تهذيب النفس في علم الأخلاق
وجوب تهذيب النفس عن الرذائل
تهذيب النّفس وتزكيتها عن الرذائل وتخلّقها بالأخلاق الحسنة والصّفات الفاضلة وتحليتها بها - التّخلية والتّحليه - من أوجب الواجبات بالادلّة الأربعة:
دليل الكتاب
فمضافأ إلى قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[١] الّذي لا يوجد له مثيلٌ في الذكر من حيث التأكيد عليه بتقدّم أحد عشر قسَماً عليه مصحوباً له بستة تأكيدات؛
ومضافاً إلى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[٢] الّذي يدلّ على توقّف الوصول إلى الدّرجات العالية في الآخرة على تحصيل القلب السّليم وحصوله - التّخلية -؛
قوله تعالى غير مرةٍ: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[٣] حيث يستفاد منه انّ العلّة الغائيّة لبعث الرّسول وانزال القرآن هي التّزكية والتّعليم.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[٤] وهو يدلّ على انّ القرآن نزل لتبيين سبل السّلام، وسبل السّلام ليست إلّا مراتب السّير إلى الله تعالى من التّخلية إلى اللّقاء بمراتبه. كما انّ الاخراج من الظّلمات إلى النّور، والهداية الخاصّة العنائيّة صراط مستقيم لا يكون لهما معنى محصّلًا إلّا ذلك.
فهذه الآية ايضاً تدلّ على انّ العلّة الغائيّة لانزال القرآن ليست إلّا التّخلية والتّحلية والتّجلية واللّقاء بمراتبه.
بل بامعان النظر في معاني الذكر الحكيم نلتفت إلى انّ غاية أكثر الآيات هي تهذيب النّفس والتّخلّق بالفضائل.
هل انّ قصص القرآن لم تسرّد لهذا المقصود؟
وهل الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة لم تنزل لهذه الغاية؟
وهل الآيات التّوحيديّة لا تحمل صبغة الأخلاق ولا ترمى ذلك الهدف ايضاً؟
وهل آيات الاحكام لا تدلّ على انّها شرّعت لذلك؟
﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[٥]
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾[٦]
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[٧]
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ﴾[٨]
فبناءً عليه لو قلنا انّ القرآن كتاب الاخلاق، والإسلام مدرسته لكان كلامنا في محلّه لائقاً بشأن القرآن والإسلام.
هذه نبذة من مفصّل وقطرة من بحر وحسبك ما ذكرناه الان بهذا الخصوص.
لماذا اكّد القرآن على الأخلاق هذا التّأكيد؟!
وهذا مع كونه بمنزلة بيان العلّة لهو دليل قرآني آخر على المدّعى.
انّ القرآن باتّباعه أسلوب تشبيه المعقول بالمحسوس أثبت وجوب التّخلّق بالأخلاق الفاضلة. فهو تارة شبّه القلب بالأرض فقال: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا﴾[٩] وتارة شبّه السّيرة والصّفات الكامنة في النّفس بالشّجر فقال: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾[١٠]
انّ القرآن ببيانه جزءً من حكايات السلف أثبت انّ التّهذيب والتّخلّق باخلاق الله من أوجب الواجبات.
فمثلًا جاء في سورة الشّمس بعد تلك التأكيدات والمقاسمات وبعد قوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[١١] انّه ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا﴾[١٢] حيث اكّد القرآن على انّ ثمود انّما كذّبوا الرّسول مع تلك المعجزة الباهرة لرذيلة الطّغيان الحاكم عليهم.
فيا للعجب هل يمكن لعاقل ان يقتل ناقة خرجت من بطن الجبل مع ولدها؟!
وهل يمكن لعاقل ان لا يعبأ بتهديد من جاء بتلك المعجزة؟!
وهل يمكن لعاقل ان لا يخاف عاقبة فعله الشّنيع؟!
نعم انّ القرآن يشير إلى انّ كلّ ذلك ممكن ان يصدر من قوم فضلًا عن رجل واحد إذا تمكّنت فيهم رذيلة ما من الرّذائل الاخلاقيّة.
انّ القرآن في سورة المدّثّر يبيّن عاقبة أمر من كان يدعى بريحانة العرب (الوليد بن المغيرة) وهو القائل في حقّ التنزيل: انّ له لحلاوة وانّ له لطلاوة وانّ اعلاءه لمثمر وانّ أسفله لمعذق وانّه ليعلوا ولا يعلى عليه. وقد قال القرآن فيه: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ﴾[١٣]
وعلّل قبل ذلك بقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا﴾[١٤]
فلكتاب الله بتلك الآي المباركات دلالةٌ على أنّ الرجل العنود واللّاجّ والحسود إذا رسخت في قلبه تلك الصّفات لايذعن للحقّ وإن استيقن به؛ قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾[١٥]
انّ القرآن يصوّر لنا طائفتين من النّاس، طائفة لهم قلب سليم خال عن اللّجاج والكبر فهم يتحرّون الحقّ والحقيقة وهم المعنيون بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾[١٦]
وطائفة لهم قلب اغلف قاس رسخ الكبر واللّجاج و.... فيه فقال القرآن فيهم: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[١٧]
وبهذا يتّضح ويعلّل قوله: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[١٨]
وتلخيص القول انّ القرآن يدّعى انّ القلب هو موطن الافكار والافعال والأقوال ومبدؤها وانّه لو سلم لسلم الفكر والقول والفعل. وامّا لو كانت فيه رذيلة وخطيئة فالفكر رجس والفعل رذيلة والقول ايضاً كذلك.
وقال: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾[١٩]
هذه خلاصة من مفصّل وقطرة من بحر تلك النّكات ويكيفك لإثبات المقصود هذا المقدار.[٢٠]
دليل السنّة
فهي كثيرة ونحن نذكر بعضها:
- «إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَعَثَ سَرِيَّةً فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا اَلْجِهَادَ اَلْأَصْغَرَ وَ بَقِيَ عَلَيْهِمُ اَلْجِهَادُ اَلْأَكْبَرُ قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا اَلْجِهَادُ اَلْأَكْبَرُ قَالَ جِهَادُ اَلنَّفْسِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَفْضَلُ اَلْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ اَلَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ»[٢١]
- «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: طُوبَى لِعَبْدٍ جَاهَدَ لِلَّهِ نَفْسَهُ وَ هَوَاهُ وَ مَنْ هَزَمَ جُنْدَ هَوَاهُ ظَفِرَ بِرِضَا اَللَّهِ وَ مَنْ جَاوَرَ عَقْلُهُ نَفْسَهُ اَلْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ بِالْجَهْدِ وَ اَلاِسْتِكَانَةِ وَ اَلْخُضُوعِ عَلَى بِسَاطِ خِدْمَةِ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[٢٢] وَ لاَ حِجَابَ أَظْلَمُ وَ أَوْحَشُ بَيْنَ اَلْعَبْدِ وَ بَيْنَ اَلرَّبِّ مِنَ اَلنَّفْسِ وَ اَلْهَوَى وَ لَيْسَ لِقَتْلِهِمَا فِي قَطْعِهِمَا سِلاَحٌ وَ آلَةٌ مِثْلُ اَلاِفْتِقَارِ إِلَى اَللَّهِ وَ اَلْخُشُوعِ وَ اَلْجُوعِ وَ اَلظَّمَإِ بِالنَّهَارِ وَ اَلسَّهَرِ بِاللَّيْلِ فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُهُ مَاتَ شَهِيداً وَ إِنْ عَاشَ وَ اِسْتَقَامَ أَدَّاهُ عَاقِبَتُهُ إِلَى اَلرِّضْوَانِ اَلْأَكْبَرِ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[٢٣]»[٢٤]
- «عَنِ اَلْكَاظِمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ لِهِشَامٍ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ: عَلَيْكَ بِالاِعْتِصَامِ بِرَبِّكَ وَ اَلتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَ جَاهِدْ نَفْسَكَ لِتَرُدَّهَا عَنْ هَوَاهَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ كَجِهَادِ عَدُوِّكَ قَالَ هِشَامٌ [فَقُلْتُ لَهُ] فَأَيُّ اَلْأَعْدَاءِ أَوْجَبُهُمْ مُجَاهَدَةً قَالَ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْكَ وَ أَعْدَاهُمْ لَكَ وَ أَضَرُّهُمْ بِكَ وَ أَعْظَمُهُمْ لَكَ عَدَاوَةً وَ أَخْفَاهُمْ لَكَ شَخْصاً مَعَ دُنُوِّهِ مِنْكَ»[٢٥]
- «رُوِيَ فِي بَعْضِ اَلْأَخْبَارِ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَجُلٌ اِسْمُهُ مُجَاشِعٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ كَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ اَلْحَقِّ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَعْرِفَةُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى مُوَافَقَةِ اَلْحَقِّ قَالَ مُخَالَفَةُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى رِضَاءِ اَلْحَقِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَخَطُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى وَصْلِ اَلْحَقِّ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هِجْرَةُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى طَاعَةِ اَلْحَقِّ قَالَ عِصْيَانُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى ذِكْرِ اَلْحَقِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نِسْيَانُ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى قُرْبِ اَلْحَقِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلتَّبَاعُدُ مِنَ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى أُنْسِ اَلْحَقِّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْوَحْشَةُ مِنَ اَلنَّفْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَكَيْفَ اَلطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلاِسْتِعَانَةُ بِالْحَقِّ عَلَى اَلنَّفْسِ» [٢٦]
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: طَلَبُ اَلْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَ مُسْلِمَةٍ وَ هُوَ عِلْمُ اَلْأَنْفُسِ» [٢٧]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَصَّ رُسُلَهُ بِمَكَارِمِ اَلْأَخْلاَقِ فَامْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنْ كَانَتْ فِيكُمْ فَاحْمَدُوا اَللَّهَ وَ اِعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ وَ إِنْ لاَ تَكُنْ فِيكُمْ فَاسْأَلُوا اَللَّهَ وَ اِرْغَبُوا إِلَيْهِ فِيهَا قَالَ فَذَكَرَ عَشَرَةً اَلْيَقِينَ وَ اَلْقَنَاعَةَ وَ اَلصَّبْرَ وَ اَلشُّكْرَ وَ اَلْحِلْمَ وَ حُسْنَ اَلْخُلُقِ وَ اَلسَّخَاءَ وَ اَلْغَيْرَةَ وَ اَلشَّجَاعَةَ وَ اَلْمُرُوَّةَ»[٢٨]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ يَا رَبِّ مَنْ أَهْلُكَ اَلَّذِينَ تُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّكَ قَالَ فَأَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ اَلطَّاهِرَةُ قُلُوبُهُمْ» [٢٩]
والرّوايات بهذا المضمون على حدّ التّواتر المعنوي فمن أراد المزيد فليراجع: بحار الأنوار [٣٠]» والكافي، [٣١] والوسائل [٣٢] وغيرها.
ونحن نكتفي بهذا المقدار ونذكر بعض الرّوايات الواردة في موارد خاصّة:
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اَلْعِزُّ رِدَاءُ اَللَّهِ وَ اَلْكِبْرِيَاءُ إِزَارُهُ فَمَنْ تَنَاوَلَ شَيْئاً مِنْهُ أَكَبَّهُ اَللَّهُ فِي جَهَنَّمَ» [٣٣]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: مَنْ تَعَصَّبَ عَصَبَهُ اَللَّهُ بِعِصَابَةٍ مِنْ نَارٍ» [٣٤]
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اَلْحَسَدَ يَأْكُلُ اَلْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ اَلْحَطَبَ» [٣٥]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلاَنِ اَلْمَسْجِدَ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَ اَلْآخَرُ فَاسِقٌ فَخَرَجَا مِنَ اَلْمَسْجِدِ وَ اَلْفَاسِقُ صِدِّيقٌ وَ اَلْعَابِدُ فَاسِقٌ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ اَلْعَابِدُ اَلْمَسْجِدَ مُدِلاًّ بِعِبَادَتِهِ يُدِلُّ بِهَا فَيَكُونُ فِكْرَتُهُ فِي ذَلِكَ وَ يَكُونُ فِكْرَةُ اَلْفَاسِقِ فِي اَلتَّنَدُّمِ عَلَى فِسْقِهِ وَ يَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مِمَّا صَنَعَ مِنَ اَلذُّنُوبِ» [٣٦]
- «عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فَقَالَ إِنَّهُ يُحِبُّ اَلرِّئَاسَةَ فَقَالَ مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ فِي غَنَمٍ قَدْ تَفَرَّقَ رِعَاؤُهَا بِأَضَرَّ فِي دِينِ اَلْمُسْلِمِ مِنَ اَلرِّئَاسَةِ» [٣٧]
هذا نموذج من الرّوايات الواردة في الرّذائل.[٣٨]
دليل الإجماع
الأقوال الواردة من اعلام الطائفة في وجوب تهذيب النّفس والتّخلق بالفضائل كثيرة جدّاً بين قدمائهم ومتأخّريهم ومن نظر إلى كلمات أهل القلوب علم انّ وجوب التهذيب عندهم من الضّروريّات وكأنّه من البديهيّات في الإسلام. ونحن نذكر بعضها كنموذج:
قال الشيخ الرّئيس في الإشارات: «انّ العقاب للنّفس على خطئتها - كما ستعلم - هو كالمرض للبدن على نهمه، فهو لازم من لوازم ما ساق إليه الأحوال الماضية الّتي لم يكن من وقوعها بدّ ولا من وقوع ما يتبعها. وامّا [ العاقب ] الّذي يكون على جهة أخرى من مبدء له من خارج فحديث اخر». [٣٩]
وقال نصير الملّة والدّين قدس سره في شرحه عليه: «وهذا النّوع من العقاب انّما يكون للنّفس الإنسانيّة بسبب ملكاتها الرّديئة الرّاسخة فيها، فكانّها تكون من داخل ذاتها وهو نار الله الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة. لكن الآيات الواردة بالوعيد في الكتب الإلهيّة لو اجربت على ظواهرها، لا قتضت القول بعقاب جسمانىّ وارد على بدن المسيئ من خارج على ما توصف في التّفاسير والاخبار. فأشار الشّيخ إلى ذلك ايضاً بقوله: «وامّا العقاب الّذي يكون على جهة أخرى من مبدء له من خارج فحديث» اي اثباته على الوجه المشهور لو كان حقّاً لكان سمهيّاً» [٤٠]
قال الشيخ البهائي قال بعض أصحاب القلوب: «إنّ الحيّات والعقارب بل والنّيران الّتي تظهر في القبر والقيامة هي بعينها الاعمال القبيحة والأخلاق الذميمة والعقائد الباطلة الّتي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة وتجلببت بهذه الجلابيب، كما انّ الروح والريحان والحور والثمار هي الأخلاق الزكيّة والأعمال الصالحة والاعتقادات الحقّة الّتي برزت في هذا العالم بهذه الزّي وتسمّت بهذا الاسم، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف الأماكن، فتحلّى في كلّ موطن بحلية وتزّيي في كلّ نشأة بزّي؛ وقالوا: إنّ اسم الفاعل في قوله تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[٤١] ليس بمعنى الاستقبال بأن يكون المراد أنّها ستحيط بهم في النشأة الأخرى، كما ذكره الظاهريّون من المفسرين، بل هو على حقيقته أي معنى الحال، فانّ قبائحهم الخلقيّة والعمليّة والاعتقاديّة محيطة بهم في هذه النشأة، وهي بعينها جهنّم الّتي ستظهر عليهم في النشأة الاخروّيه بصورة النار وعقاربها وحياتها». [٤٢]
وقال صدر المتألهين في الاسفار: «وامّا تحول النّفس من نشأة الطبيعة الدنيوية إلى النشأة الاخرويّة وصيرورتها بحسب ملكاتها وأحوالها مصورّة بصورة اخروّيّة حيوانيّة أو غيرها حسنة بهيّة نوريّة أو قبيحة ردّيّة ظلمانيّة سبعيّة أو بهيميّة متخالفة الأنواع حاصلة من اعمالها وأفعالها الدنيويّة الكاسبة لثلك الصورة والهيئات، فليس ذلك مخالفاً للتحقيق بل هو أمر ثابت بالبرهان، محقق عند أئمة الكشف والعيان، مستفاد من أرباب الشرايع الحقة وسائر الأديان، دلّت عليه ظواهر النصوص القرآنيّة والأحاديث النبوية». [٤٣]
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب القيّم: «إنّ القول والفعل ما دام وجودهما في أكوان الحركات ومواد المكونات فلا حظّ لها من البقاء والثبات، ولكن من فعل فعلًا أو تكلّم بقول يظهر منه أثر في نفسه وحالة قلبيّة تبقي زماناً، وإذا تكررت الأفاعيل والأقاويل استحكمت الآثار في النّفس وصارت الأحوال ملكات، إذ الفرق بين الملكة والحال بالشدّة والضعف، والاشتداد في الكيفيتة يؤدىّ إلى حصول صورة جوهريّة هي مبدأ مثل تلك الكيفيّة كالحرارة الضعيفة في الفحم إذا اشتدت صورة ناريّة محرقة، وكذلك الكيفيّة النفسانيّة إذا اشتدت صارت ملكة راسخة اي صورة نفسانيّة هي مبدء آثار مختصّة بها فيصدر بسبها الفعل المناسب لها بسهولة من غير روّيّة وتعمّل، ومن هذا الطريق تحدث ملكة الصناعات ومبدأ المكاسب العلميّة والعمليّة، ولو فيوماً لم يكن لأحد من النّاس اكتساب شيء من الصناعات العلميّة والعمليّة ولم ينجع التأديب والتعليم لاحد ولم يكن في تمرين الأطفال على الاعمال فائدة.... وهذه الهيأة الراسخة للنفس المتمثلّة لها يوم القيامة هي الّتي تسمّى في عرف الحكمة بالملكة، لانّ المحقق عندنا انّ الملكات النفسانيّة تصير صوراً جوهريّة وذواتاً قائمة فعالة في النّفس تنعيماً وتعذيباً....». [٤٤]
ومن كلام فيثاغورس وهو من أعاظم الحكماء الأقدمين: «انّك ستعارض لك في افعالك واقوالك وأفكارك، وسيظهر لك غضبيّة صارت مادة لشيطان يؤذيك في حياتك ويحجبك عن ملاقاة النور بعد وفاتك، وان كانت الحركة عقليّة صارت ملكاً تلتذّ بمنادمته في دنياك وتهتدي به في اخراك إلى جوار للَّهودار كرامته». [٤٥]
وقال الغزّالي: «فان كنت المشغول بنفسك فلا تشغل إلّا بالعلم الّذي هو فرض عليك بحسب ما يقتضيه حالك وما يتعلّق منه بالاعمال الظّاهره من تعلّم الصّلوة والطّهارة والصّوم وانّما الأهمّ الّذي أهله الكلّ علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذمّ إذ لا ينفك بشر عن الصّفات المذمومة مثل الحرص والحسد و.... وجميع ذلك مهلكات واهمالها من الواجبات». [٤٦]
وقال الشّهيد الثّاني في منية المريد: «هي (تزكية النّفس) فرض عيني باجماع المسلمين». [٤٧]
وقال في موضع آخر: «.... ما هو أهمّ ومعرفته أوجب والمطالبة به والمنافسة عليه أعظم هو تطهير النّفس عن الرذائل الخلقية». [٤٨]
وقال الفيض : «والتّلطّف في اجتذاب القلوب إلى العلم الّذي يفيد حياة الأبد اهمّ من التّلطّف في اجتذابها إلى الطّبّ الّذي لا يفيد إلّا صحّة الجسد». [٤٩]
وقال في موضع آخر: «قال الله عزّوجلّ انّما المشركون نجس، تنبيهاً للعقول على أن الطهارة والنجاسة غير مقصور على الظواهر المدركة بالحس، فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس الجواهر اي باطنه ملطخ بالخبائث، والنجاسة عبارة عمّا يجتنب ويطلب البعد منه وخبائث صفات الباطن أهمّ بالاجتناب، فإنها مع خبثها في الحال مهلكات في المآل، ولذلك قال رسول الله (ص): «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب» والقلب بيت هو منزل الملئكه ومهبط اثرهم ومحل استقرارهم والصفات الرديّة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحه، فانى تدخله الملئكه وهو مشحون بالكلاب.... وفي الآخرة تتبع الصور المعاني وتغلب المعاني فلذلك يحشر كلّ شخص على صورته المعنويّة فيحشر الممزّق لاعراض النّاس كلباً ضارياً والشره إلى أموالهم ذئباً عادياً، والمتكبّر عليهم في صورة نمر، وطالب الرئاسة في صورة أسد وقد وردت بذلك الاخبار، وشهد به الاعتبار عند ذوي البصائر والابصار». [٥٠]
وقال المحقق النراقي: «فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الابديّة ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة السرمدية، فالتخلّى عن الثانية والتحلّى بالأولى من أهمّ الواجبات، والوصول إلى الحياة الحقيقة بدونهما من المحالات. فيجب على كلّ عاقل ان يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق.... والاجتناب عن رذائلها.... ولو قصّر أدركته الهلاكة الأبدية». [٥١]
وقال في موضع اخر: «مثل من بواظب على الطاعات الظاهرة ويترك تفقد قلبه كبئر الحش ظاهرها جص وباطنها نتن وكفبور الموتى ظاهرها مزينة وباطنها جيفة، أو كبيت مظلم وضع السراج على ظاهره فاستنار ظاهر وباطنه مظلم، أو كرجل زرع زرعاً فنبت ونبت معه حشيش يفسده فامر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه عن أصله، فاخذ يجزّ رأسه ويقطعه قلا يزال يقوى أصله وينبت فان الأخلاق المذمومة في القلب هي مغارس المعاصي فمن لم يطّهر قلبه منها لم تتم له الطاعات الظاهر».[٥٢]
وقال السّيد شبّر: «طلبه فرض على جميع المسلمين وبه يحصل التأسّس بسيد المرسلين وعترته الطاهرين، فانّ الأخلاق الحسنة هي المنجيات والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة المهلكات المبعدة من جوار ربّ العالمين والمنخرطة بصاحبها في سلك الشّيطان اللعين، وامراض القلوب والنفوس المضرة بالأديان أعظم ضرراً من امراض الأجساد والأبدان، إذ تلك مغوية لحياة الجسد وهذه تفوت حياة الأبد، ووجوب ذلك الطبّ كفائي وتعلّم هذا الطبّ واجب عيني». [٥٣]
وقال العلامة الطباطبايي في ذيل قوله تعالى «ثم لم تكن فتنتهم إلّا ان قالوا واللهِ ربّنا ما كنّا مشركين،»: كذبهم وحلفهم على الكذب يوم القيامة مما وقع في كلامه تعالى غير مرّة، ومثل الآية قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾[٥٤] وليس كذبهم وحلفهم عليه للتوصل به إلى الاغراض الفاسدة وستر الحق كما يتوصل إليها بالكذب في الدنيا، فان الآخرة دار جزاء لا دار عمل واكتساب لكنّهم لكونهم اعتادوا أن يتفصّوا من المخاطرات والمهالك ويجلبوا المنافع إليهم بالأيمان الكاذبة والأخبار المزورة خدعة وغروراً رسخت في نفوسهم ملكة الكذب، والملكة إذا رسخت في النّفس اضطرت النّفس إلى اجابتها إلى ما تدعوا اليه، وذلك كما أن البذي الفحاش إذا استقرت في نفسه ملكة السبّ لا يقدر على الكف عنه وان عزم عليه والمستكبر اللجوج العنود لا يملك من نفسه أن يتواضع، وان خضع في موقف الملكة والذلة احياناً فأنما يخضع ظاهراً وبلسانه، وامّا باطناً فهو على حاله لم يتغير ولن يتغير التبة». [٥٥]
وقال رحمهم الله في ذيل آية ١٤، الإسراء: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾[٥٦]: قوله ﴿كَفَى بِنَفْسِكَ﴾ الباء فيه زائدة للتأكيد وأصله كفت نفسك وانّما لم يؤنث الفعل لانّ الفاعل مؤنث مجازي يجوز معه التذكير والتأنيث. [٥٧]
هذه نبذة يسيرة من الأقوال في هذا المضمار. وقد أشرنا فيما سلف إلى أنّه من نظر إلى كلمات أهل القلوب علم انّ وجوب تهذيب النّفس عندهم من الضّروريات وكانّه من البديهيّات في الإسلام.[٥٨]
دليل العقل
قد ظهر من مطاوي كلماتنا كراراً ان وجوب تهذيب النّفس ووجوب التّخلّق بالفضائل من الفطريات وانّ العقل يستقلّ بالحكم به كما انّ العقلا كلّهم يوجبون المذمّة لمن اهمل ذلك ويوجبون الكرامة لمن اهتمّ به.
