نقاش:الإمام علي عليه السلام
تمهيد
قبل الحديث عن مواقف الإمام(ع) من الأحداث وكيفية معالجته لها، علينا أن نلم ولو بإيجاز عن تلك الظروف الاجتماعية والسياسية التي سبقت حكمه.. والتي بدأت الأمة المسلمة، تشهد فيها انحرافاً صريحاً عن مبادىء الإسلام وتعاليمه.
ويمكن أن نشهد هذا التحول والانحراف بوضوح أكثر، منذ بداية النصف الثاني من عهد عثمان بن عفان ... هذا الانحراف نفسه صار فيما بعد أساساً للظروف والملابسات الاجتماعية والسياسية التي عاشها الإمام علي، فتصدى لها(ع) منذ اللحظة الأولى من تسلمه لزمام مسؤولية الخلافة في الدولة الإسلامية، محاولاً تحصين الأمة ضد صدمة الانحراف والعودة بها إلى الحياة الإسلامية الكريمة.
ونشير إلى أهم تلك الأحداث والظروف التي ساهمت في التمهيد للتطورات الكبرى في عهد عثمان والتي عاش آثارها السيئة، الإمام علي(ع) وهي:
منطق السقيفة
ونعني به الروح القبلية التي سادت وتحكمت بمنطق المتنافسين والإتجاه نحو تقرير مبدأ انحصار السلطة بكل واحد منهم وعدم مشاركة الآخرين في الحكم، والتأكيد على المبررات الوراثية، وإستعداد كثير من الأنصار لتقبل فكرة أميرين أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين، حتى كان يرى كل جناح أنه أحق من غيره بالأمر[١]، وعلي بن أبي طالب وغيره من الصحابة بعيدون عنهم لانشغالهم بجثمان النبي(ص) الذي كان لم يدفن بعد[٢] حين اندفع عمر بأبي بكر إلى السقيفة ليبتوا في أمر الخلافة وحين بلغ الإمام علي(ع) بالنبأ رفض البيعة[٣] ورفضها معه أنصاره واستمروا هكذا ممتنعين عن البيعة ستة أشهر كاملة، بل إن علياً(ع) اعتبر اجتماع السقيفة في غيبته تآمراً.
هذه الروح القبلية هي التي فتحت على المسلمين باباً من أبواب الفتنة كما يصرح بذلك عمر بقوله «إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأيما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فإنها تغرّه يجب أن يقتلا»[٤].
مبدأ عمر في العطاء
بعد أن كان العطاء بين المسلمين بالتساوي في زمن النبي(ص) وكذلك في عصر أبي بكر.. عمد عمر إلى مبدأ التفضيل في العطاء «ففضل السابقين على غيرهم وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة، وفضل العرب على العجم وفضل الصريح على المولى»[٥].
وبهذا أوجد عمر بوادر الطبقية في المجتمع الإسلامي، والتي أصبحت فتيلاً أشعلت نار الصراع القبلي بين ربيعة ومضر وبين الأوس والخزرج[٦]، والصراع العنصري بين العرب والعجم والصريح والمولى[٧].. حتى أن عمراً في أواخر حياته أدرك خطر مبدئه وأعلن عزمه على الرجوع إلى مبدأ المساواة في العطاء بقوله «وإن عشت هذه السنة، ساويت بين الناس فلم أفضل أحمر على أسود ولا عربياً على عجمي، وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر» [٨].
الشورى
ونعني بها طريقة عمر في اختيار ستة نفر من قريش وتقديمهم للأمة المسلمة كمرشحين للخلافة من بعده[٩] واقتراحه هذا أثار في نفوس كثير من الأشخاص البارزين من قريش ونفوس قبائلهم وأنصارهم مطامح سياسية ما كانوا ليحلموا بها، لأنهم رأوا أن بعض من رشحهم عمر لا يفضلونهم في شيء، بل ربما امتازوا عليهم في أشياء كثيرة.
وترسخ هذا الطموح عندما «تمت تنحية الإمام(ع) مرشح الأكثرية المسلمة عن الخلافة وإسنادها لعثمان بن عفان مرشح الأرستقراطية القرشية، عندما بادر عبد الرحمن بن عوف بخلع نفسه ليكون في موقف المحايد ويحصر الترشيح في علي(ع) وعثمان ليختار هو بينهما...
... طلب من علي(ع) أن يبايعه على كتاب الله وسنة رسوله وفعل عمر وأبي بكر، فقال علي: لا... لكني أحاول ذلك جهدي وطاقتي، وطلب من عثمان نفس ما طلبه من علي فأجابه عثمان على الفور بالموافقة.. فبايعه.. وتمت له الخلافة[١٠].
وقد عبّر الإمام(ع) عن عدم رضاه عن هذه النتيجة بقوله «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة»[١١].
وكانت عاقبة الشورى ومن نتائجها نشوء أحزاب وتكتلات قائمة على الولاء الشخصي من ذوي الأهداف الشخصية للوصول إلى الحكم مستغلة أسباب الشكوى والإستياء من عثمان وبطانته وولاته على الأمصار متفاعلة مع أسباب أخرى في أسلوب عثمان ومعالجاته في سياسة المال والإدارة والاجتماع.. حتى كانت نتيجتها قيام الثورة ومصرع عثمان.
الإمام وموقفه من الثورة على عثمان
المتتبع لأحداث الثورة وخط سيرها حتى مقتل الخليفة عثمان، يدرك بأن الثورة وجمهورها الساخط، لم يكن أرعنا ولا قصير نظر، بل حاول الثوار مرارا الاتصال بأولياء الأمور والسلطة الحاكمة ومن خلال ممثليهم لكي ينبهوا الخليفة عثمان ويعرفوه على سوء الحكم وضرورة معالجتها.. وكانت تأتيه وفود الأمصار إلى المدينة مرات عديدة حاملة معها طائفة من مطاليبها وأمانيها.. وكانت هذه الوفود في كل مرة تبوء بالفشل وتقابل بالإعراض والجفاء.. فتألبوا ساخطين، فكان الإمام(ع) يتوسط بينهم وبين الخليفة، فيوعدهم الخليفة خيراً.. لكن الحدث الأخير للوفد المصري، أنهم ما إن بارحوا المدينة حتى أوعزت السلطة العليا إلى حاكم مصر بالقبض عليهم، وما كان من الثوار والمعارضين إلا أن عادوا مرة أخرى يرفعون مطاليبهم بعنف وقوة أشد، ولم يسعها لجم عواطفها الملتهبة، بل هبت ساخطة محتجة على رعونة وحماقة هذه التصرفات، وتريد وضع حدّ لآلامها وبؤسها..
وكانت مطاليبهم تشمل الآتي:
- الأخذ بمبدأ العطاء المتساوي الذي سار عليه النبي(ص) دون سياسة التفضيل التي سنّها عمر والتي لا تزال.
- تطهير الجهاز الحاكم ولا سيما من مروان بن الحكم وبطانته المتنفذة في استغلال وتسيير دفة الحكم.
- الوقوف بحزم تجاه أطماع قريش واستئثارهم بالثروات والمناصب ووضع حدّ لها.
- الحيلولة دون استدلال الأمراء للأهلين وامتهان كراماتهم كما فعلوا مع أبي ذر عند ما تحدّاهم وناقشهم بسلوكهم المنحرف.
- الحد من صلاحية الولاة والأمراء في إطلاق أيديهم في التصرف بالخراج والأموال العامة.
وصلت هذه المطاليب إلى عثمان، ولكنه لم يفعل شيئاًً تجاهها بل تجاهلها كلياً، وترك الأحداث تتأزم وتتفاقم، وتؤج كالنار في الهشيم، فتخوف الإمام على نتائج الأمور، وبادر على الفور إلى الاجتماع بعثمان فقال له: «إِنَّ اَلنَّاسَ وَرَائِي قَدْ كَلَّمُونِي فِيكَ وَ اَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تُنْكِرُهُ وَ لاَ أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ تَجْهَلُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ وَ لاَ خَلَوْنَا بِأَمْرٍ فَنُعَلِّمَكَ وَ قَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا وَ سَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَ صَحِبْتَ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا صَحِبْنَا وَ مَا اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ لاَ اِبْنُ اَلْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِ اَلْخَيْرِ مِنْكَ وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ قَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ فَاللهَ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَ اَللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى وَ لاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَ إِنَّ اَلطَّرِيقَ لَوَاضِحَةٌ بَيِّنَةٌ».
ومما قاله(ع) لعثمان: «إن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية».
وكان عثمان أحيانا يذعن لنصائح الإمام، ويعزم على الإصلاح ولكن سرعان ما يتعلل بمختلف الأعذار ولا يستقر على رأي.
وحيال تردد عثمان قال له الإمام(ع): «ما يريد عثمان أن ينصحه أحد، اتخذ بطانة غش ليس منهم أحد إلا وقد تسيب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها»[١٢].
وكان عمرو بن العاص يحرض الناس علانية على سياسة عثمان، حتى قال يصف نفسه «أنا أبو عبد الله إذا حككت فرصة نكأتها، إن كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان».
