نقاش:المعاد
التشجير
- إثبات المعاد
- المعاد الجسماني
- المعاد الروحاني
- المعاد في القرآن والسنة
- أوصاف المعاد
- الموت
- عالم المادة
- حقيقة الإنسان
- روح الإنسان
- روح الإنسان في الحديث
- روح الإنسان في القرآن
- عالم البرزخ
- الجنة و النار
- أشراط الساعة
- النفخ في الصور
- الميزان
- الحساب والسؤال
- الصراط
- الأعراف
تمهيد
قال الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الاَْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْس مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الاَْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين﴾[١].
يظهر لنا من هذه الآيات المباركات تسلسل مراحل يوم القيامة إلى أربع مراحل نذكرها واحدة بعد اُخرى، وبعد ذلك نتعرّض إلى مسألة الأعراف.
۱ ـ نفخة الصـور الاُولـى
المرحلة الاُولى لمراحل عالم الآخرة أو يوم القيامة هي نفخة الصور الاُولى، وقد مرّ بنا استظهار كونها مرحلة الموت الثانية للبشر، فالموت الأوّل عبارة عن موت البدن الدنيوي ومع بقاء النفس أو الروح حيّة حسّاسة تحسّ بعالم البرزخ وما فيه من ثواب أو عقاب، والموت الثاني عبارة عن موت الروح أو النفس لا بمعنى الفناء المطلق الذي يوجب فلسفياً استحالة إعادتها، بل بمعنى الوقوع في حالة السبات الكامل وانتهاء ثواب البرزخ أو عقابه أو أيّ إحساس فيه، ويستثنى من هذا السبات من شاء الله كالشهداء.
والظاهر أنّ هذا هو المقصود بالصعق في قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّه﴾[٢]، كما أنّ الظاهر أنّ هذا هو المقصود بالموتة الثانية التي صرّح بها القرآن الكريم في موردين:
أحدهما: قوله تعالى عن لسان الكفّار: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِّن سَبِيل﴾[٣].
ثانيهما: قوله تعالى عن لسان المؤمنين بعد أن يسكنوا الجنّة ويشرفوا على جهنّم ليخاطب كلّ واحد منهم صاحبه الذي سكن النار: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِين﴾[٤]، وهنا يقول الله تعالى عن لسان المؤمنين ضمن خطابهم هذا للكفّار والمشركين: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاُْولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِين﴾[٥].
وهذا البحث بحاجة فلسفيّاً إلى إثبات الثنائية بين النفس والبدن وإثبات تجرّد النفس، وقد مرّ كلّ هذا في ضمن الأبحاث السابقة فلا حاجة إلى إعادته.
۲ ـ نفخة الصـور الثانية والمعاد الجسماني
المرحلة الثانية لمراحل عالم الآخرة أو يوم القيامة هي نفخ الصور الثانية: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الاَْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾[٦]، وبها يتمّ أمران: أحدهما: إنهاء السبات للنفس واستعدادها للثواب والعقاب، وثانيهما: إعادة البدن أيضاً، ويسمّى هذا بالمعاد الجسماني، والبحث الفلسفي المرتبط بهذه المرحلة بحثان:
أحدهما: إثبات بقاء النفس أو الروح. وهذا ما مرّ في ضمن الأبحاث السابقة، ولا حاجة إلى الإعادة.
ثانيهما: إبطال استبعاد المعاد الجسماني والذي هو صريح القرآن.
والواقع أنّ الاستبعاد الذي قد يؤدّي إلى إنكار المعاد الجسماني في أقوى وجوهه أحد أمرين:
۱ ـ شبهة الآكل والمأكول
إنّ شبهة الآكل والمأكول مبنيّة على تخيّل اشتراط رجوع كلّ من الآكل والمأكول بكامل بدنه، في حين أنّ النسبة بين بدن الآكل وبدن المأكول تكون عادة عموماً من وجه.
ولكن لا مبرّر لاشتراط رجوع كلّ منهما بكامل بدنه السابق ولا دليل على ذلك، فبإمكانه سبحانه وتعالى إرجاع قسم من موادّ البدن وتنميتها أو صياغتها إلى بدن كامل للآكل وبدن كامل للمأكول، والأدلّة اللفظية لم تدلّنا على أكثر من ذلك، بل بالإمكان تصوير ذلك حتّى لو فرضت وحدة بدنهما بأن يصبح تمام بدن الآكل هو تمام بدن المأكول، على أنّ هذا الفرض مجرّد وهم وخيال.
۲ ـ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة
إنّ شبهة لزوم رجوع ما بالفعل إلى القوّة من المعاد الجسماني قائمة على أساس تصوّر أنّ الموت كمال للإنسان باعتبار تحوّله بذلك من مرحلة شوب المادّة إلى مرحلة التجرّد البحت، وأنّ خلق الله سبحانه وتعالى إيجاد لما يتحرّك بالحركة الجوهرية من النقص إلى الكمال، فما معنى رجوع الكامل مرّة اُخرى إلى النقص؟! وهل يعقل رجوع ما تكامل بخروج القوّة إلى الفعل إلى القوّة مرّة اُخرى؟!
ولعلّ هذه الشبهة أقوى فلسفيّاً من الشبهة الاُولى.
إلّا أنّ هذه الشبهة أيضاً لا محلّ لها؛ فإنّ الموت لو كان عبارة عن تحوّل البدن إلى مستوى التجرّد، وكان التجرّد الكامل للإنسان بالموت بمعنى أنّ الإنسان أصبح بكلّ مراتبه مجرّداً بعد أن كان مزيجاً من مرتبة المادّة ومرتبة الروح أو النفس، لكان لهذه الشبهة مجال، ولكن هذا باطل بدليلين:
الأوّل: إحساسنا بأنّ البدن لم يتحوّل بحركة جوهرية إلى الروح أو النفس، وإنّما انفصل عن الروح أو النفس وأصبح فاسداً.
الثاني: ما مضى سابقاً من بعض البراهين على تجرّد الأنا وبها تثبت أيضاً بساطته، ولهذا نرى أنّ الأنا لا ينقسم إلى قسمين أو عدّة أقسام بمجرّد تقطيع البدن إلى قطعتين أو عدّة قطعات، فالبدن إذن ليس جزءاً من الأنا أو مرتبةً منه وإنّما هو أمانة من قبل الله تعالى بيد الأنا كي يكون في خدمته، والموت عبارة عن تجريد الأنا من الأمانة التي اُعطيت إيّاه، والإحياء عبارة عن إرجاع الأمانة إليه مرّة اُخرى.
والغفلة عن هذه النكتة هي التي جعلت المجرمين لا يتوقّعون أن يُختم على أفواههم وتكلّم الله أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون[٧]؛ ولهذا يعترضون في يوم القيامة على أعضائهم كما يتحدّث عنهم القرآن بقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾[٨]. أمّا بعد الالتفات إلى هذه النكتة فيصبح إمكان شهادة الجلود والأعضاء لله على الإنسان من الواضحات؛ فإنّ البدن مخلوق مطيع لله يجعله الله تعالى في خدمة النفس حينما يريد، ويسلخه عن خدمتها حيناً آخر.
وبالالتفات إلى هذه النكتة ينعدم تماماً الإشكال الذي عرفته على المعاد الجسماني.
العقليّة الماديّة المستبعدة للمعاد الجسماني
بعد ما اتضح بطلان الشبهتين المتقدّمتين في المعاد الجسماني يبقى مجرّد استبعاد المعاد الجسماني، وهذا الاستبعاد ينتج من العقليّة المادّية التي يصعب عليها تصوّر إعادة الحياة بعد الموت، وهي تكون بأحد شكلين:
الأوّل: العقلية التي قد لا تفهم الحياة إلّا بمعنى الروح النباتية التي تنعدم بالموت، ويستبعد الإنسان المادّي إيجادها مرّة اُخرى من الجسم الذي مات.
الثاني: العقلية التي قد يكون لها نوع تصوّر إجمالي عن النفس، ولكنها تستبعد على أيّة حال إرجاعها إلى الجسم الذي مات.
ومن هنا نرى القرآن الكريم قد أعدّ تنظيرين في آياته لتقريب المعاد: أحدهما أنسب بالردّ على العقلية الاُولى، والثاني أنسب بالردّ على العقلية الثانية.
أمّا ما يناسب الردّ على العقلية الاُولى فهو التنظير بالأرض والأشجار والنباتات التي تموت في الخريف والشتاء، وتحيى مرّة اُخرى في الربيع، وذلك من قبيل قوله تعالى:
- ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير﴾[٩].
- ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوج﴾[١٠].
- ﴿وَيُحْيِي الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُون﴾[١١].
- ﴿وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْج بَهِيج * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير﴾[١٢].
- ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِير﴾[١٣].
- ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَد مَّيِّت فَأَحْيَيْنَا بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُور﴾[١٤].
- ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾[١٥].
وأمّا ما يناسب الردّ على العقلية الثانية فهو تنظير إرجاع النفس إلى الجسد بنفخها في الجسد أوّل مرّة، من قبيل قوله تعالى:
- ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾[١٦].
- ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم﴾[١٧].
- ﴿فَلْيَنظُرِ الاِْنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِق * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر﴾[١٨].
- ﴿وَيَقُولُ الاِْنسَانُ ءَإِذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلاَ يَذْكُرُ الاِْنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾[١٩].