وبعبارةٍ أخرى انّ العقل والعقلاء يحكمون بأنه ينبغي أن يقلع مادّة الرذائل، لانّ حقّ الشّجرة الخبيثة ليس إلّا ذلك، وان الفضائل كلّها ينبغي ان تغرس في القلب، لانّ ذلك من حقّ الشّجرة الطّيّبة.
فبعد ذلك يظهر انّ الآيات كالرّوايات والأقوال كلّها ليست إلّا ارشاديّة إلى حكم العقل وليس هناك اعمال تعبّد اصلًا.
توضيح ذلك: انّ الاحكام الشرعيّة قسّمت إلى المولويّات والامضائيّات والارشاديّات.
والمراد من المولويّات هي الاحكام الّتي لا تنالها يد العقل اصلًا كوجوب الصّلوة والصّوم والحجّ سيّما إذا انضمّت إليها خصوصيّاتها، فلذا اطلق على هذه الأحكام التّعبّديات.
ومعناها انّ العقل لمّا صدّق الرّسالة وما جاء به صدّق اجمالًا بانّ ما جاء به حقّ وذو مصلحة ان كان امراً أو ذو مفسدة إن نهي عنه فصار نهياً من غير أن يفهم حقيقته تفصيلًا. وهذا هو مرادهم من قولهم: كلّما حكم به الشّرع حكم به العقل. ومعناه انّ العقل يحكم بحقيّة ما حكم به الشّرع لكن اجمالًا لا تفصيلًا.
وامّا الامضائيّات فهي الاحكام الشّرعيّة الدّارجة بين العقلاء كالأمارات والطّرق والأصول العقلائيّة مثل خبر الثّقة وقاعدة اليد وقاعدة اصالة الصّحّة ممّا تكون دارجة بينهم والإسلام أمضاها، فتلك الامارات والقواعد احكام شرعيّة من جهة واحكام عقلائيّة من جهة. وبالجملة انّها الاحكام العقلائيّة الّتي أمضاها الشّرع وليس للشّارع اعمال تعبّد فيها اصلًا.
وامّا الارشاديّات الّتي تقال لها الملازميّات ايضاً فهي الاحكام الّتي يستقلّ العقل بحكمها ويفهم حقيقتها ويدرك مصالحها ومفاسدها نظير وجوب طاعة الله والرّسول والائمّة (ع)، ونظير حسن العدل وقبح الظّلم ووجوب الاتيان بالعدل والتّلبّس به وترك الظلم والتّلبّس به، ولا يحتاج العقل في درك مثل ذلك إلى الشّرع اصلًا.
فلو قال الشّارع: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[٥٩] أو قال: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾[٦٠] فليس إلّا تأكيداً لحكم العقل وارشاداً إليه من غير اعمال تعبّد أصلًا.
وهذا معنى قولهم: «كلّما حكم به العقل حكم به الشّرع» اي انّ الضّروريات العقليّة والأمورالفطريّة والمستقلّات العقليّة هي ممّا حكم به الشّرع ولا معنى لانكارها من أحد، بل لو قال الشّارع بها فلا يكون إلّا تأكيداً وارشاداً إلى ما قال به العقل.
فبناءً عليه لمّا كانت الفضائل كلّها والرّذائل كلّها بل وما يصدر منهما من الاخلاقيّات، كلّها من الفطريات وممّا يستقلّ به العقل - قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[٦١] - فليس للشّارع فيها تأسيس اصلًا.
ولو قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[٦٢] فهو ممّا ادركه العقل وحكم به، فهو ارشاد إلى مدرَك من مدركاته.
كما ولو قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[٦٣] فليس إلّا ممّا حكم به العقل.
فلو قسّم القرآن المجتمع إلى قسمين وصوّر طائفةً منهم بقوله: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾[٦٤] وطائفة أخرى منهم بقوله: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ﴾[٦٥] فليس ذلك إلّاارشاداً إلى ما يحكم به العقل الضّرورىّ الفطرىّ.
هكذا في قول «إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بَعَثَ سَرِيَّةً فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا اَلْجِهَادَ اَلْأَصْغَرَ وَ بَقِيَ عَلَيْهِمُ اَلْجِهَادُ اَلْأَكْبَرُ قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا اَلْجِهَادُ اَلْأَكْبَرُ قَالَ جِهَادُ اَلنَّفْسِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَفْضَلُ اَلْجِهَادِ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ اَلَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ»[٦٦]
وفي قوال الإمام (ع): «لاَ يَدْخُلُ اَلْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» [٦٧]
«قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: اَلْحَسَدَ يَأْكُلُ اَلْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ اَلنَّارُ اَلْحَطَبَ» [٦٨] فليس فيه اعمال تعبّد، بل هو محض الارشاد.
فلو ذهب العلماء إلى ما ذهبوا إليه وقالوا بما قالوا به من انّ تهذيب النّفس من أوجب الواجبات وانّه من الضّروريات، فليس في اجماعهم اعمال تعبّد، بل انّهم قالوا بما يستقلّ به العقل وأرشدوا اليه.
والحاصل انّ الدّليل كلّ الدّليل لوجوب تهذيب النّفس ووجوب التّخلّق بالفضائل بل ما يصدر عن الفضائل والرّذائل المسمّى بالأخلاقيّات هو العقل السّليم الفطريّ وحده فما بقي عن الادلّة من الكتاب والسّنّة والإجماع ليس إلّا ارشاداً إليه ولا استقلال له اصلًا وليس من شأنه إلّا التأكيد عليه والتّنبيه إليه.
فاطلاق تلك الادلّة وتقييدها وعمومها وخصوصها وسعتها وضيقها تابع لما يرشد إليه العقل وهو المستقلّ به.
فلذا لسنا بصدد البحث عن قوّة سند الرّوايات وضعفها بل بصدد بيان مدلول الرّوايات صحّة وسقماً.
فالرّواية القويّة دلالةً المطابقة للاعتبار ننقلها ولو كانت ضعيفة سنداً، والرّواية الّتي لا دلالة لها لا نأتى بها ولو كانت صحيحة سنداً. فهذه طريقتنا في نقل الرّوايات بل في نقل الأقوال ايضاً، كما كانت هذه طريقة السّلف في هذا العلم.
والظّاهر انّهم سلكوا هذه الطّريقة لما قلناه لا لشئ آخر نظير ما نسب إلى بعض جهلة الصّوفيّة من جواز نقل محتمل الكذب بل قطعيّه لإثبات المقصود من ردع النّاس عن الرّذائل والمنكرات وتخلّقهم بالفضائل وتحريصهم وترغيبهم على الواجبات والمندوبات.
لانّ هذا كلّه لو صحّت النّسبة لا يكون إلّا في غاية البعد عن سيرة العلماء، بل هو خلاف الأخلاق وانّ الشّرع المقدّس لبرئ منه.
وما قيل من انّ نقل الرّوايات الضّعاف في مثل المقام من باب التّسامح في أدلّة السّنن في غاية السقوط. لانّ شمول روايات قاعدة التّسامح في أدلّة السّنن تختصّ بالمستحبّات وشمولها لما نحن فيه في غاية الاشكال.
هذا تلخيص الكلام فيما نحن فيه وتفصيل الامر يُطلب من علم الأصول.[٦٩]
طرق تهذيب النّفس عن الرّذائل
الطّرق لتهذيب النّفس عن الرّذائل لا تختصّ بتهذيب النّفس، بل هي اعمّ منه ومن التّخلّق بالفضائل، بل هي اعمّ من الأخلاق والاخلاقيات.
وبالجملة نقول انّ تلك الطرق مُهّدت للسّير إلى الله تعالى بأجزائه من التّوبة واليقظة والتّخلية والتّحلية والتّجلية واللقاء بمراتبه.[٧٠]
التّقوى
وهو أجود الطّرق للمسير إليه تعالى، فلذا قد مرّ الكلام في انّ علماء علم الأخلاق عدّوا اوّل المنازل التّوبة واليقظة، وقلنا انّ مرادهم بهما هو الرّجوع إلى الحقّ تعالى واصلاح النّفس بالتّقيّد بظواهر الشّرع من اتيان الواجبات واجتناب المحرّمات.
وللذكر الحكيم والحديث تأكيدٌ بالغٌ، على هذا الطّريق غاية التّأكيد.
ولابدّ ان نذكر هنا انّ التّقوى من الوقاية وهي حفظ النّفس عمّا يؤذيها ويضرّها، فلها مراتب:
فالمرتبة الأولى منها هي مخالفة النّفس الامّارة والهوى والرّذائل الأخلاقية، وهي تقوى العوام.
والمرتبة الثّانية هي مخالفة ما في القلب من غير الله تعالى، فالمتّقي في هذه المرتبة من أخرج غير الله من قلبه الّذي هو عرش الرّحمن، ففي هذه المرتبة المتّقي من كسر الأصنام كلّها وأخرجها من قلبه، ثمّ ادخل صاحب البيت فيه، وهي تقوى القلب في عرف القرآن.
والمرتبة الثّالثة هي الامتناع عن رؤية الاستقلال لغير الله تعالى، فالمتّقى في هذه المرتبة من أدرك قوله تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[٧١] قائلًا: «عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ» وما «ما رأيت شيئاً إلّا الله قبله وبعده ومعه»[٧٢] ويدرك قيّوميّة الحقّ تعالى للأشياء كلّها، وهي تقوى الخواص.
والمرتبة الرابعة هي حفظ النّفس عن الالتفات إلى غير الحقّ، فالمتّقي المتّصف بهذه المرتبة لا يرى إلّا الله، فهو المنغمر في الوحدة وليس له خبرٌ عن الكثرة، فإذا أجبر على الالتفات إلى عالم الكثرة اعتبر هذا ذنباً عظيماً، وهي تقوى اخصّ الخواصّ. ولهذه المرتبة عرض عريض ومراتب متكثرة وليس شأننا المقاولة فيها.
واختصاص لفظة التّقوى في القرآن والرّوايات بالمعنى الأوّل لا وجه له، بل اللفظ يشمل المراتب الأربع سيّما في القرآن الّذي ألفاظه عامّة ولها مصاديق مختلفة. فخطاب مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾[٧٣] لا يختصّ بالعوام فقط بل يشمل الخواصّ واخصّ الخواصّ ايضاً.
ولا تختصّ التّقوى باتيان الواجبات والاجتناب عن المحرّمات فقط، بل هي اعمّ منهما ومن تهذيب النّفس من الرّذائل، وهي تقوى القلب في عرف القرآن.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[٧٤]
وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾[٧٥]
هذا ولكن الّذي يعيننا في هذا البحث انّ التّقوى بمعناها الأوّل أي اتيان الواجبات واجتناب المحرّمات، مؤثّر في تهذيب النّفس والتّخلّق بالفضائل.
والسّرّ في ذلك انّ مخالفة النّفس الامّارة والرّذائل الاخلاقيّة توجب ضعف تلك القوى فيوجب سلطة المتّقى عليها، بل توجب التّسلّط على النّفس الامّارة بحصول ملكة العدالة والتّسلّط على الرّذائل بحيث انّه يمنعها عن اشتعالها وتأجّجها، بل بمرور الزّمن واستمرار المكافحة يقدر على قلع تلك الرّذائل، بل ويقدر على غرس الفضائل في القلب فتأتي اكلها وثمراتها دائماً.
فمن هذه الجهة انّ علماء علم الأخلاق كانوا يقولون من أراد اقتلاع جذور البخل عن القلب وغرس شجرة السّخاء فيه فلينفق بالميسور، كما قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ﴾[٧٦]
فبالانفاق على سبيل الاستمرار تضعّف رذيلة البخل بل تقلع عرقها وتغرس شجرة السّخاء فيه وتقوى وتنمو حتّى تصير ذات ثمرة طيّبة، فحينئذ هو الّذي يلتذّ من الانفاق، بل ينفق ممّا اتاه الله من غير تحميل على نفسه بل ومن غير التفات منه إليه.
ومن أراد رفع صفة الجبن عن نفسه وتبديلها بصفة الشّجاعة فليبارز تلك الرّذيلة بمخالفتها. فتلك المخالفة المستمرّة تضعف الرّذيلة اوّلًا وتعدمها بمرور الزّمن ثمّ تبدّل الرّذيلة بالفضيلة، وهكذا.
وأقوى شاهد لصحّة هذا الكلام حصول ملكة الاختصاص في العلوم بالعمل والاستمرار عليه وحصول ملكة العدالة بمخالفة الهوى.
فكما انّ العمل والاستمرار في العلم يوجب الاختصاص فيه، فكذلك العمل والاستمرار يوجب رفع الرّذائل وغرس الفضائل بل حصول الملكات الفاضلة للمرء. فهكذا انّ مخالفة النّفس الامّارة وهواها توجب التّسلّط عليها وعلى قلعها وقمعها.
فالقرآن قرّر ما ذهب إليه علماء الأخلاق من الامر بالتّقوى مراراً بل استهلّ القرآن قائلًا: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾[٧٧] وليبيّن انّ غير المتّقين لرسوخ الرّذائل في أنفسهم ليس لهم أن يهتدوا بنور القرآن، فتأمّل. كما أمر بمخالفة الهوى مراراً ايضاً حين جعلها ميزان السّعادة ذلك، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[٧٨]
و ﴿الْهَوَى﴾ - كما قال الرّاغب في المفردات - ميل النّفس إلى الشّهوة ويقال ذلك للنّفس المائلة إلى الشّهوة، وقيل سمّى بذلك لأنه يهوى بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية وفي الآخرةالهاوية. [٧٩]
والحاصل انّه لمّا كانت الذّنوب كلّها والشّرور كلّها من النّفس وفجورها اي رذائلها الخلقيّة فنهى النّفس عن الهوى وتمايلاتها الّتي يطلق عليها في القرآن تارة بالتّقوى وأخرى بمخالفة الهوى، يوجب ترويض النّفس والتمكّن من السّيطرة عليها فيوجب رفع بعض تلك الرّذائل عنها والقدرة على تعديل بعضها.
فلذلك قال علماء الاخلاق: من طرق تهذيب النّفس والتّخلّق بالفضائل هو مخالفة النّفس الامّارة والرّذائل الاخلاقيّة.
