صفات الله

من إمامةبيديا

تمهيد

جرت طريقة علماء الكلام على تقسيم صفات الله إلى:

  1. الصفات الثبوتية.
  2. الصفات السلبية.

وذكروا أنَّ الصفات الثبوتية تنحصر في ثمانية، هي: القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة والكراهية، والإدراك، والأزلية، والأبدية، والتكلم، والصدق. (باعتبار الإرادة والكراهية صفة واحدة، والأزلية والأبدية كذلك، وإلا فإنها عشرة).

كما ذكروا أنَّ الصفات السلبية سبع، هي: أنه تعالى ليس بمركب، وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، وليس محلاً للحوادث، ولا يرى، ولا شريك له، ولا تعرضه المعاني والأحوال، وليس محتاجاً.

ووجه تسمية كل من المجموعتين واضح بأدنى تأمل.

وأول ما نقوله هنا أنَّ حصر هذه الصفات في الأعداد المذكورة مما لم يرد في نص معين، من كتاب أو سنة، وإنما وردت الإشارة إلى كل صفة منها في ضمن آية أو حديث. ولكي تتم الإحاطة بجميع جوانب البحث لابد لنا أن نناقش المسائل الآتية:

أولاً: هل يجوز إطلاق الصفة على الله؟

قد يبدو هذا السؤال غريباً لأول وهلة، لكن البحث الدقيق يقودنا إلى وجود مَن يخالف في إطلاق الصفة على الله.

فقد نقل عن ابن حزم الظاهري[١] أنه قال: (لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظة الصفات ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي(ص) بأنَّ لله تعالى صفة أو صفات نعم ولا جاء قط عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين. ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به. ولو قلنا أنَّ الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا، فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده بل هي بدعة منكرة). وقال: (وإنما اخترع لفظ الصفات: المعتزلة وهشام ونظراؤه من رؤساء الرافضة، وسلك سبيلهم قوم من أصحاب الكلام سلكوا غير مسلك السلف الصالح).

وأنت ترى أنَّ هذا الكلام لا أثر للدقة العلمية فيه، بل هو منطلق من فكرة أصحاب مذهب الظاهر في إنكار كل دقة يقتضيها التأمل والتدبر.

ألا ترى أنَّ الله وصف نفسه بأنه الرحمن، الرحيم، رب العالمين، الصمد، الخالق، الرزاق، الغفور، شديد العقاب، فالق الحب والنوى ... الخ؟!

و هل توجد في اللغة كلمة أخرى تغنينا عن تسمية هذه الأمور بالصفات؟! ولماذا هذا التخوف والجمود، وحصر العقل في إطار الألفاظ؟!

ثانياً: هل إن صفات الله توقيفية؟

ذهب بعض علماء الكلام إلى أنَّ عقولنا قاصرة عن التمييز بين صفات الكمال حتى ننسبها إلى الله، وصفات النقص حتى نسلبها عنه. غاية ما نفهمه أنه مستجمع لجميع الصفات الكمالية ومنزه عن كل نقص، وما علينا إلا أن نتبع الشرع في هذا الموضوع، فيجب أن نثبت الله الصفات التي ورد ذكرها في القرآن أو في كلام النبي وأوصيائه الكرام، أما الصفات التي لم تتعرض لها النصوص لا نفياً أو إثباتاً فيجب أن نسكت بشأنها.

وفي القرآن ما يشير إلى هذا المعنى كقوله تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ[٢]، وقوله: سُبْحَنَهُ وتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوا كَبِيرًا[٣]، وهكذا كل الآيات التي تبدأ بكلمة (سبحان) و(تعالى) كقوله: فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ[٤].

كما أنَّ الشيخ الكليني عقد في أصول الكافي باباً سماه: (باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه جل وتعالى)[٥]. من أجل ذلك فقد ذهب عدة من العلماء إلى أنَّ أسماء الله توقيفية نأخذها من الشارع، فلا يصح لنا إطلاق غيرها على الله وإن بدا لنا صحة ذلك.