إثبات المعاد الجسماني:
قد يدّعي بعض ـ على العكس تماماً من شبهات المنكرين ـ أنّ العقل يدرك ضرورة المعاد الجسماني؛ لأنّ الإنسان لا يتكامل إلّا بجنبتيه: جنبة النفس وجنبة البدن، وسواءٌ فسّرناهما بمعنى شخصية واحدة مركّبة من المادّة وما فوق المادّة، أو بمعنى شخصية واحدة ذات مرتبتين، أو بمعنى أنّ الجسم جُعل في خدمة النفس، لا إشكال في أنّ النفس تصل إلى نبذة مهمّة من اللذائذ أو الآلام عن طريق البدن، فلكي يكتمل الثواب والعقاب في يوم القيامة لابدّ من إرجاع هذا الائتلاف الذي كان محفوظاً بينهما في الدنيا في يوم القيامة[٢٠].
إلّا أننا لا نعير أهميّة لهذا البيان إلّا بمقدار افتراضه اعتباراً عقلياً ولا يصل إلى مستوى البرهان.
والمهم عندنا في إثبات المعاد الجسماني هو تصريح القرآن الكريم به بشكل لا يقبل الشكّ أبداً، وذلك في آيات كثيرة منتشرة في القرآن، من قبيل قوله تعالى:
- ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيم﴾[٢١].
- ﴿أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَه﴾[٢٢].
ومن الطريف الإشارة الموجودة في هذه الآية إلى قدرة الله على إعادة ما هو من أطرف شيء في جسم الإنسان، ألا وهي خطوط البنان التي لا يشبه فيها إنسان إنساناً آخر على الإطلاق.
- ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُور﴾[٢٣].
- ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الاَْجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُون﴾[٢٤].
ونحو هاتين الآيتين ممّا يشهد للخروج من القبر، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
- ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[٢٥].
- ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾[٢٦].
- ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُون﴾[٢٧].
ونحو هذه الآيات الثلاث ممّا يشهد للخروج من التراب، فإنّ هذا إشارة إلى خروج البدن.
- الآيات التي تجعل النشور في يوم القيامة من قبيل إحياء النباتات والأراضي في الربيع من بعد موتها في الخريف، وقد مضى بعضها، ومن الواضح أنّ هذا إحياء للمادّة.
- ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾[٢٨].
- ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾[٢٩].
- ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء﴾[٣٠].
فإنّ هذه الآيات صريحة في الثنائية بين أنفسهم وأبدانهم في يوم القيامة، وشهادة أعضائهم على أنفسهم آنذاك، وهذا لا يكون إلّا بمعاد الجسم.
۳ ـ الحساب
المرحلة الثالثة لمراحل عالم الآخرة أو يوم القيامة هي مرحلة الحساب وهي تتمثّل في الكتاب والشهادة والميزان:
الكتاب
إنّ الآية التي بدأنا بها الحديث عن المعاد أشارت بعد ذكر النفختين إلى وضع الكتاب، وقد تكرّرت الإشارة إلى الكتاب في آيات اُخرى أيضاً كقوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾[٣١].
وقيل: إنّ الكتُب في يوم القيامة ثلاثة أو أكثر[٣٢]:
أوّلها وأشهرها على الألسن عندنا: الكتاب المخصوص بكلّ أحد، وقد نصّ عليه القرآن في بعض الآيات ولعلّه الظاهر من مثل:
۱ ـ قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾[٣٣].
قيل: إنّ العرب كانوا يتفاءلون ويتطايرون ببعض أقسام الطير، فلعلّ الآية الكريمة أشارت إلى خرافية هذه العقيدة بالنسبة للطيور، وأنّ الطير اليُمن أو الشؤم إنّما هو عملك، وهو ملتزم بعنقك ولا ينفكّ منك حتّى يخرجه الله تعالى في يوم القيامة كتاباً منشوراً، ويكون الكتاب واضحاً جليّاً غير قابل للإنكار أو النقاش، وغير محتاج إلى القراءة والتفسير من قبل شخص آخر، بل أنت تقرأه وتحاسب نفسك به، وكفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، ونظيره ما جعله الله في الدنيا بين جنبيك ـ وإن لم يكن بذلك المستوى من الوضوح ـ من قوّة الذاكرة من ناحية، والضمير أو الوجدان من ناحية اُخرى، فهما بمجموعهما يُقرئانك كثيراً من جزئيّات أعمالك، ويحاسبانك عليها ولا ترى لنفسك سبيلاً إلى الإنكار.
وفي الحديث عن خالد بن نجيح عن الصادق(عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة دُفع إلى الإنسان كتابه ثُمّ قيل له: اقرأ. قلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: إنّ الله يذكّره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعله إلّا ذكره كأنّه فعله تلك الساعة، ولذلك قالوا: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ »[٣٤].
والكلمة التي تشدّد في الآية المباركة التشويش والحزن والأسى على الذهن هي كلمة ﴿يَلْقَاهُ مَنشُوراً﴾؛ إذ يوجد فيها احتمال كون المقصود منشوراً بالنشر العلني، فيوجب الفضيحة على الملأ بسيئات أعمالنا إلّا من رحم الله، حيث ينهتك السر المرخى علينا في هذه الدنيا، وقد قال الله تعالى:﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّة وَلاَ نَاصِر﴾[٣٥].
۲ ـ قوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾[٣٦].
قيل: إنّ الرقيب يقصد به ملك اليمين، والعتيد يقصد به ملك الشمال، ولكن الأقوى القول الآخر وهو أنّهما وصفان لكلّ واحد منهما، فكلّ واحد منهما يراقب الإنسان وأعماله، وكلّ واحد منهما جاهز للتسجيل والتثبيت.
وروي عن جابر عن الباقر(عليه السلام) قال: «سألته عن موضع الملكين من الإنسان قال: ها هنا واحد وها هنا واحد. يعني عند شدقيه»[٣٧].
وعن إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «اعلموا عباد الله أنّ عليكم رصداً من أنفسكم وعيوناً من جوارحكم وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج»[٣٨].
وورد في الحديث: «إنّ صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها، وإذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين: أمسك. فيمسك عنه سبع ساعات، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء، وإن لم يستغفر الله كتبت له سيّئة واحدة»[٣٩].
وفي دعاء كميل: «فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتي قَدَّرْتَها، وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ أَجْرَيْتَها: أَنْ تَهَبَ لي فِي هذِهِ اللَيْلَةِ وَفي هَذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرْم أَجْرَمْتُهُ، وَكُلَّ ذَنْب أَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ قَبِيْح أَسْرَرْتُهُ، وَكُلَّ جَهْل عَمِلْتُهُ، كَتَمْتُهُ أَوْ أَعْلَنْتُهُ، أَخْفَيْتُهُ أَوْ أَظْهَرْتُهُ، وَكُلَّ سَيِّئَة أَمَرْتَ بِإِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ أَنْتَ الرَّقيب عَلَيَّ مِن وَرآئِهِمْ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ أَخْفَيْتَهُ وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَه».
۳ ـ قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُون﴾[٤٠].
يحتمل أن يكون المقصود بالحفظ حفظ الأعمال، ويحتمل أن يكون المقصود الحفظ من الآفات كما يفهم من قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه﴾[٤١]، وعلى الاحتمال الثاني فنفس الملائكة الحفظة للإنسان من الآفات والعثرات هم الكاتبون أيضا للأعمال.
وفي الحديث عن إسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): أخبرني بأفضل المواقيت في صلاة الفجر. فقال: مع طلوع الفجر، إنّ الله تعالى يقول: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾[٤٢] يعني صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلّى العبد الصبح مع طلوع الفجر اُثبتت له مرّتين، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار»[٤٣]، وهذا يعني أنّ ملائكة الليل وملائكة النهار تتعاقبان في وقت الفجر، وكلّ منهما تثبّت ما ترى، وبالتالي تثبّت صلاة الصبح التي تؤدّى في أوّل وقتها مرّتين. وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا اُحبّ أن تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي»[٤٤].
٤ ـ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَق حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَة رَّاضِيَة * فِي جَنَّة عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الاَْيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾[٤٥].
وقد ورد عن عبد الله بن غسيل الملائكة حنظلة تفسير هذه الآية: بأنّ من اُوتي كتابه بيمينه تكتب له سيئاته في ظهر الكتاب فلا يطّلع عليها غيره، ويثق بأنّ المكشوف للناس كلّه حسنات؛ ولهذا يقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيهْ﴾[٤٦].
٥ ـ قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً﴾[٤٧].
ويظهر من قوله تعالى: ﴿حِسَاباً يَسِيراً﴾ أنّ المحاسبة على السيّئات لابدّ منها ولو كان صاحبها من المؤمنين ومن المغفورين له، إلّا أنّ الحساب سيكون عندئذ حساباً يسيراً وبلطف ومغفرة.
ويظهر من الجمع بين هذه الآية والآية السابقة أنّ الذي يؤتى كتابه وراء ظهره هو الذي يؤتى كتابه بشماله، ولا نعلم هل هذا يعني أنّ المجرم هو الذي يأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره بعمد والتفات، خجلاً ممّا في الكتاب وحذراً من الفضيحة باطّلاع الناس على ما في الكتاب؟ أو يعني أنّ الله تعالى قد شدّ شماله بوراء ظهره؟ أو أنّ رأسه قد ركّب بالشكل الذي يكون وجهه إلى جهة ظهره؟ نعوذ بالله من كلّ ذلك.