والقرآن أقرّ بذلك فقال: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[٨٠]، ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[٨١]
وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[٨٢]
وقال: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[٨٣]
نذكر هيهنا آيات وروايات في اهّميّة التّقوى ومخالفة الهوى تتميماً للبحث:
آيات في مخالفة الهوى
قال الله تبارك وتعالى:
- ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾[٨٤]
- ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[٨٥]
- ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[٨٦]
- ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾[٨٧]
- ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[٨٨]
روايات في مخالفة الهوى
- «عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْوَابِشِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: اِحْذَرُوا أَهْوَاءَكُمْ كَمَا تَحْذَرُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْدَى لِلرِّجَالِ مِنِ اِتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ وَ حَصَائِدِ أَلْسِنَتِهِمْ» [٨٩]
- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي وَ عَظَمَتِي وَ كِبْرِيَائِي وَ نُورِي وَ عُلُوِّي وَ اِرْتِفَاعِ مَكَانِي لاَ يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَاهُ عَلَى هَوَايَ إِلاَّ شَتَّتُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَ لَبَّسْتُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَ شَغَلْتُ قَلْبَهُ بِهَا وَ لَمْ أُوتِهِ مِنْهَا إِلاَّ مَا قَدَّرْتُ لَهُ وَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي وَ عَظَمَتِي وَ كِبْرِيَائِي وَ نُورِي وَ عُلُوِّي وَ اِرْتِفَاعِ مَكَانِي لاَ يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلاَّ اِسْتَحْفَظْتُهُ مَلاَئِكَتِي وَ كَفَّلْتُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضَ رِزْقَهُ وَ كُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ وَ أَتَتْهُ اَلدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِمَةٌ» [٩٠]
- «قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اِثْنَتَيْنِ اِتِّبَاعَ اَلْهَوَى وَ طُولَ اَلْأَمَلِ أَمَّا اِتِّبَاعُ اَلْهَوَى فَإِنَّهُ يَصُدُّ عَنِ اَلْحَقِّ وَ أَمَّا طُولُ اَلْأَمَلِ فَيُنْسِي اَلْآخِرَةَ»[٩١]
- «عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ اَلْحَجَّاجِ قَالَ قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: اِتَّقِ اَلْمُرْتَقَى اَلسَّهْلَ إِذَا كَانَ مُنْحَدَرُهُ وَعْراً قَالَ وَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ لاَ تَدَعِ اَلنَّفْسَ وَ هَوَاهَا فَإِنَّ هَوَاهَا فِي رَدَاهَا وَ تَرْكُ اَلنَّفْسِ وَ مَا تَهْوَى أَذَاهَا وَ كَفُّ اَلنَّفْسِ عَمَّا تَهْوَى دَوَاهَا»
آيات في التّقوى
قال الله تبارك وتعالى:
- ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾[٩٢]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾[٩٣]
- ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾[٩٤]
- ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[٩٥]
- ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[٩٦]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾[٩٧]
- ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[٩٨]
- ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾[٩٩]
- ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[١٠٠]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾[١٠١]
- ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾[١٠٢]
- ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[١٠٣]
- ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[١٠٤]
- ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[١٠٥]
- ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾[١٠٦]
- ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾[١٠٧]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾[١٠٨]
- ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[١٠٩]
- ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[١١٠]
- ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾[١١١]
- ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾[١١٢]
- ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾[١١٣]
روايات في التّقوى
- في وصيّة النبيّ (ص) لرجل: «وَ قَدْ أَجْمَعَ اَللَّهُ تَعَالَى مَا يَتَوَاصَى بِهِ اَلْمُتَوَاصُونَ مِنَ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَ هِيَ اَلتَّقْوَى قَالَ اَللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ - ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ﴾[١١٤] وَ فِيهِ جِمَاعُ كُلِّ عِبَادَةٍ صَالِحَةٍ وَصَلَ مَنْ وَصَلَ إِلَى اَلدَّرَجَاتِ اَلْعُلَى وَ اَلرُّتْبَةِ اَلْقُصْوَى وَ بِهِ عَاشَ مَنْ عَاشَ مَعَ اَللَّهِ بِالْحَيَاةِ اَلطَّيِّبَةِ وَ اَلْأُنْسِ اَلدَّائِمِ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾[١١٥]»[١١٦]
- «كَتَبَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى سَعْدٍ اَلْخَيْرِ: بِسْمِ [اَللَّهِ] اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّ فِيهَا اَلسَّلاَمَةَ مِنَ اَلتَّلَفِ وَ اَلْغَنِيمَةَ فِي اَلْمُنْقَلَبِ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقِي بِالتَّقْوَى عَنِ اَلْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ وَ يُجْلِي بِالتَّقْوَى عَنْهُ عَمَاهُ وَ جَهْلَهُ وَ بِالتَّقْوَى نَجَا نُوحٌ وَ مَنْ مَعَهُ فِي اَلسَّفِينَةِ وَ صَالِحٌ وَ مَنْ مَعَهُ مِنَ اَلصَّاعِقَةِ وَ بِالتَّقْوَى فَازَ اَلصَّابِرُونَ وَ نَجَتْ تِلْكَ اَلْعُصَبُ مِنَ اَلْمَهَالِكِ» [١١٧]
- فيما كتب أمير المؤمنين (ع) إلى أهل مصر مع محمد بن أبي بكر: «عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ اَلْخَيْرَ وَ لاَ خَيْرَ غَيْرُهَا، وَ يُدْرَكُ بِهَا مِنَ اَلْخَيْرِ مَا لاَ يُدْرَكُ بِغَيْرِهَا مِنْ خَيْرِ اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ، قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾[١١٨]» [١١٩]
- «قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اَلتُّقَى رَئِيسُ اَلْأَخْلاَقِ» [١٢٠]
- «أَنَّ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ اَلتَّقْوَى فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنْ لاَ يَفْقِدَكَ اَللَّهُ حَيْثُ أَمَرَكَ وَ لاَ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ» [١٢١]
- «قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:... فَإِنَّ تَقْوَى اَللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ وَ بَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَ صَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ وَ طَهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَ جِلاَءُ غِشَاءِ أَبْصَارِكُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ وَ ضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ»[١٢٢]
- «قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَلاَ وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ اَلْخَطَايَا» [١٢٣]
- «قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ اَلتَّفَكُّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ اَلْخَوْفُ بَدَنَهُ وَ أَسْهَرَ اَلتَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ» [١٢٤]
- «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اَلتَّقْوَى عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ تَقْوَى بِاللهِ فِي اَللَّهِ وَ هُوَ تَرْكُ اَلْحَلاَلِ فَضْلاً عَنِ اَلشُّبْهَةِ وَ هُوَ تَقْوَى خَاصِّ اَلْخَاصِّ وَ تَقْوَى مِنَ اَللَّهِ وَ هُوَ تَرْكُ اَلشُّبُهَاتِ فَضْلاً عَنْ حَرَامٍ وَ هُوَ تَقْوَى اَلْخَاصِّ وَ تَقْوَى مِنْ خَوْفِ اَلنَّارِ وَ اَلْعِقَابِ وَ هُوَ تَرْكُ اَلْحَرَامِ وَ هُوَ تَقْوَى اَلْعَامِّ» [١٢٥]
- عن أمير المؤمنين (ع) في خطبة همّام: «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ اَلْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ اَلصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ اَلاِقْتِصَادُ وَ مَشْيُهُمُ اَلتَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ قَصَرُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى اَلْعِلْمِ اَلنَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي اَلْبَلاَءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي اَلرَّخَاءِ لَوْ لاَ اَلْأَجَلُ اَلَّذِي كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ شَوْقاً إِلَى اَلثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ اَلْعِقَابِ عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَ صَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَ اَلْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُتَنَعِّمُونَ وَ هُمْ وَ اَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ» [١٢٦].[١٢٧]
المراقبة
وهو عند علماء الأخلاق ذو منزلة عظيمة، وان القرآن الكريم والرّوايات اهتمت بذلك الجانب اهتماماً بليغاً مع آنهالم تذكر تفاضيله.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[١٢٨]
فامر اولًا في هذه الآية الشّريفة بالتّقوى، ثمّ أمر بالمراقبة، ثمّ اكّد ذلك الامر الأوّل بقوله: واتّقوا الله، واكّد الامر الثّاني بقوله: انّ الله خبير بما تعملون.
وقال الإمام موسى بن جعفر (ع): «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ» [١٢٩]
فترى انّ الإمام (ع) اكّد على المحاسبة حتّى انّه سلب التّشيّع عمّن لا تكون له محاسبة كلّ يوم. توضيح: المراقبة على سبيل الاجمال: يفهم من الآية الشّريفة والرّوايات هو مواظبة المرء في أقواله وافعاله وأفكاره حتّى اللّيل، فهو عند النّوم يحاسب نفسه حساباً شديداً دقيقاً ويأخذها بالصغائر عن الكبائر ويلومها عند المخالفة ويشكرها عند المتابعة ويحمد الله تعالى.[١٣٠]
وامّا تفصيل ذلك: فينبغي بعد الفجر ان يشارط نفسه ويعاهدها على تهذيب النّفس على سبيل الاطلاق أو في ترك رذيلة بخصوصها أو على التخلّق بالفضائل أو بفضيلة بخصوصها أو على الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات على سبيل الاطلاق أو على الاتيان بواجب خاص كالصّلوة في اوّل وقتها مثلًا أو الاجتناب عن حرام معين بخصوصه كمراقبة لسانه في هفواته مثلًا.
وتكون تلك المشارطة والمعاهدة دقيقة شديدة جدّيّة. وتكون تلك المشارطة اولًا على سبيل الالتماس، وان لم تؤثّر فتكون على سبيل الأَمر، أمر المولى المقتدر عبده الطّاغي المذنب.
ثمّ يراقّب النّفس دقيقة نحو المحافظة على نفسه أو عرضه أو ماله عند المخاطرة. فان شاهد فيها الطّغيان والمخالفة يسألها سؤال الالتماس عن علّة المخالفة ويلومها لوماً ما اوّلًا. وان رأى فيها تكرار المخالفة والاصرار عليها فيعترض عليها اعتراضاً شديداً ويلومها لوماً شديداً نحو لوم المولى عبده المذنب. فيشارطها ويعاهدها، وهكذا يفعل حتّى اللّيل وعند النّوم، فيحاسب نفسه حساباً دقيقاً.
فان وجدها عند شروطها وعهودها فنعم المراد، بل يشكرها شكراً ويحمدالله على نعمائه. وان وجدها غير ملتزمة بعهودها فللمها اوّلا، فان رأى فيها نفوراً واعراضاً فيعاتبها عتاباً شديداً، وإلّا فيعاقبها عقاباً ما، وإلّا فيعاقبها عقاباً اليماً كالصّوم يوماً أو بضعة ايّام والسّهر ليلًا أو ليالي وامّا المعاقبة بالضّرب والشّتم والاضرار بها فالظاهر انّها غير جائز وان قيل بها. فتلخّص من هذه التّوصية انّها تتركّب من المشارطة والمراقبة والمحاسبة والمعاتبة والمعاقبة، وتسمّى بالمراقبة تسمية الكلّ باسم الجزء. وهذه المراقبة سيّما المفصّل منها ان كانت على سبيل الاستمرار والمواظبة مؤثّرة.
روايات في المراقبة
- « قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَنِ اِسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ وَ مَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمِهِ شَرَّهُمَا فَهُوَ مَلْعُونٌ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اَلزِّيَادَةَ فِي نَفْسِهِ كَانَ إِلَى اَلنُّقْصَانِ أَقْرَبَ وَ مَنْ كَانَ إِلَى اَلنُّقْصَانِ أَقْرَبَ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ اَلْحَيَاةِ » [١٣١]
- « قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنَّ عَلَى لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ رَقِيباً فَلْيَتَّقِ اَللَّهَ اَلْعَبْدُ وَ لْيَنْظُرْ مَا يَقُولُ» [١٣٢]
- « قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِنْ عَمِلَ حَسَناً اِزْدَادَ اَللَّهَ شُكْراً وَ إِنْ عَمِلَ سَيِّئاً اِسْتَغْفَرَ اَللَّهَ وَ تَابَ إِلَيْهِ» [١٣٣]
- قال عليه السلام عن أهل الذكر: «وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا»[١٣٤]
- «فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ اَلْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ»[١٣٥]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: أَلاَ فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا فَإِنَّ فِي اَلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفاً كُلُّ مَوْقِفٍ مُقَامُ أَلْفِ سَنَةٍ ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ اَلْآيَةَ ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[١٣٦]»[١٣٧]
- «قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: مَنْ لَمْ يَتَعَاهَدِ اَلنَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ اَلْهَوَى وَ مَنْ كَانَ فِي نَقْصٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ »[١٣٨]
- «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ اَلْبَجَلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظاً فَإِنَّ مَوَاعِظَ اَلنَّاسِ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُ شَيْئاً»[١٣٩]
المراقبة بمعنى آخر:
للمراقبة معنى ومصداق آخر وهو إن لم يكن أنفع من المراقبة الّتي مضى ذكرها فليس اقلّ منها وهو الالتفات إلى أنّ كثيراً من أجزاء العوالم يرقبه، بل أعاظم الكائنات يرقبه في أقواله وافعاله بل وفي أفكاره. ومراقبتهم هذه ممّا استفيد من القرآن والرّوايات.
- من الرّقباء على الاعمال هو الله تعالى والقرآن أكد على بيان ذلك.
- من الرّقباء هو الرسول (ص).
- من الرّقباء آل الرسول (ص).
- قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[١٤٣]
- من الرّقباء هي الملائكة.
- من الرّقباء الأعضاء والجوارح.
- قال تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾[١٤٦]
- من الرّقباء الأرض الّتي وقعت فيها الاعمال.
- قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾[١٤٧]
- من الرّقباء الزّمان من الايّام واللّيالي والسّاعات، وقد وردت في ذلك روايات ومن تلك الرّوايات قول الرسول (ص): «.... فمن عمل صالحاً شهدت له جوارحه وبقاعه وشهوره وأعوامه وساعاته وايّامه وليالي الجمع وساعاتها وايّامها فيسعد بذلك سعادة الأبد ومن عمل سوءً شهدت عليه جوارحه وبقاعه وشهوره وأعوامه وساعاته وليالي الجمع وساعاتها وايّامها فيشقى بذلك شقاء الأبد»[١٤٨]
- من الرّقباء البقاع الّتي وقعت فيها الاعمال، والرّواية المذكورة تدلّ على ذلك ايضاً.
- من الرّقباء الشّيطان الرّجيم.
- قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾[١٤٩]
- من الرّقباء هو القرين.
- قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾[١٥٠]
هذا مستخلص بحث مفصّل وقد نزلت فيه آيات ووردت فيه روايات كثيرة، ونحن نكتفي من القرآن بهذه الآيات ونذكر نبذة من تلك الرّوايات.
وقبل سرد الرّوايات لا بأس بالإشارة إلى دقيقة قرانية، وهي انّه يظهر من الذكر الحكيم انّ الشّعور لا يختصّ بالإنسان فقط وكذلك النّطق والعمل، بل كلّ موجود ذو شعور بل ذو نطق وعمل. وإعادة قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾[١٥١] وترداده فيه إشارة إلى ذلك. ولكن الأظهر منه في إفادة هذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[١٥٢] وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾[١٥٣].
وحمل مثل ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ على التّسبيح التّكويني لو سلّم جوازه لكن هاتين الآيتين الأخيرتين لا تخضعان لذلك الحمل. وعدم ادراكنا لمثل هذه اللّطائف والدّقائق القرانيّه لا يوجب حمل مثل هذه الآيات على معنى لا محتوى له، وعلمنا بالنّسبة إلى جهلنا كقطرة من البحر، وهذا لا يوجب رفع اليدعن آيات كثيرة وروايات مستفيضة.
روايات في المراقبة بمعنى آخر:
- «عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ﴾[١٥٤]﴿جِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾[١٥٥] قَالَ هَذَا نَزَلَتْ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خَاصَّةً فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنْهُمْ إِمَامٌ مِنَّا شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ وَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ شَاهِدٌ عَلَيْنَا»[١٥٦]
- «عَنِ اَلْعِجْلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ تَعَالىَ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[١٥٧] فَقَالَ نَحْنُ اَلْأُمَّةُ اَلْوُسْطَى وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اَللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ قُلْتُ قَوْلُ اَللَّهِ تَعَالَى ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾[١٥٨] قَالَ إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾[١٥٩] فِي الْكُتُبِ الَّتِي مَضَتْ وَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾[١٦٠] - فَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ نَحْنُ اَلشُّهَدَاءُ عَلَى اَلنَّاسِ فَمَنْ صَدَّقَ صَدَّقْنَاهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ مَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ» [١٦١]
- «عَنْ بُرَيْدٍ اَلْعِجْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَوْلَ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[١٦٢] قَالَ: نَحْنُ اَلْأُمَّةُ اَلْوَسَطُ وَ نَحْنُ شُهَدَاءُ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ وَ حُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[١٦٣] ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾[١٦٤] قَالَ: إِيَّانَا عَنَى وَ نَحْنُ اَلْمُجْتَبَوْنَ وَ لَمْ يَجْعَلِ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: ﴿فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[١٦٥] فَالْحَرَجُ أَشَدُّ مِنَ اَلضِّيقِ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾[١٦٦] إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً وَ: ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ﴾[١٦٧] اَللَّهُ سَمَّانَا اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ فِي اَلْكُتُبِ اَلَّتِي مَضَتْ وَ فِي هَذَا اَلْقُرْآنِ: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾[١٦٨] فَرَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلشَّهِيدُ عَلَيْنَا بِمَا بَلَّغَنَا عَنِ اَللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ نَحْنُ اَلشُّهَدَاءُ عَلَى اَلنَّاسِ فَمَنْ صَدَّقَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ صَدَّقْنَاهُ وَ مَنْ كَذَّبَ كَذَّبْنَاهُ»[١٦٩]
- «عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ اَلْهِلاَلِيِّ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى طَهَّرَنَا وَ عَصَمَنَا وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى خَلْقِهِ وَ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ وَ جَعَلَنَا مَعَ اَلْقُرْآنِ وَ جَعَلَ اَلْقُرْآنَ مَعَنَا لاَ نُفَارِقُهُ وَ لاَ يُفَارِقُنَا» [١٧٠]
- «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ اَلْأَعْمَالِ هَلْ تُعْرَضُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ مَا فِيهِ شَكٌّ قُلْتُ لَهُ أَ رَأَيْتَ قَوْلَ اَللَّهِ تَعَالَى: ﴿ِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[١٧١] قَالَ إِنَّهُمْ شُهُودُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ»[١٧٢]
- «عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا لَكُمْ تَسُوءُونَ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؟» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: كَيْفَ نَسُوؤُهُ؟ فَقَالَ: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَى فِيهَا مَعْصِيَةً سَاءَهُ ذَلِكَ، فَلاَ تَسُوءُوا رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ سُرُّوهُ» [١٧٣]
- «وَ فِي رِوَايَةِ حُمْرَانَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إِنَّمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾[١٧٤] يَعْنِي عَدْلاً ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[١٧٥] قَالَ وَ لاَ يَكُونُ شُهَدَاءَ عَلَى اَلنَّاسِ إِلاَّ اَلْأَئِمَّةُ وَ اَلرُّسُلُ فَأَمَّا اَلْأُمَّةُ فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَسْتَشْهِدَهَا اَللَّهُ تَعَالَى عَلَى اَلنَّاسِ وَ فِيهِمْ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي اَلدُّنْيَا عَلَى حَزْمَةِ بَقْلٍ»[١٧٦]
- «﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ﴾[١٧٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[١٧٨] قَالَ إِذَا جَمَعَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ دَفَعَ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ كِتَابَهُ فَيَنْظُرُونَ فِيهِ فَيُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ عَمِلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ مَلاَئِكَتُكَ يَشْهَدُونَ لَكَ ثُمَّ يَحْلِفُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَ هُوَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾[١٧٩] فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ خَتَمَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَ يَنْطِقُ جَوَارِحُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» [١٨٠]
- «وَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[١٨١] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ فَيُنْكِرُونَهَا فَيَقُولُونَ: مَا عَمِلْنَا شَيْئاً مِنْهَا، فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمُ اَلْمَلاَئِكَةُ اَلَّذِينَ كَتَبُوا عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ، قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فَيَقُولُونَ لِلَّهِ: يَا رَبِّ هَؤُلاَءِ مَلاَئِكَتُكَ يَشْهَدُونَ لَكَ ثُمَّ يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً مِنْهَا، وَ هُوَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾[١٨٢] وَ هُوَ اَلَّذِينَ غَصَبُوا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْتِمُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَ يُنْطِقُ جَوَارِحَهُمْ فَيَشْهَدُ اَلسَّمْعُ بِمَا سَمِعَ مِمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ يَشْهَدُ اَلْبَصَرُ بِمَا نَظَرَ إِلَى مَا حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ تَشْهَدَ اَلْيَدَانِ بِمَا أَخَذَتَا وَ تَشْهَدُ اَلرِّجْلاَنِ بِمَا سَعَتَا فِيمَا حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ يَشْهَدُ اَلْفَرْجُ بِمَا اِرْتَكَبَ مِمَّا حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ أَنْطَقَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَلْسِنَتَهُمْ فَيَقُولُونَ هُمْ لِجُلُودِهِمْ: وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[١٨٣] أَيْ مِنَ اَللَّهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لاٰ أَبْصٰارُكُمْ وَ لاٰ جُلُودُكُمْ وَ اَلْجُلُودُ اَلْفُرُوجُ وَ لٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّٰا تَعْمَلُونَ» [١٨٤]
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أَمَا إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ كَمَا (أَمَرَكُمْ) أَنْ تَحْتَاطُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ أَدْيَانِكُمْ وَ أَمْوَالِكُمْ، بِاسْتِشْهَادِ اَلشُّهُودِ اَلْعُدُولِ عَلَيْكُمْ. فَكَذَلِكَ قَدِ اِحْتَاطَ عَلَى عِبَادِهِ وَ لَهُمْ فِي اِسْتِشْهَادِ اَلشُّهُودِ عَلَيْهِمْ فَلِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ رُقَبَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَ ﴿مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ﴾[١٨٥] وَ يَحْفَظُونَ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ: مِنْ أَعْمَالِهِ، وَ أَقْوَالِهِ، وَ أَلْفَاظِهِ، وَ أَلْحَاظِهِ، فَالْبِقَاعُ اَلَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ شُهُودُ رَبِّهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَ اَللَّيَالِي وَ اَلْأَيَّامُ وَ اَلشُّهُورُ شُهُودٌ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ، وَ سَائِرُ عِبَادِ اَللَّهِ اَلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَ حَفَظَتُهُ اَلْكَاتِبُونَ أَعْمَالَهُ شُهُودٌ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، فَكَمْ يَكُونُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ سَعِيدٍ بِشَهَادَتِهَا لَهُ، وَ كَمْ يَكُونُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مِنْ شَقِيٍّ بِشَهَادَتِهَا عَلَيْهِ. إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَبْعَثُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عِبَادَهُ أَجْمَعِينَ وَ إِمَاءَهُ، فَيَجْمَعُهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيَنْفُذُهُمُ اَلْبَصَرُ، وَ يُسْمِعُهُمُ اَلدَّاعِي، وَ يُحْشَرُ اَللَّيَالِي وَ اَلْأَيَّامُ، وَ تُسْتَشْهَدُ اَلْبِقَاعُ وَ اَلشُّهُورُ عَلَى أَعْمَالِ اَلْعِبَادِ، فَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً شَهِدَتْ لَهُ جَوَارِحُهُ وَ بِقَاعُهُ، وَ شُهُورُهُ، وَ أَعْوَامُهُ وَ سَاعَاتُهُ، وَ أَيَّامُهُ. وَ لَيَالِي اَلْجُمَعِ وَ سَاعَاتُهَا وَ أَيَّامُهَا، فَيَسْعَدُ بِذَلِكَ سَعَادَةَ اَلْأَبَدِ وَ مَنْ عَمِلَ سُوءاً شَهِدَتْ عَلَيْهِ جَوَارِحُهُ، وَ بِقَاعُهُ، وَ شُهُورُهُ وَ أَعْوَانُهُ، وَ سَاعَاتُهُ [وَ أَيَّامُهُ] وَ لَيَالِي اَلْجُمَعِ وَ سَاعَاتُهَا وَ أَيَّامُهَا، فَيَشْقَى بِذَلِكَ شَقَاءَ اَلْأَبَدِ. أَلاَ فَاعْمَلُوا [اَلْيَوْمَ] لِيَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، وَ أَعِدُّوا اَلزَّادَ لِيَوْمِ اَلْجَمْعِ يَوْمَ اَلتَّنَادِ...»[١٨٦]
- «فِيمَا رَوَاهُ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَنْوَاعِ آيَاتِ اَلْقُرْآنِ قَالَ ثُمَّ نَظَمَ تَعَالَى مَا فَرَضَ عَلَى اَلسَّمْعِ وَ اَلْبَصَرِ وَ اَلْفَرْجِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: ﴿مَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾[١٨٧] يَعْنِي بِالْجُلُودِ هَاهُنَا اَلْفُرُوجَ وَ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[١٨٨] وَ سَاقَ اَلْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ اَلرِّجْلَيْنِ مِنَ اَلْجَوَارِحِ اَلَّتِي تَشْهَدُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْتَنْطَقَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[١٨٩]»[١٩٠]
- «سَأَلَ أَبُو كَهْمَسٍ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: فَقَالَ يُصَلِّي اَلرَّجُلُ نَوَافِلَهُ فِي مَوْضِعٍ أَوْ يُفَرِّقُهَا قَالَ لاَ بَلْ هَاهُنَا وَ هَاهُنَا، فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ»[١٩١]
- «مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ مِنْ كِتَابِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى اِبْنِ آدَمَ إِلاَّ قَالَ ذَلِكَ اَلْيَوْمُ يَا اِبْنَ آدَمَ أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ وَ أَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ فَافْعَلْ بِي خَيْراً وَ اِعْمَلْ فِيَّ خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي بَعْدَهَا أَبَداً» [١٩٢]
- «عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ نَادَى مُنَادٍ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ اَلْخَلاَئِقُ إِلاَّ اَلثَّقَلَيْنِ يَا اِبْنَ آدَمَ إِنِّي خَلْقٌ جَدِيدٌ إِنِّي عَلَى مَا فِيَّ شَهِيدٌ فَخُذْ مِنِّي فَإِنِّي لَوْ قَدْ طَلَعَتِ اَلشَّمْسُ لَمْ أَرْجِعْ إِلَى اَلدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ تَزْدَدْ فِيَّ حَسَنَةً وَ لَمْ تَسْتَعْتِبْ فِيَّ مِنْ سَيِّئَةٍ وَ كَذَلِكَ يَقُولُ اَلنَّهَارُ إِذَا أَدْبَرَ اَللَّيْلُ» [١٩٣]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَلنَّهَارَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا اِبْنَ آدَمَ اِعْمَلْ فِي يَوْمِكَ هَذَا خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ بِهِ عِنْدَ رَبِّكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَإِنِّي لَمْ آتِكَ فِيمَا مَضَى وَ لاَ آتِيكَ فِيمَا بَقِيَ وَ إِذَا جَاءَ اَللَّيْلُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ»[١٩٤]
مراقبة الأستاذ
لا اشكال في انّ الأستاذ في كلّ علم وفنّ لازم سيّما في هذا العلم الّذي يتضمّن دقائق وظرائف وانحراف طالبيه عن التّعادل ولو بشعرة إلى افراط وتفريط يوجب الضّلالة.
