برهان الوجوب والإمكان

من إمامةبيديا

تمهيد

طريق العقل في إثبات وجود الله

أحد أهم الطرق لإثبات وجود الله ومعرفته هو طريق العقل[١]. وما ندعيه هنا هو أن العقل الإنساني قادر على إثبات وجود الله ووصفه بصفاته الكمالية وذلك بالاستمداد من بعض الأصول والقواعد وباستعمال الطرق المنطقية العامة[٢].

طريق العقل يعتمد على المقدمات العقلية فقط والفرق بين هذا الطريق والطريقين الآخرين سابقي الذكر في:

  1. الاعتقاد بوجود الله ومعرفته عقلاً يتصل بشكل عام بالأصول الفلسفية، كما أن المباحث الفلسفية أحياناً معقدة جداً ويحتاج فهمها وطيها إلى مقدمات كثيرة وممارسة، لذلك فإن معرفة الله بالعقل لها صبغة تخصصية وفي النتيجة يصعب فهم عموم الناس الذين لا يحيطون بالمباحث الفلسفية لأغلب البراهين العقلية على وجود الله تعالى ومعرفته. فأحد الفروق الأساسية هو أن مجموعة من الأدلة والبراهين العقلية ليست عامة لكل الناس وليست بين متناول الجميع، قد تعد هذه الواقعية إحدى نقاط الضعف في الطريق العقلي ولكن لهذا الطريق امتيازات خاصة أيضاً سوف نُشير إليها عند ذكر الفرق الثاني.
  2. قد يشك بعض الأشخاص في مباحث معرفة الله لعوامل معرفية ونفسية مختلفة ويختلقون الإشكالات ويصنعون الشبهات، ومن البديهي أن الأدلة العامة لمعرفة الله تعتمد على الأمور الفطرية إلى حدٍّ كبير وتعتمد على وجدان إنساني حي وذهن خالي من الإشكالات، فلا تكفي هذه الأدلة لإقناع هؤلاء، بل يلزم فسح المجال إلى الأدلة العقلية الدقيقة والتي يمكنها إبراز العقيدة الحقة من خلال الاحتجاجات والمناظرات الكلامية، فميزة الأدلة العقلية أنها تُستخدم بشكل واسع في مقام الاحتجاج والمناظرة مع المنكرين[٣]، وإذا لم توفق في هداية أهل اللجاج والتعصب من الملحدين، فإنها لا أقل تحد من تأثير شبهاتهم على الآخرين وتُبين عدم عقلانية الأدلة الإلحادية.[٤]

ثمرة الأدلة العقلية على وجود الله

قد يظن البعض أنه بالتوجه إلى فطرية الاعتقاد بوجود الله، فإنه لا فائدة من الاستدلال العقلي على وجود الله، ولكن هذا الظن غير صحيح، فإن الاستدلال العقلي مفيد من جهتين: يُمكن أن يؤثر الاستدلال العقلي في تقوية الإيمان الديني، لأنه كلما خضع الإنسان في مقابل عقيدة ما فإن قلبه يميل إلى تلك العقيدة أكثر، بعبارة أخرى: حتى وإن لم يكن الإيمان يساوي المعرفة العقلية، ولكنه متعلق به ويتأثر منه.

يُمكن أن يتزلزل صاحب الإيمان الديني - خاصة عندما يبتني على العواطف - أثر مواجهته الشبهات. إذن: إن إيجاد المباني القوية العقلية لها أثر مهم في قطع الشك، وفي مواجهة ضعف الإيمان أو جبران الضرر الوارد بسبب تلك الشبهات[٥]

مبادئ برهان الوجوب والإمكان

برهان الوجوب والإمكان من أحد البراهين العقلية الأكثر اتقاناً في إثبات الواجب. ذكر العلماء تقارير مختلفة له، إلا أننا سنذكر تقريراً واحداً[٦]. لكن من المناسب أن نوضح باختصار بعض مبادئ البرهان ومقدماته قبل تقريره[٧]