وهذه عائشة تجترىء على عثمان وهي تخطب وقد نشرت قميص النبي(ص) قائلة: «هذا قميص النبي لم يبل وقد أبليت سنته».
أما طلحة والزبير فقد وصلت بهما الحالة إلى إعانة الثائرين بالمال للإحاطة بعثمان، والجموع الوافدة من كل مكان، تفتحت ثائرتها، ومضت في إندفاعها متنمرة غاضبة، وكان الإمام علي(ع) موقفه من هؤلاء الثائرين كإطفائي الحريق يبذل كل جهده لتخفيف ثائرتهم وإطفاء حريقها الملتهب.
وما كان من عثمان إلا أن استمهل الثوار ثلاثة أيام لكي يجتمع بهم بعدها ليكون اجتماعاً حاسماً وفاصلاً، فلما انتهت اجتمعت جماهير غفيرة على بابه ولم يخرج لهم، بل خرج عليهم مروان مبعوثاً عنه، فخاطبهم بكلمات ملؤها الرعونة والاستعلاء قائلا: «ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم جئتم لنهب؟ شاهت الوجوه كل إنسان أخذ بأذن صاحبه؟... جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا؟ اخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرّن عليكم أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى منازلكم والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا».
كانت هذه الخطبة الملغومة بمثابة الفتيل الذي أشعل نار الثورة... فأرسل عثمان على الفور على الإمام علي(ع) فأبى أن يأتيه وقال(ع): «قد أعلمته أنني لست بعائد»[١٣] لأن الإمام علي(ع) كبر عليه منطق مروان الذي فأجا به الجمهور المحتشد بلسان الخليفة بعد أن ملأ كلامه حمقاً ورعونة لا تطاق، ورأى أن قيمة وساطته لا تعني شيئاًً لأنها لا تجدي نفعاً، وقد اقتنع واثقاً بأن عثمان سيضطر تحت ضغط الجمهور إلى إجابة مطالبهم الإصلاحية وتنحية مروان وبطانته.
ولكن شيئاً من هذا لم يقع، بل تحولت كل الوقائع إلى مؤشرات بارزة تؤكد حتمية الثورة، حيث بلغت المأساة قمتها، وفعلاً كانت الثورة بمقتل عثمان.
الإمام(ع) وموقفه من تولي الحكم
بعد مقتل عثمان، توجهت أنظار الثوار إلى الإمام علي يطلبون منه أن يلي الحكم - ولكنه أبى عليهم ذلك، لا لأنه لم يأنس من نفسه القوة على ولاية الحكم وتحمل تبعاته - وخصوصاً بعد أن رأى المجتمع الإسلامي يتردى في هوة عميقة من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بسبب سياسة ولاة عثمان خلال مدة خلافته، ورأى أن التوجيهات الإسلامية ومفاهيمها العظيمة التي عمل لها النبي(ص) طيلة حياته فقدت الكثير من فاعليتها في توجيه الناس، وأخذت تتضاءل بعد وفاته(ص) «و إنما صار الناس إلى واقعهم هذا لأنهم فقدوا الثقة بالقوة الحاكمة التي تهيمن عليهم، فراحوا يسعون إلى إقرار حقوقهم وصيانتها بأنفسهم، وهكذا انقطعت الصلة بينهم وبين الرموز المعنوية التي يجب أن تقود حياتهم، والسبيل إلى تلافي هذا الفساد هو إشعار الناس أن حكماً صحيحاً يهيمن عليهم لتعود إلى الناس ثقتهم الزائلة بحكمامهم ولكن هذا لم يكن سهلاً قريباً، فثمة طبقات ناشئة لا تسيغ مثل هذا، ولذلك فهي حرية بأن تقف في وجه كل منهج إصلاحي ومحاولة تطهيرية.
إذن فقد كان الإمام(ع) يدرك نتيجة لوعيه العميق للظروف الاجتماعية والنفسية التي كانت تحتاج المجتمع الإسلامية في ذلك الحين، ولأن المدّ الثوري الذي انتهى بالأمور إلى ما انتهت إليه بالنسبة إلى عثمان يقتضي عملا ثوريا يتناول دعائم المجتمع الإسلامي من النواحي الإقتصادية والاجتماعية والسياسية[١٤].
ومن هنا كان رفض الإمام(ع) وامتناعه عن الإستجابة الفورية لضغط الجماهير والصحابة عليه بقبوله الخلافة، فقد أراد أن يضعهم أمام اختبار يكتشف به مدى استعدادهم لتحمل أسلوب الثورة في العمل لئلا يروا فيما بعد أنه أستغفلهم واستغل إندفاعهم الثوري حين يكتشفون صعوبة الشروط التي يجب أن يناضلوا الفساد الذي ثاروا عليه في ظلها»[١٥].
ولهذا أجابهم الإمام(ع) بقوله: «دَعُونِي وَ اِلْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لاَ يَقُومُ لَهُ اَلْقُلُوبُ وَ لاَ تَثْبُتُ عَلَيْهِ اَلْعُقُولُ وَ إِنَّ اَلْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ اَلْحُجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ وَ اِعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ اَلْقَائِلِ وَ عَتْبِ اَلْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً»[١٦].
ولكن الناس أصروا عليه أن يلي الحكم، فاستجاب لهم.
الإمام(ع) في الحكم
تسلم الإمام الحكم في مجتمع ورث الفساد وكانت تنتظره مشاكل معقدة كثيرة على مختلف الأصعدة، فعالنهم الإمام(ع) بسياسته الثورية الجديدة التي قرر أن يتبعها من أجل تحقيق الأهداف التي قبل الحكم لأجلها.
وقد تناولت سياسته الثورية ثلاثة ميادين هي:
- الميدان الحقوقي.
- الميدان المالي.
- الميدان الإداري.
وقد أثيرت - مع الأسف - حول سياسة الإمام(ع) وإصلاحاته الكثير من الشكوك والأحكام المرتجلة. حتى شاعت في كتب التاريخ، واتخذها قارئو التاريخ قضيته مسلما بها مفروغاً من بحثها والإستدلال عليها، وخصوصاً سياسته الإدارية التي كثرت فيها الأحكام وراجت حولها الآراء المغلوطة... وهذا ما سوف نناقشه بالتفصيل وبأسلوب تحليلي عميق لنستوضح من خلالها حقيقتها بعد أن نمر بالميدانين الحقوقي والمالي بصورة عابرة.
الميدان الحقوقي
تناولت إصلاحاته في المجال الحقوقي إلغاء مبدأ التفاضل في العطاء، وإعلان مبدأ المساواة الذي يساوي فيه كل المسلمين ويعتبرهم سواء في الحقوق والواجبات. فجاء قوله(ع): «اَلذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ اَلْحَقَّ لَهُ وَ اَلْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ اَلْحَقَّ مِنْهُ»[١٧].
الميدان المالي
وركز من خلاله على نقطتين مهمتين:
- الثروات غير المشروعة التي تكونت أيام عثمان.
- أسلوب توزيع العطاء التفضيلي.
حتى أن الإمام(ع) صادر جميع ما أقطعه عثمان من القطائع وما وهبه من الأموال العظيمة لطبقة الأرستقراطيين، وعالنهم بسياسته في توزيع المال بقوله: «وَ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ لِي مَا لَكُمْ وَ عَلَيَّ مَا عَلَيْكُمْ وَ قَدْ فَتَحَ اَللَّهُ اَلْبَابَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ اَلْقِبْلَةِ فَأَقْبَلَتِ اَلْفِتَنُ كَقِطَعِ اَللَّيْلِ اَلْمُظْلِمِ وَ لاَ يَحْمِلُ هَذَا اَلْأَمْرَ إِلاَّ أَهْلُ اَلصَّبْرِ وَ اَلْبَصَرِ وَ اَلْعِلْمِ بِمَوَاقِعِ اَلْأَمْرِ وَ إِنِّي حَامِلُكُمْ عَلَى مَنْهَجِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ مُنَفِّذٌ فِيكُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ، أَلاَ وَ كُلُّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ أَوْ مَالٍ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ اَللَّهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، فَإِنَّ اَلْحَقَّ قَدِيمٌ لاَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَ اُشْتُرِيَ بِهِ اَلْإِمَاءُ وَ تَفَرَّقَ فِي اَلْبُلْدَانِ لَرَدَدْتُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِنَّ فِي اَلْحَقِّ وَ اَلْعَدْلِ لَكُمْ سَعَةً، وَ مَنْ ضَاقَ بِهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ بِهِ أَضْيَقُ»[١٨].
ولعل قادة الطبقة الثرية فكرت في مساومة الإمام علي(ع) على بذل طاعتهم له على أن يغضي عما سلف منهم، فأرسلوا إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقال له: «يا أبا الحسن، إنك قد وترتنا جميعاً ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف، ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال أيام عثمان، وأن تقتل قتلته وإنا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام»[١٩].