ثانيها: الكتاب الجامع لكلّ اُمّة؛ فكأنّ هناك كُتباً بعدد الاُمم من الناس ومن غير الكتب الشخصية، وقيل: إن هذا يستفاد من بعض الآيات كقوله تعالى:
﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّة جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّة تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾[٤٨].
وكلمة الاستنساخ توحي إلى أذهاننا أحد معنيين:
إمّا أخذ النسخة من أعمالنا شبيهاً بصور التلفاز، أو الإشعاعات النوريّة التي تنفصل عن أجسامنا وتبقى تتحرّك وتنفذ حتّى بعد فرض انعدام الجسم. وإمّا جمع الآثار التي تخلّف أعمالنا في ما حوالينا شبيهاً بطبعة بصمات الأصابع، وآثار كلّ الانصدامات التي تتحقّق بين أجسامنا وما حوالينا، بل وحتّى التي تتحقّق بين الهواء ومخارج الحروف في حالة النطق، وكلّ هذا يؤخذ فيه بعين الاعتبار ضيق نظرنا وقصور تصوّراتنا عن النفوذ إلى أكثر ممّا هو محصور في عوالم الحسّ الدنيوي لنا.
وقد يضاف إلى تصوّر الكتاب لكلّ اُمّة تصوّر كتاب لمجموع الأبرار، وكتاب آخر لمجموع الفجّار استلهاماً من قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّين * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُوم﴾[٤٩]، وقوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الاَْبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون﴾[٥٠].
ثالثها: كتاب عامّ لجميع الناس، وهذا ما قد يستظهر من مثل قوله تعالى في الآية التي بدأنا بها حديث المعاد: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَاب﴾[٥١]، أو آية سورة الكهف: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾[٥٢]، أو قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين﴾[٥٣].
الشهادة
إنّ المقدار المشار إليه من الشهود في القرآن الكريم اُمور عديدة من قبيل:
۱ ـ الله جلّ جلاله
قال تعالى: ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُون﴾[٥٤].
۲ ـ الأنبياء(عليهم السلام)
قال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً﴾[٥٥]، وقد احتمل في هذه الآية المباركة تفسيران:
أحدهما: أنّ كلّ نبيّ هو شهيد على اُمّته، والمرجع لاسم الإشارة في قوله ﴿عَلَى هَـؤُلاء﴾ هم اُمّة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، ولعلّ وجه شهادة النبيّ على اُمّته رغم غيابه الظاهري عنهم بعد موته هو عرض أعمال الاُمّة عليه في كلّ اُسبوع أو أقلّ أو أكثر، أو لعلّ له حضوراً في الاُمّة حتّى بعد موته بمستوى لا ندركه نحن.
ثانيهما: أنّ كلّ نبيّ شهيد على اُمّته، ونبيّنا(صلى الله عليه وآله) شاهد على الأنبياء بحضور له في مستوى الرسالة والنبوّة لا ندركه نحن، فيكون المرجع لاسم الإشارة هم الأنبياء.
ويظهر من بعض الآيات أنّ محاسبة كلّ اُمّة يكون بإشراف نبيّها قال الله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّة رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون﴾[٥٦]، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ﴾[٥٧].
۳ ـ الملائكة
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْس مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَة مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد﴾[٥٨].
٤ ـ الأعضاء والجلود
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾[٥٩]، وقال عزّ وجلّ: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُون﴾[٦٠]، وقال سبحانه: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾[٦١].
وقد ورد في بعض الأحاديث: «إذا جمع الله الخلق يوم القيامة دفع إلى كلّ إنسان كتابه، فينظرون فيه فينكرون[٦٢] أنّهم عملوا من ذلك شيئاً، فيشهد عليهم الملائكة، فيقولون: يا ربّ، ملائكتك يشهدون لك. ثُمّ يحلفون أنّهم لم يعملوا من ذلك شيئاً وهو قوله: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾[٦٣]، فإذا فعلوا ذلك ختم على ألسنتهم، وينطق جوارحهم بما كانوا يكسبون»[٦٤].
وهنا يأتي سؤال وهو: أنّ الذي ينكر ما شهدت عليه الملائكة ويكذّبهم ينكر ما شهدت عليه الأعضاء أيضا ويكذّبها، فأيّ فرق بينهما؟
ولكن الواقع أنّنا لا نعلم بالدقّة طريقة شهادة الشهود ومنها شهادة الجوارح، فلربّ بعض الشهادات أوضح من بعض وأبعد من قابلية الإنكار، كما هو الحال في هذه الدنيا من قبيل ما نرى من أنّ شهادة الصورة التلفازية أبعد عن قبول الإنكار من شهادة البيّنة العادلة، فلعلّ الأعضاء والجلود تبرز مثلاً ضمن شهادتها الآثار التكوينية الّتي خلّفت الأعمال فيها، فيتجلّى الأمر بشكل يصبح أبعد عن الإنكار.
وورد في الحديث عن الإمام الباقر(عليه السلام):«... وليست تشهد الجوارح على مؤمن، إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه...»[٦٥].
٥ ـ الأرض
قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾[٦٦].
وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) سأله أبو كهمس: «يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها؟ قال: لا بل هاهنا و هاهنا، فإنّها تشهد له يوم القيامة»[٦٧].
وفي صحيحة معاوية بن وهب قال: «سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة. فقلت: كيف يستر عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه. ويوحي إلى بقاع الأرض: اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب. فيلقى الله حين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب»[٦٨].
وقد اُلحق في الروايات بهؤلاء الشهود الخمسة شاهدان آخران
أحدهما: الأئمّة المعصومون(عليهم السلام)، ففي الحديث عن سماعة قال: «قال أبو عبد الله(عليه السلام)في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً﴾[٦٩] قال: نزلت في اُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) خاصّة، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم، ومحمّد(صلى الله عليه وآله)شاهد علينا»[٧٠].
وعن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا»[٧١].
ثانيهما: الزمان. ففي الحديث عن الصادق(عليه السلام) قال: «إنّ النهار إذا جاء قال: يابن آدم، اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربّك يوم القيامة، فإنّي لم آتك في ما مضى ولا آتيك في ما بقي. وإذا جاء الليل قال مثل ذلك»[٧٢][٧٣].؟؟؟
الميزان
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِين﴾[٧٤]، وقال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون﴾[٧٥].
وورد في الحديث: «بينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم واضع رأسه في حجر عائشة قد أغفى إذ سالت الدموع من عينها، فقال: ما أصابك؟ ما أبكاك؟ قالت: ذكرت حشر الناس، وهل يذكر أحد أحداً؟ فقال لها: يحشرون حفاة عراة. وقرأ: ﴿لِكُلِّ امْرِى مِّنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾[٧٦] لا يذكر فيها أحداً عند الصحف، وعند وزن الحسنات والسيّئات»[٧٧].
وروي «أنّ داوود(عليه السلام) سأل ربّه أن يُريه الميزان، فأراه كلّ كفّة كما بين المشرق والمغرب، فغشي عليه ثُمّ أفاق فقال(عليه السلام): الهي، من الذي يقدر أن يملأ كفّته حسنات؟ فقال: يا داوود، إنّي إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة»[٧٨].
إنّ أصل وجود الميزان في محكمة عدل الله في يوم القيامة ممّا لا شكّ فيه؛ لأنّه صرّح به القرآن، ولكن كيفيّة الميزان ليست واضحة تمام الوضوح، فقد يتبادر إلى أذهاننا ـ نتيجة اُنس الذهن بالموازين المادّيّة في دار الدنيا ـ ميزان كموازيننا، وقد تناسب ذلك فكرة تجسّم الأعمال، وعليه أيضاً بعض الروايات، إلّا أنّ المعنى الأصلي للميزان أعمّ وأوسع من ذلك؛ لأنّه المقياس الذي يؤخذ به قياس الأشياء، فميزان الحرارة مثلاً في هذه الدنيا يختلف حاله عن ميزان الأمتعة، وميزان مستوى الفهم والعقل أو قوّة الذاكرة أو غير ذلك يختلف بعضها عن البعض الآخر.
وقد ورد في الأخبار لتشخيص ميزان يوم القيامة ميزانان معنويّان وكلّ واحد منهما قابل للتطابق مع الآخر:
أحدهما: أشخاص معيّنون يعتبرون مقاييس أو تعتبر أعمالهم مقاييس، فيوزن العاملون أو الأعمال بهم أو بأعمالهم.
ففي الحديث: «سئل الصادق(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ قال: الموازين الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام)»[٧٩]، وفي حديث آخر قال (عليه السلام): «الرسل والأئمّة من آل بيت محمّد(عليهم السلام)»[٨٠]، وعن ابن عباس: «الموازين الأنبياء والأولياء»[٨١]، وفي رواية اُخرى: «نحن الموازين القسط»[٨٢]، وقد ورد في زيارة إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام): «اَلسَّلامُ عَلى ميزانِ الاَْعْمالِ، وَمُقَلِّبِ الاَْحْوالِ، وَسَيْفِ ذِي الْجَلالِ، وَساقِي السَّلْسَبيلِ الزُّلالِ»[٨٣].
ثانيهما: العدل، فقد روي عن هشام بن الحكم: أنّ من أسئلة الزنديق من الصادق(عليه السلام) قوله: فما معنى الميزان؟ قال(عليه السلام): «العدل». قال: فما معناه في كتابه: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُه﴾؟ قال: «فمن رجح عمله»[٨٤].
وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «وأمّا قوله تبارك وتعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ فهو ميزان العدل، يؤخذ به الخلائق يوم القيامة، يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين»[٨٥].
ولا تنافي بين الطائفتين؛ فإنّ المعصومين(عليهم السلام) هم مظهر العدل الحقيقي الكامل، فكونهم ميزاناً للأعمال يساوق كون العدل ميزاناً للأعمال وبالعكس.
هذا وقد ورد في بعض الأخبار اختصاص الميزان بأهل الإسلام، فقد ورد في الحديث عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام): «اعلموا عباد الله، أنّ أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمراً، وإنّما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام»[٨٦][٨٧].
الاُمور التي تثقّل الميزان
نختم حديثنا عن الميزان بالإشارة إلى اُمور ورد في الأحاديث أنّها تثقّل الميزان:
۱ ـ حسن الخلق بمعنى حسن المداراة مع الناس.
فقد ورد عن إمامنا زين العابدين(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق»[٨٨].
۲ ـالصلاة على محمّد(صلى الله عليه وآله) وآله.
ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام) قال: «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد، وإنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به، فيخرج(صلى الله عليه وآله)الصلاة عليه، فيضعها في ميزانه، فيرجح به»[٨٩].
۳ ـحبّ أهل البيت(عليهم السلام).
فقد ورد عن إمامنا الباقر(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواضع أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط»[٩٠][٩١].
٤ ـ سوق الكفّار والمؤمنين إلى مثواهم الأخير
المرحلة الرابعة لمراحل عالم الآخرة أو يوم القيامة هي مرحلة سوق الكفّار والمؤمنين إلى مثواهم الأخير: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً ...﴾[٩٢]، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ...﴾[٩٣].
وعمدة البحث في هذه المرحلة الخلود، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لاَِجَل مَّعْدُود * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ﴾[٩٤].
ونحن إنّما بدأنا حديثنا في الخلود بهذه الآية المباركة دون باقي آيات الخلود؛ لأنّها الآية التي قد يتوهّم أنّها ضدّ الخلود، فلابدّ من بحث فيها يرفع هذا التوهّم.
وسبب التوهّم واضح، وهو الاستثناء الموجود من الخلود بلحاظ أهل النار وبلحاظ أهل الجنّة، وهو استثناء مشيئة الربّ تعالى، فقد يخطر بالبال أنّ هذا الاستثناء يعني اقتطاعاً زمنيّاً في آخر الأمر، وهذا يعني عدم الخلود.
ومن هنا قد يفترض أنّ هذه الآية لا علاقة لها بيوم القيامة؛ كي لا تنافي الخلود في الجنّة والنار الاُخرويتين، فهي راجعة إلى عالم البرزخ.
إلّا أنّ هذا بعيد غاية البعد؛ لأنّ الصفات التي ذكرت في صدر الآية كلّها صفات يوم القيامة، وهي أنّه يوم مجموع له الناس، وأنّه يوم مشهود، وأنّ الله تعالى يؤخّره لأجل معدود، وأنّه يأتي في المستقبل فلا تكلّم نفس إلّا بإذنه، ومن الواضح أنّ هذه الصفات لا علاقة لها بعالم البرزخ.
أمّا قوله تعالى: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْض﴾ فلا يشهد لرجوع الأمر إلى عالم البرزخ؛ لأنّ السماوات والأرض موجودتان في يوم القيامة أيضا ولو بعد التبديل كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات﴾[٩٥].
وأمّا الجواب الحقيقي عن أصل الإشكال فهو: أنّ الاستثناء هنا لم يكن بمعنى الاقتطاع الزمنيّ، وإنّما هو مجرّد تعليق على مشيئة الله تعالى والذي هو ثابت في كلّ شيء، والشاهد على ذلك قوله عزّوجلّ بالنسبة لأهل الجنّة بعد الاستثناء المذكور: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ﴾، فلو كان هناك فناء لأهل الجنة أو للجنّة لم يكن العطاء غير مجذوذ.
وهذه القرينة وإن جاءت بعد الاستثناء بلحاظ أهل الجنّة، ولم ترد في الآية المباركة بلحاظ أهل النار قرينة مماثلة ولكن وحدة السياق أبطلت الدلالة على عدم الخلود في الآيتين.
ثُمّ إنّ استثناء المشيئة قد ورد أيضاً في القرآن في مورد آخر بشأن أهل النار، وذلك في سورة الأنعام، قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْض وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليم﴾[٩٦].
والجواب هنا أيضاً نفس الجواب، فإنّ الظاهر أنّ المقصود هو استثناء المشيئة فحسب والذي هو ثابت في كلّ شيء، وليس الاستثناء الزمني.
كما يحتمل هنا أيضاً ـ ولو ضعيفاً ـ إشارة الكلام إلى المؤمنين الفسقة الذين سينجون من النار بالشفاعة.
وقد يشكّك في أصل معنى الخلود فيقال: إنّ الخلود لا يعني الدوام الأبدي؛ لأنّه قد يستعمل بمعنى المكث الطويل.
إلّا أ نّني لا أظن أنّ صراحة الخلود في معنى الدوام التامّ أقلّ من صراحة مثل كلمة الأبد، أمّا استعماله في المكث الطويل فليس إلّا بقرينة، كما هو الحال في كلّ مجاز، وكما هو الحال في كلمة الأبد أيضاً فيقال مثلاً: إنّ فلاناً سجن من قبل الحكومة سجناً مؤبّداً، والمقصود بذلك ليس إلّا السجن الطويل المدّة، كما هو مصطلح اليوم، أو مدى العمر بقرينة أنّه ليس في الدنيا شيء مؤبّد؛ لأنّ أصل الدنيا غير مؤبّدة، ولأنّ عمر الإنسان غير مؤبّد فسينتهي السجن لا محالة.
ولو وقع الإصرار على عدم ظهور كلمة الخلود في الدوام الكامل بدعوى أنّه يستعمل في كلا المعنيين: الخلود والمكث الطويل، فالتصريح بالأبد أو الدوام أو نحو ذلك وارد في القرآن بشأن أهل الجنّة وبشأن أهل النار في موارد عديدة:
أمّا بشأن أهل الجنة فمن قبيل:
- قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَة﴾[٩٧].
- قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلا﴾[٩٨].
- قوله تعالى:﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾[٩٩].
- قوله تعالى:﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم﴾[١٠٠].
- قوله تعالى:﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾[١٠١].
- قوله تعالى:﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً﴾[١٠٢].
- قوله تعالى:﴿وَيُدْخِلْهُ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم﴾[١٠٣].
- قوله تعالى:﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً﴾[١٠٤].
- قوله تعالى:﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه﴾[١٠٥].
- قوله تعالى:﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا ...﴾[١٠٦].
وأما بشأن أهل النار فمن قبيل:
- قوله تعالى:﴿إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً﴾[١٠٧].
- قوله تعالى:﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾[١٠٨].
- قوله تعالى:﴿فَإنَّ لَهُ نار جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيْها أَبَدَاً﴾[١٠٩].
- قوله تعالى:﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيم﴾[١١٠].
- قوله تعالى:﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُون﴾[١١١].
- قوله تعالى:﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار﴾[١١٢].
هذا ولولا الخلود في الجنّة لكان عيشهم منغّصاً بهادم اللذّات وهو الموت.
وقد سبق منّا بيان: أنّ أقوى نزعة فطرية في الإنسان وأقوى شهوة لهي شهوة الخلود، فهي ألحّ على الإنسان من شهوة الجنس، والتفسير المعقول لذلك هو أ نّا خلقنا للبقاء لا للفناء.
وأمّا أنّ الخلود لأهل النار ليس من صالحهم فهذا بسوء فعالهم وليس بتقصير أو ظلم من الله سبحانه وتعالى.
وأمّا ما ورد في بعض الروايات عن أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير الآية التي فيها استثناء مشيئة الله تعالى فهو التفصيل بين الاستثناء بلحاظ الجنّة والاستثناء بلحاظ النار، بحمل الأوّل على مجرّد التعليق على مشيئة الله والذي هو ثابت في كلّ شيء، وحمل الثاني على الفسقة الذين ليسوا خالدين في النار فهم يعذّبون في النار مدّة من الزمن ثُمّ يخرجون منها[١١٣].
ولعلّ المقصود ليس هو التفصيل في مفهوم الاستثناء بين الموردين، فكلاهما بمعنى التعليق على مشيئة الربّ الثابتة في كلّ شيء، وإنّما المقصود التفصيل بين المشيئتين: بأنّ الاُولى لن تتحقّق، والثانية سوف تتحقّق بشأن المؤمنين الفسقة دون الكفّار ومن يُلحق بهم.
وورد في حديث آخر أيضاً ـ لا بعنوان تفسير الآية ـ عن الحسن بن علي الناصر] ي [ عن أبيه، عن محمّد بن علي عن أبيه الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين(عليهم السلام) قال: «قيل لأمير المؤمنين(عليه السلام): صف لنا الموت فقال: على الخبير سقطتم، هو أحد اُمور ثلاثة يرد عليه: إمّا بشارة بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تخويف وتهويل وأمر مبهم لا يدرى من أيّ الفريقين هو:
فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا فهو المبشَّر بنعيم الأبد، وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشَّر بعذاب الأبد، وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً محزناً، ثُمّ لن يسوّيه الله عزّ وجلّ بأعدائنا، لكن يخرجه من النار بشفاعتنا، فاعملوا وأطيعوا ولا تنكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله عزّ وجلّ، فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلّا بعد ثلاث مئة ألف سنة»[١١٤].