واجب الوجود وممكن الوجود

يعتبر تعريف هذين المفهومين «الواجب» «واجب الوجود» و«الممكن» «ممكن الوجود» هو أحد مبادئ برهان الوجوب والإمكان، لتوضيحهما يمكن أن يقال: كل موجود عندما يُلحظ بالنسبة للوجود، فهو لا يخرج من حالين: إما أن يكون اتصافه بالوجود ضرورياً له، بحيث أنه لا يتصور انفكاك الوجود عنه، وإما أن يكون اتصافه بالوجود غير ضروري ويمكن تصور انفكاكه عن الوجود. يقال للموجود الأول الذي يكون الوجود ضرورياً له «واجب الوجود» وللثاني «ممكن الوجود»، نقرب المطلب للذهن بالتشبيه التالي: علاقة واجب الوجود وممكن الوجود بالوجود مثل علاقة السكر والماء بالحلاوة، فحلاوة السكر لا تنفك عنه أبداً ولا يمكن تصور سكر ليس بحلو، ولكن الماء قد يكون حلواً وقد لا يكون، فحتى يتصف الماء بالحلاوة يلزم أن يكتسبها من الخارج[٨]. يرى المتكلمون والفلاسفة الإسلاميون، أن واجب الوجود هو الله وسائر الموجودات ممكنة الوجود.

أصل العلية (قانون السببية)

مفاد أصل العلية هو أن «كل موجود ممكن يحتاج إلى علة» على هذا الأساس فإن قانون العلية، قضية عقلية وبديهية، حيث يكفي تصور موضوعها ومحمولها للتصديق بها. توضيح ذلك: أن الشيء الممكن هو الشيء الذي لا يكون الوجود ضرورياً له، وبعبارة أخرى: هو الشيء الذي يكون متساوي النسبة إلى الوجود والعدم، يعني يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد. فحتى يوجد هكذا شيء يحتاج إلى مرجح «يسبب ترجيح وجوده على عدمه»، وهذا المرجح هو العلة، فكل موجود ممكن يحتاج إلى موجود آخر يوجده.

يمكن تعريف الواجب والممكن: بأن الموجود الممكن هو الموجود الذي يعتمد في وجوده على غيره (العلة) ولكن واجب الوجود هو الموجود المستقل.

امتناع التسلسل

المقصود من التسلسل أن تستمر سلسلة العلل والمعاليل إلى ما لا نهاية ولا تختم بالعلة الأولى أبداً.

بعبارة أوضح: التسلسل هو أن الوجود «ألف» معلول «ب» و«ب» معلول «ج» و«ج» معلول «د»... وهذه السلسلة غير منتهية، لذلك يستحيل وجودها! حيث يرى بعض الحكماء أن امتناع التسلسل بديهي وذكر آخرون براهين عقلية على ذلك[٩].

امتناع الدور

المقصود من الدور أن يكون شيء علة لنفسه بواسطة واحدة أو عدة وسائط. الدور في الصورة الأولى يعني أن يكون الشيء علة نفسه بواسطة واحدة (دور صريح) وفي الصورة الثانية يعني أن يكون الشيء علة نفسه بعدة وسائط (دور مضمر) الفرض: أن «ألف» علة «ب» و«ب» علة «ألف» دور صريح، أما الفرض أن «ألف» علة «ب» و«ب» علة «ج» و«ج» علة «ألف» دور مُضمر، وامتناع الدور في كل صُوره أمر مسلَّم وواضح[١٠].[١١]

تقرير برهان الوجوب والإمكان

لا شك - ولو على نحو الإجمال - في وجود موجود في العالم من حولنا يمكن أن نتحدث عنه[١٢]. هذا الموجود إما واجب الوجود أو ممكن الوجود (و لا فرض ثالث).

بعبارة أخرى: الموجود المفروض، إما أنه متعلق بغيره في وجوده (ممكن الوجود) وإما أنه غير متعلق بغيره في وجوده، وفي الصورة الثانية يثبت وجود واجب الوجود (الله).

أما في الصورة الأولى، يعنى إذا كان الموجود المفروض ممكن الوجود، فإننا نضم أصل العلية؛ لنستنتج أنه بحاجة إلى علة، هنا عدة احتمالات الاحتمال الأول: إذا كانت هذه العلة ممكنة الوجود ومعلولة علة ثالثة وتستمر هذه السلسلة إلى ما لا نهاية، فيلزم التسلسل، وقلنا: أن التسلسل محال وممتنع.