أما الإمام علي(ع) فأكد لهم في خطبة له بكل وضوح على عزمه في مواصلة تطبيق المنهج الذي بدأ به فقال: «فَأَمَّا هَذَا اَلْفَيْءُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فِيهِ أَثَرَةٌ فَقَدْ فَرَغَ اَللَّهُ مِنْ قِسْمَتِهِ فَهُوَ مَالُ اَللَّهِ وَ أَنْتُمْ عِبَادُ اَللَّهِ اَلْمُسْلِمُونَ وَ هَذَا كِتَابُ اَللَّهِ بِهِ أَقْرَرْنَا وَ لَهُ أَسْلَمْنَا وَ عَهْدُ نَبِيِّنَا بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَلْيَتَوَلَّ كَيْفَ شَاءَ»[٢٠].
الميدان الاداري
باشر الإمام(ع) سياسته الإدارية بعملين:
- بعزل ولاة عثمان على الأمصار قائلاً: «وَ لَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اَللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ اَلصَّالِحِينَ حَرْباً وَ اَلْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ اَلَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ اَلْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى اَلْإِسْلاَمِ اَلرَّضَائِخُ»[٢١]. فقد قرب عثمان ممن طردهم الرسول(ص) أو أقصاهم، لقد رد عمه الحكم ابن أمية إلى المدينة بعد أن طرده الرسول(ص) وأصبح يسمى طريد رسول الله وآوى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان النبي(ص) قد أهدر دمه وولاه عثمان مصر كما ولى عبد الله بن عامر البصرة فأحدث فيها من الأحداث ما جعل المؤمنين ينقمون عليه وعلى عثمان[٢٢].
- إسناد ولايتها إلى رجال من أهل الدين والعفة والحزم، وذلك لأنه(ع) وجد أن أكبر عناصر الشكوى، وأهم أجزائها هو الجزء الخاص بالأمراء والولاة، فبادر (ع) إلى تغيير التعيينات القديمة فأصدر أمره بتولية عثمان بن حنيف على البصرة، وسهل بن حنيف على الشام وقيس بن سعد بن عبادة على مصر وأبي موسى الأشعري على الكوفة وهي الأمصار الكبرى آنذاك.
وقد كلمه الكثيرون ومنهم المغيرة بن شعبة بشأن ولاة عثمان فأشار عليه بأن يثبت هؤلاء الولاة على أعمالهم، ولكنه أبى عليه ذلك وعزلهم، وهكذا فعل مع طلحة والزبير بشأن ولاية الكوفة والبصرة وردهما ردا رفيقا مما حملهما للضغط على الإمام(ع) والتشكيك بقيادته ونكث بيعتهما له والمجاهرة بمطالبته بدم عثمان، متناسيين أنهما كانا من بين المحرضين على الثورة على عثمان، بل وطالبوا بإعادة طرح أمر الخلافة شورى بين المسلمين، وزعما أنهمو بايعا علياً عن إكراه وأن بيعتهما لهذا لها لا تجوز[٢٣].
ويتضح موقف الإمام(ع) من إبعاد طلحة والزبير عن ولاية البصرة والكوفة بالرغم من الآراء التي اعتبرته عملاً سياسياً يتسم بقصر النظر... وتتضح سلامة هذا الموقف بأن المواقف الممكنة من طلحة والزبير لا تخرج عن أربعة مواقف كلها أغمض عاقبة، وأقل سلامة، وأضعف ضماناً من موقفه الذي ارتضاه[٢٤].
فالموقف الأول: أن يقوم بتوليتهما البصرة والكوفة، وقد كان عبد الله بن عباس على هذا الرأي ولم يرتضه الإمام(ع) لأن البصرة والكوفة فيهما الرجال والأموال، ومتى تملكا رقاب الناس يستميلان السفينه بالطمع ويضربان الضعيف بالبلاء، ويقويان على القوي بالسلطان ثم ينقلبان عليه أقوى مما كانا بغير ولاية.
والموقف الثاني: أن يعمل الإمام(ع) على الوقيعة بينهما ليفترقا ولا يتفقا على عمل، وهو بعمله هذا سوف يعطي أحدهما ويحرم الآخر، فمن أعطاه لا يضمن انقلابه، ومن حرمه لا يأمن أن يهرب إلى الأثرة كما هرب غيره إلى الشام ليساوم معاوية أو يبقى في المدينة على ضغينة مستورة.
والموقف الثالث: أن يعتقلهما أسيرين ولا يبيح لهما الخروج من المدينة إلى مكة حين سألاه الإذن بالمسير إليها، ثم خرجا منها إلى البصرة ليشنا الغارة عليه، وكان يعلم(ع) بأمرهما حين سألاه الإذن بالسفر إلى العمرة، فقال لهما «ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة».
وأغلب الظن لو أن الإمام أقدم على حبسهما لأثار عواطف الناس عليه ونقموا حبسهما قبل أن تثبت البينة بوزرهما بل ربما شكك بعض أنصاره في سياسته تجاههما.
ومن تلك الأحكام المرتجلة التي اتهموا الإمام بها قولهم في سياسته الإدارية وخصوصاً عزل معاوية والي الشام وقبوله التحكيم في حربه ضده - في صفين - والمعلوم أن الإمام(ع) لم يقبل بالتحكيم إلا بعد أن أحجم جنده عن الحرب، ووقعت الخلافات في صفوفهم وأخذت تتفاقم إلى حد التهديد بالخطر والإقتتال بين الرافضين والقابلين بالتحكيم، حتى أنهم هددوا بقتل الإمام كما قتل عثمان، وأحاطوا به يلحون عليه في استدعاء الأشتر النخعي الذي كان يلاحق أعداءه مستأسدا في ساحة الحرب على أمل النصر القريب.
أما المؤرخون الذين صوبوا رأيه في التحكيم وخطأوه في قبول أبي موسى الأشعري على علمه بضعفه وتردده، ينسون أن أبا موسى الأشعري كان مفروضاً عليه كما فرض عليه التحكيم، والنتيجة واحدة متشابهة لو ناب عنه الأشعري أو ناب عنه الأشتر أو عبد الله بن عباس. لأن عمرو بن العاص لم يكن ليخلع معاوية ويقر علياً بالخلافة، وإن توهم بعضهم أن الأشتر أو ابن عباس كان قديراً على تحويل ابن العاص عن رأيه والجنوح به إلى حزب علي... فليس ذلك على التحقيق بمقنع معاوية أن يستكين ويستسلم وحوله المؤيدون والمترقبون للمطامع يعز عليهم إخفاقهم كما يعز عليه شخصياً.
فليس في أيدي المؤرخين الناقدين إذن حلّ أصوب من الحل الذي أذعن له الإمام(ع) على كره منه، سواء أذعن له وهو عالم بخطئه أو أذعن له وهو يسوي بينه وبين غيره في عقباه[٢٥].
أما عزله(ع) لمعاوية فهي القضية التي استأثرت باهتمام المؤرخين وكتاباتهم، حتى وصل بهم القول «بأن معاوية ضرورة حتمية في التاريخ العربي باعتباره مرحلة من مراحل بناء الدولة وتركزها جاعلين من معاوية رجل دولة وسياسة ودهاء التزم سياسة واقعية بارعة مقابل سياسة خيالية مغرقة بالمثل الأخلاقية التي اتبعها خصمه الإمام(ع)»[٢٦].
والآن نسأل هل كان بمستطاع الإمام(ع) أن يقر معاوية في عمله بالشام وهل كان موقفه هذا صحيحاً لو أنه استطاع؟ ويجيب عباس محمود العقاد «أن ليس بإمكان الإمام أن يقر معاوية في عمله لسببين: لأنه أشار على عثمان مراراً بعزله، وكان وجود معاوية وأمثاله من الولاة المستغلين أهم المآخذ على حكومة عثمان، فلو أقره فاذا يكون موقف أشياعه فيه، وما سيقوله الناس؟.
وإذا هو أعرض عن رأيه الأول فهل في وسعه أن يعرض عن آراء الثائرين الذين بايعوه بالخلافة لتغيير الحال والخروج من حكم عثمان إلى حكم جديد؟.. وندع هذا ونزعم أن إقرار معاوية بحيلة من الحيل مستطاع.. فهل هو على هذا الزعم أسلم وأدنى إلى الوفاق؟.
نقول: كلاً على الأرجح، لأن معاوية لم يعمل في الشام عمل وال طوال حياته، ويقنع بهذا النصيب ثم لا يتطاول إلى ما وراءه، لكنه عمل فيها عمل صاحب الدولة التي يؤسسها ويدعمها له ولأبنائه من بعده، فجمع الأقطاب من حوله، واشترى الأنصار بكل ثمن في يديه وأحاط نفسه بالقوة والثروة واستعد للبقاء الطويل، واغتنام الفرصة في حينها فأي فرصة هو واجدها خير من مقتل عثمان والمطالبة بثأره؟[٢٧].
والنجاح الذي أحرزه معاوية لا يرجع إلى براعته في المناورة والخداع، واستعماله لكل الأساليب التي أنف الإمام علي بن أبي طالب أن يلجأ إلى أقل القليل منها بل يرجع أساساً إلى اختلاف طبيعة موقف الإمام عن طبيعة موقف معاوية وإلى مواتاة الظروف الاجتماعية للأخير.
