الإمام علي الهادي عليه السلام
اسمه ونسبه
هو علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
وامّه امّ ولد، يقال لها: «سمانة»[١] أو سمانة المغربية [٢].
كنيته ولقبه
وألقابه كثيرة أشهرها: «الهادي» و«النقي» و«العسكري»[٤] ؛ لأنّ المحلّة التي كان يسكنها بسرّ من رأى كانت تسمّى العسكر [٥]، أو كانت المدينة نفسها تسمّى عسكر [٦].
مولده
ولد في صريّا [٧] في النصف من ذي الحجّة سنة مئتين واثنتي عشرة [٨]، وقيل: في رجب سنة مئتين وأربع عشرة [٩].
وفاته
توفّي بسرّ من رأى - سامرّاء - في رجب سنة مئتين وأربع وخمسين [١٠]، وقيل: لأربع بقين من جمادى الآخرة [١١].
عمره الشريف
بلغ عمره الشريف إحدى وأربعين سنة [١٢]، وقيل: وستّة [١٣] أو سبعة أشهر [١٤]. وعاش بعد أبيه الجواد (ع): ثلاثا وثلاثين سنة [١٥].
مدّة إمامته
وهي ثلاث وثلاثون سنة، أي المدّة التي عاشها بعد أبيه (ع).
حكّام عصره
عاصره من حكّام بني العباس: المعتصم، و«المتوكّل»، و«المنتصر»، و«المستعين»، و«المعتز» [١٦].
وقد أشخصه المتوكّل من المدينة إلى سامراء، وبقي فيها إلى أن توفّي أيام المعتزّ [١٧].
ويبدو من مجموع ما ذكره المؤرّخون: أنّ أشدّ زمن مرّ به هو أيّام المتوكّل التي دامت أربع عشرة سنة، وفيما يلي نذكر بعض ما جرى عليه خلالها.
الإمام (ع) في عهد المتوكّل
اتّصف المتوكّل بعدائه الشديد لأهل البيت (ع)، فهو الذي أمر بهدم قبر الإمام الحسين (ع) وتسويته والزراعة في أرضه، ومنع الناس من زيارته [١٨]. وقد تجلّى هذا العداء بالنسبة إلى الإمام الهادي (ع) أيضاً.
وأوّل ما صدر منه في حقّ الإمام (ع) هو أنّه أشخصه من المدينة إلى سامراء.
وذلك: أنّ الإمام (ع) بقي في المدينة بعد أبيه الجواد وفي طول حكم المعتصم، وأوائل حكم المتوكّل، إلى أن أشخصه سنة مئتين وثلاث وأربعين[١٩]، أي ثلاث وعشرين سنة.
وكان سبب إشخاصه - كما ذكره الشيخ المفيد - هو: أنّ المتوكّل ولّى على الحرب والصلاة في مدينة الرسول (ص) عبد الله بن محمد[٢٠]، فسعى بأبي الحسن(ع) إلى المتوكّل، وكان يقصده بالأذى، ولمّا بلغ أبا الحسن سعايته، كتب إلى المتوكّل يذكر تحامل عبد الله بن محمّد ويكذّبه فيما سعى به، فأجابه المتوكّل:
«﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[٢١]
أمّا بعد: فإنّ أمير المؤمنين عارف بقدرك، راع لقرابتك، موجب لحقّك، مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم، ويثبت به عزّك وعزّهم، ويدخل الأمن عليك وعليهم، يبتغي بذلك رضا ربّه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم، وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمّد عمّا كان يتولّاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول (ص) إذا كان على ما ذكرت من جهالته بحقّك، واستخفافه بقدرك، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي علم أمير المؤمنين براءتك منه، وصدق نيّتك في برّك وقولك، وأنّك لم تؤهّل نفسك لما قرفت بطلبه، وقد ولّى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل، وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرّب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك.
وأمير المؤمنين مشتاق إليك، يحبّ إحداث العهد بك والنظر إليك، فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك، على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت، وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين، ومن معه من الجند يرتحلون برحيلك، ويسيرون بسيرك فالأمر في ذلك إليك، وقد تقدّمنا إليه بطاعتك، فاستخر الله حتّى توافي أمير المؤمنين، فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصّته ألطف منه منزلة، ولا أحمد له أثرة، ولا هو لهم أنظر، وعليهم أشفق، وبهم أبرّ، وإليهم أسكن منه إليك، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وكتب إبراهيم بن العباس في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومئتين» [٢٢].
قال المفيد: «فلمّا وصل الكتاب إلى أبي الحسن (ع) تجهّز للرحيل، وخرج معه يحيى بن هرثمة حتّى وصل إلى سرّ من رأى، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل أن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك، وأقام فيه يومه، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دار له، فانتقل إليها» [٢٣].
ثمّ قال: «وأقام أبو الحسن (ع) مدّة مقامه بسرّ من رأى مكرّما في ظاهر الحال، يجتهد المتوكّل في إيقاع حيلة به فلا يتمكّن من ذلك، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له وبيّنات، إن قصدنا لإيراد ذلك خرجنا عن الغرض فيما نحوناه» [٢٤].
ومن تلك الآيات ما نقله المسعودي عن محمد بن عرفة النحوي، عن محمد بن يزيد المبرد، قال:
«... وقد كان سعي بـ أبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكّل، وقيل له: إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممّن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه، وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلّا الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف، متوجّها إلى ربّه يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فاخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكّل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكّل يشرب وفي يده كأس، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه، ولا حالة يتعلّل عليه بها، فناوله المتوكّل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قطّ، فاعفني منه، فعافاه، وقال: أنشدني شعرا أستحسنه، فقال: إنّي لقليل الرواية للأشعار، فقال: لابدّ أن تنشدني، فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم | غلب الرجال فما أغنتهم القلل | |
واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم | فاودعوا حفرا، يا بئس ما نزلوا | |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا | أين الأسرّة والتيجان والحلل | |
أين الوجوه التي كانت منعّمة | من دونها تضرب الأستار والكلل | |
فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم | تلك الوجوه عليها الدود يقتتل | |
قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا | فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا | |
وطالما عمروا دورا لتحصنهم | ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا | |
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا | فخلّفوها على الأعداء وارتحلوا | |
أضحت منازلهم قفرا معطّلة | وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا |
قال [٢٥]: فأشفق كلّ من حضر على عليّ، وظنّ أنّ بادرة تبدر منه إليه [٢٦]، قال: والله لقد بكى المتوكّل بكاء طويلاً حتّى بلّت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثمّ أمر برفع الشراب، ثمّ قال له: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى منزله من ساعته مكرّما» [٢٧].