الاحتمال الآخر: هو أن الممكن المفروض معلول العلة بدون واسطة أو مع الواسطة التي هي بدورها معلولة لذلك الموجود الممكن، وهذا الاحتمال باطل أيضا، حيث يستلزم الدور كما ذكرنا، فإن وقوع الدور ممتنع عقلاً.

بهذا الترتيب فإن الاحتمال الوحيد المتبقي هو أن الموجود الممكن "مورد بحثنا"، يكون بدون واسطة أو مع واسطة معلول علة بحيث لا تكون تلك العلة معلولة لشيء آخر، فتكون العلة المذكورة واجبة الوجود وبهذا يثبت وجود واجب الوجود.

خلاصة البرهان: هي أنه من المتيقن وجود موجود في العالم الخارجي، ثم إن هذا الموجود إذا كان واجب الوجود فثبت المطلوب، وإذا كان ممكن الوجود فإننا بالتوجه إلى حاجته إلى علة من جهة، وإلى امتناع التسلسل والدور من جهة أخرى، ندرك أنه يحتاج إلى موجود لا يكون معلول غيره وهذا الموجود هو واجب الوجود.[١٣]

الصفات الأولية والثانوية

برهان الوجوب والإمكان يثبت وجود الله بعنوان «واجب الوجود» أو «علة العلل» الموجود الذي هو علة كل العلل وهو ليس معلولاً لشيء آخر. كما أن نتيجة برهان النظم يثبت وجود الله بعنوان «المدبر» و«ناظم العالم»، فكل برهان من براهين إثبات الله في الواقع يثبت وجود الله بعنوان خاص ومتصف بوصف خاص[١٤].

لا نقصد بذلك أن نتيجة هذه البراهين هي فقط إثبات أحد الصفات الإلهية التي فرض وجودها مسبقاً، بل الهدف الأصلي في هذه البراهين هو إثبات وجود الله، ولكن يجب أن يكون هناك ابتداء مفهوم في أذهاننا لما نحن في صدد إثباته في كل من هذه البراهين بمعونة مفهوم خاص يُبين إحدى الصفات الإلهية ويحكي عن ذاته.

بعبارة أخرى: لا يوجد لدينا حل إلا أن نتصور الذات الإلهية في قالب مفهوم بعد ذلك نثبت أن له مصداق في الخارج بإقامة البرهان على وجود الله، بعد إثبات وجود الله بعنوان «واجب الوجود» أو «الناظم» أو ... نصل إلى بحث الصفات الإلهية الأخرى.

و للتفكيك بين هاتين المجموعتين، يُمكن أن نذكر المجموعة الأولى ضمن براهين إثبات وجود الله وتسمى «الأوصاف الأولية»، كما تُعرف بقية الصفات الإلهية بالأوصاف الثانوية، وسيأتي في بحث الصفات الإلهية أن الأوصاف الأولية لله، مثل واجب الوجود ستكون مبنى لإثبات صفات الله الكمالية الأخرى «الصفات الثانوية»[١٥].[١٦]

التأمل فى وجود الكون

استدل المفكرون في العصر الحديث على وجود الله بالدليل التالي: نحن ندرك وجود الكون، ولكن كيف نفسر وجوده ونشأته؟ هناك أربعة احتمالات للإجابة عن هذا السؤال:

الاحتمال الأول: إنَّ هذا الكون غير موجود في الواقع، وإن تصورنا لوجوده مجردٌ ووخيال... وليس من شك أنَّ هذا يخالف الواقع، لأنَّ الوجود مستقل ومنفصل عن الذات التي تدركه.