طبيعة موقف الإمام(ع) ومعاوية من الصراع
كان يوجد منذ البدء في طبيعة موقف الإمام الذي مثل أطروحة - الدعوة الإسلامية - وطبيعة موقف معاوية الذي كان يمثل خط الإنحراف، ما يفرض أو ما يقرب النتيجة التي انتهى إليها الصراع بينهما[٢٨].
وهناك عدة مؤشرات ونقاط يجب أن تكون موضع اعتبار عندما نعرض لطبيعة الصراع بين الإمام(ع) ومعاوية.
أولاً: كانت طبيعة موقف الإمام من الصراع وملابسات الظروف تتمثل بالهجوم على معاوية وتصفيته سياسيا، فعمليته كانت على مستوى الغزو، وكانت عملية معاوية على مستوى الدفاع.
فالإمام عندما تسلم مسؤولية الحكم في الدولة الإسلامية وجد نفسه مسؤولا بشكل مباشر عن تصفية الإنشقاق ومحاولة التمرد غير الشرعي الذي أوجده معاوية وخط بني أمية «الذين تولوا السلطة والذين تنطبق عليهم صفة الطلقاء وأبنائهم وممن وقفوا من الإسلام موقف خصومة وعداء وقد أعلنوا إسلامهم تقية ونفاقا»[٢٩].
فكانت مهمة التصفية وإزالتها من جسم الأمة الإسلامية هي قدر الإمام علي(ع) ومشكلته الملحة التي يجب أن يعالجها بأسرع وقت. والإمام علي(ع) حينما ركز عاصمته، وقاعدته الشعبية في العراق كان مطلبه السياسي الأول هو تعبئة هذه القاعدة والتي يستند إليها في تسيير الحكم، ثم العمل من خلالها على تصفية التجزئة غير المشروعة التي أوجدها معاوية في جسم الأمة الإسلامية.
فمهمة التخطيط للتصفية كانت تعني بالنسبة للإمام(ع) أن يبدأ معاوية بالهجوم والغزو، وأن ينقل قاعدته الشعبية ويكلفها بأن تقوم وتتحرك وتخرج من بلادها مهاجرة في سبيل الله لكي تقضي على أزمة الانحراف والتي تمثلت بالتجزئة - الغير مشروعة - التي أرادها وأوجدها معاوية وبنو أمية في جسم الدولة الإسلامية وقد قدر لها أن تتركز في ثغر من ثغور المسلمين (الشام)، بينما لم يكن معاوية على هذا المستوى ولم يكن موقفه موقف الغازي أو المهاجم، بل كان همه الأوحد أن يمسك الشام ويكرس انفصالها عن باقي أجزاء الوطن الإسلامي.
وإزاء هذه الحقيقة، لابد من أن ندرك فارقاً كبيراً يميز طبيعة كلا الموقفين وأثرها على طبيعة الصراع... فالفرق كبير جداً بين قائد يأمر جيشه بأن يتحرك من بلاده مهاجراً ليخوض معركة - هجومية - لا يوجد أي اعتبار أو دافع لخوضها سوى إحياء الرسالة الإسلامية ولم تكن هناك اعتبارات خاصة وراء هذه المعركة حيث أن العراقيين لم تتعطل مصالحهم بسبب انفصال الشام ولم يكونوا موتورين من الشاميين بما هم شاميين، وإنما كانت اعتبارات الرسالة ودوافعها الإنسانية هي الإعتبار الوحيد والدافع الذي يستصرخهم ويناديهم إلى خوض معركة تصفية الإنشقاق والقضاء على التجزئة التي منيت بها الأمة. فهم إذن وعلى ضوء هذه الحقيقة يجب أن يكونوا مدفوعين للمعركة بدافع رسالي كبير، وأن يكونوا بمستوى عظيم من فهم القضية وإدراك أبعادها وتبين مضمونها، حتى يكونوا بمستوى العطاء لها، سواء بنفوسهم أو أرواحهم وأموالهم.
بينما هذا المستوى من العطاء لم يكن هو أطروحة معاوية لجيشه فهو لم يطالب جيشه باحتلال العراق، ولا بغزو باقي أجزاء العالم الإسلامي، إنما كان يمنيهم بسيادة واستقلال، وفي النهاية وعلى الخط الطويل في تنفيذ زعامة الوطن الإسلامي في الشام. أما الأشخاص الذين كانوا يدورون في فلك الإمام(ع) وحاربوا معه فقد كان منهم العدد الكبير من الواعين وأنصاف الواعين، هؤلاء هم الذين استجابوا لمطالب الرسالة منذ اللحظة الأولى، وشعروا بأن واجبهم الإسلامي يفرض عليهم تصفية التجزئة ووضع حد لها فأعطوا من التضحيات ما أعطوا، وخاضوا عدة معارك باسلة، وقدموا للقضية الإسلامية التي طرحها الإمام(ع) عطاء لا يستهان به.
ولكن كان لا بد لهذا العطاء من أن يتناقص تدريجياً وفقا لمستوى انقيادهم للإمام(ع) أو لمستوى وعيهم للقضية «وخصوصاً رؤساء القبائل الذين دخلوا المعركة وهم تحت سلطان الدولة برئاسة الإمام علي من ناحية وتشيعاً لأهل العراق ضد أهل الشام من ناحية أخرى وطمعاً في السيادة والغلب إذا كتب النصر لعلي وهناك القوى المؤيدة لسياسته من الناحية الاجتماعية سواء عن وعي أو بحكم وضعها الطبقي»[٣٠].
وهذه الحقائق هي التي تفسر لنا ظاهرة الخيانات المتلاحقة التي ظهرت في صفوف جماعة علي «وليس أغربها موقف ابن عمه عبد الله بن عباس ومن بعده أخوه عبيد الله اللذين صالحا معاوية على أن يترك لهما ما حملا من بيت المال بعد مقتل الإمام علي»[٣١].
ولهذا لم تكن الأطروحتان متكافئتين من حيث درجة الجهد ومن حيث درجة الطرح ومن حيث درجة الدفع والتحريك.
فهناك أطروحة تريد من الجيش أن يخرج من بيته مهاجراً يغزو في سبيل الله، وأطروحة أخرى تريد من الجيش أن يبقى في بيته وأن يحافظ على استقلال وطنه في أرضه.
هذا الفرق الكبير بين الأطروحتين ودرجة الجهد التي تتطلبها كل منهما كان له دور كبير في طبيعة موقفيهما.
ثانياً: كان الإمام علي(ع) يواجه انحرافاً من داخل المجتمع الإسلامي الذي يحكمه نتيجة للظروف والملابسات السياسية التي سبقت حكمه بالإضافة إلى مسؤوليته(ع) في تصفية التجزئة السياسية في العالم الإسلامي التي كانت شغله الشاغل آنذاك.
وكان لابد للإمام(ع) أن يخوض معركة ضد هذا الانحراف الداخلي الذي كان يعيشه المسلمون في العراق والحجاز والعالم الإسلامي بشكل عام.
فالإمام(ع) كان بين معركتين، معركة ضد التجزئة السياسية، ومعركة ضد الإنحراف الداخلي في المجتمع الإسلامي، والذي تمثل في سياسة سابقة من التحيز اللإسلامي»[٣٢]. حتى رأينا بعد حين كيف أن التجربة الإسلامية أخذت تنهار تحت وقع الضربات التي وجهها هؤلاء (المنافقون) بعد أن استطاعوا التسلل إلى مراكز النفوذ بالتدريج، مستغفلين قياداتها ومن ثم صادروا تلك القيادات بكل وقاحة وعنف، حتى تحولت الخلافة إلى ملك موروث يستهتر بالكرامات ويقتل الأبرياء ويبعثر الأموال ويعطل الحدود ويجمد الأحكام[٣٣].
ومن هنا كان قدر الإمام(ع) في تصفية هذه الأوضاع المنحرفة وتقليم أظافرها، واسترجاع الأموال من الخائنين، والبدء بحرب دون هوادة لكل الأفكار والمفاهيم المنحرفة غير المنسجمة مع خط الإسلام.
وقد شملت إجراءات الإمام(ع) بعض الزعماء المتنفذين كطلحة والزبير حتى أنهما دبرا حركة تمرد في البصرة تستهدف إسقاط حكم الإمام(ع) وذلك تحت ستار الثأر لعثمان.
وعلى ضوء حقائق مجتمع الإمام(ع) وظروفه المعقدة، كانت تنتظره معركة كبيرة ومضنية في الداخل، وكان من المفروض لهؤلاء أن يكونوا بجانبه في معركته الخارجية في تصفية الإنشقاق.
وعلى العكس بالنسبة لمعاوية، فإنه لم يكن يعيش معركة تغيير وتصحيح داخل مجتمعه، بل إنه كان يعمد إلى «شراء الضمائر بالمال ويفضل طائفة بحرمان أخرى، ولا يهمه أن ينزل بدافعي الضرائب من الزراع والتجار أفدح الظلم في سبيل الحصول على الأموال الكافية لتغذية أطماع حفنة من رؤساء القبائل، لتكون على استعداد تام في قمع ولجم أي حركة تحريرية تقوم بها جماعة من الناس» [٣٤].