والسّرّ في ذلك مضافاً إلى كونه علماً فيحتاج إلى الأستاذ واخذ الارشادات والوصايا الكّليّة والجزئيّة منه، فان نفوذ الأستاذ في النّفوس سيّما النّفوس الضّعيفة مما لا كلام فيه، لانّ التّلميذ يرى نفسه صغيراً ضعيفاً عنده ويراه عظيماً قويّاً فيتأثّر به من حيث لا يشعر لانّ معنويّة الأستاذ توجب التأثير عملًا وقولًا حتّى انّ الأستاذ يؤثّر في حركات التّلميذ وأقواله فضلًا عن قلبه.
فالأستاذ الّذي يكون من أهل العمل وهذّب نفسه وطهّر قلبه فانّ عمله يكون داعياًالله وإلى تهذيب النّفوس وتطهيرها وتخلّقها باخلاقه تعالى، والّذي نفسي بيده لو قال قائل انّه ينبغي صرف العمر في وجدان الأستاذ وكشفه لايّام قليلة لقال قولًا جيّداً.
فربّ كلام من الأستاذ يوجب سعادة الدّارين للنّفوس المستعدّة.
ولكنّ الّذي لابّد من الالتفات، لدقته، بل لكونه اهمّ من الأستاذ، هو انّ اختيار الأستاذ أمر مشكل، لانّه اعزّ من الكبرىت الأحمر. فليس كلّ من ادّعى هذا المنصب أو اشتهر به بأستاذ لائق به، وربّ أستاذ يوجب انحراف التّلميذ بما لارجع له إلى السّداد.
ويشرط في الأستاذ أمور لابدّ من وجدآنها فيه:
- العلم والاختصاص بحيث يكون مشتهراً عند أهله به. فالجاهل غير المتخصّص اما مفرط أو مفرّط ويقصم ظهر تلميذه ويوجب انحرافه.
- العقل والكياسة، لانّ من لا عقل ولا كياسة له ليوجب الانحراف، وربّ أستاذ غير كيّس يسوق تلميذه إلى السّقوط. وبالضّرورة وجدان العاقل الكيّس أصعب من وجدان العالم المتخصّص.
- الوصول إلى مرتبة من مراتب اللّقاء ولا اقلّ من حصول التّوبة له ومروره من منزل التّخلية إلى التّحلية، ومن لم يتجاوز التّوبة واليقظة فهو أعمى، فيكف يأخذ الأعمى بيد الأعمى. ومن لم يهذّب نفسه فهو أسير الرّذائل، فكيف يمكنه ان يفكّ غيره عن الأسر.
فهذه عمدة الشّروط.
فلذلك نوصي طالبي سبيل الكمال باختيار الأستاذ العامّ لا الأستاذ الخاصّ الشخصي.
فالمحادثة والمباحثة والمطالعة والمجالس العامّة لازمة لهم، فما لا يدرك جلّه لا يترك كلّه والميسور لا يترك بالمعسور.
هذا مع انّ ازدياد الطّلب في زماننا هذا وكثرة التّلاميذ وقلّة الأساتذة يوجب ان يكتفي التّلميذ بالأستاذ العام وبالمجالس العامّة.
ومن كان من أهل السّير ويستعدّ لذلك فليأخذ الارشادات الكليّة من درس الأستاذ أو من شخص الأستاذ ويعمل ويسئل عمّا يشكل ويشتبه عليه سائلًا ايّاه تبارك وتعالى التّوفيق وان لا ينساه سيّما عند الشّبهات والمشكلات.
وفي الخاتمة أوصي طلّاب هذا الطّريق بالتّوجّه إلى أمر هامّ وهو انّ الوصول من منزلمنزل في غاية الصعوبة والمخاطرة، والشّيطان يترصّد ويواظب السائرين غاية المواظبة، ومن مكائده القاء الياس فيهم كي يرى من الأستاذ ما لا يقدر عليه. ولكنّ الكيد الاهمّ منه امره إياهم بما لا يكون من شأنهم والعمل بما يعمله السّالكون أصحاب المراتب العليا، فيشوّقهم ان يعملوا ما ليس لهم، فينجرّ إلى الجنون، ورب امراض روحيّة نشأت من هذا الجهل الّذي ينشأ من كيد الشّيطان، فلابدّ من أن يعلم انّ الشّيطان كما يأتي عن شمائلهم وبالذّنوب يأتي عن يمينهم وبالعبادات.
قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾[١٩٥]
فهو يخرج المرء عن الصّراط المستقيم بل عن الدّين.
وقدمرّ الكلام في انّ التّوغّل في المشتهيات مضرّ بل كثير منها حرام، ولكنّ التّفريط في المشتهيات وتحمّل الرّياضات الدينيّة الّتي لا تكون في شأنه مضرّ بل كثير منها حرام عليه.
مراقبة الرّفيق ونظارته
مراقبة الرّفيق ممّا به تأثير في السّير، ولو لم تكن أولى من سائر المراقبات والاشرافات، فلا اشكال في كونها مثلها بحيث انّه روى: «اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَ قَرِينِهِ» [١٩٦] فاستفادة الزملاء كلّ من الاخر ومراقبة أحدهما الاخر واهداء كلّ منهما عيوب الاخر إليه ممّا يؤثّر في السّير والسّلوك وفي الآداب والعادات الاجتماعيّة وفي اتيان الواجبات وترك المحرّمات.
كما انّ الرفيق السّوء أسوء من الشّيطان، وفي رؤية الذكر العزيز هو من الشياطين كما في قوله تعالى: ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾[١٩٧]
فعليك ثمّ عليك بالصّديق الخير، لانّه من خير الدّنيا والآخرة وقيمته أغلى من الدّنيا وما فيها.
وايّاك ثمّ ايّاك وقرين السّوء لانّه شرّ من جميع الشرور.
وما قلنا في الأستاذ من الشّروط يأتي هنا ايضاً بلا فرق.
فيشترط في الرّفيق ان يكون عاقلًا، لّان الأحمق لا ينفع بل يضرّ، وفي الرّوايات: «انّه يريد ان ينفعك فيصرّك» والأحمق امّا مفرط أو مفرّط فكيف يمكن ان يكون معلّمك ورقيبك؟!.
ويشترط ان يكون عالماً أو متعلّماً، وامّا الجاهل غير المتعلّم فله استبداد في جهله كما انّه يستبدّ على رأيه وعصبيّته...، وبالجملة انّه كالأحمق لا يكون كاسباً ولا مكتسباً وانّه يكون امّا مفرط أو مفرّط.
ويشترط ان يكون سليم النّفس ولا اقلّ من كونه مريداً لها، وان يكون متقياً ولا اقلّ ممّن يحبّ التّقوى ويكون بصدد اصلاح نفسه. والحاصل انّ الصدّيق السّليم النّفس ولو في الجملة والصّديق التّقي إذا ضمّ المرء إلى سلامة نفسه عقلَه وعلمَه أو تعلّمه يصير له من أفضل المراقبات ولابدّ للسّالك من وجدانه واستفادته منه.
آيات في مراقبة الرفيق
- ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾[١٩٨]
- ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[١٩٩]
- ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا﴾[٢٠٠]
- ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾[٢٠١]
- ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[٢٠٢]
- ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾[٢٠٣]
- ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾[٢٠٤]
- ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾[٢٠٥]
روايات في مراقبة الرفيق
- «قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ تَحَبَّبُوا إِلَى اَللَّهِ وَ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ قَالُوا يَا رُوحَ اَللَّهِ بِمَا ذَا نَتَحَبَّبُ إِلَى اَللَّهِ وَ نَتَقَرَّبُ قَالَ بِبُغْضِ أَهْلِ اَلْمَعَاصِي وَ اِلْتَمِسُوا رِضَا اَللَّهِ بِسَخَطِهِمْ قَالُوا يَا رُوحَ اَللَّهِ فَمَنْ نُجَالِسُ إِذًا قَالَ مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اَللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَ يَزِيدُ فِي عَمَلِكِمْ مَنْطِقُهُ وَ يُرَغِّبُكُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَمَلُهُ» [٢٠٦]
- «رُوِيَ عَنْ بَعْضِ اَلصَّادِقِينَ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: اَلْجُلَسَاءُ ثَلاَثَةٌ جَلِيسٌ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ فَالْزَمْهُ وَ جَلِيسٌ تُفِيدُهُ فَأَكْرِمْهُ وَ جَلِيسٌ لاَ تُفِيدُهُ وَ لاَ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ فَاهْرَبْ عَنْهُ»[٢٠٧]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا طَالِبَ اَلْعِلْمِ إِنَّ اَلْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ فَرَأْسُهُ اَلتَّوَاضُعُ وَ عَيْنُهُ اَلْبَرَاءَةُ مِنَ اَلْحَسَدِ وَ أُذُنُهُ اَلْفَهْمُ وَ لِسَانُهُ اَلصِّدْقُ وَ حِفْظُهُ اَلْفَحْصُ وَ قَلْبُهُ حُسْنُ اَلنِّيَّةِ وَ عَقْلُهُ مَعْرِفَةُ اَلْأَسْبَابِ وَ اَلْأُمُورِ وَ يَدُهُ اَلرَّحْمَةُ وَ رِجْلُهُ زِيَارَةُ اَلْعُلَمَاءِ وَ هِمَّتُهُ اَلسَّلاَمَةُ وَ حِكْمَتُهُ اَلْوَرَعُ وَ مُسْتَقَرُّهُ اَلنَّجَاةُ وَ قَائِدُهُ اَلْعَافِيَةُ وَ مَرْكَبُهُ اَلْوَفَاءُ وَ سِلاَحُهُ لِينُ اَلْكَلِمَةِ وَ سَيْفُهُ اَلرِّضَا وَ قَوْسُهُ اَلْمُدَارَاةُ وَ جَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ اَلْعُلَمَاءِ وَ مَالُهُ اَلْأَدَبُ وَ ذَخِيرَتُهُ اِجْتِنَابُ اَلذُّنُوبِ وَ رِدَاؤُهُ اَلْمَعْرُوفُ وَ مَأْوَاهُ اَلْمُوَادَعَةُ وَ دَلِيلُهُ اَلْهُدَى وَ رَفِيقُهُ مَحَبَّةُ اَلْأَخْيَارِ»[٢٠٨]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَاخِيَ اَلْفَاجِرَ وَ لاَ اَلْأَحْمَقَ وَ لاَ اَلْكَذَّابَ» [٢٠٩]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَصْحَبُوا أَهْلَ اَلْبِدَعِ وَ لاَ تُجَالِسُوهُمْ فَتَصِيرُوا عِنْدَ اَلنَّاسِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ وَ قَرِينِهِ» [٢١٠]
- «عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: أَمَرَنِي وَالِدِي بِثَلاَثٍ وَ نَهَانِي عَنْ ثَلاَثٍ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لِي يَا بُنَيَّ مَنْ يَصْحَبْ صَاحِبَ اَلسَّوْءِ لاَ يَسْلَمْ وَ مَنْ يَدْخُلْ مَدَاخِلَ اَلسَّوْءِ يُتَّهَمْ وَ مَنْ لاَ يَمْلِكْ لِسَانَهُ يَنْدَمْ اَلْخَبَرَ»[٢١١]
- «عَنِ اَلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ: ... وَ أَحْسِنْ مُصَاحَبَةَ مَنْ صَاحَبَكَ تَكُنْ مُسْلِماً»[٢١٢]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِذَا صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ قَالَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَنِبَ مُوَاخَاةَ ثَلاَثَةٍ اَلْمَاجِنِ اَلْفَاجِرِ وَ اَلْأَحْمَقِ وَ اَلْكَذَّابِ فَأَمَّا اَلْمَاجِنُ اَلْفَاجِرُ فَيُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ وَ يُحِبُّ أَنَّكَ مِثْلُهُ وَ لاَ يُعِينُكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ وَ مَعَادِكَ وَ مُقَارَبَتُهُ جَفَاءٌ وَ قَسْوَةٌ وَ مَدْخَلُهُ وَ مَخْرَجُهُ عَارٌ عَلَيْكَ وَ أَمَّا اَلْأَحْمَقُ فَإِنَّهُ لاَ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ وَ لاَ يُرْجَى لِصَرْفِ اَلسُّوءِ عَنْكَ وَ لَوْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ - وَ رُبَّمَا أَرَادَ مَنْفَعَتَكَ فَضَرَّكَ فَمَوْتُهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ وَ سُكُوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِهِ وَ بُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ وَ أَمَّا اَلْكَذَّابُ فَإِنَّهُ لاَ يَهْنَؤُكَ مَعَهُ عَيْشٌ يَنْقُلُ حَدِيثَكَ وَ يَنْقُلُ إِلَيْكَ اَلْحَدِيثَ كُلَّمَا أَفْنَى أُحْدُوثَةً مَطَّهَا بِأُخْرَى مِثْلِهَا حَتَّى إِنَّهُ يُحَدِّثُ بِالصِّدْقِ فَمَا يُصَدَّقُ وَ يُعْرَفُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَاوَةِ فَيُنْبِتُ السَّخَائِمَ فِي الصُّدُورِ فَاتَّقُوا اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ انْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ»[٢١٣]
- «قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اِجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَكُونَ زَمَانُكُمْ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ سَاعَةً لِمُنَاجَاةِ اَللَّهِ وَ سَاعَةً لِأَمْرِ اَلْمَعَاشِ وَ سَاعَةً لِمُعَاشَرَةِ اَلْإِخْوَانِ وَ اَلثِّقَاتِ اَلَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُمْ عُيُوبَكُمْ وَ يُخْلِصُونَ لَكُمْ فِي اَلْبَاطِنِ وَ سَاعَةً تَخْلُونَ فِيهَا لِلَذَّاتِكُمْ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَ بِهَذِهِ اَلسَّاعَةِ تَقْدِرُونَ عَلَى اَلثَّلاَثَةِ سَاعَاتٍ» [٢١٤]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: وَصِيَّةُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ (عَلَيْهَا اَلسَّلاَمُ) إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، يَقُولُ لَهَا: يَا بِنْتَ أَخِي، لاَ تُمَارِي جَاهِلاً وَ لاَ عَالِماً، فَإِنَّكَ مَتَى مَارَيْتِ جَاهِلاً آذَاكِ، وَ مَتَى مَارَيْتِ عَالِماً مَنَعَكِ عِلْمَهُ، وَ إِنَّمَا يَسْعَدُ بِالْعُلَمَاءِ مَنْ أَطَاعَهُمْ. أَيْ بُنَيَّةِ، إِنَّهُ لاَ فِرَاقَ أَبْعَدُ مِنَ اَلْمَوْتِ، وَ لاَ حُزْنَ أَطْوَلُ مِنَ اَلنِّسَاءِ، وَ تَلَقِّي مَنْ لاَ يُجْدِي عَلَيْكِ اَلْمَوْتُ اَلْأَحْمَرُ. أَيْ بُنَيَّةِ، إِيَّاكِ وَ صُحْبَةَ اَلْأَحْمَقِ اَلْكَذَّابِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ نَفْعَكِ فَيَضُرُّكِ، يُقَرِّبُ مِنْكِ اَلْبَعِيدَ، وَ يُبَعِّدُ مِنْكِ اَلْقَرِيبَ، إِنِ اِئْتَمَنْتَهُ خَانَكِ، وَ إِنِ اِئْتَمَنَكِ أَهَانَكِ، وَ إِنْ حَدَّثَكِ كَذَّبَكِ، وَ إِنْ حَدَّثْتِهِ كَذَّبَكِ، وَ أَنْتِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اَلسَّرَابِ اَلَّذِي ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾[٢١٥]» [٢١٦]
- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلثَّانِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: اَلْمُؤْمِنُ يَحْتَاجُ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ تَوْفِيقٍ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ وَاعِظٍ مِنْ نَفْسِهِ وَ قَبُولٍ مِمَّنْ يَنْصَحُهُ»[٢١٧]
- «مِنْ كِتَابٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى اَلْحَارِثِ اَلْهَمْدَانِيِّ: ... وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْفُسَّاقِ فَإِنَّ اَلشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَ وَقِّرِ اَللَّهَ وَ أَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ» [٢١٨]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: لاَ تَكُونُ اَلصَّدَاقَةُ إِلاَّ بِحُدُودِهَا فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ هَذِهِ اَلْحُدُودُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَانْسُبْهُ إِلَى اَلصَّدَاقَةِ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَلاَ تَنْسُبْهُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ اَلصَّدَاقَةِ فَأَوَّلُهَا أَنْ تَكُونَ سَرِيرَتُهُ وَ عَلاَنِيَتُهُ لَكَ وَاحِدَةً وَ اَلثَّانِي أَنْ يَرَى زَيْنَكَ زَيْنَهُ وَ شَيْنَكَ شَيْنَهُ وَ اَلثَّالِثَةُ أَنْ لاَ تُغَيِّرَهُ عَلَيْكَ وِلاَيَةٌ وَ لاَ مَالٌ وَ اَلرَّابِعَةُ أَنْ لاَ يَمْنَعَكَ شَيْئاً تَنَالُهُ مَقْدُرَتُهُ وَ اَلْخَامِسَةُ وَ هِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ اَلْخِصَالَ أَنْ لاَ يُسْلِمَكَ عِنْدَ اَلنَّكَبَاتِ» [٢١٩]
- «وَ وَفِّقْنِي لِلتُّقَى وَ صُحْبَةِ اَلْأَبْرَارِ» [٢٢٠]
- «اَللَّهُمَّ وَفِّقْنِي فِيهِ لِمُوَافَقَةِ اَلْأَبْرَارِ وَ جَنِّبْنِي فِيهِ مُرَافَقَةَ اَلْأَشْرَارِ» [٢٢١]
- «وَ لاَ تَحْرِمْنِي صُحْبَةَ اَلْأَخْيَارِ» [٢٢٢]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ قَالَ قَالَ لِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمَا: يَا بُنَيَّ اُنْظُرْ خَمْسَةً فَلاَ تُصَاحِبْهُمْ وَ لاَ تُحَادِثْهُمْ وَ لاَ تُرَافِقْهُمْ فِي طَرِيقٍ فَقُلْتُ يَا أَبَتِ مَنْ هُمْ عَرِّفْنِيهِمْ قَالَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْكَذَّابِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اَلسَّرَابِ يُقَرِّبُ لَكَ اَلْبَعِيدَ وَ يُبَعِّدُ لَكَ اَلْقَرِيبَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْفَاسِقِ فَإِنَّهُ بَائِعُكَ بِأُكْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْقَاطِعِ لِرَحِمِهِ فَإِنِّي وَجَدْتُهُ مَلْعُوناً فِي كِتَابِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾[٢٢٣] وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾[٢٢٤] وَ قَالَ فِي اَلْبَقَرَةِ: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[٢٢٥]»[٢٢٦]
- «عَنْ سُلَيْمَانَ اَلْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ لِأَبِي: مَا لِي رَأَيْتُكَ عِنْدَ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ أَنَّهُ خَالِي فَقَالَ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّهُ يَقُولُ فِي اَللَّهِ قَوْلاً عَظِيماً يَصِفُ اَللَّهَ تَعَالَى وَ يَحُدُّهُ وَ اَللَّهِ لاَ يُوصَفُ فَإِمَّا جَلَسْتَ مَعَهُ وَ تَرَكْتَنَا أَوْ جَلَسْتَ مَعَنَا وَ تَرَكْتَهُ فَقَالَ إِنْ هُوَ يَقُولُ مَا شَاءَ أَيُّ شَيْءٍ عَلَيَّ مِنْهُ إِذَا لَمْ أَقُلْ مَا يَقُولُ فَقَالَ لَهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَ مَا تَخَافُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ نِقْمَةٌ فَتُصِيبَكُمْ جَمِيعاً أَ مَا عَلِمْتَ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ فَلَمَّا أُلْحِقَتْ خَيْلُ فِرْعَوْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ تَخَلَّفَ عَنْهُ لِيَعِظَهُ وَ يُدْرِكَهُ مُوسَى وَ أَبُوهُ يُرَاغِمُهُ حَتَّى بَلَغَا طَرَفَ اَلْبَحْرِ فَغَرِقَا جَمِيعاً فَأَتَى مُوسَى اَلْخَبَرُ فَسَأَلَ جَبْرَئِيلَ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ [لَهُ] غَرِقَ رَحِمَهُ اَللَّهُ وَ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْيِ أَبِيهِ وَ لَكِنَّ اَلنِّقْمَةَ إِذَا نَزَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَمَّا قَارَبَ اَلذَّنْبَ دِفَاعٌ» [٢٢٧].[٢٢٨]
العبرة من السّير والتّاريخ
قد اكّد القرآن على السّير في التاريخ والاعتبار من حال الماضين، فالقرآن مضافاً إلى الامر بذلك فيما يزيد على عشرة مواضع قد حكى قصصاً من حال الماضين ولعلّ ثلث القرآن يكون في ذلك وفي غالب تلك القصص أمر بالاعتبار منهم. فبعد ذلك يفهم ان هذا الامر مهمّ لتهذيب النّفس جدّاً، وكذلك للتخلّق بالفضائل وبملكة التّقوى. وبالجملة انّ هذا الامر في الأخلاق والأخلاقيّات ولو لم يكن اهمّ الأمورو أجود الطّرق فلا اقلّ انّه من الأمورالهامّة.