ومن تلك الآيات ما رواه المفيد عن الحسين بن الحسن الحسني، قال: حدّثني أبو الطيب يعقوب بن ياسر، قال: «كَانَ اَلْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ وَيْحَكُمْ قَدْ أَعْيَانِي أَمْرُ اِبْنِ اَلرِّضَا [٢٨] وَ جَهَدْتُ أَنْ يَشْرَبَ مَعِي وَ أَنْ يُنَادِمَنِي فَامْتَنَعَ وَ جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ فُرْصَةً فِي هَذَا اَلْمَعْنَى فَلَمْ أَجِدْهَا فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ إِنْ لَمْ تَجِدْ مِنِ اِبْنِ اَلرِّضَا مَا تُرِيدُهُ مِنْ هَذِهِ اَلْحَالِ فَهَذَا أَخُوهُ مُوسَى[٢٩] قَصَّافٌ عَزَّافٌ[٣٠] يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ يَعْشَقُ وَ يَتَخَالَعُ فَأَحْضِرْهُ وَ أَشْهِرْهُ فَإِنَّ اَلْخَبَرَ يَشِيعُ عَنِ اِبْنِ اَلرِّضَا بِذَلِكَ وَ لاَ يُفَرِّقُ اَلنَّاسُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ أَخِيهِ وَ مَنْ عَرَفَهُ اِتَّهَمَ أَخَاهُ بِمِثْلِ فَعَالِهِ. فَقَالَ اُكْتُبُوا بِإِشْخَاصِهِ مُكَرَّماً فَأُشْخِصَ مُكَرَّماً فَتَقَدَّمَ اَلْمُتَوَكِّلُ أَنْ يَتَلَقَّاهُ جَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ وَ اَلْقُوَّادُ وَ سَائِرُ اَلنَّاسِ وَ عَمِلَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَافَى أَقْطَعَهُ قَطِيعَةً وَ بَنَى لَهُ فِيهَا وَ حَوَّلَ إِلَيْهَا اَلْخَمَّارِينَ وَ اَلْقِيَانَ وَ تَقَدَّمَ بِصِلَتِهِ وَ بِرِّهِ وَ أَفْرَدَ لَهُ مَنْزِلاً سَرِيّاً يَصْلُحُ أَنْ يَزُورَهُ هُوَ فِيهِ. فَلَمَّا وَافَى مُوسَى تَلَقَّاهُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي قَنْطَرَةِ وَصِيفٍ وَ هُوَ مَوْضِعٌ يُتَلَقَّى فِيهِ اَلْقَادِمُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ وَفَّاهُ حَقَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنَّ هَذَا اَلرَّجُلَ قَدْ أَحْضَرَكَ لِيَهْتِكَكَ وَ يَضَعَ مِنْكَ فَلاَ تُقِرَّ لَهُ أَنَّكَ شَرِبْتَ نَبِيذاً قَطُّ [٣١] وَ اِتَّقِ اَللَّهَ يَا أَخِي أَنْ تَرْتَكِبَ مَحْظُوراً فَقَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّمَا دَعَانِي لِهَذَا فَمَا حِيلَتِي قَالَ فَلاَ تَضَعْ مِنْ قَدْرِكَ وَ لاَ تَعْصِ رَبَّكَ وَ لاَ تَفْعَلْ مَا يَشِينُكَ فَمَا غَرَضُهُ إِلاَّ هَتْكُكَ فَأَبَى عَلَيْهِ مُوسَى فَكَرَّرَ عَلَيْهِ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْقَوْلَ وَ اَلْوَعْظَ وَ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى خِلاَفِهِ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُجِيبُ قَالَ لَهُ أَمَا إِنَّ اَلْمَجْلِسَ اَلَّذِي تُرِيدُ اَلاِجْتِمَاعَ مَعَهُ عَلَيْهِ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَنْتَ وَ هُوَ أَبَداً قَالَ فَأَقَامَ مُوسَى ثَلاَثَ سِنِينَ يُبَكِّرُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بَابِ اَلْمُتَوَكِّلِ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ تَشَاغَلَ اَلْيَوْمَ فَيَرُوحُ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ سَكِرَ فَيُبَكِّرُ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ شَرِبَ دَوَاءً فَمَا زَالَ عَلَى هَذَا ثَلاَثَ سِنِينَ حَتَّى قُتِلَ اَلْمُتَوَكِّلُ وَ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ عَلَى شَرَابٍ»[٣٢].
وروي: «أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ اَلْفِطْرِ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي قُتِلَ فِيهَا اَلْمُتَوَكِّلُ أَمَرَ اَلْمُتَوَكِّلُ بَنِي هَاشِمٍ بِالتَّرَجُّلِ وَ اَلْمَشْيِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَتَرَجَّلَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَتَرَجَّلَ بَنُو هَاشِمٍ وَ تَرَجَّلَ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ اِتَّكَأَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ مَوَالِيهِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ اَلْهَاشِمِيُّونَ وَ قَالُوا يَا سَيِّدَنَا مَا فِي هَذَا اَلْعَالَمِ أَحَدٌ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ وَ يَكْفِينَا اَللَّهُ بِهِ تَعَزُّزَ هَذَا قَالَ لَهُمْ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي هَذَا اَلْعَالَمِ مَنْ قُلاَمَةُ ظُفُرِهِ أَكْرَمُ عَلَى اَللَّهِ مِنْ نَاقَةِ ثَمُودَ لَمَّا عُقِرَتِ اَلنَّاقَةُ صَاحَ اَلْفَصِيلُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾[٣٣] فَقُتِلَ اَلْمُتَوَكِّلُ يَوْمَ اَلثَّالِثِ»[٣٤].
والمعروف أنّه قتل في الثالث أو الرابع من شوّال سنة مئتين وسبع وأربعين [٣٥]، واستراح العلويون والطالبيّون من ظلمه.
وجاء بعده ابنه المنتصر فعكس سياسة أبيه تجاه الطالبيّين، لكن لم يدم ملكه إلّا سبعة أشهر فمات، وخلفه المستعين بن المعتصم، فدام ملكه أربع سنين، ثمّ خلع وبويع للمعتزّ بن المتوكّل في أوائل محرّم سنة مئتين واثنتين وخمسين، وتوفّي الإمام الهادي في أيامه سنة مئتين وأربع وخمسين.
