عصمة الإمام

من إمامةبيديا

تمهيد

اتّفق أهل السنة على عدم ضرورة عصمة الإمام. بينما اتّفق كلّ علماء الشيعة على أنّ العصمة شرط أساسي لتولّي منصب الإمامة، وأنّ الإمام شخص منزّه عن كلّ خطأ وذنب.

قدّم علماء الشيعة عدّة أدلة عقلية ونقلية على ضرورة عصمة الإمام، لكن التأمل في الاستدلال على وجوب تنصيب الله للإمام بناءاً على حاجة الأمّة لمرجع ديني بعد النبي (ص) يكفي لإثبات ضرورة عصمة الإمام. فلا يمكن للإمام القيام بوظائفه بالشكل المطلوب إلّا إذا كان معصوماً من الخطأ والذنب، وإلّا فإنّ:

  1. تفسير الإمام للقرآن لن يكون حجة على الناس ولن ينهي الخلافات بين المفسرين إذا لم يكن مصوناً من الخطأ.
  2. بيان الإمام للأحكام الدينية لن تتمّ به الحجة على الناس ولن يثقوا به كمرشد لهم في العمل بالواجبات الدينية.
  3. الإمام غير المعصوم قد لا يصمد أمام الانحرافات والتحريفات وقد يترك واجباته لمصالح شخصية.
  4. غير المعصوم لا يمكنه دعوة الناس للتقوى والعمل الصالح بشكل فعّال وقد يفقد قيمته واحترامه عند البعض على الأقل.

باختصار، إذا قبلنا بأنّ وظيفة حفظ الشريعة والدفاع عن كيان الإسلام واستمرار هداية الناس هي من وظائف الإمام بعد النبي (ص)، فإنّ أداء هذه الوظيفة على أكمل وجه غير ممكن بدون العصمة. وكما يقول العلامة الحلي: «ذهبت الإمامية إلى أنّ الأئمة كالأنبياء، في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عمداً وسهواً؛ لأنّهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال النبي»[١].

إضافة لما سبق، قدّم علماء الشيعة أدلّة أخرى على ضرورة عصمة الإمام، منها: لو لم يكن الإمام معصوماً للزم التسلسل وهو ممتنع؛ لأنّ سبب حاجة الأمّة للإمام نابع من عدم عصمتها، فلو كانت معصومة لما احتاجت لإمام. فإذا افترضنا أنّ الإمام قد يخطئ، فسنحتاج لإمام آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية ما لم تنتهي سلسلة الحاجة بإمام معصوم. والتسلسل باطل، فيجب أن ينتهي الأمر بإمام معصوم يسدّ حاجة الناس[٢].[٣]

عصمة الإمام في القرآن

بالإضافة إلى الأدلة العقلية، ذكر علماء الكلام مجموعة من الآيات التي تثبت ضرورة عصمة الإمام. سنذكر آيتين منها:

آية الابتلاء

قال الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[٤]. للاستدلال بهذه الآية، لابدّ من توضيح المقصود من ﴿إِمَاماً، و﴿الظَّالِمِينَ.

المقصود من ﴿إِمَاماً (الإمامة) في الآية

قد يقول البعض إنّ المقصود من «الإمامة» في الآية هو النبوة، أي أنّ الآية تتحدّث عن إعطاء مقام النبوة لإبراهيم (ع). لكنّ هذا القول لا يتناسب مع ظاهر الآية والقرائن الموجودة فيها، فالواضح من عبارة: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً أنّ هذا الكلام لم يكن هو الوحي الأوّل للنبي إبراهيم (ع)، بمعنى أنّه كان قد وصل إلى مقام النبوة قبل هذا الخطاب. كما أنّ طلب إبراهيم (ع) الإمامة لأبنائه دليل آخر على ذلك، فمن غير المعقول أن يطلب ذلك في الوحي الأوّل له.

ثانياً، هذا الطلب يدلّ على أنّ إبراهيم في ذلك الوقت كان قد رُزق بأبناء «إسحاق» و «إسماعيل». ومن جهة أخرى، يصرّح القرآن بأنّ إبراهيم لم يصبح أباً إلّا في سنّ الشيخوخة، أي بعد مرور سنوات طويلة من نبوّته. فهذه الشواهد تؤكّد أنّ المقصود من «الإمامة» في الآية ليس النبوة، بل المقصود هو حفظ التشريع الإلهي وتطبيق أحكام الشريعة في المجتمع، أي القيادة الإلهية للأمّة نحو أهداف الشريعة ومقاصدها، وهذا هو نفس المعنى الذي يقصده المسلمون عندما يتحدّثون عن خليفة النبي (ص).

