كلام الله

من إمامةبيديا

تمهيد

الحقيقة أن الأوصاف الفعلية لا يُمكن عدّها وقد ذكر القرآن العديد من الأوصاف الفعلية، مثل: الخالق، الفاطر، المالك، الحاكم، الرب، الرزاق، الرحمن، الرحيم، الغافر، الهادي، الوكيل، النصير، القاهر، المحيي، المؤمن، الجبار، والشكور وعشرات الأسماء الأخرى المذكورة في القرآن وكلها تحكي أوصافه الفعلية. بالرغم من هذا التعدد والتنوع، إلا أننا نجد المتكلمين المسلمين - بشكل عام - قد حددوا بحوثهم في الأوصاف الفعلية بمجموعة معينة منها، ونحن كذلك رعاية لاختصار البحث لا يسعنا إلا اتباع الطريقة الشائعة وإن كنا نرى أن البحث في كل الصفات الإلهية بمقدار المعرفة البشرية هو من وظائف علم الكلام والمتكلمين.[١]

المراد بالكلام الإلهي

يتفق كل المتكلمين والفرق الإسلامية، بل كل المسلمين على أن الله متكلم ويعدون الكلام من الصفات الإلهية، مع ذلك وقع اختلاف شديد في جزئيات هذا البحث بين الفرق الكلامية المختلفة، هذا الاختلاف يرجع عمدته إلى مسألتين:

  1. تفسير حقيقة الكلام الإلهي
  2. حدوث الكلام الإلهي أو قدمه

يتضح من خلال التأمل في التاريخ أنَّ اختلاف رأي المسلمين في هذه المسائل، خاصة في مسألة قدم الكلام الإلهي أو حدوثه أدّى إلى فتنة كبيرة وحتى سبَّبَ تكفير البعض مخالفيهم وقتلهم. سوف نذكر أهم الآراء المطروحة وبعد أن يظهر الرأي الصحيح سوف نتتبع هذا البحث في القرآن والسنة.[٢]

ما هي حقيقة الكلام الإلهي؟

في بيان حقيقة الكلام الإلهي آراء مختلفة، أهمها:

  1. يرى البعض أنّ كلام الله هو نفس الأصوات والحروف ويعتقد أن الأصوات والحروف المذكورة قائمة بالذات الإلهية وقديمة. وذهبوا إلى أنه حتى جلد القرآن قديم وأزلي[٣].
  2. يرى البعض الآخر أن كلام الله أصوات وحروف قائمة بالذات الإلهية وحادثة.
  3. يرى آخرون أن كلام الله أصوات وحروف حادثة وغير قائمة بالذات الإلهية، بل هي فعل ومخلوق الله، في هذا الرأي المنسوب إلى المعتزلة فإنّ تكلم الله يعني إيجاد الحروف والأصوات في الخارج[٤].
  4. بعض الأشاعرة يرى أن للكلام الإلهي معنىً قائماً بذاته وهو حقيقة غير العلم والإرادة، ويُعبّرون عنه بالكلام النفسي، ويعتقدون أن الكلام النفسي هو معنى واحد؛ بمعنى أنه بعيداً عن تنوع أساليب التعبير كالأمر والنهي والإخبار والنداء ... تدلّ على هذا المعنى تلك الحروف والأصوات، وهو حقيقة قديمة وأزلية، ومن صفات الحق الثبوتية.

عند تقييم الآراء المذكورة يُمكن القول بنحو الإجمال ببطلان الرأيين الأولين؛ لأنّ تصور قيام حروف وأصوات مادية في الذات الإلهية المجردة عن المادة والماديات غير معقول سواء قلنا بقِدم الحروف والأصوات أو حدوثها (و إن كان غرابة الرأي الأول - أي: قِدم الحروف والأصوات الحاكية مراد الله - أشد) كما أن رأي الأشاعرة لا يخلو عن إشكال، وأهم إشكال يرد على هذا الرأي هو عدم معقولية كون الكلام النفسي حقيقة مُغايرة للعلم والإرادة الإلهية، وهو معنى غير قابل للتصور!، والتصوير الذي ذكره الأشاعرة له يرجع في النهاية إلى العلم أو الإرادة وفي هذه الحالة لا يمكن عدُّه صفة مستقلة[٥].