قال المسعودي: «حدّثني محمد بن الفرج بمدينة جرجان في المحلّة المعروفة ببئر أبي عنان، قال: حدّثني أبو دعامة: قال: « أَتَيْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَائِداً فِي عِلَّتِهِ اَلَّتِي كَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا فَلَمَّا هَمَمْتُ بِالاِنْصِرَافِ قَالَ لِي يَا أَبَا دِعَامَةَ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ حَقُّكَ أَ لاَ أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ تُسَرُّ بِهِ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَحْوَجَنِي إِلَى ذَلِكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا عَلِيُّ اُكْتُبْ فَقُلْتُ مَا أَكْتُبُ فَقَالَ اُكْتُبْ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ اَلْإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي اَلْقُلُوبِ وَ صَدَّقَتْهُ اَلْأَعْمَالُ وَ اَلْإِسْلاَمُ مَا جَرَى عَلَى اَللِّسَانِ وَ حَلَّتْ بِهِ اَلْمُنَاكَحَةُ قَالَ أَبُو دِعَامَةَ فَقُلْتُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ اَللَّهِ مَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَحْسَنُ اَلْحَدِيثُ أَمِ اَلْإِسْنَادُ فَقَالَ إِنَّهَا لَصَحِيفَةٌ بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ إِمْلاَءِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَتَوَارَثُهَمَا صَاغِرٌ عَنْ كَابِرٍ»[٣٦].
ثمّ قال المسعودي في نهاية كلامه: «وقيل: إنّه مات مسموماً(ع)» [٣٧].
وقال اليعقوبي: «وبعث المعتزّ بأخيه أبي أحمد بن المتوكل فصلّى عليه [٣٨] في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم، فردّ النعش إلى داره فدفن فيها» [٣٩].
أصحاب الإمام الهادي (ع)
كان الاتّصال بالإمام (ع) في المدينة أسهل من الاتّصال به في سامرّاء ؛ لشدّة المراقبة المفروضة عليه ؛ ولذلك كانت المكاتبات - وهي الأسئلة المكتوبة الموجّهة إليه من قبل أصحابه وجوابه عنها - كثيرة في عهده وعهد أبيه وابنه (ع).
وكان عدد من روى عنه - حسب ما وصلت أسماؤهم إلى الشيخ الطوسي - يقارب مئة وتسعين شخصاً، نذكر ثلاثة منهم:
قال عنه النجاشي: «أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. له كتاب خطب أمير المؤمنين (ع)».
ثمّ نقل بإسناده عن البرقي أنّه قال: «كان عبد العظيم ورد الريّ هارباً من السلطان، وسكن سربا [٤٠] في دار رجل من الشيعة في سكّة الموالي، وكان يعبد الله في ذلك السرب ويصوم نهاره، ويقوم ليله، وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق، ويقول: هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر (ع).
فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة آل محمّد (ع) حتّى عرفه أكثرهم...».
ثمّ نقل رؤيا بعضهم: أنّ النبيّ(ص) قال له: « إِنَّ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُحْمَلُ مِنْ سِكَّةِ اَلْمَوَالِي وَ يُدْفَنُ عِنْدَ شَجَرَةِ اَلتُّفَّاحِ».
وأنّ مالك الشجرة رأى ذلك أيضاً، فأوقف موضع الشجرة وجميع البستان على الشريف والشيعة يدفنون فيه.
ثمّ قال: «فمرض عبد العظيم ومات رحمه الله، فلمّا جرّد ليغسّل وجد في جيبه رقعة فيها ذكر نسبه، فإذا فيها: «أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع)» [٤١].
أقول: ورد في حقّه مدح كثير، وله مشهد عظيم في الري يقصده الناس لزيارته، ووفّقت لزيارته مرّات عديدة.
٢. أيوب بن نوح:
قال عنه النجاشي: «أبو الحسين أيوب بن نوح بن دراج النخعي، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمّد (ع)، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته، وأبوه نوح بن دراج كان قاضياً بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، وأخوه جميل بن دراج[٤٢].[٤٣]
وكلامه دالّ على أنّه كان وكيلاً للإمام أبي الحسن الهادي وابنه أبي محمد العسكري(ع).
ولكن ذكره الشيخ في رجاله في عداد أصحاب الرضا والجواد والهادي (ع) [٤٤]، ولم يذكره في أصحاب أبي محمّد العسكري (ع).
وقال عنه في الفهرست: «له كتب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث (ع)» [٤٥].
وقال عنه الكشّي - نقلاً عن حمدان القلانسي -: «كان في الصالحين، وكان حين مات ولم يخلّف إلّا مقدار مئة وخمسين ديناراً، وكان عند الناس أنّ عنده مالاً؛ لأنّه كان وكيلاً لهم(ع)»[٤٦].
٣. أبو هاشم الجعفري:
قال عنه النجاشي: «داوود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أبو هاشم الجعفري، كان عظيم المنزلة عند الأئمّة (ع)، شريف القدر، ثقة، روى أبوه عن أبي عبد الله (ع)...» [٤٧].
وقال عنه الشيخ الطوسي: «داوود بن القاسم... يكنّى أبا هاشم من أهل بغداد، جليل القدر، عظيم المنزلة عند الأئمّة (ع)، وقد شاهد الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر (ع)، وكان مقدّماً عند السلطان، له كتاب...
وقد روى عنهم (ع)، وله معهم أخبار ومسائل وله شعر فيهم» [٤٨].
ومن أشعاره في أبي الحسن (ع) حين سمع بمرضه:
[٤٩]مادت الأرض بي وأدّت فؤادي | واعترتني موارد العرواء | |
حين قيل: الإمام نضو عليل | قلت: نفسي فدته كلّ الفداء | |
مرض الدين لاعتلالك واعتـ | ـل وغارت له نجوم السماء | |
عجبا أن منيت بالداء والسقـ | ـم وأنت الإمام حسم الداء | |
أنت آسي الأدواء في الدين والدّ | نيا ومحيي الأموات والأحياء |
احتجاجات الإمام أبي الحسن(ع)
لم تكن الأجواء العلميّة نشطة أيام المتوكّل كما كانت عليه أيّام المأمون ؛ لانشغال المتوكّل باللهو وشرب الخمور أكثر من غيره.