ومن الجدير بالإشارة - كما تجمع كل المصادر التأريخية - أن الشام دخلت الدولة الإسلامية بالفتح العسكري، والمعروف أن الإسلام لم يدخلها دخولا كبيرا، بل دخلها بالإسم والإشارات الأولية فقط، ولم يدخل بمضمونه الحقيقي الواعي إلى قلوب أهل الشام، فهم ما يزالون يعيشون راسبا جاهليا متأثرين بالأفكار التي آمنوا بها قبل الإسلام، حتى أن أوضاعهم الفكرية والاجتماعية والسياسية لا تختلف بدرجة كبيرة عما كانوا عليه قبل الإسلام.
ولم يكن معاوية يرى أي تناقض بين أهدافه وأطروحته، وبين المجتمع الشامي الذي كان بوضعه الفكري والإقتصادي والسياسي والاجتماعي مؤهلا تماما لتقبل أطروحة معاوية.
وكانت أهدافه تتخلص بزعامة ملكية قيصرية لا تؤمن بالإرتباط الحقيقي بالله تعالى. بينما أطروحة الإمام علي(ع) كانت تواجه انحرافاً مزمناً منذ وفاة النبي(ص)، وكان الإمام(ع) مسؤولاً عن تصفيتها وإزالتها دون رجعة.
فمعركة الإمام(ع) الداخلية التي كان يواجهها لم يكن معاوية يواجه نظيراً لها في مجتمعه.
ثالثاً: أن مركز الإمام(ع) قبل الخلافة وقبل خوض المعركة كان يختلف اختلافاً كبيراً عن مركز معاوية قبل خوض المعركة مع الإمام(ع). فالإمام(ع) كان قد تكون له في نظر المسلمين - المفهوم الرسمي للخلافة - قبل تسلمه لمسؤوليات الخلافة، وهو أن الإمام(ع) ليس إلا صحابياً جليلاً له خدمات جليلة أثناء حياة الرسول(ص) فحاله كحال غيره من الصحابة الأجلاء من ذوي الخدمات الكبيرة في زمن النبي(ص). هذا الإتجاه الذي أدانه الإمام (علي) منذ اللحظة الأولى، واستنكر ما اتجهت إليه مقررات السقيفة من تجميد لأطروحته في الزعامة الفكرية والسياسية وإسناد السلطة إلى غيره، وامتنع من تقديم البيعة لستة أشهر كاملة[٣٥]. حتى أن المسلمين وبالتدريج - وخضوعا للأمر الواقع - وبحكم السياسة الحاكمة على يد الخلفاء الثلاثة - بدأوا يعاملون عليا على هذا الأساس (أي بإعتباره الصحابي الجليل لا أكثر)... وبحكم هذا التقييم كان يوجد كثير من الصحابة ممن كانوا يرون أنهم لا يقلون عن الإمام(ع) أو يقلون عنه بدرجات، أو على أحسن تقدير أن الفارق بينهم وبينه فارق تافة.. فهم صحابة رسول الله وهو كذلك صحابي رسول الله، هم أخذوا العلم من الرسول وهو أخذ العلم من رسول الله.. فهم كانوا يعترفون للإمام(ع) بأنه الأفضل والأروع والأكثر اجتهاداً منهم - على أفضل تقدير - فالفارق إذن لم يكن سوى درجة ليس إلا...
هذا الوضع الذي تحدثنا عنه لم يتواجد نظيراً له في المجتمع الشامي هذا المجتمع الذي لم يكن يعرف غير معاوية بن أبي سفيان. لأن الشاميين دخلوا الإسلام على يد أخ معاوية وهو يزيد بن أبي سفيان والي بعثة أبي بكر إلى الشام، ولما مات يزيد ولى أبو بكر بعده أخاه معاوية بن أبي سفيان[٣٦].
فأهل الشام كانوا كفاراً ودخلوا الإسلام على يد معاوية وأخيه يزيد فنظرتهم إلى معاوية نظرة احترام وتقدير باعتباره همزة الوصل بينهم وبين الإسلام.
هذه الحقيقة استفاد منها الأمويون عندما حاربوا الحسين(ع) فيما بعد حاربوه باعتباره شخصاً مارقا من الدين ومخالفاً للإمام الشرعي، وانطلقوا في محاربتهم إلى ما عهدوه من السند الديني للأمويين في نفوس الشاميين»[٣٧].
فنظرة أهل الشام ورجالاتهم إلى معاوية - على ضوء هذه الحقيقة - تختلف عن نظرة أهل المدينة والعراق إلى الإمام(ع)... وهذه النظرة المختلفة التي أوجدت باستمرار في حياة الإمام(ع) تناقضاً وكثيراً من الآراء والإجتهادات المتضاربة، وامتناعاً في كثير من الأحيان عن قبول رأي الإمام(ع) بينما كان أهل الشام يتلقون أوامر معاوية بالتسليم والطاعة التامة.
رابعاً: إن دعوى الإمام(ع) في معاوية لم تكن على مستوى (الحس) إنما كانت على مستوى «الوعي» والواعون لم يكونوا كل المسلمين «بل أغلب الناس عادة يخضعون في فهمهم للواقع لتفسيرات سطحية - أقرب ما تكون للحس - والتي تستسلم للأسباب القريبة الجاهزة التي تبدو للعين من أول نظرة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عما وراء الواقع الحسي أو يحاولوا التعرف على الدوافع الرسالية البعيدة التي ساهمت في نشوء هذا الواقع أو ذاك[٣٨].
أما دعوى معاوية في علي(ع) فقد صورها وأخرجها وكأنها على مستوى «الحس» والناس كلهم يعيشون «الحس» وقلة منهم يعيشون حالة الوعي الرسالي.
الإمام علي(ع) كان يقول: إن معاوية لا يمثل خطا من خطوط الإسلام ورسالته العظيمة، وإنما يمثل جاهلية أبيه (أبو سفيان) وأنه يريد أن يقضي على الكيان الإسلامي وتحويل المجتمع الإسلامي إلى مجتمع آخر لا يؤمن بالإسلام وبالقرآن، ويريد للخلافة أن تتأطر بإطارات قيصرية وكسروية. كان هذا هو ادعاء الإمام(ع) في معاوية.
أما ادعاء معاوية في الإمام(ع) فيتلخص: بأن الإمام(ع) أثار الناس وهيجهم للثورة على عثمان بن عفان الخليفة الشرعي وقتئذ، وأن أصحابه وأهله كانوا في طليعة الثوار على عثمان، وأن عليا(ع) قد خطط عن طريق هؤلاء الأصحاب لقتل عثمان ومن ثم تربع على كرسي الحكم بعده، «ومضى يتجادل على أساس هذه الدعوى الحسية بينما أخفى هدفه الأصيل طي الكتمان، ولم تلبث المجادلات حول الحجة تتراكم حتى تغطي فعلا على الحقيقة»[٣٩].
ما أقرب دعوى معاوية للتصديق على مستوى (الحس). وهل هناك شخص يعيش الأرقام التي كان يقدمها معاوية عن هؤلاء الأصحاب والتي باشرت بنفسها قتل عثمان أو التي ساعدت وحرضت على ذلك أمثال: محمد بن أبي بكر، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، ومالك الأشتر، ومحمد بن أبي حذيفة وعبيد الله بن مسعود وغيرهم من المسلمين الذين كانوا الدعامة الشعبية لحكم الإمام(ع) «و قد جاهر عمار بالهجوم على الخليفة، كما جاهر أبو ذر باتهام الخليفة وعماله بالخروج على الشريعة الإسلامية وراح يحض الأغنياء على أن يطرحوا كنز المال حتى نفاه عثمان إلى الشام ليكون تحت رقابة معاوية وكان يحرض الفقراء ليقوموا بالثورة، وكان محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر في مصر يدعوان إلى مثل ما دعا به أبو ذر، وفي الكوفة هاجم الأشتر حكم عثمان بخطاب ناري يتهمه بالجور والظلم»[٤٠].
فهل هناك تفسير أقرب إلى الحس من أن يكون الإمام علي قد قتل عثمان بيد، واستلم الحكم ليتربع عليه باليد الأخرى...
نقول: على ضوء هذه الحقائق أن تفسير معاوية كان مقبولاً إلى حد ما، لأنه كان قريباً من (الحس).
أما تفسير موقف الإمام(ع) من معاوية فقد كان يحتاج قدراً كبيراً من الوعي.
نحن اليوم ننظر إلى معاوية بعد أن انتهى وانكشف لنا أمره، عندما صعد المنبر عام الجماعة قائلاً: «ما حاربتكم لتصلوا وتصوموا ولتحجوا ولا لتزكوا ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون»[٤١].
ونحن ننظر إلى معاوية بعد أن قتل الأبرياء كـ حجر بن عدي والأبطال الأبرار من إخوان حجر، وبعد أن سمّ الإمام الحسن بن علي(ع)، وبعد أن أعطى ولاية العهد إلى ابنه الفاسق الفاجر - يزيد - متحدياً معاهدة الصلح التي أبرمها مع الإمام الحسن(ع) ضارباً بها عرض الحائط ويقول: «كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها... وإن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة لمطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين»[٤٢].