فالرأي الصحيح أن كلام الله لا معنى له غير إيجاد وخلق الحروف والأصوات وقد يكون ذلك في شيء مادي كالشجرة أو عن طريق ملك الوحي أو يظهر بصور مختلفة، والمتكلمون الشيعة يوافقون المعتزلة في الرأي، يقول العلامة المجلسي (تعتقد طائفة الإمامية أن كلام الله المُتعال حادث ومركب من الأصوات والحروف وعرضي قائم بغيره تعالى ومعنى كلام الله عندهم أن الله أوجد تلك الحروف والأصوات في جسم) ولا ينبغي الغفلة عن أن تكلم الله خلاف تكلم الإنسان من حيث أنه لا يحتاج إلى أعضاء وجوارح خاصة، لأن وجود هكذا أعضاء من خواص الموجودات المادية، والله منزّه عن المادة والجسمانية. الحاصل أنه إذا كان المقصود من كلام الله هو الألفاظ المكتوبة أو المسموعة الدالة على مراد الله فإنها يقيناً حادثة كسائر الموجودات، مخلوقة له سبحانه؛ وبعبارة أخرى: هي فعله، بالتالي فإنّ حقيقة المتكلم ليس إلا إيجاد الكلمات والحروف المكتوبة أو المسموعة بدون الحاجة إلى أعضاء وجوارح مادية، والمُنتزع منها صفة الكلام التي هي من الصفات الإلهية.[٦]

كل الكائنات كلمات الله

ما يجب ذكره أنّ الكلام الإلهي قد يُطلق ويُراد به معناه الواسع الذي يشمل الحروف والأصوات، يشمل هذا المعنى ل(كلام الله) كل مخلوقاته، حيثُ إنّ كل موجود لا يُعدّ مجرد فعل الله ومخلوق له، بل هو أيضاً كلمة من كلماته. من الممكن أن يتبادر إلى الأذهان السؤال: كيف يُمكن إطلاق كلمة (كلام) على شيء موجود في الخارج، والحال أن الكلام في الاستعمال العرفي من سنخ الألفاظ وله وجود مكتوب أو مسموع؟

والجواب باختصار: أنه بالتأمل في الاستعمال اللَّفظي يتضح أن شأن الألفاظ هو حكاية المعاني الموجودة في ذهن المتكلم، فحقيقة الكلام ليس إلا الدلالة والحكاية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن فعل الفاعل بالإضافة إلى دلالته على وجود الفاعل فهو يحكي خصوصيات وجوده أيضاً، والاختلاف الوحيد بينهما أن الدلالة في الألفاظ من سنخ الدلالة الوضعية، أما دلالة الفعل على وجود خصوصيات فاعله من سنخ الدلالة العقلية غير الوضعية، وعلى هذا يُمكن توسعة معنى الكلام المطلق على فعل الله؛ لأنّ كل فعل يحكي خصوصيات فاعله وأهدافه وأغراضه. يؤيد القرآن الكريم وروايات أهل البيت(ع) هذه التوسعة في التسمية وتعرف بعض الموجودات العينية والخارجية بعنوان (كلمة الله) وذلك لأنها آية من آيات الله.[٧]

استعمالات الكلام الإلهي

في الجملة، إن لكلام الله تعالى استعمالات ثلاثة: الكلام اللَّفظي، الكلام النفسي والكلام الفعلي.

الكلام اللفظي: المقصود منه هو تلك الحروف والأصوات التي يوجِدها الله في الخارج حتى يُطلع المخاطبين على مقصوده ومراده.

الكلام النفسي: والمقصود منه، المعنى القائم بذات الله والذي يختلف عن العلم والإرادة، والكلام اللفظي حاكٍ عنه.

الكلام الفعلي: وهو عبارة عن مخلوقات الله بوصفها فعلاً له تحكي عن وجوده وكمالاته.