أيّها القارئ الكريم، حينما نجد أنفسنا في فراش الموت وقبل أن نتعرّض لحالة النزع، أيّ هول سنشعر به؛ لتركنا جميع ما نملك عدا أعمالنا؛ ولإقبالنا على عالم جديد مجهول لدينا؟ فكيف بنا لو نزلت سكرات الموت فاُرينا التخويف والتهويل والأمر المبهم حسب تعبير هذه الرواية؟
والجهل بالعاقبة قد فطّر قلوب جميع العارفين بالله، فماذا ينبغي أن يصنع بنا نحن الجهلة الغافلين؟ أسال الله تعالى أن يختم لنا بالسعادة، «اللهم اختم لنا بخير حتّى لاتضرّنا الذنوب»، وفي الحديث عن الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام)عن عليّ(عليه السلام) أنّه قال: «حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة، وحقيقة الشقاوة أن يختم للمرء عمله بالشقاوة»[١١٥]..
وعلى أيّة حال فقد اتّضح بهذا العرض أنّ فكرة الخلود في الجنّة لا غموض فيها ولا شبهة.[١١٦].
شبهتان حول الخلود في النار وردّهما
نذكر في نهاية الكلام في هذه المرحلة من مراحل المعاد شبهتين حول مسألة الخلود في النار:
الشبهة الاُولى: التمسّك بالآية الشريفة في سورة النبأ: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلْطَّاغِينَ مَآباً * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾[١١٧]، فقد يتصوّر أنّ الآية تدلّ على انتهاء العذاب واللبث فيه بعد مضيّ أحقاب.
إلّا أنّ الواقع أنّ الأحقاب بمعنى المُدد الطويلة ـ غير معلومة الأمد أو معلومة الأمد على رأي من فسّر الحُقب بثمانين أو سبعين أو أربعين سنة ـ لا تدلّ على نفي الخلود؛ إذ لم يُذكر عدد للأحقاب تنتهي بانتهائه، بل قد تكون أحقاباً غير متناهية، وبكلمة اُخرى: أنّ الأحقاب بنفسها يمكن أن تكون أحقاباً متناهية، ويمكن أن تكون أحقاباً غير متناهية، فذكر هذه الكلمة لا يكون دليلاً على التناهي.
ولو فرض إيحاء للعبارة بعدم الدوام فليس هذا الإيحاء قابلاً للمقاومة في مقابل التصريحات الماضية.
الشبهة الثانية: أنّ دوام العقاب مخالف لعدل الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه لم تصدر منهم إلّا المعصية المنتهية بالموت، فكيف يقابَلون بعذاب غير متناه؟
والواقع أنّ هذا الإشكال ينشأ من تخيّل أنّ العذاب في القيامة يكون شيئاً من قبيل التقاصّ لسحق العاصي حقّ المولى تعالى، فكأنّ المولى عزّوجلّ يريد أن يأخذ حقّه منه بالعذاب فيقال: إنّ حقّ العذاب من قبل المولى لن يكون بأزيد من عصيان العبد إيّاه، وقد كان العصيان مؤقّتاً محدوداً، فكيف يستعقب عذاباً أبدياً؟
إلّا أنّه لو كان الأمر كذلك لورد إشكال أعظم من ذلك على العقاب، وهو: أنّ الله تعالى غنّي عن أخذ حقّه، فلماذا يأخذ حقّه بالعذاب؟ فتفسير العذاب بذلك من أساسه باطل.
والأمر المعقول في تفسير عذاب الآخرة ليس إلّا أحد اتّجاهين: الأوّل: أن يكون العذاب أثراً تكوينياً للعمل، فكما لا يمكن أن يعترض على ترتب مرض مستمرٍّ على أكلة خاطئة أو شرب شربة مخالف لإرشاد الطبيب بأنّ الخطأ الذي صدر من الفاعل لم يكن إلّا أكلة قليلة أو شربة واحدة، فلماذا يعذّب طول عمره بذاك المرض؟ ولا يصح أن يقال: إنّ من أخطأ بشرب السمّ لم يكن المفروض أن يجازى بأشدّ الاُمور وهو الموت والحرمان الدائم من حياته، كذلك لا يرد إشكال من هذا القبيل على عذاب الآخرة؛ فإنّ عمل الإنسان لا ينفكّ من الإنسان ﴿وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِه﴾[١١٨]، وربما يكون أثر عمله العذاب الدائم من دون فرق في ذلك بين القول بتجسّم الأعمال ـ كما قد يستفاد ذلك من مثل قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً يَرَه﴾[١١٩] وغير ذلك من الآيات ـ والقول بأنّ نسبة العقاب إلى العمل نسبة المعلول إلى العلّة.
الثاني: أن يكون العذاب أمراً استحقاقياً لظلمة النفس ورَينها الناتجين من المعاصي، وكان بالإمكان علاج ذلك في الدنيا بماء التوبة وبالخضوع للغيب، فإنّ الندم عن غيب يغسل النكتة السوداء التي ظهرت في القلب، وأمّا الندم الناتج من تحوّل الغيب إلى الشهود فلا يخلق تحوّلاً في النفس: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون﴾[١٢٠].
ولعلّه يشير إلى هذا المعنى الحديث الذي ورد عن الصادق(عليه السلام) معلّلاً الخلود بقوله(عليه السلام): «إنّما خلّد أهل النار في النار؛ لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة؛ لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يُطيعوا الله أبداً ما بقوا، فالنيّات تخلّد هؤلاء وهؤلاء». ثُمّ تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه﴾[١٢١]. قال: «على نيّته»[١٢٢].
نعم الذين بقي في قلوبهم بصيص من النور: فإمّا أنّ نفس احتراقهم بالنار يصقل أنفسهم ويطهّرها، أو أنّه تدركهم الشفاعة آخر الأمر فيتحوّلون إلى الجنّة، أمّا لو لم يبق بصيص من النور في القلب فالظلمة والرَين لا ينفصلان عن الشخص، وماداما موجودين في القلب يستحق صاحبه العذاب، ولا يمكن تحصيل بصيص النور في ذاك العالم، وإنّما هو نور ينقله الإنسان معه إلى الآخرة من هذه الدنيا: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً﴾[١٢٣]، أي إنّ النور يجب أن يلتمس ممّا قبل عالم الآخرة وهو عالم الدنيا.
والخلاصة بناءً على هذا الاتجاه: أنّ استحقاق العذاب يكون لأجل الظلمة والرَين الثابتين على القلب وفقدان النور، وما داما دائمين فالعذاب دائم، وتحصيل النور لا يمكن إلّا بالرجوع إلى الوراء أي الدنيا، والرجوع إلى الدنيا لا ينفعهم لتحصيل النور؛ لأنّهم لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه، فهذا هو سرّ الخلود في النار.
وما ألطف تعبير القرآن عن هذه الحالة بخسران النفس، فقد قال عزّ من قائِل: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُون﴾[١٢٤]، ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يِظْلِمُون﴾[١٢٥]، ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُون﴾[١٢٦]، ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُون﴾[١٢٧]، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَاب مُّقِيم﴾[١٢٨]، ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون﴾[١٢٩].[١٣٠].
خاتمة في الشفاعة
قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾[١٣١]، وممّا يوجد بصريح القرآن في محكمة عدل الله في يوم القيامة هي الشفاعة، وأقصد بها في هذا البحث ما يسمّى بشفاعة المغفرة، أي إنّ هناك من ينجو من عذاب الله بسبب شفاعة الشافعين.
وبما أنّنا عرضنا هذا البحث بشيء من التفصيل في كتابنا «تزكية النفس» لا نرى مزيد حاجة هنا لشرحه، ولكننا نشير إلى ذلك باختصار؛ لأنّ الشفاعة مفردة من مفردات تلك المحكمة، وقد صرّح بها في آيات قرآنيّة كثيرة كالتي بدأنا الحديث بها.
إلّا أنّ شرذمة ممّن سمّوا أنفسهم باسم الإسلام وهم بعيدون عن الإسلام كلّ البعد قد أنكروا الشفاعة.
وقد روى السيّد الطباطبائي(قدس سره) في تفسيره[١٣٢] عن أمالي الصدوق، عن الحسين بن خالد، عن الرضا(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام) عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. ثُمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي، فأمّا المحسنون منهم فما عليهم من سبيل...».
قال السيّد الطباطبائي(قدس سره) في ذيل نقله لهذا الحديث: قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «...إنّما شفاعتي...» هذا المعنى رواه الفريقان بطرق متعددة عنه(صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال أيضا السيّد الطباطبائي(قدس سره) لدى نقل حديث تفسير المقام المحمود بالشفاعة: وهذا المعنى مستفيض مرويّ بالاختصار والتفصيل بطرق متعدّدة من العامّة والخاصّة... .
والأصل في إنكار الشفاعة ما هو المألوف غالبا في المحاكم الدنيوية من أنّ الشفيع قنطرة لإبطال الحقّ وإحقاق الباطل، فلئن كان المفروض أنّ القاضي يحكم بالعدل، وأنّ الشفيع جاء كي يؤثّر على حكم القاضي ويغيّره، فهذا يعني أنّ الشفيع جاء لكي يبطل حقّاً أو يحقّ باطلاً، وبما أنّ المفروض أنّ فضاء يوم القيامة منزّه عن أيّ لون من ألوان الباطل أو الظلم، فتدخّل الشفاعة فيه أمر غير معقول.
