وضحت إلى حدّ ما أبعاد هذه الظاهرة غير المعروفة والمليئة بالأسرار، أشرنا إلى بعض ما ذكر خاصّة ما يتعلّق بحتميّة الموت وعموميته ومشابهته للنوم، هنا سنذكر حقائق أخرى:
قابض الروح
إنّ روح الإنسان – في الرؤية الإسلامية – التي تمثّل بعده الأصيل، تقبض بتمامها عند الموت، فتنفصل عن البدن الطبيعي المادي، لقد ذكر القرآن تعابير مختلفة في مقام بيان من هو قابض الأرواح عند الموت، تارة يقول أنّ القابض هو الله سبحانه ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾[١٩] وتارة ينسب هذا العمل للملائكة ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾[٢٠]، وتارة يذكر ملكاً خاصاً يسميه ملك الموت ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾[٢١]، فقد يظهر للوهلة الأولى أنّ هناك تعارض بين الآيات، إلا أنّ هذا التعارض يرتفع بتأمّل بسيط حيث ذكرنا في باب التوحيد الأفعالي أنّ الله هو الفاعل الحقيقي في العالم وكل الأفعال تنسب إليه بالحقيقة، لكن كثير من الأفعال الإلهية تحدث بواسطة الأسباب والوسائط، من هنا يُمكن نسبتها لله من حيث وللوسائط من حيث آخر. هذه القاعدة الكلية تجري في بحث قبض أرواح الناس أيضاً؛ بمعنى أنّ الله هو القابض الحقيقي للروح لكن يقوم بذلك بواسطة الملك (عزرائيل) الذي يقوم به عن طريق مجموعة من الملائكة، وهكذا صحَّت نسبة قبض الروح إلى الجميع[٢٢].
مخلوقية الموت
القرآن يُصرّح أنّ الموت مثل الحياة كلاهما من مخلوقات الله ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾[٢٣]، يرى بعض المفسرين أنه يُمكن اعتبار مخلوقية الموت مؤيداً على أنّ الموت ليس عدماً وإنما هو انتقال من عالم إلى عالم آخر، والدليل على ذلك أنّ كل مخلوق له حظ من الوجود، فلا معنى لمخلوقية العدم، وإذا كان الموت فناء لا غير، فلا معنى لمخلوقيته.
الأجل الحتمي والأجل المشروط (المعلّق)
ينقسم الأجل في القرآن الكريم إلى قسمين:
- الأجل المسمى (القطعي، الحتمي) لا يقبل التأخير أو التقديم مطلقاً.
- الأجل المشروط أو المعلّق الذي يتوقف على حصول شرط ويتأخر أو يتقدّم حسب ذلك الشرط، من الآيات الدالة على هذين النوعين الآية الثانية من سورة الأنعام: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾[٢٤]، كما أشارت آيات أخرى إلى تأخير الموت إلى أن يحلّ الأجل الحتمي: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[٢٥]؛ ظاهر الآيات أنها تُشير إلى دعوة النبي نوح(ع) قومه، ويستنتج منها أنّ أموراً كالعبادة والتقوى وطاعة رسل الله كلها أسباب لغفران الذنوب وتأخير الأجل غير القطعي للإنسان إلى زمن الأجل القطعي والمحتوم.
الاختلاف بين موت المؤمنين والكفار
بعض الآيات تُشير إلى الفرق بين موت المؤمنين والمحسنين وموت الكفّار والمسيئين، حيث تستقبل الملائكة المجموعة الأولى بالسلام والترحيب ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[٢٦]، أما المجموعة الثانية فإن موتهم مصحوب بالعذاب ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾[٢٧]، رُوي عن الإمام الصادق(ع): «الْمَوْتَ قَالَ لِلْمُؤْمِنِ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعُسُ لِطِيبِهِ وَ يَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَ الْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ وَ لِلْكَافِرِ كَلَسْعِ الْأَفَاعِيِّ وَ لَدْغِ الْعَقَارِبِ وَ أَشَدَّ»[٢٨].