أضف إلى ذلك عاملين آخرين، وهما:
- شدّة الرقابة على الإمام (ع) من قبل السلطة، وخوف الناس من الاتّصال به.
- تخوّف السلطة من عقد مجالس الحوار مع الإمام (ع) خوفا من ظهور علمه وتفوّقه على غيره عند عامّة الناس وخاصّتهم، وهذا ما يظهر ممّا سنذكره.
ومع ذلك فقد سجّلت بعض المحاورات بينه وبين علماء البلاط وغيرهم، منها:
محاورة الإمام (ع) مع ابن السكيت[٥٠] و يحيى بن أكثم
« قَالَ اَلْمُتَوَكِّلُ لاِبْنِ اَلسِّكِّيتِ - سَلِ اِبْنَ اَلرِّضَا مَسْأَلَةً عَوْصَاءَ بِحَضْرَتِي فَسَأَلَهُ فَقَالَ لِمَ بَعَثَ اَللَّهُ مُوسَى بِالْعَصَا وَ بَعَثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِبْرَاءِ اَلْأَكْمَهِ وَ اَلْأَبْرَصِ وَ إِحْيَاءِ اَلْمَوْتَى وَ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْقُرْآنِ وَ اَلسَّيْفِ فَقَالَ : أَبُو اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعَثَ اَللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْعَصَا وَ اَلْيَدِ اَلْبَيْضَاءِ فِي زَمَانٍ اَلْغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ اَلسِّحْرُ فَأَتَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا قَهَرَ سِحْرَهُمْ وَ بَهَرَهُمْ وَ أَثْبَتَ اَلْحُجَّةَ عَلَيْهِمْ وَ بَعَثَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِبْرَاءِ اَلْأَكْمَهِ وَ اَلْأَبْرَصِ وَ إِحْيَاءِ اَلْمَوْتَى بِإِذْنِ اَللَّهِ فِي زَمَانٍ اَلْغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ اَلطِّبُّ فَأَتَاهُمْ مِنْ إِبْرَاءِ اَلْأَكْمَهِ وَ اَلْأَبْرَصِ وَ إِحْيَاءِ اَلْمَوْتَى بِإِذْنِ اَللَّهِ فَقَهَرَهُمْ وَ بَهَرَهُمْ وَ بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْقُرْآنِ وَ اَلسَّيْفِ فِي زَمَانٍ اَلْغَالِبُ عَلَى أَهْلِهِ اَلسَّيْفُ وَ اَلشِّعْرُ فَأَتَاهُمْ مِنَ اَلْقُرْآنِ اَلزَّاهِرِ وَ اَلسَّيْفِ اَلْقَاهِرِ مَا بَهَرَ بِهِ شِعْرَهُمْ وَ بَهَرَ سَيْفَهُمْ وَ أَثْبَتَ اَلْحُجَّةَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اِبْنُ اَلسِّكِّيتِ فَمَا اَلْحُجَّةُ اَلْآنَ قَالَ اَلْعَقْلُ يُعْرَفُ بِهِ اَلْكَاذِبُ عَلَى اَللَّهِ فَيُكَذَّبُ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ مَا لاِبْنِ اَلسِّكِّيتِ وَ مُنَاظَرَتِهِ وَ إِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ نَحْوٍ وَ شِعْرٍ وَ لُغَةٍ وَ رَفَعَ قِرْطَاساً فِيهِ مَسَائِلُ ...»[٥١].
وهنا روايتان:
- رواية المناقب، وفيها: أنّ السائل هو ابن السكّيت أيضاً، فأملى عليه الإمام (ع) جوابها فكتبها.
- رواية تحف العقول، وفيها أنّ يحيى بن أكثم دفع الأسئلة إلى موسى - أخ الإمام (ع) - فأملى عليه الإمام (ع) الجواب [٥٢].
ولمّا كانت الأسئلة كثيرة ولا يسعنا ذكرها مع أجوبتها كلّها، فلذلك نقتصر على ذكر بعضها مع مقدّمة الجواب على رواية تحف العقول:
« ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾[٥٣] وَ أَنْتَ فَأَلْهَمَكَ اَللَّهُ اَلرُّشْدَ أَتَانِي كِتَابُكَ وَ مَا اِمْتَحَنْتَنَا بِهِ مِنْ تَعَنُّتِكَ لِتَجِدَ إِلَى اَلطَّعْنِ سَبِيلاً إِنْ قَصَرْنَا فِيهَا وَ اَللَّهُ يُكَافِئُكَ عَلَى نِيَّتِكَ وَ قَدْ شَرَحْنَا مَسَائِلَكَ فَأَصْغِ إِلَيْهَا سَمْعَكَ وَ ذَلِّلْ لَهَا فَهْمَكَ وَ اِشْغَلْ بِهَا قَلْبَكَ فَقَدْ لَزِمَتْكَ اَلْحُجَّةُ وَ اَلسَّلاَمُ سَأَلْتَ عَنْ قَوْلِ اَللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾[٥٤] فَهُوَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا وَ لَمْ يَعْجِزْ سُلَيْمَانُ عَنْ مَعْرِفَةِ مَا عَرَفَ آصَفُ لَكِنَّهُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ أَحَبَّ أَنْ يُعَرِّفَ أُمَّتَهُ مِنَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ أَنَّهُ اَلْحُجَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَوْدَعَهُ آصَفَ بِأَمْرِ اَللَّهِ فَفَهَّمَهُ ذَلِكَ لِئَلاَّ يَخْتَلِفَ عَلَيْهِ فِي إِمَامَتِهِ وَ دَلاَلَتِهِ كَمَا فُهِّمَ سُلَيْمَانُ فِي حَيَاةِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ لِتُعْرَفَ نُبُوَّتُهُ وَ إِمَامَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ لِتَأَكُّدِ اَلْحُجَّةِ عَلَى اَلْخَلْقِ وَ أَمَّا سُجُودُ يَعْقُوبَ وَ وُلْدِهِ [٥٥] كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ وَ مَحَبَّةً لِيُوسُفَ كَمَا أَنَّ اَلسُّجُودَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ لِآدَمَ وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً لِلَّهِ وَ مَحَبَّةً مِنْهُمْ لِآدَمَ فَسَجَدَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَ وُلْدُهُ وَ يُوسُفُ مَعَهُمْ شُكْراً لِلَّهِ بِاجْتِمَاعِ شَمْلِهِمْ أَ لَمْ تَرَهُ يَقُولُ فِي شُكْرِهِ ذَلِكَ اَلْوَقْتَ ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾[٥٦] إِلَى آخِرِ اَلْآيَةِ وَ أَمَّا قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾[٥٧] فَإِنَّ اَلْمُخَاطَبَ بِهِ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ لَمْ يَكُنْ فِي شَكٍّ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَ لَكِنْ قَالَتِ اَلْجَهَلَةُ كَيْفَ لَمْ يَبْعَثِ اَللَّهُ نَبِيّاً مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ إِذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نَبِيِّهِ وَ بَيْنَنَا فِي اَلاِسْتِغْنَاءِ عَنِ اَلْمَآكِلِ وَ اَلْمَشَارِبِ وَ اَلْمَشْيِ فِي اَلْأَسْوَاقِ فَأَوْحَى اَللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ ﴿فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ﴾[٥٨] بِمَحْضَرِ اَلْجَهَلَةِ هَلْ بَعَثَ اَللَّهُ رَسُولاً قَبْلَكَ إِلاَّ وَ هُوَ يَأْكُلُ اَلطَّعَامَ وَ يَمْشِي فِي اَلْأَسْوَاقِ وَ لَكَ بِهِمْ أُسْوَةٌ وَ إِنَّمَا قَالَ: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ ﴾ وَ لَمْ يَكُنْ وَ لَكِنْ لِلنَّصَفَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[٥٩] وَ لَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ [٦٠] لَمْ يُجِيبُوا إِلَى اَلْمُبَاهَلَةِ وَ قَدْ عَلِمَ اَللَّهُ أَنَّ نَبِيَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ رِسَالاَتِهِ وَ مَا هُوَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ فَكَذَلِكَ عَرَفَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ وَ لَكِنْ أَحَبَّ أَنْ يُنْصِفَ مِنْ نَفْسِهِ ...»[٦١].