الاحتمال الثاني: أن ينشأ هذا الكون بما فيه من مادة وطاقة من العدم وبلا سبب فهذا مستحيل، فكيف بالنظام الماثل والتنسيق الهائل في كل شيء؟! إنَّ هذا يحتاج إلى إدراك وقدرة، وعلم وحكمة، والمادة لا تنشئ من ذلك، ولو تولدت الحياة من المادة نفسها لم يكن هناك تفرقة بين مادة ومادة، وأن تظهر الحياة في هذه دون تلك... أجل قال العلماء: (إذا بلغت المادة مبلغاً معلوماً من الاستعداد صلحت لحلول الحياة فيها، وتهيأت لخدمتها، مثلها في ذلك مثل الجهاز الذي يصلح بالتركيب لقبول الكهرباء، فإنَّ أجزاء الجهاز لا تتحرك إلا إذا اجتمعت على النحو الصالح لاستقبال التيار وتلبية حركاته، وكذلك الأعضاء الجسدية لا تخلق الحياة، وإنما هي ظرف صالح لاستقبالها وتلبية حركاتها إذا تم تركيبها على النحو المعروف). ومن هنا كان التفسير الآلي الميكانيكي لحركة المادة باطلاً.

الاحتمال الثالث: إنَّ الكون أزلي لا بداية له ... وهذا باطل حيث اكتشف العلم الحديث حتى الآن عناصر يبلغ عددها (۱۰۲)[١٧]، وكل مادة عرفها الإنسان تتكون من واحد أو أكثر من هذه ال (۱۰۰)، وبعد دراستها بدقة تبين لعلماء الطبيعة إن جميع هذه العناصر في سبيل الزوال، ولكن بعضها يسير إليه بسرعة وبعضها ببطء. وفي ضوء هذه الحقيقة قرروا أنَّ العالم له بداية ونهاية، وأنه لابد أن يزول بعد أن تتحقق الغاية من وجوده، وقدروا عمر العالم على التقريب- بحوالي خمسة بلايين من السنين. واذا بطلت الاحتمالات الثلاث، تعين الرابع.

الاحتمال الرابع: لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية، عليم محيط بكل شيء، قوي ليس لقدرته حدود، ولا بد أن يكون هذا الكون من صنعه.

وكما يقول أحد علماء الغرب: (إذا كان هذا العالم المادي عاجزاً عن أن يخلق نفسه، أو يحدد القوانين التي يخضع لها فلابد أن يكون الخلق قد تم بقدرة كائن غير مادي، وتدل كل الشواهد على أنَّ الخالق متصف بالعقل والحكمة والإدارة... وإذن فالنتيجة المنطقية الحتمية التي يفرضها علينا العقل ليست مقصورة على أنَّ لهذا الكون خالقاً فحسب، بل لابد أن يكون هذا الخالق حكيماً عليماً قادراً على كل شيء كي يستطيع أن يخلق هذا الكون وينظمه ويدبره، ولابد أن يكون هذا الخالق دائم الوجود تتجلى آياته في كل مكان)[١٨].

فهذا النوع من الاستدلال عقلي وذو أهمية لذلك فقد استحسنه بعض مدرسي علم الكلام إلى اعتباره الطريق الأفضل إلى إثبات وجود الله تعالى.[١٩]

عمر الكون

وما دمنا نناقش موضوع عدم أزلية الكون، فلا بأس بأن نلقي نظرة على التقديرات السائدة عن عمر الكون.

  1. استناداً إلى ما ورد في (التوراة) فإنَّ الاعتقاد كان سائداً بأنَّ عمر الكون لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين.
  2. وتسربت هذه النظرة إلى الذهنية الإسلامية على يد كعب الأحبار ووهب ابن منبه، فصاروا يقدرون عمر الكون بسبعة آلاف سنة، وربما ذكروا تحديداً أخص فقالوا: إنَّ ذلك بداية هبوط آدم إلى الأرض.
  3. حدد العالم الفرنسي (بوفون) سنة ۱۷۷۸ ميلادية، عمر الأرض ب (٧۵٠٠) سنة.
  4. بالتقدم العلمي الحاصل في عصر النهضة الحديثة استطاع علماء الطبيعة من وضع أرقام جديدة لعمر الأرض اعتماداً على دراسة سرعة انحلال بعض المواد المشعة كالراديوم واليورانيوم، فقالوا:
    1. عمر الأرض ۳ مليارات من السنين.
    2. إنَّ الحياة دبَّت على سطح الأرض منذ ۱۸۰۰ مليون سنة.
    3. إنَّ الإنسان مشى على قدميه منذ أكثر من ثلاثة ملايين سنة.
    4. وهناك افتراض آخر يقول: إنَّ الكون وجد نتيجة لانفجار غير عادي وقع منذ ۵ ملايين سنة.