وإذا دققنا النظر انكشفت لنا حقيقة كبرى، هي أنه كان في عصر صدور هذه الروايات بعض المسلمين الذين يتكلمون في الله بما لا يليق، وبما لا يوافق البراهين العلمية والأدلة العقلية، دون أن يكون لهم التبحر الكامل في هذه الموضوعات فأراد الإمام(ع) أن يرجعهم إلى الجادة التي لا انحراف فيها ولا شطط، وليس ذلك بإلزامهم أن يتكلموا في إطار الشرع وضمن حدود القرآن.

والرواية التالية من الباب المذكور في (الكافي) توضح هذا الأمر. فعن عبد الرحيم بن عتيك القصير، قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين[٦]، إلى أبي عبدالله(ع): إن قوماً بالعراق يصفون الله بالصورة وبالتخطيط، فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد؟

فكتب إليَّ: - سألت رحمك الله - عن التوحيد، وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى عما يصفه الواصفون المُشبِّهون الله بخلقه، المفترون على الله. فاعلم -رحمك الله- إنَّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات لله جل وعز، فَانْفَ عن الله تعالى البطلان[٧] والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عما يصفه الواصفون، ولا تعدوا القرآن فتظلوا بعد البيان[٨].

نستنتج من هذا الحديث ما يأتي:

  1. إنَّ الغرض من النهي عن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، التشنيع على القائلين بالتجسيم والتشبيه.
  2. لو كانت صفات الله توقيفية بمعنى أنه لا يجوز وصفه بغير الأوصاف الواردة في القرآن، فكيف يصف الإمام الله بأنه الثابت الموجود، في حين أن القرآن خال عن وصفه بهاتين الصفتين؟
  3. هناك فرق بين توقيفية الأسماء وتوقيفية الصفات. فإذا سلمنا كون أسماء الله توقيفية فلا يعني ذلك تسرب التوقيفية إلى صفاته تعالى[٩].

ثالثاً: كيف السبيل إلى معرفة صفاته تعالى؟

إنَّ المفهوم الحاصل في أذهاننا عن الصفات إنما هو صفات المخلوقين لا الخالق لأننا أخذنا هذه الصفات عن المخلوقين. إنَّ الكمال الذي نتصوره هو ما شاهدناه في إنسان مثلاً، وإذا أردنا وصف الله تعالى بهذه الصفة أيضاً لزم الاشتراك بينه وبين المخلوقات في حين أنَّ القرآن يصرح: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ[١٠].

كما ورد في الحديث: «كُلَّ مَا مَيَّزْتُمُوهُ بِأَوْهَامِكُمْ فِي أَدَقِّ مَعٰانِيهِ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ مِثْلُكُمْ مَرْدُودٌ إِلَيْكُمْ، وَ لَعَلَّ النَّمْلِ الصِّغَارِ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ زبانيتين»

فهذا الأمر قد يدعو البعض لأن يتصوروا أنه لا سبيل لنا إلى معرفة صفات الله، وحتى الصفات الواردة عن طريق الشارع يجب تجريدها من معانيها أو تأويلها إلى الصفات السلبية دائماً، لكن قليلاً من الدقة يرفع لنا الغموض في المسألة ذلك أننا لا ننكر أنه لا شيء يشبه الله تعالى، كما لا ننسى ما قدمناه سابقاً من عدم إمكان الوصول إلى كُنه ذات الله، غير أن هذا لا يوجب أن ننفي كل صفة تثبت للمخلوق عن الخالق. إنَّ الاختلاف العظيم بين الخالق والمخلوق هو في الوجوب والإمكان، والقدم والحدوث، وعدم التناهي والتناهي، والإستناد إلى الذات وإلى الغير.

فمثلاً: الله تعالى عالم، والإنسان أيضاً عالم. وليس العلم إلا الإحاطة بالشيء، وانكشافه.

لكن الله عالم بالوجوب، والإنسان عالم بالامكان.

الله علمه قديم، والإنسان علمه حادث.

الله عالم بالكليات والجزيئات، وبالماضي والحاضر والمستقبل (لا يعزب عنه مثقال ذرة)، بينما علم الإنسان محدود.