المقصود من ﴿الظَّالِمِينَ (الظلم) في الآية

أمّا بالنسبة لمعنى الظلم في الآية، فللظلم معاني كثيرة في اللغة العربية. الظلم هو عكس العدل بمعنى عدم وضع الشيء في مكانه الصحيح. لذلك فكلّ معصية تُعتبر ظلماً. وبما أنّ كلمة ﴿الظَّالِمِينَ في الآية جاءت بصيغة الجمع المعرّف بـ (ال)، فإنّ ذلك يفيد معنى العموم، أي أنّ أيّ نوع من أنواع الظلم والذنب يمنع من الوصول إلى مقام الإمامة، المقام الذي عبّرت عنه الآية بـ ﴿عَهْدِي. فالشخص إذا ارتكب ذنباً في مرحلة التكليف ولو مرّة واحدة، فإنّه لا يصلح لمقام الإمامة. وهذا يعني ضرورة عصمة الإمام.

إذن، يُفهم من هذه الآية أنّ العصمة هي أحد شروط الإمامة. وقد أيّدت بعض الروايات هذا المعنى، فعن النبي (ص) أنّ الله قال في جواب إبراهيم (ع): مَن الظالم من ولدي؟: «مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ مِنْ دُونِي لَا أَجْعَلُهُ إِمَاماً أَبَداً، وَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً»[٥].[٦]

آية إطاعة أولي الأمر

الآية الأخرى التي يمكن الاستناد إليها لإثبات ضرورة عصمة الإمام هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[٧].

في هذه الآية، يدعو الله المؤمنين إلى إطاعة النبي وأولي الأمر إطاعة مطلقة غير مقيّدة بأيّ شرط. أيّ أنّ القرآن يريد من المؤمنين أن يتّبعوا أولي الأمر اتّباعاً كاملاً دون استثناء. ومن جهة أخرى، لا يمكن أن يأمر الله الناس باتّباع الذنب والانحراف والخطأ. فالآية تدلّ على عصمة أولي الأمر؛ لأنّه لو لم يكونوا معصومين، لما كان الأمر بإطاعتهم على وجه الإطلاق صحيحاً[٨].

كما أنّ ذكر «أولي الأمر» بعد النبي مباشرة دون تكرار كلمة ﴿أَطِيعُوا دليل آخر على ذلك؛ لأنّ النبي معصوم ولا يأمر بالمعصية أبداً، فلو كان هناك احتمال صدور الخطأ من أولي الأمر، لكان يجب تكرار الأمر بالطاعة للتمييز بين الحالتين.

من هنا، فإنّ هذه الآية تدلّ بوضوح على عصمة «أولي الأمر». وقد بيّنت روايات عديدة أنّ المقصود بهم هم خلفاء النبي: عليّ (ع) وأبناؤه (ع)[٩].[١٠]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي

الهوامش

  1. العلامة الحلي، نهج الحق وكشف الصدق: ۱۶۴.
  2. للتعرّف على أدلّة المتكلمين الأخرى، انظر: العلامة الحلي، كشف المراد: ۳۹۰ و۳۹۱؛ فاضل مقداد، إرشاد الطالبين: ۳۳۲ - ۳۳۶.
  3. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٤٨٤ - ٤٨٦.
  4. سورة البقرة، الآية ١٢٤.
  5. محمد باقر بن محمد تقي، العلامة المجلسي، بحار الأنوار ۲۵: ۲۰۱.
  6. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٤٨٧ و٤٨٨.
  7. سورة النساء، الآية ۵۹.
  8. لقد خصّص القرآن لزوم إطاعة الوالدين بالموارد التي لا يدعونه فيها للشرك، قال سبحانه: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا سورة لقمان، الآية ۱۵.
  9. يُمكن مراجعة الروايات الواردة في ذيل تفسير هذه الآية في كتاب: تفسير شواهد التنزيل، وتفسير البرهان.
  10. انظر: محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الإسلامي: ٤٨٨ - ٤٨٩.