الا ترى انّ التنزيل حكى في سورة يوسف انّ اخوته حيث ركّزوا على قولهم: ﴿لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[٢٢٩] فعلوا ما فعلوا من الذّنوب العظام من إرادة قتله، والقائهم ايّاه في غيابة الجبّ، وشرائه بثمن بخس، ومن نسبة الضّلالابيه مع علمهم بانّه نبيّ الله، ونسبة السّرقة إلى يوسف مع علمهم بانّه كذب. فيفهم انّ الكبر والحسد ونحوهما مع علم المتكبّر الحسود بواقع الامر يوجب الضّلالة.
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[٢٣٠]
ثمّ نقل قصّة امرأة العزيز، مشيراً إلى ما هُيّء لها من البعل والرّئاسة والمال والجمال بل وكلّ ما كان يتمنّاه أقرانها ولكنّ اتّباعها لهواها وشهوتها أسقطتها عن مقامها.
ثمّ نقل قصّة عفة يوسف وتقواه وصبره على المصائب وعفوه عن مسبّبها بحيث انّه قال لأبيه بعد أن لقاه: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾[٢٣١] فنسب الذنب إلى الشيطان وأبرىء اخوته منه.
فأعطاه الله عزّاً ليس لاحدٍ ان يحوزه إلّاباعطائه تعالى ايّاه. ثمّ قال تعالى حاكياً عن يوسف لاخوته: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[٢٣٢]
وجملة القول انّ الله تعالى في هذه السّورة يرتسم الكبر والحسد وما يترتّب عليهما من المفاسد، ويرتسم الفجور وعدم العفاف وما يترتّب عليه من الذّلّ، ويرتسم الفضائل والتّقوى وما يترتّب عليهما من العزّ والشّوكة، وفي آخر السّورة قال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[٢٣٣]
الا ترى انّ الذكر الحكيم بيّن بعث موسى وارساله (ع) إلى فرعون وملأه وإلى بني إسرائيل مع معجزات كثيرة باهرة ولكن لم يذعن له بنو إسرائيل فضلًا عن فرعون وملأه ظلماً وعلوّا حتّى اغرق الله فرعون وقومه، قال تعالى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾[٢٣٤].
وابتلى بني إسرائيل بواد التّيه أربعين سنة. قال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[٢٣٥]
وتفصيل ذلك انّ موسى (ع) بُعث إلى فرعون ومعه تسع آيات بيّنات. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾[٢٣٦] هنّ:
- تبدل عصاه بحيّة، قال تعالى: ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾[٢٣٧] وبهذه المعجزة امن سحرة فرعون، قال الله تعالى: ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾[٢٣٨]. ولكن فرعون لم يؤمن بل قال لهم: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾[٢٣٩]
- جعل يده بيضاء، قال تعالى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾[٢٤٠]
- جفاف الأرض والمجاعة.
- ونقص من الّثمرات، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾[٢٤١]. ولكنّهم لم يذّكّروا بل قال الله فيهم: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾[٢٤٢]
- ارسال الطوفان عليهم.
- ارسال الجراد عليهم.
- ارسال القمّل عليهم.
- ارسال الضفادع عليهم.
- ارسال الدّم عليهم.
قال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾[٢٤٣]
فالتجؤوا إلى موسى لكشف الرّجز فلمّا كشف عنهم الرّجز اذاهم ينكثون.
قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾[٢٤٤]
فالويل ثمّ الويل للاستكبار وحبّ الرّئاسة واللّجاج و... فهل يمكن الكفر مع هذه الآيات البيّنات؟
نعم: يمكن لمثل من امن بموسى من بني إسرائيل لانّه جاء لهم بمعجزات أخر ولكنّهم آذوه بما هو خارجٌ عن الطّاقة البشريَّة.
- فلق البحر، قال تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾[٢٤٥]
- اظلال الغمام عليهم، قال تعالى: ﴿ظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾[٢٤٦]
- نزول المنّ والسّلوى، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾[٢٤٧]
- تفجير الماء لهم من الحجر، قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾[٢٤٨]
- اظلال الجبل عليهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾[٢٤٩]
- احياء الموتى لهم، قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى﴾[٢٥٠]
ولكن كانوا يعتذرون ويتحركثون تارة فيقولون لن نصبر على طعام واحد، قال تعالى حكاية عنهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾[٢٥١]
وأخرى انّا لن ندخلها حينما امرهم بدخول الأرض المقدّسة، قال تعالى: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾[٢٥٢]
وثالثة استهزئوا بموسى بل الهه إذا امرهم ان يدخلوا الباب سجّداً واستغفروا الله.
قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾[٢٥٣]
فحُبسوا بوادي التّيه أربعين سنة، قال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[٢٥٤]
واخيراً ابتلاهم الله بالطّاعون، قال تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾[٢٥٥]
ولكن مع ذلك كلّه هل رجعوا عمّا كانوا عليه؟ لا! بل قال تعالى مخاطباً ايّاهم: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾[٢٥٦]
بل جعلوا العجل الهاً، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾[٢٥٧]
بل حكى الله عنهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[٢٥٨]
فهل شكروالله؟ لا بل فعلوا ما به استحقّوا قوله تعالى فيهم: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾[٢٥٩]
والحاصل انّ هذه الحكاية أعيدت في الذكر الحكيم مرّات، لانّها موجبة للعبرة. فقرائة تلك آلآيات مكرّراً والتّدبّر فيها تفيد انّ اللّجاج والعصبيّة والظّلم والطّغيان والعصيان، و... يمنع عن قبول الحّق ولو كان الحقّ ظاهراً مقارناً بالمعجزات الباهرات.
الا ترى انّ قارون كان من بنيإسرائيل وامن بموسى (ع) ويفهم من القرآن انّه كان عالماً وجيهاً عند النّاس. وهل ايمانه كان على الحقيقة أو النّفاق؟ فيه وجهان بل قولان، لانّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾[٢٦٠] ظاهر في كونه مؤمناً طاغياً وطغيانه بعد امره بالزّكوة. ولانّ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾[٢٦١] ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾[٢٦٢] ظاهر في كفره ونفاقه.
وعلى كلّ حال كان من الّذين عمى بالمال كما انّ فرعون وهامان عميا بالجاه. فكلّما كان ينصحه موسى ومن معه قائلين له: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[٢٦٣] يردّ عليهم بقوله: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾[٢٦٤].
فهو لترفه وفرحه وبغيه على قومه - حتّى روى: «انّه أراد الافك لموسى (ع) وفعل ولكنّه افتضح» وكان نفاقه بعد ايمانه -، أهلكه الله تعالى، قال: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾[٢٦٥].
فترى انّ حبّ المال كيف يوجب الشّقاء وعدم قبول الحقّ حتّى نسب الزّنا إلى النّبي موسى (ع) مع رؤيته من المعجزات الباهرات ما ظهر على يديه.
فهل يمكن أن يرى احدٌ بعينيه انّ عصا موسى (ع) صار حيّةً ثمّ عجز السّحرة عن مكافحته، كما رأى انّ البحر فلق بعصاه فعبر عنه بقومه وكانوا تحت ظلّ الغمام آكلين من المنّ والسلوى، ثمّ يريد الإفك به فينسب إليه الزنا؟ نعم، والقرآن يصدّقها كلّها ويفهمنا انّ الرّذيلة تسقط المرء حتّى تصيّره إلى أرذل الدّوابّ، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾[٢٦٦]
ونحن في ذيل هذا البحث نذكر آيات وروايات مرتبطةٍ بها تنبّهاً وتذكّراً..[٢٦٧]
آيات في العبرة من السّير والتأريخ
- ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلا لِلْآخِرِينَ﴾[٢٦٨]
- ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾[٢٦٩]
- ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[٢٧٠]
- ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾[٢٧١]
- ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[٢٧٢]
- ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾[٢٧٣]
- ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾[٢٧٤]..[٢٧٥]
روايات في العبرة من السير والتأريخ
- «أَوَ لَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الْآبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَ تَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ»[٢٧٦]
- «فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اَللَّهِ بِالْعِبَرِ اَلنَّوَافِعِ وَ اِعْتَبِرُوا بِالْآيِ اَلسَّوَاطِعِ» [٢٧٧]
- «فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ انْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ» [٢٧٨]
- «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اِعْتَبِرُوا بِمَا مَضَى مِنَ اَلدُّنْيَا هَلْ بَقِيَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ هَلْ فِيهَا بَاقٍ مِنَ اَلشَّرِيفِ وَ اَلْوَضِيعِ وَ اَلْغَنِيِّ وَ اَلْفَقِيرِ وَ اَلْوَلِيِّ وَ اَلْعَدُوِّ فَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْهَا بِمَا مَضَى أَشْبَهُ مِنَ اَلْمَاءِ بِالْمَاءِ»[٢٧٩]
- «عَنْ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ:... كُلُّ نَظَرٍ لَيْسَ فِيهِ اِعْتِبَارٌ فَهُوَ سَهْوٌ»[٢٨٠]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ عِبَادَةِ أَبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلتَّفَكُّرَ وَ اَلاِعْتِبَارَ»[٢٨١]
- «وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اَللَّدْمِ يَسْمَعُ اَلنَّاعِيَ وَ يَحْضُرُ اَلْبَاكِيَ ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ»[٢٨٢]
- «مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ، وَ أَقَلَّ الِاعْتِبَارَ» [٢٨٣]
- «إِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ»[٢٨٤]
- «أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَ أَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ» [٢٨٥]
- «فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَ صَوْلَاتِهِ»[٢٨٦]
- «فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ» [٢٨٧]
- دخل ابن السماك على الرشيد فقال له: عظني! ثم دعا بماء يشربه فقال له: ناشدتك الله، لو منعك الله من شربه ما كنت فاعلًا؟ قال: كنت افتديه بنصف ملكي. قال: فاشربه! فلمّا شرب قال: ناشدتك الله! لو منعك الله من خروجه ما كنت فاعلًا؟ قال كنت افتديه بنصف ملكي. قال: ملكاً يفتدي به شربة ماء بحليق إلّاينافس عليه»[٢٨٨]
- قال عبدالله بن عروة بن الزبير لابنه: «يا بنيّ عليك بالدين فانّ الدّنيا ما بنت شيئاً إلّا هدمه الدين وإذا بنى الدين شيئاً لم تستطع الدنيا هدمه. الا ترى علي بن أبي طالب وما يقول فيه خطباء بني اميّة من ذمّه وعيبته! والله لكانّما يأخذون بناصيته إلى السماء! الا ترى كيف يندبون موتاهم، ويرثيهم شعراؤهم، والله لكأنّما يندبون جيف الحُمُر! [٢٨٩]..[٢٩٠]
الحبّ في الله
من طرق تهذيب النّفس والتّخلّق بالفضائل بل ترك الرذائل وغالب المعاصي الكبيرة سيّما حقّ النّاس والاتيان بكثير من الواجبات سيّما الواجبات الماليّة هو الحبّ، لانّه من مهامّ الأمورفي منع الإنسان وردعه عن الرّذائل وفي حثّه على الاجتناب عن المحرّمات. كما انّها من مهامّ الأمورفي التّرغيب والتّحريص إلى غالب الواجبات.
الا ترى انّ الأب الرّئوف والامّ الرّئوفة وان كانا ذارذائل ولكنّهما يجتنبان عنها بالنّسبة إلى أولادهما؟.
الا ترى انّ الأخ الرّئوف لا يغتاب أخاه بل إذا سمع غيبته من أحدٍ يمنعه عنها.
الا ترى انّ الولد الرّئوف يفكر دائماً في سرور أبويه طلباً له؟.
الا ترى انّ الزّوجة الصّالحة لا ترضى ان تسمع معائب زوجه بل تكون بصدد تبريرها وسترها.
فهذه المحبّة لو جرت في المجتمع نظير جريان الدّم في الجسد تصلح غالب المفاسد وترفع غالب الرّذائل سيّما إذا كانت شديدة، بل تتبدّل غالب المفاسد إلى المصالح والرّذائل إلى الفضائل كالإيثار والعفو والصّفح، بل لا يرى المحبّ في مجتمعه إلّاالفضيلة.
حُكي انّ ليلى العامريّة اعدّت طعاماً ودعت المساكين إليه اداءً لنذرما. فأرسل مجنون انائه كي تصب فيه الطّعام. فلمّا عرفت ليلى انّ الاناء لقيس كسرته، وحينما علم قيس بالامر اخذ يرقّص فرحاً وهو يقول: ان كانت ليلى تميل إلى غيرى فلماذا كسرت انائى.
يوجب نقصان المحبّة قد منع عنه منعاً مؤكّداً.
الا ترى انّ الإسلام يقول: «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ: مَنْ أَصْبَحَ لاَ يَهْتَمُّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ». [٢٩١]
الا ترى انّ في سورة الماعون سلب الإسلام عمّن يمنع الماعون. والماعون هو حوائج الغير، فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾[٢٩٢]
الا ترى انّ الإسلام رغّب في رفع حوائج النّاس حتّى روي عن الصّادق (ع) عن النبيّ (ص) انّه قال: «عَنِ اِبْنِ عُلْوَانَ عَنِ اَلصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: وَ اَللَّهِ لَقَضَاءُ حَاجَةِ اَلْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَ اِعْتِكَافِهِ» [٢٩٣]
واظنّ انّ تلك التّهديدات وهذه المثوبات والتّرغيبات جاءت بعنوان ثانوىّ أي: انّها للتّرغيب والتحريص على ازدياد الحبّ في المجتمع. فالثّواب تفضّليّ والعقاب جعلىّ، يعني انّ الشّارع لولايته جعل تلك العقوبات الشّديدة لايجاد المحبّة ورفع ما يوجب رفعها وليست تلك العقوبات الشّديدة استحقاقيّة، كما لا تكون تلك المثوبات كذلك، بل كلّ من المثوبات والعقوبات جعلت لازياد المحبّة فتأمّل.
وينبغي ان نذكر في ختام البحث نكتةً وهي ورود رواياتٍ كثيرة في الحبّ في اللَّه والبغض في اللَّه نظراً إلى نكتة دقيقة وهي انّ الحبّ لو كان في غير اللَّه من الشّهوات النّفسانيّة والدّواعي الدّنيويّة فهو كسراب بقيعة يحسبه الظّمأن ماءً بينما انّه لا يقدر ان يكون سدّاً للرّذائل فضلًا عن أن يكون رافعاً لها، مضافاً إلى انّه رخوة تزول بأدنى عمل يخالف شهوته أو داعيه الدّنيوىّ.
فالمحبّة الّتي أصلها ثابت وفرعها الّذي يؤثي الّثمرة في السّماء هي المحبّة في الله تعالى، وإلّا فلذا يترائى من الإسلام انّ كلّ ما يوجب ازدياد الحبّ قد رغّب فيه ترغيباً وكلّ ما تكون كشجرة خبيثة اجتثّت فوق الأرض مالها من قرار.