الله علمه لا نهاية له، والإنسان علمه متناه. الله عالم بالذات، والإنسان عالم بالغير.

فهذا المقدار من الاختلاف كاف في نفي المثلية والندية عن الله ولا يستلزم نفي المثلية اثبات الضدية.

إنَّ الشبهة السابقة ناشئة من الخلط بين المفهوم والمصداق. ذلك ان الوجود الخارجي للمخلوق يختلف عن وجود الخالق – وهذا لا شك فيه - لكن لا يقتضي ذلك ان يكون المفهوم الصادق على المخلوق غير صادق على الخالق.

رابعاً: ما معنى الصفات السلبية؟

لما كان الله تعالى مبدأ كل كمال، فلا يجوز سلب كمال من الكمالات منه تعالى، فصفاته السلبية ما دل على سلب النقص والحاجة، ومن هنا قال الحكيم السبزواري: (إذا اعتقد المكلف إنَّ الله ليس ناقصاً كفى ذلك في الصفات السلبية ولا حاجة لأن يعرف الصفات السبع بالتفصيل، لأنها راجعة إلى صفة واحدة)[١١].

ولا ضرورة لأن تبدأ الصفة السلبية بأداة السلب من قبيل (لا) و (ليس)، بل ذلك أعم، فمفهوم (القدوسية) و (التجرد) لا يحتوي على أداة السلب ومع ذلك فهو يفيد نفي النقص والحاجة عن الله تعالى.

ثم إنه حاول بعضهم أن يجد في القرآن الكريم إشارة إلى تقسيم الصفات إلى ثبوتية وسلبية، فاستشهد بقوله تعالى: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ والإكرام[١٢]، باعتبار أنَّ الصفات السلبية يطلق عليها صفات الجلال، أما الصفات الثبوتية فيطلق عليها صفات الجمال التي عبر عنها في الآية بالإكرام[١٣].

خامساً: تقسيم الصفات؟

التقسيم المشهور هو الذي يقسم الصفات إلى ثبوتية وسلبية. ولكن العلامة الطباطبائي له بيان آخر في أساس التقسيم. فيقول: (تنقسم صفات الله إلى أقسام ثلاثة:

  1. الصفات الذاتية الثبوتية: وهي الصفات والكمالات التي ترجع عند التحليل إلى الوجود، وهي ثابة للخالق كالعلم والقدرة والحياة، وحيث كان الاحتياج والتقيد منفيا عن ذات الله، فلابد ان تكون كل صفة كمالية عين ذاته، لانه لا يتحقق الكمال في خارج الذات المنزهة عن الحد والقيد والحاجة.
  2. الصفات السلبية: وهي الصفات التي ترجع عند التحليل إلى العدم، كالجهل والعجز والفناء والحاجة والمعلولية والاضطرار، وهذه منفية عن الله.
  3. الصفات النسبية: وهي الصفات الخارجة عن ذات الله، كالخلق والصنع والإحياء والإماتة والرزق[١٤].

وتنقسم الصفات الثبوتية إلى:

  1. إضافية محضة: كالقادرية.
  2. حقيقية محضة: كالحياة.
  3. حقيقية ذات إضافة: كالعلم بالغير[١٥].

وهناك تقسيم ثنائي يكتفي بتقسيم الصفات إلى: صفات الذات وصفات الفعل.

  1. أما صفات الذات فهي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقضيها أبداً، ولا يصح سلبها عنه في حال. ومثال ذلك: العلم والقدرة والحياة.
  2. أما صفاته الفعلية: فهي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر. ومثال ذلك: الخلق والرزق. فيقال: إنَّ الله خلق كذا ولم يخلق كذا[١٦].

وللعرفاء تقسيمان ثنائيان آخران، أحدهما تقسيم الصفات إلى: لطفية وقهرية، والآخر تقسيمها إلى تنزيهية وتشبيهية.

ويمثلون للصفات اللطفية بالرحمة واللطف والإحسان والمغفرة ونحوها.

كما يمثلون للصفات القهرية بالغضب والانتقام والعقاب.

