علم الكلام
التعريف
ذُكِرت لهذا العلم تعريفات كثيرة، سنذكر منها تعريفاً يعطينا تصوراً كلياً حول حقيقة هذا العلم، فعلم الكلام: هو العلم الذي يدرس العقائد الإسلامية من حيث الاستنباط والتوضيح والتنظيم والإثبات والدفاع عنها.
وفيما يلي بيان الوظائف الأساسية التي جاءت في التعريف:
الاستنباط: من البين أن للمسائل العقائدية الإسلامية مصدرين حيويين، هما: القرآن الكريم والسنة النبوية، فأول خطوةٍ يقوم بها المتكلم هي استخراج المسائل العقيدية من المصدرين السابقين، وفهم مضمونها وفقاً لمناهج متعددة.
وغير خفي أن وظيفة المتكلم تتحدد بالمسائل النظرية التي يُعبر عنها أحياناً بالأصول الاعتقادية التي تقع في مقابل الفروع العملية، التي تنتمي إلى دائرة الحقل الفقهي.
التوضيح: من الوظائف الأخرى لهذا الحقل توضيح المسائل العقائدية بعد استنباطها من أصولها بتوظيف آلية تواصلية واضحة وخالية من الابهام، فإن المتكلم يُوظف بين - أثناء محاولته فهم ما ورد في القرآن والسنة - مجموعة قواعد ومفاهيم تنتمي إلى حقول معرفية أخرى، كالقواعد وا لمفاهيم العلمية والفلسفية.
التنظيم: في الحقيقة إن المسائل العقيدية لم تُثار في مصادرها الأساسية (خاصة القرآن الكريم) بشكل مُنظم ومُرتب كما هو الشأن في الدراسات الأكاديمية، ومن هنا تتعين وظيفة أخرى للمتكلم، وهي ترتيب المسائل العقائدية المتعددة وتجلية العلاقات التي تربط فيما بينها.
بعبارة أخرى: يسعى المتكلم في نهاية المطاف إلى إيجاد نسقٍ واحد تخضع له المسائل الاعتقادية كافة، بحيث يوضح أولاً كل مسألةٍ من النسق، وثانياً يُقدم نسقاً منسجماً لا يوجد أيُّ تهافت بين مكوّناته. الأمر الذي يتعين على المتكلم إثبات الانسجام بين المكونات التي يُحتمل عدم انسجامها مع غيرها من مكوّنات النسق، فالمتكلم بالتأمل من جديد في المفاهيم الكلامية والأصول التي ترتكز عليها يصل في النهاية إلى رؤى أعمق مما كانت لديه.
الإثبات: يعتمد المتكلم بعد تنظيم المسائل وتبيينها إلى جملةٍ من القضايا النظرية يستدعي الإذعان بها إثارة مباني معقولة، وفي هذه المرحلة يسعى المتكلم إلى إثارة الأدلة المحكمة والمتقنة لإثبات صحتها حتى لا يبقى مجال إلى الشك فيها.
الدفاع: من الوظائف المهمة لهذا الحقل، الدفاع المعقول عن المسائل العقيدية. فإن كثيراً من المسائل الدينية والعقدية تعرضت لشبهات المخالفين، ومن هنا يرى المتكلم نفسه مسؤولاً عن دفع تلك الشبهات والاعتراضات تابعاً في ذلك مناهج معقولة ومعتبرة، الأمر الذي يتسنى له (بهذه الطريقة) الدفاع عن المعتقدات الدينية.[١]
مناهج البحث
يوجد في العصر الحديث آراءٌ متعددة حول مناهج العلوم وتقسيماتها، فتُقسم مناهج البحث في العلوم إلى ثلاثة أقسام:
- المنهج العقلي.
- المنهج الحسى والتجريبي (العلمي).
- المنهج النقلي.
تنحصر عادةً المنهجية في الحقل الكلامي في المنهجين العقلي والنقلي.