وجاء في ختام رواية المناقب: «فلمّا قرأ ابن أكثم قال للمتوكّل: ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه، وأنّه لا يرد عليه شيء بعدها إلّا دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة!» [٦٢].
نقتصر بهذا المقدار في بيان هذه المحاورة ؛ لعدم إمكان ذكرها كلّها.
ورووا: «لَمَّا سُمَّ اَلْمُتَوَكِّلُ نَذَرَ لِلَّهِ إِنْ رَزَقَهُ اَللَّهُ اَلْعَافِيَةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ كَثِيرٍ فَلَمَّا عُوفِيَ اِخْتَلَفَ اَلْفُقَهَاءُ فِي اَلْمَالِ اَلْكَثِيرِ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ حَاجِبُهُ[٦٣] إِنْ أَتَيْتُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ بِالصَّوَابِ فَمَا لِي عِنْدَكَ قَالَ عَشَرَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَ إِلاَّ ضَرَبْتُكَ مِائَةَ مِقْرَعَةٍ قَالَ قَدْ رَضِيْتُ فَأَتَى أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ قُلْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِثَمَانِينَ دِرْهَماً [٦٤]فَأَخْبَرَ اَلْمُتَوَكِّلَ فَسَأَلَهُ مَا اَلْعِلَّةُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ قَالَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾[٦٥] فَعَدَدْنَا مَوَاطِنَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَبَلَغَتْ ثَمَانِينَ مَوْطِناً [٦٦]فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَ فَفَرِحَ وَ أَعْطَاهُ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ .»[٦٧].
موقف الإمام الهادي من الانحرافات والغلوّ
ثمّة انحرافات فكريّة كانت تحصل بين بعض الشيعة؛ لأسباب، منها:
- الاختلاف في النقل عن الأئمّة (ع).
- تفسير كلام الأئمّة (ع) بالرأي.
- تدخّل العنصر المادي، مثل المال، كما وقع في انحراف الواقفية بسبب وجود أموال طائلة للإمام موسى بن جعفر (ع) عند بعضهم، فأنكر موت الإمام (ع) لئلا يدفعها للإمام الشرعي بعده.
- صعوبة الاتّصال بالإمام (ع) ورفع الشبهات.
- عوامل أخرى كخباثة بعض الأفراد، وطلب الرئاسة، ونحو ذلك.
والعامل الرابع كان عاملا أساسيا لوقوع بعض الانحرافات أيام الأئمّة بعد الإمام الرضا (ع).
وأمّا بالنسبة إلى ازدياد ظهور الغلوّ أيّام هؤلاء الأئمّة بشكل خاصّ، فإنّما هو لكثرة المعاجز التي كانت تصدر منهم (ع)، وخاصّة ما كان يرتبط بعلم الإمام (ع) وإخباره عن الضمائر.
ويبدو - والله العالم - أنّ الذي ألجأ هؤلاء الأئمّة (ع) إلى هذا الأمر، إنّما هو منعهم من إظهار علومهم بالشكل الطبيعي المتعارف، كما كان في عهد الأئمّة: الباقر والصادق والكاظم والرضا (ع) [٦٨]
وعلى أية حال فإنّ الإمام الهادي (ع) قابل جميع أنواع الانحرافات بمختلف الأساليب، فمن ذلك:
١. رسالته إلى شيعته في الردّ على أهل الجبر والتفويض.
وذكرها ابن شعبة في تحف العقول، وهي طويلة لا يمكننا نقلها بأجمعها، ولكن نذكر مقدّمتها للدلالة على أصل الموضوع، وهي قوله (ع): «مِنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ وَ ﴿عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾[٦٩] وَ رَحْمَةُ اَللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ كِتَابُكُمْ وَ فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنِ اِخْتِلاَفِكُمْ فِي دِينِكُمْ وَ خَوْضِكُمْ فِي اَلْقَدَرِ وَ مَقَالَةِ مَنْ يَقُولُ مِنْكُمْ بِالْجَبْرِ وَ مَنْ يَقُولُ بِالتَّفْوِيضِ وَ تَفَرُّقِكُمْ فِي ذَلِكَ وَ تَقَاطُعِكُمْ وَ مَا ظَهَرَ مِنَ اَلْعَدَاوَةِ بَيْنَكُمْ ثُمَّ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ وَ بَيَانِهِ لَكُمْ وَ فَهِمْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ اِعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ »[٧٠].
ثمّ أخذ يستدلّ على نفي الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين الذي بيّنه الإمام الصادق (ع) [٧١].