من بين هذه المعاني الثلاثة يُمكن قبول المعنيين الأول والثالث، أما المعنى الثاني فبالتوجه إلى تفسير الأشاعرة له، لا يُمكن تصوره! وحيث إن التصديق بوجود الشيء فرع إمكان تصوره، فلا يُمكن قبول وجود هكذا معنى للكلام الإلهي.[٨]

قِدَم الكلام الإلهي وحدوثه

طرح هذا البحث في القرن الثاني الهجري بين جماعة من المسلمين تحت العنوان: هل أن كلام الله حادث ومخلوق أو أنه قديم وأزلي؟

يُصرّ أهل الحديث والحنابلة والأشاعرة على عدم مخلوقية القرآن وأنه أزلي، ويعتقد أحمد بن حنبل والأشعري بكفر من يقول بخلق القرآن. في المقابل دافع المعتزلة عن حدوث القرآن وخالفوا الأشاعرة في هذه المسألة أيضاً. بالتوجه إلى ما قيل في بيان حقيقة الكلام الإلهي وخاصة مع إنكار الكلام النفسي، فلا يبقى مجالاً للقول بقِدم كلام الله، إذا كان كلام الله بمعنى الحروف والأصوات أو الموجودات الخارجية، فهو يقيناً حادث وإذا كان المقصود من ذلك التكلم، فيجب أيضاً الاعتراف بحدوثه؛ لأنّ التكلم - من أوصاف الله الفعلية – ينتزع من إيجاد الحروف والأصوات (أو إيجاد الموجودات الخارجية) ونعلم أن صفات الله الفعلية كلها حادثة؛ لأن منشأ انتزاعها الأفعال الحادثة الله. يتمسك أتباع قِدم الكلام الإلهي بأدلة ضعيفة ولا أساس لها وهي خارجة عن ما يتحمله هذا البحث[٩].

فالرأي الصحيح الذي أيده الأئمة المعصومين(ع) واتفق متكلموا الشيعة[١٠] عليه هو أن كلام الله حادث.[١١]

الدليل على تكلم الله

بعد بيان حقيقة الكلام الإلهي يجب النظر في أدلة اتصاف الله بهذه الصفة، ونُشير إلى أحد أدلة المتكلمين لإثبات هذه الصفة: تَبيّن في بحث القدرة الإلهية أنها تتعلق بكل ممكن ولا شك أن إيجاد ألفاظ مكتوبة أو مسموعة أمر ممكن، فإيجاد الحروف والألفاظ التي هي التكلم الإلهي تقع في دائرة القدرة الإلهية[١٢]. يقول المحقق الطوسي في بيان هذا الاستدلال: (و عمومية قدرته تدل على ثبوت الكلام)[١٣].[١٤]

صفة الكلام في القرآن والروايات

لم تذكر في القرآن كلمة المتكلم كصفة لله سبحانه، ولكن ذُكرت في موارد صيغة الفعل للمصدر (تكليم): ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[١٥] ذكر القرآن عبارة (كلام الله) في ثلاثة موارد و(كلام) في مورد واحد. ونشهد في موارد أخرى تعابير، مثل: (كلمة ربك) و(كلمة الله) ويُمكن أن يستنتج من هذه الموارد أن القرآن يصف الله بصفة المتكلم، ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[١٦]، تحكي هذه الآية أن الله سبحانه خاطب موسى بواسطة ألفاظ مسموعة وتكلم معه، ويتضح من القرائن الموجودة في الآية وما يليها من الآيات أن الألفاظ المذكورة سمعها موسى(ع). كما تذكر في آية أخرى تعدد الأقسام الثلاثة لكلام الله مع الناس ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ[١٧]. والأقسام الثلاثة عبارة عن:

  1. إرسال الوحي (الإيحاء) بدون واسطة بحيث تلقى المعاني والمفاهيم في ضمير الشخص الذي يوحى إليه.
  2. إرسال الوحى عن طريق ملك الوحي.
  3. إيجاد أصوات مسموعة تصل إلى أسماعنا من وراء حجاب.

زيادة على الكلام اللفظي يُعرّف القرآن الكريم مخلوقات الله ب (كلماته) ويُعرّف عيسى(ع) ب (كلمة الله) ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ[١٨] وقد يُعبّر عن كل المخلوقات ونعم الله ب (كلمات): ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[١٩]، فجاء الكلام الإلهي في القرآن الكريم بمعنى الكلام المسموع، كما جاء بمعنى الخلق (الكلام الفعلي). بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الآيات القرآنية تدل على حدوث كلام الله، وبالتمسك بها يُمكن ردّ نظرية (قِدم كلام الله)، مثلاً: جاء في سورة الأنبياء: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ[٢٠]. بإمعان النظر في آيات أخرى منها الآية ۹ من سورة الحجر التي تُعرف القرآن بالذكر، والمقصود من الذكر في الآية القرآن، وإن توصيفه بالمُحدث - أي: الجديد- يدلّ على حدوث ألفاظ القرآن الكريم.

