معاجز النبي الخاتم
تمهيد
في القرآن الكريم، هناك آيات تشير إلى أنّ المشركين كانوا يقترحون على رسول الله (ص) أشياء كثيرة. وكلّما جاءهم بآية أو سورة تحمل إعجاز القرآن وبلاغته أو حقيقة علمية أو معرفة حقيقية أو إخباراً عن الغيب، لم يؤثّر ذلك فيهم. ورغم ذلك، استمرّوا في طلب أشياء جديدة. فمثلاً، طلبوا أن ينزّل القرآن على رجل غني وذي مكانة، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾[١]. وفي مناسبة أخرى، طلبوا منه أن يفجّر لهم ينبوعاً من الأرض ويكون له بستان من نخيل وأعناب، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً﴾[٢].
كلّ هذه الأمور تدلّ على أنّ المشركين كانوا منشغلين بالأمور المادية. لكنّ الله تعالى أمر رسوله أن يقول لهم: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً﴾[٣]، أي أنّه مجرّد بشر رسول. وأحياناً كانوا يعترضون على النبي لأنّه كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق مثل بقية الناس، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾[٤].
والله تعالى كان يجيب عن كلّ هذه الاقتراحات التي كانوا يطلبونها من النبي بين الحين والآخر، بأنّ إظهار هذه المعجزات يكون بأمر الله وليس متى شاء الناس؛ لأنّ المقدار اللازم من المعجزات هو ما يثبت صدق دعوى النبي أنّه مرسل من عند الله.
ولابدّ من التأكيد على أنّ النبي (ص)، وإن كان مؤيّداً من الله تعالى صاحب القدرة والعلم المطلق، إلّا أنّه بشر مثل بقية الناس، لكنّه يتميّز بأنّه مدعوم ومؤيّد من الله لحمل الرسالة.
أنواع المعجزة
والمعجزة قد تكون مؤقّتة أو خالدة، والمهمّ فيها أنّها تثبت صدق دعوى النبي وليس مجرّد كونها أمراً خارقاً للعادة. والقرآن الكريم ذكر بعض معجزات النبي (ص)، مثل انشقاق القمر، في قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾[٥].
ضوابط المعجزات في الإسلام
والمعجزات غير القرآن يجب أن تخضع لضوابط، منها:
- القرآن لا ينفي وجود معجزات أخرى غيره.
- إظهار المعجزة ليس باختيار الرسول بل بأمر الله.
- المعجزة تكون بالقدر اللازم لإثبات صدق دعوى النبوة، وما زاد على ذلك فلا يجب على الله إظهاره ولا على النبي الاستجابة لطلبه.
- المعجزات التي فيها عذاب وهلاك للأمّة ممنوعة في هذه الأمة الإسلامية، حتّى لو طلب الناس ذلك[٦].
- المعجزة الخالدة للنبي (ص) هي القرآن، أمّا بقية المعجزات فهي مؤقّتة وخاصّة بزمانها[٧].
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ سورة الزخرف، الآية ٣١.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٩٠ - ٩٢.
- ↑ سورة الإسراء، الآية ٩٣.
- ↑ سورة الفرقان، الآية ٧ - ٨.
- ↑ سورة القمر، الآية ١ و ٢.
- ↑ أمّا في الأمم الأخرى نجد النظائر لذلك، مثلاً بالنسبة إلى ناقة صالح(ع) ﴿فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللهِ وَسَقِيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمَدَمَ عَلَيْهِم رَبُّهُم بِذَنبِهِم فَسَوَّاهَا﴾ (سورة الشمس: ١٣ و ١٤)، ويقول الإمام أمير المؤمنين علي(ع): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالسُّخْطُ وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا»(صبحي صالح، نهج البلاغة: ٣١٩).
- ↑ انظر: السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية: ٢٢٣ - ٢٢٥.