٢. ما ورد عنه (ع) في ذمّ جماعة بسبب انحرافهم بالغلوّ أو غير ذلك.
فممّن ذكروا ورود الذمّ فيهم:
أ. فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني: فقد صرّحت أكثر الكتب الرجالية بفساد مذهبه ولعنه من قبل الإمام الهادي (ع) وأمر بعض أصحابه بقتله [٧٢].
قال الشيخ الطوسي: «فارس بن حاتم القزويني غال ملعون» [٧٣].
وروى الكشّي روايات عديدة في هذا المعنى، منها: ما كتبه الإمام الهادي (ع) في جواب كتاب وجّه إليه في أمر فارس بن حاتم، جاء فيه: «كَذِّبُوهُ وَ هَتِّكُوهُ أَبْعَدَهُ اَللَّهُ وَ أَخْزَاهُ! فَهُوَ كَاذِبٌ فِي جَمِيعِ مَا يَدَّعِي وَ يَصِفُ، وَ لَكِنْ صُونُوا أَنْفُسَكُمْ عَنِ اَلْخَوْضِ وَ اَلْكَلاَمِ فِي ذَلِكَ، وَ تَوَقُّوا مُشَاوَرَتَهُ وَ لاَ تَجْعَلُوا لَهُ اَلسَّبِيلَ إِلَى طَلَبِ اَلشَّرِّ، كَفَانَا اَللَّهُ مَئونَتَهُ وَ مَئونَةَ مَنْ كَانَ مِثْلَهُ»[٧٤].
ب. الحسن بن محمد بن بابا القمي، و محمد بن نصير النميري، و علي بن حسكة[٧٥]، وجماعة آخرون وردت أسماؤهم وحالاتهم في كتب الرجال.[٧٦]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ انظر: أصول الكافي ١: ٤٩٧، والإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢، والبحار ٥٠: ١١٣ - ١١٧، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب أسمائه وألقابه...
- ↑ انظر مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠١.
- ↑ انظر: أصول الكافي ١: ٤٩٧، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠١، والإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢، والبحار ٥٠: ١١٣ - ١١٧، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب أسمائه وألقابه...
- ↑ انظر: أصول الكافي ١: ٤٩٧، مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠١، والإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢، والبحار ٥٠: ١١٣ - ١١٧، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب أسمائه وألقابه...
- ↑ انظر: معاني الأخبار: ٦٥، وعلل الشرائع: ٢٤١.
- ↑ كما يظهر من عبارات المفيد وغيره، انظر: الإرشاد ٢: ٣٠٩، ورجال النجاشي: ٣١٠، الترجمة ٨٤٨.
- ↑ صريّا: قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر (ع) وتبعد ثلاثة أميال عن المدينة. مناقب آل أبي طالب ٤: ٣٨٢.
- ↑ انظر: أصول الكافي ١: ٤٩٧، باب مولد أبي الحسن (ع)، والإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢.
- ↑ انظر أصول الكافي ١: ٤٩٧.
- ↑ انظر: الإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢.
- ↑ انظر: أصول الكافي ١: ٤٩٧، باب مولد أبي الحسن (ع)، والإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢.
- ↑ انظر: الإرشاد ٢: ٢٩٧، والتهذيب ٦: ٩٢.
- ↑ انظر أصول الكافي ١: ٤٩٨.
- ↑ انظر التهذيب ٦: ٩٢.
- ↑ انظر الإرشاد ٢: ٢٩٧.
- ↑ انظر إعلام الورى ٢: ١٠٩ - ١١٠.
- ↑ انظر إعلام الورى ٢: ١٠٩ - ١١٠.
- ↑ قال ابن الأثير في حوادث سنة ٢٣٦: «في هذه السنة أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن عليّ (ع)، وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه...». ثمّ قال: «وكان المتوكّل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب (ع) ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولّى عليّا وأهله بأخذ المال والدم.- وكان من جملة ندمائه عبادة بن المخنّث، وكان يشدّ على بطنه، تحت ثيابه، مخدّة ويكشف رأسه وهو أصلع، ويرقص بين يدي المتوكّل والمغنّون يغنّون: " قد أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين " يحكي بذلك عليّا (ع)، والمتوكّل يشرب ويضحك، ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدّده، فسكت خوفا منه، فقال المتوكّل: ما هالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين، إنّ الذي يحكيه هذا الكاتب ويضحك منه الناس هو ابن عمّك، وشيخ أهل بيتك، وبه فخرك، فكل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه، فقال المتوكّل للمغنّين: غنّوا جميعا: غار الفتى لابن عمّه * رأس الفتى في حر امّه فكان هذا من الأسباب التي استحلّ بها المنتصر قتل المتوكّل». ثمّ ذكر أنّ ندماءه كانوا ممّن اشتهروا بالنصب والبغض لعليّ (ع)، وذكر أسماء جملة منهم. انظر الكامل في التاريخ ٧: ٥٥ - ٥٦.
- ↑ انظر الإرشاد ٢: ٣١٠.
- ↑ هو عبد الله بن محمّد بن داوود الهاشمي المشهور بابن أترجة، ممّن عرفوا بالنصب لأهل البيت (ع) واحتفّوا بالمتوكّل كما تقدّم عن ابن الأثير، ومنهم أيضاً: عليّ بن الجهم، وعمر بن فرج الرخجي، وأبو السمط من موالي بني اميّة، «فكانوا يخوّفون المتوكل من العلويّين ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم والإساءة إليهم، ثمّ حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين...». الكامل في التاريخ ٧: ٥٦.
- ↑ سورة الفاتحة، الآية 1.
- ↑ الإرشاد ٢: ٣٠٩ - ٣١٠، وأصول الكافي ١: ٥٠١، باب مولد أبي الحسن (ع)، الحديث ٧. وصورة الكتاب وإن كان فيها نوع من الرفق، لكنّ البغض المستبطن فيه يظهر من تتمّة الرواية.
- ↑ الإرشاد ٢: ٣١٠ - ٣١١.
- ↑ الإرشاد ٢: ٣١١.
- ↑ أي الراوي، وهو محمّد بن يزيد المبرّد، على نقل المسعودي.
- ↑ أي تصدر بادرة من المتوكّل إلى أبي الحسن (ع) من أمر بسجن أو قتل أو نحو ذلك.
- ↑ مروج الذهب ٤: ١٠ - ١٢.