كما جاء في بعض روايات أهل البيت(ع) بيان مسألة حدوث كلام الله وقدمه، ونجد الأئمة المعصومين أحياناً يحذّرون أصحابهم عن الدخول في بحث ينشأ منه اختلاف؛ لأن هذا البحث قبل أن يكون بحثاً اعتقادياً وللوصول إلى الحقيقة كان له صبغة سياسية، وكل من الطرفين استعمله كحربة ضد خصمه. من هنا نرى الإمام الرضا(ع) في الجواب عن أحد أصحابه - الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ - عندما سأله «مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ كَلَامُ اللَّهِ لَا تَتَجَاوَزُوهُ وَ لَا تَطْلُبُوا الْهُدَى فِي غَيْرِهِ فَتَضِلُّوا»[٢١]، وفي روايات أخرى ذكر الأئمة(ع) رأيهم في المسألة مثلاً: جاء في رسالة الإمام الهادي(ع) إلى بعض شيعته «وَ لَيْسَ الْخَالِقُ إِلَّا اللَّهُ وَ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ فَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَا تَجْعَلْ لَهُ اسْماً مِنْ عِنْدِكَ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ»[٢٢] وجاء في رواية أخرى أن أبا بصير سأل الإمام الصادق(ع): «فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّماً فَقَالَ(ع): الْكَلَامُ مُحْدَثٌ، كَانَ اللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) وَ لَيْسَ بِمُتَكَلِّمٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْكَلَامَ»[٢٣].[٢٤]

أنه تعالى متكلّم

الكلام في الحروف المسموعة المنتظمة، ومعنى كونه متكلِّماً هوأنّه أوجد الكلام كما في المجمع[٢٥].

وقال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: «اعلم أنّه لا خلاف بين أهل الملل في كونه تعالى متكلماً لكن اختلفوا في تحقيق كلامه وحدوثه وقدمه فالإمامية قالوا بحدوث كلامه تعالى، وأنّه مؤلَّف من أصوات وحروف، وهوقائم بغيره. ومعنى كونه تعالى متكلماً عندهم أنّه موجد تلك الحروف والأصوات في الجسم كاللّوح المحفوظ أوجبرئيل أوالنبيّ(ص) أوغيرهم كشجرة موسى»[٢٦].

وفي منهاج البراعة[٢٧] أفاد أنه قد تواترت الأنباء عن الرسل والأنبياء، وأطبقت الشرايع والملل على كونه عزوجل متكلماً، لاخلاف لأحدٍ في ذلك، وإنّما الخلاف في معنى كلامه تعالى وفي قدمه وحدوثه.

فذهب أهل الحقّ من الإمامية إلى أنّ كلامه تعالى مؤلَّف من حروف وأصوات قائمةٍ بجوهر الهواء، ومعنى كونه متكلماً هوأنه موجد للكلام في جسم من الأجسام، كالمَلَك والشجر ونحو ذلك.

وعلى مذهبهم فالكلام حادث، لأنّه مؤلَّفٌ من أجزاء مترتبة متعاقبة في الوجود وكل ما هوكذلك فهو حادث.

هذا؛ ومن المعلوم أن الكلام من صفات الفعل فيكون حادثاً، فمثل الصوت الذي أوجده في شجرة موسى لابدّ وأن يكون حادثاً ويكون بحدوثه غير مجرّد أيضاً شأن سائر المخلوقات؛ فإنّ الخلقة تساوى الجسميّة.

وعلى الجملة فإيجاد الكلام ناشٍ من قدرته الخاصّة الذاتية، إلا أنّ نفس كلامه تعالى حادث محدَث، ومن صفات الفعل، بدليل تصريح نفس كلامه المجيد: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ[٢٨] كما أفاده في حق اليقين[٢٩].

ثم إن الدليل على متكلميته تعالى ثابتٌ قائم من الكتاب والسنة والعقل:

أما الكتاب فآيات كثيرة منها:

  1. قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[٣٠].
  2. قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي[٣١].
  3. قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَومِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[٣٢].