فنحن ننظر إلى معاوية من خلال هذه المقاييس والإعتبارات وبعد أن انتهى وأصبح في ذمة التاريخ. أما أولئك الجماهير الكبيرة من المسلمين فلم يكونوا ينظرون لمعاوية بهذا الإعتبار والمنظار لأنهم لم يعيشوا هذه الأحداث بهذا الوضوح الذي ننظر إليه.
فلو أسقطنا النظر عن تاريخ معاوية فيما بعد ولا حظنا معاوية فيما قبل. لو لاحظناه بمنظار أولئك الجماهير غير الواعية، التي عاشت مع أبي بكر وعمر وعثمان وفضلتهم على الإمام(ع) وتأملنا تلك الجماهير غير الواعية وهي تطرح السؤال التالي:
من هو معاوية؟.
فكانت الإجابة بأنه أحد صحابة رسول الله(ص) وأحد معتمدي الخليفة أبي بكر وقد أرسله الأخير قائداً لجيشه في سوريا ومن ثم ولاه عمر عليها، وكان يوليه درجة كبيرة من ثقته، وخصوصاً عمر هو ذلك الشخص الذي تقدسه هذه الجماهير.
إذن معاوية بذلك المنظار ليس هو معاوية الذي ننظر إليه هذا اليوم، معاوية كان يطالب علياً بقتلة عثمان، وكان يتهم علياً بالتحريض على قتل عثمان، ويقول في الإمام(ع) بأنه قادر على إقامة الحد والقصاص على قاتل عثمان، فإذن لماذا لا يسلم إلينا قاتل عثمان وإن لم يكن يقدر على ذلك فهو إذن عاجز عن تطبيق الشرع، فليعتذر إذن عن الخلافة وليأتي شخص آخر أجدر منه لخلافة المسلمين[٤٣].
هذه هي دعوى معاوية بالإمام علي(ع). ومن مجموع هذه الظروف والملابسات المعقدة، تواجدت بالتدريج بذرة شك في مجتمع الإمام علي(ع). هذا الإمام العظيم الذي خاض المعركة على رأس هذا المجتمع لتصفيه الإنحراف من الداخل والإنحراف من الخارج، والذي كان يريد أن يوعي جماهيره بأن المعركة ليست معركة زعامة شخصية أو وجوده الخاص ولا معركة قبيلته أو عشيرته وأمجاده التأريخية. وإنما هي معركة الإسلام مع جاهلية الأرض، بل هي معركة الحفاظ على أمانة الله التي جاهد من أجلها عشرات الآلاف من الأنبياء والمصلحين، كان يهدف إلى توعيتهم على واقع المعركة وطبيعتها المقدسة، ولكن الجماهير بدأت تشك في واقع المعركة وطبيعتها، وأخذوا يزدادون عناداً وتصلباً في موقفهم كلما دعاهم الإمام إلى الدخول في طاعته والسير إلى قتال معاوية ويقول لهم: «أَحْمَدُ اَللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَ عَلَى اِبْتِلاَئِي بِكُمْ أَيَّتُهَا اَلْفِرْقَةُ اَلَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ . وَ إِنِ اِجْتَمَعَ اَلنَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَ إِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ»[٤٤].
هذه الجماهير أصابها التعب، وأرهقها الجهاد، بعد أن قدمت للإسلام كثيراً من التضحيات التي قد لا يمكن أن يؤديها كثير من المجتمعات.. إلا أن نفسها في مواصلة الجهاد لم يكن طويلاً، فقد كان الإنحراف ذا نفس أطول، هذه الجماهير التي تعبت وأرهقها خط الجهاد الطويل والقتال من حرب إلى حرب بدأت تشعر بأنها في حالة غير طبيعية، وأخذت تشعر بأنها طلقت الدنيا، وطلقت الأهل والأولاد والأموال في سبيل قضية لا تمس مصالحهم الشخصية، وأخذوا يوحون إلى أنفسهم (بالشك). والتميع يوحي بالشك وقد يخلق في الإنسان الشك.
إن رغبة هؤلاء هي في إيقاف هذا النزيف والحروب. هذه الرغبة النفسية الجامحة، خلقت الشك والمبررات اللامنطقية. وهذه المبررات تأتي نتاجاً لهذه الرغبة النفسية، في أن يتبدل الحال إلى ما كان عليه قبل أعباء هذا الخطب الفادح، وتحمل مسؤولياته.
و كانت هناك مؤثرات وعوامل كثيرة ساهمت في خلق هذا الشك منها:
- الصحابة الذين كانوا على قدر كبير من الورع والتقوى في نظر الناس والمتلبسين بلباس الأتقياء العقائديين المثاليين كانوا يوحون إلى الجماهير بأن المعركة ليست صحيحة «القاعد فيها خير من القائم والنائم فيها خير من القاعد، والماشي فيها خير من الساعي».
- الإيحاء الذي جاء من قبل أبي موسى الأشعري كان له أثر أكبر بكثير من الإيحاء الذي جاء من قبل عمار بن ياسر، فإيحاء عمار يكلف الموت ومواصلة الجهاد ويكلف التنازل عن الحياة وملاذها. أما أبو موسى الأشعري فإيحاؤه كان يعطي الحياة، ولسان حاله يقول لهم، حافظ على حياتك، وابتعد عن الأخطار واذهب واجلس في بيتك، ودع الإسلام مع أخطاره وأعدائه. عمار بن ياسر صحابي كبير، وأيضاً أبو موسى صحابي كبير ولكن أحدهما يكلفك بالموت، وهذا يمنحك الحياة... الإنسان الإعتيادي البسيط حتما سوف يفضل إيحاء أبي موسى الأشعري على إيحاء عمار بن ياسر، لأنه يريد الإحتفاظ بحياته ولو كانت حياة رخيصة، تحت ظلال معاوية وظلال جاهليته وأصنامها.
- وهناك عامل النزاع التقليدي القائم بين بني أمية وبني هاشم وقد امتد هذا النزاع إلى ما بعد الإسلام، مساهماً هو الآخر بتعميق الشك، حيث بدأت الأذهان تفتش عن نقطة ضعف في المعركة، فأخذوا يثيرون هذا، كنقطة ضعف وتبرير للإنهزام، مشيعين حول معركة الإمام(ع) مع معاوية بأنها ليست إلا استمرار لذلك الصراع التقليدي (التاريخي) بين بني أمية وبني هاشم.
كل هذه العوامل وعوامل أخرى، ساعدت على أن يكون الإمام(ع) موضع شك من قبل الجماهير، وأن يكون الطابع المثالي والرسالي للصراع غير واضح عند هذه الجماهير. حتى أن الإمام(ع) كان يصعد المنبر مراراً، يدعو الناس للجهاد فلا يستجيب له أحد ويقول لهم: «يا أهل الكوفة كلما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلكم انجحر كل امرىء منكم في بيته وأغلق عليه بابه انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها. المغرور من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء ولا إخوان عند النجاء. إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا منيت به منكم... عمي لا يبصرون وبكم لا ينطقون وصم لا يسمعون، إنا لله وإنا إليه راجعون»[٤٥].
ويقول في موقف آخر: «لله أنتم، أما دين يجمعكم ولا حمية تشحذكم أو ليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعون على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام وبقية الناس، إلى المعونة أو طائفة من العطاء فتنفرقون عني وتختلفون علي»[٤٦].
«أفّ لكم لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا وبالذل من العز خلفا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة ومن الذهول في سكرة. ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي وما أنتم بركن يمال بكم» «وأيم الله، إن لأظن بكم أن لو حمي الوغى واستحر الموت قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس»[٤٧].
وهكذا كان الإمام(ع) يستثير هممهم وعزائمهم فلا تنبض لهم همة ولا تنهض لهم عزيمة، لأنهم بدأوا يشكون بالإمام، والشك في القائد هو أقسى ما تمنى به القائد المخلص وهو أخطر ما تمنى به الأمة التي يتزعمها هذا القائد.
ومرارة الشك وآلامها العميقة واضحة كل الوضوح في معركة الإمام(ع) «أَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَ مَلُّونِي، وَ سَئِمْتُهُمْ وَ سَئِمُونِي، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وَ أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي. اَللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَإِيمَاثِ اَلْمِلْحِ فِي اَلْمَاءِ»[٤٨].
وبالرغم من هذا الشك العاصف، لم يضعف الإمام ولم يتراجع، بل بقي في خطه يواصل عملية التعبئة لجهاد معاوية وضرب الإنشقاق إلى آخر سنة من حياته بل آخر يوم من حياته الشريفة عندما خر صريعاً في مسجد الكوفة وهو في قمة محاولاته لتصفية الإنشقاق حيث كانت بدايات جيش مجهز للخروج إلى الشام للقضاء على المعسكر المنفصل المتمثل بقيادة معاوية.
وباستشهاد الإمام(ع) قضت قوى الردة على آخر أمل في إعادة خط التجربة الصحيحة، ذلك الأمل الذي اختلج في نفوس المسلمين الواعين متجسداً في شخص الإمام العظيم، الذي عاش منذ اللحظة الأولى من تسلمه لزمام الحكم، هموم الدعوة وآلامها وشارك في بنائها لبنة لبنة وأقام صرحها مع الرسول العظيم(ص) ورافق معه كل مراحل الدعوة بكل همومها ومشاكلها وآلامها. فالإمام كان الأمل الوحيد في نظر المسلمين الواعين لإسترجاع التجربة خطها الصحيح وأسلوبها النبوي المستقيم بعد أن استفحل الإنحراف وتعمق داخل إطار التجربة الإسلامية الوليدة، ولم يكن هناك أمل يقهر هذا الإنحراف وتحدّيه إلا بشخص الإمام(ع).