أما مثال الصفات التنزيهية (وهي التي لا نظير لها في غيره) فهو القدوسية[١٧] والصمدية والبساطة المحضة والقدم الذاتي.

وأما مثال الصفات التشبيهية (وهي التي يوجد نظيرها في المخلوقات أيضاً) فهو السمع والبصر[١٨].

سادساً: هل الصفات عين الذات؟

وهذا مبحث مفصل كان مجالاً للأخذ والرد بين علماء الفرق الإسلامية، وتركز الخلاف بشكل رئيسي حول موضوع كلام الله. ولكني أرى أن أُلخّص البحث في النقاط الآتية بعد أن مَهَّدنا في المقدمات الخمس الماضية لذلك.

  1. الصفات السلبية ترجع إلى الثبوتية الحقيقية (لأنها تعود إلى سلب النقص، وسلب النقص عبارة عن إيجاب الكمال فتأخذ حكمها.
  2. الصفات الإضافية لا ريب في زيادتها على الذات المتعالية، لأنها معان اعتبارية ويستحيل أن تكون ذات الله مصداقاً لأمر اعتباري. وقد مثلنا للصفة الإضافية بالقادرية.
  3. الصفات الحقيقية (أعم من المحضة وذات الإضافة) اختلفت فيها الأقوال:
    1. إنها عين الذات، وكل منها عين الأخرى[١٩]، وهو المختار لنا.
    2. إنها زائدة على الذات لازمة لها، فهي قديمة بقدمها. وهو المنسوب إلى الأشاعرة.
    3. إنها زائدة على الذات حادثة. وهو منسوب إلى الكرامية.
    4. إنَّ الذات نائبة مناب الصفات. وهو منسوب إلى المعتزلة.
  4. الصفات النسبية أو صفات الفعل، خارجة عن الذات أيضاً.[٢٠]

معرفة الصفات الإلهية

مقالات ذات صلة

المراجع والمصادر

  1. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية

الهوامش

  1. راجع تعلیقة العلامة الشعرانی علی شرح أصول الكافی للمولی محمد صالح المازندرانی، ج۳، ص۳۱۳.
  2. سورة الصافات: ۱۸۰
  3. سورة الإسراء: ۴٣
  4. سورة المؤمنون: ١١۶
  5. ذكر الكليني تحت هذا العنوان ۱۲ حديثاً.
  6. أي بواسطة عبد الملك.
  7. المراد بالبطلان هو قول المعطلة.
  8. أصول الكافي - باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه الحديث رقم (۱).
  9. استدلوا لتوفيقية الأسماء بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائه بتقريب: إنَّ اللام للعهد، والمراد بالإلحاد التعدي إلى غير ما ورد من أسمائه من طريق السمع. والحق: إنَّ كون اللام للعهد لا دليل عليه، ولا في القرائن الحافة بالآيات ما يؤيده، غير ما عهده القائل من الأخبار العادة للأسماء الحسنى، بل (الأسماء) جمع محلى باللام وهو يفيد العموم، بمعنى إنَّ كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد. وأما (الإلحاد) فهو بمعنى التطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين. للتفصيل راجع تفسير الميزان، ج٨، ص۳۶۰.
  10. سورة الشورى: ۱۱
  11. أسرار الحكم، ص۴۶.
  12. سورة الرحمن: ۷۸
  13. أسرار الحكم، ص۴٨.
  14. راجع أصول فلسفة وروش رئالیسم، ج۵، ص۱۳۸ – ۱۴۳.
  15. . محاضرات العلامة الطباطبایی لطلاب المدرسة المنتظزیة فی قم، ص۸۷.
  16. البيان في تفسير القرآن، ص۴٣٢.
  17. بمعنى تجرده عن الماهية، إذ كل ما سواه محدود بالماهية ومحصور بها.
  18. أشار إلى هذين التقسيمين: الحكيم السبزواري في (أسرار الحكم)، ص۴٨ - ۴٩.
  19. و لا تمايز بينها إلا بحسب المفهوم. راجع تفسير الميزان، ج٨، ص٣۶٨.
  20. السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٨٧-٩٥.