نقاش:حديث الثقلين
تمّ تبسيطه
تمهيد
قال رسول الله(ص): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اَللَّهِ وَعِتْرَتِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعدي أَبَداً وَإِنَّ اَللَّطِيفَ الخَبيرَ قَد أنْبَأَني أنّهمَا لَنْ يَفْتَرِقا حتّى يرِدا علَيَّ اَلحَوض». وهذا الحديث متواتر قطعي الصدور لا مجال للمناقشة في سنده، وهو متواتر جيلاً بعد جيل.
أما من حيث الدلالة:
النقطة الأولى: قوله: «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ» فالبحث الأساسي إنما يركِّز على الخلافة. وإذا ربطنا هذه الخلافة بخلافة من نوع آخر في قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أي مَنْ يمثل إرادة الله تعالى في الأرض، وهذا التمثيل كان عن طريق الأنبياء(ع) وحينما يصدر من الرسول(ص) إني مخلف فيكم، تصدر عن وعي بأنه مفارق الحياة الدنيا، وأنه حين مفارقته للحياة الدنيا لابد أنْ يترك حجة ومستمسكاً بحيث لو تمسك بهِ أبناء الأمة لن يضلوا بعده. إذاً «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ» تركز على نقطتين أساسيتين:
- إِنَّ النبي(ص) راحل عن الدنيا كما يرحل أي شخص آخر.
- ما دام هو يرحل وما دامت الرسالة الإسلامية هي الرسالة الخاتمة حينئذ يكون الرسول(ص) مُكَلَّفا من قبل الله تبارك وتعالى بأنْ يترك في الأمة مَنْ يكون مناراً دائماً للهدى الذي أشار إليه من عدم الضلالة.
النقطة الثانية: إنَّ النبي(ص) يطلب من أمته أنْ يتمسكوا بأمرين متوازيين يكمل أحدهما الآخر فيجب التمسك بهما معاً دون التمسك بأحدهما وترك الآخر.
النقطة الثالثة: قوله: «وَإِنَّ اَللَّطِيفَ الخَبيرَ قَد أنْبَأَني أنّهمَا لَنْ يَفْتَرِقا حتّى يرِدا علَيَّ اَلحَوض» أي إنه لا يمكن الاحتجاج بالقرآن وحده من دون العترة الطاهرة، والسبب في ذلك هو ما أجمع عليه المؤرخون والمفسرون أنَّ ابن عباس قد روي عن علي(ع) أنه قال: «واللّهِ مَا نزلَت آية بِلَيْلٍ أو نَهَارٍ أوْ سَهْلٍ أوْ جَبَلٍ أوْ سَفَرٍ أوْ حَضَرٍ إِلاَّ وأنَا أَعْلَمُ فِيمَ نَزَلَتْ»
إذن علي(ع) كان مع القرآن والقرآن معه، وكان يعلم فيم نزلت كل آية وهذا العلم نُقل منه إلى أولاده الأئمة الطاهرين(ع) من بعده.
ولقد ذكر الإمام علي(ع) في خطبة له قوله: «وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ ...وَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذِهِ قَالَ رَنَّةُ اَلشَّيْطَانِ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتُ بِنَبِيٍّ».
فقد لازم علي(ع) الرسالة منذ اللحظات الأولى وبقي معاصراً لها ومرافقاً للرسول(ص) في كل مناسبة، وقد تربى تربيته ثم فاضت روح رسول الله إلى الملأ الأ على ورأسه في صدره.
وأما إذا رويت الرواية بالشكل الآتي كما يريد أنْ يرويها بعض: "إني مخلف فيكم كتاب الله وسنتي" فإذا كان نص الحديث هكذا فنقول: إنَّ رسول الله(ص) خلف في الأمة أمرين عظيمين هما الكتاب والسنة ولا نشك بأنَّ سنة الرسول(ص) حجة وهي من مصادر التشريع، ولكن هذه السنة نؤمن بأنها معتبرة حينما تصلنا عن طريق العترة، والطريق الذي عاصر الرسول(ص) منذ اللحظة الأولى من لحظات الوحي هو علي(ع) لا الذي عاشر الرسول لسنة أو سنتين.
فإذا كان الحديث كما يقولون هو "كتاب الله وسنتي" فهذه السنة لا يؤمن عليها إلا علي(ع) أما سند هذه الرواية: نجد إنَّ أول كتاب يذكر هذا الحديث هو كتاب الموطأ للإمام "مالك بن أنس" وقد ألفه بأمر من أبي جعفر المنصور في حدود سنة (١۵٠ه) والفاصل الزمني بين هذا الكتاب وبين الرسول(ص) هو حوالي سنة (١۵٠ه أو ١۴٠ه)، ويقول المؤلف: بلغني إنَّ رسول الله(ص) قال إني مخلف ...
إذاً هذا الحديث لا سند له ولا اعتبار له لأنه حديث مرفوع، والمرفوع لااعتبار له في مقابل حديث المسند المتواتر الذي ذكرت فيه سلسلة الرواة واحدٌ بعد الآخر بشكل مضبوط ودقيق، وعليه لا يمكن الاعتماد على هذا الحديث.[١]
المراجع والمصادر
الهوامش
- ↑ السيد فاضل الميلاني، العقائد الإسلامية، ص ٢٦٠-٢٦٣.