عاشوراء

من إمامةبيديا

التمهيد

عاشوراء؛ هو يوم العاشر من محرم يوم استشهاد الحسين وابنائه واصحابه في كربلاء. كان يوم العاشر من المحرم في الجاهلية عند العرب من الاعياد الكبيرة وكانوا يصومونه. وكان عيد تفاخر وفرح واحتفال، يرتدون فيه افخر ثيابهم ويتخضّبون وينشرون الزينة. ولما شرع الإسلام صوم شهر رمضان نسخ صوم ذلك اليوم. وقيل ان سبب تسميته بعاشوراء يعود إلى ان الله كرّم في هذا اليوم عشرة أنبياء[١].

يعتبر هذا اليوم لدى الشيعة يوم حزن وعزاء على استشهاد الحسين(ع) الذي يعد اكبر مصيبة وقعت على آل الرسول، وفرح فيه اعداء الإسلام و أهل البيت، وصار يوم مأتم ومواساة لشيعة آل الرسول يبكون فيه قتلى هذا اليوم. قال الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): «وَ أَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَيَوْمٌ أُصِيبَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ صَرِيعاً بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ صَرْعَى عُرَاةً»[٢].

وقال الإمام الرضا(ع): «مَنْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ جَعَلَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ يَوْمَ فَرَحِهِ وَ سُرُورِهِ»[٣]. وجاء في زيارة عاشوراء: «اَللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَ اِبْنُ آكِلَةِ اَلْأَكْبَادِ ...».

دأب ائمّة الشيعة على احياء ذكرى هذا اليوم، حيث يقيمون فيه المآتم ويبكون على مصرع أبي عبد الله(ع)، ويزورونه فيه ويحثّون شيعتهم على زيارته، وكان يوم حزن لهم، ومن جملة الآداب المتعارفة في مثل هذا اليوم اجتناب اللذّات، والكفّ عن العمل، والحزن والبكاء، وعدم الأكل والشرب حتى الظهر، وعدم ادخار شيء للدار، واظهار الحزن والأسى وما إلى ذلك[٤].

لم تكن الظروف في العهدين الاموي والعبّاسي تسمح باقامة شعائر العزاء بشكل علني وواسع على الحسين. ولكن حينما توفرت الظروف المناسبة كان الشيعة يقيمون شعائر العزاء بأبهى صورة ممكنة، وذكرت كتب التاريخ أن معز الدولة الديلمي ألزم أهل بغداد النوح واقامة المأتم على الحسين(ع) وأمر بغلق الأبواب وعلّقت عليها المسوح ومنع الطباخين من الاطعمة وان تخرج النساء بثياب سوداء ويندبن الحسين، واستمر هذا لعدّة سنوات ولم يستطع السنّة منعه لأن الحكومة كانت بيد الشيعة[٥].

اعتبرت واقعة عاشوراء منذ عدّة قرون مضت رمزا ليوم صراع الحق والباطل، ورمزا ليوم الفداء والتضحية في سبيل الدين ؛ ففي هذا اليوم واجه الحسين بن علي بفئة قليلة ولكن مؤمنة وصابرة وتتحلى بالعزّة والصلابة والعظمة جيش حكومة يزيد على كثرة عدده وكمال عدته، ولكنه كان مجردا من الدين والرأفة، وجعل من كربلاء ساحة للبطولة والحرية، ومع ان يوم عاشوراء كان يوم واحداً من الصراع إلّا انّ نطاق تأثيره امتد إلى الأبد، ودخل في اعماق الضمائر والقلوب حتّى صارت العشرة الأولى من محرم وخاصة اليوم العاشر منه فرصة تبرز فيها ذروة المحبة والولاء لعلم الحرية، واسوة الجهاد والشهادة الحسين بن علي، حتى ان غير الشيعة يبجّلون سمو ارواح اولئك الرجال العظام.