كل هذه التقديرات تعني أنَّ لهذا الكون بداية، وأنه لم يكن موجوداً منذ الأزل، فهو حادث وليس أزلياً.[٢٠]

تقرير ديكارت

لكي يتجرد هذا الفيلسوف الفرنسي الذي عاش في القرن السادس عشر بعد الميلاد من تأثير الأفكار الراسخة في ذهنه، والمترسبة عن مجموعة التقاليد والقيم الموروثة، بدأ فلسفته من الصفر، أي إنه اعتبر ما تعلمه من والديه، وأستاذه، ومطالعاته بمنزلة العدم، وتناسى كل تلك المعلومات، وراح يبحث عن قواعد جديدة لا يدعها ترسخ في ذهنه إلا بعد اليقين بها[٢١].

ولم يكن تشكيكه في قيمة المعلومات المترسبة في ذهنه انضواء منه تحت راية السوفسطائيين الذين أنكروا الحقائق: وقالوا كل ما ندركه ونحس به فإنما هو من صنع خيالنا وتصورنا ... كلا، بل ليتخذ من الشك طريقاً إلى... اليقين، ولهذا فقد سماه ب (الشك الدستوري).

وكانت الخطوة الأولى التي خطاها في سبيل اكتساب الحقائق والإيمان بها إذعانه بجملة واحدة (أنا أفكر، فأنا إذاً موجود). وهكذا بدأ يبني أفكاره الفلسفية إنطلاقاً من هذه البداية اليقينية.

لقد نقلت عن "ديكارت" ثلاثة براهين على وجود الله تعالى، ولكن البرهان الواضح من بينها هو البرهان الآتي: (إني أفكر في وجودي هل هو مستقل، أم أنه مستمد من وجود آخر؟

لو كان وجودي مستقلاً مستنداً إلى نفسي، لكنت أستأثرُ بكل الكمالات لنفسي، ولم يكن يعتريني الشك والرجاء والحاجة، وبعبارة أخرى كنت أصبح إلها، ولكن حيث إني عاجز عن إعطاء الكمال لنفسي لا يعقل أن أكون سبباً لوجود نفسي. هذا مضافاً إلى إني كنت قادراً على منح الوجود لنفسي، فالمفروض أن أكون قادراً على إدامة وجودي وحياتي، في حين أني أرى نفسي عاجزاً عن ذلك. بل استكشف من ذلك أن بقائي موجود ومستند إلى وجود آخر هو الله (أي الوجود الكامل القائم بذاته)، وحيث أنه قائم بذاته فهو حائز لجميع الكمالات بالفعل لا بالقوة، لأنَّ الكمال بالقوة هو النقص بعينه. و غني عن البيان أنَّ انتساب وجودي إلى الوالدين لا يحل المشكلة... لأن ما يمكن إسناده إلى الوالدين هو الجسم فقط، في حين أنا نبحث عن النفس)[٢٢].

هذا البرهان يقرب إلى البرهان المذكور في احتجاج للإمام الصادق(ع) مع أحد الملحدين وملخصه: إنَّ الإنسان إما أن يكون قد خلق نفسه أو خلقه الخالق. والفرض الأول باطل لأنه إما أن يكون قد خلق نفسه قبل أن يوجد، أو بعد أن وجد. على الفرض الأول يلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً إياه ومن البديهى أنَّ (فاقد الشيء لا يعطيه). وعلى الفرض الثاني يلزم تحصل الحاصل وهو محال.

لا يقال: خلقه أبواه.

لأنه يقال: تستمر سلسلة الآباء والأمهات حتى (آدم) و(حواء)، وليس لهما أبوان.

و لا يقال: خلق من تلقاء نفسه.

لأنا أثبتنا: بطلان الصدفة.