وكذلك البغض، لانّ البغض الّذي يكون سدّاً لغالب المفاسد هو البغض في اللَّه الّذي تكون عروقه في القلب لا تقلع بحرف ما وتخيّل ما وشهوة ما، وإلّافهو من الأشجار الخبيثة ماله من قرار.[٢٩٤]
آيات في الحبّ في اللَّه
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾[٢٩٥]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[٢٩٦]
- ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾[٢٩٧]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾[٢٩٨]
- ﴿يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾[٢٩٩]
- ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[٣٠٠]
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[٣٠١]
- ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾[٣٠٢]
- ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[٣٠٣]
- ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[٣٠٤].[٣٠٥]
روايات في الحبّ في اللَّه
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَبْدَ اَللَّهِ أَحِبَّ فِي اَللَّهِ وَ أَبْغِضْ فِي اَللَّهِ وَ عَادِ فِي اَللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ تُنَالُ وَلاَيَةُ اَللَّهِ إِلاَّ بِذَلِكَ وَ لاَ يَجِدُ أَحَدٌ طَعْمَ اَلْإِيمَانِ وَ إِنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ وَ صِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ وَ قَدْ صَارَتْ مُوَاخَاةُ اَلنَّاسِ يَوْمَكُمْ هَذَا أَكْثَرُهَا فِي اَلدُّنْيَا عَلَيْهَا يَتَوَادُّونَ وَ عَلَيْهَا يَتَبَاغَضُونَ وَ ذَلِكَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اَللَّهِ شَيْئاً»[٣٠٦]
- «رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ سَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْلَةَ اَلْمِعْرَاجِ... يَا مُحَمَّدُ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَعَاطِفِينَ فِيَّ وَ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ وَ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيَّ وَ لَيْسَ لِمَحَبَّتِي عَلَمٌ وَ لاَ غَايَةٌ وَ لاَ نِهَايَةٌ»[٣٠٧]
- «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ يَبْلُغُ أَحَدُكُمْ حَقِيقَةَ اَلْإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ أَبْعَدَ اَلْخَلْقِ مِنْهُ فِي اَللَّهِ وَ يُبْغِضَ أَقْرَبَ اَلْخَلْقِ مِنْهُ فِي اَللَّهِ.»[٣٠٨]
- «عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ قَالَ: إِذَا جَمَعَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اَلْأَوَّلِينَ وَ اَلْآخِرِينَ قَامَ مُنَادٍ فَنَادَى يُسْمِعُ اَلنَّاسَ فَيَقُولُ أَيْنَ اَلْمُتَحَابُّونَ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ اَلنَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمُ اِذْهَبُوا إِلَى اَلْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ فَتَلَقَّاهُمُ اَلْمَلاَئِكَةُ فَيَقُولُونَ إِلَى أَيْنَ فَيَقُولُونَ إِلَى اَلْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَالَ فَيَقُولُونَ فَأَيُّ ضَرْبٍ أَنْتُمْ مِنَ اَلنَّاسِ فَيَقُولُونَ نَحْنُ اَلْمُتَحَابُّونَ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُولُونَ وَ أَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ قَالُوا كُنَّا نُحِبُّ فِي اَللَّهِ وَ نُبْغِضُ فِي اَللَّهِ قَالَ فَيَقُولُونَ نِعْمَ أَجْرُ اَلْعَامِلِينَ» [٣٠٩]
- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اَللَّهِ وَ يُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَفِيكَ خَيْرٌ وَ اَللَّهُ يُحِبُّكَ وَ إِنْ كَانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اَللَّهِ وَ يُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَفِيكَ شَرٌّ وَ اَللَّهُ يُبْغِضُكَ وَ اَلْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»[٣١٠]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَ أَبْغَضَ لِلَّهِ وَ أَعْطَى لِلَّهِ فَهُوَ مِمَّنْ كَمَلَ إِيمَانُهُ» [٣١١]
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: وُدُّ اَلْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي اَللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ اَلْإِيمَانِ أَلاَ وَ مَنْ أَحَبَّ فِي اَللَّهِ وَ أَبْغَضَ فِي اَللَّهِ وَ أَعْطَى فِي اَللَّهِ وَ مَنَعَ فِي اَللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَصْفِيَاءِ اَللَّهِ»[٣١٢]
- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ اَلْمُتَحَابِّينَ فِي اَللَّهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ قَدْ أَضَاءَ نُورُ وَجْهِهِمْ وَ نُورُ أَجْسَادِهِمْ وَ نُورُ مَنَابِرِهِمْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يُعْرَفُونَ بِهِ فَيُقَالُ هَؤُلاَءِ اَلْمُتَحَابُّونَ فِي اَللَّهِ»[٣١٣]
- «عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنِ اَلْحُبِّ وَ اَلْبُغْضِ أَ مِنَ اَلْإِيمَانِ هُوَ فَقَالَ وَ هَلِ اَلْإِيمَانُ إِلاَّ اَلْحُبُّ وَ اَلْبُغْضُ ثُمَّ تَأَوَّلَ هَذِهِ اَلْآيَةَ ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾[٣١٤]»[٣١٥]
- «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَحَبَّ رَجُلاً لِلَّهِ لَأَثَابَهُ اَللَّهُ عَلَى حُبِّهِ إِيَّاهُ وَ إِنْ كَانَ اَلْمَحْبُوبُ فِي عِلْمِ اَللَّهِ مِنْ أَهْلِ اَلنَّارِ، وَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَبْغَضَ رَجُلاً لِلَّهِ لَأَثَابَهُ اَللَّهُ عَلَى بُغْضِهِ وَ إِنْ كَانَ اَلْمُبْغَضُ فِي عِلْمِ اَللَّهِ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ»[٣١٦]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: إِنَّ اَلْمُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَأَفْضَلُهُمَا أَشَدُّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبِهِ»[٣١٧]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يُحِبَّ عَلَى اَلدِّينِ وَ لَمْ يُبْغِضْ عَلَى اَلدِّينِ فَلاَ دِينَ لَهُ.»[٣١٨]
- «عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلثَّالِثِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: لَمَّا كَلَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ... قَالَ: إِلَهِي فَمَا جَزَاءُ مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ طَاعَتِكَ قَالَ يَا مُوسَى أُحَرِّمُهُ عَلَى نَارِي» [٣١٩]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِأَصْحَابِهِ أَيُّ عُرَى اَلْإِيمَانِ أَوْثَقُ فَقَالُوا اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ اَلصَّلاَةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ اَلزَّكَاةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ اَلصِّيَامُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ اَلْحَجُّ وَ اَلْعُمْرَةُ وَ قَالَ بَعْضُهُمُ اَلْجِهَادُ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِكُلِّ مَا قُلْتُمْ فَضْلٌ وَ لَيْسَ بِهِ وَ لَكِنْ أَوْثَقُ عُرَى اَلْإِيمَانِ اَلْحُبُّ فِي اَللَّهِ وَ اَلْبُغْضُ فِي اَللَّهِ وَ تَوَالِي أَوْلِيَاءِ اَللَّهِ وَ اَلتَّبَرِّي مِنْ أَعْدَاءِ اَللَّهِ» [٣٢٠].[٣٢١]
الانذار والتّبشير
من سيرة الذكر الحكيم والأحاديث الصّادرة عن مصادر العصمة الانذار والتّبشير لاجراء ما حكما به، فكأنّ القرآن والرّوايات يريان انّ هذه القوّة أفضل القوى في الانفاذ ولااقلّ من أنّها من أفضلها فلذا ذكرت في آيات كثيرة كأنّها من سبل الأنبياء، قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾[٣٢٢] وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾[٣٢٣] ونظيرهما في القرآن كثير.
الا ترى انّ القرآن حينما بيّن حكماً بشّر بالمثوبة على القيام به كما رتّب العقوبة على تركه، وهذه السّيرة ظاهرة مشهودة في جميع الذكر من اوّله إلى آخره، وكذلك في الرّوايات.
فعلى سبيل المثال قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾[٣٢٤]
وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[٣٢٥]
وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[٣٢٦]
ونظير هذه الآيات كثير جداً.
فهذه آيات القرآن وعلى ذلك استقرّت سيرة علماء الأخلاق حيث يتابعونه في ذلك في غالب مباحثهم، فهم يبيّنوا مثلًا رذيلة الحسد وما يترتّب عليها من المفاسد الدّنيويّة والاخرويّة، ويبيّنوا مثلًا فضيلة السّخاء وما يترتّب عليها من المثوبات الدّنيويّة والاخرويّة. وغالباً يؤكّدون على ترتّب المثوبات والعقوبات على الفضائل والرذائل باستشهادهم بالآيات والرّوايات، وهذه سيرتهم ونعمت السّيرة هي لمن يكون له قلب.
فعليك ثمّ عليك بهذا الطّريق والقائه على نفسك والمداومة عليه حتّى يرسّخ الخوف والرّجاء في القلب فهما ملكتان تصدّ ان الإنسان عن الهوى ويحولان دونه، بل بالمداومة عليها تُغرَس شجرة الفضائل في القلب.
والبحث عن الخوف والرّجاء بحث اخلاقيّ يفيد السالك وسيأتي ان شاء اللَّه تعالى منّا في محلّه، وما لابدّ من أن نذكره هنا على سبيل الاجمال والتّنبّه هو انّ الخوف والرّجاء ككفّتي الميزان لا يجوز رجحان أحدهما على الاخر أو نقصانه عنه. فالرّجاء الزائد على الخوف يوجب الكسل في أمري الدنيا والآخرة، كما انّ الخوف الزائد على الرجاء يوجب اليأس عن خيرهما وكلاهما خسران الدّارين.
فهما معاً يوجبان زوال الرّذائل من الأخلاق والاخلاقيّات وتحصيل فضائلهما. وامّا أحدهما دون الاخر فلا فائدة فيه بل يضرّ ضرراً بالغاً.[٣٢٧]
آيات في الانذار والتبشير
- ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[٣٢٨]
- ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[٣٢٩]
- ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾[٣٣٠]
- ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾[٣٣١]
- ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾[٣٣٢]
- ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾[٣٣٣]
- ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[٣٣٤]
- ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾[٣٣٥]
- ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾[٣٣٦]
- ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾[٣٣٧]
- ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لّا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾[٣٣٨]
- ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[٣٣٩]
- ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[٣٤٠]
- ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[٣٤١]
- ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾[٣٤٢]
- ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾[٣٤٣]
- ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[٣٤٤].[٣٤٥]
الحبّ للَّه تعالى
هذا الطّريق أفضل الطّرق ولا شيء أعظم واجلى منه وإليه يرجع الأمر كلّه فلذا اهتمّ به القرآن وهمّ أهل القلوب وجهدهم لنفسهم ولتلاميذهم ليس إلّالترسيخ هذا الامر الهامّ وغرس هذه الشّجرة الطّيّبة في القلوب. والسّرّ في ذلك انّ هذا النّور لو نوّر القلب فيزيل عنه كلّ ظلمة، وهذا النّور الّذي هو اشرف من كلّ ملك لو ورد القلب فيخرج عنه كلّ شيطان. والبحث عنه يحتاج إلى افراد كتاب ونرجو التّوفيق في ذلك ولو وفّقنا الله تعالى له نجعله من مجلّدات هذا الأثر، ولكنّا نبحث عنه الآن على سبيل الاجمال.
ويقع البحث عنه في قسمين:
القسم الأوّل:
في تحصيله وهو وان كان من الله تعالى إلّاانّ له مقدّمات وتمهيدات علينا أن نمهّدها.
الف. التّدبّر في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وهو أعظم الطّرق فلذا يترائي من القرآن والرّوايات والأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع) الاهتمام بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
ويكفيك في ذلك اوّل سورة الحديد وآخر سورة الحشر، والتّدبّر في تلك الآيات يوجد الحبّ في القلب قهراً لانّ الإنسان طالب الحُسن ويطلب الحَسَن ويحبّ الحُسن ويحبّ الحَسَن بالفطرة، فإذا عرف الذّات الجامع للصّفات الحسنى ولقّن نفسه معانيها ورسّخها في قلبه تولدت محبّة ذلك الذات فيها.
ومن فوائد قراءة القرآن والتّدبّر فيه وقراءة الأدعية سيّما الآيات الواردة في ذلك كآياتٍ أشرنا إليها وكدعاء المباهلة الّذي اشتهر بدعاء السّحر هو تحقّق هذا الحبّ. فينبغي أن نكتب تلك الآيات هيهنا، وعليك بتلاوة دعاء المباهلة في مختلف الأوقات فضلًا عن اسحار ليالي رمضان المبارك.
قال الله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾[٣٤٦]
﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[٣٤٧]
ب. انّه محسن منعم على عباده بل على عوالم الوجود بشراشرها في الدّنيا والآخرة من غير استحقاقٍ منها.
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾[٣٤٨]
وقال تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[٣٤٩]
ونظير الآيتين في القرآن كثير فهو يعطى العباد في الدّارين النّعم الّتي لا يمكن احصائها، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا﴾[٣٥٠]
ج. انّه يقبل التّوبة عن عباده حتّى قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾[٣٥١]
بل وعد الله ان يبدّل السّيّئات بالحسنات فقال: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾[٣٥٢]
فالعبد مع استحقاقه العقوبة عقلًا يغفر الله له الذّنوب تفضّلًا بل يفرح من توبة عبده حتّى يبدّل السّيّئة حسنة.
د. المداومة على قراءة الدّعاء والقرآن، لانّهما مكالمة. فالدّعاء تكلّم العبد ربّه والقرآن بالعكس يعني مكالمة الرّب عبده. فلذا اطلق على الأوّل الكلام الصّاعد وعلى الثّاني الكلام النّازل.
والمكالمة توجب المحبّة ولعلّ من أسباب تأكيد القرآن عليهما يكون هو تحقّق هذا الامر اي ايجاد المحبّة من العبد للَّه تعالى.
وبعض آي الذّكر يعد فريداً من جهة التأكيد والتّلطّف. وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[٣٥٣] يكون كذلك من حيث التأكيد والتّلطّف، وضمير المتكلّم الّذي علامة التّلطّف كرّر في هذه الآية ثمان مرّات.
فالامر بالدّعاء مع هذه التأكيدات والتّلطّفات يدلّ على فوائد الدّعاء الّتي منها تكوين الحبّ في نفس القارئ.
وقوله تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾[٣٥٤] الّذي ينحصر في القرآن من جهة التأكيد الخاصّ يدلّ على انّ قراءة القرآن أمرٌ هامّ ومطلوب ومن نتائجه ايجاد المحبّة.
ه. الصلاة، وتأكيد الإسلام عليها على ما عبّر عنه الذكر بقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾[٣٥٥]
وقال: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾[٣٥٦]
ثم أمر بإعادتها في كلّ يوم ليلة فقال: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾[٣٥٧]
وأمر ايضاً بالقيام بالمقدور من نوافلها، قال الصّادق (ع): «.... مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ اَلْمَعْرِفَةِ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ اَلصَّلَوةِ» [٣٥٨] ونظيره كثير في ذلك الباب.
وأمر ايضاً بالاستعانة بها فقال: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾[٣٥٩]
عند أهل القلوب تكون الصّلوة سيراً إلى الله تعالى وفي الله تعالى ومن الله تعالى، فهي معراج.
فبالتّكبير يسير إلى الله تعالى، وسرّه ومعناه استصغار كلّ شيء والاعراض عنه والالتفات التامّ إليه تعالى. وبالقراءة يكون مع الله تعالى، فبقراءته يسمع كلام الله تعالى، وباذكاره يتكلّم مع الله تعالى. فيكون من اوّل الصّلوة إلى اخرها بأقواله وافعاله سير في الله تعالى. فبالسّلام يرجع من الله إلى غيره تعالى. مريداً في ذلك السّير - أي: السّير من الله إلى الخلق وفي الخلق - السّلم والأمان لنفسه من الخلق من الجنّة والنّاس ومن الحجب سيّما الظّلمانيّة منها ولغيره من رذائل نفسه.
وبعبارةٍ أخرى يكون السّلام سدّاً عن رجوعه من الوحدة إلى الكثرة، فيريد السّلم والأمان من تلك الكثرات وشرورها النّاشئة من نفسه لغيره أو لغيره من نفسه.
هذا غيض من فيض هذا المبحث العظيم، فنرجو ان يوفقّنا الله تعالى ان نفرد مجلّداً من مجلّدات هذا الكتاب بأسرار العبادات ان شاء الله تعالى.
وجملة القول هذه الصّلوة سرّ من اسرار الله وليست نعمة أعظم منها ومن يأت بها مع آدابها والتّوجّه إلى اسرارها يؤته الله ما هو أعظم منها وهو حبّه الّذي هو علّة لكلّ عبادة، قال تعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾[٣٦٠]
و. الخلوة مع الله تعالى. هذه الخلوة من آمال المحبّين وهي طريق إلى ايجاد الحبّ وللمحبّين طريق إلى تشديدها وليست لذّة لهم الذّ من هذه الّثمرة، فطوبى لهم وللَّه درّ من أنشد:
هنيئاً لأرباب النّعيم نعيمهم | وللعاشق المسكين ما يتجرّع |
والقرآن وعد للمصلّى فيها المقام المحمود وقال: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾[٣٦١]
ومن المصاديق التامّة للمقام المحمود هو الحبّ للَّهتعالى، بل لأهل القلوب لا مصداق له سواها، لانّ الذّ اللّذّات للمحبّين مناجاتهم مع الله تعالى وتكلّمهم ايّاه، والذّ منها تكلّم المحبوب معهم، والذّ منها الخلوة معه، والذّ منها دعوة المحبوب عنهم وتوجّهه إليهم واظهار الحبّ لكلامهم.
وهذه كلّها موجودة في صلاة اللّيل، لانّها مناجاتهم معه ومكالمته ايّاهم والخلوة معه وتوجّهه إليهم ودعوته ايّاهم واظهار المحبّة لتلك الصّلوة.
ز. الاهتمام بالواجبات والمندوبات والاجتناب عن المحرّمات والمكروهات والمشتبهات، ففي رواية معتبرة عن أبي جعفر (ع) قال: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ يَا رَبِّ مَا حَالُ اَلْمُؤْمِنِ عِنْدَكَ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَ أَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي وَ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ وَفَاةِ اَلْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ اَلْمَوْتَ وَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَ إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَنْ لاَ يُصْلِحُهُ إِلاَّ اَلْغِنَى وَ لَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ وَ إِنَّ مِنْ عِبَادِيَ اَلْمُؤْمِنِينَ مَنْ لاَ يُصْلِحُهُ إِلاَّ اَلْفَقْرُ وَ لَوْ صَرَفْتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ وَ مَا يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا اِفْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ إِذاً سَمْعَهُ اَلَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ اَلَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ لِسَانَهُ اَلَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ يَدَهُ اَلَّتِي يَبْطِشُ بِهَا إِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَ إِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ»[٣٦٢]
وللعلّامة المجلسي في مرآة العقول في ذيل هذه الرّواية الشّريفة كلامٌ في غاية الحسن، ونقل كلاماً من نصير الملّة والدّين الطوسي وهو ايضاً ما أحسنه، فينبغي ذكر الكلامين.
قال: «انّ العارف لمّا تخلّى عن شهواته وارادته وتجلّى محبّة الحقّ على عقله وروحه ومشاعره وفوّض جميع أموره إليه وسلّم ورضى بكلّ ما قضى ربّه عليه يصير الرّبّ سبحانه متصرّفاً في عقله وقلبه وقواه ويدبّر أموره على ما يحبّه ويرضاه، فيريد الأشياء بمشيّة مولاه كما قال سبحانه مخاطباً لهم: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾[٣٦٣] وكما ورد في تأويل هذه الآية في غوامض الاخبار عن معادن الحكم والاسرار والائمّة الأخيار.
وكذلك يتصرّف ربّه الاعلى منه على سائر الجوارح والقوى كما قال سبحانه مخاطباً لنبيّه (ص): ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾[٣٦٤] وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[٣٦٥]
فلذلك صارت طاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله فاتّضح بذلك معنى قوله تعالى: «كُنْتُ سَمْعَهُ اَلَّذِي يَسْمَعُ بِهِ». وهكذا سائر المشاعر يدرك بنوره ويتيسّر بتيسره وتدبيره، كما قال سبحانه ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾[٣٦٦].[٣٦٧]
وقال المحقّق الطّوسى: «انّ العارف إذا النقطع عن نفسه واتّصل بالحقّ رأى كلّ قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات، وكلّ علم مستغرق في علمه الّذي لا يعزب عنه شيء من الموجودات، وكلّ إرادة مستغرقة في ارادته الّتي لا يتأبّى عنها شيء من الممكنات، بل كلّ وجود وكلّ كمال وجود صادر عنه فائض من لدنه، فصار الحق حينئذٍ بصره الّذي يبصر به وسمعه الّذي يسمع به وقدرته الّتي بها يفعل وعلمه الّذي به يعلم وجوده الّذي به يجود فصار العارف حينئذٍ متخلّقاً باخلاق الله في الحقيقة»[٣٦٨]
هذه نبذة من القسم الاوّل.
القسم الثّاني:
في تبيين فوائد هذه النّعمة العظمى الّتي هي من أعظم النّعم، ولولا فائدة تترتّب عليها اصلًا يكفي في فضلها وجودها ونفسها، لأنّها الذّ الأشياء وقرّة عين العارفين، بها ينعم المقرّبون في الدّارين وليست لهم نعمة سواها فهنيئاً لهم، فبها يسكرون يوم القيمة إلى الأبد وبها يستكملون هناك وسيرهم من الحقّ في الحقّ هناك، بل في هذه الدّنيا ايضاً بتلك الشّجرة الطيّبة الآتي صلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتى اكلها كلّ حين باذن ربّها.
ما نحن وهذه المباحث؟ ما لنا ولهذه المسطورات الشامخة؟ فانّا لسنا لائقين لكتابتها وكانت من باب الإعادة فقط، فهي أسرارٌ تختصّ بأهل الله تعالى الهى أنت تعلم انّا نحبّ هذه الاسرار ونلتذّ بمذاكرتها وان كنّا من الاغيار فنسئلك بحق اشرف العارفين محمّد وآله الطّاهرين صلواتك عليهم أجمعين ان تذيقنا قطرة من ذلك الماء المعين.