- ↑ كان عنوان «ابن الرضا» لولد الإمام الرضا (ع) الإمام الجواد (ع) ولولده، خاصّة: الإمام الهادي، والإمام الحسن العسكري (ع).
- ↑ موسى بن محمّد الجواد (ع) أخو الإمام الهادي (ع)، وقبره في قم، وأحفاده السادة الرضويون متواجدون في قم حاليا. انظر: قاموس الرجال ١١: ٢٩٨ - ٢٩٩، ومعجم رجال الحديث ١٩: ٧٤ - ٧٥ و٨٠.
- ↑ القصف والعزف: اللهو، القاموس المحيط: «قصف» و«عزف».
- ↑ يفهم من هذه العبارة أنّه لم يكن كما وصفوه للمتوكّل ؛ لأنّ مجرّد شرب النبيذ لا يصيّره ممّن يشرب ويعشق، والله العالم. ويظهر من كتاب تحف العقول استبصاره. انظر الهامش ٢ في العمود الأوّل من الصفحة ٦٠٧ في الموسوعة.
- ↑ الإرشاد ٢: ٣٠٧ - ٣٠٨، وانظر الكافي ١: ٥٠٢، باب مولد أبي الحسن الثالث (ع)، الحديث ٨.
- ↑ سورة هود، الآية 65.
- ↑ البحار ٥٠: ٢٠٩، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب ما جرى بينه وبين الخلفاء، الحديث ٢٣.
- ↑ انظر: البحار ٥٠: ٢١٠، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب ما جرى بينه وبين الخلفاء، الحديث ٢٣، ومروج الذهب ٤: ٤٦.
- ↑ مروج الذهب ٤: ٨٥.
- ↑ مروج الذهب ٤: ٨٥، إعلام الورى ٢: ١١٠.
- ↑ هذا بحسب الظاهر، وفي الواقع لا يصلّي على الإمام إلّا الإمام الذي من بعده، فيكون الإمام الحسن العسكري (ع) قد صلّى عليه قبل خروج الجنازة إلى الشارع.
- ↑ تاريخ اليعقوبي ٣: ٢٣٤.
- ↑ السرب - بالتحريك - له معان متعدّدة، والمناسب للمقام منها هو الحفير تحت الأرض. القاموس المحيط: «سرب».
- ↑ رجال النجاشي: ٢٤٧ - ٢٤٨، الترجمة ٦٥٣، وانظر: معجم رجال الحديث ١٠: ٤٦ - ٥٠، وقاموس الرجال ٦: ١٩٠ - ١٩٣، الترجمة ٤١٣٦.
- ↑ جميل بن درّاج من خيار أصحاب أبي عبد الله الصادق (ع)، قال عنه النجاشي: «شيخنا ووجه الطائفة، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (ع) وأخذ عن زرارة. وأخوه نوح بن درّاج القاضي كان أيضاً من أصحابنا، وكان يخفي أمره». رجال النجاشي: ١٢٦، الترجمة ٣٢٨.
- ↑ رجال النجاشي: ١٠٢، الترجمة ٢٥٤.
- ↑ انظر رجال الطوسي: ٣٦٨ و٣٩٨ و٤١٠ و٤٢٨.
- ↑ الفهرست (للشيخ الطوسي): ٦٤، الترجمة ١٢٤.
- ↑ اختيار معرفة الرجال: ٥٧٢، الرقم ١٠٨٣.
- ↑ رجال النجاشي: ١٥٦، الترجمة ٤١١.
- ↑ الفهرست (للشيخ الطوسي): ١٣١، الترجمة ٢٨٠، وانظر معجم رجال الحديث ٧: ١١٨ - ١٢٠.
- ↑ إعلام الورى ٢: ١٢٦.
- ↑ قال النجاشي: «يعقوب بن إسحاق السكّيت أبو يوسف، كان متقدّما عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن (ع)، وله عن أبي جعفر رواية ومسائل، وقتله المتوكّل لأجل التشيّع، وأمره مشهور، وكان وجها في علم العربية واللغة، ثقة، مصدقا (صدوقا) لا يطعن عليه». رجال النجاشي: ٤٤٩، الترجمة ١٢١٤. وقال ابن خلّكان في سبب قتله: «... فبينا هو مع المتوكّل يوما جاء المعتزّ والمؤيّد، فقال المتوكّل: يا يعقوب، أيّما أحبّ إليك، ابناي هذان، أم الحسن والحسين؟ فغضّ ابن السّكيت من ابنيه وذكر الحسن والحسين ا ما هما أهله، فأمر الأتراك فداسوا بطنه، فحمل إلى داره، فمات بعد غد ذلك اليوم، وكان ذلك في سنة أربع وأربعين ومئتين...». ثمّ قال في نهاية الترجمة: «... وقد روي في قتله غير ما ذكرته أوّلا، فقيل: إنّ المتوكّل كان كثير التحامل على عليّ بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين أجمعين... وكان ابن السكّيت من المغالين في محبّتهم والتوالي لهم، فلمّا قال له المتوكّل تلك المقالة قال ابن السكّيت: والله إنّ قنبر خادم عليّ رضي الله عنه خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكّل: سلّوا لسانه من قفاه، ففعلوا ذلك به فمات...». وفيات الأعيان ٦: ٣٩٥ - ٤٠١، الترجمة ٨٢٧. والمعروف عندنا في كيفيّة استشهاده هي الكيفيّة الأخيرة. وحكي: «أنّ الفرّاء سأل السكّيت عن نسبه، فقال: خوزيّ أصلحك الله من دورق». المصدر المتقدّم: ٣٩٦. ودورق هي شادكان الحاليّة الواقعة قرب الأهواز بمحافظة خوزستان.
- ↑ البحار ٥٠: ١٦٤ - ١٦٥، تاريخ الإمام أبي الحسن الهادي (ع)، باب معجزاته، الحديث ٤١.
- ↑ جاء في تحف العقول: «قال موسى بن محمّد بن الرضا: لقيت يحيى بن أكثم في دار العامّة، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي عليّ بن محمّد (ع)، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته، فقلت: جعلت فداك، إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لافتيه فيها، فضحك (ع)، ثمّ قال: فهل أفتيته؟ قلت: لا، لم أعرفها، قال (ع): وما هي؟...». تحف العقول: ٣٥٦.
- ↑ سورة الفاتحة، الآية 1.
- ↑ سورة النمل، الآية 40. ونصّ السؤال على رواية تحف العقول هو: «قول الله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ...، نبيّ الله كان محتاجا إلى علم آصف؟!».