المنهج العقلي: يعتمد هذا المنهج على مبادئ منطقية وعقلية، وعمدتها هو الاستدلال القياسي، فيما يُعتمد في المنهج النقلي على حجية ما يصدر عن المرجعية، ومثاله الواضح في علم الكلام: الاعتماد على حجية الآيات القرآنية، حيث يُعتبر صحتها ومطابقة مضمونها للواقع، وبالتأمل في المنهج النقلي، يتبين لنا أن اعتباره قائم في نهاية المطاف على العقل، أي: أن على المتكلم إثبات اعتبار المصدر ووثاقته بالعقل والتدليل عليه. إذن: يستخدم المتكلمون كِلا المنهجين، أي: العقلي والنقلي في تحقيقاتهم العلمية.
كما تنقسم المسائل الكلامية إلى ثلاثة أقسام:
إن طبيعة بعض المسائل الكلامية تقبل الإثبات بكِلا المنهجين العقلي والنقلي (القرآن العظيم والسنة المعتبرة)، وهذا القسم يطال أكثر المسائل الكلامية وكمثال لذلك: البحث في الصفات الإلهية "باستثناء صفة الصدق".
يعتمد قسم آخر من المسائل الكلامية على المنهج العقلي فقط، من قبيل إثبات الواجب تعالى وإثبات النبوة.
إن بعض المسائل الكلامية يقصر المنهج العقلي عن إثباتها ويعتمد فقط على المنهج النقلي، مثالها البارز: الحالات التي تعتري الإنسان بعد الموت وعالم الآخرة التي لا يتسنى للعقل الفتوى فيها، فيبقى النقل هو الهادي إليها فقط.[٢]
التسمية
أول ما يُثار في ذهن المحققين في علم الكلام بدواً وجه تسمية هذا الحقل بعلم الكلام، ولكن لا يوجد لدينا رأي حاسم وإجابة قاطعة مُتفقٌ عليها عن هذا السؤال.
من جملة ما ذُكر في منشأ تسمية هذا العلم بعلم الكلام: هو ذلك الخلاف المشهور تاريخياً بين المتكلمين الأوائل، والذي كان يدور حول كلام الله الجليل في أنه قديم أو حادث. وثَمَّ رأيٌ آخر، فقيل هو علم يقوي ملكة التكلم في المسائل العقدية.
على كل تقدير هناك عدة احتمالات تُشير إلى وجه التسمية بحيث يصعب تحديد الصحيح منها.[٣]
دائرة البحث
بالالتفات إلى التعريف السابق يتضح المجال الواسع لهذا الحقل، مع ذلك يمكن تقسيم المسائل الكلامية على ثلاثة محاور رئيسية هي:
- معرفة الله: "يبحث تحت عنوان التوحيد"
- معرفة الهادي: "وتبحث تحت عنوان النبوة والإمامة".
- معرفة المعاد.
لا شك أن هناك معارف إسلامية دقيقة وعميقة حول الإنسان والكون، غير أن المنهجية العامة للمتكلمين لم تتناول معرفة الإنسان بشكل مستقل وإن أثيرت مباحث على مستوى المحاور الثلاثة السابقة تتصل بمعرفة الإنسان من قبيل بحث الفطرة، التوحيد الفعلي، حاجة الإنسان إلى الدين والنبوة وكيفية المعاد... .
والتحليل نفسه يصدق على معرفة الكون، غير أنه أثيرت في بداية بعض المتون الكلامية للمتأخرين مسائل تتصل بمعرفة الكون، تأثراً بالمنهجية الفلسفية.
واللافت أن هذه المباحث أثيرت في فضاء فلسفي محض، وفاقدة لصبغتها الكلامية كما لا شك في أن المعرفة التامة بهذا الحقل زيادة على الإحاطة بمسائله مشروط بدراسة واسعة لأبحاثه: دراسة السياق التاريخي لهذا الحقل من بداية نشؤه إلى اليوم، ودراسة آراء الفرق المختلفة، ودراسة النظرية التاريخية للعلاقة التي تربط بين هذا الحقل وسائر الحقول المعرفية الأخرى (تفسير، فلسفة، عرفان و...).[٤]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ١٦-١٨.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ١٨-١٩.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ١٩.
- ↑ محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ١٩-٢٠.