بل ربما أسرف بعض مخالفي الشفاعة إلى حدّ القول بأنّ الإيمان بالشفاعة مساوق للشرك.
وإنّما أسمينا ذلك بالإسراف لأنّ من الواضح أنّ الشفاعة إنّما تؤدّي إلى الشرك لو فرضت تدخّلاً في الأمر رغم إرادة الله تعالى وعلى خلاف ما يُرضي الله عزّ وجلّ، أمّا إذا قُرّر أنّه ﴿لا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾[١٣٣]، وأن ليس حالها إلّا حال الدعاء الذي إن أراد الله استجابه وإن لم يرد رفضه، فلا معنى لافتراض الإيمان بها شركاً بالله إلّا إذا افترض أنّ الإيمان بالدعاء أيضاً شرك بالله.
وعلى أيّ حال فليس غريباً من مخالفي نهج القرآن الواضح إنكار الشفاعة، إنّما الغريب أن يقول من يعتبر في صفوف المؤمنين بالشفاعة: إنّ الشفاعة أمر صوريّ، وإنّ الله تعالى حينما يريد أن يغفر لأحد يفترض ظاهراً أنّ مغفرته إياه كان لأجل فلان الشفيع، وذلك إبرازاً لعظمة ذاك الشفيع واحترامه.
وإليك نصّ كلام هذا الباحث: «أمّا الشفاعة التي جاء الحديث عنها في الروايات المتعدّدة عن السنّة والشيعة فإنّها ليست حالة وساطة بالمعنى الذي يفهمه الناس في علاقاتهم بالعظماء لديهم الذين قد لا يستطيع الناس مخاطبتهم بشكل مباشر للحواجز المادّية الفاصلة بينهم وبين الناس؛ ولذلك يلجأ الناس إلى الأشخاص الذين تربطهم بهم علاقة مودّة أو مصلحة أو موقع معيّن ليكونوا الواسطة في إيصال مطالبهم إليهم وقضاء حوائجهم عنده.
إنّ الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده في ما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة، فيشفّعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده؛ لتكون المسألة ـ في الشكل ـ واسطة في النتائج التي يتمثّل فيها العفو الإلهي والنعيم الرباني، تماماً كما لو كان النبيّ هو السبب أو كان الوليّ هو الواسطة، ولكنها ـ في العمق ـ إرادة الله لذلك ممّا لا يمكن لنبيّ مرسل أو ملك مقرّب أو وليّ امتحن الله قلبه للإيمان أمر تغييرها في الاتجاه الذي تتحرّك فيه، وبذلك فهم يدرسون مواقع رضا الله في عباده ليقوموا بالشفاعة، أو ليأذن الله لهم بالشفاعة، وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرّب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس على شفاعتهم؛ لأنّهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل، بل الله هو المالك لذلك كلّه على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محدّدة ليس لهم أن يتجاوزوها، الأمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له، وهذا هو الذي نفهمه من آيات الشفاعة في القرآن التي تؤكّد على أنّها قضية تتّصل بالله، فليس لأحد أن يمارسها إلّا بإذنه في من ارتضاهم الله لينالوا عفوه قال الله تعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً «۱۹/۸۷» ﴾، ﴿يَوْمَئِذ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن «۲٠/۱٠۹» ﴾،﴿وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَه «۳٤/۲۳» ﴾، ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾[١٣٤].
وليس معنى إذن الله للشفعاء أنّه أعطاهم الحرّيّة في ذلك، أو أنّه يتقبّل منهم ذلك على أساس خصوصيات علاقاتهم ليتقرّب الناس منهم بالوسائل الخاصّة التي تثير مشاعرهم وتؤكّد علاقاتهم بهم بشكل شخصي كما هي الأشياء الشخصية، بل إنّ معنى ذلك أنّ الله جعل لهم هذه الكرامة ليستعملوها في ما يوافق رضاه؛ لأنّ المفروض أنّ رضاهم لا ينفصل عن خط رضاه، كما أنّ رضاه يتحرّك في آفاق حكمته لا في آفاق رغبات القريبين إليه بالمعنى الذاتي للمسألة.
وفي ضوء ذلك فإنّ الاستشفاع بالأنبياء والأولياء لا يمثّل خروجاً عن توحيد الاستعانة بالله؛ لأنّه يرجع في الحقيقة إلى طلب المغفرة من الله، والنجاة من النار من خلال ما اقتضته إرادة الله وحكمته في ارتباط عفوه بشفاعة هذا النبيّ أو الوليّ على أساس ما أراده الله من حكمته في ذلك»[١٣٥].
وحاصل هذا الكلام: أنّ الشفاعة لا تعني استجابة الله تعالى لرغبة الشفيع في المغفرة رغم عدم المغفرة لولا الشفاعة، وإنّما تعني أنّ الله تعالى حينما قرّر المغفرة لفلان أراد من الشفيع أن يشفع له حتّى تتم مغفرته إيّاه باسم طلب هذا الشفيع، وذلك نوع تكريم وتعظيم للشفيع.
أقول: إنّ الشفاعة الشكلية ـ حسب تعبيره ـ ينبغي أن يطيّب بها خاطر الأطفال ويكرّموا بها، لا خاطر الأنبياء والأوصياء والأولياء، ولا معنى لافتراضها مقاماً محموداً ولا لادّخارها لأهل الكبائر، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل.
ولئن فرض العجز عن حلّ إشكالات الشفاعة بمعناها الحقيقي فليس الطريق المعقول سلوكه هو القول بالشفاعة الشكلية، وإنّما الطريق الذي يكون سلوكه أكثر منطقية عندئذ هو إنكار الشفاعة لا سمح الله.[١٣٦].
ولحل مشكلة الشفاعة أحد طريقين لا ثالث لهما:
الأوّل: ما ذهب إليه المرحوم الشهيد الشيخ المطهّري(قدس سره) من أنّ الشفاعة وإن كانت أمراً حقيقياً وليست أمراً صورياً وشكلياً ولكنّها طريق تكوينيّ لنزول الرحمة والمغفرة والتطهير من قبل الله تعالى إلى العبيد، فهي تبدأ من الله وتنتهي إلى العاصي عن طريق الأنبياء والأوصياء والأولياء والمؤمنين، بخلاف ما هو المتعارف في الدنيا من الشفاعة بين الناس ممّا يبدأ بالعاصي بطلبه من الشفيع، وينتهي بالحاكم أو السلطان ممّن له العقاب، فيعفو عن الذنب ويرفع عنه العقاب.
الثاني: ما يعني الالتزام بأنّ الشفاعة حتّى في ما لو بدئ بها عن طريق طلب المذنب وإلحاحه على الشفيع أو زيارته إياه أو نحو ذلك، لكنها في الحقيقة إثابة للمولى سبحانه على حسنات الشفيع، فيستجيب لشفاعته شكراً لما له من مقامات عالية إلهيّة، وليس ذلك بمعنى أن يتقبّل الله منه شفاعته لسحق حقّ مظلوم كما يتفق في الدنيا، بل إنّ الحق الذي يغفر للمذنب بطلب الشفيع إمّا أن يكون حقّاً إلهياً يتنازل الله تعالى عنه إثابةً للشفيع، أو يكون حقّاً من حقوق الناس يُرضي الله صاحبه بتعويضه إيّاه بما لا عينٌ رأت ولا اُذن سمعت، فصاحب الحق يتنازل عن حقّه طلباً لذلك التعويض.
وقد ورد في الحديث على ما رواه السيّد الطباطبائي(قدس سره) في تفسيره عن تفسير الفرات عن بشر بن شريح البصري قال: «قلت لمحمّد بن عليّ(عليه السلام): أيّة آية في كتاب الله أرجى؟ قال: فما يقول فيها قومك؟ قلت: يقولون:﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه﴾[١٣٧]. قال: لكنّا أهل البيت لا نقول ذلك، قال: قلت: فأيّ شيء تقولون فيها؟ قال: نقول:﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾[١٣٨]، الشفاعة والله الشفاعة والله الشفاعة»[١٣٩].
وقد اختلفت الروايات في تشخيص أرجى آية في القرآن، فالرواية التي تلوناها آنفاً تشير إلى أنّ أرجى آية هي الآية التي أعطت لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ما يُرضيه، وهو لا يرضى إلّا بأكبر مقدار ممكن من الشفاعة.
وهناك رواية اُخرى رواها صاحب مجمع البيان عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾[١٤٠]: «ما في القرآن آية أرجى عندي من هذه الآية»[١٤١].
وهناك رواية ثالثة عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أحدهما(عليهما السلام) يقول: إنّ عليّاً(عليه السلام) أقبل على الناس، فقال: أيّة آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾[١٤٢]. قال(عليه السلام): حسنة وليست إيّاها: وقال بعضهم: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾[١٤٣]. قال(عليه السلام): حسنة وليست إيّاها. فقال بعضهم: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم﴾[١٤٤]. قال(عليه السلام): حسنة وليست إيّاها. وقال بعضهم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين﴾[١٤٥] قال(عليه السلام): حسنة وليست إيّاها. قال: ثمّ أحجم الناس فقال(عليه السلام): ما لكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا والله ما عندنا شيء. قال(عليه السلام): سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول: أرجى آية في كتاب الله:﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الليْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِين﴾[١٤٦]. وقال(صلى الله عليه وآله): يا علي، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً، إنّ أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته اُمّه، فإن أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتّى عدّ الصلوات الخمس. ثُمّ قال(صلى الله عليه وآله): يا عليّ، إنمّا منزلة الصلوات الخمس لاُمّتي كنهر جار على باب أحدكم، فما ظنّ أحدكم لو كان في جسده درن ثُمّ اغتسل في ذلك النهر خمس مرّات في اليوم، أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لاُمّتي[١٤٧].