- ↑ ونصّ السؤال هو: «وعن قوله: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً، سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟».
- ↑ سورة يوسف، الآية 101.
- ↑ سورة يونس، الآية 94.
- ↑ سورة يونس، الآية 94. ونصّ السؤال هو: «... وعن قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ...، من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبيّ (ص) فقد شكّ، وإن كان المخاطب غيره، فعلى من إذن انزل الكتاب؟
- ↑ سورة آل عمران، الآية 61.
- ↑ أي: نجعل لعنة الله عليكم.
- ↑ تحف العقول: ٣٥٦ - ٣٥٨، وانظر: مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٣، ونقل المجلسي ذلك عن التحف في البحار ١٠: ٣٨٦، كتاب الاحتجاج - باب احتجاجات عليّ بن محمّد التقي (ع)، الحديث الأوّل، وعن مناقب آل أبي طالب في ٥٠: ١٦٤، تاريخ الإمام أبي الحسن الهادي (ع)، باب معجزاته، الحديث ٥١.
- ↑ مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٥، وهذا ما أشرنا إليه من أنّ السلطة كانت تمتنع عن فتح الحوارات العلمية مع الإمام (ع) خوفا من انتشار تفوّقه العلمي.
- ↑ هذا من نقل مناقب آل أبي طالب، وفي نقل الكافي: بعض ندمائه، وأنّه أشار على المتوكّل أن يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فأرسل إليه من يسأله.
- ↑ في رواية الكافي: «فقال: الكثير ثمانون»، وليس فيه درهما، ولعلّه الأنسب.
- ↑ سورة التوبة، الآية 25.
- ↑ وقد عمل بذلك فقهاؤنا رضوان الله تعالى عليهم في الوقف والوصيّة والنذر ونحوها.
- ↑ انظر: مناقب آل أبي طالب ٤: ٤٠٢، والكافي ٧: ٤٦٣، كتاب الأيمان والنذور، الحديث ٢١.ونقله عن المناقب المجلسي في البحار ٥٠: ١٦٢، تاريخ الإمام الهادي (ع)، باب معجزاته، الحديث ٥١.
- ↑ لا نريد أن نقول: إنّ الأئمّة المذكورين (ع) لم تصدر منهم معاجز وكرامات من قبيل ما كان يصدر من أولاد الرضا (ع)، بل نحن بصدد بيان الحالة الغالبة لكلّ من الطائفتين. كما أنّ ما ذكرناه يمكن أن يكون محورا أساسيا لدراسة مسألة الغلوّ وغيره من الانحرافات في عصر الأئمّة وخاصّة المتأخّرين منهم.
- ↑ سورة طه، الآية 47.
- ↑ تحف العقول: ٣٤١ - ٣٥٦.
- ↑ وهذه النظرية أرقى ما ذكر في موضوع الجبر والاختيار، وهي معروفة عن الإمام الصادق (ع)، كما وردت في الرسالة أيضاً.
- ↑ انظر اختيار معرفة الرجال: ٥٢٣ - ٥٢٤، الرقم ١٠٠٦.
- ↑ رجال الطوسي: ٤٢٠.
- ↑ اختيار معرفة الرجال: ٥٢٢، الرقم ١٠٠٤.
- ↑ انظر المصدر المتقدّم: ٥٢٠، الرقم ٩٩٩. فممّا ورد في الأوّل وشخص آخر: ما كتبه (ع) إلى العبيدي - حسب رواية الكشّي -: «أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمّد بن بابا القمّي، فابرأ منهما. فإنّي محذّرك وجميع مواليّ، وإنّي ألعنهما، عليهما- لعنة الله، مستأكلين يأكلان بنا الناس، فتّانين مؤذيين، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركسا، يزعم ابن بابا أنّي بعثته نبيّا وأنّه باب، عليه لعنة الله، سخر منه الشيطان فأغواه، فلعن الله من قبل منه ذلك...». اختيار معرفة الرجال: ٥٢٠، الرقم ٩٩٩. وكانت لمحمّد بن نصير النميري مثل هذه الدعوى والغلوّ والقول بالتناسخ في أبي الحسن (ع). المصدر المتقدّم: الرقم ١٠٠٠. وروى الكشّي بإسناده إلى أحمد بن محمّد بن عيسى أنّه كتب إلى أبي الحسن (ع): «قوم يتكلّمون ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك، فيها ما تشمئزّ فيها القلوب، ولا يجوز لنا ردّها إذا كانوا يروون عن آبائك (ع)، ولا قبولها لما فيها، وينسبون الأرض إلى قوم يذكرون أنّهم من مواليك، وهو رجل يقال له: عليّ بن حسكة، وآخر يقال له القاسم اليقطيني، من أقاويلهم: إنّهم يقولون: إنّ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ رجل ؛ لا سجود ولا ركوع، وكذلك الزكاة معناها ذلك الرجل، لا عدد درهم ولا إخراج مال، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الذي ذكرت، فإن رأيت أن تبيّن لنا وتمنّ على مواليك بما فيه السلامة لمواليك ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تخرجهم إلى الهلاك». فكتب (ع): «ليس هذا ديننا فاعتزله». اختيار معرفة الرجال: ٥١٦، الرقم ٩٩٤. وورد في جواب كتاب ارسل إليه بالمضمون المتقدّم: «كذب ابن حسكة عليه لعنة الله، وبحسبك أنّي لا أعرفه في مواليّ، ما له لعنه الله! فو الله ما بعث الله محمّدا والأنبياء قبله إلّا بالحنيفيّة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ والولاية، وما دعا محمّد (ص) إلّا إلى الله وحده لا شريك له، وكذلك نحن الأوصياء من ولده، عبيد الله لا نشرك به شيئا، إن أطعناه رحمنا، وإن عصيناه عذّبنا، ما لنا على الله من حجّة، بل الحجّة لله عزّ وجلّ علينا وعلى جميع خلقه، أبرأ إلى الله ممّن يقول ذلك وأنتفي إلى الله من هذا القول، فاهجروهم لعنهم الله وألجئوهم إلى ضيق الطريق، فإن وجدت من أحد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر». اختيار معرفة الرجال: ٥١٩، الرقم ٩٩٧. وانظر لمعرفة ترجمة هؤلاء معجم رجال الحديث ٥: ١١٢، و١١: ٣١٥، و١٣: ٢٣٨، و١٧: ٢٩٩.
- ↑ محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة 5: 597 - 611.