عاشوراء يعكس معنى «حُسَيْنٌّ مِنِّي وَ أَنَا مِنْ حُسَيْنِ» إذ ان دين رسول الله سقته وأحيته دماء الحسين. أو كما عبّر احد العلماء عن هذه الحقيقة بقوله: «... كان يوم عاشوراء يوم ثورة عدد قليل من دعاة العدالة المؤمنين ضد الجائرين من أصحاب القصور والمتسلّطين ...»[٦]، وقوله: «لو لا عاشوراء لساد منطق جاهلية أبي سفيان ومن هو على شاكلته ممّن كانوا يستهدفون القضاء على أي وجود للوحي والقرآن، وكان يزيد تذكار عصر عبادة الاصنام المقيت يظن ان قتل ابناء الوحي قد يعينه على هدم صرح الإسلام، وطي صفحة الحكومة الإسلامية بصراحة وباعلانه (لا خبر جاء ولا وحي نزل)، ولو لا عاشوراء لكان من غير الواضح ما الذي سيحل بالقرآن الكريم والإسلام العزيز»[٧].

سار الإمام الحسين من مكّة إلى الكوفة بدعوة من أهاليها لكي ينضم إلى الشيعة الثوريين فيها ويتسلّم زمام قيادتهم بيده، وقبل بلوغ الكوفة حاصره جيش ابن زياد في كربلاء ولكنه ابى ان يبايع حكومة يزيد الظالمة الغاصبة، فقاتله جيش الكوفة، فقاتل هو واصحابه في يوم عاشوراء ببسالة منقطعة النظير حتّى قتلوا وهم عطاشى، واقتيد الباقون من قافلة النور اسرى بيد قوى الظلم واخذوا إلى الكوفة، وسطّر اصحابه الاثنان والسبعون افخر ملحمة في تاريخ البشرية وخلدوا ذكراهم في قلب التاريخ والضمير البشري.

أو كما وصف احد الكتاب المعاصرين عاشوراء بالقول: «عاشوراء مائدة روح الإنسان الفسيحة على مدى العصور، وتجسيد لسمو الضمير في محكمة التاريخ، وانعكاس لصلابة وشجاعة الإنسان في موضع تجلّي الإيمان، وطواف الدم في احرام الصيحة، وتجلي الكعبة في ميقات الدم. عاشوراء اعادة لقراءة التوراة والانجيل والزبور في معبد الاقدام، وترتيل آيات القرآن في الواح الأبدية، وهو دم الله الجاري في اوردة التنزيل، والحنجرة الدامية لجبل «حراء» في ذروة الابلاغ، وصراع جديد بين محمد(ص) وجاهلية بني اميّة وشرك قريش، وتجديد لمطلع رجز «بدر» و«حنين»، وانفجار الصلاة في الشهادة وانفجار الشهادة في الصلاة، وتبلور ابّهة خلود الحقّ في خندق حتف الباطل، وناشر صيحة المظلومين عبر التاريخ، ويد الإنسانية التي تمسح على رءوس الجياع، ورواق الحماسة القاني فى ظلماء الليل والجور، والقلب النابض لعشاق العدالة في محكمة الإنسانية، ودوي الانتصار في اذن الامصار، وهو العطش الذي يصب البحار في محيط الحياة، ورسالة كبرى على عاتق «السبي» الحافل بالحريّة، عاشوراء كرامة المصلين وعزة المسلمين، واخيرا فعاشوراء ركن الكعبة وعمود القبلة، وعماد الامة وحياة القرآن، وروح الصلاة، وبقاء الحج، وصفاء الصفا والمروة وروح المشعر ومنى. عاشوراء هدية الإسلام للبشرية والتاريخ.[٨]

المراجع والمصادر

  1. جواد المحدثي، موسوعة عاشوراء

الهوامش

  1. حياة الإمام الحسين ٣: ١٧٩، نقلا عن «الانوار الحسينية».
  2. بحار الانوار ٤٥: ٩٥.
  3. بحار الانوار ٤٤: ٢٨٤، وسائل الشيعة ١٠: ٣٩٤.
  4. وسائل الشيعة ١٠: ٣٩٤، سفينة البحار ٢: ١٩٦.
  5. سفينة البحار ٢: ١٩٦.
  6. صحيفة النور ٩: ٥٧.
  7. صحيفة النور ١٤: ٢٦٥.
  8. جواد المحدثي، موسوعة عاشوراء، ص ٢٨٧.