ولهذا كانت حادثة اغتياله الغادر، تقويضاً حقيقياً لآخر أمل حقيقي لقيام مجتمع إسلامي صحيح.
رفض الإمام للمساوات هل كان عنادا؟
بقيت ظاهرة مهمة في حياة الإمام(ع) نود مناقشتها وإلقاء الضوء عليها ألا وهي إصرار الإمام(ع) وتأكيده الواعي منذ أن مارس الحكم إلى أن خر صريعاً، على رفض كل الصيغ وأنصاف الحلول التي واجهته في تصفية الإنحراف، ولم يفكر مطلقاً بمساومة الإنحراف على حساب الأمة بأي شكل من الأشكال.
ظاهرة - رفض أنصاف الحلول أو قبول المساومات - استرعت انتباه أغلب المؤرخين، قديماً وحديثاً، فكانت استنتاجاتهم فجة بعيدة عن واقع التاريخ وعن فهم صحيح لحقيقة طبيعة الإمام(ع).
وسوف نتناول الظاهرة ونناقشها على مستويين، المستوى السياسي، والمستوى الفقهي:
- المستوى السياسي: فمن الناحية السياسية، نرى أن هناك أشخاصاً عاصروا الإمام(ع) وكان رأيهم في الإمام(ع) ومعالجته لمسائل الحكم، وإصرارهم على استبعاد أو رفض كل أشكال المساومات وأنصاف الحلول، لوناً من ألوان العناد، وهو بالتالي يعقد المواقف، ويثير الصعاب في دولته، ومعناه ترسيخ تلك المشاكل، وبالنهاية عجز الإمام(ع) عن مواجهة حلها، وسوف تشغله عن مهامه الرئيسية في إدارة الحكم، والمضي بتجربته إلى حيث يريد. حتى أن المغيرة بن شعبة جاءه مقترحاً إبقاء معاوية والياً على الشام ريثما تستتب الأمور، وبعد ذلك سوف يخضع ويبايع وبالإمكان استبداله وتغييره بعد أن تتم البيعة في كل أطراف الدولة للإمام(ع)، ولكن كان موقفه الرفض لكل هذه الألوان من المساومات بل أكد خطه السياسي في رفض هذه التناولات بقوله(ع): قالب:نص حدي[٤٩]. وقال بصدد الأموال المغصوبة وردها إلى بيت المال «وَ كُلُّ قَطِيعَةٍ أَقْطَعَهَا عُثْمَانُ أَوْ مَالٍ أَعْطَاهُ مِنْ مَالِ اَللَّهِ، فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى اَلْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، فَإِنَّ اَلْحَقَّ قَدِيمٌ لاَ يُبْطِلُهُ شَيْءٌ، وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ وَ اُشْتُرِيَ بِهِ اَلْإِمَاءُ وَ تَفَرَّقَ فِي اَلْبُلْدَانِ لَرَدَدْتُهُ عَلَى حَالِهِ فَإِنَّ فِي اَلْحَقِّ وَ اَلْعَدْلِ لَكُمْ سَعَةً، وَ مَنْ ضَاقَ بِهِ اَلْعَدْلُ فَالْجَوْرُ بِهِ أَضْيَقُ»[٥٠]. ومن هنا بالذات، جاء قول بعض معاصريه، ويردده عندنا بعض أنصاف المؤرخين، بأن الإمام(ع) كان بإمكانه أن يسجل نجاحاً أكيداً ونصراً محققاً من الناحية السياسية على أعدائه، لو قبل أنصاف الحلول ومارس هذا اللون من المساومات.
- المستوى الفقهي: ونتناوله من خلال مفهوم فقهي شائع يدعى (بالتزاحم) ويعنون به أن الواجب الأهم إذا توقف على مقدمة محرمة، لا يجوز تركه بحجة حرمة المقدمة، بل يجب المحافظة على الواجب الأهم، فمثلاً: عندما يتوقف إنقاذ إنسان من الغرق على اجتياز أرض لا يرضى صاحبها باجتيازها، ففي هذه الحالة يجيز لنا الشارع المقدس اجتياز الأرض، حتى ولو بدون رضى المالك وتسقط حرمة هذه الملكية، لأن عملية الإنقاذ أهم من المقدمة المحرمة وهي اجتياز الأرض دون رضى المالك، وذلك كما فعل الرسول(ص) في بعض غزواته، عندما كان جيشه يضطر لإجتياز أراض مزروعة يمتلكها أصحابها، وكانوا يطالبون الرسول(ص) بالتعويض عما أصاب جيش الرسول محصولاتهم الزراعية من تلف، فلم يجبهم الرسول(ص) بل كان يصدر أوامره، ويسير الجيش على المزرعة كلها، فالرسول عمل هذا لأن النتيجة كانت أهم من المقدمة، إذ أن الجيش يسير لكي يصل إلى أهدافه في تغيير وجه الدنيا من الظلمات إلى النور، فما قيمة تلف مزرعة صغيرة، إذ كان الجيش الإسلامي بأهدافه العظيمة سوف يحفظ لنا المبدأ الإسلامي العادل في توزيع الثروات في العالم على الخط الطويل.
وهذا أمر معقول من الناحية الفقهية، لأن القاعدة تقرر بأن الواجب إذا توقف على مقدمة محرمة، وكان ملاك الوجوب أقوى من ملاك الحرمة فلا بد من تقديم الواجب على الحرام.
ومن خلال هذا المفهوم الفقهي، وذاك الإجتهاد السياسي يثار هذا السؤال حول الظاهرة التي نحن بصدد مناقشتها وتحليلها هو: لماذا لم يطبق الإمام(ع) هذه القاعدة الفقهية في تصرفاته ومواقفه السياسية؟!.
ومن هنا يقرر المعارضون لسياسة الإمام(ع) لو أن علياً استفاد من تطبيق هذه القاعدة الفقهية، واتجهت جهوده إلى الواجب الأكبر في تملك زمام قيادة المجتمع الإسلامي والعمل على إحراز المكاسب الإسلامية الكبيرة من خلالها، ولا بأس أن تبقى بعض المحرمات في سبيل الحفاظ على الواجب الكبير، ما دامت مبرراتها الشرعية (الفقهية) موجودة ولا سيما أن تملك الإمام(ع) لزمام القيادة سوف يفتح على المسلمين أبواب الخير والسعادة ويقيم فيهم حكومة الله على الأرض.
فالسؤال بشكل أدق، هو لماذا لم يتجه الإمام(ع) إلى تحقيق هدفه الأكبر، ويترك لمعاوية ولاية الشام ولو إلى حين، ويصرف نظره عن الأموال المسروقة التي نهبها بنو أمية من بيت مال المسلمين ولو مؤقتا... ولماذا لا يكون عمله هذا تطبيقاً حياً لمفهوم التزاحم الذي تكلمنا عنه.