ويمكن الجمع بين هذه الروايات الثلاث بافتراض الفرق بينها في النقاط المنظور إليها، فسعة الرجاء تارة ينظر إليها من زاوية سعة دائرة غسل الدرن الذي التصق بالنفس وإزالة الرين الذي التصق بالقلب نتيجة للذنب، فأوسع شيء بهذا الصدد هو أنّ الحسنات يذهبن السيّئات، فعلى المذنبين الذين يحبّون إصلاح أنفسهم أن يلتزموا بفعل الحسنات بعد السيّئات.
واُخرى ينظر إليها من زاوية سعة عدد الأفراد الذين يُرجى لهم النجاة من الهلاك في يوم القيامة، فأرجى آية هي الآية التي لم تستثن أحداً من المذنبين غير التائبين من أمل المغفرة إلّا المشرك ومن بحكمه، فمن عداهم من العاصين قد فتح الله بشأنه أمل النجاة بإبداء احتمال تعلّق مشيئة الله بالعفو عنه؛ إذ لم يحتّم عدم العفو عن غير التائب إلّا عن المشركين.
وهذه الآية أعني قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ تجعل المؤمن بين الخوف والرجاء مهما كثرت ذنوبه وموبقاته مادام هو مؤمناً وليس مشركاً.
وروي في مجمع البيان في ضمن تفسير الآية عن مطرف بن شخير: أنّ عمر ابن الخطّاب قال: «كنّا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا مات الرجل منّا على كبيرة شهدنا بأنّه من أهل النار، حتّى نزلت الآية فأمسكنا عن الشهادات».
وثالثة ينظر إليها من زاوية النجاة من دون استحقاق، وعندئذ فأرجى آية هي آية الشفاعة بلا إشكال، فإنّ النجاة لو كانت باستحقاق نفس العاصي لم يكن في نجاته بحاجة إلى الشفاعة، والوحيد الذي يستفيد العاصي منه باستحقاق غيره هي الشفاعة التي أشرنا إلى أنّ قبولها في الحقيقة مكافأة للشفيع على حسانته.
هذا وهنا بمناسبة آية ﴿يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ أروي هذه الرواية: حينما قدم وحشي قاتل حمزة عمّ الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى مكة أرسل هو وأصحابه كتاباً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّا قد ندمنا على الذي صنعناه، وليس يمنعنا عن الإسلام إلّا أ نّا سمعناك تقول وأنت بمكّة: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾[١٤٨]، وقد دعونا مع الله الهاً آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا فلولا هذه لاتبعناك. فنزلت الآية: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً﴾[١٤٩]، فبعث بهما الرسول(صلى الله عليه وآله)إلى وحشي وأصحابه فلمّا قرأوهما كتبوا إليه: إنّ هذا شرط شديد نخاف أن لا نفعل عملاً صالحاً فلا نكون من أهل هذه الآية فنزلت: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾[١٥٠]، فبعث بها إليهم فقرأوها فبعثوا إليه: إنّا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته. فنزلت: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾[١٥١]، فبعث بها إليهم، فلمّا قرأوها دخل هو وأصحابه في الإسلام[١٥٢][١٥٣].
الأعراف
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ *وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ
- أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُون﴾[١٥٤].
يبدو من هذه الآيات المباركة أنّه بعد ما يسكن أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار ويكون بينهما حجاب، يمنع هذا الحجاب عن رؤية أحدهما الآخر، ولكنّه لا يمنع سماع الأصوات، فينادي أهل الجنّة أهل النار: هل وجدتم وعد الربّ بالعذاب حقّاً كما وجدنا وعده بالرحمة حقّاً؟ ويسمعون الجواب من أهل النار بالإيجاب.
وتبقى فئة من الناس خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيّئاً، فلاهم يعتبرون من أهل النار ولا هم من أهل الجنة، فجُعلوا على مرتفع من المكان يرون أهل الجنة وأهل النار، فإذا صرفت أبصارهم تجاه أهل الجنة سلّموا على أهل الجنّة وهم يطمعون الدخول فيها، وإذا صرفت أبصارهم تجاه أهل النار قالوا: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين﴾، وهؤلاء المستضعفون لا يُترَكون من قبل أولياء الله الذين هم مشرفون على الأعراف وسُمّوا برجال الأعراف. وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ هؤلاء هم الأئمّة(عليهم السلام)، ففي تفسير القمّي عن الصادق(عليه السلام): «الأعراف: كثبان بين الجنّة والنار، والرجال: الأئمة صلوات الله عليهم»[١٥٥]، وفي حديث آخر عن هشام عن الباقر(عليه السلام) «قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ﴾ ما يعني بقوله: ﴿وَعَلَى الأَعْرَاف﴾؟ قال: ألستم تعرفون عليكم عرفاء على قبائلكم لتعرفون[١٥٦] من فيها من صالح أو طالح؟ قلت: بلى. قال: فنحن اُولئك الرجال الذين يعرفون كلاًّ بسيماهم»[١٥٧]، وهناك تفاسير اُخرى ولا تنافي في ما بينها.
وحاصل ما يستفاد من ظاهر هذه الآيات المباركة ـ والله أعلم بالاُمور ـ أنّ عدداً من أولياء الله يشرفون على الأعراف ويحاولون نجاة هؤلاء المستضعفين، ويخاطبون أهل النار بأنّكم كنتم تقولون عن هؤلاء: أن ﴿لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَة﴾، ثُمّ يشفعون لهم رغم أنف المستكبرين الذين كانوا ينفون رحمة الربّ عنهم، ويقولون لهم: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُون﴾.
وفي تفسير آخر روي عن الصادق(عليه السلام): «الأعراف: كثبان بين الجنّة والنار يوقف عليها كلّ نبيّ وكلّ خليفة نبيّ مع المذنبين من أهل زمانه، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده، وقد سبق المحسنون إلى الجنّة، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه: انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا إلى الجنّة. فيسلّم عليهم المذنبون وذلك قوله: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُون﴾ أن يدخلهم الله إيّاها بشفاعة النبي(صلى الله عليه وآله) والإمام، وينظر هؤلاء إلى أهل النار فيقولون: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين﴾.
وينادي أصحاب الأعراف ـ وهم الأنبياء والخلفاء ـ رجالاً من أهل النار ورؤساء الكفّار يقولون لهم مقرِّعين: ﴿مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ﴾واستكباركم ﴿أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَة﴾ ؟ إشارة إلى أهل الجنّة الذين كان الرؤساء يستضعفونهم ويحتقرونهم بفقرهم ويستطيلون عليهم بدنياهم ويقسمون أنّ الله لا يدخلهم الجنّة. ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾. يقول أصحاب الأعراف لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله عزّ وجلّ لهم بذلك: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُون﴾، أي لا خائفين ولا محزونين»[١٥٨] [١٥٩].
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٦۸ ـ ۷٥.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٦۸.
- ↑ س ٤٠ غافر، الآية: ۱۱.
- ↑ س ۳۷ الصافّات، الآية: ٥٥ ـ ٥۷.
- ↑ س ۳۷ الصافّات، الآية: ٥۸ ـ ٥۹.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٦۸ ـ ٦۹.
- ↑ إشارة إلى الآية ٦٥ من سورة ۳٦ يس.
- ↑ س ٤۱ فصّلت، الآية: ۲۱.
- ↑ س ۳٠ الروم، الآية: ٥٠.
- ↑ س ٥٠ ق، الآية: ۱۱.
- ↑ س ۳٠ الروم، الآية: ۱۹.
- ↑ س ۲۲ الحج، الآية: ٥ و ٦.
- ↑ س ٤۱ فصّلت، الآية: ۳۹.
- ↑ س ۳٥ فاطر، الآية: ۹.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ٥۷.
- ↑ س ۷٥ القيامة، الآية: ۳۷ ـ ٤٠.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ۷۸ ـ ۷۹.
- ↑ س ۸٦ الطارق، الآية: ٥ ـ ۸.
- ↑ س ۱۹ مريم، الآية: ٦٦ ـ ٦۷.
- ↑ راجع پيام قرآن ٥: ۳۳٤ ـ ۳۳٥.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ۷۸ ـ ۷۹.
- ↑ س ۷٥ القيامة، الآية: ۳ ـ ٤.
- ↑ س ۲۲ الحج، الآية: ۷.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ٥۱.
- ↑ س ۲٠ طه، الآية: ٥٥.
- ↑ س ۷۱ نوح، الآية: ۱۷ ـ ۱۸.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ۲٥.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ٦٥.
- ↑ س ۲٤ النور، الآية: ۲٤.
- ↑ س ٤۱ فصّلت، الآية: ۲٠ ـ ۲۱.
- ↑ س ۱۸ الكهف، الآية: ٤۹.
- ↑ راجع پيام قرآن ٦: ۱۱٠ ـ ۱۱۱.
