الوسوسة في علم الأخلاق

من إمامةبيديا

تمهيد

من أضداد اليقين الوسوسة، وهي في اللغة الهمهمة، فلذا قيل: انها خفي. وهي خطورات تقع في القلب من النّفس وشيطان الجن والانس وهي رذيلة موبقة يضل بها كثير من النّاس فيجب:

اولًا التعوّذ بالله تعالى منها، قال: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ[١]

والآية الشريفة مع الاتيان بلفظة همزات الّتي تكون بمعنى التحريكات الشّديدة، ومع تكرار لفظة ربّ، ومع الخطاب إلى رسول الله (ص) الّذي هو مصون عن الوساوس، بل العباد المخلصون - بالفتح بل بالكسر - مصونون عن مثل ذلك فضلًا عن أهل البيت (ع)، تدل بألتاكيد التامّ على لزوم عوذة بالله من وساوس شياطين الجن والانس.

وثانياً الابتعاد منها والقرب إليه تعالى باجتناب المحرمات والاتيان بكل خير سيّما الواجبات. قال تعالى في آيات عديدة منها قوله: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ[٢]

فهذه الآيات تدّل على أن الله يحفظ المتقين فضلًا عن المخلصين بالفتح والكسر، والشّياطين لا يتسلّطون إلّاعلى من يتولونهم، وامّا من يتولّاه الله تعالى فلا سلطان للشياطين عليهم.

فالاعراض عن الله وعن ذكره يسلّط القرين السوء من شياطين الجن والانس علينا.

قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ[٣]

والتقرب إلى الله تعالى يحجزنا عن الشياطين ويجعل بيننا وبينهم حجاباً مستوراً.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا[٤]

وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[٥]

بل من الطافه تعالى وعناياته الّتي تخصّ عباده جعل الحفظة عليهم الّذين يحفظونهم دائماً من الشرور الجسديّة والنفسية.

قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ[٦]

فبعد ذلك غلبة الشياطين على الإنسان من نهاية الخسران.[٧]

اقسام الوسوسة

الف. وسوسة الشّيطان وأعوانه، وهي الّتي أقسم الشّيطان بالله تعالى لها، كما حكاه تعالى بقوله: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ[٨]

ب. وسوسة النّفس الامارة والميول النّفسانيّة وهي اعدى عدواً من الشّيطان وأشدّ منه وهي الامارة بالسوء كما ورد في التنزيل العزيز.

قال تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ[٩]

ثمّ انّه تعالى هدّدنا حيث قال في يوسف الصدّيق: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ[١٠]

ثم بيّن قوّة ارادته ورسوخ التقوى في نفسه بقوله تعالى: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ[١١]

ولقد مرّت الرّوايات الدالة على كونها اعدى العدوّ وان جهادها هو الجهاد الأكبر، فهمزات النّفس الامّارة وتحريكات الميول الشّهويّة اشدّ من همزات الشّيطان وأعوانه وتحريكاته، فنعوذ بالله من شر النّفس والشيطان.

ج. وسوسة الصديق السوء.

قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا[١٢]

ثمّ انّ كلّ واحد من هذه الثلاثة قد يوسوس مباشرةً ومن دون حجاب، كما إذا نظر أحد إلى اجنبيّة وتلك الاجنبيّة تتمايل اليه، فهمزات النّفس وتحريك الشهوة، ووسوسة الشّيطان وترغيبه إليها، وميول الاجنبيّة ووسوستها موجودة علانية ومباشرةً من غير حجاب. وهذه الوسوسة سيما في المثال قوية.

ولكن أسوء من هذه الوسوسة هي الوسوسة خفاءً وتحت حجاب وغير مباشرٍ مخيّلًا إلى الموسوَس انه من التبرير نظير إشاعة الفحشاء باسم المدرسة والعلم، وإشاعة الذّنوب باسم الإسلام، وارتكاب الذّنب مع التّبرير.

فالنّفس سيّما إذا كانت عالمة تبرّر ذلك الذنب والشّيطان يستحسنه ولا يزال في كلّ زمان سيّما زماننا هذا وفي كلّ مكان سيّما باسم المدارس الموجودة في الغرب ولكل فرد سيّما العلماء ومنوري الفكر خطراً كبيراً وإلى هذه الوسوسة أشار تعالى في سورة النّاس مع تأكيداتٍ بالغة في صدرها.

قال تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ[١٣]

والخناس صيغة المبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء فيقال لبعض الوسواس الخنّاس، لأن عملهم يكون في الاختفاء وتحت الحجاب، حجاب المكتب، حجاب الدين، حجاب الكلمات الحلو، حجاب التبريرات العواميّة أو العلميّة أو الدينية، وإلى هذا المعنى أشار أبو عبدالله (ع) قال: لمّا نزلت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ[١٤] فقال الوسواس الخنّاس: انا لها. فقال - الشّيطان بماذا؟ قال: أعدهم وامنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة انسيهم الاستغفار. فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيمة». [١٥].[١٦]

المراجع والمصادر

  1. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج ١

الهوامش

  1. سورة المؤمنون، الآية ٩٧-٩٨.
  2. سورة النحل، الآية ٩٩-١٠٠.
  3. سورة الزخرف، الآية ٣٦-٣٧.
  4. سورة فصلت، الآية ٣٠.
  5. سورة الأحقاف، الآية ١٣.
  6. سورة الرعد، الآية ١١.
  7. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٧٢.
  8. سورة الأعراف، الآية ١٦-١٧.
  9. سورة يوسف، الآية ٥٣.
  10. سورة يوسف، الآية ٢٤.
  11. سورة يوسف، الآية ٣٣.
  12. سورة الفرقان، الآية ٢٧-٢٩.
  13. سورة الناس، الآية ١-٦.
  14. سورة آل عمران، الآية ١٣٥.
  15. الأمالي للصدوق، ص ٣٧٦.
  16. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٧٣.