سكرات الموت
الموت تحول عميق جداً وأساسي، فالإنسان عند الموت لا يشعر بنفسه ويُعبَّر عن هذه الحالة بالسكرة: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾[٢٩]، يقع الموت من شدّة حالة السكرة وصعوبتها، كما روي عن الإمام علي(ع): «إِنَّ لِلْمَوْتِ غَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا»[٣٠].
الخوف من الموت
للموت صورة قبيحة عند كثير من الناس، قلما نجد من البشر من لا يخاف الموت، من هنا حاول كثير من العلماء أن يذكروا طرقاً وحلولاً يتغلب بها الإنسان على مخاوفه، قال البعض: إنه يُمكن الخلاص من الخوف بالرفاه الدنيوي، وقال آخرون: إنّ منشأ خوف الإنسان هو تصوّره أنّ الموت شيء مؤلم لذلك أكّدوا في تعاليمهم على خلو الموت من الألم والعذاب، فالإنسان عند الموت يفقد الإحساس ولا يشعر بأيّ ألم، هكذا قالوا. وقال آخرون: إنّ الحلّ هو في التغافل عن الموت ونسيانه، إلا أنّ التجربة البشرية أثبتت عدم جدوائية أيّ من تلك الحلول في التخلص من الخوف من الموت.
مواجهة الخوف من الموت
ذُكرت في الإسلام طرق رئيسية للتغلّب على الخوف من الموت، وذلك من خلال التعريف بعوامل وعلل هذا الخوف والدعوة إلى مواجهتها، سنذكر بعض تلك العوامل وطرق مواجهتها:
التعلّق الشديد بالدنيا
عندما يجعل الإنسان الحياة الدنيا هي هدفه النهائي بحيث يغفل الإنسان عن آخرته، هكذا إنسان يبحث عن الخلود في الدنيا[٣١]، لذلك يضطرب عند ذكر الموت لاعتقاده أنه سبباً في نهاية كل لذَّاته وأنه سيفرّقه عن متعلّقاته.
لقد أكّد الإسلام على حقارة الدنيا - من باب محاربة هذا العامل الذي يؤدّي إلى الخوف من الموت – وذكّر الإنسان بأنّ الدنيا دار فناء لا تستحق التعلّق بها، فالقرآن يرى أنّ متاع الدنيا قليل، بل لا شيء بالقياس إلى متاع الآخرة ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾[٣٢]، من يعتقد أنّ الآخرة أفضل ويتعلق بها حقيقةً، فإنه لن يخاف الحرمان من اللذات الدنيوية بالموت.
عدم معرفة حقيقة الموت
عدم معرفة الإنسان أنّ الموت هو انتقال من عالم فاني إلى العالم الباقي وتصور أنّ الموت نهاية الحياة من العوامل المهمة للخوف من الموت.
من المؤلم جداً التصور بأنّ هذا الإنسان يوماً ما سوف ينعدم، فقد جاءت التعاليم الإسلامية لتصحح هذا العامل وتؤكّد على أنّ الموت هو ترك لهذه الدنيا المحدودة والانتقال إلى عالم أعظم، قال الإمام الهادي(ع) إلى أحد أتباعه الذي كان يخاف الموت: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، تَخَافُ مِنَ الْمَوْتِ لِأَنَّكَ لَا تَعْرِفُهُ»، ثم شبّه الإمام الموت بالماء الساخن الذي يطهر الإنسان من الأوساخ[٣٣].