ونحاول الإجابة على كل هذه التساؤلات، ونقول بأن القاعدة الفقهية التي تحدثنا عنها سابقاً ليست صالحة للإنطباق على مواقف الإمام(ع) وذلك لملاحظة الأمرين التاليين:
- كانت من أهم أهداف الإمام التي رسمها منهجاً لسلوكه السياسي، هو توطيد قاعدة حكمه في قطر من أقطار العالم الإسلامي ألا وهو العراق، وذلك لوجود الأتباع والقواعد الشعبية الموالية لحكمه فكرياً وروحياً وعاطفياً وإن كانوا لا يعون رسالته وعياً حقيقياً كاملاً. ومن هنا جاءت حاجة الإمام(ع) الملحة لبناء طليعة واعية ليكونوا أمناء على الرسالة وأهدافها عاملين على ترسيخ هذه الأهداف في كل أرجاء العالم الإسلامي. فالإمام(ع) منذ تسلمه للحكم كان يشعر بوجوب بناء هذه الطليعة المؤمنة والقاعدة الشعبية التي يستند إليها في تسيير حكمه... وكيف تواتيه فرصة بناء هذه القاعدة، وهو في جو ملبد من المساومات وأنصاف الحلول، حتى ولو كانت من الجائز شرعاً ومستوفية لشروط التزاحم وذلك لأن التربية الروحية التي استهدفها الإمام في طليعة الواعية لا يمكن أن تنمو بذورها في أوساط قواعده الشعبية، وهو يعيش جو المساومات وأنصاف الحلول، حتى ولو كانت جائزة من الوجهة الشرعية، فإن جوازها لا يغير من مدلولها التربوي في تكوين نفسيات الطلائع من حوله شيئاً. فالإمام(ع) كان يشعر شعوراً قوياً وملحاً بأن دولته والأمة من بعد دولته لا بد لهما من قاعدة شعبية واعية، تعتمد في حمل الأهداف الرسالية وترسيخها في واقع الأمة وأرجاء عالمها المترامي. كانت هذه القاعدة الواعية قدرة في ممارسة الحكم الصحيح، فالقاعدة الشعبية هذه لم تكن جاهزة عند استلامهم الحكم حتى يستطيع الإتفاق معها أو أن يقنعها بوجهة نظره في المساومات وتبرير ضرورتها الإستثنائية. بل إن ظروف الواقع آنذاك، تطلبت منه بذل كل الجهود لبناء جيش عقائدي واع بروحه وفكره وعاطفته أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر ومالك الأشتر وغيرهم من طليعة الإمام الواعية. فبناء هذه القاعدة ليس سهلاً ولا ممكناً، لو أن الإمام اتجه لسلوك سبيل المساومات وانصاف الحلول، فهي تتناقض وعمله التربوي في بناء الجيش العقائدي الواعي، فافتقاده(ع) لهذا الجيش معناه فقدانه القوة الحقيقية التي يعتمدها في بناء الدولة الإسلامية والخط الطليعي في الأمة على مدى الأجيال، والمعروف أن أي دولة عقائدية لا بد أن تعتمد على طليعة مؤمنة تستشعر بشكل واعي ومعمق أهداف تلك الدولة وواقع أهميتها وضرورتها التأريخية. ومن هنا كانت قناعة الإمام وحرصه، على أن يحتفظ بطهر وصفاء عملية التربية لبناء جيشه العقائدي الواعي، فجاءت ممارساته إيحاءات تربوية وتغييرية يكون فيها القدوة، تتعلم منها القواعد وتتزود بها الطليعة الواعية. فكان عليه أن يظهر أمامهم قائداً لا تزعزعه المغريات، ولا يتنازل لأي نوع من المساومات، حتى يعين(ع) تلك الطلائع من خلال هذه المواقف الثابتة أن يبنوا المدلول الرسالي لأطروحته بأبعادها الواسعة للحياة. ومن هنا نفهم موقف الإمام(ع) في رفضه لكل المساومات والحلول الوسط، من أجل اتمام هدفه في بناء جيش عقائدي وخلق جو نفسي وفكري وعاطفي ليكون ذلك الجيل مواكبا للأهداف العظيمة في حياته وبعد مماته.
- إن استلام الإمام(ع) للحكم جاء عقب الثورة على عثمان، أي اثر ارتفاع الحالة الثورية التي وصلت إلى قتل عثمان والإطاحة بحكمه لإنحرافه عن كتاب الله وسنة نبيه(ص)، وهذا الإرتفاع العاطفي المتأجج، الذي وجد في لحظة من حياة الأمة الإسلامية لم يكن من الهين إعادته إلى مساره بل كان قدر الإمام(ع) بعد استلامه للحكم، العمل على تعميق هذه الحالة العاطفية واستثمارها لصالح الحكم عن طريق الإجراءات الثورية التي قام بها الإمام فيما بعد خلال مواجهته لمشاكل المجتمع المعقدة.
وهنا نواجه سؤالاً مهماً ونقول ماذا يكون مصير الإمام(ع) وهو في هذا الجو المشحون عاطفة وثورة، لو أبقى الباطل يصول ويجول دون أن يمسه بإجراء إصلاحي، أو أن يعمد(ع) إلى جانب الصمت والسكوت عن تلك التصرفات الكيفية التي قام بها الحكام من قبل ويسكت عن معاوية بالذات، وهل يكون موقف الإمام صحيحا لو انتظر لتهدأ العاطفة وينكمش التيار النفسي والعاطفي للثوار. ولو نحن افترضنا ذلك فمن ذا الذي يضمن أو يقبل أن يرجع الظرف للإمام مرة أخرى ليقوم بمثل هذه الإجراءات... إن أفضل ظرف مؤات للإمام لتمرير الإجراءات التغييرية هو هذا الظرف الثوري الذي عاشته الأمة الإسلامية إبان ثورتها على عثمان. ولم يكن بالامكان - وتحت أي مبرر - تأجيل إجراءات الإمام(ع) الى ظرف آخر تنطفىء فيها تلك الشعلة الثورية المستعرة وتبرد فيها العواطف وتتميع من خلال المشاعر.[٥١]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ الطبري ج٣١/٥ والكامل لابن الأثير ج٣١/٣ للوقوف على التفاصيل التاريخية لهذه التكتلات.
- ↑ سيرة الرسول لابن هشام ج١٠١٨/٢.
- ↑ أنظر النزاع والتخاصم فيما بين أمية وبني هاشم للمقريزي تحقيق نوس ٤٨.
- ↑ الملك والنحل للشهرستاني.
- ↑ ابن أبي الحديد ١١١/٨.
- ↑ تاريخ اليعقوبي ج١٠٦/٢.
- ↑ إبن أبي الحديد ج١١١/٨.
- ↑ تاريخ اليعقوبي ج١٠٧/٢.
- ↑ الكامل لابن الأثير ج٣٦/٣.
- ↑ عثمان لطه حسين نقلا عن دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، حسن الأمين ج٩٤/٢.
- ↑ نهج البلاغة، دار الأندلس ج١٥١/١.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج٢ ص٨٧.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج٢ ص٨٧.
- ↑ و قد حدد علي(ع) هذه الحقوق في مناسبة قاسية من مناسبات حياته وذلك بعد صفين في خطبة له. راجع نهج البلاغة ج١ - ص١٠٢-١٠٥.
- ↑ راجع للتوسع ثورة الحسين، لمحمد مهدي شمس الدين ص٣٥-٣٨.
- ↑ نهج البلاغة ج١ ص٢١٧.
- ↑ نهج البلاغة ج١ ص٢١٧.
- ↑ نهج البلاغة ج١ ص٥٩ وشرح النهج جزء ١ ص٢٧٠/٢٦٩.
- ↑ شرح نهج البلاغة ج٧ ص٣٧-٣٩-٤٠.
- ↑ شرح نهج البلاغة ج٧ ص٣٧-٣٩-٤٠.
- ↑ نهج البلاغة.
- ↑ النظم الإسلامية نشأتها وتطورها د. صبحي الصالح ص٩١.
- ↑ اليمين واليسار في الإسلام. أحمد عباس صالح ١١٨-١١٩.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية نقلا عن الكاتب عباس محمود العقاد ص٨٤.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية نقلا عن الكاتب عباس محمود العقاد ص٨٦.
- ↑ الدولة العربية إلى نهاية الدولة الأموية، يوليوس فلهاوزن، ترجمة محمد عبد الهادي أبو رية ص١٥٨.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية نقلا عن الكاتب العقاد ص٨٤.
- ↑ و لنا أن نعجب ونرئي لتلك الآراء التي تعبر عن نفسها بوقار العلم والموضوعية وبمنطق ضحية التاريخ لتصوير طبيعة الصراع على أنها مرحلة من مراحل بناء الدولة، وأن معاوية كان رجل دولة وسياسة ودهاء التزم سياسة واقعية بارعة في مقابل سياسات خيالية اتبعها خصومه من أصحاب الدعوة إلى العدل الاجتماعي والكرامة الإنسانية، ومع ذلك فالدولة الأموية لم تعمر طويلا إذ انهارت تحت ضربات الثوار.
- ↑ اليمين واليسار في الإسلام، أحمد عباس صالح ص٩٠.
- ↑ اليمين واليسار في الإسلام، أحمد عباس صالح ص١٣٨.
- ↑ اليمين واليسار في الإسلام، أحمد عباس صالح ص١٤٢.
- ↑ راجع ما كتبناه في موضوع الميدان الإداري ص٨٩.
- ↑ بحث في الولاية لسماحة السيد محمد باقر الصدر.
- ↑ ثورة الحسين. محمد مهدي شمس الدين ص٤٦.
- ↑ الإحتجاج للطبرسي.
- ↑ صانعو التاريخ العربي د. فيليب حتي.
- ↑ الدولة العربية سقوطها. ولها وزن والطبري ج٤ ص٣٣١.
- ↑ مفاهيم إسلامية عامة الحلقة الخامسة. السيد محمد حسين فضل الله ص٤٣.
- ↑ اليمين واليسار في الإسلام ص١١٨.
- ↑ دائرة المعارف ص٩٧.
- ↑ أعيان الشيعة ج٤ ص٢٦ ويقرأ أيضاً ابن أبي الحديد.
- ↑ أعيان الشيعة ج٤ ص٢٦.
- ↑ صانعوا التاريخ العربي ص٦٥.
- ↑ شرح النهج لابن أبي الحديد ج١٠ /ص ٦٧.
- ↑ الكامل لابن الأثير ج٣ /ص ١٨٨.
- ↑ شرح النهج لابن أبي الحديد ج١٠ /ص ٦٧.
- ↑ شرح النهج لابن أبي الحديد ج٢ ص١٨٩.
- ↑ شرح النهج لابن أبي الحديد ج١ ص٣٣٢.
- ↑ نهج البلاغة ج١ ص٥٩ وشرح النهج جزءا ص٢٦٩-٢٧٠.
- ↑ نهج البلاغة ج١ ص٥٩ وشرح النهج جزءا ص٢٦٩-٢٧٠.
- ↑ عادل الأديب، الأئمة الاثنا عشر، ص ٥٥-٩٤.