برهان الحدوث

من إمامةبيديا

تمهيد

الاستدلال بهذا البرهان قد يسمى أحياناً بطريقة المتكلمين.[١]

وهو مؤلّف من ثلاث مقدّمات:

  • الاُولى: الحدوث.
  • الثانية: احتياج الحادث إلى علّة.
  • الثالثة: ضرورة الانتهاء في سلسلة العلل إلى القديم؛ وذلك لاستحالة الدور والتسلسل.[٢]

معنى الحدوث

معنى الحاجة إلى علة

معنى الدور والتسلسل

ملخص طريقة الاستدلال

يسلك برهان الحدوث أسلوباً منطقياً لإثبات وجود الله، ويقوم على ثلاث مقدمات رئيسية:

  1. حدوث العالم: أي أن للعالم بداية ونشأة، وقد تم إثبات ذلك من خلال عدة طرق منها وجود الحركة والتغير في العالم، وما أثبته العلم الحديث من أن للكون بداية محددة. والدليل على تغير العالم هو ما نشاهده من تبدل الليل والنهار وتعاقب الفصول وتغير أحوال الكائنات من نمو وموت وغير ذلك.
  2. الحادث يحتاج إلى علة: فالعقل يدرك بالبداهة أن كل شيء حادث لا بد أن يكون له علة أوجدته. وبالتالي، العالم حادث، وكل حادث يحتاج إلى محدِث، إذن العالم يحتاج إلى محدِث.
  3. امتناع تسلسل العلل: وهذا يعني أن سلسلة العلل الحادثة لا بد أن تنتهي إلى علة قديمة وأزلية، فلا يمكن أن تتسلسل العلل الحادثة إلى ما لا نهاية، بل لا بد من الانتهاء إلى علة قديمة غير حادثة. ولا يمكن أن يكون هذا المحدِث حادثا وإلا لاحتاج إلى محدث آخر وهكذا إلى ما لا نهاية، فلا بد أن يكون المحدِث للعالم قديما غير مسبوق بعدم، وهو الله الخالق.

وبالتالي، من خلال هذه المقدمات الثلاث، يثبت برهان الحدوث أن للعالم الحادث بداية، وأن له علة قديمة أوجدته، وهذه العلة القديمة هي الله تعالى.

ويرد البرهان على فكرة نشوء العالم صدفة بأن احتمال حدوث شيء بسيط صدفة يتطلب ملايين المحاولات، فكيف بحدوث الكون بكل ما فيه من دقة وإبداع؟ كما أنه لو كان العالم وليد الصدفة لاستمر حدوث الأشياء صدفة، وهو ما لا نراه واقعا.

شرح طريقة الاستدلال

تتكون هذه الطريقة من قياسين منطقيين، تقع نتيجة أحدهما مقدمة للقياس الثاني على النحو التالي:

القياس الأول

  1. العالَمُ مُتَغَيِّرٌ.
  2. وكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حادِثٌ.

إذن: العالَمُ حادِثٌ.

المقدمة الأولى: العالم متغير

دليلنا على أنَّ العالم متغير، فهو ما نشاهده في الكون وما يجري فيه من تغيير وتبديل، فالتغيير في الكواكب وأوضاعها، والحيوانات، والنبتات وحتى الجمادات.

ومن هذا تبدل الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، والجزر والمد في البحار، والفيضان والصيهود في الأنهار، وتكون الالتواءات والتعاريج في مسير الأنهار، واختلاف فصول السنة، والمراحل التي يمر بها الإنسان، من كونه نطفة إلى علقة إلى مضفة إلى جنين، ثم طفل يولد في الحياة، ويتكامل حتى يصبح شاباً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم يموت. وكذلك النبتات نجدها تارة مورقة وتارة ذابلة ... إلخ.

هذه كلها تدلنا على أنَّ (العالم متغير).

المقدمة الثانية: كل متغير حادث

دليلنا على أنَّ كل متغير حادث، فهو إنَّ كل حالة جديدة فهي تأتي بعد انعدام الحالة السابقة، وفي نفس الوقت فهي لم تكن عند وجود الحالة السابقة.

القياس الثاني

هنا نجعل النتيجة السابقة مقدمة لقياس آخر فنقول:

  1. العالَمُ حادِثٌ.
  2. وكُلُّ حادِثٍ يحتاجُ إلى مُحدِثٍ.

إذن: العالَمُ يَحتاجُ إلى مُحدِثٍ.

هذا المحدث لا يمكن فرضه حادثاً، لأنه سيحتاج إلى محدث أيضاً، فإن كان محدثه الحادث الأول لزم الدور وهو باطل، وإذا كان محدثه أمراً حادثاً ثالثاً احتاج هو الآخر إلى محدث، فإن كان حادثاً احتاج إلى محدث، وهكذا حتى يتسلسل، وقد ثبت بطلان التسلسل في محله.

إذن لا بد أن يكون المحدث للعالم قديماً غير مسبوق بعدم، وهو الذي نسميه ب (الله) أو (خالق الكون) أو (العلة الأولى).

شبهة حول المقدمة الثانية

عند الحديث عن المقدمة الثانية من القياس الثاني (أي إنَّ كل حادث يحتاج إلى محدث) ربما يثار السؤال التالي:

ما الحاجة إلى فرض محدث لكل حادث؟!!

قد توجد الأشياء في هذا الكون بصورة تلقائية وعن طريق الصدفة، فما المانع؟!

ولذلك فمن الضروري أن نفصل القول في نفي الصدفة.