- ↑ س ۱۷ الإسراء، الآية: ۱۳ ـ ۱٤.
- ↑ البحار ۷: ۳۱٥، الباب ۱٦ من أبواب المعاد وما يتبعه ويتعلّق به، الحديث ۱٠.
- ↑ س ۸٦ الطارق، الآية: ۹ ـ ۱٠.
- ↑ س ٥٠ ق، الآية: ۱۷ ـ ۱۸.
- ↑ البحار ٥: ۳۲۲، الباب ۱۷ من أبواب العدل، الحديث ٤. والشدق: زاوية الفم من باطن الخدّين.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة ۱٥۷.
- ↑ البحار ٥: ۳۲۱، الباب ۱۷ من أبواب العدل.
- ↑ س ۸۲ الانفطار، الآية: ۱٠ ـ ۱۲.
- ↑ س ۱۳ الرعد، الآية: ۱۱.
- ↑ س ۱۷ الإسراء، الآية: ۷۸.
- ↑ البحار ٥: ۳۲۱، الباب ۱۷ من أبواب العدل، الحديث ۲، وانظر الوسائل ٤: ۲۱۲، الباب ۲۸ من أبواب المواقيت، الحديث ۱.
- ↑ اُنظر وسائل الشيعة ٤: ۲۱۳ ـ ۲۱٤، الباب ۲۸ من أبواب المواقيت، الحديث ۳.
- ↑ س ٦۹ الحاقّة، الآية: ۱۹ ـ ۲۹.
- ↑ پيام قرآن ٦: ۹٥ ـ ۹٦.
- ↑ س ۸٤ الانشقاق، الآية: ۷ ـ ۱۲.
- ↑ س ٤٥ الجاثية، الآية: ۲۸ ـ ۲۹.
- ↑ س ۸۳ المطفّفين، الآية: ۷ ـ ۹.
- ↑ س ۸۳ المطفّفين، الآية: ۱۸ ـ ۲۱.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٦۹.
- ↑ س ۱۸ الكهف، الآية: ٤۹.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ۱۲.
- ↑ س ۱٠ يونس، الآية: ٤٦.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ٤۱.
- ↑ س ۱٠ يونس، الآية: ٤۷.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٦۹.
- ↑ س ٥٠ ق، الآية: ۲٠ ـ ۲۳.
- ↑ س ۲٤ النور، الآية: ۲٤.
- ↑ س ٤۱ فصّلت، الآية: ۲٠ ـ ۲۲.
- ↑ س ۳٦ يس، الآية: ٦٥.
- ↑ أي: بعضهم.
- ↑ س ٥۸ المجادلة، الآية: ۱۸.
- ↑ البحار ۷: ۳۱۲، الباب ۱٦ من أبواب المعاد، الحديث ۳.
- ↑ البحار ۷: ۳۱۸، الباب ۱٦ من أبواب المعاد، الحديث ۱٤، والكافي ۲: ۳۲.
- ↑ س ۹۹ الزلزال، الآية: ٤ ـ ٥.
- ↑ البحار ۷: ۳۱۸، الباب ۱٦ من أبواب المعاد، الحديث ۱٥.
- ↑ البحار ۷: ۳۱۷ ـ ۳۱۸، الباب ۱٦ من أبواب المعاد، الحديث ۱۲، وانظر الكافي ۲: ٤۳٠ ـ ٤۳۱.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ٤۱.
- ↑ الكافي ۱: ۱۹٠، الباب ۹ من كتاب الحجّة، الحديث ۱.
- ↑ المصدر السابق: ۱۹۱، الحديث ٥.
- ↑ البحار ۷: ۳۲٥، الباب ۱٦ من أبواب المعاد، الحديث ۲۲.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص371-374.
- ↑ س ۲۱ الأنبياء، الآية: ٤۷.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ۸ ـ ۹.
- ↑ س ۸٠ عبس، الآية: ۳۷.
- ↑ البحار ۷: ۲٤٥، الباب ۱٠ من أبواب المعاد.
- ↑ پيام قرآن ٦: ۱۷۲.
- ↑ البحار ۷: ۲٥۱، وانظر الكافي ۱: ٤۱۹، وتفسير البرهان ۳: ٦۱.
- ↑ تفسير البرهان ۳: ٦۱.
- ↑ المصدر السابق.
- ↑ كنز الدقائق ٥: ٤۱ نقلاً عن تفسير الصافي.
- ↑ راجع مفاتيح الجنان، الزيارة الاُولى من الزيارة المطلقة لأمير المؤمنين(عليه السلام).
- ↑ البحار ۷: ۲٤۹ نقلاً عن الاحتجاج.
- ↑ البحار ۷: ۲٥٠.
- ↑ الكافي ۸: ۷٥، كتاب الروضة، موعظة لعليّ بن الحسين(عليه السلام).
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص361-363.
- ↑ البحار ۷: ۲٤۹.
- ↑ الكافي ۲: ٤۹٤.
- ↑ البحار ۷: ۲٤۸، الباب ۱٠ من أبواب المعاد.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص363-364.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ۷۱.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ۷۳.
- ↑ س ۱۱ هود، الآية: ۱٠۳ ـ ۱٠۸.
- ↑ س ۱٤ إبراهيم، الآية: ٤۸.
- ↑ س ٦ الأنعام، الآية: ۱۲۸.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ٥۷.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ۱۲۲.
- ↑ س ٥ المائدة، الآية: ۱۱۹.
- ↑ س ۹ التوبة، الآية: ۲۲.
- ↑ س ۹ التوبة، الآية: ۱٠٠.
- ↑ س ۱۸ الكهف، الآية: ۲ ـ ۳.
- ↑ س ٦٤ التغابن، الآية: ۹.
- ↑ س ٦٥ الطلاق، الآية: ۱۱.
- ↑ س ۹۸ البينة، الآية: ۸.
- ↑ س ۱۳ الرعد، الآية: ۳٥.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ۱٦۹.
- ↑ س ۳۳ الأحزاب، الآية: ٦٥.
- ↑ س ۷۲ الجنّ، الآية: ۲۳.
- ↑ س ٥ المائدة، الآية: ۳۷.
- ↑ س ٤۳ زخرف، الآية: ۷۷.
- ↑ س ۲ البقرة، الآية: ۱٦۷.
- ↑ راجع كنز الدقائق ٦: ۲٤۷، حديث حمران، وحديث أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) نقلاً عن تفسير العيّاشي.
- ↑ راجع كنز الدقائق ٦: ۲٤٥ حديث حمران، وحديث أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) نقلاً عن معاني الأخبار.
- ↑ راجع كنز الدقائق ٦: ۲٤٦ حديث حمران، وحديث أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) نقلاً عن الخصال
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص365-371.
- ↑ س ۷۸ النبأ، الآية: ۲۱ ـ ۲۳.
- ↑ س ۱۷ الإسراء، الآية: ۱۳.
- ↑ س ۹۹ الزلزلة، الآية: ۷ ـ ۸.
- ↑ س ٦ الأنعام، الآية: ۲۸.
- ↑ س ۱۷ الإسراء، الآية: ۸٤.
- ↑ البحار ۸: ۳٤۷، الباب ۲٦ من أبواب المعاد، الحديث ٥.
- ↑ س ٥۷ الحديد، الآية: ۱۳.
- ↑ س ۲۳ المؤمنون، الآية: ۱٠۳.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ۹.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ٥۳.
- ↑ س ۱۱ هود، الآية: ۲۱ ـ ۲۲.
- ↑ س ٤۲ الشورى، الآية: ٤٥.
- ↑ س ٦ الأنعام، الآية: ۱۲.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص371-374.
- ↑ س ۲٠ طه، الآية: ۱٠۹.
- ↑ الميزان ۱: ۱۷٤ ـ ۱۷٥.
- ↑ س ۲۱ الأنبياء، الآية: ۲۸.
- ↑ س ۲۱ الأنبياء، الآية: ۲۸.
- ↑ من وحي القرآن ۲٥: ٦٦ ـ ٦۹.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص374-379.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٥۳.
- ↑ س ۹۳ الضحى، الآية: ٥.
- ↑ تفسير الميزان ۱: ۱۷٦.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ٤۸.
- ↑ مجمع البيان، في ذيل تفسير الآية.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ۱۱٦.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ۱۱٠.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٥۳.
- ↑ س ۳ آل عمران الآية: ۱۳٥ ـ ۱۳٦.
- ↑ س ۱۱ هود، الآية: ۱۱٤.
- ↑ اُنظر البحار ۸۲: ۲۲٠، الباب ۱ من كتاب الصلاة، الحديث ٤۱.
- ↑ س ۲٥ الفرقان، الآية: ٦۸ ـ ٦۹.
- ↑ س ۲٥ الفرقان، الآية: ۷٠ ـ ۷۱.
- ↑ س ٤ النساء، الآية: ٤۸.
- ↑ س ۳۹ الزمر، الآية: ٥۳.
- ↑ مجمع البيان في تفسير الآية (٤۸) من سورة النساء.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص375-383.
- ↑ س ۷ الأعراف، الآية: ٤٤ ـ ٤۹.
- ↑ تفسير القمّي ۱: ۲۳۱.
- ↑ الظاهر أنّ الصحيح: لتعرفوا.
- ↑ كنز الدقائق ٥: ۹۳.
- ↑ كنز الدقائق ٥: ۹۷ ـ ۹۸.
- ↑ السيد كاظم الحائري، أصول الدين، ص383-385.