إذن لا مفر من الإذعان بأنَّ خالقاً حكيماً مدبراً عظيماً خلق الإنسان.[٢٣]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي
  2. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية

الهوامش

  1. لا يعني تسمية هذا الطريق بالعقلي، أن العقل ليس له أي دور في الطرق الأخرى، بل المقصود هو أنه في هذا الطريق، يستفاد من المقدمات والأساليب العقلية الصرفة ولا تتدخل أي أمور أخرى كالشهود الباطني أو المشاهدة التجربية.
  2. من المناسب التذكير بأن هذا الفرض يثبت في أبحاث نظرية المعرفة.
  3. لذلك نرى أدلة عميقة وعقلية في احتجاجات الأئمة(ع) مع الملحدين وغير المسلمين، مثلاً يمكن الرجوع إلى احتجاجات الإمام الرضا(ع) في: التوحيد، باب ۶۵ و۶۶.
  4. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٥-٥٦.
  5. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٦-٥٧.
  6. هذا التقرير مشهور بالبرهان السينوي، لأن مبتكره ابن سينا، بعد ابن سينا وخصوصاً بعد التقارب الذي حصل بين الفلسفة والكلام ظهر هذا البرهان بتقريرات مشابهة في دائرة علم الكلام، ويتكي هذا البرهان على مقدمات وأصول فلسفية يلزم تحصيلها لفهم هذا البرهان وسنحاول بيانها ببيان سهل وواضح.
  7. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٧.
  8. التعريف المذكور، هو بيان سهل للواجب والممكن، لمطالعة أعمق يمكن الرجوع إلى المنابع الفلسفية في أبحاث «المواد الثلاث».
  9. يمكن الرجوع: جوادي، محسن، مقدمة إلى المعرفة الفلسفية للّه، ص۶۶- ۷۷.
  10. يقال لبيان امتناع الدور أن كل علة مقدمة على المعلول، ففرض الدور يستلزم تقدم الشيء على نفسه ويلزم من هذا الفرض، اجتماع النقيضين.
  11. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٧-٥٩.
  12. إن أصل وجود واقعية خارجية والتي يُعبر عنها بأصل الواقعية، هو من الأصول الأكثر بداهة والتي تشكل أساس كثير من العلوم والقضايا، ولا يتردد أحد في صحتها سوى بعض المشككين.
  13. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٥٩-٦١.
  14. و هذه المسألة تجري في كل البراهين. مثلاً يثبت الله في برهان الحركة بعنوان «محرِّك» وفي برهان الحدوث بعنوان «مُحدِث».
  15. إن التفكيك بين الصفات الأولية والثانوية بالمعنى المذكور لم يذكر في منابعنا الفلسفية والكلامية، ولكن نرى أن هذا التفكيك مهم ولازم للاجابة عن كثير من الإشكالات المطروحة في العلاقة بين بحثي وجود الله والصفات الإلهية.
  16. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٦١-٦٢.
  17. اكتشف العلماء مؤخراً عناصر أخرى يزيد عددها على ما ذكر.
  18. عن مقال بعنوان (الإيمان بالله في عصر العلوم) للدكتور محمد عبد الهادي أبي ريدة، نشر في مجلة (عالم الفكر) الكويتية - المجلد الأول / العدد الأول – وتجد نظير هذا الاستدلال في مقال ل(فرانك ألن) أستاذ الطبيعة الحيوية بجامعة مانيتوبا بكندا من سنة ١٩٠۴ إلى سنة ١٩۴۴، راجع في ذلك (الله يتجلى في عصر العلم) ص۷ ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان.
  19. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٤٠-٤٢.
  20. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٤٢-٤٣.
  21. لمزيد من الاطلاع على فلسفة ديكارت يراجع: ١. أعلام الفلسفة كيف نفهمهم: تأليف هنري توماس. ٢. تأريخ الفلسفة الحديثة: تأليف كرم ملحم كرم. ٣. قصة الفلسفة: تأليف ويل ديورانت. ٤. رينيه ديكارت أبو الفلسفة: تأليف كمال الحاج.
  22. محمد علي فروغي، سیر حكمت در اروبا، ج۱، ص١٦٧.
  23. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٤٩-٥١.