الاستدلال على نفي الصدفة

يمكننا الاستعانة بحساب الاحتمالات لهذا الغرض، وبموجب هذه الطريقة نجد أنَّ احتمال حدوث شيء بسيط من طريق الصدفة يتوقف على وقوع ملايين الملايين من المحاولات حتى يتم المطلوب.

نفي الصدفة من خلال حساب الاحتمالات

لنفرض كتاباً علمياً يحتوي على (۱۰۰) ورقة مرتب حسب أرقام الصفحات، فإذا فَرَّقنا أوراق الكتاب وخلطناها ثم أعطينا الكتاب بيد رجل أعمى أو أُمي وطلبنا منه أن يرجعه إلى صورته الأولى فماذا سيكون منه؟!

إنه أعمى أو أمي ... وعلى أي حال فلا يمكنه قراءة الأرقام ولا تمييز الصفحة الأولى من الثانية، فيلتقط من بين تلك الأوراق إحداها أملاً بأنها الورقة الأولى، فمن البديهي أن تكون نسبة معرفة الورقة الأولى من بين الأوراق المائة ۱/١٠٠. ثم يلتقط ورقة أخرى أملاً بأن تكون هي الورقة الثانية فنسبة إصابته إلى خطأه تكون ١/٩٩. فإذا أراد أن يلتقط الورقتين الأولى والثانية وبالتوالي فلا بد وأن تكون نسبة الإصابة إلى الخطأ:

۱۰۰/١ × ۹۹/١ = ۹۹۰۰/١

أي ينبغي أن يقوم بتسعة آلاف وتسعمائة محاولة ريثما ينجح في إحداهن لالتقاط الورقة الثانية بعد الأولى مباشرة، وإذا التقط ورقة أخرى أملاً بأن تكون الثالثة فالنسبة من بين البواقي هي ١/٩٨.

أما عثوره على الأوراق الثلاث تباعاً فيحتاج إلى:

۱۰۰/۱ × ۹۹/۱ × ۹۸/۱ = ۹۷۰۲۰۰/١

وعلى هذا الترتيب تتصاعد النسبة، وأخيراً فإنه لا يستطيع من إرجاع صفحات الكتاب المشوشة إلى صورتها الأولى إلا بعد عدد هائل غير متناه هو العدد (۱) وأمامه (۲۰۰ صفر).

ولأجل أن ندرك عظمة العدد السابق نفرض أننا بعثنا كل شخص من أفراد البشر وهم الآن يبلغون ثلاث مليارات إلى كرة من الكرات السماوية ليعيشوا هناك، ولفرض أنَّ كلاً منهم تناسل فأوجد بقدر نفوس العالم الفعلي فيصير مجموعة نفوس الكرات العدد (۹) وأمامه (۱۸) صفر، وبعد أن تحملنا عبء عَدٌ هؤلاء، لنفرض أنَّ كلاً منهم أوجد نفوساً بقدر العدد السابق فصار المجموعة العدد (۸۱) وأمامه (٣۶) صفر.

والآن نفرض أنَّ رجلاً ثرياً أراد أن يعطي جميع أمواله إلى واحد من هؤلاء جميعاً عن طريق القرعة، وكنت أنت أحد هؤلاء الذين يُحتمل حصولهم على المال... فَكّر في ضعف إصابة القرعة باسمك من بين هؤلاء جميعاً.

ستقول إنَّ العدد (۸۱) وأمامه (٣۶ صفراً) عدد قريب من اللانهاية واحتمال الإصابة فيه ضعيف جداً.

هذا كله فيما إذا كانت الاحتمالات بقدر ٣۶ صفراً فكيف لو كانت ۲۰۰ صفراً كما في المثال ترتيب صفحات الكتاب؟! فهذا عدد لا يمكن أن يتصور بسهولة.

نستنتج من هذا المثال إنَّ تمكن الرجل الأعمى أو الأمي من ترتيب صفحات كتاب يحوي مائة ورقة (عن طريق الصدفة) يكون قريباً من الصفر، إلى درجة يجعله من المحالات.

فكيف لو طبق هذه الفرضية على خلق الإنسان بما هو عليه من دقة وإبداع وغيره من الموجودات.

وهل الإنسان وحده هو الموجود الذي تختفي في داخله الأسرار العظيمة والبراهين الساطعة على وجود الخالق القدير؟!!

اعتراض آخر: حيث يدعي الخصم بأنَّ الموجودات تكونت عن صدفة ومن غير شعور ولا تدبير يقع في مأزق حرج، إذ أننا نجابهه بقولنا: لو كان ذلك حقاً فلماذا لا تخلق الصدفة اليوم شيئاً؟

لو كان النظام الشامل تابعاً للصدفة، ولا يوجد هناك خالق للعالم وللنظام الذي فيه، فمعنى ذلك إبطال قانون العلية العامة التي يذكرها الفلاسفة. والآن نقول: هل الصدفة حدثت مرة واحدة في حياة الموجودات أم أنّ الموجودات لا تزال تابعة للصدفة؟

لو اختار الخصم الفرض الأول فقد أثبت سخفه لأننا نجد موجودات حادثة وجديدة يوماً بعد يوم، فمن أين أتت؟

ولو اختار الفرض الثاني طالبناه بموجود واحد في عصرنا كان وليد الصدفة.

وبهذا يثبت القائلون بالصدفة عدم استنادهم إلى دليل معقول.[٣]

النتيجة النهائية

نستنتج مما تقدم أن هذا العالم يحتاج إلى علة موجدة خارجة عنه.[٤]

المراجع والمصادر

  1. السيد كاظم الحائري، أصول الدين
  2. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية

الهوامش