الخوف من المحاسبة على الأعمال
يختص هذا العامل بأولئك الذين يعتقدون بالمعاد أو على الأقل يحتملون وقوعه، وصحيفة أعمالهم سوداء، من الطبيعي أن يخاف هؤلاء من الموت لعلمهم بانتهاء مهلتهم وبالموت يبدأ حسابهم. القرآن الكريم يذم بعض اليهود ويقول عنهم أنهم لن يتمنوا الموت أبداً لعلمهم بعواقب أعمالهم: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾[٣٤]. سأل شخص الإمام المجتبى(ع) لماذا نخاف الموت؟، قال الإمام(ع): «إِنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَ عَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النُّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ»[٣٥]، لذلك نجد التعاليم الإسلامية تؤكّد على أنّ باب التوبة والعفو الإلهي مفتوح، مهما كان جرم الإنسان فإنّ الله يتوب عليه إذا تاب توبة حقيقية وأدّى الحقوق المضيعة، بل عُدّ اليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب، كما أنّ الإنسان عن طريق الشفاعة يُمكنه أن يأمل في إيجاد المقدمات المناسبة واللازمة ليصبح في دائرة شفاعة الشفعاء يوم القيامة.
تذكر الموت
عند التأمّل في التعاليم التي ذكرها الإسلام عن الموت، نجد أنّ ذكر الموت عمل مُستحسن ومطلوب، لِما له من آثار تربوية وأخلاقية، كما ذُكر في مباحث الأخلاق الإسلامية أنّ ذكر الموت لا يستلزم ترك السعي من أجل تنظيم الحياة الدنيا، إنّ النبي(ص) يدعو أصحابه إلى الإكثار من ذكر الموت: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ هَادِمُ اللَّذَّاتِ حَائِلٌ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ الشَّهَوَاتِ»[٣٦].
وقال الإمام الصادق(ع) في بيان فوائد ذكر الموت: «ذِكْرُ الْمَوْتِ يُمِيتُ الشَّهَوَاتِ فِي النَّفْسِ وَ يَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ يُقَوِّي الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ يُرِقُّ الطَّبْعَ وَ يَكْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ يُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ يُحَقِّرُ الدُّنْيَا»[٣٧].[٣٨]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦١.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٤١.
- ↑ سورة النساء: ۷۸.
- ↑ سورة الانبياء: ۳۴.
- ↑ سورة الرحمن: ۲۶-۲۷.
- ↑ سورة آل عمران: ۱۸۵.
- ↑ راجع: الفخر الرازي، المباحث المشرقية، ج۲، ص۲۷۴ – ۲۷۶.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦١.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦٢-٥٦٣.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦٣.
- ↑ سورة القيامة: ۳۰.
- ↑ سورة الفجر: ۲۷.
- ↑ منها: سورة النساء: ۹۷، سورة الأنعام: ۶۱، سورة محمد: ۲۷، سورة المائدة: ۱۱۷، سورة النحل: ۲۸ و۳۲ و۷۰، سورة الأنفال: ۵۰ وسورة السجدة: ۱۱.
- ↑ سورة الانعام: ۶۱.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦٣-٥٦٤.
- ↑ سورة الزمر: ۴۲.
- ↑ الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص۲۸۹.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦٤-٥٦٥.
- ↑ سورة الزمر: ۴۲.
- ↑ سورة الانعام: ۶۱.
- ↑ سورة السجدة: ۱۱.
- ↑ راجع: الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج۱، ص۱۳۶، ح۳۶۸.
- ↑ سورة الملك: ۲.
- ↑ سورة الانعام: ۲.
- ↑ سورة نوح: ۳-۴.
- ↑ سورة النحل: ۳۲.
- ↑ سورة الانفال: ۵۰.
- ↑ الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص۲۸۷.
- ↑ سورة ق: ۱۹.
- ↑ غرر الحكم ودرر الكلم.
- ↑ راجع: سورة البقرة: ۹۶.
- ↑ سورة النساء: ۷۷.
- ↑ راجع: الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص۲۹۰، ح۹؛ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۶، ص۱۵۶، ح۱۲.
- ↑ سورة الجمعة: ۷، راجع أيضاً: سورة البقرة: ۹۴ - ۹۵.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۶، ص۱۲۹، ح۱۸.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۶، ص۱۳۲، ح۳۰.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج۶، ص۱۳۳، ح۳۲.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص٥٦٥-٥٧١.