فالأليق بحالنا وكتابنا حالياً ان نذكر بعض فوائد تلك النّعمة اللّطيفة:
١. يحرق بها جميع الرّذائل وهي تقلع عروقها وتغرس في القلب شّجرة الفضائل الطّيّبة مع أغصانها. قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾[٣٦٩]
فهذه الآية تدل على انّ حبّ الله إذا أريق في القلب يزيل محبّة ما سواه، فليس في القلب غيره ديّار حتّى غير الرّذائل فضلًا عنها.
وبهذا التّقريب يقرب قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[٣٧٠]
٢. حصول مقام الذكر على الدوام وهو من أفضل النّعم، لانّه تعالى وعد في كتابه ان يرفع صاحب هذه النّعمة.
قال تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ﴾[٣٧١]
فهو يرى نفسه دائماً بحضرة الحقّ تعالى.
٣. لو كان ذلك الحبّ شديداً فلاتصدر من صاحبه معصية، والمخالفة والمحبّة ضدّان لا يجتمعان.
٤. ليس لصاحبه شيء الذّ من العبادة، بدنيّة كانت أو ماليّة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[٣٧٢]
٥. حصول الخلوص له الّذي يكون من أفضل الفضائل وله قدر ومنزلة عند أهله، وكلّ عمل يقبل به، فما لايتصبّغ بصبغه لا قيمة ولا ثمن له ولو كان بحسب الظّاهر عظيماً، ولو لم تكن فائدة للحبّ غير هذه الفائدة ليكفيك اهتماماً بشأنها.
وحيث انّ الحبّ مقولٌ بالتّشكيك وله مراتب حتّى عدّت أزيد من العشرة، وعدّ العشق المشتهر بين العارفين من ثالث المراتب، فمراتب الخلوص ايضاً كذلك. فكلّما زادت المحبّة زاد الخلوص حتّى يصل صاحبه إلى مقامٍ يصحّ فيه ان يدّعى: ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك بل وجدتك اهلًا للعبادة فعبدتك.
٦. حصول مقام التّسليم والرّضا له. وهذا المقام ايضاً من مقولة التّشكيك فيزداد بازدياد الحبّ حتّى يصل الإنسان إلى مرتبةٍ لا يرى البلاء بلاءً، بل يراها من الطاف الحقّ خفيّة أو جليّة، بل اللّطف الخفيّ له الذّ من اللّطف الجليّ.
نقل انّ السيّدة زينب عليها السلام عقيلة بنيهاشمٍ قالت لأبن زياد في ذلك المجلس الّذي يشقّق يشقّق ويذوب فيه القلب: «مَا رَأَيْتُ إِلاَّ جَمِيلاً» [٣٧٣]
٧. يرى عمله ولو كان عظيماً بحسب الظاهر قليلًا بحسب الواقع فيكون خجلًا دائماً ويرى ذلك العمل غير لائق لساحة المحبوب، ولكن ما يرى من المحبوب من لطف ولو كان قليلًا بحسب الظاهر في غاية العظمة بحسب الواقع فبه يكون خجلًا دائماً ايضاً.
كما انّه لو صدرت عنه معصية ولو كانت من التّنزيهيّات أو الارشاديّات ولم تكن من المحرّمات يراها عظيماً، بل يرى الالتفات إلى غير المحبوب من الكبائر فيبكى عليه بكاءً ويستغفر مراراً.
وهذا هو السّرّ في بكاء النّبيّ والائّمة (ع) ونسبتهم المعاصي إلى أنفسهم. نعم التّوجّهغير الله منهم من أكبر الكبائر لهم عند من ذاق حلاوة المحبّة، فلذا حلّ هذه الغوامض العرفانيّة والمعارف الإسلاميّة لأهل القلوب في غاية السّهولة وليس عليهم صعب اصلًا.
٨. تحصيل محبّة خلق الله، لانّ من احبّ شيئاً احبّ آثاره. ونظير هذا شعراً ونثراً، عربيّاً وعجميّاً كثير في كلمات المحبّين وأجود من أقوالهم الأعمال النّاشئة منهم.
قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾[٣٧٤]
٩. حصول كثير من الحالات العرفانيّة الّتي الفوز بواحدٍ منها يُعدّ فوزاً عظيماً، كحال الخضوع والخشوع والتفكّر والتّدبّر والعبادة والدّعاء والإنابة، لانّ المحبّ له أن يدّعى ويقول: «اَلرَّكْعَتَانِ فِي جَوْفِ اَللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اَلدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا»[٣٧٥] ويقول: «وَ اَللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ اَلْأَقَالِيمَ اَلسَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اَللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ لَمَا فَعَلْتُهُ»[٣٧٦]
١٠. يكون قلبه عرش الرّحمن فيحكم عليه الرّحمن لا سواه، وهذا اوّل مراتب اللّقاء.
قال سيّد شهداء الأوّلين والآخرين الحسين (ع) في دعاء عرفة: «أَنْتَ اَلَّذِي أَزَلْتَ اَلْأَغْيَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ» [٣٧٧]
هذه عشرة كاملة وهذه باب يفتح عنه الف باب وعين يفجر عنها الف عين.
فكلّ من هذه العشرة يترتّب عليه آثار في الدّنيا والآخرة رزقنا الله تعالى وايّاكم جرعة من ذلك الشّراب المعين.[٣٧٨]
آيات في حبّ الله
- ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[٣٧٩]
- ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[٣٨٠]
- ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[٣٨١].[٣٨٢]
روايات في حبّ الله
- «عَنْ سَعْدٍ عَنِ اِبْنِ أَبِي اَلْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ اَلْمُفَضَّلِ قَالَ سَمِعْتُ مَوْلاَيَ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَقُولُ: كَانَ فِيمَا نَاجَى اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنْ قَالَ لَهُ يَا اِبْنَ عِمْرَانَ كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اَللَّيْلُ نَامَ عَنِّي أَ لَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ هَا أَنَا ذَا يَا اِبْنَ عِمْرَانَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اَللَّيْلُ حَوَّلْتُ أَبْصَارَهُمْ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ مَثَّلْتُ عُقُوبَتِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ يُخَاطِبُونِّي عَنِ اَلْمُشَاهَدَةِ وَ يُكَلِّمُونِّي عَنِ اَلْحُضُورِ يَا اِبْنَ عِمْرَانَ هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ اَلْخُشُوعَ وَ مِنْ بَدَنِكَ اَلْخُضُوعَ وَ مِنْ عَيْنَيْكَ اَلدُّمُوعَ فِي ظُلَمِ اَللَّيْلِ وَ اُدْعُنِي فَإِنَّكَ تَجِدُنِي قَرِيباً مُجِيباً»[٣٨٣]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: اَلْعِبَادَةُ ثَلاَثَةٌ: قَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَوْفاً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ، وَ قَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى طَلَباً لِلثَّوَابِ فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأُجَرَاءُ، وَ قَوْمٌ عَبَدُوا اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حُبّاً لَهُ فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ، وَ هِيَ أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ»[٣٨٤]
- «رَوَى اَلْحُسَيْنُ بْنُ سَيْفٍ صَاحِبُ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي كِتَابٍ أَصْلُهُ اَلَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لاَ يُمَحِّضُ رَجُلٌ اَلْإِيمَانَ بِاللهِ حَتَّى يَكُونَ اَللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ مِنَ اَلنَّاسِ كُلِّهِمْ» [٣٨٥]
- «عَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اَلْقَلْبُ حَرَمُ اَللَّهِ فَلاَ تُسْكِنْ حَرَمَ اَللَّهِ غَيْرَ اَللَّهِ.» [٣٨٦]
- «عَنِ اَلرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أَوْحَى عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَجِيِّهِ مُوسَى أَحْبِبْنِي وَ حَبِّبْنِي إِلَى خَلْقِي قَالَ رَبِّ هَذَا أُحِبُّكَ فَكَيْفَ أُحَبِّبُكَ إِلَى خَلْقِكَ قَالَ اُذْكُرْ لَهُمْ نَعْمَايَ عَلَيْهِمْ وَ بَلاَئِي عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُمْ لاَ يَذْكُرُونَ أَوْ لاَ يَعْرِفُونَ مِنِّي إِلاَّ كُلَّ اَلْخَيْرِ» [٣٨٧]
- «عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: قَالَ اَللَّهُ مَا تَحَبَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا اِفْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ اَلَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ اَلَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ لِسَانَهُ اَلَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ يَدَهُ اَلَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَ رِجْلَهُ اَلَّتِي يَمْشِي بِهَا إِذَا دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَ إِذَا سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ» [٣٨٨]
- «قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: حُبُّ اَللَّهِ إِذَا أَضَاءَ عَلَى سِرِّ عَبْدٍ أَخْلاَهُ عَنْ كُلِّ شَاغِلٍ وَ كُلِّ ذِكْرٍ سِوَى اَللَّهِ عِنْدَ ظُلْمَةٍ وَ اَلْمُحِبُّ أَخْلَصُ اَلنَّاسِ سِرّاً لِلَّهِ وَ أَصْدَقُهُمْ قَوْلاً وَ أَوْفَاهُمْ عَهْداً وَ أَزْكَاهُمْ عَمَلاً وَ أَصْفَاهُمْ ذِكْراً وَ أَعْبَدُهُمْ نَفْساً تَتَبَاهَى اَلْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ مُنَاجَاتِهِ وَ تَفْتَخِرُ بِرُؤْيَتِهِ وَ بِهِ يَعْمُرُ اَللَّهُ تَعَالَى بِلاَدَهُ وَ بِكَرَامَتِهِ يُكْرِمُ عِبَادَهُ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوا بِحَقِّهِ وَ يَدْفَعُ عَنْهُمُ اَلْبَلاَيَا بِرَحْمَتِهِ فَلَوْ عَلِمَ اَلْخَلْقُ مَا مَحَلُّهُ عِنْدَ اَللَّهِ وَ مَنْزِلَتُهُ لَدَيْهِ مَا تَقَرَّبُوا إِلَى اَللَّهِ إِلاَّ بِتُرَابِ قَدَمَيْهِ» [٣٨٩]
- «فِي أَخْبَارِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا دَاوُدُ أَبْلِغْ أَهْلَ أَرْضِي أَنِّي حَبِيبُ مَنْ أَحَبَّنِي وَ جَلِيسُ مَنْ جَالَسَنِي وَ مُونِسٌ لِمَنْ أَنِسَ بِذِكْرِي وَ صَاحِبٌ لِمَنْ صَاحَبَنِي وَ مُخْتَارٌ لِمَنِ اِخْتَارَنِي وَ مُطِيعٌ لِمَنْ أَطَاعَنِي مَا أَحَبَّنِي أَحَدٌ أَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِيناً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ قَبِلْتُهُ لِنَفْسِي وَ أَحْبَبْتُهُ حُبّاً لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِي مَنْ طَلَبَنِي بِالْحَقِّ وَجَدَنِي وَ مَنْ طَلَبَ غَيْرِي لَمْ يَجِدْنِي» [٣٩٠]
- «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: بَكَى شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ حُبِّ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّى عَمِيَ فَرَدَّ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَمِيَ فَرَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ ثُمَّ بَكَى حَتَّى عَمِيَ فَرَدَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَلَمَّا كَانَتِ اَلرَّابِعَةُ أَوْحَى اَللَّهُ إِلَيْهِ يَا شُعَيْبُ إِلَى مَتَى يَكُونُ هَذَا أَبَداً مِنْكَ إِنْ يَكُنْ هَذَا خَوْفاً مِنَ اَلنَّارِ فَقَدْ آجَرْتُكَ - وَ إِنْ يَكُنْ شَوْقاً إِلَى اَلْجَنَّةِ فَقَدْ أَبَحْتُكَ فَقَالَ إِلَهِي وَ سَيِّدِي أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي مَا بَكَيْتُ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لاَ شَوْقاً إِلَى جَنَّتِكَ وَ لَكِنْ عَقَدَ حُبُّكَ عَلَى قَلْبِي فَلَسْتُ أَصْبِرُ أَوْ أَرَاكَ فَأَوْحَى اَللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ إِلَيْهِ أَمَّا إِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَمِنْ أَجْلِ هَذَا سَأُخْدِمُكَ كَلِيمِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ» [٣٩١].[٣٩٢]
أدعية في حبّ الله
- «يَا إِلَهِي وَ سَيِّدِي وَ مَوْلاَيَ وَ رَبِّي - صَبَرْتُ عَلَى عَذَابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ؟!» [٣٩٣]
- «وَ اِجْعَلْ لِسَانِي بِذِكْرِكَ لَهِجاً، وَ قَلْبِي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً» [٣٩٤]
- «يَا مَوْلاَيَ بِذِكْرِكَ عَاشَ قَلْبِي وَ بِمُنَاجَاتِكَ بَرَّدْتُ أَلَمَ اَلْخَوْفِ عَنِّي» [٣٩٥]
- «لَئِنْ أَدْخَلْتَنِي اَلنَّارَ لَأُخْبِرَنَّ أَهْلَ اَلنَّارِ بِحُبِّي إِيَّاكَ» [٣٩٦]
- «اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَمْلَأَ قَلْبِي حُبّاً لَكَ وَ خَشْيَةً مِنْكَ وَ تَصْدِيقاً لَكَ وَ إِيمَاناً بِكَ [ بِكِتَابِكَ ] وَ فَرَقاً مِنْكَ وَ شَوْقاً إِلَيْكَ» [٣٩٧]
- «إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ اَلاِنْقِطَاعِ إِلَيْكَ وَ أَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ اَلْعَظَمَةِ وَ تَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ» [٣٩٨]
- «أَنْتَ اَلَّذِي أَشْرَقْتَ اَلْأَنْوَارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَ وَحَّدُوكَ وَ أَنْتَ اَلَّذِي أَزَلْتَ اَلْأَغْيَارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِوَاكَ وَ لَمْ يَلْجَئُوا إِلَى غَيْرِكَ أَنْتَ اَلْمُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ اَلْعَوَالِمُ وَ أَنْتَ اَلَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اِسْتَبَانَتْ لَهُمُ اَلْمَعَالِمُ مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَ مَا اَلَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ» [٣٩٩]
- «لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً وَ لَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَ أَنْتَ مَا قَطَعْتَ اَلْإِحْسَانَ وَ كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَ أَنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ اَلاِمْتِنَانِ يَا مَنْ أَذَاقَ أَحِبَّاءَهُ حَلاَوَةَ اَلْمُؤَانَسَةِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ» [٤٠٠]
- «اَللَّهُمَّ إِنَّ قُلُوبَ اَلْمُخْبِتِينَ إِلَيْكَ وَالِهَةٌ وَ سُبُلَ اَلرَّاغِبِينَ إِلَيْكَ شَارِعَةٌ وَ أَعْلاَمَ اَلْقَاصِدِينَ إِلَيْكَ وَاضِحَةٌ وَ أَفْئِدَةَ اَلْعَارِفِينَ مِنْكَ فَارِغَةٌ [فَازِعَةٌ]» [٤٠١]
- «إِلَهِي مَنْ ذَا اَلَّذِي ذَاقَ حَلاَوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرَامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَ مَنْ ذَا اَلَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلاً، إِلَهِي فَاجْعَلْنَا مِمَّنِ اِصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَ وَلاَيَتِكَ وَ أَخْلَصْتَهُ لِوُدِّكَ وَ مَحَبَّتِكَ، وَ شَوَّقْتَهُ إِلَى لِقَائِكَ وَ رَضَّيْتَهُ بِقَضَائِكَ، وَ مَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَ حَبَوْتَهُ بِرِضَاكَ وَ أَعَذْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَ قِلاَكَ، وَ بَوَّأْتَهُ مَقْعَدَ اَلصِّدْقِ فِي جِوَارِكَ وَ خَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِكَ وَ أَهَّلْتَهُ بِعِبَادَتِكَ، وَ هَيَمْتَ قَلْبَهُ لِإِرَادَتِكَ، وَ اِجْتَبَيْتَهُ لِمُشَاهَدَتِكَ وَ أَخْلَيْتَ وَجْهَهُ لَكَ، وَ فَرَّغْتَ فُؤَادَهُ لِحُبِّكَ وَ رَغَّبْتَهُ فِيمَا عِنْدَكَ، وَ أَلْهَمْتَهُ ذِكْرَكَ وَ أَوْزَعْتَهُ شُكْرَكَ، وَ شَغَلْتَهُ بِطَاعَتِكَ وَ صَيَّرْتَهُ مِنْ صَالِحِي بَرِيَّتِكَ، وَ اِخْتَرْتَهُ لِمُنَاجَاتِكَ وَ قَطَعْتَ عَنْهُ كُلَّ شَيْءٍ يَقْطَعُهُ عَنْكَ، اَللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ اَلاِرْتِيَاحُ إِلَيْكَ وَ اَلْحَنِينُ، وَ دَهْرُهُمُ اَلزَّفْرَةُ وَ اَلْأَنِينُ، جِبَاهُهُمْ سَاجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ وَ عُيُونُهُمْ سَاهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَ دُمُوعُهُمْ سَائِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ وَ قُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَ أَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهَابَتِكَ، يَا مَنْ أَنْوَارُ قُدْسِهِ لِأَبْصَارِ مُحِبِّيهِ رَائِقَةٌ، وَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عَارِفِيهِ شَائِفَةٌ، يَا مُنَى قُلُوبِ اَلْمُشْتَاقِينَ وَ يَا غَايَةَ آمَالِ اَلْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَ حُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَ حُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلَى قُرْبِكَ، وَ أَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاكَ، وَ أَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيَّاكَ قَائِداً إِلَى رِضْوَانِكَ، وَ شَوْقِي إِلَيْكَ ذَائِداً عَنْ عِصْيَانِكَ» [٤٠٢].[٤٠٣]
أقوال في حبّ الله
- اعلم انّ الامّة مجمعة على انّ الحبّ للَّه عزّوجلّ ولرسوله فرض، ولن يفترض ما لا وجود له، وكيف يفسّر الحبّ بالطّاعة والطّاعة تبغ الحبّ وثمرته، فلابدّ ان يتقدم الحبّ ثمّ بعد ذلك يطيع من احبّ، فمن شواهد الشّرع في حبّ الله عزّوجلّ قوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[٤٠٤] وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[٤٠٥]. وهو دليل على إثبات الحبّ للَّه وإثبات التّفاوت فيه. وقد جعل النبيّ (ص) الحبّ للَّه من شروط الإيمان في أخبار كثيرة إذ قال أبو رزين العقيلي: «يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلْإِيمَانُ قَالَ أَنْ يَكُونَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا» وفي حديث آخر: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا»[٤٠٦]
- وانّ من احبّ غير الله لا من حيث نسبته إلى الله فذلك لجهله وقصوره وفي معرفة الله تعالى. وحبّ الرّسول محمود، لأنه عين حبّ الله وكذا حبّ العلماء والأتقياء، لأنّ محبوب المحبوب محبوب، ورسول المحبوب محبوب، ومحبّ المحبوب محبوب، وكلّ ذلك يرجع إلى حبّ الأصل فلا يجاوزه إلى غيره. فلا محبوب بالحقيقة عند ذوى البصائر إلّاالله ولا مستحق للمحبّة سواه. [٤٠٧]
- وهذه المحبّة (الشهود التّام) نهاية درجات العشق وغاية الكمال المتصورّة لنوع الإنسان وذروة مقامات الواصلين وغاية مراتب الكاملين، فما بعدها مقام إلّاو هو ثمرة من ثمراتها كالانس والرّضا والتوحيد، ولا قبلها مقام إلّاو هو مقدمة من مقدماتها كالصبر والزهد وسائر المقامات. وهذا العشق هو الّذي افرط العرفاء وأرباب الذوق في مدحه وبالغوافي الثناء عليه.... وصراحوا بانّه غاية الاتحاد والكمال المطلق ولاكمال إلّاهو ولا سعادة إلّابه. [٤٠٨]
- وامّا السبب الأوّل اعني محبة النّفس فمعلوم ان وجود كلّ أحد فرع لوجود ربّه وظلّ له ولا وجود له من ذاته بل هو من حيث ذاته ليس محض وعدم صرف، فوجوده ودوام وجوده وكمال وجوده من الله وبالله وإلى الله، فهو الموجد المخترع له وهو المبقى له وهو المكمل لوجوده.... فهو صرف العدم لولا فضل الله عليه.... فليس في الوجود شيء له قوام بنفسه إلّاالقيوم المطلق الّذي هو قائم بذاته.... وكيف يتصوّر ان يحب الإنسان نفسه ولا يحبّ ربّه الّذي به قوام نفسه؟ مع انّ من احبّ الظّل احبّ بالضّرورة الأشجار الّتي بها قوام الظّل.... وكلّ ما في الوجود بالإضافة إلى قدرة الله تعالى كالظّل بالإضافة إلى الشّجر.... إذا الكلّ من آثار قدرته وجوده تابع لوجوده.... بل هذا المثال انّما هو للتّفهمّ وبالإضافة إلى أوهام العوام حيث يتوهمّون انّ الظّل والنّور تابعان للشّخص والشّمس.... وعند التّحقيق ليس الظّلّ والنّور اثرين للشّخص والشّمس وموجودين بهما بل هما فايضان من الله تعالى موجودان به بعد حصول الشّرايط كما انّ أصل الشّخص والشّمس وشكلهما وصورتهما.... منه تعالى. [٤٠٩]
- قال السيّد ابن طاووس في وصيته لأبنه: واعلم انّك على التّحقيق ملكه وما في يدك ملكه وهو احقّ بحفظ ملكه منك ولكنّه شرّفك بان جعلك اهلًا ان تودعه وتجعله كالوكيل لك والنّائب عندك وبلغك مقاماً جليلًا كما قال (لجدّك وسيّدك) رسوله (ص): واتخذوه وكيلًا.