وأما السنة: فاحاديث عديدة منها:

  1. كلام أميرالمؤمنين(ع) في جواب ذعلب اليماني الوارد في نهج البلاغة، قال فيها: "مُتَكَلِّمٌ لَا بِرَوِّيَّةٍ مُرِيدٌ لَا بِهِمَّةٍ"[٣٣].
  2. حديث "أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) يَقُولُ: لَمْ يَزَلِ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ عَالِماً بِذَاتِهِ ولَا مَعْلُومَ ولَمْ يَزَلْ قَادِراً بِذَاتِهِ ولَا مَقْدُورَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّماً؟ قَالَ الْكَلَامُ مُحْدَثٌ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ ولَيْسَ بِمُتَكَلِّمٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْكَلَامَ"[٣٤].
  3. حديث "صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَأَلَ أَبُوقُرَّةَ الْمُحَدِّثُ عَنِ الرِّضَا(ع) فَقَالَ: أَخْبِرْنِي جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ لِمُوسَى؟ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَلَّمَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَمْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَأَخَذَ أَبُوقُرَّةَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا اللِّسَانِ. فَقَالَ أَبُوالْحَسَنِ(ع): سُبْحَانَ اللَّهِ مِمَّا تَقُولُ ومَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُشْبِهَ خَلْقَهُ أَويَتَكَلَّمَ بِمِثْلِ مَا هُمْ مُتَكَلِّمُونَ ولَكِنَّهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[٣٥] ولَا كَمِثْلِهِ قَائِلٌ فَاعِلٌ قَالَ:كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَلَامُ الْخَالِقِ لِمَخْلُوقٍ لَيْسَ كَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ لِمَخْلُوقٍ ولَا يَلْفَظُ بِشَقِّ فَمٍ ولِسَانٍ ولَكِنْ يَقُولُ لَهُ كُنْ فَكَانَ بِمَشِيئَتِهِ مَا خَاطَبَ بِهِ مُوسَى مِنَ الْأَمْرِ والنَّهْيِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي نَفَسٍ"[٣٦].
  4. وفي الخصال عن النبي(ص): "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ نَاجَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ(ع) بِمِائَةِ أَلْفِ كَلِمَةٍ وأَرْبَعَةٍ وعِشْرِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ولَيَالِيهِنَّ مَا طَعِمَ فِيهَا مُوسَى(ع) ولَا شَرِبَ فِيهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وسَمِعَ كَلَامَهُمْ مَقَتَهُمْ لِمَا كَانَ وَقَعَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ حَلَاوَةِ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ"[٣٧].
  5. وفي التوحيد للصدوق عن الكاظم(ع) في حديث: "فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُمْ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ وصَعِدَ مُوسَى(ع) إِلَى الطُّورِ وسَأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَنْ يُكَلِّمَهُ ويُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ فَكَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وسَمِعُوا كَلَامَهُ مِنْ فَوْقُ وأَسْفَلُ ويَمِينُ وشِمَالُ ووَرَاءُ وأَمَامُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ ثُمَّ جَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ"[٣٨].
  6. وعن أميرالمؤمنين(ع): "كلم الله موسى تكليماً بلا جوارح وأدوات وشفة ولا لهوات سبحانه وتعالى عن الصفات"[٣٩].
  7. في حديث احتجاج اليهود مع رسول الله(ص): "قَالَتِ الْيَهُودُ مُوسَى خَيْرٌ مِنْكَ قَالَ النَّبِيُّ(ص) ولِمَ؟ قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ كَلَّمَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ كَلِمَةٍ ولَمْ يُكَلِّمْكَ بِشَيْءٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ(ص): لَقَدْ أُعْطِيتُ أَنَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا ومَا ذَاكَ قَالَ: هُوقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[٤٠] وحُمِلْتُ عَلَى جَنَاحِ جَبْرَئِيلَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَجَاوَزْتُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى ﴿عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى[٤١] حَتَّى تَعَلَّقْتُ بِسَاقِ الْعَرْشِ فَنُودِيتُ مِنْ سَاقِ الْعَرْشِ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ... السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ ورَأَيْتُهُ بِقَلْبِي ومَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَتِ الْيَهُودُ: صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ وهُومَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ"[٤٢].

