دنائة النفس في علم الأخلاق

من إمامةبيديا

التمهيد

هذه الرّذيلة ضدّ رفعة النّفس والذاتيّة، ولو لم يكن لها تبعة إلّاالاضطراب والتّذبذب في الأمور، والشّك والارتياب في الإرادة وعدم القدرة على العزم، والجزع والفزع عند المصائب والشّدائد، والآلام حسبك ان تصدّق خسّتها ودانائتها مع انّ لها اثاراً سوء وتبعات مهلكة موجبة لشقاء الدّارين.

منها ارتكاب الافعال الدّنيّة في الشّرع أو النّاس واغتراب الجرائم كلها استجلاباً لهذه الدّنيا الدّنيّة.

ومنها حصول عقدة مركّب النّقص له، لعدم القدرة على تنحي الميول.

ومنها التّكبّر سيّما عند الاستغناء فهو جزوع عند النّقمة ومنوع عند النّعمة.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا[١].

وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ[٢]

ومنها قبول السّلطة وهو مصيبة عظيمة كنار تحرق صاحبه ومن يتعلّق به، بل غالباً تحرق مملكة ولا اقلّ من مدينة. والتّاريخ شاهد على انّ الظّالمين والستغلّين سيّما في القرون الأخيرة لم يتسلّطوا على الممالك الإسلاميّة أو غير الإسلاميّة إلّابحكّام وعوامل ضرب عليهم الّذلّة والمسكنة بصغر النّفس وعقدة مركّب النّقص.

وملخّص القول انّ هذه الرّذيلة امّ الرّذائل كما قلنا في ضدّها وهو كبر النّفس وترفّعها المطلوب انّها امّ الفضائل.

ويظهر من القرآن انّ الإنسان خلق هلوعاً اي صغير النّفس كما خلق كفوراً وعجولًا وظلوماً وجهولًا ويؤوساً وطاغياً وخاسراً.

ولا يبعد ان يقال انّ هذه الرذائل تصيبه لصغر نفسه ودناءة طبعه.

وقد مرّ الكلام مفصّلًا في انّ الإنسان من جهة الرّوح في كمال العلو، وانّه من هذه الجهة كبير النّفس وله هويّة عظيمة حتّى اطلق القرآن عليه روح اللَّه، وانّه في أحسن تقويم، وانّه كادح إلى ربّه فملاقيه. ولكنّه من جهة الجسم في غاية الدّناءة، فهو كفور عجول يؤوس طاغ خاسر. نعم يتمكّن بالرّياضات المشروعة والتّوفيقات الصّمدانيّة من تغليب روحه على جسمه وإزالة دناءة طبعه وما يترتّب عليها من الآثار السّوء فيصير كبير النّفس، فيترتّب عليه اثار حسنة كعلوّ الهمّة وسعة الصّدر.

مراتب دناءة النّفس واقسامها

هذه الرّذيلة مقولة بالتّشكيك فليس لها اقسام، بل لها مراتب ضعفاً وشدّة، فكلّما زادت في شدّتها زادت في قبحها واثارها السّوء المترتّبة عليها، ولكن بالنّسبة إلى الخارج تنقسم‌اقسام ثلاثة صغر النّفس الشّخصيّة، وصغر النّفس الاجتماعيّة، وصغر النّفس الدّينيّة.

والمراد بالأوّل دناءة طبع المرء الذاتيّة، وهو غالباً يحصل من جراء قانون الوارثة وسوء التّربية - عن الصّادق عن ابائه عن رسول اللَّه (ص): «إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ اَلدِّمَنِ قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَا خَضْرَاءُ اَلدِّمَنِ قَالَ اَلْمَرْأَةُ اَلْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ اَلسَّوْءِ»[٣]

نعم قد يحصل بارتكاب الافعال الدّنيّة في الشّرع أو العرف فتصير ملكة وطبيعة ثانويّة له. وان شئت سميّت الأوّل بالذّاتيّة والثّاني بالاكتسابيّة.

والمراد بالثّاني اشتهاره بذلك عند النّاس لعدم تقيّده بالعرفيّات والآداب والتّقاليد الاجتماعيّة.

ولعلّ ما روى عن الائمّة (ع) من حرمة اذلال النّفس يشير إلى هذا القسم. والمشهور عند الفقهاء اشتراط ذلك التّقيّد في العدالة. ولهذا التّقيّد بحث لطيف طويل الذّيل سيأتي ان شاء اللَّه تعالى في مبحث الاخلاقيّات.

والمراد بالثّالث عدم تقيده بظواهر الشّرع، وقد اطلق عليه في الشرع الكفر أو الفسق.

وفي التنزيل العزيز آيات كثيرة تدلّ على انّ الكافر أو الفاسق ليس له شخصيّة في الشرع وانّه دنّى عنداللَّه في الغاية، منها:

قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[٤]

وقوله تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ[٥]

وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ[٦]

وقوله تعالى: ﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ[٧]

وقوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[٨]

وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا[٩]

وقوله تعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[١٠]

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[١١]

وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[١٢].[١٣]

المراجع والمصادر

  1. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية ج ١


الهوامش

  1. سورة المعارج، الآية ١٩-٢١.
  2. سورة الفجر، الآية ١٥-١٦.
  3. وسائل الشيعة، ج ١٤، ص ١٩، باب ٧، من أبواب مقدمات النّكاح، ح ٧.
  4. سورة الجمعة، الآية ٥.
  5. سورة الأعراف، الآية ١٧٦.
  6. سورة الأعراف، الآية ١٧٩.
  7. سورة محمد، الآية ١٢.
  8. سورة الحجر، الآية ٣.
  9. سورة يونس، الآية ٣٣.
  10. سورة الإسراء، الآية ١٦.
  11. سورة المنافقون، الآية ٦.
  12. سورة المائدة، الآية ٢٧.
  13. حسين المظاهري، دراسات في الأخلاق وشؤون الحكمة العملية، ج١، ص ٤٢٣.