وتذكّر كيف أنت يا ولدي محمّد معطل بالنّوم عن خدمته، وهو جلّ جلاله بلسان الحال يخدمك بيد رحمته في امساك وامساك وجودك وحياتك وعافيتك وكلّما تحتاج إليه من حفظ العيال والأموال والأمان وترويحك في الصّيف بالهواء وتمكينك في الشّتاء من الدّفاع، وكيف يتولّى لتغيير الغذاء في الاغضاء، وكيف يحفظ سمعك وبصرك وجميع جوارحك ويتهيّئلك النّوم جميع مصالحك وبعيد عليك كلّما ذهب بالنّوم من فوائدك وجميع فوائدك، فلو فعل هذا معلك أو بعضه بعض الادميّين أما كنت تعرف له حقّ ذلك أحسن الاعتراف، فالله جلّ جلاله احقّ ان نعامله بالانصاف. [٤١٠].[٤١١]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الشمس، الآية ٩-١٠.
- ↑ سورة الشعراء، الآية ٨٨-٨٩.
- ↑ سورة الجمعة، الآية ٢.
- ↑ سورة المائدة، الآية ١٥-١٦.
- ↑ سورة طه، الآية ١٤.
- ↑ سورة العنكبوت، الآية ٤٥.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٨٣.
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٠٣.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٥٨.
- ↑ سورة إبراهيم، الآية ٢٥-٢٦.
- ↑ سورة الشمس، الآية ٩-١٠.
- ↑ سورة الشمس، الآية ١١.
- ↑ سورة المدثر، الآية ١٨-٢٥.
- ↑ سورة المدثر، الآية ١٦.
- ↑ سورة النمل، الآية ١٤.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٨٣-٨٤.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٣٢.
- ↑ سورة الشعراء، الآية ٨٨-٨٩.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٨٤.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٢١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، باب ٤٥، ص ٦٥، ح ٧.
- ↑ سورة الأحزاب، الآية ٧١.
- ↑ سورة العنكبوت، الآية ٦٩.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٦٩، باب ٤٥، ح ١٥.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، ص ٣١٥، باب ٤٥، ح ١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٧٢، باب ٤٥، ح ٢٣.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٦٨، باب ٤٥، ح ١٤.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٥٦، باب المكارم، ح ٢.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٦٩، ص ٣٩١، باب ٣٨، ح ٦٧.
- ↑ ج ٦٩ إلى ٧٨.
- ↑ ج ٢ من الأصول.
- ↑ ج ١١.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣٠٩، باب الكبر، ح ٣.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣٠٨، باب المعصبيّة، ح ٤.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٣، ص ٢٥٧، باب الحسد، ح ٣٠.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣١٤، باب العجب، ح ٦.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٢٩٧، باب طلب الرّئاسة، ح ١.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٢٥.
- ↑ الإشارات والتنبيهات، ج ٣، ص ٣٢٨.
- ↑ الإشارات والتنبيهات، ج ٣، ص ٣٣٠.
- ↑ سورة العنكبوت، الآية ٥٤.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٢٢٨ و٢٢٩.
- ↑ الاسفار، ج ٩، ص ٤.
- ↑ الاسفار، ج ٩، فصل ١٢، ص ٢٩٠ - ٢٩٤.
- ↑ الاسفار، ج ٩، فصل ١٢، ص ٢٩٠ - ٢٩٤.
- ↑ احياء العلوم، ج ١، ص ٦٦.
- ↑ منية المريد، ص ٥٥.
- ↑ منية المريد، ص ٥٥.
- ↑ محجة البيضاء، ج ١، ص ٧.
- ↑ محجة البيضاء، ج ١، ص ١١٠.
- ↑ جامع السعادات، ص ٤١.
- ↑ جامع السعادات، ج ١، ص ٤٢.
- ↑ الاخلاق، ص ٣.
- ↑ سورة المجادلة، الآية ١٨.
- ↑ الميزان، ج ٧، ص ٥١، في ذيل آية ٢٣ من الانعام (سورة ٦).
- ↑ سورة الإسراء، الآية ١٤.
- ↑ الميزان، ج ١٣، ص ٥٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٢٨.
- ↑ سورة النساء، الآية ٥٩.
- ↑ سورة النحل، الآية ٩٠.
- ↑ سورة الشمس، الآية ٧-٨.
- ↑ سورة الشمس، الآية ٩-١٠.
- ↑ سورة الشعراء، الآية ٨٨.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٣٢.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٨٣.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، باب ٤٥، ص ٦٥، ح ٧.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣١٠، باب الكبر، ح ٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٣، ص ٢٥٧، باب الحسد، ح ٣٠.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٣٥.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٥٦.
- ↑ سورة النور، الآية ٣٥.
- ↑ اللمعة البيضاء/ ١٦٩.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٣٢.
- ↑ سورة الشمس، الآية ٧-٨.
- ↑ سورة الطلاق، الآية ٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١-٢.
- ↑ سورة النازعات، الآية ٣٧-٤١.
- ↑ مفردات غريب القرآن: ٥٦٨
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٠٢.
- ↑ سورة التغابن، الآية ١٦.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٧٦.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٢٨.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٥.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٧٦.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٢٨.
- ↑ سورة الجاثية، الآية ٢٣.
- ↑ سورة النازعات، الآية ٤٠-٤١.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣٣٥، ح ١.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٢٢٥، ح ٢.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٣٣٦، ح ٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١-٢.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٠٢.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٢٠.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٢٥.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٢٧.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٣٥.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٣٥.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٩٦.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٢٨.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٢٩.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٣٤.
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٠٩.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ٧٦.
- ↑ سورة يوسف، الآية ٩٠.
- ↑ سورة النحل، الآية ١٢٨.
- ↑ سورة القمر، الآية ٥٤-٥٥.
- ↑ سورة الحشر، الآية ١٨.
- ↑ سورة التغابن، الآية ١٦.
- ↑ سورة الطلاق، الآية ٢-٣.
- ↑ سورة الطلاق، الآية ٤.
- ↑ سورة الليل، الآية ٥-٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٩٧.
- ↑ سورة النساء، الآية ١٣١.
- ↑ سورة القمر، الآية ٥٤-٥٥.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٢٣، ح ١٦٤، (ص ٢٦٢).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٢٧، ح ٢، (ص ٣٥٨).
- ↑ سورة النحل، الآية ٣٠.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٦٦، باب ٤٥، ح ١١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٢٨٤، باب ٥٦، ح ٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٢٨٥، باب ٥٦، ح ٨.
- ↑ نهج البلاغة عبده، خطبة ١٩٦.
- ↑ نهج البلاغة عبده، خطبة ١٥٥. (حمة: هي إبرة الزنبور والعقرب).
- ↑ نهج البلاغة عبده، خطبة ٨١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، ص ٢٩٥، باب ٥٦، ح ٤١.
- ↑ نهج البلاغة عبده، خطبة ١٩١.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٥٦-١٦٧.
- ↑ سورة الحشر، الآية ١٨.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٤٥٣، باب محاسبة العمل، ح ٢.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٥٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج 71، باب 64، ح 5، ( ص 173 ).
- ↑ بحار الأنوار، ج 71، باب 78، ح 10، ( ص 277 ).
- ↑ بحار الأنوار، ج 71، باب 73، ح 3، ( ص 259 ).
- ↑ نهج البلاغة صبحي صالح، خطبة 222.
- ↑ نهج البلاغة صبحي صالح، خطبة 222.
- ↑ سورة السجدة، الآية 5.
- ↑ بحار الأنوار، ج 70، باب 45، ح 4، ( ص 64 ).
- ↑ بحار الأنوار، ج 70، باب 45، ح 3، ( ص 64 ).
- ↑ بحار الأنوار، ج 70، باب 45، ح 17، ( ص 70 ).
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٢٤.
- ↑ سورة غافر، الآية ١٩.
- ↑ سورة العلق، الآية ١٤.
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٠٥.
- ↑ سورة المطففين، الآية ٢١.
- ↑ سورة ق، الآية ١٨.
- ↑ سورة الزلزلة، الآية ١-٥.
- ↑ سورة فصلت، الآية ٢٠-٢١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣١٥، ح ١١.
- ↑ سورة إبراهيم، الآية ٢٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٣٨.
- ↑ سورة الجمعة، الآية ١.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٤٤.
- ↑ سورة سبأ، الآية ١٠.
- ↑ سورة النساء، الآية ٤١.
- ↑ سورة النساء، الآية ٤١.
- ↑ أصول الكافي، ج ١، باب ان الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه، ح ١، (ص ١٩٠).
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٣.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ أصول الكافي، ج ١، باب ان الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه، ح ٢، (ص ١٩٠).
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٣.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٧.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ سورة الحج، الآية ٧٨.
- ↑ أصول الكافي، ج ١، باب ان الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه، ح ٤، (ص ١٩١).
- ↑ أصول الكافي، ج ١، باب ان الأئمة شهداء الله عزّوجلّ على خلقه، ح ٥، (ص ١٩١).
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٠٥.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٢٣، باب عرض الاعمال عليهم وانهم الشهداء على الخلق، ح ٣٤، (ص ٣٤٤).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٢٣، باب عرض الاعمال عليهم وانهم الشهداء على الخلق، ح ٥٥، (ص ٣٤٩).
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٤٣.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٢٣، باب عرض الاعمال عليهم وانهم الشهداء على الخلق، ح ٦٣، (ص ٥١).
- ↑ سورة يس، الآية ٦٥.
- ↑ سورة يس، الآية ٦٥.
- ↑ سورة المجادلة، الآية ١٨.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣١٢، ح ٣.
- ↑ سورة فصلت، الآية ٢٠.
- ↑ سورة المجادلة، الآية ١٨.
- ↑ سورة فصلت، الآية ٢١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣١٢، ح ٤.
- ↑ سورة الرعد، الآية ١١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣١٥، ح ١١.
- ↑ سورة فصلت، الآية ٢٢.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٣٦.
- ↑ سورة يس، الآية ٦٥.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣١٨، ح ١٣.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٢، ص ٣١٨، ح ١٥.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣٢٥، ح ٢٠.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣٢٥، ح ٢١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧، ص ٣٢٥، ح ٢٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٦-١٧.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٤، باب ١٤، ص ١٩٢، ح ١٢.
- ↑ سورة الناس، الآية ٤-٦.
- ↑ سورة النساء، الآية ١٤٠.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٣٨.
- ↑ سورة الفرقان، الآية ٢٨-٢٩.
- ↑ سورة فصلت، الآية ٢٥.
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٦٧.
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٣٦.
- ↑ سورة المدثر، الآية ٤٠-٤٥.
- ↑ سورة الناس، الآية ١-٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٥٨، ح ٣٨، (ص ٣٢٢).
- ↑ بحار الأنوار، ج ١، باب ٤، ح ١٩، (ص ٢٠٣).
- ↑ بحار الأنوار، ج ١، باب ١، ح ٤١، (ص ١٧٥).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب ١٦٣، ح ٥، (ص ٣٧٦).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب ١٦٣، ح ٣، (ص ٣٧٥).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧١، باب ٧٨، ح ١٧، (ص ٢٧٨).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٦٩، باب ٣٨، ح ٤، (ص ٣٦٨).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الإيمان والكفر، ح ٦، (ص ٣٧٦).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٢٦، ح ٤، (ص ٣٤٦).
- ↑ سورة النور، الآية ٣٩.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٣٣، ح ٥، (ص ٤٤٦).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٢٧، ح ١، (ص ٣٥٨).
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ٦٩.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ص ٦٣٩، ح ٦.
- ↑ دعاء يوم الثالث عشر من رمضان.
- ↑ دعاء يوم السادس عشر من رمضان.
- ↑ دعاء ليلة العرفة.
- ↑ سورة محمد، الآية ٢٢-٢٣.
- ↑ سورة الرعد، الآية ٢٥.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢٧.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ح ٧، (٣٧٦).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ح ٢، (ص ٣٧٤).
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٦٧-١٩٧.
- ↑ سورة يوسف، الآية ٨.
- ↑ سورة الجاثية، الآية ٢٣.
- ↑ سورة يوسف، الآية ١٠٠.
- ↑ سورة يوسف، الآية ٩٠.
- ↑ سورة يوسف، الآية ١١١.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٣٦.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٢٦.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ١٠١.
- ↑ سورة طه، الآية ٢٠.
- ↑ سورة طه، الآية ٦٩-٧٠.
- ↑ سورة طه، الآية ٧١.
- ↑ سورة النمل، الآية ١٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٣٠.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٣١-١٣٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٣٣.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٣٤-١٣٦.
- ↑ سورة الشعراء، الآية ٦٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٧.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٦٠.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٧١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٧٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٦١.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٢١-٢٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٨-٥٩.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٢٦.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٩.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٧٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٥٥-٥٦.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٦١.
- ↑ سورة القصص، الآية ٧٦.
- ↑ سورة غافر، الآية ٤٣.
- ↑ سورة غافر، الآية ٢٤.
- ↑ سورة القصص، الآية ٧٧.
- ↑ سورة القصص، الآية ٧٨.
- ↑ سورة القصص، الآية ٨١.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ١٧٩.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ١٩٧.
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٥٠-٥٦.
- ↑ سورة محمد، الآية ١٠.
- ↑ سورة غافر، الآية ٨٢.
- ↑ سورة الحاقة، الآية ٥-١٢.
- ↑ سورة القصص، الآية ٧٦-٨٢.
- ↑ سورة يوسف، الآية ١١١.
- ↑ سورة الحشر، الآية ٢.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٠٤.
- ↑ نهج البلاغة عبدة، خطبة ٨١.
- ↑ نهج البلاغة عبدة، خطبة ٨٣.
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ١١٧.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧١، باب ٨٠، ح ٢٠، (ص ٣٢٥).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧١، باب ٧٨، ح ١، (ص ١٧٥).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧١، باب ٨٠، ح ٦، (ص ٣٢٣).
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ٤٨.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٢٩٧.
- ↑ نهج البلاغة، قصار الحكم ٣٦٧.
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ١٤٩.
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ١٩٢.
- ↑ نهج البلاغة صبحي الصالح، خطبة ١٩٢.
- ↑ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ٢، ص ١٠٠.
- ↑ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ٩، ص ٦٤.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٠٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج٧١، ص ٣٣٧.
- ↑ سورة الماعون، الآية ٤-٧.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٤، باب قضاء حاجة المؤمنين، ح ٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٠٨.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٥٤.
- ↑ سورة التوبة، الآية ٢٣.
- ↑ سورة الشورى، الآية ٢٣.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١١٨.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ٢٨.
- ↑ سورة المجادلة، الآية ٢٢.
- ↑ سورة الممتحنة، الآية ١.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ٣٤.
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٦٧.
- ↑ سورة الفتح، الآية ٢٩.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢١١.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٦٩، باب ٣٦، ح ١، (ص ٢٣٦).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٧، باب ٢، ح ٦، (ص ٢١).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٨، باب ٢٣، ح ١٠٦، (ص ٢٥٢).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ١٢٦، ح ٨.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ١٢٦، ح ١١.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ١.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ٣.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ٤.
- ↑ سورة الحجرات، الآية ٧.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ٥.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ١٢.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ٥ - ١٢٤، ح ١٤.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ١٢٧ - ١٢٤، ح ١٦.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٦٩، باب ٣٨، ص ٣٨٣، ح ٤٦.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب الحب في اللَّه....، ص ١٢٥، ح ٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢١٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٢١٣.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١١٩.
- ↑ سورة التوبة، الآية ٣٤-٣٥.
- ↑ سورة النحل، الآية ٩٧.
- ↑ سورة النازعات، الآية ٣٧-٤١.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢١٦.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٨١.
- ↑ سورة التوبة، الآية ١٠٩.
- ↑ سورة الكهف، الآية ٢٩.
- ↑ سورة المؤمنون، الآية ١٠٣-١٠٨.
- ↑ سورة الزمر، الآية ١٥-١٦.
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٧٤-٧٨.
- ↑ سورة طه، الآية ١٢٤.
- ↑ سورة النور، الآية ٤٠.
- ↑ سورة الأحقاف، الآية ٢٠.
- ↑ سورة الرحمن، الآية ٤١-٤٤.
- ↑ سورة الواقعة، الآية ٤١-٥٦.
- ↑ سورة آل عمران، الآية ١٥.
- ↑ سورة السجدة، الآية ١٧.
- ↑ سورة التوبة، الآية ٧٢.
- ↑ سورة يس، الآية ٥٥-٥٨.
- ↑ سورة نوح، الآية ١٠-١٢.
- ↑ سورة الأعراف، الآية ٩٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢١٨.
- ↑ سورة الحديد، الآية ١-٦.
- ↑ سورة الحشر، الآية ٢٢-٢٤.
- ↑ سورة لقمان، الآية ٢٠.
- ↑ سورة السجدة، الآية ١٧.
- ↑ سورة إبراهيم، الآية ٣٤.
- ↑ سورة الزمر، الآية ٥٣.
- ↑ سورة الفرقان، الآية ٧٠.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٨٦.
- ↑ سورة المزمل، الآية ٢٠.
- ↑ سورة الماعون، الآية ٤-٥.
- ↑ سورة مريم، الآية ٥٩.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٧٨.
- ↑ وسائل الشيعة، ج ٣، باب ١٠ من أبواب اعداد الفرائض، ص ٢٥، ح ١.
- ↑ سورة البقرة، الآية ٤٥.
- ↑ سورة طه، الآية ١٤.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٧٩.
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، باب من اذى المسلمين، ص ٣٥٢.
- ↑ سورة الإنسان، الآية ٣٠.
- ↑ سورة الأنفال، الآية ١٧.
- ↑ سورة الفتح، الآية ١٠.
- ↑ سورة الليل، الآية ٧.
- ↑ مرآة العقول، ج ١٠، باب من اذى المسلمين، ص ٣٩٣ و٣٩٤.
- ↑ مرآة العقول، ج ١٠، باب من اذى المسلمين، ص ٣٩٥.
- ↑ سورة الأحزاب، الآية ٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٦٥.
- ↑ سورة النور، الآية ٣٦-٣٧.
- ↑ سورة السجدة، الآية ١٥-١٧.
- ↑ مقتل مقرّم، خطبة زينب عليها السلام.
- ↑ سورة الإنسان، الآية ٨-٩.
- ↑ وسائل الشيعة، ج ٥، باب ٣٩ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، ص ٢٧٦، ح ٣١.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ٢٢٤.
- ↑ بحار الأنوار، ٩٨ / ٢٢٦.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٢٢.
- ↑ سورة يونس، الآية ٦٢.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٦٥.
- ↑ سورة التوبة، الآية ٢٤.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٣٣.
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ٢، (ص ١٤).
- ↑ أصول الكافي، ج ٢، ح ٥، (ص ٨٤).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ٢٥، (ص ٢٤).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ٢٧، (ص ٢٥).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ١٢، (ص ١٨).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ٢١، (ص ٢٢).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٧٠، باب ٤٣، ح ٢٣، (ص ٢٣).
- ↑ بحار الأنوار، ج ٦٧، (ص ٢٦).
- ↑ بحار الأنوار، ج ١٢، باب قصص شعيب، ح ١، (ص ٣٨٠).
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٣٤.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء كميل.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء أبى حمزة.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء أبى حمزة.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء أبى حمزة.
- ↑ مفاتيح الجنان، مناجاة شعبانيّة.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء عرفة.
- ↑ مفاتيح الجنان، دعاء عرفة.
- ↑ مفاتيح الجنان، زيارة امين الله.
- ↑ مفاتيح الجنان، مناجاة المحبيّن.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٣٧.
- ↑ سورة المائدة، الآية ٥٤.
- ↑ سورة البقرة، الآية ١٦٥.
- ↑ المحجة البيضاء، ج ٨، ص ٤.
- ↑ المحجة البيضاء، ج ٨، ص ١٦.
- ↑ جامع السعادات، ج ٣، ص ١٤٨.
- ↑ جامع السعادات، ج ٣، ص ١٤٢.
- ↑ كشف المحجة لعلي بن طاووس قدس سره، فصل ١٣٨، ص ١٢٢.
- ↑ حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٢٣٩.