وأما العقل: فلأن الكتب الإلهية والصحف السماوية والأحاديث القدسية والتكلم مع بعض المقامات النبوية، رسول الله أو كليم الله، لا تتحقق إلا بخطاب الله وكلامه وتكلمه، فهذه الأمور من اللازم البيّن فيها أن يتكلم بها الله تعالى فيكون العقل حاكماً بكونه متكلماً... له قدرة الكلام، بل أحدث الكلام، ومن كماله هذا التكلّم بهذه الأمور القدسيّة، فتكلّمه ثابتٌ بالأدلة الثلاثة الصريحة. [٤٣]

المراجع والمصادر

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي
  2. السيد علي الحسيني الصدر، العقائد الحقة

الهوامش

  1. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٦٩.
  2. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٦٩-٢٧٠.
  3. نُسب هذا الرأي للحنابلة.
  4. للقاضي عبدالجبار معتزلي في كتاب شرح الأصول الخمسة عبارة: كلامه تعالى عبارة عن أصوات وحروف غير قائمة بالله تعالى قياماً حلولياً أو عروضياً، بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي أو غير ذلك، فكما يكون الله تعالى منعماً بنعمة يوجده في غيره، فهكذا يكون متكلماً بايجاد الكلام في غيره وليس من شرط الفاعل أن يحلّ عليه فعل. القاضي في شرح الأصول الخمسة، ص۵۲۸، نقلاً عن: محاضرات في الإلهيات، ص۱۵۴.
  5. لقراءة أدلة الأشاعرة على وجود الكلام النفسي، ونقده، يُمكن الرجوع إلى: ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام، ص۹۳؛ مناهج اليقين، ص۱۹۳ والمحاضرات في الإلهيات، ص۱۵۸ -۱۶۲.
  6. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٠-٢٧٢.
  7. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٢-٢٧٣.
  8. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٣.
  9. لنقد أدلة القائلين بقدم الكلام الإلهي، يُمكن الرجوع إلى: محاضرات في الإلهيات، ص۱۶۷-۱۷۰.
  10. الحكيم اللاهيجي فسّر الكلام بالقدرة على إيجاد الألفاظ والحروف، ولذلك وصفوه بالقديم. (سرمايه ايمان، ص۴۹) ونرى أن صفة الكلام من الصفات الفعلية لا الذاتية، والحال أن هذا التفسير يرجع صفة الكلام إلى القدرة، فيخدش استقلالها المفهومي، فيبدلها من صفة فعليه إلى صفة ذاتية، فلا يُمكن القول بأن هذه الصفة حادثة قطعاً.
  11. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٤-٢٧٥.
  12. يثبت هذا الاستدلال القدرة على التكلم، ولا يمكن استنتاج أن الله متكلم بالفعل من خلال هذا الدليل.
  13. كشف المراد، ص۳۱۵.
  14. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٥.
  15. سورة النساء: ۱۶۴.
  16. سورة القصص: ۳۰.
  17. سورة الشورى: ۵۱.
  18. سورة النساء: ۱۷۱.
  19. سورة لقمان: ۲۷.
  20. سورة الأنبياء: ۲.
  21. البحار، ج۸۹، ص۱۱۷؛ توحيد الصدوق، ص۲۲۴.
  22. البحار، ج۸۹، ص۱۱۸.
  23. الأمالي للطوسي، ج۱، ص۱۷۰؛ البحار، ج۴، ص۶۸.
  24. محمد سعيدي مهر، دروس في علم الكلام الاسلامي، ص ٢٧٥-٢٧٨.
  25. مجمع البحرين، ص۵۳۶ مادة (كلم).
  26. بحار الأنوار، ج۴، ص۱۵۰.
  27. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج۱۰، ص۲۶۳.
  28. سورة الأنبياء: ۲.
  29. حق اليقين، ج۱، ص۳۳.
  30. سورة النساء: ۱۶۴.
  31. سورة الأعراف: ۱۴۳.
  32. سورة الشورى: ۵۱.
  33. نهج البلاغة، ص۱۲۰، رقم الخطبة ۱۷۴ من الطبعة المصرية.
  34. بحار الأنوار، ج۴، ص۱۵۰، الباب ۶، ج۱.
  35. سورة الشورى: ۱۱.
  36. بحار الأنوار، ج۴، ص۱۰۲، الباب ۶، ح۴.
  37. تفسير الصافي، ج۱، ص۵۲۱.
  38. تفسير الصافي، ج۱، ص۵۲۲.
  39. تفسير الصافي، ج۱، ص۵۲۲.
  40. سورة الاسراء: ۱.
  41. سورة النجم: ۱۵.
  42. الاحتجاج للطبرسي، ج۱، ص۵۵.
  43. السيد علي الحسيني الصدر، العقائد الحقة، ص: 158-163.